ثالثا: النظريات النسوية المتمردة Gender Rebellion Feminisms
منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي فإن النسوية المتمردة قد أصبحت أكثر التيارات النظرية تأثيرا في العلوم الاجتماعية والسياسية، حيث بلغت الذروة فيما أصبح يُعرف باسم "الموجة الثالثة" من النسوية. ولقد كانت هذه الحركة جزءا من المنظور ما بعد الحداثي الذي شكك في المقدمات الراسخة والمتعارف عليها للمجتمع والعلوم الإجتماعية. ولعل ذلك هو ما أكسب هذا المدخل زخما كبيرا في رؤيته الواسعة والمرنة التي قاربت كافة أشكال الجماعات النسوية بغض النظر عن خلفياتها وأوضاعها المجتمعية. كما أن هذا الاتجاه قد ساعد على النظر لأنواع جديدة من النساء اللاتي لم تتناولهن الإتجاهات التظرية السابقة، وعلى رأسهن الفقراء والملونين والمنتمين للعالم الثالث.
وتشتمل النسوية المتمردة على العديد من المداخل النظرية مثل النسوية المتعددة الأعراق، والنسوية التي تتعلق بالرجال، ونسوية ما بعد الحداثة، والنظرية التي تستند على دراسة كل ما هو غريب للأطوار Queer Theory. وبسبب من أهميتها وهيمنتها على العلوم الاجتماعية والتوجهات النسوية فإننا سوف نناقش مدخلين نظريين منها هما النسوية متعددة الأعراق، والنسوية الغرائبية وما بعد الحداثية.
1- النسوية متعددة الأعراق Multiracial Feminism:
يُطلق على النسوية متعددة الأعراق أيضا اسم النسوية متعددة الإثنيات أو متعددة الثقافات، وهي تؤكد على أهمية الجمع بين النوع وغيره من العناصر الأخرى مثل الأعراق والجماعات الإثنية والطبقات الاجتماعية من أجل فهم التفاوتات المرتبطة بالنوع. (34) ويؤكد هذا المدخل على أهمية التقاطع بين النوع والعرق والجماعة الإثنية والطبقة الاجتماعية بما يساعد على الفهم الشامل والكلي لوضعية المرأة في المجتمعات الإنسانية المختلفة. وهذا التحليل التقاطعي يؤكد على أنه في غير مقدور أي شخص أن يركز بشكل رئيسي على عنصر واحد من هذه العناصر ويتجاهل العناصر الأخرى في الوقت نفسه. وهذا لا يعني أن المرء يمكنه أن يضيف هذه العناصر واحدا تلو الآخر؛ أو كما قالت لوربر Lorber "فإن تقاطعات هذه العناصر متآزرة معا، فجميعها تشيد معا موقعا اجتماعيا، وبعض هذه المواقع يتسم بدرجة أكبر من الاستبداد عن الأخرى بسبب كونها نتاجا لأنظمة متعددة من الهمينة". (35) والمقصود هنا أننا لا نضيف عنصرا إلى آخر في عملية متتابعة لجملة العناصر، لكن ما يتم هو عملية بناء شاملة تترابط فيما بينها هذه العناصر وفقا لحجم تأثيراتها على وضعية المرأة؛ فقد يكون للوضع الطبقي تأثير أكبر في بعض المجتمعات على حساب العناصر الأخرى التي يجب ألا نغفل عن حجم تأثيراتها، وقد يكون للعرق تأثير أكبر في وضعية اجتماعية أخرى ضمن مصفوفة العناصر الأخرى المساعدة على خلق هذه الوضعية... وهكذا.
