المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
الالكترونية الجوهري الجماعات والاجتماعية العمل موريس الشباب الاجتماعية التخلف التلاميذ البحث العنف الخدمة اساسيات الاجتماعي التنمية تنمية المجتمع المرحله محمد في كتاب الاجتماع الجريمة التغير المجتمعات
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 "الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Empty
مُساهمةموضوع: "الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً"   "الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالجمعة يناير 06, 2012 12:20 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

ورقة حول محور:
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً"

وذلك للمشاركة في برنامج الدورة الثانية عشر للمائدة المستديرة
لأساتذة الجامعات داخل الوطن العربي وخارجه
تحت عنوان: "الحضارات: صدام أو حوار"
23-28 يوليو 2002 - ليبيا

د. موزة غباش

شاع استخدام لفظ عولمة فى السنوات العشر الأخيرة كظاهرة ذات شكل يختلف عما كانت به فى الثلاثين سنة الماضية. فالعولمة ليست ظاهرة حديثة، بل إن عناصر وجودها تتمثل في كل مظاهر العلاقات التبادلية بين الأمم والشعوب سواء في تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال، أو انتشار المعلومات والأفكار الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بتقدم تكنولوجيا الاتصال.. كما اتخذت العولمة أشكالها أيضا في تعميم وسيادة عادات ومفاهيم معينة لشعوب العالم. وهنا يكمن الخطر. وقد اقترن الحديث عن العولمة بموضوعات عديدة كالديمقراطية وحقوق الإنسان والثقافة ومهاجمة التعصب بكل أشكاله الديني والثقافي والعرقي.
ولا شك أن ظاهرة العولمة لها مخاطرها وسلبياتها، في الوقت الذي لا ننكر فيه بعض إيجابياتها. فهي، أي العولمة، إنذار للعالم أجمع والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة، ليصحو ويجد طريقه بين ظواهر ما سمى بالعولمة والعولمة المضادة.
1. إن البعض يتناول العولمة باعتبارها تصف وتعرف مجموعة من العمليات التي تشيع على مستوى العالم، فالعولمة توجد أينما وجدت النشاطات السياسية والاجتماعية. فهي تتضمن تعميقا في مستويات التفاعل والاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات التي تشكل المجتمع العالمي.إضافة لبعد آخر يتمثل فى تعميق العمليات الكونية.(1)
فلإيجاد تعريف شامل للعولمة يمكن اعتبار ثلاثة عمليات:-
الأولى: تتعلق بانتشار المعلومات، الثانية: بتذويب الحدود بين الدول، والثالثة: تتعلق بزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات، ولكلٍّ إيجابياته وسلبياته.(2)
فالعولمة إذن يمكن أن تعرف بأنها "نقل الشيء من حيز المحدودية الى آفاق اللامحدودية والعالمية حيث يتجاوز التعامل على اختلاف صوره الحدود الجغرافية المعروفة للدول…" وهذا التعريف يطرح ضمنيا مستقبل الدولة القومية وحدود سياساتها عالميا. ولا بد أن مفهوم العولمة لا يقتصر على هذا التعريف البسيط، الذي يحصرها في مجرد نقل الحركة أو الفعل لنطاق لا محدود. فالعولمة حسب ما جاء في معظم الأدبيات الأمريكية التي تناولته تعنى "تعميم الشيء و توسيع دائرته" أو بمعنى أدق "تعميم نمط من الأنماط الفكرية والسياسية والاقتصادية التي تخص جماعة ما أو نطاق أو أمة معينة على العالم أجمع".(3)
وقد كان القرن العشرون بكل المقاييس، قرناً بالغ الأهمية، فقد أثر بصورة جوهرية على تطور الثقافة البشرية، ومضى بهذا التطور إلى مرحلة تكنولوجية مادية، يرجح أن يكون لها آثار دائمة على اتجاه التطور البشري. وكما حدث في القرون الماضية، شهد هذا القرن تجارب اجتماعية وسياسية كبرى كما شهد تطورا مرموقاً في العلم والتكولوجيا، وهو تطور كانت له تداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولكن سرعة التقدم العلمي والتكنولوجي ونطاقه وانتشاره وتقدم مؤسسات التنظيم التي ظهرت خلال القرن العشرين لم يكن لها مثيل من قبل، وهذه العملية آخذة في التسارع، ولا يبدو أن لها نهاية تقف عندها.(4)
وقد شهد هذا القرن (العشرين) أيضاً إنجازات ونجاحات كبيرة في المبتكرات التكنولوجية والعلمية. غير أن هذه الإنجازات يمكن أن تؤدي إلى مسح وجود البشر والحضارة من على وجه الأرض، أو تحسين فرص معيشة الإنسان، وراحته المادية، وقاعدته المعرفية.(5)
وقد أسفرت الاكتشافات الحديثة في العلوم، ولا سيما في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، مقترنة بالتغيير في هيكل القوة على الصعيد الدولي، إلى التعجيل بعملية "العولمة" خلال الجزء الأخير من القرن العشرين، وقد بدأ هذا القرن بشكوك وتساؤلات ولكنه انتهى بمزيد من اليقين والإيمان بقوة العلم: أي القدرة على توفير فرص جديدة ومثيرة للتنمية والاستمتاع البشري، وأيضاً إيجاد حلول عملية تؤدي إلى الحد من العوامل الخارجية السلبية. غير أن هذا اليقين ليست له نهاية، ومن شأنه أن يدمر آليات التوازن للتطور الثقافي،و هو التطور الذي له ديناميكيات متعددة الجوانب قد تضفي على المصير البشري غاية وثراء.(6)
هكذا، ومع استمرار التغير العالمي والدولي في مختلف مناحي الحياة من علوم وتكنولوجيا واقتصاد وغير ذلك، تجد البلدان العربية نفسها في مواجهة مستمرة مع الضغوط الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الغربية وخاصة الأمريكية واليهودية.
كما أنه، ومع استمرار الحاجة لخطط تنموية طموحة بهدف تضييق الفجوة بين الدول العربية والبلدان المتقدمة، نشأت حاجة أساسية للاهتمام بتنمية القوى العاملة والتخطيط لتنمية بشرية شاملة وفاعلة في البلدان العربية وذلك من أجل العمل على خلق قاعدة متينة وراسخة للبناء الاجتماعي السليم في مجتمع ظلت تتنازعه قوى متعددة الاتجاهات. وقد واجهت تلك الجهود مشكلات حادة نجم معظمها عن تبني مفاهيم قاصرة وأنماط وسياسات تنموية غير ملائمة للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العربي.. ونسبة الى التباينات الحادة في الوسائل والآليات والخلفيات الاقتصادية والاجتماعية عموماً، ما بين الدول العربية والدول الصناعية الكبرى، تعثرت خطط التنمية العربية ووصل بعضها الى طريق مسدود. سيما وأن رياح التغيير الثقافي والمعلوماتي والتكنولوجي قد بدت تعصف بثبات الواقع الاجتماعي العربي.. وذلك هو التمدد الطبيعي لشبح العولمة وخنق مقدرات الدول ذات الوجود المهمش على الخارطة العالمية، إن جاز التعبير.
ولعل "العولمة" ليست بالشيء الجديد وأنها نتاج الهيمنة العالمية على الاقتصاد والثقافة والمجتمعات، وإنها تطور لاستغلال دول العالم الثالث ومهما تغيرت المسميات فإن الدول الكبرى تضع يدها على كل خيرات هذه البلدان. صور الاستغلال متنوعة ومختلفة ولكل زمان صيغة للسيطرة والهيمنة. وخير مثال التبعية التكنولوجية إذ أن الدول الكبرى تلزمك بشراء التكنولوجيا وشراء كل مستلزمات التكنولوجيا لاحقاً. علماء ومفكروا الدول النامية عقدوا اللقاءات والمؤتمرات لوضع الصيغة المناسبة التي سوف يقابلون بها العولمة والهيمنة وسبق لهم أن رفضوا الخصخصة والتبعية. وأبلغ تعريف للعولمة -أنها في أساسها درجة أعلى من التطور الرأسمالي وعلاقات الهيمنة الإمبريالية وهي بذلك تعد ظاهرة موضوعية تفتح الآفاق وتوسع المجال الحيوي لرأسمالية القرن الواحد والعشرين.(7)
فقد استطاعت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا أن تخضع بقية دول العالم -لا سيما العربي- رضيت أم أبت.. وأصبحت الخطط التنموية العربية تسير على قارب تدار مجاديفه بأيد أمريكية.. مما ربط القرار الاقتصادي دائماً بالقرار السياسي.. وذلك يفسر لنا تعثر العديد من الخطط التي تبنتها عدد من بلداننا العربية في مواجهة الأزمات الداخلية من جهة، وفي مواجهة الصهيونية والغرب من جهة أخرى. في الوقت الذي لم تستطع فيه بلدان عربية أخرى من اتخاذ أي موقف قومي واضح تجاه الصهيونية والغرب، وذلك لأن قرارها السياسي لم يكن بيدها كتابع لقرارها الاقتصادي.
واقع الحال في الدول العربية يقول بأنها الأكثر تعرضاً لتداعيات وتأثيرات العولمة وحركة الهيمنة الأمريكية الغربية على مختلف نواحي الحياة لا سيما التكنولوجية والمعلوماتية والاقتصادية.
ولعل قضية التنمية تظل من أولى التحديات التي تواجه معظم الأقطار العربية والعالمية عموماً. وبما أن التنمية هي الأكثر تأثراً بالمتغيرات العالمية، فكان لابد من وضع هذه التغيرات في الاعتبار عند أي محاولة لوضع خطط تنموية مستمرة وبعيدة المدى.
وقد تأكد خلال العقود الثلاثة الماضية أهمية التكامل التنموي العربي، خاصة في ظل التكتلات الكبرى على المستوى العالمي، وإن الكيانات الصغيرة لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تستمر في ظل هذه الأوضاع. ومن الواضح أن أزمة التنمية تتفاقم في الأقطار العربية، لذا فلا حل إلا بتوحيد الجهود والتركيز على إيجاد مشروع عربي متكامل للتنمية يأخذ بعين الاعتبار إمكانية كل قطر عربي ومدى مساهمته في ذلك المشروع.
