يُعتبر إدمان المخدرات من المشكلات النفسية الاجتماعية العالمية، ذات الأضرار والأبعاد الاجتماعية المتعددة في عالمنا المعاصر. فتعاطي المخدرات والاعتياد عليها أو إدمانها، له أسباب فردية واجتماعية ترتبط بالظواهر الاجتماعية للمجتمع. وبذلك تتفاوت معدلات الإدمان من دولة إلى أخرى، ومن طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أخرى، داخل المجتمع نفسه.
ويُعد إدمان المخدرات من الانحرافات، التي تنجم عن الضغوط الاجتماعية، التي يواجهها الفرد في الحياة
ومن حيث أدوار المؤسسات الاجتماعية، التي تعمل من أجل تنشئة الفرد، نجد أن الأسرة أولى هذه المؤسسات، وأهمها. وعند إخفاق الأسرة في أداء مسؤولياتها في التنشئة الاجتماعية، يحدث سوء توافق للفرد من الناحية النفسية والاجتماعية، مع مجتمعه وما يُصاحب ذلك من مظاهر[1]، مثل التوتر الدائم، والقلق المرضي، والعدوانية، والانطواء، والسلبية، وعدم المبالاة، والاغتراب النفسي والاجتماعي.
وهذه الأسباب، سواء حدثت منفردة أو مجتمعة، تعتبر من الأسباب المباشرة، التي تدفع الفرد إلى تعاطي المخدرات، إذ يتخذ الفرد المخدر وسيلة لمواجهة المشكلات، التي يعاني منها، والتخفيف من التوتر المصاحب لها، لأنه يعتقد أن المخدر، الذي يدمن عليه، هو الذي سينقذه ويساعده على مواجهة الحياة.
ولما كانت الأسرة هي المؤسسة الأولى، التي تمارس الضبط الاجتماعي[2] في إطار عملية اجتماعية كبرى، وهي عملية التنشئة الاجتماعية، فإن التفكك الأسري يُفقد الأسرة القدرة على القيام بعملية التنشئة الاجتماعية، فيضطرب جانب عملية الضبط الاجتماعي عند الفرد، بل وعند الجماعة، ويتعرض أكثر الأبناء للانحرافات الاجتماعية، ومنها تعاطي المخدرات.
والفشل في إدراك الطموحات، والضغوط النفسية التي يواجهها الفرد في حياته الدراسية أو في العمل أو الحياة الأسرية، تُعد من الأسباب المباشرة لتعاطي المخدرات وإدمانها.
هذه الاحباطات، والفشل في إدراك الطموحات والضغوط النفسية المترتبة على ذلك، وما يصاحبها من مظاهر سوء التكيف الاجتماعي، تجعل المجتمع مسؤولاً، حيث إن الإخفاق في التنشئة الاجتماعية السليمة.. خاصة من جانب الأسرة.. والنظم التربوية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات العمل. وكل هذه المؤثرات الاجتماعية ذات أثر، في إحداث الانحراف والإدمان.
وعلى الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة، بين المستوى الاقتصادي للأسرة وانحراف الأبناء، إلا أن الدخل والوضع الاقتصادي، بصفة خاصة، يُعد من المؤثرات الرئيسية المحددة للطبقة الاجتماعية الاقتصادية للأسرة. كما أن المستوى التعليمي للأم والأب، ونوع السكن، والحي الذي تقطن فيه الأسرة، وأسلوب المعيشة، والتعامل بين أفراد الأسرة، كل هذه المتغيرات والمؤثرات الأساسية، لها آثارها المباشرة على البناء النفسي للفرد.
إضافة إلى أن جماعة الرفاق، التي ينتمي إليها الفرد ويندمج في أنشطتها.. وأساليب وأماكن شغل الفراغ، وأدوار الفرد داخل مؤسسات المجتمع الأخرى، مثل المدرسة وجماعات العمل فيما بعد، كل هذا يرتبط بالمستوى الاقتصادي. فإذا كان متدنياً، فإنه يعمل على سوء التوافق، مثل التفكك الأسري، والخلافات الأسرية، وغياب الرقابة، والتوجيه الأسري، ورفقاء السوء، وغياب الأب. ويكون ذلك من أسباب الانحرافات السلوكية، ويمهد للأبناء سهولة تعاطي المخدرات.
ويعتبر إدمان المخدرات من المشكلات الاجتماعية العالمية ذات الأبعاد المتعددة، التي لها آثارها الاجتماعية في المجتمع، كما تؤدي، في الوقت نفسه، إلى مشكلات اجتماعية متعددة للفرد. ومن أخطر هذه المشكلات سوء التوافق النفسي والاجتماعي، واضطراب القدرات العقلية والمعرفية، وتخاذل الطموح، وضعف الإنتاج، وتهديد المستقبل العلمي والمهني. وفي هذا ما يترتب عليه فقد القدرة على القيام بالمسؤوليات والأدوار الاجتماعية، وزيادة نسبة الانحرافات السلوكية، والجنوح إلى الجريمة في المجتمع.
[1] سوء التوافق أو (التكيف (Maladjustment هو ما يواجه الفرد من عجز أو عدم رغبة في مسايرة المستويات الثقافية أو الاجتماعية أو السيكولوجية السائدة. وهو لا يُمثل حالة نهائية أو مطلقة، إذ يمكن أن يتحول إلى توافق عند تعديلات في المواقف الحياتية.
[2] الضبط الاجتماعي Social Control هو وسيلة اجتماعية (أو ثقافية) تفرض عن طريقها قيود منظمة ومنسقة نسبياُ على السلوك الفردي بهدف التوصل إلى مسايرة الفعل للتقاليد وأنماط السلوك ذات الأهمية في أداء الجماعة (أو المجتمع) لوظيفتها على نحو مستمر.