ويتبنى أندرسون وكولينز Anderson and Collins ما يطلقان عليه إسم "مصفوفة الهيمنة" Matrix of Domination التي تعني أن الهيمنة في المجتمع لا تنبع من عنصر وحيد بقدر ما تنبع من عناصر متعددة مثل العرق والطبقة وعلاقات النوع. ومن خلال التركيز على مصفوفة الهيمنة فإنهما يفصلان مدخلهما عما يطلقان عليها النموذج الإضافي Additive Model الخاص بدراسة التفاوتات الاجتماعية والذي يفتقد الارتباطات البنيوية الاجتماعية بين النوع والعرق والطبقة. وهذه الارتباطات هى ما يساعد على الفهم العميق لبنية القهر والهيمنة التي تتعرض لها المرأة في ضوء التركيبة الاجتماعية التي توجد فيها. (36)
وفي ضوء ذلك فإن هذا المدخل يسعى إلى توضيح الفكرة القائلة بأن حالة القهر والتفاوتات السائدة في المجتمعات الإنسانية ليست وليدة عنصر واحد فقط بقدر ما أنها وليدة شبكة مترابطة من العناصر المختلفة. فعلى سبيل المثال، فإن العناصر التي تشمل النوع والعرق والجماعات الإثنية والطبقية تشكل في الولايات المتحدة بنية تراتبية اجتماعية معقدة تساعد البيض من الرجال والنساء المنتمين إلى الطبقة العليا على قهر واستغلال الرجال والنساء المحرومين عرقيا وإثنيا ودينيا من المنتمين للطبقة الدنيا. وبالطبع ففي مجتمعات أخرى يمكن أن توجد عناصر حاكمة أخرى غير ما عليه الحال في المجتمع الأميركي؛ فالوضع بين نساء العالم العربي على سبيل المثال يختلف بدرجة كبيرة حيث تحكمه التصورات الدينية الخاطئة والبنية الثقافية الذكورية الحاكمة، إضافة إلى طبيعة التفاوتات المادية القائمة على استغلال السواد الأعظم من الشعوب لصالح شرائح اجتماعية محدودة.
ووفقا لباكازين وديل فإن الأفكار الأساسية التي تنطوي عليها النسوية المتعددة الأعراق تشمل ما يلي:
1- يتشكل النوع من خلال نطاق متسع من التفاوتات المترابطة.
2- تمثل الطبقة والعرق والنوع والجنسانية مكونات البناء والتفاعل الاجتماعيين.
3- تمثل السلطة حجر زاوية في الاختلافات بين النساء.
4- يوجد تفاعل جدلي بين البناء الاجتماعي والقوة التي تحوز عليها المرأة.
5- يعتمد النوع على نطاق واسع جدا من المداخل النظرية والمنهجية الجديدة.
6- وأخيرا، فإن بنية النوع تتشكل من خلال خبرات الحياة الخاصة بالجماعات المتنوعة والمتغيرة بشكل مستمر من النساء. (37)
إضافة إلى الأفكار السابقة يمكن الإشارة إلى ما يسميه أندرسون وكولينز Anderson and Collins "تغيير المركز Shifting the Center" الذي يعني وضع خبرات الفئات والشرائح الاجتماعية المستبعدة والتي لم يتم الاعتداد والاهتمام بها مسبقا في المركز من تفكيرنا وتناولنا. (38) ولا يقف الأمر فقط عند الفئات المستبعدة اجتماعيا بل يتعداه إلى الوضع في الاعتبار خبرات النساء الأخريات مثل الملونات، ونساء الطبقة العاملة، والسحاقيات، والنساء اللاتي ينتمين إلى العالم الثالث. فواقع النسوية متعددة الأعراق والثقافات يؤكد على ضرورة عدم إهمال أية جماعات نسوية بغض النظر عن الاختلافات فيما بينها، وبشكل خاص تلك الإختلافات التي تحددها السلطة والمكانة الاجتماعية وتتمايز من خلالها شرائح نسوية معينة عن غيرها من الشرائح الأخرى.
