محددات الإبداع لدى المرأة العربية من منظور النوع الاجتماعي
(الوضع المهني للإعلاميات اليمنيات نموذجا)
د/ عبدالله علي الزلب
قسم الإذاعة والتلفزيون – كلية الإعلام – جامعة صنعاء
مقدمة :إن الحديث عن المرأة والإبداع ينبغي أن ينطلق من الإيمان الراسخ بأن الإبداع في جميع المجالات العلمية والفنية والأدبية هو أساس تقدم الشعوب، وأن الإبداع لم يكن ولا يمكن أن يكون يوما من الأيام ميزة أو حكرا على جنس بشري بعينه. وفي ظل التحولات المتسارعة نحو صياغة نظام دولي جديد، فإن المجتمع العربي بحاجة إلى تطور إيجابي فاعل وليس تطورا شكليا لمجرد محاكاة ثقافة "الآخر" المهيمنة، سواء كان ذلك " الآخر" رجلا فيما يتعلق بالمرأة أم كان آخرا غربيا أو شرقيا فيما يتعلق بالإنسان العربي، فالتطور الفاعل والإيجابي هو ذلك النابع من الذات والمتفاعل إيجابيا مع الآخر ومشاركا له.
ولما كان وجود النساء لا ينفصل عن وجود الرجال، مثلما لا يمكن لوجود الرجال أن يكون منفصلا عن وجود النساء، فإن المسؤولية مشتركة بين الجنسين، أساسها الحقوق والواجبات وآليات عملها الاجتهاد والتواصل والتكامل.. ويندرج إبداع النساء العربيات في هذا الإطار، حيث لا يمكن الادعاء بوجود إبداع نسائي مستقل له خصوصياته بعيدا عن عالم الرجال مثلما هو الحال تماما مع يمكن أن يسمى بإبداع الرجال... لأن الإبداع خاصية إنسانية لا يمكن اكتسابها بيولوجيا بالوراثة ولا تختص بنوع اجتماعي بعينه... فهو مرتبط بعوامل شتى، اجتماعية وثقافية ومهنية ونفسية...الخ
وفي هذا السياق نطرح نموذجا لهذه العلاقة من خلال تحليل تقسيم العمل بين النساء والرجال من منظور "نوع اجتماعي" والكشف عن العوامل المؤسسية والاجتماعية، بما فيها دور الرجل، التي تتحكم في الوضع المهني للنساء العاملات في المؤسسات الإعلامية وبالتالي في فرص الحراك الوظيفي والتفوق والإبداع المهني لديهن..
إن أسس تقسيم العمل الاجتماعي كانت تستمد على امتداد الحقب التاريخية القديمة من الخصائص البنيوية والثقافية لمختلف المجتمعات الإنسانية، إلا أن مايوصف بعامل النوع الاجتماعي، "الجندر"، شكل باستمرار أحد الأسس المشتركة فيما بينها. وقد أسهمت التحولات التي عرفتها بعض المجتمعات خصوصا منذ الحقبة الحديثة، والتي أخذت تتعمق تدريجيا ويتسع نطاقها ليشمل مجتمعات أخرى، في التأثير وإن بصورة متفاوتة، على موقع هذا العامل، وعلى حدود دورة.
وفي حالة المجتمع اليمني، كان عامل النوع الاجتماعي، يمثل أيضا أحد أسس تقسيم العمل الاجتماعي. انطلاقا من جملة من المؤشرات السكانية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية.
إن أهمية إجراء هذا البحث تستمد مرجعيتها من كونه يقدم، من ناحية، إسهاما يساعد على تبين مدى الدور الذي يلعبه عامل النوع الاجتماعي في التأثير على تقسيم العمل فيما يتبع شتى المؤسسات الإعلامية من وسائل مختلفة، مثلما يساعد على مقارنة وتقييم هذا الدور على مستوى أكثر من قطاع مهني، ومن كونه يسمح، من ناحية ثانية، ومن منظور عام بطرح مسائل تتعلق بما يستنتج من خصائص عمل النساء في هذا القطاع ودلالاته على التحولات الاجتماعية والثقافية والإسهام فيها، وبتنمية ما يمكن تسميته العقل المبدع لدى النساء من منظور أكثر خصوصية..
