ويرى "جانز" أن شيوع استخدام مصطلح "ما دون الطبقة" كمفهوم اقتصادي واجتماعي ساعد على تنشيط البحوث ضد الفقر في الثمانينيات (Gans, 1995: 27-28). إلا أن "جانز" يعتقد بخطورة استخدامه كمصطلح سلوكي، بدأ باستخدامه الأكاديميون من علماء الاجتماع ومتخذو القرار والإعلاميون، ليصفوا الناس الفقراء المتهمين، حقيقة أو خطأً، بعدم القدرة على الانخراط في طرق حياة الطبقة الوسطى المسيطرة عادةً، وهذا التعريف السلوكي يلقب الناس الفقراء الذين يخرجون من التعليم، أو لا يعملون، أو ينحرفون ويعتمدون على الضمان الاجتماعي. ويتضمن المصطلح المتشردين والمتسولين والمدمنين على الخمر أو المخدرات ومجرمي الشوارع، ولأن المصطلح مرن، فإنه يضم الفقراء الذين يعيشون في مجمعات في نفس الأحياء، مثل المهاجرين غير الشرعيين والعصابات بغض النظر عن سلوكهم الحقيقي لاعتقادهم بأن لديهم قصوراً في الأخلاق وقيماً سيئة. إلا أن "جانز" يرى أن الفقر هو المسئول عن انحرافات الفقراء، حيث تدفع الحاجة إلى الخروج عن قيمهم لأنهم يفتقدون المورد المادي والأمن الاقتصادي، وأحياناً الدعم الاجتماعي والقوة العاطفية، ويرى أن المنحرفين موجودون في مختلف الشرائح الاجتماعية، وأن فساد أحدهم لا يعني فساد الكل، كما يفترض أنه كلما ارتفع الشخص في السلم الاجتماعي يصبح السلوك المنحرف غير مرئي (Gans, 1995: 2-4).
وهنا نلاحظ أن "جانز" حذر بشكل واضح من التمادي في استخدام هذا المفهوم، وانتقد فكرة لوم الفقراء على فقرهم، فهو هنا يوجه انتقاده إلى كل من يرى الفقر بمنظور فردي، وقد شاركه انتقاده لهذا التوجه عدد من العلماء والباحثين أمثال، "آلان ولكر Alan Walker" و"جون إيرمش John Ermish" الذين أثبتت دراساتهم على الأمهات ذوات الأطفال غير الشرعيين، التي قاموا بها في الثمانينيات من القرن العشرين أن معظمهن لا يبقون دون زواج، كما أن متوسط نسبة الأمهات المطلقات اللائي يقضين وقتاً أطول في المطالبة بالإعانة أكثر من الأمهات ذوات الأطفال غير الشرعيين. كما أثبتت دراستهم أن من ينتمون لتلك الطبقة من الأفراد لديهم رغبة في الحصول على العمل وعلاقات اجتماعية مستقرة، كما تم التوصل إلى أنه ليس هناك فرق معنوي بين الموظفين وأفراد ما دون الطبقة تجاه العمل والزواج (Internet, 2007:11).
وبناءً على ما سبق يتضح لنا كيف أن مفهوم "ما دون الطبقة" أو "الطبقة الاجتماعية الدنيا" أثّر بشكل كبير على تفسير الفقر، إلا أنه في مضمونه تعرض لعدد من الانتقادات، التي انطلقت من وجهات نظر تبنت المنظور الاجتماعي للفقر، وأحقية الفقراء في الحصول على الإعانات وعدم مسؤوليتهم بشكل كامل عن فقرهم.
• المنظور البنائي الاجتماعي لتفسير الفقر:
وفقاً لهذا التصور فإن التركيبة الطبقية والاجتماعية للمجتمع، وتوزيع القوى والإمكانات الاجتماعية فيه، هي التي تجعل من فرد ما غنياً وآخر فقيراً متدني الدخل والإمكانات، فهذا الاتجاه يصور الفقر على أنه نتيجة لتحيز سياسات الحكومات بشكل كليّ أو جزئي تجاه أصحاب رؤوس الأموال، وإهمالها الفقراء، بل إن المجتمع نفسه وما فيه من خلل وضعف في فعالياته وأنشطته التنموية والاجتماعية والسياسية هي التي تقيم أو تكرس الفوارق بين الأفراد وبين المناطق.