وفي الإطار ذاته برزت دعوات تنموية توحدية في بعض الأقطار العربية، كالدعوة لإقامة تنمية بين أقطار مجلس التعاون الخليجي، وفي هذا المجال يورد الدكتور علي خليفة الكواري تصوراته الاستراتيجية حول التنمية في دول مجلس التعاون، من حيث أنها "خطوة نحو البعد القومي، بمعنى الانطلاق من مجموعة أصغر الى الأكبر" (الكواري) وهكذا.(8)
هكذا، ومع استمرار نشوء مظاهر العولمة، يستمر حجم شبح الفقر بالدول النامية ودول العالم الثالث. فمن مقتضيات ما يعرف بمفعول التساقط tricking down effect أن يصفى تزايد ثراء الأغنياء، تدريجيا، ظاهرة الفقر بحيث تنحصر في الكسالى والمقعدين. وقد تبنى البنك الدولي مهمة حصر أعداد الفقراء في العالم وتصنيف درجات الفقر.(9)
وعلى الصعيد الآخر نطالع ما يكتبه الغرب عن أن من لا يستطيع تدبير طعامه بجهده، لا يستطيع أن يعيش. ويضيفون أن تقدم البشرية يأتي باختفاء المجتمعات والحضارات الأضعف. كما أن محاولة مساعدة هذه المجتمعات تزيد من أعباء الدول المتقدمة، وهذا هو ما يتضمن حقيقة هامة تكمن في تهميش وإبعاد دول كثيرة في العالم.
وفي هذا الصدد تذهب العديد من الدراسات إلى التأكيد على حقيقة أن من بين مؤشرات تقدم المجتمع مساهمة نسائه في النشاط الاجتماعي والاقتصادي. بل إن هناك آراء ترى أن أي خطة تنموية لا بد أن تعتمد في جهودها على مشاركة المرأة بجانب الرجل بوصفها نصف القوى البشرية في المجتمع.(10)
فالحقائق تشير إلى أن ضعف القاعدة البشرية يتمثل بشكل أساسي في انتشار الأمية، وبخاصة بين الإناث، وضعف التعليم الجامعي، ونقص التدريب الفني، وتواضع مستوى التنمية البشرية، وبخاصة في البلدان العربية غير النفطية. وقد يؤدي ذلك الى تدني دافعية الجماهير العربية وخصائصها الفنية، وقدرتها على المشاركة بفاعلية في جهود التنمية.(11)
فالعالم في حركته الدائمة وتغيراته المرعبة يشكل بيئة صالحة لتمدد آثار التغير الاجتماعي والذي بدوره يهدد البنيات المجتمعية الأخرى. فالتغير الاجتماعي يعني تلك التغيرات الهامة التي تطرأ على البناء الاجتماعي وأنماط السلوك الاجتماعية وتتضمن بالتالي تغيرات واضحة في كل من العرف وقواعد السلوك والقيم والنتاج الثقافي ونماذجه المختلفة. إن الفكرة السائدة هي أن كل شيء يتغير في المجتمع يمثل تغيراً اجتماعياً سواء كان ذلك تفاوتاً في أنواع الأزياء أو حركة السكان أو التقدم العلمي بصورة عامة.(12)
ويميز كثير من المفكرين بين ثلاثة أنواع من التغير الاجتماعي: فهناك التغير الحضاري: الذي يتضمن عناصر مادية أكثر في المجتمع كالمخترعات مثلاً والعلوم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال. وهناك التغير الثقافي: الذي يهتم بالتغيرات في المعرفة والشعائر والطقوس الدينية، والفنون كالرسم والهندسة المعمارية والرقص والأدب، ثم التغير الاجتماعي: الذي يكون قاصراً على العلاقات الاجتماعية وتوازنها. هذا ويعتبر التغير الثقافي تغيراً اجتماعياً، كما يمكن رد التغيرات الاجتماعية في معظمها الى تغيرات ثقافية. ولا شك أن المجتمعات الحديثة أسرع في تطورها من المجتمعات القديمة، كما أن النظم الاجتماعية تتفاوت في تطورها داخل المجتمع الواحد فمنها ما هو سريع التطور كالنظام التربوي أو الاقتصادي، ومنها ما هو بطئ في تطوره بحيث لا يكون مثل هذا التطور محسوساً كالنظام الديني مثلاً. وقد يتزايد التفاوت أو تتسع الفجوة في تطور النظم الاجتماعية بحيث يصبح ذلك خطراً يهدد المجتمع وكيانه ويستدعي بذل الجهد المتواصل الى حلول من شأنها إعادة التوازن والاتساق للتطور الاجتماعي ولكافة نظم ومؤسسات المجتمع وهذا يطلق عليه الاجتماعيون المشكلة الاجتماعية.(13)
ونأتي، مرة أخرى، لنؤكد على الحاجة المشتركة لكل بلدان العالم إلى تطوير خططها التنموية بحيث تتماشى مع تغيرات العالم وتوجهاته نحو الكوكبية وإذابة الحدود الجغرافية والاجتماعية وغيرها. وبذلك، تظل التنمية البشرية غاية تسعى إليها بلدان العالم بلا استثناء.
وتعني التنمية البشرية، في أوسع معانيها، توسيع خيارات الناس بطريقة تمكنهم من العيش حياة طويلة وصحية، وأن يتمكنوا من الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة كريم (14)
وتحتوي التنمية البشرية، بهذا المعنى، على مجموعة من المقومات الأساسية التي لا غنى عنها. ومن أهم هذه المقومات (15)
1. التمكين:
ويعتمد التمكين الأساسي على توسيع قدرات الناس -توسيعاً ينطوي على زيادة الخيارات ومن ثم ينطوي على زيادة الحرية.
2. التعاون:
حيث يعيش الناس داخل شبكة معقدة من الهياكل الاجتماعية- التي تبدأ من الأسرة وتصل الى الدولة. وتبدأ من جماعات الجهد الذاتي المحلية وتصل الى الشركات المتعددة الجنسية. ولا شك أن هذا التعاون يخلق-على المستوى المحلي والدولي- الإحساس بالانتماء، وهذا الإحساس بالانتماء مصدر مهم من مصادر العمل الجماعي المشترك.
3. الإنصاف:
حيث تسعى التنمية البشرية الى توسيع الفرص المتاحة أمام الناس، دون تفرقة أو تمييز على أساس الجنس (أو النوع) أو اللون أو العرق. وكلما كان الناتج القومي الإجمالي موزعاً بالتساوي والفرص الاقتصادية موزعة بالتساوي، كلما كان من الأرجح أن يتحول ذلك الى رفاه بشري أفضل.
وفي ما نعيشه ويعيشه كل فرد في العالم وما يلحظه من ترد في الأوضاع الاجتماعية والحياتية عموماً، إجابة عملية للسؤال التالي: هل استطاعت التنمية البشرية (في العالم عموماً والعالم العربي على وجه الخصوص) أن تستوفي الحد الأدنى من هذه المقومات؟
ويؤكد د. علي الكواري على أن الغايات البعيدة المدى لتلك الاستراتيجية التنموية تشتمل على تنمية قدرات الإنسان وإطلاق طاقاته، والتفاعل الإيجابي مع الفكر والثقافة الإنسانية. كما يرى ضرورة إيجاد إرادة مشتركة متجددة للتنمية والوحدة، وترسيخ أسس نظام سياسي موحد للمنطقة. إضافة الى تعزيز الاعتماد القومي على الذات وتكوين قاعدة إنتاجية صلبة، مع الاحتفاظ بجزء معقول من عائدات النفط وخلق نظام اقتصادي مختلط وتعميق متطلبات التماسك الاجتماعي.(الكواري) (16)
فالنظرة للتنمية، لا بد أن تكون نظرة شمولية لا تتناول جانباً دون الجوانب الأخرى؛ فهي تمس الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فلا بد من التحقق من شموليتها.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار للأبعاد الاجتماعية في خطط التنمية، ومراعاة عدم تعطيل أفراد المجتمع بكل شرائحه وخاصة المرأة. فقد مضى زمان تبديد الوقت وهدر الموارد البشرية.
إذن، فإن من أولى القضايا التي ينبغي أن ينتبه إليها صانعوا التنمية، هي قضية مشاركة المرأة والوقوف ضد التمييز النوعي وضد الأقليات عموماً.
ولعل أول ما يلفت نظرنا في هذا الصدد ما أكد عليه تقرير التنمية البشرية لعام 1996، حيث أكد على أن "النمو الأبكم.. يكون نمواً يعطي المرأة دوراً ضئيلاً في إدارة الاقتصاد وتوجيهه" (التقرير ص4).
فالتنمية التي تهمش دور المرأة تفتقر الى أهم مقوم من مقومات التنمية البشرية، ألا وهو "الإنصاف".
وعلى الرغم من كثرة القوانين التي صدرت لصالح مساواة المرأة بالرجل، وحقها في ممارسة حقوقها المختلفة (السياسية والاقتصادية، …الخ)، وإزالة كافة أشكال التمييز الموجهة ضد المرأة، فإن هذه القوانين لم تضمن حصول المرأة على حقوقها.
والحاصل أن المرأة كانت من أكثر الفئات المستضعفة vulnerable، خصوصاً النساء المعيلات لأسر Women Head of the Households، وكبار السن والمعاقين (انظر Women and Human Settlements Development ، United Nations ، 1989).