ولتعميق الفكرة الأولية المستخلصة مما ورد في السياق السابق حول موضوع البحث، نشير إلى أننا سنسعى فيه للإجابة على الإشكالية التالية: هل يتأثر تقسيم العمل داخل المؤسسات الإعلامية اليمنية بعامل النوع الاجتماعي ؟ وإذا اتضح أنه يتأثر بهذا العامل، فما هي حدود هذا التأثير على صعيد كل مستوى من مستوياته الرئيسية ؟ وما هي أبرز العوامل التي تدخل في تفسيره في كل مستوى من هذه المستويات ؟ وكيف ينظر "الآخر" الرجل، المتمثل هنا برؤساء هذه المؤسسات للوضعية المهنية للنساء فيها ودورهن المطلوب لتطوير العمل الإعلامي؟ وهل هناك علاقة بين رؤية الآخر/الرجل وبين الآفاق المتاحة للنساء العاملات فيها في المشاركة الفاعلة والتطوير والإبداع..؟ أو بتعبير مباشر، ماهي مجالات "إبداع " النساء المسموح بها من منظور رجالي ؟؟
أولا : الإطار النظري والمنهجي للبحث :
1. تقسيم العمل والنوع الاجتماعي :
قبل قرنين من الزمان كان ينظر إلى مفهوم تقسيم العمل، من وجهة نظر سوسيولوجية، على انه تخصيص او تجزيء للعمل داخل مؤسسات الإنتاج. ويسمح هذا التجزيء او التخصيص بزيادة العوائد ورفع الإنتاجية . كما ينتج عنه ،أيضا، الترابط بين الأفراد والتكاملية. وبعد قرن من الزمان لاحظ عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم E . Durkheim ، بأن المفاضلة بين الأفراد عبر، ما يصفه بالتضامن العضوي، وفصل النشاطات الذهنية والعملية تشكل أساس العلاقة الاجتماعية.[1] وبعكس ذلك يؤكد التمشي الماركسي على ظاهرتي الإغتراب « Aliénation » والهيمنة. وقد تعددت إسهامات علماء الاجتماع في هذا الموضوع وتطورت النقاشات إلى أن وصلت في السبعينات إلى مستوى آخر وهو مستوى التبادل الدولي بواسطة باحثين وعلماء ينتمون إلى مناطق جغرافية توصف بالعالم الثالث ومن أبرزهم سمير أمين صاحب نظرية المركز المتقدم والمحيط التابع .
ومع أن أسس تقسيم العمل الاجتماعي كانت تستمد على امتداد الحقب التاريخية القديمة من الخصائص البنيوية والثقافية لمختلف المجتمعات الإنسانية ، فان مايوصف بعامل النوع الاجتماعي، "الجندر"، شكل باستمرار أحد الأسس المشتركة فيما بينها. وقد أسهمت التحولات التي عرفتها بعض المجتمعات خصوصا منذ الحقبة الحديثة ، والتي أخذت تتعمق تدريجيا ويتسع نطاقها ليشمل مجتمعات أخرى ، في التأثير وإن بصورة متفاوتة ، على موقع هذا العامل، وعلى حدود دورة.
