استخدام أسلوب الجودة الشاملة
لتفعيل دور الجامعة
فى تعزيز الانتماء لدى الطلاب بمصر
إعـــــــــــــــــــداد
د/ صلاح الدين محمد حسينى
أستاذ أصول التربية المساعد
بكلية التربية النوعية – جامعة بنها
مقدمــة:
يعيش العالم الآن عصر تدفق فيه المعرفة الإنسانية وتنوعت مصادرها نتيجة للتطورات الهائلة فى مجال التكنولوجيا، وتعددت الإنجازات الفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية، ونتيجة لذلك توثقت العلاقة بين الانتصارات العلمية التكنولوجية، وأصبحت الحصيلة المعرفية لأى مجتمع هى القوة التى تصوغ حاضره وتؤمن مستقبله، وهكذا أصبحت الأمة القوية هى الأكثر أمن وأمان لتحقيق الانتماء لدى أفرادها.
وأصبح التغيير والتطوير حقيقة إنسانية، بل هو الحقيقة الإنسانية الكبرى وهو حالة من الحالات التى يكون فيها التغيير محملا بقيمة يراها الداعون له سبيلا نحو الأفضل للفرد والمجتمع، ولعل التعليم الجامعى يمثل أحد الوسائل الفاعلة فى تقدم المجتمعات وإبراز شخصيتها ومستقبلها، وذلك بأمدادها بالكوادر المختلفة التى يحتاج إليها المجتمع والمشاركة فى معالجة مشكلاته وقضاياه، فالفرد لا يسعى إلى نقل المعرفة فحسب، وإنما يسعى إلى تطبيق العلم باعتباره نتاجا للعقل والنشاطات المختلفة، فهذا التعليم يهدف إلى تزويد الدولة بالمتخصصين والفنيين والخبراء فى مختلف المجالات، وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمـة، والقيم الرفيعـة ليساهم فى بنـاء وصنع مستقبل أفضل للأمة لمواجهة التحديات العالمية المعاصرة فى ضوء الإمكانيات المتاحة.
ونظراً لأهمية التعليم الجامعى فى شتئ المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية التى يكون للجامعة الدور الأساسى فى إثرائها فقد اعتبرته العديد من المجتمعات الركيزة الأساسية لإحداث التطور، ولهذه الأسباب فهى مطالبة بأن تكون على وعى تام بمسئوليتها ورسالتها فى المجتمع، وأى قصور فى هذا الدور يجعلها عرضه للنقد من قبل المجتمع بسبب عدم الوفاء باحتياجاته (Jamil Salmi, 1991, 20- 21).
والجامعات فى عصرنا الحاضر ارتفعت مسئولياتها وتعاظمت نتيجة لتغير أهدافها ووظائفها بما يتفق واحتياجات المجتمعات للكفاءات والخبرات المختلفة، وكذلك رغبة من هذه المجتمعات فى فتح باب القبول والدراسة بالتعليم الجامعى أمام أبناء تلك المجتمعات لتحقيق طموحاتهم فى التعليم الجامعى.
لذا أصبحت منظومة الجامعة معرضة لخطرين أولهما: أن تنغلق على نفسها وتقاوم التغيير المتلاحق فتصبح خلف الزمن وتخرج خارج التاريخ من حيث بنيتها ومناهجها وقيادتها، وتغدو غير مواكبة لعصرها ولا مواتية لمتطلباته والآخر: أن تنهار مناعة منظومة الجامعة وتفقد قواها كمنظومة تنموية لثقافة بلدنا فتلاحقها سياسات وحينئذاً تصبح بلدنا وهويتنا فى خطر (حسن البيلاوى، 2001، 1).
ومن هنا فإن منظومة الجامعة تواجه الكثير من التحديات فى هذا العصر الذى يوصف بأنه عصر السماوات المفتوحة والتى كثرت فيها شبكات الاتصال والمعلومات العالمية، وسهولة التواصل بين الشعوب، وفتحت المجال أمام الأفراد للوصول إلى قواعد ومعلومات ضخمة ومتنوعة بسرعة مذهلة، مما جعل السباق الدولى محموما للوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والتى من المتوقع أن تكون المعيار الأساسى للقوة فى نظام عالمى يتشكل بسرعة هائلة كل ذلك يمثل مجموعة من التحديات أمام الجامعة فى تحقيق رسالتها لذا لابد من استخدام الأساليب الحديثة داخل الجامعة.