كما أن انعدام المساواة في الفرص المتاحة للمرأة أمر ملحوظ في شتى أنحاء العالم. وقد خلص تقرير التنمية البشرية لعام 1995 الى أن "المرأة لا تتمتع في أي مجتمع بنفس الفرص التي يتمتع بها الرجل". وفي جميع البلدان يقل دليل التنمية البشرية المرتبط بنوع الجنس عن دليل التنمية البشرية. مما يعكس انخفاض المنجزات في مجال التنمية البشرية للمرأة بالقياس الى الرجل. وتضيق الفجوات بين الجنسين في مجالي التعليم والصحة ولكن فرص المشاركة الاقتصادية والسياسية محدودة للغاية بالنسبة للمرأة. فالمرأة لا تشغل سوى 12% من المقاعد البرلمانية. ولا تشغل سوى 14% من المناصب الإدارية والتنظيمية.. وفي العمل تواجه المرأة معوقات فيما يتعلق بالفرص لا يواجهها الرجل. فالمرأة تتولى نصيب الأسد من المسئولية عن الأسرة والمجتمع المحلي. وتنفق ثلاثة أرباع وقتها في عمل غير مأجور. وهذه المسئوليات تتعارض مع العمل الذي يحقق دخلاً. وليس غريباً أن 75% من فقراء العالم البالغ مجموعهم 1.3% بليون هم إناث، وأن دخل المرأة على نطاق العالم يبلغ في المتوسط 75% من دخل الرجل. ومن ثم فإن توسيع إمكانية الوصول الى فرص العمل والى الأصول الإنتاجية بالنسبة للمرأة هو من بين أولويات التنمية البشرية في شتى أنحاء العالم (17)
إن التنمية البشرية -من ثم- لا زالت تنمية متحيزة لصالح الرجل، فضلاً عن كونها متحيزة لصالح الدول الغنية (18)
ولا شك أن إتاحة فرص أكثر عدلا للمرأة، وتمكينها من الحصول على حقها في التعليم والعمل ورعاية الطفل، والمشاركة السياسية، والمناصب الإدارية والاقتصادية سوف يكون له أبلغ الأثر في تنميتها البشرية. "فالاستثمار في قدرات المرأة وتمكينها من ممارسة خياراتها هو أضمن طريق للإسهام في النمو الاقتصادي والتنمية عامة".(19)
إن ما يسود العالم عموماً، وعالمنا العربي على وجه الخصوص، هو مزيج معقد من القوى المتباينة القوى والاتجاه والتأثير.. فكما يرى هانتنغتون في مقال له بعنوان (تطعيم الحضارة- الحضارات ليست جزراً): "الواقع أن الغرب يستخدم المؤسسات الدولية والقوة العسكرية، والموارد الاقتصادية لإدارة العالم بطرق تبقي الهيمنة الغربية، وتحمي المصالح الغربية وتروج القيم السياسية والاقتصادية الغربية".(20)
فلا بد من إزالة عوامل التخلف في بلدان العالم عموماً، وفي بلداننا العربية بوجه خاص. فالتخلف يعوق جهود التنمية التي تهدف إلى الارتقاء بحياة البشر وقبل ذلك توفير عناصر الاستقرار للجهود التنموية في حد ذاتها. والتنمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقرار الاقتصادي الذي لا تكاد معظم بلدان العالم تسيطر عليه في عالم يتجه نحو الانفتاح غير المرشد وغير المحدود.
ونسبة لارتباط القرار الاقتصادي الطبيعي بالقرار السياسي، فقد عملت الصهيونية والغرب عموماً على شل الحركة التنموية العربية وإعاقة جهودها التخطيطية.. فبرزت الخصخصة وطغى دور رجال الأعمال والقطاع الخاص، وأصبحت التبعية الاقتصادية للغرب وأمريكا هي الخيار الوحيد الذي يقدم للبلدان العربية على طبق من ذهب.
ويؤكد د. مهدي على أن العولمة قد أطلت بثقلها على المجتمع الدولي بما يسمى بالثورة التقنية الكبرى وهو ثوب جديد للرأسمالية لكي تستطيع أن تهيمن أكثر على ثروات الشعوب وتحريك اقتصادياتها كما تريد، بالإضافة الى الهيمنة العسكرية والثقافية والاجتماعية، ويصبح العالم كله في قبضة الرأسمالية الجديدة والشركات متعددة الجنسيات. فالعولمة الاقتصادية تخضع لاقتصاد السوق وحرية التجارة وإزالة الحدود الجمركية وتبعية البنوك والأسواق؛ والعولمة الثقافية خضوع الثقافة للمعايير السائدة في سوق السلع وغياب دور الدولة. أما العولمة السياسية فالخضوع التام لسياسة النظام الرأسمالي الجديد وطرد كل أفكار تعارض النظام الجديد؛ وفي العولمة الاجتماعية تذوب العلاقات والقيم الاجتماعية والعائلية والدينية، وتسود الحياة الجديدة المنفتحة في العلاقات الاجتماعية والمادية….(21)
والواضح أنه من غير المتصور أن تجري "عولمة" المنطقة العربية على هذا النحو دون أن يكون لها آثار بالغة القوة في الاقتصاد العربي وفي مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافة العربية.(22)
إن عالماً حكيماً من علماء الاجتماع، هو السويدي غونار ميردال Gunnar Myrdal قال مرة إنه ليس هناك شيء اسمه مشكلة اقتصادية وأخرى اجتماعية أو سياسية أو ديمغرافية، بل إن هناك فقط "مشاكل"، وهي معقدة أو مركبة complex. على المنوال نفسه يمكن للمرء أن يقول إنه ليس هناك شيء اسمه تاريخ اقتصادي، وتاريخ سياسي وآخر اجتماعي.. الخ. هناك فقط "تاريخ"، وهو تاريخ مركب. ذلك أنه خلال عملية إنتاج المزيد من السلع والخدمات تتغير أشياء أخرى كثيرة، وبخاصة عندما يكون هذا النمو الاقتصادي سريعاً وعنيفاً ومفروضاً على الأمة من الخارج، كما كان الحال مع التنمية الاقتصادية العربية خلال المائتي سنة الماضية. ومن ثم فإنه ليس بمقدورنا أن نقوم بتقييم الآثار المترتبة على العلاقات الاقتصادية بين العرب والغرب دون أن نفحص في الوقت نفسه ما حدث لكل جوانب الحياة الاجتماعية العربية.(23)
.. إن العولمة يمكن أن يكون لها أثر مهم في التنمية البشرية من خلال نمو العلاقات الثقافية وزيادة معدل انتقال المعلومات والأفكار وأنماط السلوك والقيم. فكما سبق القول، إن هذه التطورات نفسها يمكن أن تعتبر في ذاتها جانباً من جوانب التنمية البشرية، من حيث إن المجتمع المفتوح يميل الى أن يكون أكثر ديناميكية وحيوية من المجتمع المغلق، وأكثر استعداداً للتجديد والإبداع..(24)
وفي المقابل، فإن تعرض ثقافة ما تعرضاً مفاجئاً لمؤثرات خارجية قد يؤدي الى توترات ينتج عنها إضعاف للقدرة على التجديد والإبداع بدلاً من تقوية هذه القدرة. قد يؤدي هذا الانفتاح المفاجئ أيضاً الى توترات عنيفة في العلاقة بين الطبقات الاجتماعية مما قد يهدد استقرار الأمة الاجتماعي والسياسي. كذلك قد يؤدي هذا التعرض لأنماط أجنبية من السلوك الى الإضرار بالتنمية البشرية إذا أدى الى إضعاف لدور بعض المؤسسات المحلية التي كانت تلعب، قبل ذلك، دوراً إيجابياً في رفع مستوى الرفاهية، ولكنها اضطرت الى إخلاء مكانها لمؤسسات أكثر "عصرية" لا تقدم مثل هذه المساهمة الإيجابية للرفاهية الاجتماعية.(25)
وهكذا تتعقد متغيرات المعادلة التنموية العربية، فالتبعية الاقتصادية جرّت وراءها التبعية السياسية وظل الجانب الاجتماعي يدفع ضريبة ذلك.. فقد شهدت العديد من البلدان العربية تردياً واضحاً للأوضاع الاجتماعية وأصبحت المعاناة فصلاً لا ينتهي يطوق بالحياة الاجتماعية.. ويؤكد التتبع التاريخي لجهود التنمية العربية على أن هنالك خللاً مزدوجاً ملازماً لجهود التنمية العربية.
وقد أثبتت تجربة العقدين (السابع والثامن من القرن العشرين)، أن البلاد العربية قد واجهت مشكلات حادّة بخصوص بناء تنميتها المستقلة وتحقيق تقدمها الاقتصادي والاجتماعي. ويمكن تقسيم هذه المشكلات إلى نوعين رئيسيين: النوع الأول، هو تلك المشكلات التي نجمت عن تبني مفاهيم وأنماط وسياسات التنمية التي حاكت نموذج النمو في الدول الرأسمالية الصناعية، الأمر الذي تبلور في تعثر جهود التنمية ووصولها إلى طريق مسدود. النوع الثاني، هو تلك المشكلات التي نجمت عن أنماط التعامل مع الاقتصاد العالمي في مجال التجارة السلعية، وفي الاستثمار والقروض الخارجية، ونقل التكنولوجيا، وهو الأمر الذي تجلى في استمرار ضعف الموقع النسبي لهذه البلاد داخل محيط الاقتصاد العالمي وفي دوام تبعيتها للقوى الخارجية. وهذه المشكلات جميعاً تعكس نمطاً مشوهاً وتابعاً ساد خلال هذين العقدين، وكان يتوجه للخارج أكثر من توجه للداخل، ويعتمد على الحلول والنظريات الجاهزة، بدلاً من ابتداعها بما يتناسب مع ظروف بلادنا.(26)
ولا شك أن هنالك العديد من الأسباب التي أدت الى انخفاض فاعلية دور العنصر البشري في التنمية العربية.. فالتطور الاقتصادي والاجتماعي لا يتم بمعزل عن التطور في القوى البشرية.. فلا بد من إحداث ثورة كبرى في النظم الاجتماعية والاقتصادية ونظم العلاقات الصناعية في آن واحد.. فلكي تفرض القوى العاملة إرادتها تتأكد الحاجة الماسة الى دراسة وتحسين ظروف العمل ووضع نظم عادلة للتعويضات والمزايا والمعاشات وشروط إنهاء الخدمة وتصميم برامج للتطوير المهني والتدريب وتخطيط القوى العاملة والسلامة والأمن الصناعي. فلا بد من التطور والتفاعل بين القوى العاملة- التي تمثل قائد المسيرة الاقتصادية والسياسية بلا منافس- وبين القيادات السياسية ومتخذي القرارات الاقتصادية والصناعية، وذلك -كما يرى د. الخولي ود. الجمال- بأن يتم وضع لوائح وقوانين وأنماط اجتماعية ونظم تعليمية تتيح للموارد البشرية والقوى العاملة فرصة متكافئة لكي تتطور بسرعة تتناسب مع التقدم الذي حدث ويحدث في المجال العلمي ومجالات التطور الأخرى في تلك المجتمعات…. كما يؤكدا على أن تغلب الحماس والطموح على التحليل والتقييم العلمي أثناء وضع خطط التنمية هو مما نتج عنه تبني أولويات تكنولوجية لا تتناسب مع مستوى خبرات الموارد البشرية المتاحة….(27)
فالمطلوب إذن عند أي محاولة للتنمية الفاعلة، أن لا يتم التركيز على جانب دون الآخر، أو الارتقاء به على حساب جوانب أخرى تؤثر فيه وتتأثر به لاحقاً، وذلك هو الخطأ الذي لازم جهود التنمية العربية خلال عقود من الزمان.
