المجتمع الافتراضي. نحو مقاربة للمفهوم
بقلم: وليد رشاد زكى
يضرب مفهوم الجماعة الاجتماعية بماض بعيد في تاريخ علم الاجتماع, ولقد تمت دراسة الجماعات الاجتماعية وتفاعلاتها بأشكال وطرق متعددة, وأيضا الظواهر المختلفة التي ترتبط بها اعتمادا علي فسلفات وخلفيات اجتماعية متباينة, والجديد في هذا الشأن أن الإنترنت ساهم في خلق أنماط غير تقليدية من الجماعات ومن العلاقات الاجتماعية والتفاعلات التي لا ترتبط بهوية أو قومية بذاتها ولا ترتبط أيضا بإطار فيزيقي محدد المعالم والأبعاد ولكنها تتم عبر الفضاء المعلوماتي الذي تشكل بفضل الانترنت, لا يشترط في تأسيس هذه الجماعات بيئة جغرافية واحدة أو هيكل أو بناء محدد لها كما هو متعارف في الجماعات التقليدية ولكن تتم العضوية في هذه المجتمعات من خلال معرفة العضو المتفاعل باستخدام تقنية العبور إلي الجماعة والاهتمامات المشتركة يطلق عليها المجتمعات الافتراضية وتطرح الورقة الحالية للمفهوم من الناحية السيسيولوجية محاولة للوقوف علي معناه والقضايا المثارة حوله وتختتم الورقة برؤية مستقبلية حول مستقبل التفاعلات الافتراضية.
المجتمع الافتراضي. رؤية سيسيولوجية:
لقد ساهم الإنترنت والذي يعد أحد منجزات الثورة الاتصالية في تشكيل فضاء جديد وهو الفضاء الرمزي Cyber space الذي يعد إطارا جديدا لعلاقات اجتماعية عابرة للقوميات والأماكن فالمتعارف عليه أن الجماعة الاجتماعية مجموعة من الأفراد يجمع بينهم قيم مشتركة وشعور بالانتماء يعيشون في بيئة جغرافية مكانية واحدة تحكمهم قيم وأعراف يجتمعون عليها ويتفقون فيما بينهم علي وسائل الردع وقواعد الضبط الاجتماعي التي تحكم ما يحدث بينهم من علاقات, ولكن الإنترنت ساهم في تشكيل علاقات تتجاوز الإطار الفيزيقي المكاني وتفاعل الوجه بالوجه وشكل مستخدموه وخاصة الذين يجمع بينهم اهتمامات مشتركة جماعات يطلق عليها Virtual Community(1) الجماعات الافتراضية وهي شكل جديد من أشكال التفاعل الإنساني. تتكون هذه التجمعات من مجموعة من الأفراد والذين يستعملون الحاسب الآلي للاتصال بينهم وذلك يختلف عن اتصال الوجه بالوجه(2).
فقد نجح الفضاء الرمزي الذي شكله الإنترنت في الجمع بين أفراد ينتمون إلي هويات مختلفة ويعد هاورد رينجولد Haward Rhingold من الأوائل الذين ساهموا في توجيه نظر العالم صوب دراسة المجتمعات الافتراضية وقد جاء ذلك في كتابه الجماعات الافتراضية Virtual Community(*) والذي يؤكد فيه بأن هذه الجماعات تجمعات اجتماعية تشكلت من أماكن متفرقة في أنحاء العالم يتقاربون ويتواصلون فيما بينهم عبر شاشات الكمبيوتر والبريد الإلكتروني يتبادلون المعارف فيما بينهم ويكونون صداقات يجمع بين هؤلاء الأفراد اهتمام مشترك ويحدث بينهم ما يحدث في عالم الواقع من تفاعلات ولكن ليس عن قرب وتتم هذه التفاعلات عن طريق آلية اتصالية هي الانترنت الذي بدوره ساهم في حركات التشكل الافتراضية(3).