وتعد الجامعة إحدى أهم مؤسسات المجتمع، حيث يتم فيها عملية التطبيع الاجتماعى وإكساب الطلاب القيم والمعتقدات، وتغيير سلوكهم إذا كان سلوكاً مرفوضا من قبل المجتمع، كما يقع على عاتقها إكساب الطلاب ثقافة المجتمع من أجل التعايش مع المجتمع الأكبر، وتشير الجامعة مع نظام الدولة الذى يحتويها، وكما يشكلها المجتمع تتشكل الجامعة، وتشكل من ثم أجيالها فى نفس القوالب العامة التى أعدها المجتمع لهذا التشكيل، وفعالياتها دائما مشروطة بفعاليات المجتمع ونظمه العاملة فيه، ومع ذلك فقد تقصر الجامعة فى دورها الوظيفى المنوط بها لأسباب خارجية وداخلية (محمود قمبر، 2002، 201).
وفى ظل الاختراق الثقافى الذى يعتبر من أهم سمات وخصائص العصر الحالى الذى يتصف بالتغيير السريع وترتبط بهذه الظاهرة ما يلى:
1- أن ظاهرة الاختراق الثقافى تعد تكريساً لأيدولوجيا الفردية المستسلمة، وكما تريدها وتتزعم مسيرتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الايدولوجيا تقوم على خمسه أوهام هى: (هانى عبد الستار، 2004، 17).
*الفردية: أى جعل الإنسان يعتقد أن حقيقة وجوده محصورة فى فرديته، وأن كل ما عداه لا يعنيه، مخرباً وممزقا الرابطة الجماعية، التى تجعل الفرد يعى أن وجوده إنما يكمن فى كونه عضواً فى جماعة وينتمى إلى أمة معينة، أى أنها تستهدف عدم تحقيق الانتماء للمجتمع الذى يعيش فيه الفرد.
*الخيار الشخصى وهذا الوهم يرتبط بسابقه، ويجئ تكريساً للوعى الأنانى، ويعمل على طمس الوعى الطبقى والوعى القومى للأفراد داخل المجتمع مما يحقق عدم الانتماء للوطن الأكبر.
*الحياد: فما دام الفرد وحده الموجود، وما دام حراً مختاراً، فهو محايد، وكذلك كل الناس والأشياء محايدون بالنسبة لهذا الفرد، ومن ثم فليس هناك التزام بأية قضية جماعية تضم هؤلاء الأفراد.
*الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية لا تتغير: يهدف صرف الأنظار عن رؤية الفوارق بين الأغنياء والفقراء، والبيض والسود، وقبولها بوصفها أمور طبيعية، وبالتالى يكرس الاستغلال والتمييز العنصرى.
* غياب الصراع الاجتماعى: ويأتى هذا الوهم تتويجا للأوهام السابقة، مستهدفاً الاستسلام لكل أشكال الاستغلال من شركات ووكالات وطبقات وأقليات متسلطة، بمعنى إلغاء الصراع الطبقى، وتعطيل النضال القومى، وغلق الأبواب أمام آفاق التغيير نحو الأحسن.
2- الاختراق الثقافى يهدف إلى عدم الانتماء للوطن:
هذا الاختراق يجد الطالب نفسه محاط به فى منزله من خلال الفضائيات، وتعامله مع أقرانه ومع الكبار، ولذلك نجد أن الجامعة قد أخذت على عاتقها ترسيخ قيم الانتماء والمواطنة لدى طلابها (حسن محمد، وآخرون، 2004، 121 – 122).
وإذا كانت التربية من أجل الانتماء والمواطنة تتضمن: بطبيعة الحال دراسة لمحتوى معرفى فى حقوق المواطنة والانتماء وواجباتها، إلا أنها تتعدى ذلك وتتجاوز إلى حد بعيد، فالتربية من أجل المواطنة لا تتوقف على مجرد تعلم الحقائق الأساسية المتعلقة بمؤسسات الدولة وديناميات الحياة السياسية فيها فحسب، وإنما تتضمن كذلك اكتساب الطالب لقاعدة عريضة من المهارات والميول والاتجاهات والفضائل والولاءات التى ترتبط ارتباطا وثيقاً بممارسة الفرد لأدوار المواطنة.
والطلاب لا يكتسبون تلك الفضائل والولاءات من مجرد دراسة مقرر دراسى داخل الجامعة فقط، وإنما يتعين أن تكون تلك الفضائل والولاءات حاضرة وفاعلة ومؤثرة من خلال النظام التعليمى بأسره، بعبارة أخرى إن التربية من أجل المواطنة تتأثر بالعديد من العوامل التى يأتى فى مقدمتها ما يتعلمه الطالب بصفة عامة، وكيف يتعلمه، وطبيعة بيئة التعليم والمناخ الجامعى إلى الغير ذلك من عوامل تتعدى مجرد الدراسة "التقليدية" لمقرر دراسى هنا، أو وحدة دراسية فى مقرر هناك (نسرين إبراهيم، 1987، 91).