وباستخدام نسوية التعددية العرقية فإن باكازين وديل Baca Zinn and Dill يتمثلان في كتابهما المحرر "النساء الملونات" Women of Color الخبرات الحياتية للنساء الأميركيات السود والأسيويات واللاتي من أصول لاتينية أو هندية. إضافة إلى ذلك هناك العديد من الدراسات التي قامت على أساس تمثل الفئات النسوية التى لم يتم تناولها أو الاهتمام بها من قبل. فعلى سبيل المثال تركز فيلما أورتيز Vilma Ortiz في مقالتها "النساء الملونات: نظرة ديموجرافية" على " الجوانب الديموجرافية والأسرية وخصائص النساء السود واللاتين والأسيويات واللاتي من أصول هندية". (39) كما أن كتاب تاكاكي Takakiالمعنون "مرآة مختلفة" A Different Mirror الصادر عام 1993 يُعد مثالا آخر لهذه الدراسات التي تحاول أن تطبق مدخل التعددية الثقافية من أجل فهم الجماعات الإثنية في الولايات المتحدة. ويوسع تاكاكي من مجال بحثه لكي يشتمل على العديد من ضحايا الهيمنة البيضاء في الولايات المتحدة، ويعني بهم السود، والهنود الأميركيين، والمكسيكيين الأميركيين، والآسيويين الأميركيين. كما أن القبول والاعتراف بالاختلافات بين النساء يمثل الإطار النظري لكتاب أموت وماثاى Amott and Matthaei "العرق والنوع والعمل" Race, Gender and Work الصادر عام 1996، والذي يحاول أن يطبق النسوية متعددة الأعراق على حياة العديد من النساء العاملات مثل النساء الهنديات الأميركيات، والنساء ذوي الأصول اللاتينية، والأميركيات الأوروبيات، والأميركيات من أصول أفريقية، والأميركيات الأسيويات، والنساء البورتوريكان.
ومن خلال التركيز على النساء الملونات فإن هذا المدخل قد خلق نوعا جديدا من التركيز على الجوهر Essentialism، وهو ما نعني به إيجاد نوع من التقسيم أو الفصل بين المرأة الملونة والمرأة البيضاء. كما أن حالة التضامن التي يحاول هذا المدخل أن يؤسسها فيما بين النساء الملونات تتجاهل الاختلافات التاريخية والبنيوية فيما بينهن. ويمنح هذا المدخل، مثلما الحال مع نسوية ما بعد الحداثة، الفاعلين الاجتماعيين اهتماما أكبر على حساب البناء الاجتماعي. (40) ولعل هذه المسألة الأخيرة هي ما تجعل من النسوية الإشتراكية، إذا ما منحت الأفراد دورا أكبر، قادرة على فهم ظروف النساء، سواء محليا أو كونيا، وسواء أكانوا نساء ملونات أو غير ذلك.
2- نسوية ما بعد الحداثة والنظرية الغرائبية Postmodern Feminism and Queer Theory
يؤكد هذا المنظور على أن الجنسانية والنوع يتسمان بالتحول والسيولة، وكما هو الحال لدى النسوية متعددة الأعراق فإن هذا الاتجاه يجمع ما بين النوع وغيره من
العناصر الاجتماعية مثل العرق والطبقة. وتقوض نسوية ما بعد الحداثة والنظرية الغرائبية تماسك النظام الاجتماعي الذي تم تأسيسه على اختلافات جنسية بين الرجل والمرأة، وعلى اختلافات النوع التي تحدد لكل منهما وظائف وأدوار اجتماعية محددة. وبالتكامل مع تقاليد ما بعد الحداثة فإن هذا المدخل ينتقد كل المنتجات الاجتماعية والثقافية ليس فقط في الحاضر لكن أيضا في الماضي، مؤكدا على أن "النوع والجنسانية كانا دائما في حالة صيرورة ولم يصلا أبدا لحالة من التبلور، فلم تكن هناك أية هويات دائمة، وهو أمر جعل من سياسات الهوية محل تساؤل دائم". (41) ويعني ذلك أن تلك المواضعات المتعارف عليها اجتماعيا والمقبولة ثقافيا هي من صنع جماعات بعينها فرضتها عبر فترات زمنية طويلة؛ ويعني ذلك أيضا أن من حقنا كجماعات وأفراد أن نرفض الهويات المحددة لنا سلفا، وأن نروج لهوياتنا التي نراها ونعيد صياغتها وفقا لأهوائنا وتطلعاتنا ورؤانا.