وكان عامل النوع الاجتماعي، يمثل في حالة المجتمع اليمني أيضا أحد أسس تقسيم العمل الاجتماعي[2]. ويلاحظ انطلاقا من مجموعة من المؤشرات أن هذا العامل شهد خلال العقود القليلة الماضية من تاريخه تحولات متنوعة كان من بين أبرزها، على المستوى البنيوي (الاجتماعي والاقتصادي) ، النمو الديموغرافي المرتفع الذي أدى إلى ارتفاع عدد سكان اليمن من 7.4 مليون سنة 1975 ، إلى ما يقرب ال 17 مليون استنادا لبيانات آخر تعداد للسكان سنة 1994، تشكل الإناث فيه نسبة (48.8% ) [3]. ومن المنظور التعليمي، كان انتشار التعليم الحديث من المتغيرات الهامة التي أسهمت بشكل كبير في تأطير النساء بدرجات متفاوتة في مجالات العمل المختلفة, خارج إطار المنزل والمزرعة، علاوة على انتشار وسائل الإعلام وما تتيحه من إمكانيات للاطلاع على ثقافات أخرى وتقييم الذات. ومع ذلك بقيت نسبة الأمية لدى الإناث أكبر بكثير منها لدى الذكور، حيث بلغت في أوساط الإناث ( 76.9 % ) مقابل (31.4% ) لدى الذكور، في حين لا تتجاوز نسبة النساء العاملات الحاصلات على مؤهلات جامعية ( 0.23 % ) من إجمالي القوى العاملة [4]. لقد أثرت صيرورة هذه التحولات على صيرورة إعادة انتاج النمط الموروث من تقسيم العمل الاجتماعي ، وأسهمت ، لاسيما في الوسط الحضري، في تشكيل نمط آخر تحمل الملامح العامة لأسسه، خصوصا ما ارتبط منها بالعامل الجندري الذي يهمنا في هذا البحث.، قدرا متباينا من مظاهر إعادة الانتاج والتحول، إذ هيأت هذه التحولات - وماتولد عن بعضها من شروط مباشرة وغير مباشرة تدفع باتجاه مزيد إدماج النساء في سوق العمل مثل النمو الديموغرافي، ومانتج عنه من صعوبات بالنسبة إلى الفرد والعائلة، وبالنظر إلى أنه لم يصاحبه نمو مماثل للموارد، وترافق في الفترة الماضية مع الكثير من الصعوبات الاقتصادية ، وكذا الهجرة من الريف إلى المدينة، وما تطلبه العيش في هذا الوسط من حاجيات لاشباعها- هيأت هذه التحولات لتزايد نسبة النساء العاملات ومرورها من 6.7 % من إجمالي القوى العاملة اليمنية، سنة 1975، إلى 21.9 % سنة 1998 من إجمالي القوى العاملة اليمنية البالغة ( 3553660 )[5]. وعلى سبيل المثال ازداد عدد العاملين في التلفزيون من 43 شخصا سنة 1975 [6] ، جميعهم من الذكور، إلى600 شخص في أغسطس 2002م[7]. 2. منهجيةالبحث :
سنتبنى مقاربة تعتمد في تناولها للوضعية الحالية لتقسيم العمل في وسائل الإعلام المذكورة في علاقة ذلك بعامل النوع الاجتماعي ، ومدى تأثير ذلك على فرص الإبداع والتميز المتاحة لدى النساء العاملات مقارنة بالرجال، على التحليل المقارن ذي المرجعية السوسيولوجية . غير ان توظيف مقاربة كهذه يستدعى الاستعانة ببعض البيانات المحددة ، التي يتطلب الحصول عليها القيام بعمل ميداني رأينا فيه أن الاستبيان سيشكل الأداة المناسبة للوصول إلى غاياتنا. ولذلك قمنا بحصر ما هو موجود من هذه الوسائل وتصنيفها ، ومن ثم تحديد ما سيتم اختياره منها كعينة للبحث في نطاق ما يتبع منها للمؤسسات الإعلامية الحكومية . ويعد عامل الوقت والإمكانات المتاحة من أهم العوامل التي تفسر الاتجاه لتركيز حقل عملنا البحثي في إطار ذلك الصنف من الوسائل ، في حين تفسر جملة من الاعتبارات اختيارنا له على وجه الخصوص ، ومنها :
1. تنوع الوسائل
2. توزع أماكن وجودها في عدة مناطق
3. حجم طاقة التشغيل فيها وتعدد الاختصاصات التي تحتاجها.