لقد ركز (السوسيولوجيون) على الجوانب الاجتماعية في تناولهم للتنمية وذلك من نظرة تعتمد على أن التنمية الاجتماعية ما هي إلا أداة من أدوات التغيّر الاجتماعي المخطط، وقد برزت (عدة) اتجاهات في هذا المجال تحاول أن تعطي للبعد الاجتماعي دوره في التنمية من حيث هو عملية اجتماعية تهدف الى إحداث نقلة أو تغير في الأطر السائدة. بعبارة أخرى تلك التي تنقل المجتمع التقليدي الى مجتمع حديث يسعى لتحقيق التنمية في المجالات كافة، وبالتالي اللحاق بالركب الحضاري والصناعي الذي أصبح مطلباً لكل المجتمعات.(28)
لذلك، فقد ارتبط مفهوم التنمية الاجتماعية بذلك الاتجاه الداعي الى ربطه بمصطلح الرعاية الاجتماعية الهادفة لتحقيق تنمية للموارد البشرية، بمعنى أن التركيز هنا ينصب على الثروة البشرية حيث أنها السند الحقيقي لقيام تنمية، ولذلك فقد ركز على الخدمات التي تقدم في عدة مجالات منها التعليم والصحة والإسكان والتدريب المهني للكوادر البشرية، يضاف إلى ذلك أن هنالك من يرى أن التنمية الاجتماعية في الأساس عبارة عن تغيّر اجتماعي يؤثر على البناء الاجتماعي ووظائفه ويهدف لإشباع الحاجات الاجتماعية للأفراد. وهذا الاتجاه في الحقيقة يصر ويؤكد على بعدين أساسيين في التنمية الاجتماعية حيث يرى أن النظرة للتنمية لا بد وأن تكون ذات توجه جذري في نظرته للأوضاع الاجتماعية التقليدية والتي تعيق التقدم والتنمية أو بعبارة أخرى لم تعد تواكب التطور الذي تتسم به الحياة العصرية، ولذا فلا بد من إقامة بناء اجتماعي ذي علاقات جديدة، وقيم تؤدي الى تحقيق أكبر قدر ممكن من إشباع المطالب والحاجات لأفراد المجتمع.(29)
فالمتأمل في مسيرة التنمية العربية، يكاد يؤكد على أن ما أشار إليه الدكتور المطوع حول متطلبات إقامة البناء الاجتماعي السليم، ما هي إلا مثاليات يفتقر إليها واقعنا العربي الذي جاءت نتائج جهوده التنموية على مدى القرون ضعيفة وباهتة المعالم مقارنة بجهود التنمية في الدول الغربية والدول الصناعية الكبرى. فرغم ما تعج به الأراضي العربية من ثروات طبيعية وموارد بشرية هائلة، إلا أن التمزق الاقتصادي والسياسي في معظم بلداننا العربية، برز بشكل واضح في تشتت الجهود التنموية وإهدار قيمة رأس المال البشري العربي والموارد الطبيعية العربية.
يؤكد تقرير التنمية البشرية لعام 2000 على "أن حقوق الإنسان المتنوعة -المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية- مترابطة ارتباطاً سببياً ومن ثم يمكن أن يدعم كل منها الآخر. إذ يمكنها أن توجد قوى جماعية تسهم في حصول الفقراء على حقوقهم، وتعزيز قدراتهم البشرية، والإفلات من الفقر. وبسبب أوجه التكامل هذه ينبغي عدم فصل الكفاح في سبيل نيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن الكفاح في سبيل نيل الحقوق المدنية والسياسية. ويلزم السعي الى تحقيق هاتين الفئتين من الحقوق في آن واحد. ثانياً، إن مستوى المعيشة اللائق، والتغذية الكافية، والرعاية الصحية، وغير ذلك من المنجزات الاجتماعية والاقتصادية، ليست مجرد أهداف إنمائية. فهي حقوق للإنسان متأصلة في حرية الإنسان وكرامته. ولكن هذه الحقوق لا تعني استحقاق الإحسان. بل هي مطالبات بمجموعة من الترتيبات الاجتماعية -المؤسسات والأعراف والقوانين وبيئة اقتصادية تمكينية- التي تكفل التمتع بهذه الحقوق على أفضل وجه. ومن ثم يقع على الحكومات وغيرها الالتزام بتنفيذ سياسات لإيجاد هذه الترتيبات.(30)
والواضح أن فشل الجهود التنموية في معظم البلدان العربية ودول العالم الثالث، قد برز بشكل أو بآخر في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فازدادت معدلات التضخم وارتفع حجم المديونيات الخارجية ووجدت الخصخصة والتبعية طريقها خالياً بلا حواجز أو عوائق. فازدوجت المشاكل الاقتصادية مع الاجتماعية وبدأت الآثار الاجتماعية القاسية تظهر في العديد من البلدان العربية التي راحت ضحية التخطيط التنموي غير المتناسب وغير المتكافئ.. فقد تزايدت حدة الاضطرابات الاجتماعية في تلك البلدان وتدهورت الأحوال المعيشية للسكان، وازدادت بالتالي نسبة البطالة.. وظهر ما يسمى بعمالة الأطفال، أي انخراط الأطفال في أعمال ذات ربح هامشي وتخليهم عن المدارس.. وهنا يزداد حجم المأساة، إذ بتدهور الأحوال المعيشية للسكان تسوء أحوالهم الصحية ويقل الوعي الصحي والاجتماعي عموماً وتزداد نسبة الأمية والفقر.. وتتفاقم الأزمة وتتحول الى العديد من الأزمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية وغير ذلك.. فيصبح المجتمع بيئة صالحة لنمو الجريمة والمخدرات وانتشار الأمراض وغير ذلك من تداعيات الخلل في البرامج التنموية وبرامج الإصلاح الهيكلي.
يبقى هناك هدف عام للتنمية البشرية، وينبغي عليها أن تسعى لتحقيقه من أجل إصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عموماً للبشر، وهذا الهدف، كما جاء في نشرة منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية وإيران وتركيا، هو "الارتفاع بنوعية الحياة".. غير أن تعبير "نوعية الحياة الإنسانية" ليس له تعريف واضح، فهو يتحدد بمجموعة من العوامل المترابطة والتي تشمل مجالات متعددة، منها الثقافة السائدة والحالة الصحية، والأداء الاقتصادي والأحوال السياسية والاجتماعية، وبناء القدرات البشرية، والتطورات المؤسسية وغيرها. وللإحاطة بهذه الأبعاد المختلفة يتطلب الأمر رؤية تطورية للتنمية البشرية. وفي نطاق هذه الرؤية تعتبر الثقافة نتيجة لعملية ديناميكية للتطور الرمزي، بالنظر الى الظروف الموضوعية التي تكون سائدة في وقت معين، وهو مفهوم عابر وغير مستقر. وعلى سبيل المثال ففي بيئة تتميز بارتفاع نوعية الحياة البشرية يكون من المتوقع أن يتمكن الناس من قضاء حياة طويلة ومنتجة، كما يتوقع أن يتمتعوا بصحة جيدة، وأن يتمكنوا من الحصول على المعرفة وفرص التعليم وأن يعاملهم الجميع باحترام وبطريقة كريمة وتنطوي على المساواة الاجتماعية. ويكون المتوقع في مجال الاقتصاد السياسي أن تتاح لهم فرصة المشاركة في القرارات الحكومية التي تمس حياتهم والمجتمع الذي يعيشون فيه، وأن تكون لديهم إمكانية كسب قدر من المال يكفي لتزويدهم بقدر كاف من الغذاء والمأوى وغير ذلك من الاحتياجات المادية والجمالية. ويكون من المتوقع في غضون ذلك أن يحافظ الناس على بيئة قابلة للاستمرار عبر الأجيال. ومجموع هذه العوامل الديناميكية هو الذي يحدد سمات الثقافة السائدة.(31)
هكذا تظل آثار التصحيح الهيكلي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العربية ضئيلة وغير فاعلة.. ويظل أفراد المجتمع يدفعون ضريبة كل ذلك بفقدان حقوقهم في الصحة والتعليم وغير ذلك.. فحتى كأن المجتمعات العربية أصبحت ريشة في مهب ريح العولمة والتغيير السريع الذي يجتاح أرجاء العالم..
وأمام كل هذه التراجعات لجهود التنمية العربية، تظل قوى العولمة والهيمنة الأمريكية في تقدمها وضغطها المتواصل على العديد من بلدان العالم الأخرى، المتخلفة منها والنامية على وجه الخصوص. لكن بلداننا العربية، بلا شك، نالت الحظ الأوفر من هذه التأثيرات السلبية للعولمة!