وتعكر النظرية الغرائبية صفو ما اعتقدنا أنه عادي وطبيعي؛ ففي هذه النظرية تُبطل الثنائية الجنسية Bisexuality ما تم التعارف عليه من تقسيم جنسي بين الجنسية الغيرية Heterosexual والجنسية المثلية Homosexual، فالجسد يمكن أن يكون أنثويا وذكوريا في الوقت نفسه. وترى باكازين وآخرون Baca Zinn et al بأن المشكلة المرتبطة بكل من نسوية ما بعد الحداثة والنظرية الغرائبية تكمن في أنهما ينتهيان بجعل النوع مجرد "نمط حياة ما بعد حداثي متعدد الأشكال والأوضاع". (42)
وارتباطا مع التراث ما بعد الحداثي، فإن هذا المدخل النسوي لا يقف كثيرا عند مسألة البناء الاجتماعي التي تؤبد الواقع المعيش من خلال جماعات اجتماعية بعينها، لكنه يرى باستحالة وجود هيئات معينة يمكن أن نقف عندها ونحددها، فكل شيئ قابل للاختلاف والتحول بما في ذلك الجنس والنوع الذي فرضته ضوابط اجتماعية معينة. من هذا المنطلق فإن هذا المدخل يضرب أفكار المجتمع الراسخة بخصوص المحددات المسبقة المرتبطة بالتحديد البيولوجي الصارم "رجل/إمرأة" عرض الحائط، ويرى، وبسبب وجود فئات جنسية جديدة مثل المثليين وذوي الجنس المتعدد والنساء المسترجلات، أن هذه التصنيفات المفروضة مجتمعيا تحتاج لمراجعات واسعة في ضوء الهيئات الجنسية الجديدة المتشكلة.
وإذا كان هذا المدخل لا يعطي البناء الاجتماعي تلك الأهمية التي منحتها له العديد من المداخل النسوية الأخرى فإنه يعطي الفاعلين الأفراد دورا كبيرا جدا يتفق والتوجهات ما بعد الحداثية الرافضة لأية تشكيلات اجتماعية تضيع معها الهويات الفردية وشبه الفردية. فالأفراد وفقا لهذا المدخل هم من يحددون هوياتهم ويشكلونها وفقا لما يترائى مع توجهاتهم وأفكارهم، ووفقا لطبيعة الخبرات التي يمرون بها، ومستوى الوعي الذي يصلون إليه عبر ممارسات الحياة اليومية، وعبر تفاعلاتهم مع غيرهم من الجماعات الأخرى التي قد تتشابه معهم أو تختلف.
خاتمة:
في الواقع، وكما بينا سابقا، فإن كل نظرية أضافت إلى غيرها من النظريات بما ساعد على التطور العام للمدخل النسوي في التعامل مع وضعية النساء عبر العالم. فلم تنشأ النظرية النسوية مرة واحدة كاملة التشكل والقدرة على التعامل مع واقع النساء، بل يمكن القول بأنها تطورت وفقا للسياقات الاجتماعية والزمنية المختلفة، وبما يساعد بدرجة او بأخرى على توسيع الرؤيا والقدرة على ضم فئات جديدة ومتنوعة من النساء المستلبات الحقوق اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
لقد حاولت النظرية الليبرالية أن تحسن من ظروف النساء ضمن السياق العام للنظام الذي يوجدون فيه دون العمل على تغييره وإحلاله بنظام آخر غيره وفق قواعد اجتماعية جديدة. كما حاولت أن تغير من ظروف القمع والاستغلال التي تواجهها المرأة من داخل النظام وبأدواته نفسها التي يكفلها ويتيحها مثل العمل على تغيير القوانين واستبدالها بغيرها، والتظاهر، والعمل من خلال المنظمات غير الحكومية.
