جرائم الانترنت فى المجتمع المصرى : دراسة ميدانية بمدينة القاهرة
رانيـا حاكـم كامـل محمـد إبراهيـم
2016.
هدفت هذه الدراسة التعرف على ماهية جرائم الإنترنت وأنواعها المختلفة، والكشف عن حجم انتشار جرائم الإنترنت فى المجتمع المصرى من واقع الإحصاءات الرسمية، وأكثر الجرائم انتشاراً، وإلقاء الضوء على مكان ارتكاب جرائم الإنترنت، وأساليب ارتكابها، وأسباب اقترافها، والخصائص الديموجرافية لضحايا ومرتكبى تلك الجرائم، وتوضيح الإجراءات القانونية والأحكام الجنائية لجرائم الإنترنت، وإلقاء الضوء على دور إدارة مكافحة جرائم الحاسب وشبكات المعلومات، وأخيراً الكشف عن آليات مواجهة جرائم الإنترنت.
وقد استعانت الباحثة بعده مناهج كيفيه وكميه ، ومن المناهج الكيفيه ، منهج دراسه الحاله الذى تم تطبيقه على (ثلاثين) حاله من ضحايا جرائم الإنترنت ، و(ثلاث) حالات من مرتكبى تلك الجرائم ، ومنهج تحليل المضمون لعدد (61) محضر للقضايا الخاصه بجرائم الإنترنت ، اما استخدام المنهج الكمى فيتجلى من خلال تحليل احصائى لإحصاءات الامن العام عبر تسع سنوات (منذ عام 2003 وحتى عام 2011) ، كذلك تطبيق صحيفه استبيان على عينه قوامها (282) من مستخدمى شبكه الإنترنت.
وانطلقت الدراسة من تبنى عده نظريات بعضها تقليدى والبعض الأخر معاصر ، وتمثلت النظريات التقليديه فى ( نظريه المخالطه الفاصله ، ونظريه الوصمه الانحرافيه، ونظريه آليات أو اساليب التحييد ) ، والنظريه المعاصره وهى (الانتقال الفضائى لجرائم الإنترنت) .
وقد تم تقسيم الرسالة إلى بابين، جاء الباب الأول بعنوان الإطار النظرى والمنهجى ويشتمل على أربع فصول، يتناول الفصل الأول الإطار النظرى للدراسة، والثانى الإجراءات المنهجية للدراسة، والثالث الدراسات السابقة: رؤية تحليلية ونقدية، والرابع جرائم الإنترنت فى مصر كما تعكسها الإحصاءات الرسمية، أما الباب الثانى فجاء بعنوان الدراسة الميدانية ويشتمل على خمس فصول، يتناول الفصل الخامس واقع جرائم الإنترنت كما تعكسها المحاضر الرسمية، والسادس واقع جرائم الإنترنت كما تعكسها دراسه الحاله، والسابع جرائم الإنترنت من واقع نتائج الاستبيان، والثامن آليات مواجهه جرائم الإنترنت بين الجهات الرسمية ورؤية حالات وعينة الدراسة، والتاسع نتائج الدراسة وتوصياتها، ثم تأتى بعد ذلك المراجع العربية والأجنبية، يليها ملاحق الدراسة.
ومن أبرز النتائج التى توصلت إليها الدراسه :
- تتعدد جرائم الإنترنت فى المجتمع المصرى ، وتختلف من حيث انواعها وشدتها وترتيبها، وهو ما أكدته (احصاءات الامن العام والمحاضر الرسميه والدراسه الميدانيه). وجاء فى مقدمه انواع تلك الجرائم (جريمه السب والقذف والتشهير) كاعلى نسبه فى اعداد جرائم الإنترنت ، حيث يسرت الثوره التكنولوجيه عبر الإنترنت إرتكاب بعض الجرائم، كما أنها غيرت فى شكل وطريقه ارتكابها ، فأنتقل الشجار من الواقع المعايش فى نطاق السكن والجوار الى الواقع الافتراضى فأصبح فى إمكان الجانى إقتراف جريمته بسهوله نظرا لتملكه ادوات الدخول عبر الشبكه ، والوصول الى المجنى عليه بغض النظر عن المكان والزمان وذلك دون الإفصاح عن هويته وتركيب بعض مقاطع الصوت والصوره وإلصاقها بالمجنى عليه زورا وبهتانا.