ويرجع علماء الاجتماع الوظيفيون الفقر إلى أنه خلل في التوازن، ناتج عن عدم أداء النظام الاقتصادي لوظيفته بطريقة سوية، حيث يرون أن النظام الرأسمالي الصناعي قد أفرز إمكانية الاستغناء عن العمال، فالنظام التقني يتطلب مهارات عالية مما يساهم في تحول العمال غير المهرة إلى مستخدمين لا يحصلون على أجر كافٍ فيهبط مستوى معيشتهم. كما أن النظام الاقتصادي الرأسمالي ساهم في إيجاد نوع من النظم البيروقراطية التي نادت بتخفيض مخصصات الرعاية الاجتماعية، وهنا يرى هؤلاء العلماء ضرورة مساعدة الفقراء من خلال إكسابهم مهارات مهنية تساهم في بلورة الشعور الذاتي بأنهم مرتبطون بالمجتمع وأنهم يخدمون الاقتصاد، بالإضافة إلى أن الآخرين سيقدرون عملهم لأهميته للمجتمع ككل. وهذا يعكس رأي علماء الاجتماع الوظيفيين الذين يرجعون الفقر إلى انعدام العدالة الاجتماعية ( عمر، 1998: 191)، ففي إطار النظريات البنائية الوظيفية يستخدم مفهوم عدم المساواة inequality في سياق تحليل التدرج الاجتماعي social stratification، حيث ينظر للتفاوت في الثروة والقوة والمكانة بصفته إحدى الحقائق الأساسية في تاريخ المجتمع البشري، حتى المراحل البدائية منه، فعدم المساواة جزء من النظام الطبيعي، ويتمثل التحليل الوظيفي لعدم المساواة في عدد من القضايا في مقدمتها ثلاث هي (كشك، 1997: 80):
1. تباين أنصبة الأشخاص المختلفين من حيث الاستعدادات الفطرية والمهارات المكتسبة (الذكاء، والدافعية، والطموح، والإبداع، والمثابرة، والخبرة وغيرها).
2. تفاوت أهمية الأدوار والمهام الاجتماعية التي يقتضيها تسيير النسق الاجتماعي وتحقيق استقراره، فهناك وظائف أكبر أهمية وحيوية لوجود المجتمع واستمراره من غيرها من الوظائف.
3. حق الأشخاص الموهوبين من حيث الاستعدادات الفطرية والمهارات المكتسبة في أن يشغلوا الوظائف الأرقى ويحصلوا على دخول مادية وغير مادية أكبر، في حين تبقى الوظائف الأدنى والدخول الأقل لذوي العطاء المتواضع، وأن محاولة التمرد عليه هي من أهم مصادر التوتر في النسق الاجتماعي. ومن هؤلاء الوظفيين من ذهب إلى أن الفقر هو إحباط وظيفي للبناء الاجتماعي.
أما وجهة نظر علماء الاجتماع الذين فسروا الفقر من خلال بعض النظريات الصراعية البنائية conflict structurism أمثال "كارل ماركس C. Marx" فإنهم يرجعون أسباب الفقر إلى استغلال الرأسماليين لطاقات الطبقة العاملة وتسخيرها لزيادة أرباحهم (زهري وقباري، 1985: 168). كما يرى أنصار هذه النظرية أن الفقر يحدث بسبب خلل في البناء الاجتماعي، فوجود الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع هي من العوامل الرئيسة التي تساهم في إحداث الفقر كما يراها "بيتر تونسند "Peter Townsend" في كتابه "الفقر في المملكة المتحدة poverty in United Kingdom"، بالإضافة إلى أنه يرجع الفقر إلى ارتباطه بأنماط الحياة lifestyles (Headey, 1999: 368).