وعلى العكس من ذلك فإن النسوية الماركسية والإشتراكية أكثر أهمية بالنظر لدراسة وضعية المرأة من ناحية أنها تفتح آفاقا جديدة لمقاومة الظلم الذي تتعرض له في المجتمعات البشرية، وبشكل خاص في المجتمعات الغربية. فالتقاليد الماركسية تساعد بشكل رئيسي على الربط بين القهر الذي تتعرض له المرأة وبين بنية الاستغلال الاقتصادي الرأسمالي. بل إنها تتقدم خطوة في هذا السياق من خلال عدم وقوفها فقط عند العمل المأجور لكنها تتناول أيضا العمل غير المدفوع الأجر سواء في البيت أو الأسرة كبيرة الحجم، أولا بوصفها إبنة في بيت أبيها وثانيا بوصفها زوجة. فالتحليل الاقتصادي السياسي الماركسي ساعد على تتبع التطورات الزمنية للمرأة بدءا من وضعيتها كفتاة في بيت والدها مرورا بوضعيتها كزوجة في بيت زوجها أو عائلة زوجها في ظل الاستغلال المتواصل لها عبر هذه المراحل الزمنية المتتابعة، وفي ظل هدر عملها غير المدفوع الأجر. وفي الواقع فإن التحليل الطبقي الماركسي مازال يحتاج للتوسع بشكل أكبر وأعمق لكى يرتبط ارتباطا حقيقيا بالتحليلات النسوية في المجتمعات الإنسانية، وعلى رأس هذه التوسعات حاجته لمنح النساء قدرا أكبر في تحليلاته الطبقية مثلما يمنحها للرجال؛ فالتحليل الطبقي في الماركسية يبدو تحليلا ذكوريا أكثر منه تحليلا أنثويا.
ويأتي إسهام النسوية الراديكالية بشكل رئيسي في ضوء تركيزها على الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له النساء في المجتمعات الإنسانية. وعلى الرغم من أن هذا المدخل يضفي طابعا جوهريا essentializes من خلال هذا التحليل الجنسي فإنه ليس بمقدور أحد أن يتجاهل أهمية الجنسانية في تحديد خصائص العلاقة بين الرجال والنساء في المجتمعات الإنسانية بشكل عام والمجتمعات الغربية بشكل خاص. وارتباطا مع هذا المدخل يطالعنا مدخل وجهات النظر النسوية الذي تبرز أهميته بالنظر للنساء الملونات على وجه الخصوص. وهذا المدخل يتجاوز التركيز على النساء ذوات البشرة البيضاء المستفيدات من النظام ليوجه اهتمامه نحو النساء المقهورات مثل النساء الملونات والنساء اللاتي ينتمين للعالم الثالث. وبشكل معرفي epistemologically، فإن هذا المدخل يمثل نقدا للنسوية الغربية ومايرتبط بها من مركزية أوروبية أو أميركية. ورغم تلك القطيعة المعرفية مع التوجهات النسوية الغربية فإن نقطة الضعف الرئيسة المرتبطة بهذا المدخل تتمثل في تركيزه بشكل رئيسي على الفاعل الاجتماعي ذاته متجاهلا الدور الهام والمؤثر للبناء الاجتماعي في توليد مثل هذه الظروف المساعدة على قهر النساء واستغلالهن.
وأخيرا، يمكن القول بأن مدخل التعددية الثقافية أو العرقية يمثل واحدا من أهم المداخل المعاصرة الآن التي تتعلق بدراسة المرأة. والهدف الرئيس لهذا المدخل يتمثل في دراسة ظروف المرأة وأوضاعها في تقاطعاتها مع غيرها من العناصر المختلفة مثل العرق والجماعات الإثنية والطبقية، وهو ما يمنح هذا النوع من التحليل زخما فكريا ونظريا يثري النظرية النسوية ويعمق من قدراتها على فهم واقع المرأة المعيش. ومن وجهة نظرنا فإن مستقبل النظرية النسوية يعتمد بشكل كبير على مدى النجاح الذي يحققه هذا المدخل في دراسة أوضاع المرأة في المجتمعات البشرية المختلفة.