إن الشكل الجديد للتفاعل الذي طرح له Rhingold -وكان أول من كتب عنه- هو نظام الدردشة علي الإنترنت ويتم ذلك من خلال تبادل الحديث والمشاركات عبر الكمبيوتر وهذه التفاعلات لا يشترط أن تكون عن طريق الوجه بالوجه تتم هذه التفاعلات في اللحظات التي يحدث فيها الدردشة بدخول أكثر من طرف في تفاعل آني عبر الإنترنت, إلا أن هذا لم يكن هو الخط الوحيد لتجمعات الإنترنت الافتراضية, فهناك تفاعلات اجتماعية فائتة لا تتم في نفس اللحظة ولكن تتم عن طريق البريد الإلكتروني(4). وقد أطلق Ronldo A- Beghetto (2001) علي التفاعلات التي تتم داخل التجمعات الافتراضية 'اتصال إلكتروني تفاعلي' يضم هذا الاتصال أفرادا متنوعين يشتركون في نفس الأفكار والأنشطة(5) وعلي الرغم من أن هذه الاتصالات تفاعلية إلا أن المشتركين في هذه التفاعلات هوياتهم غير معروفة فالفرد في التجمعات الافتراضية يتنكر في أكثر من شخصية ويستطيع الفرد بذلك أن يعيد نفسه في ذات الجماعة بأكثر من هوية وهذا هو الجزء الذي يقف تحديا أمام دراسة هذه التجمعات(6).
إن أهم ما يميز هذه التجمعات الافتراضية هي أنها متاحة للأفراد الذي يريدون المشاركة في أحد أنماطها, فالمدينة الافتراضية علي حد قول البرتا روبرت Alberta Ropert وميشيل جينكنسون Jenkinson Michael مدينة لا تنام. فهناك دائما أفراد مشتركون في التفاعلات الافتراضية حتي في منتصف الليل(7) -ولا غرابة في ذلك- فلقد أصبح الإنترنت بشكل عام جزءا من حياة الناس والجماعات الافتراضية بأنماطها المختلفة باتت تشكل أهمية للعديد من المهتمين بالإنترنت علي وجه خاص وذلك ما دعا ماريا باكردجيفا Maria Bakardjieva إلي أن تعلن أن الحاسوب أصبح أسلوب حياة وذلك في الفصل الذي أعدته بعنوان التكنولوجيا في حياتنا اليومية Technology in everyday life(8).
تشكل الدارسة العلمية للجماعات الافتراضية وعد كبير للباحثين وذلك كونها تقدم تفسيرا لفهم نتائج التقنية الإلكترونية علي التفاعل الاجتماعي علي الرغم من أن ما يواجه هذا النوع من الجماعات من صعوبات في دراستها قد لا تتوافر في دراسة الجماعات العادية -ذات الاتصالات المباشرة- فهذه العلاقات الكونية الجديدة وليدة التقدم في وسائل الاتصالات فقد اتخذت هذه التجمعات من الإنترنت آلية للاتصال والتفاعل وذلك بعدة مستويات وأبعاد منها البريد الإلكتروني, خدمة النقاش, صفحات الويب وأن هذه التجمعات تفتقد إلي الإطار المكاني وهذه التجمعات يجمع بين أفرادها فضاء مشترك لا يعتمد بالأساس علي المشاركة الفيزيقية الحيوية(9).
لا يختلف اثنان في أن الرغبة في التواصل مع الغير هي نزعة متأصلة لدي الإنسان ومهما قيل عن حوار الإنسان والآلة والإبحار في محيطات الإنترنت, فليس هناك ما هو أروع للإنسان من أن يقيم حوارا مع إنسان غيره علي الطرف الآخر يشاركه اهتماماته وهمومه ويتبادل معه معارفه وخبراته. ولقد اقترب اليوم الذي لن يبقي فيه شيء يصعب علي الإنسان أن يشارك فيه غيره وذلك بفضل تكنولوجيا المعلومات, ومن الطبيعي أن تنمو الرغبة في التواصل مع ما نشهده في زماننا هذا من ظاهرة الاغتراب والانكفاء علي الذات وانقطاع الصلة مع جار السكن. ربما يفسر لنا ذلك سرعة انتشار الجماعات الافتراضية علي الإنترنت(10).
فالإنترنت ساهمت في تشكيل وعي الفئات الاجتماعية التي تتفاعل بداخلها وتلعب أيضا دورا حيويا في تكامل منظومة الثقافة والأهم في هذا الصدد هو أن البنية المعلوماتية الجديدة توفر تفاعل بين منظومات الثقافات المختلفة, فالثقافة التي تجمع بين الأفراد الذين يتفاعلون عبر شبكة المعلومات الدولية International net أطلق عليها لفظ الثقافة السيبرية Cyber culture وهي مجموعة متكاملة من النقلات النوعية علي الصعيد الثقافي(11),ولقد احتلت ثقافة الإنترنت مكانا بارزا لها عند دراسة التجمعات الافتراضية فهي ثقافة خاصة بالمجتمعات ما بعد القومية Post national community(12), يشكل هذا النمط الثقافي الجديد إطارا ثقافيا خاصا يجمع بين المنخرطين في التفاعلات الافتراضية.