ويقدم لنا "بارفيز بيران Parviz Piran" في دراسته لأحد أحياء مدينة "زهران" في إيران، تفسيراً للفقر، الذي اعتبره نتيجة لتفاعل بين عمليات البناءات والأنظمة والمنظمات وأخيراً الأحداث اليومية، وهذه الدراسة لا تختلف كثيراً عما طرح في المدارس الأمريكية، حيث وضع "بيران" ثلاثة مستويات لتحليل ظاهرة الفقر، أولها مستوى تحليل الوحدات الصغرى "microscopic" كدراسة الأسرة والأحداث الشخصية، ومن خلال هذا المستوى فقط لا يمكن تفسير الخلفية والعوامل المسئولة عن ظهور "الحدث event"، ويقصد بالحدث هنا الفقر، ويرى أنه لكي نصل إلى تفسير وافٍ فيما يتعلق بظاهرة الفقر، فيجب الأخذ بالحسبان دراسة العمليات الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والأنظمة والمنظمات في المجتمع، وهذا هو مستوى التحليل الثاني، ويطلق عليه مستوى تحليل النظم "messoscopic"، أما المستوى الثالث فهو مستوى تحليل الوحدات الكبرى "macroscopic"، الذي يدرس البناء الاجتماعي لنفس المجتمع وأبعاده التاريخية. ولقد أكدّ "بيران" من خلال دراسته أيضاً، أنه لا بد من اتباع مدخلين مهميّن لتحديد أسباب الفقر والتخطيط لمواجهته، من خلال استخدام مدخل "الملاحظة بالمشاركة" و"المدخل التنموي" فمن خلال المدخل الأول يمكن التعمق في فهم العوامل التي تساهم في استمرار الفقر، وكيف ينظر الفقير لنفسه، بينما يوضح لنا المدخل الثاني مسببات الفقر المتداخلة التي منها البيئة والإسكان والصحة والدخل والتعليم، التي يجب دراستها وتتبعها بطريقة منسقة (Piran, 2002: 14- 17). كما تبنى "عبدالمعطي" في بحثه عن الفقر البشري في الوطن العربي، مفهوماً للفقر ذا بعدين متداخلين، فقد أشار إلى مفهوم "فقر القدرة capability povert" و"فقر القوة powerlessness poverty"، حيث يشير فقر القدرة إلى الاستبعاد والحرمان من فرص التأهيل والتدريب التعليمي والصحي والغذائي، ويشير فقر القوة إلى الاستبعاد والحرمان من الخلفية الرأسمالية ومن فرص عمل مستقرة لها عوائد تشبع الحاجات الأساسية والحرمان من المشاركة في صنع القرارات، ويرى أن فقر القدرة يؤدي إلى فقر القوة (عبدالمعطي، 2002: 9).
نستنتج مما سبق أن المنظور البنائي الاجتماعي لتفسير الفقر، يتخذ عدّة أنماط للتفكير والتفسير، حيث نلاحظ أنه نتيجةً لاختلاف توجهات وتخصصات العلماء الذين انطلقوا في تفسيرهم للفقر من هذا المنظور البنائي الاجتماعي فإنهم يرجعون الفقر إلى عدّة عوامل كل بحسب تخصصه، إلا أنهم يشتركون بشكل واحد في النظرة البنائية التي ترى أن أساس مشكلات الفقر هو سوء في توزيع العدالة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية. كما يشتركون في معارضتهم للوم الفقراء أنفسهم على تسببهم بشكل مباشر في فقرهم، وهم بالتالي يرون أهمية تدخل الدولة لرعاية أفرادها وتقديم المساعدات المناسبة لهم. ولعل هذا التوجه يتناسب بشكل كبير مع النظرة الإسلامية للفقر حيث لابد من تقديم الرعاية الاجتماعية للمحتاجين في المجتمع لضمان تحقق كل من مبدأ التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص
• المنظور الإسلامي لتفسير الفقر:
ينظر الدين الإسلامي للفقر بصفته مشكلة دينية واجتماعية تدفع بالمرء إلى المذلة والمعصية والجريمة، فقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقر، وقال: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلّة والذلّة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم"، وقال: "إن الرجل إذا غرم _استدان_ حدث فكذب، ووعد فأخلف"، بل قد يؤدي إلى قتل النفس البريئة ولو كانت من صلب الرجل، قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا} (سورة الإسراء: آية 31). كما أن ذكر الفقر والفقراء ورد في القرآن في ثلاث عشرة آية من آيات القرآن، كلها تعلن صراحة التصدي للفقر مع بيان مفهومه وإعلان حقوق الفقراء في الزكاة والصدقة (زين العابدين، 1995: 16).