وبالنظر أيضا إلى الصعوبات المترتبة خصوصا عن عاملي الوقت والإمكانات المتاحة ، فإننا رأينا أن نقوم باختيار عينة يتكون مجتمعها من أبرز المؤسسات الإعلامية الحكومية التي تتمحور أولى اهتماماتها حول أحد أصناف العمل الإعلامي الرئيسية، وهي :
المؤسسة اليمنية للإنباء سبأ
مؤسسة الثورة للصحافة والنشر
مؤسسة 14 أكتوبر ،
مؤسسة الجمهورية
مؤسسة الإذاعة والتلفزيون
وقد أخذنا في الإعتبار عند اختيار العينة ما يلي :
1. أن تشمل أربعة وسائل تغطي كل واحدة منها صنف من أصناف العمل الإعلامي الرئيس للمؤسسات المشار إليها ( وكالة أنباء ، صحيفة يومية ، إذاعة ، تلفزيون)
2. أن يتناسب التوزيع الجغرافي للوسائل المختارة مع التوزيع الجغرافي لمناطق وجود المؤسسات المعنية.
وتعرف العينة التي اخترناها في مناهج البحث بالعينة الطبقية وتضمنت : وكالة الأنباء اليمنية سبأ – صنعاء ، صحيفة الجمهورية- تعز، إذاعة البرنامج الثاني – عدن، القناة التلفزيونية الفضائية – صنعاء . وجمعنا في اختيارها بين الطريقتين المتداولتين في مناهج البحث ، وهما الطريقة المنتظمة والطريقة العشوائية . فبالنسبة إلى الوسيلتين اللتين تنتميان إلى ما يعرف بالصحافة المكتوبة تمت الاستعانة بالطريقة المنتظمة ، من منطلق أن وكالة سبأ للأنباء هي الوحيدة في البلاد، ولا توجد وكالات أنباء عاملة غيرها، ومن منطلق أن صحيفة الجمهورية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن نضمن من خلالها تمثيل المنطقة ، وتقديم نموذج ينطوي على المعايير الأساسية لتمثيل الصحف الحكومية اليومية. وبالنسبة إلى الوسيلتين الأخريين اللتين تنتميان إلى الصحافة المسموعة والمرئية، تم اتباع الطريقة العشوائية على اعتبار وجود قدر من التناظر بين الوسائل المسموعة والمرئية الموجودة في كل من صنعاء وعدن ، الأمر الذي يسمح منهجيا باتباع مثل هذه الطريقة المذكورة.
3. خصائص العينة :يبلغ إجمالي العاملين في الوسائل الإعلامية الأربع (1271) موظف منهم 136 امرأة بنسبة ( 10.8%) وفقا للقوائم الرسمية . وقد اخترنا من كل وسيلة من هذه الوسائل لتطبيق الاستبيان كل من رؤساء هذه الوسائل والنساء العاملات في مراكزها الرئيسية، وذلك لكي يتاح لنا الوصول من خلالها التعرف على أطروحاتهم إلى ما يمكن أن يساعد على صياغة رؤية تتأسس على المقارنة والتقييم المتميز بنوع أكبر من الشمول . كما اختير كذلك ، من بين هؤلاء العاملات اللاتي يشغلن الوظائف المختصة التي لا يدخل ضمنها وظيفة التنظيف ، والتي تحتاج إلى قدر من التعليم. ويلتقي اختيارنا مع التصور الذي سنستعمله هنا ، والذي يرى أنه في حالة المؤسسة لا يكفي التوقف في دراسة تقسيم العمل والبحث عن مؤشراته ذات العلاقة بعامل النوع الاجتماعي ومدى تأثيره على مستوى أداء النساء وظروف العمل الإبداعي، عند مستوى توزيع الوظائف، بل ينبغي أيضا إدماج المستويات الأخرى ، لاسيما ما يتصل منها بتوزيع المهام ذات الارتباط المباشر بعملهن ، وبتوزيع الترقيات الوظيفية واحتلال المناصب الإدارية المختلفة فيها .
