فالشباب التونسي قاما بابتكار شكل للاحتجاج انطلاقا من العالم الافتراضي (الشبكات الاجتماعية «فايسبوك» و«تويتر»)، لكنْ سرعان ما يشتغل هاجس المحاكاة، ليتم تعميم ذلك الشكل عبر مناطق أخرى من الوطن العربي، لقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا حاسما في هذا السياق، لأن التعبئة والتحرك تم أساسا و انطلاقا من الشبكة العنكبوتية، دعا التونسيون، عبر «فايسبوك» و»تويتر»، المصريين إلى الخروج من عزلتهم، ليجيبهم هؤلاء قائلين، عبر مدوناتهم: «لم نعد وحدنا»، مسلحين بدعم الآلاف من رواد الأنترنت عبر العالم، ومن ضمنهم الجماعات التي يسمي نفسها «Anonymous»، وتتكون من «مناضلين» أنترنتيين هاجموا المواقع الحكومية. لقد بدأت الحركة المصرية، على نموذج الحركة التونسية، عبر تحديد مواعيد اللقاء والتجمع على «فايسبوك»، لـ«قصف» الأهداف قصفا افتراضيا، وحتى الملصقات والشعارات تم تقاسمها افتراضيا. على صورة إحدى الملصقات، هناك رأس فرعون ضاحك، بشنب ولحية صغيرة مكتوب تحتها: «اخرج! الموسم الثاني، الحلقة الأولى»… إنها ثورة الهواتف المحمولة التي عوضت، إلى حد كبير، كاميرات الفضائيات. تقول إحدى النصائح التي وجهها التونسيون للمصريين: «لا تنقصوا من سلطة الصور والفيديوهات، صوروا ما أمكنكم ذلك». كان رد فعل النظام المصري سريعا حين «قطع» الاتصال عبر شبكة الإنترنت، لكن رد الفعل تجاوز هذا القطع، تماما كما حدث في بيرمانيا (2007) وفي إيران (2009)، حيث ظل قطع الإنترنت جزئيا مع ذلك،لكن المصريين تجاوزوا قطع الاتصال هذا وسرعان ما «ابتكروا» أرقامَ تشفير سرية، لفتح هذا الفضاءات التي أفلتت من الرقابة الرسمية، حتى ولو كانت صغيرة، لتبادل الأخبار والمعلومات وللتعرف على المبادرات من خلالها بسرعة، وهو ما أربك الأجهزة الأمنية والرقابية ودفعها إلى المزيد من العنف، لأنها صارت عاجزة عن رد الفعل على المستوى الافتراضي، المرتبط بشبكة الانترنت.
خلال التحولات التي شهدتها مصر وتونس وضع الإعلام الاجتماعي، الإعلام المرئي أمام معركة حقيقية في متابعة الأحداث واندلاع الثورات والتغطية الإعلامية والميدانية لها،نعم نستطيع القول أن الإعلام الفضائي كان مواكبا لحركة التغير من خلال الوقوف معه في ساحات الميادين والشوارع والتغطية المباشرة لهذه الثورة ،فالسؤال الذي يكمن في ذهن المواطن بان الفضائيات كانت جانب الثوار في ساحاتهم وفي شوارعهم ،ولم تكن الأجهزة التكنولوجية في أيادي الثوار في الساحات ،وان اغلب الذين استشهدوا كانوا من ثوار الساحات والذين تم اعتقالهم بالأغلب هم من الذين كانوا يخرجون من المقاهي ،طبعا هذا صحيح ،لان الإعلام المرئي فرض عليه الوجود في الساحات لتغطية الحدث الذي كان مفاجأة له أيضا ولم يصنع هذا الحدث لذلك كان في معركة وجود والدفاع عن استمراره ،لان ثوار الساحات لم يستخدموا الإعلام المرئي في ثورتهم ،ولم يذاع أي بيان للثوار على الشاشات ولم يستخدم التلفزة لإرسال أي رسالة للمتظاهرين.
يُبيِّن هذا، بالملموس، الدور الكبير الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها فضاء لتداول المعلومات ، فقد كان "الفيس بوك" في ثورتي تونس ومصر هو المحرك الأساسي والرئيسي للثورة التي فتحت فيها صفحات في كلا البلدين باسم خالد سعيد في مصر ومحمد بوعزيزي في تونس ،وبرز نشطاء "الفيس بوك"، وقيادات فعلية لأدارت الثورة من خلال نشطاء عرفوا بأسمائهم ك نواره فؤاد نجم وائل غنيم وأسماء محفوظ .