ولقد نظر الإسلام للفقر والفقراء بمنظور مخالف لكافة النظريات الأخرى التي فسرت الفقر، فنجده يختلف مع المنظور الفردي الذي يلوم الفقراء على فقرهم، فالإسلام يُكرم الفقراء والضعفاء، ففيهم قال عليه الصلاة والسلام: "رُبّ أشعث مدفوع الباب، لو أقسم على الله لأبره"، كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن رجلاً مرّ على النبي عليه السلام فقال لرجل جالس عنده: "ما رأيك في هذا؟" فقال: "رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع، وإن قال يسمع." فسكت رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم مرّ رجل، فقال عليه السلام: "وما رأيك في هذا الرجل؟" فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإذا شفع لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله." فقال عليه الصلاة والسلام: "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا" (زيتون، 2000: 113-114). وهنا يتضح أن الإسلام لا يصنف الفقراء وفقاً لسمات معينة، يعاملهم على أساسها، بل ينظر إليهم على أنهم أعضاء في المجتمع لا يختلفون عن الآخرين بشيء فمقياس التفاضل هنا هو التقوى.
كذلك فإن مفهوم الملكية في الفقه الإسلامي، يختلف كثيراً عنها في الفكر الليبرالي الرأسمالي وكذلك الفكر الشيوعي، فالإسلام يقرر أن الكون وما فيه ملك لله تعالى وجاء ذلك صريحاً في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم. فالملك الحقيقي للمال لله وحده، وما أفراد المجتمع إلا وكلاء في هذا المال عن الجماعة وأن حيازته إنما هي وظيفة أكثر منها امتلاكاً، ولذا أوجب الله فريضة الزكاة، وحدد مصارفها على الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين في سبيل الله وابن السبيل (زيتون، 2000: 116).
المنظور التكاملي في تفسير الفقر:
وفقاً لهذا التصور فإن الفقر ظاهرة متعددة الأسباب، متشابكة العوامل ومتفاعلة على كل المستويات سواء في حدوث الفقر أو في استمراره، وأنه لا يمكن اختزال تلك العوامل وقوفاً عند أي مستوى من مستويات الحياة الاجتماعية (الفرد، الأسرة، المجتمع المحلي، النظم الاجتماعية)، فنظريات العلوم الاجتماعية الحديثة تقوم على فهم المجتمعات والظواهر الاجتماعية والمشكلات الاجتماعية من منظور "نسقي"، يقوم على أن كل مستوىً من مستويات الحياة الاجتماعية يتأثر في كل الأحوال بما يعلوه من أنساق أكبر كما يؤثر فيما دونه من أنساق فرعية.