لذلك ينبغى تأصيل روح الانتماء بحيث يصبح إحدى الغايات أو المبادئ التى تشكل المنهج الدراسى بأكمله، وعندما تغرس قيم الانتماء والمواطنة فى هؤلاء الطلاب تكون الجامعة قد حققت هدفها وهو خلق مواطن صالح.
وفى ظل ما تعانيه الجامعة فى مصر من قصور من عدم قدرتها على مجاراه المتغيرات العالمية ورغم ما تبذله الدولة من جهود الإصلاح والتطوير فى مصر عن طريق إدخال بعض التجديدات والتحديثات فى الجامعات، فإن هذه الجهود تقابل ببعض المقاومة لمنع حدوث التغيير والتطوير وهذا يحتاج إلى استخدام أسلوب الجودة الشاملة لتفعيل دور الجامعة فى تعزيز الانتماء لدى الطلاب من خلال الدراسة بما يدعم المنتج التعليمى وقدرته التنافسية فى ظل التحديات والمتغيرات العالمية المعاصرة.
ويعتبر أسلوب الجودة الشاملة من الأساليب الحديثة لإصلاح العملية التعليمية بالجامعة فى مصر، وقد سبق هذه الدراسة بحوث ودراسات تناولت أسلوب الجودة الشاملة والانتماء، وفيما يلى عرض لأهم هذه الدراسات:
- دراسة (محمد عبد الرازق) والتى عنوانها: تطوير نظام تكوين معلم التعليم الثانوى العام بكليات التربية فى ضوء معايير الجودة الشاملة استخدم الباحث المنهج الوصفى وذلك للتعرف على واقع نظام تكوين المعلم بكليات التربية وكذلك استخدم مدخل الجودة الشاملة معتمداً على نموذج ديمنج لحل المشكلات واستخدم الباحث الأدوات التالية، استمارة استطلاع رأى تم تطبيقها على عينة من مديرى التعليم الثانوى العام والنظار والموجهين والمدرسين الأوائل وكذلك استخدم قائمة بمعايير الجودة الشاملة لنظام تكوين المعلم وتلك المعايير مستخلصة من الدراسة الاستطلاعية وتم تطبيقها على عينة من أعضاء هيئة التدريس من كليات التربية بهدف تطوير نظام تكوين المعلم، وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج من أهمها، إن هناك مشكلات تواجه نظام تكوين معلم التعليم الثانوى العام من حيث سياسات القبول ونظام الدراسة، وطرق التدريس والتدريب والإعداد، وهذه المشكلات أثرت على جودة نظام تكوين المعلم، وأن الجودة الشاملة فى نظام تكوين المعلم هى أفضل السبل للوصول إلى نظام إعداد جيد وتوصل إلى خطوات إجرائية لتطبيق الجودة الشاملة، التمهيد للتجديد، والتخطيط للجودة، التنظيم للجودة، التنفيذ والتقويم (محمد عبد الرازق، 1999).
- ودراسة (أشرف السعيد) بعنوان بعض مؤشرات جودة التعليم الجامعى مع التطبيق على كليات التربية، وهدفت إلى التعرف على مؤشرات جودة التعليم الجامعى، وحددت هذه المؤشرات فى التشريعات واللوائح، الموارد البشرية، الموارد المادية، الإدارة، البرامج الدراسية، البرامج البحثية، الخدمات المدعمة للتعليم والبحث، بيئة التعليم والتعلم، المخرجات المؤسسية، وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج التى من خلالها يمكن تحديد السبيل إلى تحقيق الجودة الشاملة فى مؤسسات التعليم الجامعى ومن هذه النتائج انه يجب إعادة النظر فى القوانين والتشريعات التى تحدد سير العمل داخل الجامعة لتواكب المتغيرات العالمية، وكذلك الاهتمام بالموارد البشرية من أساتذة وطلاب وعاملين داخل الجامعة من خلال التدريب المستمر والمتابعة الجيدة، وتوفير الدعم المدى للخدمات البحثية التى تقوم الجامعة بتقديمها، والعمل على توفير بيئة تعليمية مناسبة لجميع الطلاب داخل الجامعة (أشرف السعيد، 2001).
