يحدثونك عن النوع الاجتماعي!
د. كاميليا حلمي
من الفِخاخ الخطيرة التي نصَبتها لنا هيئة الأمم المتحدة (الموقَّرة) - عن طريق لجنة مركز المرأة بها - فخٌّ يصعُب الانتباه إليه، وهو فخُّ (النوع الاجتماعي)، وهي ترجمة اجتزائية لمصطلح (الجندر Gender)، وهو المصطلح المفصلي الذي ظهَر مفهومه الجديد في ستينيات القرن العشرين، على يد مجموعة من النسويات الراديكاليات Radical Feminist، اللواتي تبنَّينَ فكرة تَمَحْوُر الكون حول الأنثى - كما قال المفكر عبدالوهاب المسيري رحمه الله - وأنه في هذا الكون لا مكانَ للرجل، فالمرأة وحْدها هي التي تقود وتتحكَّم، أما الرجل فيَكفيه أن يقوم على خدمة المرأة، وأن يقوم بالأعمال المتواضعة؛ لتيسير قيام المرأة بدورها القيادي لهذا الكون؛ تمهيدًا للاستغناء الكامل عن الرجل!
ولكن كيف يتحقَّق ذلك الاستغناء؟
دعونا نَضرب مثالاً توضيحيًّا: لو قلنا: إن الجسم به قلب وبه عقلٌ، فهل يَستغني الجسم عن أيٍّ منهما؟ الإجابة: بالطبع لا، لماذا؟ لأن كلاًّ منهما له وظيفة مختلفة وأساسية وحيوية للجسم.
سؤال آخر: هل يمكن للجسم أن يَستغني عن إحدى الكليتين؟ الإجابة: نعم، لماذا؟ لأن الكليتين تَقومان بنفس المهمة، وبالتالي يُمكن للجسم الاستغناء عن إحداهما.
لو أسقَطنا هذا المثال على الرجل والمرأة، فما دام أن كلاًّ منهما يقوم بدور مختلف ومتميِّز وحيوي، فلن يُمكن الاستغناء عن أيٍّ منهما، أما إذا تساوَت الأدوار وتوحَّدت، وقامت المرأة بنفس ما يقوم به الرجل، وقام الرجل بنفس ما تقوم به المرأة، حينها فقط يمكن الاستغناء عن أحدهما.
ومن هنا جاءت خطة (النوع الاجتماعي)، ماذا يعني النوع الاجتماعي؟ يعني وَفقًا لواضعي النظرية: أن المجتمع هو الذي يحدِّد للرجل وظائفه ودوره في الأسرة والمجتمع، وهو الذي يحدِّد للمرأة وظائفها ودورها في الأسرة والمجتمع؛ أي: إن التربية الأُسرية هي التي تحدِّد ذلك.
يعني: الأسرة تسمي الولد محمدًا، أو عليًّا، أو عبدَالله، في حين تسمي البنت: هدى، ومها، وحنان، والأسرة هي التي تشتري له الحصان والمسدس ليَلعب بهما، في حين تشتري للبنت العروسة لتلعب بها، والأسرة هي التي تَحرِص على أن تتعلَّم الفتاة فنون إدارة المنزل، ورعاية إخوتها الصغار، بينما تكلِّف الولد بأن يشتري الأغراض من الخارج، أو أن يَحمي أُخته إذا خرجَا معًا، وغير ذلك، وفي مجال الرياضة: الأسرة تَحرص على تعليم الفتاة رياضات خفيفة، في حين يتعلَّم الولد رياضات عنيفة.