هذا ما يحدث بالفعل في العديد من بلداننا العربية، بينما يستمر العالم يتحدث عن تعزيز الحقوق في إطار التنمية البشرية، فقد جاء في تقرير التنمية البشرية 2000 الصادر عن الأمم المتحدة، أن "من حق جميع البالغين أن تكون لهم حرية العمل دون إهانة واستغلال، والأطفال ينبغي أن يكونوا في المدرسة، لا في العمل. وقد تحقق الكثير فيما يتعلق بحماية الأطفال وتحسين ظروف عمل البالغين. فكثيرون يتمتعون بحرية أن يمارسوا عملاً منتجاً. ولكن هنالك ملايين يرزحون في ظروف لا إنسانية، بينما يشعر آخرون أنهم مستبعدون اجتماعياً بافتقارهم الى العمل. وفي القرن الحادي والعشرين تقتضي الكرامة التزاماً بإشراك المعزولين والقضاء على ظروف العمل القمعية. وهذه أهداف طموحة -ومع ذلك لا يوجد جديد في هذه المطامح. فهذه هي الحريات التي كانت دافعاً للناس على مدار التاريخ. وكان الكفاح في سبيل هذه الحريات، عبر جميع الثقافات والأجناس، الرباط الذي يجمع الأسرة البشرية معاً. والشيء الفريد بالنسبة للقرن الحادي والعشرين هو إمكانية أن تصبح هذه المطامح واقعاً لجميع الناس."(32)
والمعروف أن من تداعيات سياسة الانفتاح الاقتصادي والسياسي العربي على العالم، أن برزت ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة تمثلت في تباطؤ النمو الاقتصادي وتسارع معدلات التضخم مع اتساع هوة الموارد المحلية من جهة وتزايد الديون الخارجية من جهة أخرى. فلا بد من إعادة التفكير في التخطيط لتنمية اقتصادية فاعلة، تضع في اعتبارها جميع الظروف المحلية الخاصة بكل بلد، وتضع في أولوياتها المصلحة الاجتماعية أولاً وأخيراً لأنها وقود عربة التنمية ودافعتها ورأسمالها..
ولعل "التعريف الأكثر دقة وقبولاً للتنمية الاقتصادية هو أنها العملية التي يتم بموجبها تحقيق زيادة حقيقية في الناتج القومي لاقتصاد معين خلال فترة طويلة من الزمن"(د. محمد العمادي، "التنمية الاقتصادية والتخطيط"، دار الحياة: دمشق، 1969، ط3، ص31) هذا المفهوم للتنمية يعني تحقيق زيادة في الناتج القومي بالحجم المطلق قد تبتلعها الأفواه الجديدة، وبالتالي يظل المستوى الاقتصادي على ما كان عليه في السابق. وفي تفسير متفائل يمكن أن يكون المقصود هو تحقيق زيادة في الدخل الوطني بنسبة تفوق نسبة الزيادة في عدد السكان خلال الفترة المعنية بالإحصاء. أي أن -الزيادة الكمية تعطي إضافة لنفس البنية المشوهة الموروثة من السابق، وغالباً ما تتحقق مثل هذه الزيادة بفعل عوامل التطور التلقائي. وهذه الزيادة كما نراها في ظل ظروف بعض أقطار الوطن العربي تكون متأتية من مصدر رئيسي هو حقول استخراج النفط والغاز أو من مورد آخر، بينما يظل الاقتصاد في قطاعاته الأخرى والجوانب الاجتماعية والثقافية تعاني من التخلف، والتبعية للنظام الرأسمالي العالمي.(33)
إن هذا المفهوم وما شابهه من تحديد بمؤشرات كمية فقط يعتبر في رأينا قاصراً، ولا بد أن يكون التعريف بالتنمية شاملاً للكم والكيف معاً للتعبير عن المسار المتشابك لعملية التحويل الإرادي الواعي للوضع المجتمعي بأبعاده الاقتصادية (من الينبوع أي النمط الإنتاجي الى المصب أي النمط الاستهلاكي) والاجتماعية والسياسية والثقافية من حالة التخلف الى حالة التقدم. ونعني بالتقدم في سياق هذا البحث، القدرة على السيطرة على موارد المجتمع المادية والبشرية وحسن استخدامها لصالح الإنسان.(34)
إذن فلا بد أن تسبق عمليات التنمية والمشروعات التنموية العربية، مشروعات تأهيلية.. فالاقتصاد العربي في معظمه حطام لوضع اقتصادي ظل يعاني من ضغوطات عديدة داخلية بفعل الأوضاع المتردية للسكان، وخارجية بفعل محاولات التثبيت أو الثبات من جهة وعوامل الشد والزعزعة الغربية من جهة أخرى.
فلا شك، إذن، أن موضوع (التأهيل للتنمية) -كما يرى الدكتور مجيد مسود- واسع جداً، يمتد من طبيعة النظام الاجتماعي ومؤسساته التعليمية والفكرية والحقوقية.. كما أنه يتأثر بمستوى تطور القوى المنتجة بجانبيها البشري والمادي (وسائل الإنتاج) وبعلاقات العمل والملكية (العلاقات الإنتاجية) السائدة في المجتمع المعني. ويتأثر أيضاً بالبيئة، نتيجة لتوفر أو (شح) مواردها الطبيعية، واعتدال أو قسوة المناخ فيها.(35)
هكذا تظل العولمة شبحاً يطارد الوجود الاقتصادي والاجتماعي للواقع العربي، وعلى الرغم من أن استخدام لفظ "العولمة" لوصف ما يحدث في العالم، هو استخدام حديث، فإن الظاهرة نفسها -كما يرى الدكتور جلال أمين- قديمة جداً. فإذا نحن فهمنا "العولمة" بمعنى التضاؤل السريع في المسافات الفاصلة بين المجتمعات الإنسانية، سواء فيما يتعلق بانتقال السلع أو الأشخاص ورؤوس الأموال أو المعلومات أو الأفكار أو القيم، فإن العولمة تبدو لنا وكأنها تعادل في القدم نشأة الحضارة الإنسانية.(36)
يمكن أن نقول الشيء نفسه عن رد الفعل الإنساني لظاهرة العولمة. صحيح أن درجة وعي الإنسان بظاهرة العولمة قد اختلفت قوة وضعفاً بين عصر وآخر، وكذلك درجة استجابته لها ومدى قوة الدافع الذي وجده الإنسان في نفسه للإسراع بالظاهرة أو الحد من سرعتها، ولكن وجود هذا الوعي بظاهرة العولمة، في حد ذاته، لا بد أنه بدوره قديم جداً. إن شعوراً مشابهاً لما نشعر به اليوم بقوة بظاهرة العولمة، لا بد أن يكون قد شعر به مثلاً أول إنسان ينجح باقتحام الفضاء، منذ نحو أربعين عاماً، إذ لا بد أن العالم قد بدا له حينئذ كـ "القرية الواحدة الكبيرة". ولكن حتى قبل ذلك بكثير، لا بد أن يكون مكتشفو القارة الأمريكية، منذ نحو خمسمائة عام، قد اعترتهم أيضاً دهشة عظيمة من مدى التضاؤل في المسافات الذي استطاعوا تحقيقه. (37)
إن المرء لا يستطيع أن يصدر تعميماً بما إذا كان الأثر الصافي لزيادة الاتصال الثقافي بين الأمم في التنمية البشرية أثراً إيجابياً أو سلبياً، ليس ما يثيره هذا الموضوع بطبيعته من أحكام قيمية وشخصية لا بد أن تختلف من شخص لآخر، بحسب تقييمه لمختلف جوانب الحياة الاجتماعية لكلتا الثقافتين اللتين يجري الاتصال بينهما، وبحسب ترتيبه الخاص للأولويات وما يعتبره أكثر الأشياء أو أقلها أهمية للرفاهية والتقدم الإنساني.(38)
إن كل هذه الآثار المختلفة (الإيجابية والسلبية) التي تحدثها العولمة في التنمية البشرية، يمكن مشاهدتها في مختلف مناطق العالم التي تعرضت كلها، بدرجة أو أخرى، لظاهرة العولمة. فارتفاع درجة المساهمة في التجارة الدولية يجلب منافع وأضراراً للتنمية البشرية، وكذلك ارتفاع معدل الهجرة، وارتفاع معدل تدفق رأس المال، وانحسار دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع، وزيادة قوة الاتصال الثقافي بين الأمم. إن درجة قوة أو ضعف كل أثر من الآثار التي تحدثها العولمة يختلف بالضرورة من منطقة لأخرى من مناطق العالم، بحسب طبيعة التجربة التاريخية لكل منها، وظروفها الاقتصادية، ومواردها الطبيعية والبشرية، وبحسب حاجتها لرأس المال الأجنبي، وبحسب قوة دولها أو ضعفها، ونقاط القوة والضعف في ثقافتها التقليدية.. الخ. وعلى الرغم من أن الوطن العربي يشترك مع بقية مناطق العالم في معظم هذه الآثار أو كلها، الإيجابي منها والسلبي، فإن تجربة الوطن العربي في العولمة لها سمات معينة تميزها الى حد كبير من غيرها من التجارب، سوف نذكر منها الآن ثلاث سمات كان لها جميعاً دور ملحوظ في تحديد الأثر الصافي للعولمة في التنمية البشرية.(39)
أولى هذه السمات -باختصار- ما يتعلق بالنفط كسلعة استراتيجية في النمو الاقتصادي للوطن العربي، في دول مثل الكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات وعمان والمملكة العربية السعودية وليبيا؛ وثانيها ما يمكن تسميته بآثار الثروة النفطية من هجرات للعمالة وغيرها مما شكل "ظاهرة العولمة عن طريق النفط"، التي كان لها آثار قوية، إيجابياً وسلبياً، في التنمية البشرية في الوطن العربي بأسره؛ وثالثها ما عرفه العالم العربي من تعاظم دور الدولة في الاقتصاد. إن من المكن تفسير ذلك بدور الميراث التاريخي لبعض الدول العربية، كمصر مثلاً، مما يعود الى عصور بالغة القدم، وكذلك بنوع الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها هذه الدول بوجه خاص، كمياه الأنهار من ناحية والنفط من ناحية أخرى، مما حتم أن تلعب الدولة دوراً مهماً في إدارة الاقتصاد. ومع ميل دور الدولة الى الانحسار في العقود الأخيرة، نتيجة زيادة تيار العولمة قوة، سواء فيما يتعلق بالتجارة الخارجية أو حركات رؤوس الأموال أو الاتصالات، كان من شبه المحتمل أن تضعف درجة الحماية التي توفرها الدولة لشرائح المجتمع الأقل دخلاً، بما يترتب على ذلك من آثار في التنمية البشرية.(40)
ولتبيين الآثار المترتبة على هذه السمات الثلاث في التنمية البشرية، يمكننا أن نضع في الاعتبار أربع نماذج لدول عربية متباينة الظروف. فالكويت، من جهة، تمثل في الأساس ما يمكن تسميته بـ "الرخاء عن طريق النفط" وما يعنيه ذلك للتنمية البشرية من تكاليف إنسانية باهظة للرخاء الاقتصادي؛ وتأتي اليمن لتمثل الآثار المترتبة على الهجرة، من جهة أخرى. أما تونس (والجزائر والمغرب بدرجات متفاوتة) فتمثل هجرة من نوع مختلف عن حالة اليمن، إذ أنها هجرة الى دول شمالية أكثر تقدماً، فحققت بذلك تقدماً ملحوظاً في بعض مجالات التنمية البشرية يفوق ما حققته معظم الدول العربية الأخرى.(41)
أما أثر العولمة في التنمية البشرية فلا بد أن يكون محلاً لدرجة أكبر من الشك وعدم اليقين. وليس هذا بدوره بالأمر المستغرب. ذلك أن صلة التنمية البشرية بالنمط الذي يتم به توزيع ثمرات التنمية هي صلة لا تقل قوة عن صلتها بمعدل النمو الاقتصادي نفسه، ومن المستبعد جداً أن تؤدي زيادة الاتصال بالعالم الخارجي الى توزيع ثمرات النمو بدرجة أقرب الى المساواة. إن النمو، بطبيعته، غير متوازن، ولا ينطوي على أي ضمان بأن آثاره الطيبة سوف تصل الى الجميع، ناهيك عن أن تصل الى الجميع بالتساوي، والأرجح أن يكون هذا القول أكثر صحة إذا كانت "الآلة المحركة للنمو" موجودة في خارج الدولة محل البحث.(42)
فلنلق نظرة على هذه العلاقات المتشابكة ما بين الإنسان في أي مكان بالعالم، وبين الحاجات الأساسية في الحياة. ولعل الفقراء هم أول من تظهر عليهم الآثار السلبية للعولمة. فهم الأسرع تأثراً والأقل حصانة وصموداً أمام التصدعات الاقتصادية في مجتمعاتهم.