في الوقت الذي ينتشر فيه نمو العلاقات الاجتماعية العابرة للقوميات والحدود يزداد التفاؤل تارة والتشاؤم تارة أخري. فالبعض يري أن هذه العلاقات الاجتماعية الجديدة تؤدي إلي تدعيم الحرية والحوار المتبادل وفتح المجال أمام تبادل الأفكار والخروج من سلطة الحكومات التي تستبد بالحريات في حين أن البعض الآخر يجد أن الإنترنت تساهم في سحب الناس من مجتمعاتهم ليصبحوا أقل ارتباطا بقومياتهم, مما يثير القلق حول مستقبل الانتماء إلي المجتمع الحقيقي Real society كما أن الإنترنت تخلق فرصا للحكومات ليس لها مثيل لمراقبة حياة المواطنين الخاصة(13).
المجتمع الافتراضي. نحو إطار للمفهوم:
إن الإمكانات الاتصالية الجديدة ساهمت في تقليص المسافات بين القوميات المختلفة في هذا الصدد سهل الإنترنت العلاقات بين البشر الذين يتشاركون نفس الاهتمامات ليتبادلوا بينهم الخبرات والمعارف.ولقد اقترب اليوم الذي لن يبقي فيه شيء يصعب علي الإنسان أن يشارك فيه غيره وذلك بفضل تكنولوجيا المعلومات(14) ومن الطبيعي أن تنمو الرغبة في التواصل والتي امتدت لتشمل تواصلات وعلاقات علي المستوي الكوني تشكلت هذه التقاطعات في جماعات افتراضية.
يعد مصطلح المجتمع الافتراضي Virtual Community من المفاهيم الجديدة التي برزت من خلال ثورة الاتصالات الحديثة ويحاول الباحث أن يشير إلي تعدد الترجمات حول المصطلح نظرا طبيعة المفهوم الجديد فالمصطلحات الجديدة أكثر إثارة للجدل منها إلي الاتفاق لاسيما إن كان أصل المصطلح غربيا وليس أدل علي ذلك من الاختلافات في ترجمة هذا المصطلح سوي طرح بعض الترجمات له فقد ترجم أحمد زايد(15). المصطلح إلي الجماعات الفضائية.وقد ترجم نبيل علي(16), كلمة Virtual علي أنها خائلي Virtual Community هي الجماعات الخائلية فقد اختار الكاتب اسم الفاعل (خائل) مقابل لكلمة Virtual مما يسمح باشتقاق خائلية,خائلي, يخيئل, مخيئل, خيئلة, وخائلات وقد مارس الكاتب في هذا حقه في توسيع فعل (خال) المتعدي (في مثل خال من السراب ماء) إلي معني التعدية بأداة (خال له الأمر كائنا).اما شاكر عبد الحميد(17) فقد ترجم مصطلح Virtual إلي مصطلح افتراضي في حين ترجم مصطلح Virtual محمد محيي الدين(18), بكلمة متخيلة لتصبح Virtual Community الجماعات المتخيلة.