ووَفقًا لنظرية (النوع الاجتماعي)، فإن كل تلك الفعاليات: (اختيار الاسم، اللعبة، المناشط، الرياضة)، هي التي تَرسُم للبنت مسار حياتها، فتُصبح زوجة وربَّةَ منزلٍ وأُمًّا، وترسُم للولد مسار حياته، فيُصبح زوجًا وأبًا، ومتحمِّلاً لكافة الأعباء والمسؤوليات الثقيلة عن الأسرة، وترى النسويات الراديكاليات أن هذا يُعَدُّ ظلمًا للفتاة، لماذا؟ لأن مسار الزوجية والأمومة هو مسار (مجاني غير مدفوع الثمن Unpaid role)، بينما مسار العمل خارج المنزل هو مسار (مدفوع الثمن)، وبالتالي - ووَفقًا لنظرية النوع الاجتماعي - فالمرأة فقيرة والرجل غني؛ أي: إن المرأة فقيرة لقيامها بأدوار غير مدفوعة الأجْر، والرجل غني لقيامه بأدوار مدفوعة الأجْر، وهو ما يُعرَف في الفكر النسوي الراديكالي بنظرية: (تأنيث الفقر Feminization of Poverty).
ومن هنا تَمَّ التسويق لنظرية (النوع الاجتماعي)؛ للقضاء على (تأنيث الفقر)؛ أي: أن يتمَّ التسوية المُطلقة في أسلوب تربية الفتاة والصبي، فيتم تَسميتهم بأسماء محايدة، ولا نَشتري لهم ألعابًا محددة، بل نتركهم يختارون ألعابهم، ولا نَخُص الفتاة أو الصبي بأنشطة محددة داخل البيت أو خارجه، ولا نخص كذلك أيًّا منهما بألعاب رياضية محددة، بل نَدفع بكلٍّ منهما نحو كلِّ الألعاب، ويختار كلٌّ منهما ما يشاء منها، وبالتالي يقوم كلٌّ منهما حين يَكبر بنفس المهام، ونفس الأدوار في الأسرة وفي المجتمع.
وتُستكمَل تلك المنظومة العجيبة بمنظومة أكثر عجبًا، وهي المنظومة التشريعية، فتأتي وكيلات الأُمم المتحدة من النسويات والمنظمات النسوية الراديكالية، والمجالس المعنيَّة بالمرأة والطفل في بلادنا، وتَطرح بديلاً عن القوامة داخل الأسرة، وهو (الشراكة والاحترام المتبادل)، والتي أشرت إليها في مقالي السابق، بحيث تتشارَك المرأة مع الرجل تمامًا في كل شيء: في الإنفاق، في أخْذ القَرار وتحمُّل تَبِعاته، في الأعمال المنزلية ورعاية كلِّ ما يحتاج إلى رعايةٍ داخل المنزل، وبهذا يتدخَّل القانون لتطبيق نظرية (النوع الاجتماعي)، فيُصبح الرجل نسخة طبْق الأصل من المرأة، وتُصبح المرأة نسخة طبْق الأصل من الرجل.
بقِي أمرٌ واحد، وهو الفارق الجسدي المتعلق بالإنجاب، وهو أمرٌ تعمل النسويات الراديكاليات - المؤسِّسات لذلك الفكر، والحاملات له في البلاد المختلفة - على معالجته، عن طريق طْرح فكرة أن الرجل يُمكن أن يَحمل ويَلِد، وقد شاهد العالم كلُّه في إحدى الفضائيات قصة الرجل الذي حمَل وأنجَب، (وقد كان امرأة غيَّرتْ جنسها، واحتفظَت بالرحِم)، وما زالت الأبحاث تُجرى من أجْل استنساخ البشر، وإلى أن يتمَّ النجاح في استنساخ كائنٍ بشري، تَقبل النسويات - مؤقَّتًا - فكرة أن تَحمل المرأة وتَلِد، بشرط أن يتشارَك الرجل معها في رعاية المولود بالكامل، حتى إجازة رعاية المولود، يَقتسمانها معًا.
وهناك بُعْد آخر لنظرية (النوع الاجتماعي)، يتعلَّق بإدماج الشذوذ والشواذ في المجتمع، وذلك حين استبدَلت الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل كلمة (جنس Sex) بكلمة (جندر Gender)، فكلمة Sex تعني: ذكرًا أو أُنثى فقط، أما كلمة (Gender)، فتشمل: ذكرًا وأنثى وآخرين؛ أي: إنه وَفقًا لنظرية (النوع الاجتماعي Gender)، يتساوى الذكر بالأنثى، بالشاذ والشاذة!