إذ نجد أنه، وبينما ازداد حجم الاستهلاك لسلع مثل الغسالات والمراوح الكهربائية وأجهزة التلفزيون، وانتشر انتشاراً واسعاً حتى بين محدودي الدخل، حدث تدهور ملحوظ فيما يحصل عليه الفقراء من خدمات التعليم والصحة والسكن وكذلك نوع الغذاء الذي يحصلون عليه. إن هذه الظاهرة، على ما فيها من غرابة، قد لا تستوجب الدهشة، ولعلها تشير الى ظاهرة عامة تتعلق بأثر من آثار العولمة في الفقراء، كما أنها لا بد من أن تثير تساؤلات مهمة عن الأثر الصافي للعولمة في الرفاهية الاجتماعية.(43)
إن القلق حول هذه القضية مفهوم ومبرر تماماً، فمن حيث أن الإجراءات المقترحة في إطار هذا الإصلاح الاقتصادي تنطوي كلها تقريباً على تخفيض الدور الذي تلعبه الحكومات في الاقتصاد، ومن حيث إن المفترض أن الحكومات إنما تتدخل في الأساس من أجل حماية الفقراء ومحدودي الدخل، فإن هناك سبباً وجيهاً للشك في أن إجراءات التثبيت والتكييف الهيكلي يمكن على الأقل أن تضر بالفقراء. فإجراءات التثبيت الاقتصادي، تهدف، من بين ما تهدف إليه، الى تخفيض حجم العجز في الموازنة الحكومية، بما في ذلك تخفيض أو إلغاء الدعم المقدم لبعض السلع الأساسية، وتخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية، والفقراء هم في الأساس المستفيدون من هذا الدعم وهذا الإنفاق، والتخفيضات المقترحة عادة في أسعار صرف العملات الوطنية، كجزء من سياسة التثبيت الاقتصادي، تعمل على رفع أسعار بعض السلع والخدمات الضرورية..الخ.(44)
هكذا نجد العبارات التالية التي شهد بها الدكتور رمزي زكي منذ ما يناهز الثلاثة عشرة عاماً، تبدو وكأنها مرآة أو كاميرا ظلت تصور أو تعكس الواقع العربي على مر الزمان.. فقد كتب: "ما أقسى سمات المرحلة التي يمر بها حالياً الاقتصاد العربي، وما أشرس النتائج التي تمخضت عنها في الآونة الراهنة وجعلته في حالة حصار شديد من قبل الاقتصاد الرأسمالي العالمي. بل ما أصعب الآثار التي ستواجهنا في السنوات المقبلة من جرّاء مواريث تلك المرحلة وتراكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً"   "الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالجمعة يناير 06, 2012 12:21 pm

هكذا نجد العبارات التالية التي شهد بها الدكتور رمزي زكي منذ ما يناهز الثلاثة عشرة عاماً، تبدو وكأنها مرآة أو كاميرا ظلت تصور أو تعكس الواقع العربي على مر الزمان.. فقد كتب: "ما أقسى سمات المرحلة التي يمر بها حالياً الاقتصاد العربي، وما أشرس النتائج التي تمخضت عنها في الآونة الراهنة وجعلته في حالة حصار شديد من قبل الاقتصاد الرأسمالي العالمي. بل ما أصعب الآثار التي ستواجهنا في السنوات المقبلة من جرّاء مواريث تلك المرحلة وتراكماتها. ومن المؤكد أن المفكرين العرب المهمومين بمشكلات الوطن العربي وتزعجهم الآفاق المنظورة لتطوره، سيتوقفون كثيراً عند عقد السبعينيات من (القرن العشرين) باعتبار أن ما هو حادث الآن في الاقتصاد العربي هو نتاج حتمي لما حدث في هذا العقد من ممارسات عربية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولذا لن نبالغ حين نزعم أن (عقد السبعينيات) يمثّل نقطة تحوّل كيفي في التاريخ العربي المعاصر، والتي ستحتاج الى جهود مبدعة وضخمة لتفسير ما حدث في هذا العقد من صعود هائل، وانكسار حادّ في حركة التحرر العربي."(45) ولعل هذا يفسر لنا إيقاع التدهور السريع الذي شهدته بعض اقتصادياتنا العربية.
ونعود لنؤكد على أن ثمة وهم (بجانب أوهام أخرى) يمكن رصده من تجارب وخبرات التنمية العربية في العقود الثلاثة الماضية، وهو -كما يصوره الدكتور رمزي زكي- وهم إمكان التنمية دون توافر استراتيجية واضحة المعالم ومحددة لعملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهو أمر كانت له نتائج سلبية. ومن المعلوم أن مصطلح "الاستراتيجية" في الأساس هو مصطلح عسكري (انظر مادة الاستراتيجية في: M. N. Lexkon). إنه يعني في لغة العسكريين، تحديد خطوط التحرك الجوهرية التي يمكن بمقتضاها تحقيق الهجوم الناجح على العدو ودحره وكسب المعركة. من هنا تبدو لنا أهمية هذا التحديد وسلامته ودقته، والحرص على تنفيذه بعناية شديدة حتى يمكن تحقيق النصر. والحقيقة أنه حينما ينتقل هذا المصطلح من المجال العسكري الى المجال الاقتصادي، وبخاصة الى مجال التنمية الاقتصادية، فإنه يحافظ أيضاً على مضمونه الأساسي، إذ يصبح المقصود باستراتيجية التنمية تحديد خطوط التحرك الجوهرية التي تكفل نقل المجتمع من عملية التخلف الى عملية التقدم. وفي هذا الخصوص يمكن تشبيه عملية الانتقال هذه بأنها معركة، يخوضها الاقتصاد القومي ضد قوى التخلف والركود التي تمسك بخناقه وتحول دون نموه وتحركه نحو أوضاع أرقى وأفضل. ولهذا فهو يحتاج الى استراتيجية ملائمة لتحقيق هذا الهدف.(46)
وعند تحديد استراتيجية التقدم الاقتصادي والاجتماعي لا بد من الإجابة الواضحة عن الأسئلة الآتية: الى أين كان يسير الاقتصاد القومي في ظل الأوضاع السائدة في الماضي؟ وما هو الهدف (أو القانون) الرئيسي الذي كان يحكم حركته؟ ولماذا يرفض المجتمع أن يترك الأمور تسير على ما سارت عليه في الماضي؟ وما هي مبررات ذلك ومدى قبولها اجتماعياً وسياسياً؟ والى أين يجب أن يسير الاقتصاد القومي في المستقبل في ضوء الهدف الاستراتيجي الجديد الذي تم اختياره من قبل المجتمع؟ ليس من الممكن، إذاً، صياغة استراتيجية التنمية لبلد ما وتحديدها دون أن يكون هناك تحديد واضح ودقيق للهدف الجوهري الذي تسعى هذه الاستراتيجية الى تحقيقه.(47)
إذن، فالحديث يصب ويتجه في كل مرة الى ضرورة مراعاة الظروف الخاصة بكل بلد عند محاولة تطبيق أي استراتيجية تنموية.. بل وقبل ذلك، ضرورة صياغة أهداف دقيقة لأي استراتيجية تنموية. فكما تتباين ظروف البلاد، تتباين احتياجات أفراد مجتمعها أو مجتمعاتها. فهنالك بلاد تتعدد ثرواتها الطبيعية وفي الوقت نفسه تمزقها عوامل أخرى كالحروبات والأمية والأزمات السياسية والاقتصادية وغير ذلك.. فلا بد من اتباع سياسات تنموية ذكية تلبي احتياجات البلد المعين وتتناسب مع ظروفه.