وقد تنوعت التعريفات حول مفهوم الجماعات الافتراضية من ذوي التخصصات المختلفة ما بين مهتمين بعلوم الحاسب والاتصالات ومهتمين من علماء الاجتماع ورجال السياسة وقد عرف المفهوم عمرو الجويلي(19) 'بأنها جماعات تشكلت إثر الثورة المعلوماتية التي أتاحت الفرصة إلي تقليص التباعد الجغرافي مما أتاح الفرصة للاتصال بين أفراد يقعون عبر مسافات متباعدة يجمع بين أفرادها نوع من الإحساس بالولاء والمشاركة' وعرفه Jonathan Layzer(20). بأنها تجمعات تشكلت من خلال شبكة الإنترنت لا يقطن أعضاؤها في بوتقة جغرافية واحدة ولكنهم موزعون في أنحاء مختلفة ومنتشرة حول العالم يجمع بين هذه التجمعات اهتمامات مشتركة ومختلفة وتتعدد أنماطا هذه التجمعات ما بين تجمعات تجارية وتجمعات طبية وتتسع لتشمل أنماط أخري متعددة, ويري (EV. Brenner)(21), أن مفهوم الجماعات الافتراضية هو مفهوم مركب يشير إلي علاقات تظهر بين الأفراد الذين يتشاركون عبر الإنترنت استغل هذا المجتمع التقنيات الإلكترونية وأدواتها في تحقيق وتنفيذ مشاركات اجتماعية.وقد طرح برينر(Brenner) هذا المفهوم في المؤتمر السنوي الذي عقد في لندن في سبتمبر من 2001, والذي كان موضوعه Virtual Community. وعرفه نبيل علي(22) بأنها تجمعات اجتماعية تجمع بين أصحاب الاهتمامات المشتركة وأهل التخصص الواحد وأصحاب الرأي وجماعات السمر والدردشة- وتبادل المعلومات والنوادر ويمكن لأي عضو في هذه الجماعة أن يبث حديثه لجميع أعضائها دون استثناء أو يختص فريقا منهم أو يسر لفريق بعينه ما يريد أن يحجبه عن الآخرين ويمكن للعضو أن يقدم نفسه تحت أسماء مستعارة بل ويمكن أن يتنكر العضو في شخصيات متعددة.
وعرفها بسيوني إبراهيم حمادة(23) علي أنها تجمعات اجتماعية تظهر عبر شبكة الإنترنت تشكلت في ضوء ثورة الاتصالات الحديثة تجمع بين ذوي الاهتمامات المشتركة, يتواصلون فيما بينهم ويشعرون كأنهم في مجمع حقيقي وأشار أحمد زايد(24) تجمعات اجتماعية تظهر عبر شبكة الإنترنت عندما يدخل عدد كاف من الناس في مناقشات عبر فترة كافية من الزمن يجمع بينهم شعور إنساني كاف بحيث يشكلون مواقع للعلاقات الشخصية عبر الفضاء الإلكتروني. أما محمد محيي الدين(25) فيري أن مصطلح المجتمعات المتخلية من المصطلحات الشائعة والذي يشير إلي تلك الأنماط المتمفصلة من العلاقات والأدوار والمعايير والنظم واللغات التي تطور بوساطة الأفراد خلال عمليات الاتصال المباشر علي الخط كما أشار إلي أن مصطلح المجتمعات المتخيلة لا يزال مصطلحا علميا شكليا.
من خلال الطرح السابق للمفاهيم التي تتعلق بالجماعات الافتراضية تجدر الإشارة إلي أن هناك ثمة اتفاق حول الآتي:
1- الجماعات الافتراضية تشير إلي تجمعات اجتماعية لا مكانية بمعني لا يشكل أعضاؤها تجمعا مكانيا فلا يجمع بين أعضائها إطار جغرافي ولكن هذه التجمعات تنطلق لتشمل أفرادا ينتمون إلي هويات وقوميات مختلفة.
2- اتفقت المفاهيم الآنفة علي أنه ثمة وسيلة تجمع بين أعضاء هذه الجاليات التي تنتشر في الفضاء الرمزي وهي الشبكة الدولية للمعلومات.
3- هناك اتفاق بين جميع المفاهيم علي وجود اهتمامات مشتركة بحيث يشترط لعضوية الفرد في إحدي الجماعات الدخول إلي موقع الجماعة التي تتفق واهتماماته بحيث يتقابل مع أعضاء آخرين من نفس الاهتمام بشكل مستمر أو متقطع.
4- يمكن لأي عضو في الجماعة أن يدخل في مناقشات مع فرد واحد أو أكثر في مضامين تتفق واهتمامات الأفراد كما يمكن للفرد أن يشارك في أكثر من جماعة علي حسب ميوله واهتماماته.
من خلال هذه الرؤية السابقة يمكن القول أن هناك تقاطعات بين المجتمعات الحقيقية والمجتمعات الافتراضية, إذ أنه في الغالب يحدث بين المتفاعلين افتراضيا مثلما يحدث في الواقع الحقيقي ولكن ليس عن قرب, يستطيع المنخرط في هذه التفاعلات أن يتجه بالحديث في الوجهة التي تتناسب مع اهتماماته, واهتمامات المتشاركين معه في ذات الجماعة, تتيح هذه التجمعات حرية قد لا تكون متوافرة في الواقع المعاش مثلما هي في الحيز الرمزي.