والواقع أن هذه الإتجاهات النظرية المختلفة يمكن أن تساعد على تطوير واقع المرأة في العالم العربي، رغم اختلاف السياقات الحضارية بين الشرق والغرب، ورغم وطأة التقاليد الجاثمة على واقع المرأة العربية. فمما لا شك فيه أن التصورات الليبرالية والماركسية يمكن أن تضيف مداخل هامة وواعدة بالنظر لتحرير المرأة فكريا واقتصاديا، كما أن التصورات الراديكالية يمكن، في ضوء ما تتعرض له المرأة من استلاب جنسي، أن تنير الطريق أمام صانع القرار من أجل مواجهة أي استغلال جنسي يمكن أن تتعرض له المرأة من خلال الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تتعرض لها. وأخيرا فإن مدخل التعديدة الثقافية يمكن أن يلعب دورا كبيرا في تجسير الفجوة بين الصفوات النسائية في مجتمعاتنا العربية وبين المرأة العاملة والفقيرة والريفية، بما يساعد على توسيع الفهم العميق لواقع المرأة العربية بمختلفة شرائحها الاجتماعية المتباينة. ويمكن أن يتم ذلك في توافق حقيقي ومتسامح مع الرؤى الدينية التي يمكن أن تعمق فهمنا لهذا المداخل وتساعد على الاستفادة منها بدون أية تعارضات مسبقة لها، وبدون فرض تصورات مثالية على واقع المرأة العربية.
----------
الهوامش:
(1) أنظر:
- Alison M. Jaggar and Paula S. Rothenberg, Feminist Frameworks: Alternative Theoretical Accounts of the Relations between Women and Men, McGraw-Hill, New York, 1993, pp. 81-82.
- Janet Saltzman Chafetz, Feminist Theory and Sociology Underutilized Contributions for Mainstream Theory, Annual Review of Sociology, V.23, 1997, p.97 (24).
- Teresa Amott and Julie Mattheai, Race, Class, Gender, and Women’s Work, In, Margaret Anderson and Patricia Hill Collins, (eds.) , Race, Class, and Gender: An Anthology, Fourth Edition, Wadsworth Publishing Co., CA, Belmont, 2001, p. 236.
- Myra Marx Ferree, Judith Lorboer and Beth B. Hess, (eds.), Revisioning Gender, AltaMira Press, Walnut Creek. CA, 2001, pp. xv-xvii.
- Mary Eagleton, (ed.), A Concise Companion to Feminist Theory, Blackwell, MA, 2003.
- Wendy K. Kolmar and Frances Bartkowsk, (eds.), Feminist Theory: A Reader, McGraw-Hill Higher Education, Boston, 2005.
- Margaret Walters, Feminism: A Very Short Introduction, Oxford University Press, Oxford and New York, 2005.
(2) أنظر:
- Angela McRobbie, The Aftermath of Feminism: Gender, Culture and Social Change, Sage, Los Angeles and London, 2009.
- Jessica, Valenti, Full Frontal Feminism: A Young Woman's Guide to Why Feminism Matters. Seal Press, USA, 2007.
(3) أنظر
- June Hannam, Feminism, Harlow, England and New York, Pearson/Longman, 2007.
(4)
- Judith Lorber, Gender in Equality: Feminist Theories and Politics, Roxbury, LA, 1998, p. 28.
كما يمكن الرجوع لـ
- Beth Anne Shelton and Benn Agger, Shotgun Wedding, Unhappy Marriage, Non-Fault Divorce? Rethinking the Feminism-Marxism Relationship, pp. 25-42, in, Paula England, ed., Theory on Gender, Feminism on Theory, Aldine and Gruyter, New York, 1993.
(5) أنظر
- Judith Lorber, op. cit, p.29.
(6) أنظر
- Kum-Kum Bhavnani, (ed.), Feminism and Race, Oxford University Press, Oxford and New York, 2001.
(7) أنظر
- Rebecca Campbell and Sharon M. Wasco, Feminist Approaches to Social Science: Epistemological and Methodological Tenets. American Journal of Community Psychology, V.28, Dec. 2000, pp.773-791.
(8) أنظر
- Judith Lorber, op. cit, p.15.
(9) حول أوضاع المرأة في الولايات المتحدة أنظر:
- Teresa Amott and Julie Mattheai, Race, Gender, and Work: Multicultural Economic History of Women in the United States, South End Press, Boston: MA, 1996.