- وأوضحت إحصاءات الأمن العام تنامى جرائم الإنترنت وانها لا تقتصر فقط على الجرائم المضره بالأفراد مثل سب وقذف وتشهير، وتهديد وإبتزاز، وسرقة بريد إلكترونى بل امتدت إلى الجرائم المضره بالمصلحه العامه للمجتمع مثل مزاولة نشاط بدون ترخيص، والإضرار بالمال العام، والإتجار فى أجهزة محظورة، والنصب والاحتيال، واختراق وقطع اتصال، والإتلاف ...،وغيرها ،هذا بالاضافه الى أنتشارها فى جميع محافظات الجمهوريه مما يزيد من خطورتها وحجم الخسائر الناجمة عنها.
- أظهرت نتائج الدراسة الميدانية اختلاف مكان ارتكاب جرائم الإنترنت عن الجرائم التقليديه ، فلم يعد مسرح الجريمه هو المكان الذى حدثت فيه واقعه القتل على سبيل المثال ، بل اصبحت الجريمه تتم عبر الفضاء الالكترونى فلم يعد المجرم الالكترونى فى حاجه الى الذهاب للبنك ليسطو على أرصده عملاءه ، بل يكفى ان تكون هناك اى وسيله للأتصال بالشبكه سواء كان داخل البلاد أو خارجها وما دام يمتلك المهاره التكنولوجيه التى تمكنه من إرتكاب هذه الجريمه. هذا فضلا عن ان وسائل الاتصال بالشبكه تتطورت وتعددت صورها فلم يعد الاتصال بشبكه الإنترنت يتم من الخط الأرضى كما كان سابقا ،بل أصبح الأن يتم من خلال الشبكات اللاسلكيه أو من خلال شريحه خاصه USB modem، كما وفرت بعض الكافيهات والمولات السماح لمتردديها بالاتصال بشبكه الإنترنت ، وأتاحت شركات الهواتف المحموله توفير هذه الخدمه بشكل مجانى ، وقد أدى هذا التطور فى وسائل الاتصال بالشبكه الى صعوبه إثبات جرائم الإنترنت وسهوله إرتكابها .
- أظهر تحليل مضمون المحاضر الرسميه ان ( العوامل الاجتماعيه ) جاءت من أهم العوامل التى قد تؤدى إلى ارتكاب بعض الأشخاص لجرائم عبر شبكة الإنترنت، وظهر ذلك بشكل خاص فى الجرائم المضره بالافراد (كجرائم سب وقذف وتشهير، وانتحال صفة ، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وسرقة بريد إلكترونى، والاختراق) . حيث أشارت تلك المحاضر الى ان فصم العلاقات وانتهاءها سواء كانت علاقه الخطبه أو حدوث الطلاق الفعلى بين الزوج والزوجه أو العلاقات التى تنشأ بين طلاب الجامعات قد تؤدى فى احيان كثيره الى اقتراف الجريمه عبر شبكه الإنترنت ، وذلك لعدم تحقيق الهدف المرجو من هذه العلاقه لذا ترتكب هذه الجرائم كنوع من الثأر والانتقام من الطرف الاخر ، وخاصه واذا أخذنا فى الاعتبار ان مجتمعنا المصرى هو مجتمع ذكورى لا يقبل برفض الاناث لانهاء العلاقه سواء علاقه الخطبه او الزواج مما يجعل بعض الذكور الى الجوء لشبكه الإنترنت للتشهير بها والاساءه لسمعتها .
- أظهرت نتائج الدراسة الميدانية اختلاف أساليب ارتكاب جرائم الإنترنت عن الجرائم التقليديه من حيث اعتمادها الاساسى على شبكه الإنترنت كوسيله او اداه لإتمام الفعل الاجرامى ، فلم يعد الجناه بحاجه الى الاستعانه ببعض البلطجيه فى إرتكاب جرائمهم ، ولم يعد المجرم يحمل ادوات حاده أثناء إرتكابه لها، بل أصبح المجرمين يعتمدون على كل ما توفره الشبكه من إمكانيه التواصل مع بعضهم فى مختلف دول العالم وتبادل الافكار والخبرات الاجراميه فيما بينهم، واستخدام اسماء وهميه (غير حقيقيه) فى الدخول على الشبكه، وخداع المجنى عليهم والتضليل بهم حتى لا يتم إكتشافهم .
- وكشفت الدراسة اتفاق بين نتائج مصادر الدراسه الميدانيه على ان الأفراد هم أكثر تضررا من جرائم الإنترنت ، يليها الشركات والمؤسسات (سواء حكومية أم خاصة أم متعددة الجنسيات) العاملة فى العديد من القطاعات فى المجتمع المصرى ، حيث أحدثت الثقافه الكونيه تغير فى منظومه القيم الاجتماعيه والاخلاقيه للمجتمعات المحليه، فأنتشرت بعض القيم السلبيه كالرغبه فى الانتقام والثأر وتشويه سمعه الاخرين وعدم احترام الأخر وخصوصيته ،كما أصبح الافراد يستغلون مهاراتهم التقنيه فى إيذاء الأخرين حتى لمجرد اختلافهم معه الرأى ، اى ان الفضاء الالكترونى أصبح مسرحا لإرتكاب الجرائم الالكترونيه .
- وأظهر تحليل مضمون المحاضر الرسمية أن الإناث جاءت أكثر تعرضاً للجرائم الأخلاقية من الذكور، تلك الجرائم التى تستهدف النيل من سمعتهن وأخلاقهن والطعن فى شرفهن علانية عبر شبكة الإنترنت، كما مثلتها جريمتى سب وقذف وتشهير، وجريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة. ولعل ذلك قد يرجع الى ان الثقافه الذكوريه فى المجتمعات الشرقيه أتاحت فرصه للتعدى على الإناث وإبتزازهن والتشهير بهن وذلك كوسيله ضغط سواء على الفتاه أو أسرتها لعلمهم بأن نسبه كبيره منهم تخاف التعرض لتلك الفضائح والاشاعات التى قد تلحق بسمعه بناتهن وتلصق العار بهن .
- كما اتفقت مصادر الدراسة الميدانية على أن معظم مرتكبى جرائم الإنترنت من الذكور . الا ان تحليل مضمون المحاضر الرسميه أوضح ان ثمه علاقة بين نوع الجناة ونوع الجريمة المرتكبة، حيث جاء الذكور أكثر ارتكاباً لجرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، وتمرير مكالمات دولية، وانتحال صفة ، أما الإناث فجاءت أكثر ارتكاباً لجريمة سب وقذف وتشهير وجريمة التزوير واستخدام محررات إلكترونية مزورة. وربما يرجع اختلاف نوعيه الجرائم التى يرتكبها الذكور عن الاناث الى ان الذكور لديهم القدره على الاقدام والمخاطره ويمتلكون فنون ارتكاب الجريمه ، اما بالنسبه للجرائم التى ترتكبها الاناث فتقتصر على الجرائم السهله مثل استخدام الكروت الائتمانيه المزوره ، هذا فضلا عن ارتكاب الجرائم التى تتفق مع طبيعتها مثل السب والقذف والتشهير ، حيث ان أن ارتكاب الإناث لهذا الجرم كان معظمه بدافع الانتقام من الرجل سواء تم ذلك فى مجال عمل المجنى عليه أو فى محيط بيئته الاجتماعية.
- كما اتفقت مصادر الدراسة الميدانية على أن معظم مرتكبى جرائم الإنترنت من حمله المؤهلات العليا ، وربما يرجع ذلك إلى الطبيعة الخاصة في ارتكاب هذه الجرائم من حيث تطلبها لاستخدام الشبكة بصورة متقنة من حيث الإلمام بالخبرة والمعرفة التكنولوجية والتقنية والمهارية، وباللغة الإنجليزية، وبمتابعة ما يستحدث على هذه التقنية بإستمرار، ولعل هذه السمات عادة ما تتوافر لدى الطبقات المتعلمة أكثر منها الطبقات غير المتعلمة، والحاصلة على مؤهلات عليا أو متوسطة.
- وأخيرا كشفت الدراسة الميدانية بكافه مصادرها ان الاعلام يلعب دورا هاما فى التوعيه ونشر الوعى الثقافى بكيفيه استخدام شبكه الإنترنت بشكل آمن ، وبخطوره جرائم الإنترنت فى المجتمع ، وبضروره الابلاغ فى حال اذا ما تم التعرض لمثل هذه الجرائم ، كما انه يبرز دور اداره مكافحه جرائم الحاسب وشبكات المعلومات فى الوصول لمرتكبى تلك الجرائم .