التفاعلات الافتراضية. سمات عامة:
إن المتأمل لواقع التفاعلات الافتراضي يدرك أنها لا ترتبط ببنية أو هوية محددة كونها تتم من خلال وسيط اليكتروني وهو الانترنت. وفي هذا الشأن يمكن الخروج بمجموعة من السمات التي تميز هذا النمط من التفاعلات علي النحو التالي:
1- الانقطاع: إن المتأمل حقيقة التجمعات الافتراضية علي تشكلاتها المختلفة-يدرك أن هذه العلاقات والانخراط المستمر فيها يؤدي إلي قطيعة علي المستوي الاجتماعي, فهذه العلاقات الافتراضية تؤدي إلي انقطاع العلاقة مع الأصدقاء, جار السكن بل مع الأسرة أحيانا. وتستهلك وقت الفرد في علاقات تخرج به عن إطار العلاقات الفيزيقية لتسبح بالفرد في فضاء جديد هو الفضاء الرمزي, غير أن هذه النظرة المتشائمة تحدث عندما تتزايد التفاعلات الافتراضية للتجاوز تفاعلات الفرد الواقعية.
2- تعدد المراكز وتبادلها: تتسم التفاعلات الاجتماعية علي المستوي الافتراضي بتعددية المراكز وتبادلها, فهذه العلاقات لا مركز لها, كلها علاقات تخرج من السيطرة,فمن داخل المنتديات أو غرف المحادثات لا يوجد سلطة مركزية توجه الحديث, فكل فرد يستطيع أن يكون مركز الجماعة في أحيان كثيرة, وكل فرد يستطيع أن يقود الحوار مرة أو مرات فهذه التفاعلات تفاعلات لا يحتكرها شخص يهيمن أو من يقوم بفرض سيطرة علي الحوار ولكن الجماعات الافتراضية كلها تفاعلات لا مركزية, فتبادل الأدوار وارد في هذه التجمعات إذ تسمح هذه التفاعلات بتعدد المراكز في الوقت ذاته, من هنا فمن الممكن أن يكون للجماعة الافتراضية أكثر من مركز في موضوع الاهتمام الواحد وهذا المركز ليس حكرا علي فرد مهيمن ولكن يخضع للتبادل حسب رغبة الداخل في الحوار في معظم الأحوال.
3- الإخفاء: إن العلاقات الاجتماعية الافتراضية في معظمها تجمعات خفيه مجهولة الهوية -إلا في القليل منها- فالفرد الذي ينخرط في هذه التفاعلات له الحق أن يخفي نفسه تحت مسميات مختلفة,أو ينفصل من هويته, وأحيانا يدخل التفاعلات باسم مشهور من المشاهير, وأحيانا باسم طائر من الطيور, وأحيانا يدخل الذكور بأسماء الإناث والعكس, وأحيانا ويدخل بأسماء فكاهية ... الخ فهوية الفرد أو شخصية تختفي في ظل هذه التفاعلات بل وتتباين في قوالب عديدة.فلا يستطيع الداخل في هذه التفاعلات أن يعرف من الذي يتحدث إلي من وعنصر تجهل الهوية يفرض تحديا نظريا في دراسة هذه الجماعات التي قد تتعدد هويات أفرادها أو تزيف في صور متعددة.
4- التفكك: طرح جاري كروجGray Krug في فصله المعنون بالتكنولوجيا كثقافةTechnology as Culture إن ابتكار الواقع الافتراضي وعوالمه الالكترونية أدي إلي تفكيك العلاقات الفيزيائية بين الأفراد -يقصد بذلك أن تفاعلات الواقع الافتراضي التي تتم في إطار الإنترنت أثرت بدورها علي تفكيك العلاقة بين التفاعلات التي تقوم علي أساس الوجه بالوجه(26). فتشكل الفضاء الرمزي أدي إلي تفكك في العلاقات الفيزيقية بين الأفراد وتشكل نوع جديد من أنواع العلاقات الاجتماعية علي المستوي الافتراضي, وتشير الدلائل الواقعية أن هناك مزيدا من الاتجاه نحو التفاعلات الافتراضية وخاصة في ظل التحديات الطارئة علي الواقع المعاش.