وبناءً على ما تقدم، فإننا نقصد هنا باستراتيجية التقدم الاقتصادي والاجتماعي وجود رؤية واضحة -في ظل وجود هدف استراتيجي يسعى المجتمع الى تحقيقه- حول شكل ومسار التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يعبئ الاقتصاد القومي من أجل الوصول إليه في الأجل الطويل. ومن ثم يتحصل مضمون وضع أي استراتيجية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي بصفة أساسية في تحديد قضيتين أساسيتين: الأولى: هي تحديد المبادئ التي يتعين أن ينمو الاقتصاد القومي في ظلها، وتتحدد على أساسها أوضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع خلال الفترة الطويلة المقبلة. وهذه المبادئ سوف تؤثر في النهاية في تحديد دالة التفضيل الاجتماعي (Social Preference Function) التي يسعى المجتمع الى تعظيمها، والقضية الثانية، تتمثل في ضرورة وجود تصور واضح حول أكثر التغيرات الهيكلية فائدة للاقتصاد القومي والتي تمكن المجتمع من استخدام الموارد الاقتصادية والبشرية أحسن استخدام ممكن. ولا شك أن تحديد القضية الأولى يقتضي توافر الفلسفة الاجتماعية التي يختارها ويحددها ويرتضيها المجتمع لكي تكون إطاراً واضحاً يتحرك فيه تقدّمه. وتلك قضية يلعب فيها الاختيار السياسي الدور الرئيسي. أما القضية الثالثة، فتتطلب وجود رؤية بعيدة المدى عن تلك القطاعات التي يجب أن تنمو على نحو معين والتي تتميز بأن لها ثقلاً كبيراً في عملية التنمية. ومن دون هذه الرؤية البعيدة المدى عن تطور هيكل الاقتصاد القومي لا يمكن أن توجد أي استراتيجية صحيحة للتنمية الاقتصادية المخططة. وعلى الرغم من أن هذه الرؤية ليست إلا مجموعة من المبادئ المحددة لما يجب أن يكون عليه نمو الاقتصاد القومي في الفترة الطويلة المقبلة، إلا أن الوصول الى هذه الرؤية بشكل سليم يتطلب أولاً التعرف الدقيق على الهيكل الاقتصادي والاجتماعي الذي بلغه الاقتصاد القومي من خلال التطور التاريخي الماضي، ومعرفة القوانين الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم في تحديد ملامحه الأساسية التي وصل إليها في مرحلته الراهنة.(48)
والواقع أننا لو ألقينا إطلالة خاطفة على تجارب وجهود التنمية العربية في العقود الثلاثة الماضية، فسوف يسترعي النظر -بناء على التحليل المتقدم- الغياب الكامل لوجود هذه الاستراتيجية. واقتصر الأمر، في الأقطار التي كان فيها خطط تنموية، على الإشارة الى أهداف عامة، وأحياناً تجريدية كالإشارة مثلاً الى مضاعفة الدخل القومي أو زيادته بنسب معينة خلال مدة محددة؛ ورفع مستوى المعيشة بنسب محددة؛ وعلاج مشكلة البطالة والأمية؛ وتحسين ميزان المدفوعات؛ وتحقيق معدلات نمو معيّنة لبعض القطاعات…الخ.(49)
وكل هذه الأهداف لا ترقى الى مستوى الهدف الاستراتيجي بالمعنى العلمي الذي حددناه لمصطلح استراتيجية التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ويعود ذلك الى الغياب شبه الكامل لوجود تصور محدد عن شكل وطبيعة الاقتصاد المنشود تحقيقه عبر أفق زمني طويل. إذ بدلاً من وجود مثل هذا التصور، وما يتفرع عنه من تصورات ورؤى وأهداف مرحلية، وسياسات مناسبة، نلاحظ أن المخططين وواضعي السياسة الاقتصادية في الأقطار العربية اعتمدوا عند وضع ما أسموه "استراتيجية التنمية" والخطط المتفرعة عنها، على تطبيق نماذج جاهزة للنمو (Growth Models) وضعها الفكر الاقتصادي في البلدان المتقدمة اقتصادياً دون مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة في هذه البلدان، وهي نماذج تركز في الأساس على التغيرات الكمية في بعض المتغيرات الاقتصادية بهدف الوصول الى رسم صورة تنبئية لمسار تطور بعض الكميات الاقتصادية، على معدل زيادة الدخل القومي أو معدل نمو التوظيف.. الخ. وهي في سبيل ذلك حصرت قضية التنمية في حدود ضيقة ونظرت إليها على أنها مجرد التأثير في بعض العلاقات الفنية والتقانية القائمة بين بعض المتغيرات الاقتصادية، وأهملت تماماً الجوانب الاجتماعية والسياسية لعملية التنمية. وقد أثبت الخبرة التاريخية أن قضية التنمية في البلدان المتخلفة لا تحتاج في الأساس الى نموذج رياضي للنمو بقدر ما تحتاج الى نموذج اجتماعي للتغيرات الجذرية التي تتطلبها التنمية….وكان من شأن هذه النظرة القاصرة عن فهم جوهر عملية التنمية أن بنيت على أساسها سياسات اقتصادية خاطئة، لمواجهة ظاهرة التخلف بصفة عامة، ومشكلة التراكم (تراكم رؤوس الأموال) بصفة خاصة. فقد ركزت معظم برامج التنمية في البلدان المتخلفة على زيادة معدلات الاستثمار دون أن تعطي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والسياسية الأخرى أهمية محسوسة.(50)
يمكن القول بأن البلدان النامية التي أجبرتها سياستها الاقتصادية، غير الناجحة، إلى إتباع توصيات ونصائح الصندوق والبنك الدوليين، بانتهاج سياسة ليبرالية التكيف، قد وقعت من جديد في مشكلات وصعوبات اقتصادية وأزمات اجتماعية كما أن هذه السياسة قادتها إلى إدماج اقتصادها في تقسيم العمل الدولي الجديد الذي هو في المحصلة لصالح بلدان المراكز الرأسمالية الدولية.(51)
فالواقع أن الدول العربية لم تستطع بعد تحديد ما إذا كان ما يحدث من تآكل في البنى الاقتصادية لدولة ما يتم في مقابل التمدد الطبيعي لمظاهر العولمة، هل هو أزمة حقيقية أم انفراجاً ظلت تحلم به مجتمعاتنا العربية!
وهكذا تظل جهود التنمية الاجتماعية في تعثرها وتخبطها في أي محاولات للتغيير نحو الأفضل.. طالما أن التغيير في جانب اجتماعي مثلاً يخضع لنفس الديناميكية والتفاعل مع العديد من العوامل الاقتصادية وغيرها.. وتظل المجتمعات العربية، وغيرها من المجتمعات النامية في العالم، تظل تتنازعها مشاعر متضاربة تجاه ما يحدث.. فسواء تم القبول أو الرفض لآثار العولمة في مستوى المعيشة أو في التطور الثقافي والحضاري، يظل الخوف مسيطراً على المعارضين لهذه الظاهرة من تهديد بنيتهم الاجتماعية والثقافية وهويتهم ويخشون كذلك من تهميش العديد من قطاعات المجتمع التي تفقد مصادر عيشها من تبدل آليات الفعل الاقتصادي والاجتماعي سواء.
فعلينا أن نتحقق أولاً مما إذا كانت التنمية الاقتصادية كفيلة وحدها بتحسين الأحوال الاجتماعية لفقراء والأغنياء معاً.. فلا بد من تحديد حد أدنى لمستوى توزيع الدخل وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة ونوعية الغذاء ومستوى التغذية وغير ذلك من الأمور الجوهرية.. فهذا هو السبيل الوحيد باتجاه تخفيف أثر الهزة الاقتصادية على البناء الاجتماعي.
إن أي تنمية في أي منطقة بالعالم، إن لم تنتبه إلى قضايا مثل توزيع الثروة والدخل، وانتشار البطالة، والفقر، فإن نتائجها ستكون مخيبة للآمال.
ولا بد أيضاً من وجود مسح عام جيولوجي وإحصائي يبين الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يجري التخطيط لتغييره في المستقبل. … والمخطط يحتاج الى حجم كاف من البيانات والمعلومات، بنوعية معينة، لتسهيل عملية تحضير الخطة ومتابعة تنفيذها وتقييم نتائجها.. مثل الإحصاء السكاني لمعرفة حجم السكان كمستهلكين، وحجم قوة العمل فيهم ونوعية تأهيلها، والإحصاء الذي يبين الثروة الطبيعية المتاحة والمحتملة، والإحصاء الصناعي، والإحصاء الزراعي، والإحصاء التربوي، وهكذا في مختلف الفروع الاقتصادية وفي مجالات الحياة الاجتماعية.(52)
نخلص للقول بأن هنالك بعض الجوانب الإيجابية للعولمة بجانب سلبياتها ومخاطرها، وذلك كتلك التي نلمسها في قلة حدة الفقر في دول مثل بنجلاديش والهند وإندونيسيا كنتيجة للاستثمار الأجنبي الذي أسرع بمعدلات الحراك الاجتماعي بها. كما أن ما حققته وسائل الاتصال والتكنولوجيا ساعد على نشر المعرفة في أوساط الطلاب والباحثين وأساتذة الجامعات، فارتفع المستوى العلمي والصحي، وازداد التعارف والتقارب بين الشعوب ذات الثقافات المختلفة….
كما أن الاتصال الدولي الواسع غير المكلف، يجمع البشرية حول قضايا إنسانية عالمية كالمجاعات والحروب وغيرها.. كما برزت مواضيع عالمية لم تكن تلقى مثل هذه المساحات من النقاش والتفكير.