وفي الوقت الراهن نلاحظ أن كثيراً من المنظمات الدولية تلتزم باستخدام المنهج التكاملي في دراسة أسباب الفقر وفي وضع استراتيجيات معالجته، فشكوك المخططين الاقتصاديين تزايدت يوماً بعد يوم حول إمكانية الاعتماد على "النمو الاقتصادي" وحده لفهم وحل مشكلة الفقر، بعد أن ثبت أن النمو الاقتصادي في العالم النامي على مدى عقود من الزمان لم يؤد إلا إلى القليل من الفائدة للفقراء، ورغم أن معدل الدخل في العالم الثالث قد ازداد بدرجة كبيرة وصلت إلى 50% منذ عام 1960م، إلا أن هذه الزيادة لم تنعكس إيجاباً على الفقراء، لأن الزيادة جاءت موزعة بطريقة غير عادلة، وتبين أن الفقراء يزدادون عدداً ونسبةً في العالم النامي، مما يؤكد صحة القول: إن النمو الاقتصادي المرتفع والمتراكم ليس بالضرورة ذا مردود اجتماعي، ومع مطلع السبعينيات الميلادية في القرن الماضي أخذت أدبيات التنمية تتحول عن بؤرة التركيز على النمو الاقتصادي، بحيث تحولت مفاهيم التنمية من مفهوم النمو الاقتصادي القائم على التصنيع وتكوين رأس المال الثابت، إلى عملية التنمية البشرية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية المستدامة، ومعالجة المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها الفقر والبطالة، وظهر في إطار ذلك الدعوة إلى تبني "نموذج التنمية المتمركزة حول مكافحة الفقر" (الشامسي، 2004: 54).
أسماء الشمري .
اسهامات الدول في مكافحة الفقر
1- مفهوم ظاهرة الفقر:
منذ أن وجد الانسان على هذه المعمورة منذ زمن طويل الأمد عرف الفقر والفقراء ، وحاولت الأديان والفلسفات منذ القدم حل مشكلة الفقر والتخفيف من آلام وعذاب الفقراء، فجمهورية أفلاطون تعد من الأمثلة على عالم لا تفاضل فيه ولا طبقات ولا فقر ولا حرمان كما ظهرت حركات متطرفة تدعو إلى شيوعية الأموال والنساء.
ونجد من يقدس الفقر ويدعو إلى التقشف والزهد والتصوف لأنهم يعتقدون أن الفقر لا يمثل شرا يجب الخلاص منه ، ومنهم من يرى أن الفقر شر ةبلاء ولكنه قدر محتوم لا ينفع فيه العلاج ، وعلى الفقير أن يصبر وقتنع بالعطاء اي يرضى بالواقع على أي حال، ومنهم من يرى الفقر كذلك ولكنهم يوصون أغنياءهم بالبذل والاحسان والتصدق على الفقراء.
ونستنتج أن الأديان السماوية السابقة اعتمدت في علاج الفقر على الحسان الفردي والصدقات التطوعية وليس للفقراء فيها حق معلوم ولا نصيب مقدر محتوم إلا ما تجود به النفوس الخيرية وضمائر المحسنين[i].
وللمجتمعات الاسلامية نظرة إلى الحياة والانسان والعمل والمال والفرد والمجتمع تخالف في مجموعها نظرة المذاهب الأخرى، ولذا نجد أن الفقر في هذه المجتمعات يشكل خطرا على العقيدة والأخلاق والسلوك والفكر الانساني والأسرة والمجتمع واستقراره وسيادة الأمة وحريتها، وللفقر عدة أخطار جد سيئة على الصحة العامة ، ولما يتبعه من سوء التغذية والصحة النفسية، وفي كل ذلك خطر على الانتاج والاقتصاد والتنمية الاقتصادية وعلى حياة الانسان.
ولعل هذه الاخطار المختلفة جعلت التفكير في مؤشرات متعددة الجوانب لقياس التقدم الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي لقياس الفقر.
لظاهرة الفقر عدة مفاهيم تم إحصاؤها من قبل الهيئات ورجال الاقتصاد والمالية انطلاقا من واقع الشعوب ولقياسها استعملت مجموعة من المعايير فبالنسبة للجزائر نجد عدة أنواع لظاهرة الفقر وتتمثل هذه الأنواع المتباينة في التالية:[ii]
- الفقر المادي
- الفقر غير المادي
- الفقر المطلق
- الفقر النسبي
- الفقر المؤقت
- الفقر المستديم الفقر المالي(النقدي)
- الفقر الانساني. أسماء الشمري .