ولقد طرح ألبرت بورجمان Albert Borgman فكرة في هذا الصدد مؤداها أن حاسبتنا تبعدنا عن عالمنا حيث أن الإنترنت يلعب دورا في التأثير علي الأشخاص, وذلك لأنه أتاح فرصة تكوين علاقات اجتماعية سهلة عبر فضائه(27) ساهمت هذه العلاقات في تفكك ما هو تقليدي من العلاقات الاجتماعية وتشكل ما هو افتراضي علي المستوي العالمي إذ أن هذه الجماعات لا ترتبط بهوية بذاتها أو قومية معينة ولكنها تجمع بين أفراد ينتمون إلي هويات مختلفة وقوميات متعددة كل ما يجمعهم فقط هو اهتمامات مشتركة.
5- التمرد: لقد فتح الفضاء السيبري مجال جديد للتمرد والحركات الثورية والتحررية,إذا أن من ضمن تشكيلة التفاعلات الافتراضية تفاعلات تمردية,فالفرد يستطيع أن يقول ما يريد خارج الضوابط التقليدية للمجتمعات,وخاصة في المجتمعات السلطوية, فلقد فتح الإنترنت مجالا جديدا للتفاعلات تقوم علي الحرية وتخرج عن سيطرة الدولة, فالمجال مفتوح في الفضاء الرمزي للاتفاق علي الثورات أو التظاهرات من دون قيود المكان, ويدرك المتأمل لحركات التمرد علي المستويات القومية أو العالمية أن الإنترنت وتجمعاته الافتراضية يشكل آلية رئيسية تساهم في تقارب المسافات والاهتمامات والاتفاق علي مناهضة بعض القضايا أو المطالبة ببعض الحقوق.
6- الفردية: هناك نزوع في المجتمع الافتراضي وتفاعلاته إلي الفردية, ونقصد بفكرة الفردية هنا الانغزال عن السياق الاجتماعي المحيط بالفرد, فالفرد المنخرط في التفاعلات الافتراضية -حتي لو كانت جماعية- إلا انه يدخله بوصفه فردا من أمام شاشة كمبيوتر خاصة تأخذه من عالمه الواقعي إلي عالم افتراضي, يؤدي ذلك إلي ما يمكن تسميته عند التجاوز في هذه التفاعلات إلي نوع من أنواع الاغتراب وذلك في حال انفصاله عن واقعه الحقيقي.
المجتمع الافتراضي. رؤية مستقبلية:
إن المجتمع الافتراضي لم يكن ليظهر فجأة ولكن حدث نتيجة عدد من العوامل التي مهدت لظهوره من أهمها الشبكة الدولية للمعلومات وتشكل الفضاء الرمزي, ومع ذلك فإن هذا المجتمع لم تكتمل صورته بعد, ذلك لأنه مرتبط بتكنولوجيا الاتصال, وبمجتمع المعلومات العالمي وهذا المجتمع آخذ في التشكل ولا يستطيع أحد التكهن بالصورة الأساسية للمجتمع الافتراضي في المستقبل, وذلك لعدة اعتبارات منها:
1- سرعة التغيرات التي تطرأ علي هذا المجتمع, وارتباط تحولاته بصناعة البرمجيات التي تتطور في عالمنا بشكل ملحوظ.
2- كثرة المتفاعلين في السياق الافتراضي, إذ أن هذه التفاعلات بدأت علي المستوي النخبوي, والآن يتعامل معها كل من يجيد أساسيات التعامل مع الكمبيوتر.
3- تفاوت أعمار المترددين علي تفاعلات المجتمع الافتراضي, إذ انه لا يرتبط بشريحة عمرية واحدة, فجميع الأعمار منذ الطفولة حتي الشيخوخة تتفاعل في هذا السياق.
4- تعدد الصور والآيات التي يتواصل بها الأفراد في التفاعلات الافتراضية ما بين غرف محادثات ومجموعات بريدية وقوائم بريدية ومنتديات, ومدونات وغيرها من طرق التفاعل.
ورغم هذه الصعوبات في محاولة رسم سيناريوهات مستقبلية حول واقع التطور الذي يحدث علي خلفية التفاعلات الافتراضية إلا أن ذلك لا يعني أن المجتمع الافتراضي يزيح المجتمع الواقعي ليحل محله, ولكن يشكل بوابة جديدة للتفاعلات التي تخرج عن إطار المحلية وتبقي إشكالية حول مستقبل التفاعلات الواقعية في ظل الانخراط في التفاعلات الافتراضية ومستقبل التفاعلات الأسرية علي وجه الخصوص في ظل انفراج بوابة المجتمع الافتراضي.