وحول أوضاع المرأة على مستوى كوني، أنظر:
- Kathryn Ward, (ed.), Women Workers and Global Restructuring, ILR Press, Ithaca, NY, 1990.
- Hester Eisenstein, Feminism Seduced: How Global Elites Used Women's Labor and Ideas to Exploit the World, Paradigm Publishers, Boulder, 2009.
- Robin L. Riley; Chandra Talpade Mohanty and Minnie Bruce Pratt, Feminism and War: Confronting US Imperialism, Zed Books, London and New York, 2008.
- Valentine M. Moghadam, “Gender and the Global Economy”, pp. 128-160, in Myra Marx Ferree; Judith Lorber and Beth B. Hess, op. cit.
- Lisa D. Brush, “Gender, Work, Who Cares?! Production, Reproduction, Deindustrialization, and Business as Usual”, pp. 161-189, in Myra Marx Ferree; Judith Lorber and Beth B. Hess, op. cit.
- Debra B. Bergoffen, Paula Ruth Gilbert, Tamara Harvey and Connie L. McNeely, (ed.), Confronting Global Gender Justice: Women's Lives, Human Rights, Routledge, London and New York, 2011.
- Carole R. McCann and Seung-kyung Kim, Feminist Theory Reader: Local and Global Perspective, Routledge, New York, 2003.
(10) أنظر
- Janet Saltzman Chafetz, Feminist Theory and Sociology Underutilized Contributions for Mainstream Theory, Annual Review of Sociology, v23, 1997, p97 (24).
- Charles E. Hurst, Social Inequality: Forms, Causes, and Consequences, 4th ed, Allyn and Bacon, Boston and London, 2001.
(11) أنظر
- Mimi Abramovitz, Regulating the Lives of Women, Social Welfare Policy from Colonial time to the Present, South End Press, Boston, MA, 1988.
- Chafetz, 1997, op.cit.
(12) أنظر
- Paula England, 1993, op. cit.
(13) أنظر
- Rebecca Campbell and Sharon M. Wasco, 2000, op.cit.
وأنظر أيضا:
- Joan Acker, “Class, Gender, and the Relation of Distribution.” Signs, 13 (3), 1988, pp. 473-497.
- Joan Acker, From Sex Roles to Gendered Institutions, Contemporary Sociology, Volume 21, Issue 5, Sept 1992, pp. 565-569.
(14) أنظر
- Janet Saltzman Chafetz, 1997, op.cit, p. 34
- Charles E. Hurst, 2001, op.cit, p. 85
(15) أنظر
- Ibid, p.83.
(16) أنظر
- Anna Pollert, Gender and Class Revisited; or, the poverty of 'Patriarchy', Sociology, V30, N4, Nov. 1996, p639 (21).
- Charles E. Hurst, 2001, op. cit, p. 74.
(17) أنظر
- Paula England, 1993, op. cit, pp. 43-45.
- Jane C. Ollenburger and Helen A. Moore, (1992). A Sociology of Women, the Intersection of Patriarchy, Capitalism, and Colonization, Prentice Hall, Englewood Cliffs N.J., 1992, p. 18.
- Paula England, 1993, op. cit., pp. 43-45.
- Hester Eisenstein, Feminism Seduced: How Global Elites Used Women's Labor and Ideas to Exploit the World, Paradigm Publisher, Boulder, 2009.
- Myra Marx Ferree and Aili Mari Tripp, Global Feminism: Transnational Women's Activism, Organizing, and Human Rights, New York University Press, New York, 2006.
- Maria Mies, Patriarchy and Accumulation on a World-Scale: Women in the International Division of Labor, Zed Books, London and Atlantic Highlands, N.J., USA, 1986.
(18) واردة في:
- Ann H. Stromberg and Shirley Harkess, Women Working, 2nd ed, Mayfield, CA, 1988, p. 130.
(19)
- Nakano Evelyn Glenn, From Servitude to Service Work: Historical Continuities in the Racial Division of Paid Reproductive Labor. Signs. Vol. 18, No. 1, Autumn 1992, p. 3
(20)
- Lorber, 1998, op.cit, p. 62.