- ودراسة (عبد المنعم نافع) والتى عنوانها الجودة الشاملة ومعوقاتها فى التعليم الجامعى المصرى، هدفت هذه الدراسة إلى تأصيل مفهوم الجودة الشاملة والتعرف على أسباب الأخذ بها فى التعليم الجامعى، والعمل على التعرف على المعوقات التى تواجه تطبيق الجودة الشاملة فى الجامعة، وأخذت هذه الدراسة من جامعة الزقازيق مجالا للتطبيق باعتبارها جزءاً من التعليم الجامعى، وحددت الدراسة تسعة معايير أساسية لتحقيق الجودة الشاملة فى التعليم الجامعى وهى – الفلسفة، الأهداف، سوق العمل، المنافسة، السياسة التعليمية للجودة، الأداء، مناخ العمل، مراجعة الشعبية، تأسيس نظم المعلومات، وأكدت الدراسة على وجود معوقات لتطبيق مفهوم الجودة الشاملة فى الجامعة، وذلك نتيجة لما يحمله هذا المفهوم من مؤشرات ومعايير للتطبيق (عبد المنعم نافع، 1996).
- ودراسة (وضيئة أبو سعدة، أحلام رجب) والتى عنوانها الجودة الشاملة فى كليات وشعب رياض الأطفال بجمهورية مصر العربية، هدفت هذه الدراسة إلى تصور مقترح لتطوير نظام إعداد وتكوين معلمات رياض الأطفال فى مصر فى ضوء الجودة الشاملة، وتناولت هذه الدراسة مفهوم الجودة الشاملة، وفلسفتها والأسس التى تقوم عليها وتطبيقاتها المستخدمة فى التعليم الجامعى، وعرضت مجموعة من المعايير أيزو 9000 وكيف يمكن تطبيقها على كليات معلمات رياض الأطفال، وتوصلت لنموذج مقترح لاستخدام أسلوب الجودة الشاملة فى تطوير نظام تكوين معلمات رياض الأطفال فى مصر (وضيئة أبو سعدة، أحلام رجب، 2000).
- كما أشارت دراسة (نجلاء عبد الحميد) والتى عنوانها: الانتماء الاجتماعى للشخصية المصرية فى السبعينات (محدداته – مشكلاته)، على أن هناك اثار لفترة السبعينات على إنتماء الشباب المصرى لمجتمعهم، واستخدمت الباحثة استمارة مقابلة طبقتها على عينة من الشباب فى فئات عمرية مختلفة، وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج منها، انتشار القيم السلبية بين الشباب وتأثر الوعى الاجتماعى بالتغيرات الاقتصادية، وظهور الانتماء الطبقى لدى بعض أفراد العينة، وهو يتعارض مع الانتماء الموضوعى، وأوضحت كذلك مدى إسهام أجهزة الأعلام فى تسطيح الوعى وتفريغه واهتمامها بالتسلية والترفيه فقط، وأشارت إلى اختلاف طبيعة ومستوى الانتماء الاجتماعى باختلاف مستوى الدخل، وارجعت ذلك إلى دور التعليم فى تزيف الوعى لتخريج أجيال اكثر تكيفا مع النظام القائم، وأشارت إلى ان الوعى الاجتماعى للفرد يؤثر على طبيعة مشاعره الإنتمائية (نجلاء عبد الحميد، 1990).
- وبينت دراسة (عبلة محمود) والتى عنوانها هيراركية الانتماءات "المدرج الانتمائى لدى عينة من المثقفين" أن هناك علاقة بين الانتماء والجماعة التى تجسد ذلك الانتماء، واستهدفت التعرف على اتجاه الفرد نحو كل من الأسرة والوطن الذى يعيش فيه، واستخدمت الباحثة مقياس التدرج الانتمائى، وكذلك مقابلات مفتوحة لعينة من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من الكليات العملية والنظرية وتوصلت إلى وجود ضعف فى الانتماء على مستوى الأسرة والوطن، وهناك علاقة بين الانتماء والجماعة التى ينتمى إليها الفرد وتأثر الانتماء بالعديد من القيم والاتجاهات السائدة داخل المجتمع (عبلة محمود، 1993).