[i] رجم نصيب، ظاهرة الفقر وآثارها على التنمية الاقتصادية، مجلة الاقتصاد والمناجمنت، الفقر والتعاون، كلية العلوم الاقتصادية والتسيير، جامعة تلمسان، العدد 02، 2003، الجزائر، ص:189.
[ii] نفس المرجع السابق، ص:190.
نحاء القريني .
حلول للمشكلة
اعتمدت اللجنة المعنية بمعالجة الفقر في السعودية الاستراتيجية الوطنية التي ستنتهجها لمعالجة هذه الظاهرة، ووضع الحلول الوقائية والعلاجية لها بأساليب غير تقليدية.
وتنظر الاستراتيجية للفقر على انه مشكلة معقدة تتداخل فيها الكثير من الاسباب والعوامل، ولها اوجه وجوانب مختلفة في حياة المواطنين، اضافة الى اشراك العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية في الجهود الرامية الى معالجتها.
وتتلخص ابرز مهام اللجنة المعنية بمعالجة الفقر برصد الظاهرة في جمع المعلومات المتوفرة وتصنيفها وتبويبها وتحليلها، اضافة الى تحديد مفهوم الفقر وجوانبه وقياس مستوياته والعمل على ايجاد قاعدة بيانات للمساعدة في رصد الظاهرة وعلاجها.
ويهدف الفريق من ذلك تحديد حجم انتشار الفقر والتعرف على ملامحه ودراسة التجارب السابقة التي قامت بها بعض الدول، وتحليل البرامج الموجهة الى الفقراء، واقتراح الخطط والبرامج القابلة للتطبيق، وتضمينها للخطط الخمسية المعمول بها.
وينهج الفريق عددا من الاساليب في عمله لمكافحة ظاهرة الفقر منها التواصل مع الجهات ذات العلاقة مثل المؤسسات الخيرية والجامعات وزيارة المناطق والالتقاء بالمسؤولين فيها واخذ آرائهم، بالاضافة الى عقد المؤتمرات والندوات العلمية التي يحضرها المهتمون لتداول الآراء وتنفيذ العديد من الأبحاث العلمية حول الظاهرة. وأقرت اللجنة إنشاء صندوق خيري لمعالجة الفقر يعمل على تحسين ظروف الفقير وتأهيله والوفاء بحاجته، من خلال عطاء متبادل يشارك فيه الفقير، وتسهم الدولة في دعمه وتمويل برامجه ومشروعاته مع المؤسسات الأهلية الربحية والخيرية وبمساندة من الأفراد الموسرين.
وتقوم فكرة الصندوق على ان يكون مؤسسة اجتماعية تساند النشاط الحكومي والخيري الموجه للفئات الاجتماعية المحتاجة في البلاد، وينتظر ان يكون الصندوق احدى الآليات الفاعلة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر ومعالجة آثاره في السعودية.
وان ينطلق الصندوق في مهمته من التكافل الاجتماعي الذي يعتبر مبدأ قرره الشارع الحكيم وان الفقر مشكلة متعددة الأسباب وليس نقصا في الدخل فقط، اضافة للأساليب العلمية والمهنية المدروسة والأساسية في مواجهة مشكلة الفقر بما يتفق مع تعاليم الاسلام والعمل على تنمية قدرات الأفراد وتطويرها للاعتماد على انفسهم وتوعيتهم للاسهام بفاعلية في عملية النمو المجتمعي وتطوير الذات فهي إحدى ركائز عملية التنمية الشاملة بالمجتمع واعتبار الفقراء عملاء يتعاملون مع الصندوق يستفيدون منه وليسوا عالة عليه ينتظرون منه العون والصدقة، اضافة الى ان القرض الحسن خير وسيلة لدعم المشروعات الاستثمارية الصغيرة التي يديرها وينفذها الفقراء لتحسين ظروفهم المعيشية، والتركيز في اهتمامات الصندوق وأولياته على الفئات والأماكن الاكثر احتياجا، أما في ما يخص معالجة مشكلة الفقر يقوم الصندوق بدور تكاملي مع الجهات الأخرى الحكومية والأهلية وخصوصا صناديق الاقراض والجمعيات والمؤسسات الخيرية الأهلية بالاضافة إلى أنه يمثل احدى آليات الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر.