(21) أنظر
- Ibid, p. 66, 75, 83.
وأنظر أيضا:
- Jacqueline Rhodes, Radical Feminism, Writing, and Critical Agency: From Manifesto to Modem, State University of New York Press, Albany, 2005.
- Wendy Bottero, “Clinging to the Wreckage? Gender and the Legacy of Class”, Sociology, V.32, N.3, August 1998, p.469 (22).
- Barbara A. Crow, Radical Feminism: A Documentary Reader, New York University Press, New York, 2000.
(22) أنظر
- Margaret Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit. p. 509.
(23) أنظر
- Rebecca Campbell and Sharon M. Wasco, op. cit.
(24) أنظر
- Maxine Baca Zinn, Pierrette Hondagneu-Sotelo and Michael A. Messner, Gender Through the Prism of Difference, p. 170, in Margaret L. Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit.
- Janet Saltzman Chafetz, 1997, op. cit.
- Anna Pollert, Gender and Class Revisited; or, the poverty of 'Patriarchy', Sociology, V.30, N.4, Nov. 1996, p. 639 (21).
(25) أنظر
- Naomi Zack, Laurie Shrage and Crispin Sartwell,(eds), Race, Class, Gender, and Sexuality, the Big Questions, Blackwell, UK, Oxford, 1998.
(26)
- Judith Lorber, op. cit, pp. 85-86.
كما يمكن الرجوع لـ
- Elizabeth Grosz in Naomi Zack, Laurie Shrage and Crispin Sartwell, op. cit, pp. 85-86.
(27) أنظر
- Judith Lorber, p. 116, 122, 126.
(28) أنظر
- Janet Chafetz Saltzman, 1997, op. cit.
(29)
- Rebecca Campbell and Sharon M. Wasco, op. cit, p. 782.
(30) أنظر
- Samir Amin, The Political Economy of the Twentieth Century, Monthly Review, V.52, I2, June 2000, p.1.
- Samir Amin, Imperialism and Globalization, Monthly Review, V.53, I2, June 2001, p.6.
(31)
- Margaret L. Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit., p. 169.
(32) واردة في:
- Myra Marx Ferree, Judith Lorboer and Beth B. Hess, 2001, op. cit. pp. 128-160.
(33) أنظر
- Margaret L. Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit., p. 169.
(34) أنظر
- Judith Lorber, p. 13.
- Maxine Baca Zinn and Bonnie Thornton Dill, (eds.), Women of Color in U.S. Society, Temple University Press, Philadelphia, 1994, p. 11.
- Aguirre, A. and J. H. Turner, American Ethnicity, McGraw Hill, Boston, Mass,1998.
- Elizabeth Ann Bartlett and Rebellious, Feminism: Camus's Ethic of Rebellion and Feminist Thought, Palgrave Macmillan, New York, 2004.
(35) أنظر
- Judith Lorber, op. cit., p. 134
- Myra Marx Ferree, Judith Lorber and Beth B. Hess, 2001, op. cit, p. xvii.
(36) أنظر
- Margaret L. Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit., p. 4.
- Maxine Baca Zinn and Bonnie Thornton Dill, 1994, op. cit., p. 6
- Janet Chafetz Saltzman, 1997, op. cit.
(37) أنظر
- Maxine Baca Zinn and Bonnie Thornton Dill, 1994, op. cit., pp. 138-139.
(38) أنظر
- Margaret L. Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit., p. 14
(39) أنظر
- Maxine Baca Zinn and Bonnie Thornton Dill, 1994, op. cit., p. 13.
- Maxine Baca Zinn and Bonnie Thornton Dill, Theorizing Difference from Multicultural Feminism, Feminist Studies. V.22, N.2, Summer 1996, pp. 322-323.
(40) أنظر
- Lisa Adkins and Beverley Skeggs, Feminism after Bourdieu, Blackwell Publishing, Oxford: UK and Malden: MA, 2004.
(41) أنظر
- Judith Lorber, op. cit., p. 188
(42) أنظر
- Margaret L. Anderson and Patricia Hill Collins, op. cit., p. 174