- وأشارت دراسة (لطيفة إبراهيم) إلى "دور التعليم فى تعزيز الانتماء" قامت الباحثة فى هذه الدراسة باستخدام المنهج الوصفى فى دراسة وتشخيص واقع الانتماء لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسى فى مصر، بهدف الوصول فى النهاية إلى كيفية مساهمة المدرسة باعتبارها احد أهم الوسائط التربوية الفاعلة فى تقوية وتنمية مفهوم الانتماء لدى تلاميذها، واستخدمت الباحثة استبيانين من إعدادها، الأول: مقياس الاتجاه نحو الانتماء للوطن، والثانى: مقياس الموقف من الانتماء للوطن، وتوصلت الدراسة إلى أن واقع الانتماء لدى التلاميذ فى ضوء متغيرات بعينها انحصرت فى تنوع التعليم فى هذه المرحلة، واختلاف النوع، واختلاف مستوى تعليم الآباء وكذلك الأمهات وكذلك توصلت الدراسة إلى أن للمدرسة دور فعال فى تحقيق الانتماء لدى التلاميذ وذلك من خلال العمل على اشراكهم فى الأنشطة والبرامج التى تدور داخل المدرسة (لطيفة إبراهيم، 2000).
- دراسة هوج جان:(Hoge John) اهتمت هذه الدراسة بتدريس قيم الانتماء والولاء من أجل المواطنة وذلك من خلال تدريس التاريخ بمدارس التعليم الأساسى، من أجل خلق مواطن يمتلك مهارات وقيم الانتماء والمواطنة للوطن الذى نشأ فى أرضه واكتسب من قيمه وعاداته وتقاليده التى تحقق الانتماء لهذا الوطن (Hoge john, 2003).
ومما سبق من الدراسات نستطيع أن نصل، نلخص إلى مجموعة من النتائج منها:
- ضرورة تفعيل دور الجامعة لتعزيز الانتماء للطلاب حيث لا توجد أى دراسات سابقة تناولت ذلك الموضوع.
- أهمية استخدام أسلوب الجودة الشاملة فى تفعيل دور الجامعة لأهمية ذلك الأسلوب.
- تساهم الجودة الشاملة فى تحسين المدخلات والعمليات والمخرجات لمنظومة الجامعة.
- الاهتمام بدور التعليم الجامعى المصرى فى تعزيزاً الانتماء لدى الطلاب يلى ذلك التقييم للدور الذى تقوم به الجامعة.
- خلق وتنمية سلوكيات موجبة لدى الطلاب نحو الوطن لتعزيز الانتماء.
واستفادت هذه الدراسة من تلك الدراسات فى الإطار العام والتأصيل الفكرى له، ولكنها تختلف معها فى تناولها لتفعيل دور الجامعة فى تعزيز الانتماء لدى الطلاب تجاه الوطن فى مصر.
كل ذلك دفع الباحث إلى النظر فى دراسة استخدام أسلوب الجودة الشاملة لتفعيل دور الجامعة فى تعزيز الانتماء لدى الطلاب تجاه الوطن.
مشكلة الدراسة:
يعد الانتماء قيمة من أهم القيم التى كانت ولا تزال موضع اهتمام معظم الفلاسفة والعلماء والمربين على اختلاف العصور، لما يلاحظونه من نقص فى معارف التنشئة والشباب حول مسئوليات الانتماء والمواطنة، ووجود حالات اغتراب لدى بعض النشئ والشباب، عن المجتمع ومؤسساته، وعدم الوعى بعملياته، فضلا عن تدنى البرامج الدراسية التى تهتم بتعليم الحقوق والواجبات والمسئوليات المدنية فى الجامعة والمجتمع ونظراً للبعد القيمى الكامن فى "الانتماء" تتضح مسئولية الجامعة فى تنمية قيم الانتماء وبناء عليه تمثلت مشكلة الدراسة فى التساؤل الرئيسى التالى:
ويتفرع عنه مجموعة من الأسئلة التالية:
1- ما مفهوم الانتماء وخطواته وأبعاده؟
2- ما طرق بناء الانتماء؟
3- ما مفهوم أسلوب الجودة الشاملة وأهم خصائصه؟
4- ما الرؤية المستقبلية لدور الجامعة فى تعزيز الانتماء باستخدام أسلوب الجودة الشاملة فى مصر؟
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة الحالية إلى التعرف على:
- مفهوم وخطوات وأبعاد الانتماء لإعداد المواطن الصالح.
- أهم طرق بناء الانتماء وتكوينه لدى الطلاب داخل الجامعة من خلال مجموعة الأساليب والوسائل التى تحقق ذلك.
- أهم خصائص وخطوات أسلوب الجودة الشاملة وكيفية استخدامها فى تفعيل دور الجامعة لتعزيز الانتماء لدى الطلاب داخل الجامعة.
- الوصول إلى رؤية مستقبلية لاستخدام أسلوب الجودة الشاملة فى تعزيز الانتماء لدى الطلاب فى مصر.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة من خلال ما يلى:
- تعد هذه الدراسة استجابة لأبرز الإشكاليات المطروحة على ساحة الفكر السياسى والتربوى محليا وعالميا، بما يدعم دورا الجامعة فى تعزيز الانتماء لدى الطلاب.
- تأتى أهمية هذه الدراسة من أهمية المفهوم الذى يبحث فيه، بوصفه مفهوماً يتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة فى المجتمع المصرى وكذلك من ضروريات بناء المواطن المصرى وإنماء سلوكه الإيجابى.
- تتناول هذه الدراسة موضوعا يرتبط ببناء الطلاب وإعدادهم للمساهمة فى تحقيق التنمية والسلام الاجتماعى داخل المجتمع الذى يعيشون فيه وينتمون إليه.
- تنبع أهمية هذه الدراسة من استخدام أحد الأساليب الحديثة وهو أسلوب الجودة الشاملة فى تفعيل دور الجامعة لتعزيز الانتماء لدى الطلاب.
منهج الدراسة وإجراءاتها:
نظراً لطبيعة الدراسة فإن المنهج الوصفى يعد أفضل المناهج المناسبة لذلك الموضوع، لما للمنهج الوصفى من دور فى استقراء ما كتب فى الميدان وجمع البيانات عن الظاهرة محل الدراسة، والمعلومات المتعلقة بالانتماء وكيفية تحقيقه من خلال الجامعة وتفعيل دور الجامعة باستخدام أسلوب الجودة الشاملة كأحد الأساليب الحديثة، واعتمد الباحث على المنهج الوصفى الذى يعتمد على مجموعة من الإجراءات البحثية التى تتكامل لوصف الظاهرة اعتماداً على الأدبيات المكتوبة فى هذا المجال، ثم جمع البيانات والحقائق والمعلومات وتصنيفها ومعالجتها، وتحليلها تحليلاً كافياً ودقيقاً لاستخلاص دلالتها والوصول إلى نتائج أو تعميمات عن الظاهرة محل البحث.
مصطلحات الدراسة:
1-الانتماء Belongingness:
هناك العديد من التعريفات التى تناولت مفهوم الانتماء وذلك ما يتضح خلال التعرض لمفهوم الإنتماء فى الإطار النظرى ومن خلال تلك التعريفات تم التوصل إلى تعريف إجرائى للإنتماء وهو شعور الفرد بأنه جزء أساسياً من الجماعة التى يعيش معها وينتمى إليها ومرتبط بها ومتوحد معها، وأنه مسئول تجاه هذه الجماعة مع توافر المقومات الأساسية للجماعة لدى الفرد على أن تعمل هذه الجماعة على إشباع حاجات الفرد ورغباته.
2-القيم Values:
هى معتقدات عامة راسخة تملى على الإنسان فى مجتمع بشرى مترابط اختيارات سلوكية ثابتة فى مواقف اجتماعية متماثلة (محمود قمبر، 1992، 79).
3-قيم الانتماء Belongingness Values:
هى الإطار الفكرى لمجموعة المبادئ الحاكمة لعلاقات الفرد بالنظام السائد فى المجتمع، والتى تجعل للإنجاز الوطنى روحاً فى تكوين الحس الاجتماعى والانتماء، بما يسوده بإرادة الفرد للعمل الوطنى مع الشعور بالمسئولية لتحقيق المكانة الاجتماعية لمجتمعه فى عالم الغد (عبد الودود مكرم، 2004 ، 55).
4-الجودة الشاملة:
هناك العديد من التعريفات لمفهوم الجودة الشاملة ولكن التعريف الذى استخدمته هذه الدراسة تناول الجودة الشاملة على أنها (هى تخطيط وتنظيم وتنفيذ ومتابعة العملية التعليمية وفق نظم محددة وموثقة تقود إلى تحقيق رسالة الجامعة فى بناء الإنسان المصرى من خلال تقديم الخدمة التعليمية المتميزة أو أنشطة بناء الشخصية المتوازنة).
الإطــار النظــرى
أولاً: مفهوم الانتماء وخطواته وأبعاده:
يعد الانتماء مفهوماً فلسفياً دينامياً لا يمكن إدراكه إلا فى ضوء مرحلة تاريخية بعينها، وفى إطار اجتماعى بذاته، فهو ناتج للعديد من المعطيات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية فى المجتمع، كما أنه مفهوم نفسى ذو بعد اجتماعى، وبافتقاده يشعر المرء بالعزلة والغربة، ويعتريه القلق والضيق وتنتابه المشكلات النفسية التى لها تأثيرها على وحدة المجتمع وتماسكه، وعلى ذلك فسوف يتم تناول المحاور التالية:
1- مفهوم الانتماء Belongingness
يعد الانتماء مفهوم أكثر انتشار فى حياتنا اليومية، وبالرغم من هذا الانتشار إلا أنه لم ينل الاهتمام الكافى من جانب المتخصصين فى مجال العلوم الإنسانية، ولعل الانتماء كمفهوم يحيط به كثير من الخلط، فهناك من يرى أن الانتماء هو عضوية الفرد فى جماعة، والبعض يرى ضرورة اشتمال الانتماء على الجانبين أى كون الفرد جزءاً من الجماعة وارتباطه بها فى نفس الوقت.
أما عن الأصل اللغوى لكلمة "الانتماء" فى اللغة العربية هو نما الشئ ويقال نميته إلى أبيه أى نسبته وانتمى إليه أى انتسب وقال الأصمعى نميت الحديث مخففاً أى أبلغته على وجه الإصلاح (محمد بن أبى بكر، 1926، 681).
ويعرف الانتماء بأنه اتجاه يستشعر من خلاله الفرد توحده بالجماعة وبكونه جزءاً مقبولاً منه ويستحوز على مكانة متميزة فى الوسط الاجتماعى، وهذا التعريف يشتمل على بعض الخصائص منها (سناء حسن مبروك، 1994، 41):
- أن الانتماء اتجاه، وهو بذلك يشير إلى الجانب النفسى للانتماء.
- توحد الفرد بالجماعة التى ينتمى إليها كمظهر من مظاهر الانتماء.
- شعور الفرد بأنه جزء من الجماعة، وهذا التأكيد على عضوية الفرد فى الجماعة.
- شعور الفرد بمكانته الاجتماعية كمظهر من مظاهر الانتماء .
ويعرفه معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية بأن الانتماء هو ارتباط الفرد بجماعة ويسعى إلى أن تكون عادة جماعة قوية، يتقمص شخصيتها ويوحد نفسه بها ( كالأسرة – النادى – مكان العمل...الخ) كما يرى أن الانتماء يرتبط بالولاء ( أحمد زكى بدوى،1982،16).
أما فى التراث النفسى، نجد أن الانتماء بوصفه صفة لجزء ينتسب بشدة إلى جزء آخر ويكمله، ويشير هذا التعريف لما يلى:
- التماسك بين الفرد وجماعة الانتماء.
- التفاعل بين الفرد والجماعة التى ينتمى إليها.
- أن الانتماء لا يتجه نحو الذات ولابد أن يتجه إلى الآخر.
أما العالم "فروم" يرى أن الحاجة إلى الانتماء قد نبعت من حاجة الإنسان إلى خلق العلاقات الخاصة وأكثرها تحقيقاً هى تلك القائمة على الرعاية المتبادلة والاحترام كذلك رغبة الإنسان فى أن ينتمى إلى جذوره (عبد الفتاح متولى، 1986، 49).
وبالرغم من اختلاف الآراء حول الانتماء ما بين كونه اتجاها وشعور أو إحساسا أو كونه حاجة نفسية أساسية إلا أننا نستطيع أن نستنتج المعنى العام للانتماء:
- أن الانتماء حاجة إنسانية طبيعية، توجد لدى كافة الأفراد.
- ارتباط الانتماء بالتدريب والتعليم وأسلوب التنشئة الاجتماعية.
- اقتصار الانتماء على جماعات البشر.
2- علاقة الانتماء بالولاء والاغتراب والانتساب:
أ- علاقة الانتماء بالولاء:
الولاء Loyalty يعنى فى اللغة العربية المحبة والصداقة والقرابة، كما أن الولاء والموالاه ضد المعاداة، كما أن لفظ الولى يعنى المحب، النصير، الحليف، التابع، يعنى تكريساً للعاطفة نحو شخص أو جماعة أو قضية (محمد بن أبى بكر، 1926، 736).
والولاء اتجاه نفسى اجتماعى ذو جانب انفعالى عاطفى، وجانب سلوكى يدفع الفرد للقيام بسلوك معين نحو مصلحة، تتعلق بإنتمائه للجماعة، هذا بالإضافة إلى جانبه المعرفى الذى يتمثل فى إدراك الفرد للمفاهيم والقيم، التى يستند إليها شعوره بالولاء (عبد العال محمد، 1991، 63).