ويعمل الصندوق على مواجهة مشكلة الفقر من خلال دعم البرامج والمشاريع التنموية وذلك عبر آليات تقديم القروض الحسنة لاقامة مشروعات استثمارية صغيرة لفئة الفقراء أو تطوير القائم منها لمساعدتهم على القيام بأعمال تتناسب مع قدراتهم وامكانياتهم وتوفير الخدمات الاستشارية ودراسات الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة ومساعدتهم على تحديد المناسب منها لقدرات كل فرد منهم، والعمل على تدريب الأفراد المستهدفين على ادارة المشاريع الصغيرة التي يستطيعون القيام بها وتشغيلها اذا تأكدت للصندوق جدواها الاقتصادية الأولية ومناسبتها لطبيعة قدراتهم.
ويقوم الصندوق بدعم الفقير ومساعدته لدى الجهات التي يمكن ان تقدم له ما قد يحتاجه من خدمات وذلك من خلال التعريف به وتزكيته أو كفالته لدى أي من تلك الجهات اضافة الى ارشاد الأفراد المستهدفين من خلال قاعدة معلومات للافادة من فرص العمل المتوفرة لدى مؤسسات المجتمع المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص والعمل على تهيئة المناخ الملائم لقيام المشروعات الصغيرة المعنية بالفقراء وتنميتها وتشجيعها بما في ذلك حمايتها من المنافسة الخارجية والاحتكار واعداد الدراسات والأبحاث والبرامج الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بنشاط الصندوق مما من شأنه يوفر فهما اشمل لمشكلة الفقر وآثارها وسبل علاجها.
ويعتمد الصندوق في تمويله على ما تخصصه الدولة من مبالغ او اعانات مالية وعينية والأوقاف والتبرعات العينية والمادية والصدقات والزكاة التي تدفع مباشرة من الأفراد والمؤسسات والشركات والعوائد المالية التي يحصل عليها الصندوق من استثمار اصوله وممتلكاته.
نحاء القريني .
المراجع :
العذاري , ع 2010, قياس مؤشرات ظاهرة الفقر في الوطن العربي,دار جرير,36-40)
عدنان ,داود العذاري (2010) دائره الفقر المفرغه (دار جرير ط1)
عزيره ,عبدالله النعيم (2009)( بيروت مركز دراسات الوحده العربيه ط1)
همام ,الشماع (2002)(بغداد بيت الحكمه ط1)
اسباب الاقتصاديه لظاهرة الفقر وطرق معالجتها, محمد محمود العجلوني, ورقه عمل 2010
لانا ,حسن سعيد,(2007) فقر الأطفال سماته، وخصائصه ومدى تطبيق بنود اتفاقية حقوق الطفل , رسالة دكتورة, ( الرياض).
زيتون، أحمد وفاء, (2000 ) دراسات في الفقر والتنمية. الفيوم: مكتبة الصفوة للنشر والتوزيع .
الشامسي، ميثاء سالم (2004 ) السياسات السكانية والتحول الديموجرافي في الوطن العربي، مع إشارة خاصة لدول مجلس التعاون. العين: جامعة الإمارات العربية المتحدة.
العلمي، عبدالقادر( 2002 ) الفقر. الرباط: مطبعة الرسالة.
عبدالمعطي، عبدالباسط( 2002) مصاحبات الفقر على بعض الفئات الاجتماعية، رؤية تحليلية في الحلقة النقاشية حول الفقر وآثاره على فئات المجتمع العربي. الخرطوم: جامعة الدول العربية.
http://www.ebnmasr.net/forum/t87907.htm