وقد تم استرجاع 99 استمارة من إجمالي الاستمارات الموزعة للنساء الموظفات البالغة 136 ، بالإضافة إلى الأربع الاستمارات الموجهة لرؤساء المؤسسات.الخصائص التعليمية لعينة رؤساء المؤسسات الإعلامية :عالي | جامعي | تقليدي |
25 % | 50% | 20% |
الخصائص التعليمية لعينة النساء العاملات :عالي | جامعي | ثانوي أو دبلوم | إعدادي ومادون ذلك | غير محدد |
2.4% | 22.8% | 58.5% | 8.5% | 8.5% |
ثانياً: الوضعية الراهنة لتقسيم العمل وعلاقتها بالنوع الاجتماعي
أشرنا إلى أن رؤيتنا لدراسة الوضعية الراهنة لتقسيم العمل في علاقته بالنوع الاجتماعي، تنطلق من المنظور العام لهذا التقسيم الذي يستوعب مستوياته الرئيسية المتمثلة في :
1. توزيع الوظائف
2. توزيع المهام
3. توزيع الترقيات الوظيفية
ووفق هذه الرؤية، فإننا سنقوم في المحور الأول من هذا القسم بتناول طرح النساء العاملات، في حين سنتناول طرح رؤساء المؤسسات في المحور الثاني منه.
1. طرح الموظفات احتوت الاستمارة التي وزعت على الموظفات اللاتي شملهن الاستبيان سلسلة من التساؤلات التي استهدفت دراسة مدى تأثير عامل النوع الاجتماعي على تقسيم العمل في مستوياته المختلفة داخل العينة المدروسة من وسائل الإعلام الرسمية المختلفة، بالانطلاق في سياق هذا القسم من البيانات المستمدة من الإجابات المتحصل عليها من هؤلاء الموظفات. وقد جرت صياغة تساؤلات هذه الاستمارة بصورة تلتقي فيها الاتجاهات العامة للكثير من مضامينها مع تلك التي وردت في الاستمارة الموجهة لرؤساء المؤسسات الإعلامية . وكانت الغاية من ذلك ترمي إلى تبين الرؤية التي يحملها طرح هذه الفئة حول نفس المسائل التي تثار في طرح فئة رؤساء المؤسسات ، وإلى تسهيل المقارنة لاحقا بين كلا الطرحين . وسنقوم فيما يلي بتقديم وتحليل ما تضمنته إجابات الموظفات في نطاق كل مستوى.
1- 1- توزيع الوظائف :
لمعرفة مدى تأثير تقسيم العمل بعامل النوع الاجتماعي، تم الرجوع إلى ما أدلت به المستجوبات من بيانات حول الوظائف التي يعملن بها، بالإضافة إلى السجلات الرسمية الخاصة بالموظفين، والتي يتضح منها أنها تتوزع على الاختصاصات المبينة في الجدول التالي :
جدول رقم ( 2 ) توزيع الموظفات حسب اختصاصهن الوظيفية
الاختصاص | العدد | النسبة |
مالية إدارية | 38 | 56.7 |
إعلامية صحفية | 17 | 25.4 |
إعلامية تقنية | 14 | 16.4 |
دون إجابة | 2 | 1.5 |
المجموع | 67 | 100 |
تظهر القراءة العامة للبيانات الواردة في الجدول أعلاه ، وتفصيلاتها الواردة في الاستمارات المسترجعة، أن هناك وجود للنساء في الاختصاصات الرئيسية المختلفة ، وأنهن يعملن في مجال المحاسبة والسكرتارية وشئون الموظفين ..الخ ، وفي مجال التحرير الصحفي والتغطية والتقديم …الخ، إضافة إلى مجال الهندسة ، والإخراج ، والمونتاج ، والصف بالكمبيوتر …الخ. غير أن القراءة المعمقة تظهر ، مع ذلك ، أن هناك أكثر من مؤشر من مؤشرات تأثير التوزيع الوظيفي بعامل النوع الاجتماعي، لعل أبرزها غياب النساء عن العديد من الوظائف التي تتعلق ببعض الاختصاصات المرتبطة بطبيعة عمل هذه المؤسسة او تلك، وتركز عمل غالبيتهن في بعض الاختصاصات. ويستنتج من الإجابات المتحصل عليها في هذا السياق وجود عدد من عوامل التفسير لاستمرار تأثير عامل النوع الاجتماعي تتوزع، من حيث منطلقاتها بين العوامل ذات المنطلقات الذاتية والمجتمعية، والعوامل ذات المنطلقات المؤسسية.
1- 1-1- العوامل الذاتية والمجتمعية :
طرح على المستجوبات، بغرض البحث عن تفسير ما خلص إليه الاستنتاج السابق، سؤال حول العوامل التي تكمن وراء قبولهن للوظيفة التي اسندتها إليهن المؤسسة . وقد انطوى السؤال على ثلاثة اختيارات، وجاءت الإجابات على النحو المبين في الجدول التالي :
جدول رقم ( 3 ) مرجعية تفسير عوامل التوزيع الوظيفي وفقا لمعيار النوع الاجتماعي :
العوامل | التكرار | النسبة |
ذاتية | 31 | 46.3 |
مجتمعية | 16 | 23.9 |
مؤسسية | 15 | 22.4 |
غير محدد | 5 | 7.4 |
المجموع | 67 | 100% |
يلاحظ بالرجوع إلى الجدول السابق أن العوامل الذاتية ، بمضامينها ذات الأبعاد الموضوعية مثل المؤهل العلمي والتخصص والخبرة، والشخصية مثل الطموحات والميول ، جاءت في مقدمة العوامل التي فسرت بها غالبية المستجوبات قبولهن للوظائف التي أسندت إليهن ، وتلتها العوامل المجتمعية، بمضامينها ذات الأبعاد الاجتماعية والثقافية. وإذا كان ما يستخلص من مجموع نسبتي العوامل الذاتية والمجتمعية، الذي يتجاوز ضعف مجموع نسبة العوامل ذات المنطلقات المؤسسية، يعكس أهمية دورها بالمقارنة مع غيرها ، فإنه لا يمكن ، مع ذلك ، إغفال دور العوامل المؤسسية ذات الأبعاد القانونية والتنظيمية والمهنية وإن كان يبدو أقل أهمية.1-1- 2- العوامل المؤسسية :رأت 22.4 % من المستجوبات، كما يظهر من بيانات الجدول السابق ، أن قبولهن للوظائف التي يعملن فيها راجع إلى كون ذلك الخيار الوحيد الذي أتيح لهن من قبل المؤسسة التي يعملن فيها ، الأمر الذي يدفع إلى طرح تساؤل هام في هذا السياق وهو : هل كانت اختيارات المؤسسة والقائمين عليها تتأسس على اعتبارات ترتبط بعامل النوع الاجتماعي؟ إن ما يستفاد مما أدلت به (60 % ) من ضمن هؤلاء المستجوبات أن هناك ترابط بين اختيارات المؤسسة وعامل النوع الاجتماعي.
ولمعرفة تفسيرات هذه الاختيارات من وجهة نظرهن ، وما إذا كان هناك نصوص في لوائح المؤسسة تسمح بتبريرها ، فإن قلة منهن قدمن ، بالنسبة للنقطة الأولى ، بعض التفسيرات منها "المظهر الخارجي للنساء والجمال " و "وأوقات العمل"، والتوزيع الزمني للعمل والمتعارف عليه باسم الورديات أو النوبات، وتوزع ما ورد في الاستمارات بالنسبة للنقطة الثانية المتعلقة باللوائح القانونية ، بين الإجابة "بنعم" بالنسبة إلى واحدة منهن ، والإجابة ب " لا " ، أو " "لا أدري" ، أو عدم الإجابة بالنسبة إلى البقية.