إلا أن ذلك لا يكاد يغطي ولو جانباً واحداً من جوانب الخطر الذي يتعرض له المجتمع من جراء تداعيات العولمة والاتجاه نحو تفتيت حدوده الجغرافية.
فعن سلبيات العولمة، فيمكن القول أنها تضمنت إساءة التعامل مع البيئة (كما حدث من ثقب الأوزون).. كما أن الهوة بين المجتمعات الزراعية والصناعية قد تحدث صراعا ما داخل الدول المتلقية للاستثمار. كما أن الشركات عابرة القارات تسعى للاستثمار فى المجالات المربحة بالنسبة لها دون اعتبار لحاجات منطقة الاستثمار نفسها.كأن تستثمر في السجائر والشيكولاتة والمشروبات الغازية مثلا في منطقة تحتاج للمقومات الأساسية للحياة.
كذلك من سلبيات العولمة، تزايد نسبة البطالة بفعل عملية التخلص من الملكية العامة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي وانجراف المستهلكين أمام الدعايات والإعلانات عن كل ما هو جديد عبر وسائل الإعلام.
أخيراً، فيمكن القول بأن ظاهرة العولمة قد ارتبطت بسيادة ثقافة السماع والمشاهدة على حساب ثقافة القراءة والاطلاع.. وذلك لأن الأولى تُفْرَضُ على المتلقي والأخيرة يختارها وينتقيها بنفسه.. وهنا تكمن خطورة العولمة! (53)
كما أن من آثار العولمة داخل الدولة القومية، تزايد الشركات الاقتصادية متعددة الجنسيات، وانتشار مظاهر سياسية وثقافية تتجاوز حدود سلطة الدولة القومية. فالشركات الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد القومي وكافة عناصر التنمية. أما المظاهر الثقافية والاتصالية والسياسية وغيرها، فإن أثرها لا يخفى في نشر ملامح العولمة وتجاوز المصالح الوطنية.(54)
إذن، فإن نفوذ الدولة وهيمنتها ينحسر أمام مظاهر العولمة المتمثلة في المؤسسات والشركات العملاقة والمنافسة الخارجية.
فعلى الدولة إذن أن تقاوم ذلك الاستيلاء الخارجي بتوعية مواطنيها بالحقيقة المعلومة حتى لا تصادر كل سلطاتها وتصبح سيادة الدولة صورية فقط، كما يجب أن يتم الانتباه لما يسمى "بالخصخصة". (55) وليس معنى هذا محاصرة الإنتاج الفردي المباشر والمشروعات الخاصة. كما أن مبدأ الحرية الاقتصادية لا يعنى إهمال مبدأ العدالة الاجتماعية مطلقاً، فهو الذي يوفر الأمان ضد المخاطر الاجتماعية ويكفل العجزة والمسنين.(56)
إذن، فلإحداث أي تنمية اجتماعية شاملة في أي من البلدان العربية أو العالمية، لا بد من وضع اعتبارات معينة تعلق بطبيعة النظام الاجتماعي ومؤسساته التعليمية والفكرية وغير ذلك.. وعلاقات العمل والملكية السائدة في المجتمع المعين (لأيّ من البلاد العربية).. فجميع تلك القوى تظل تحكمها القدرات الإنتاجية الطبيعية للبيئة المعينة وندرة أو وفرة هذه الموارد: زراعية، صناعية، نفطية، معدنية أو غير ذلك. فالتنمية الاجتماعية جزء لا يتجزأ من المنظومة الكلية للبناء الاقتصادي والسياسي.. فهي تجسد الجهود الواعية لعمليات التحويل الإرادي للمجتمع وتعزيز السيطرة على موارده البشرية والمادية وحسن استخدامها وتسخيرها لصالح المجتمع بأسره، مما يضمن قهر التحديات الطبيعية الناجمة عن تزايد الضغوط الأمريكية والغربية للهيمنة على العالم.

المراجع:
(1) لمزيد من التفاصيل حول الفرق بين النظام الدولي والعولمة: See: Marton Kaplan, System and Process in International Relations, John Wileys & Sons, Inc., New York, 1972, p.115
(2) السيد ياسين، في مفهوم العولمة، العرب والعولمة: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998، ص ص 26-27
(3) هالة مصطفى، العولمة دور جديد للدولة، السياسة الدولية، العدد 134، أكتوبر 1998، ص43
(4) الندوة، نشرة منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية وإيران وتركيا، المجلد السادس، العدد الثالث، أكتوبر/نوفمبر 1999، ص1
(5) أعلاه، ص1
(6) أعلاه، ص3
(7) د. آدم مهدي أحمد، "العولمة وعلاقتها بالهيمنة التكنولوجية"، (الشركة العالمية للطباعة والنشر، دار غريب للطباعة: القاهرة، (2001 غير مبين في الكتاب))، ص5
(8) د. محمد عبد الله المطوع، "التنمية والتغير الاجتماعي في الإمارات"، (دار الفارابي: بيروت، ط1، 1991)، ص59-60
(9) إسماعيل صبرى عبدالله، العولمة والاقتصاد والتنمية العربية، في: العرب والعولمة، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998، ص366
(10) لطيفة عيسى الرجيب، "نحو إدماج المرأة الكويتية المعالة في التنمية"، ص794
(11) د. مجد الدين خيري خمش، "أزمة التنمية العربية: مفهوم التنمية التقليدي والعلاقة مع النظام العالمي"، ص95
(12) د. صالح الطيطي وغالب محمد إسماعيل، إعداد "التنمية العربية وآفاقها المستقبلية"، ص99
(13) أعلاه، ص99
(14) لمزيد من التفاصيل، انظر تقرير التنمية البشرية، 1999)
(15) أعلاه، ص55
(16) سبق ذكره (د. المطوع، التنمية والتغير الاجتماعي في الإمارات)، ص60-61
(17) تقرير التنمية البشرية 1996، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ص100
(18) انظر تقرير التنمية البشرية،1999)
(19) سبق ذكره، (تقرير التنمية البشرية، 1996)، ص6)
(20) د. منير الحمش، "العولمة... ليست الخيار الوحيد"، (الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع: دمشق، 1998، ص145
(21) سبق ذكره (د. مهدي)، ص5-6
(22) د. جلال أمين، "العولمة والتنمية العربية: من حملة نابليون إلى جولة الأوروغواي 1798-1998"، (مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت، سبتمبر 1999)، ص8
(23) أعلاه، ص31
(24) أعلاه، ص59
(25) أعلاه، ص59-60
(26) د. أسامة الخولي، ود. حسين مختار الجمال، "التكنولوجيا والموارد البشرية والاعتماد على الذات"، (دار الشباب لنشر والترجمة والتوزيع: نيقوسيا - قبرص، الحلقة التاسعة: نحو تنمية عربية تعتمد على الذات، ط1، أكتوبر 1987)، ص7
(27) أعلاه، ص76-77
(28) سبق ذكره (د. المطوع)، ص57
(29) أعلاه، ص57-58
(30) تقرير التنمية البشرية لعام 2000، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، (المطبعة الشرقية: البحرين، ص128)، ص73
(31) الندوة، نشرة منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية وإيران وتركيا، المجلد السادس، العدد الثالث، أكتوبر/نوفمبر 1999، ص1-2
(32) تقرير التنمية البشرية 2000، برنامج الأمم المتحدة الإتمائي، ص128
(33) د. مجيد مسعود، "موضوعات في التنمية والتخطيط"، (دار ابن خلدون: بيروت، ط1، 1980)، ص17
(34) أعلاه، ص17-18
(35) أعلاه، ص51
(36) سبق ذكره (د. جلال أمين)، ص7
(37) أعلاه، ص7
(38) أعلاه، ص60
(39) أعلاه، ص60
(40) أعلاه، ص61
(41) أعلاه، ص61-62
(42) أعلاه، ص79-80
(43) أعلاه، ص126-127
(44) أعلاه، ص133
(45) د. رمزي زكي، "الاقتصاد العربي تحت الحصار: دراسات في الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها في الاقتصاد العربي مع إشارة خاصة عن الدائنية والمديونية العربية"، (مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت، 1989، ص19
(46) أعلاه، ص50
(47) أعلاه، ص50-51
(48) علاه، ص51-52
(49) علاه، ص25-53
(50) علاه، ص53
(51) سبق ذكره (د. منير الحمش)، ص97
(52) سبق ذكره (د. مجيد مسعود)، ص12
(53) لمزيد من التفاصيل، انظر، شمة آل نهيان، ملخص دراسة العولمة وانعكاساتها على منطقة الخليج العربي، إبريل 1999
(54) هالة مصطفى، العولمة دور جديد للدولة، السياسة الدولية، العدد 134، أكتوبر 1998، ص46
(55) جلال أمين، العولمة والدولة، في: العرب والعولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998، ص162
(56) هالة مصطفى، العولمة دور جديد للدولة، السياسة الدولية، العدد 134، أكتوبر 1998، ص45



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
????
زائر




"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Empty
مُساهمةموضوع: شكرا   "الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً" Emptyالسبت يناير 07, 2012 3:06 pm



سلم الطرح
وسلم الابداع

uiij
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
"الآثار والانعكاسات الاجتماعية للعولمة محلياً ودولياً"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الآثار الإجتماعية للعولمة : دراسة ميدانية مقارنة على شرائح إجتماعية مختلفة /
» الآثار الإجتماعية للعولمة : دراسة ميدانية مقارنة على شرائح إجتماعية مختلفة /
» الآثار الاجتماعية لاستخدام الانترنت لدى الشباب في الإمارات
» الآثار الاجتماعية والثقافية للبث الفضائي الوافد
» الآثار الاجتماعية والاقتصادية للفساد الإدارى فى المحليات : دراسة ميدانية بمحافظة الدقهلية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: منتدي نشر الابحاث والدراسات-
انتقل الى: