المرأة المعيلة .. ظاهرة عالمية وكارثة عربية
رغم أن ظاهرة المرأة المعيلة ليست جديدة في المجتمعات الإنسانية، فقد شهد الوجود البشري حالات كثيرة من بقاء المرأة بمفردها وإدارتها لعائلتها ولنفسها. ولكن اتساع الظاهرة في عصرنا الحالي؛ جعل المعنيين بشؤون المرأة يشيرون إلى أزمة جديدة عاصفة بالمجتمع البشري لها آثارها السلبية ليس على صعيد المرأة والأسرة بل المجتمع كله وستكون صورة الأسرة الأحادية (التي يعيلها طرف واحد) ظاهرة واضحة في المجتمع، خاصة إذا علمنا أن 70% من الأسر الأحادية في العالم تديرها نساء و30% فقط يديرها رجال (أرمل، مطلق، غير متزوج)، وهنا ندرك خطورة هذه الظاهرة الآخذة في الاتساع والتي شجعت الرؤى الغربية الخاطئة التي رفعت شعار (التعايش بين اثنين) بعيدا عن دائرة الزواج الشرعية
من هي المرأة المعيلة؟
المرأة المعيلة لنفسها أو لأسرتها: هي التي تتولى رعاية شؤونها، وشئون أسرتها ماديا وبمفردها دون الاستناد إلى وجود الرجل (زوج أو أخ، أو أب) وعلى هذا يدخل ضمن هذه الدائرة عدة شرائح نسائية منها 1- قد تكون المرأة المعيلة لنفسها هي امرأة متزوجة، ولكنها فقدت زوجها فهي إما أرملة، أو مطلقة، أو مهجورة، وربما كان الزوج موجودا ولكنه إما مريض وعاجز عن العمل، وبالتالي عن الإنفاق الذي هو مسؤولية الرجل تجاه المرأة، وهو أيضا حق المرأة على زوجها. وقد يكون قادرا على الإنفاق، ولكنه بخيل إلى درجة لا يؤمِّن معها الموارد الضرورية اللازمة لها، وبالتالي تضطر المرأة للعمل من أجل إشباع الحاجات الإنسانية الأولى .. وقد كان سابقا يقال لهؤلاء النساء (المرأة بلا معيل) ولكن هذه العبارة استبدلت لما تحمله من مشاعر الترحم والشعور بالنقص تجاه المرأة نفسها.2- قد تكون المرأة المعيلة لنفسها هي غير متزوجة أصلا، ربما بقيت دون زواج وألجأتها الظروف للعمل بعد أن فقدت المعيل (الأب والأخ)، أو ربما تعيش أزمة مالية خانقة تضطرها للعمل من أجل القوت
إحصاءات تنذر بالخطر
تنتشر ظاهرة المرأة المعيلة في الكثير من دول العالم، وهي في ازدياد حيث تصل نسبة هؤلاء النساء في أوربا وأمريكا من 15 - 20%، وفي جنوب آسيا والدول الأفريقية 30%، كما ترتفع هذه النسبة في بعض الدول العربية ففي لبنان تصل إلى 12%، وفي اليمن والسودان 22.6%، وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن نسبة هؤلاء النساء في العالم كله 42.9 % من أسر العالم..
مشكلات المرأة المعيلة
المشكلات النفسية
حيث إن هؤلاء النساء على العموم يعانين من نظرات الترحم والإشفاق من قبل الآخرين، والتي تجعلهن يشعرن بالذل والنقص أيضا، حيث لا تطال هذه النظرة الأخريات وهذه المشاكل تولد أزمة ثقة بالنفس، فهؤلاء النسوة يشعرن بالضعف شيئا فشيئا أمام العرف الاجتماعي المهاجم، ناهيك عن الضغوط النفسية التي تخلقها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الشديدة، والتي تؤدي إلى تعرضهن لكثير من الاضطرابات النفسية، ويصبحن أسيرات العقد النفسية؛ الأمر الذي يجعلهن يفضلن العزلة والتواري عن المجتمع، أو اللجوء إلى (مسكنات) وهمية كالإدمان - بمختلف أنواعه - الأمر الذي يهدم الأرضية النفسية الصلبة القادرة على مواجهة الأحداث، وهذا يولد حالات من الكآبة والقلق والخوف ومن المؤكد أن غياب العائل المفاجئ أيَّا كان، يولد حالة من الإرباك لدى الأسرة بكاملها، وقد يتفاعل الشعور بالوحدة مع الخلل العاطفي والشعور بالخيبة والحرمان والانكسار
2المشاكل الاقتصادية:
فمن اسم هذه الشريحة، يتضح لنا أنها كانت تعتمد اعتمادا كليا على الطرف الآخر (الرجل) في الإعالة، وبالتالي فهي لا تشمل المرأة العاملة التي اعتادت العمل قبل الزواج وبعده، مثلا كطريقة لتحقيق الذات والاستقلال الاقتصادي، أو للاستفادة من الدراسة التعليمية التي أهلتها لهذا العمل، وبالتالي فغياب العائل المفاجئ يحدث أزمة اقتصادية واضحة، تضطر المرأة للعمل في سن قد لا تصلح للعمل أصلا، كما أنها - في الغالب - قد لا تملك المؤهلات الكافية للعمل من حيث اكتساب المهارات أو الشهادات العلمية المناسبة، أو تعلم حرفة معينة، وبهذا يزداد الضغط النفسي المعزز بالشعور بالنقص مع الضغط الاقتصادي، ويأتي العرف الاجتماعي مضاعفا لهذه الضغوط، فقد ترفض العشيرة أو الأقارب عمل المرأة باعتبار أن هذا العمل يمثل انتقاصا لهؤلاء ولسمعة المعيلة والعشيرة؛ الأمر الذي يجعل المرأة بين خيارين، إما الرضوخ التام لهذه الأعراف، ومعناه الحرمان من الموارد الحياتية الأصلية، أو التمرد، وهذا معناه زيادة الضغوط النفسية، وأحيانا يقف العرف مهاجما لعمل المرأة، خاصة أن هناك محدودية للأعمال التي تمتهنها المرأة، ومما يضاعف المشكلة أكثر أن هذه الأعراف تستهجن ذهاب المرأة إلى المؤسسات الحكومية أو الأهلية التي تقدم العون لهؤلاء النساء عبر القروض المادية أو التأهيل للعمل
3المشاكل الاجتماعية:-
وهى تدور - غالبا - في إطار العرف الاجتماعي، والذي قد لا يكون متفقا مع الأصول الإسلامية، فبالإضافة إلى ما سبق وأشرنا إليه في جانب الأعراف، نجد هناك أعرافا تجبر المرأة إما على الزواج السريع، أو أنها تمنعها تماما من الزواج الثاني مثلا بحجة السمعة، والخياران لا يستطيع الرجل أو العشيرة البت فيهما، فالأمر يعود إلى المرأة ذاتها، فإجبارها على الزواج أو العنوسة أمر لا يتلاءم مع مفاهيم الشريعة التي منحت المرأة حق الخيار في الأمور الحياتية، وأعطتها حق تقرير المصير؛ خاصة إذا كانت ثيبا، ومن البديهي أن كلا الخيارين، ماداما بعيدين عن إرادة المرأة، فإنهما يتركان آثارهما واضحة على المرأة، وعلى باقي أفراد الأسرة، فقد تضطر العشيرة كمحاولة لإجبار المرأة على الزواج الثاني أن تحرمها من أولادها عبر إعادتهم إلى أسرة أو عشيرة الزوج.. وقد يهاجم العرف المرأة حتى في أمر السكن، فهو لا يرضى أن تبقى الأرملة أو المهجورة أو العانس بمفردها في البيت، والأمر قد يتضمن جانبا صحيحا في وجود المؤنس، ولا راعي لهذه المرأة خاصة في حال عدم وجود متعلقين (أطفال وأشقاء)، أو كانت كبيرة في السن، غير أن اتخاذ أسلوب العنف مع المرأة أمر لا يستسيغه العقل، وهو أيضا يحدث تصدعات في البناء النفسي الذي نحاول ترميمه عبر الوسائل الإيجابية
خروج المرأة للعمل فى العراق
وفى العراق أنجزت وزارة الدولة لشؤون المرأة عدة مشاريع تتعلق بالنهوض بواقع المرأة العراقية، وذلك من خلال إثارة وطرح همومها لمعالجتها من خلال تعديل القوانين والتشريعات الخاصة، وتطوير الحرف المهنية لها، وتوفير الدعم اللازم لدخل الأسرة، وتسعى الوزارة عازمة على تنفيذ مشروع قاعدة البيانات الهادف إلى تنفيذ مسح كامل وشامل في العراق عن عدد نساء الأرامل والمطلقات والقتل بدافع الشرف والعنف ضد النساء والمرأة العاملة؛ لإيجاد أفضل السبل لدعم المرأة، وتطوير الحرف المهنية لها من خلال تقديم هذه المشاريع إلى الجهات المانحة لدعم دخل الأسرة، ومساعدة المرأة المعيلة لأطفالها وكيفية إيجاد دخل ثابت لعائلتها ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة عن نسب هذه العائلات، إلا أن الدلائل تشير وبشكل واضح إلى أعدادهن الكبيرة، وأنهن الأكثر فقرا وضررا نتيجة عقدين من الحرب وعقد من الحصار الاقتصادي، وبالرغم من المساعدات التي تقدمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتي تتجسد في مخصصات نقدية شهرية إلا أن هذا الدعم لا يكفي لمستوى لائق من المعيشة، كما أنها تضيف أعباء متزايدة على موارد الوزارة المحدودة. ونتيجة للوضع الاجتماعي لهذه الفئة من النساء، فإنهن يفتقدن المهارات أو المعرفة أو الوسائل للعمل المنتج والذي قد يمكنهن اقتصاديا، ومن هنا فإن معالجة تأثير الحصار الاقتصادي على المرأة المعيلة من حيث الدور المتميز الذي تقوم به من رعاية عائلتها، والتأكيد على بقائها، يتطلب التمعن بالاحتياجات الخاصة لهذه الفئة من النساء لتحسين مستوى عائلاتهن المعيشية، وخروجهن من حلقة الفقر، ويمكن ذلك من خلال تزويدهن بالوسائل التي تمكنهن من الحصول على فرص مدرة للدخل والاكتفاء الذاتي من خلال التوعية والتدريب وتأمين فرص الائتمان الصغير.