المراجع:
1- أحمد زايد, عولمة الحداثة وتفكيك الثقافات الوطنية, عالم الفكر, مجلد 32, يوليو - سبتمبر, 2002, ص61.
2- Bishop, Ann Peterson, Community for the new century, Journal of Adolescent & Adult Literacy, vol- 34, issue 5 Feb 2000, P. 472.
* تجدر الإشارة إلي أن هناك نسخة إلكترونية من هذا الكتاب علي شبكة الإنترنت يمكن الحصول علي هذه النسخة من موقع Haward Rhingold ولقد ظهر هذا الكتاب عام 1993 ويحتوي هذا الكتاب علي مقدمة وتسعة فصول.
3- Rhingold Haward, Virtual Community,1993, http//:www .com .user/h(R)Vcboal
4- Mathewj Smith , Community Building Strategies in online fanzines , journal of Popular culture vol 33 , issue 2 , 99, P.87.
5- A. Beghetto Ronaldo, virtually in the middle Alternative Avenues For parental Involvement in Middle , levels schools, learning house , vol 57 , issue 1, Sep. Oct 2001 , P.23.
6- Alison Smith, Cyber Life and Cyber harm: a human rights approach, social alternatives, Vol 17, issue 4, Oct 98, P. 8.
7- Jenkinson, Michael, Alberta Report, Welcome to the virtual world, Western report, Vol 21, issue 3, 1/3/94, P.24.
8- Bakardjieva Maria, Internet Society. The Internet in every day life, Sage publications, London, 2005, P.37.
ح9- C. kinnelly Susan problems and promises in the study of virtual community:A case Study, university of Pennsylvania, school of social works USA 2000
www.isoc.orglinet2000/cdproceedings/29/29-.1htm.10- نبيل علي, الثقافة العربية وعصر المعلومات, رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي, عالم المعرفة, عدد 265, 2001, ص501.
11- نبيل علي, صورة الثقافات العربية والإسلامية علي الإنترنت وخطة تنفيذية مقترحة لإقامة شبكة مواقع خدمات للإعلام الثقافي العربي, المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة, إدارة البرامج العامة والاتصال, تونس, 1999, ص1.
12- Irvein Martin, Global cyber culture, reconsidered, cyberspace Identities, and the Global information city,
www.georgetown.edu/faculty/Irven/articles/globalculture.html13- Bruce Bower, the social net, science news, vol 161, issue 18, 2002/4/5 P.282.
14- نبيل علي, الثقافة العربية وعصر المعلومات, مرجع سابق 2001, ص501.
15- أحمد زايد, عولمة الحداثة وتفكك الثقافات الوطنية, مرجع سابق.
16- نبيل علي, الثقافة العربية وعصر المعلومات, مرجع سابق, ص301.
17- شاكر عبد الحميد, عصر الصورة الإيجابيات والسلبيات, عالم المعرفة, عدد 211, يناير 2002, ص82.
18- محمد محيي الدين, المشكلات النظرية والمنهجية للبحث السسيوأثنوجرافي, في المجتمعات المتخلية, مجلة العلوم الاجتماعية المجلد 32, العدد 4, 2004, ص018.
19- عمرو الجويلي, العلاقات الدولية في عصر المعلومات .. مقدمة نظرية, السياسة الدولية, السنة الثانية والثلاثون, العدد 123, يناير 1996, ص
20- Layzer Jonathan, and others, collecting user requirements, in a virtual population: A case study, USA, 2000,
www.user page un bc. Edv / Nbuch wiet / Papers, lazr. Htm.
21- EV. Brenner, Report from the field virtual community in the business world, information today, vol 17 , issue 11, Dec. 2000, P. 67-68.
22- نبيل علي, مرجع سابق, ص501.
23- بسيوني إبراهيم حمادة, حرية الإعلام الإلكتروني الدولي وسيادة الدولة, مع إشارة خاصة إلي الوضع في الدول النامية, كراسات التنمية, مركز الدراسات وبحوث الدول النامية, جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, 2001, ص34-53.
24- أحمد زايد, عولمة الحداثة وتفكيك الثقافات الوطنية, عالم الفكر, المجلد 3, يوليو - سبتمبر 2003, ص61.
25- محمد محيي الدين, مرجع سابق, ص608.
26- Krug, Gary, communication, Technology and culture chang, SAGE publications, London-Thousand Oaks, New Delhi, P.2.
27- borgmann Albert, society in the postmodern era-the Washington Quartey, winter, 2000, P.189-200.