وقد وضَعت هيئة الأمم المتحدة خطةً لإدماج (الجندر) في كل المؤسَّسات، حكومية وغير حكومية؛ حتى يُصبح الهواء الذي نَستنشِقه (جندر)، وبناءً على تلك الخطة، تُستنفَر كلُّ المؤسسات والأجهزة، والمجالس القومية للمرأة والطفولة - لعقْد مناشط وندوات، وإحصاءات تقوم على (النوع الاجتماعي)!
ومن ثَمَّ لم يكن مفاجئًا ما شاهَدناه يوم الثلاثاء 20 نوفمبر على شاشات التلفاز، من مشاركة المجلس القومي للمرأة في الاحتفال بيوم الإحصاء الإفريقي، الذي تبنَّته اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة UNEC، والذي حمل شعار: "المساواة في إحصاء الرجل والمرأة، تعزيز إحصاءات النوع الاجتماعي للتنمية"، وقد شارَكت فيه وزيرة التضامن الاجتماعي، ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وممثِّلٌ عن بنك التنمية الإفريقي للتنمية، وقد ناقَش المؤتمر قضية (النوع الاجتماعي)، والتنمية، ووضْع المرأة في مصر وإفريقيا، إلى جانب مناقشة وضع المرأة في الدستور وقوانين ما بعد الثورة!
وأتحدَّى إن كان عموم المشاركين في المؤتمر، يدركون تمامًا الخلفيات أو المعنى الحقيقي لمصطلح النوع الاجتماعي، فقد يعلمون أن النوع الاجتماعي له علاقة بالمرأة، لكن ما طبيعة هذه العلاقة؟ أو ما خطورة ذلك المصطلح على الأسرة؟ لا يُمكن أن يعلم أيُّ شخصٍ وطني مخلص هذه الخلفية، ثم يكتب مقالاً أو تغطية إعلامية، مُبرزًا النوع الاجتماعي على أنه المخلِّص للبشرية من العذاب!
وإني أدعو كلَّ مخلصٍ في هذا البلد أن يتصدَّى لذلك الغُثاء الذي انتقل إلينا قبل ثورة 25 يناير المباركة، من خلال الاتفاقيات الدولية التي أصْدرتها الأمم المتحدة للمرأة والطفل، ووُكلاء الأمم المتحدة، من منظمات حقوقيَّة تتقاضى الأموال الطائلة لتسويق وترويج تلك الاتفاقيات.
تلك الاتفاقيات التي ورَّطَنا النظامُ السابق فيها، وسارَع بالتوقيع والتصديق عليها، فتحوَّلت إلى سيوف على رقابنا، نُرغَم على الانصياع لها، تحت مُبرر أننا "جزءٌ من المجتمع الدولي، ولا نستطيع أن نَنعزل عنه"؛ أي: إننا إما أن نَقبل أن تَنهدم الأسرة، وتَضيع الأخلاق والقيم عندنا، وأن نَقبل بالشواذ بيننا، فنَستعد للفناء، كما تستعد له المجتمعات الغربية الآن، أو أن نكون "منعزلين ومنقطعين عن المجتمع الدولي"!
أدعو كل القوى الوطنية الشريفة لحماية بلدنا مصر ودستورنا الذي يُقاتل هؤلاء لجعْله نُسخة مطابقة للاتفاقيَّات الدولية، أدعوهم للتصدي لوكلاء الأمم المتحدة، بَدءًا من المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، ومنظمات المجتمع المدني التي تتقاضى التمويل المشبوه المصحوب بأجندة (النوع الاجتماعي)، و(المساواة التطابقية)، التي ما أنزَل الله بها من سلطانٍ، وكل الأبواق التي تتحدَّث باسم المجتمع الدولي، متجاهلة إرادةَ شعبنا الواعي في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
أدعو رئيس بلادنا المنتخب لتطهير كلِّ تلك المؤسَّسات من كلِّ مَن يدين بالولاء لغير الوطن، ونحن معه نؤيِّده ونشد أزْرَه.
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/culture/0/47019/#ixzz3ORZVWKUN