أى أن للولاء جانباً نفسياً ولا يمكن إدراكه إلا من خلال الواقع المعاش على المستوى السلوكى واللفظى، والولاء فى معظمه اتجاه شعورى، إلا أنه ذو أرضية لا شعورية ترتبط بمفهوم الحب، الذى تقوم عليه جميع الاتجاهات النفسية والانفعالية والاجتماعية لدى الفرد (عبد العزيز عبد المنعم، 1989، 20- 21).
والولاء يتعلق بالمشاعر والوجدان والعواطف تجاه من ينتمى إليه، ويؤكد على التفاعل الاجتماعى، فإنه ذو ارتباط موجب بالالتزام ومن ثم بالانتماء، حيث الولاء يدعم مستوى الأداء الذى يؤكد بدوره على مدى وجود الانتماء.
ويلاحظ أنه يوجد فروق واضحة بين الولاء والانتماء ولكن هذا لا يعنى التنافر أو التضارب بين المفهومين ولكن يوجد علاقة إيجابية متداخلة بينهما، وهذه الفروق يمكن أجمالها فيما يلى:
- يقتصر مفهوم الانتماء على الجماعات الإنسانية بينما يتسع مفهوم الولاء ليشتمل على الأفكار والقضايا.
- إمكانية الولاء لجماعة لا يكون الفرد جزءا منها ولا ينطبق ذلك على مفهوم الانتماء، فالشرط الأساسى فى الانتماء أن يكون الفرد جزءا من جماعة الانتماء.
- يركز الانتماء على العضوية بينما يركز الولاء على المشاعر والعواطف تجاه الجماعة باعتباره رابطة وجدانية واستعداد إرادى.
- الانتماء يحتوى على جزءا من الموضوع الخاص بالوجود المادى، أما الولاء يحتوى الموضوع كله وجدانياً وسلوكياً، سواء كان الاحتواء نظرياً أم عملياً.
- الولاء يدعم الانتماء ويقويه والوعى الذاتى الاجتماعى الثقافى هو البعد الذى يضاف لصالح الولاء ليميزه عن الانتماء (لطيفة إبراهيم خضر، 2000، 28- 29).
ب- علاقة الانتماء بالاغتراب:
الاغتراب Alienation هو البعد عن الأهل والوطن، بل وفقدان للذات، وذلك حين يتعرض الإنسان لقوى معادية، ربما كانت من صنعه ولكنها تتغلب عليه كالأزمات والحروب.
ففى حالة الاغتراب يستنكر الفرد أعماله ويفقد شخصيته، وقد يفقد انتمائه لجماعته، ويعد الاغتراب دافعاً قوياً للثورات، وللاغتراب صور شتى منها:
- الاغتراب السياسى: وفيه يصبح الفرد تحت تأثير السلطة الطاغية، التابع لها، فهو مجرد وسيلة لقوة خارجه عنه.
- الاغتراب الاجتماعى: وفيه ينقسم المجتمع إلى طوائف وطبقات وتخضع الأغلبية إلى الإقليمية (محمود رجب، 1993، 24).
- الاغتراب الاقتصادى: وفيه تسود الرأسمالية وتستولى طبقة خاصة على وسائل الإنتاج ولا علاج إلا بتملك الدولة لهذه الوسائل ودفع قوة الإنتاج، (أحمد زايد، 1990، 40).
وهناك العديد ممن يرون أن الانتماء هو الوجه الإيجابى، بينما الاغتراب هو الجانب السلبى داخل المجتمع، ويرى البعض أن الانتماء هو أحد المحكات التى يمكن من خلالها التعرف على مفهوم الاغتراب.
جـ- علاقة الانتماء بالانتساب:
الانتساب Affiliation يعنى حاجة الفرد إلى الارتباط مع شخص آخر أو أشخاص آخرين إما من أجل عمل مشترك يجمع بينهم، أو من أجل الصحبة أو من أجل الإشباع الجنسى، وهو العلاقة الشرعية الشكلية أو التعاونية بين جماعتين أو أكثر، ومن هنا يتضح مكانة الانتساب وعلاقته بالانتماء، ففى حين يشير الانتماء إلى عضوية الفرد لجماعة الانتماء واندماجه فيها وتوحده معها، فإن الانتساب يشير إلى الارتباط والاهتمام والتعاون والصداقة مع الآخرين بهدف إشباع حاجات الإنسان، وإن كان يشير إلى الانتماء باعتباره ممتد أخلاقيا ومرتبطا به، ويعتبر أساساً لنجاح وتقوية الانتماء حيث أن من أهم خصائصه: الود والإخلاص والصداقة والاهتمام (Brown & Loner, 1987, 47-54).