(2)- ليبيا و شبكات التواصل الاجتماعي لتعبئة الجماهير؛إن التوازن الفعلي للتحولات التي شهدتها ليبيا يتجلى من خلال حماية الثورة برجال العسكر الذين انشقوا عن المؤسسة العسكرية وأعلنوا أنظامهم للثورة، ساعد بالاستقرار النسبي الذي ساعد بطريقة أو بأخرى من استمرار العمل في جميع الوسائل الإعلامية المختلفة في ممارسة مهامها الإعلامية ،فكان الإعلام المرئي يمارس دوره الطبيعي ،إضافة للوسائل الإعلام الاجتماعية التي كانت تمارس دورها الفعلي من خيم المتظاهرين في ساحات الاعتصامات والميادين الذي يحتلها الثور، "الفيس بوك"، كان له دورا مميزا للتواصل والجوال والمواقع الالكترونية التي تستخدم في تعبئة الجماهير و حشدها للمظاهرات.
(3)- سورية وقوة إعلام التواصل الاجتماعي؛فالرئيس بشار الأسد خلال اجتماعه بوفد شبابي سوري تم سؤاله عن مدى تأثير المظاهرات على مستقبل النظام السوري ،فالجواب كان من قبل الأسد بأنه لا يهتم للمظاهرات وطبيعتها بل يهمه فعليا الصور التي ترسل للإعلام والأشرطة المسجلة التي تعلن في المواقع الإعلامية المختلفة،لقد كان الوضع في سوريا يختلف كليا عن كل الأوضاع في العالم العربي لأن النظام حاول ممارسة التعتيم الإعلامي منذ بداية ثورية الحرية من اجل تسويق خطابه، لقد مارس كل الممارسات التي تساعده على إسكات الصوت الإعلامي وتشويش الثورة منذ اليوم الأول الذي كانت فيه وسائل الأعلام المرئية مترددة بنقل الصورة الفعلية من داخل العاصمة السورية ،ولكن السبق الصحافي والإعلامي بين القنوات الفضائية بين القنوات هي التي أجبرت الإعلام الفضائي بالتغطية لمسار الثورة ،فقناة أل"بي بي سي"، هي التي كانت السباقة لتغطية الحدث السوري مما دفع القنوات الأخرى بممارسة نفس السلوك لقد عمدت على نقل الصورة من موقع الحدث وفتحت الهواء للمعارضين للتحدث ،لكن النظام عمد إلى أقفال المراسلين من ممارسة مهامهم الإعلامية ومحاولة سحب الإعلاميين السوريين من القنوات العالمية ومنعهم من العمل فيها تحت التهديد والترغيب ، ومحاولة النظام المتعددة بسحب المصداقية من يد الإعلام الفضائي من خلال إرسال شرائط مصورة مفبركة ،وبث معلومات كاذبة لكي يستند إليها الإعلام الفضائي من اجل أقاعه في فخوخ المعلومات الكمية وغياب النوعية بسبب غيابه عن الحدث وبالتالي أضحى الإعلام المرئي إعلام غير قادر على صناعة الحدث .
عكس الإعلام الاجتماعي الذي كان القائد في ثورة الحرية السورية من اليوم الأول لها بالرغم من كل ممارسة النظام القمعية الذي مارسها ضد صانعوا هذا الإعلام الشعبي ، فالإعلام الاجتماعي هو الذي قاد العملية الإعلامية بوجه النظام السوري وكان البديل لكل وسائل الإعلام الكلاسيكية، فالإعلام الاجتماعي ووسائله فعلت فعلها في ثورة سورية ،لقد فتحت الصفحات العديدة على موقع "الفيس بوك"،ظهرت صفحة حمزة الخطيب، والثورة السورية، وسورية الجديدة من الخارج ، لقد كانت هذه الصفحات صلة الوصل في التعليق على الأحداث وإبداء الرائي، وإيصال الرسائل بين المشتركين حتى خاض النظام وأمنه على كل الذين يستخدمون هذا الإعلام من خلال إغلاق صفحاتهم ،ومحاولة انتزاع أرقم الدخول للصفحات من المعتقلين ، لقد أبدع الإعلام الاجتماعي في ثورة سورية ،وإعلاميين هذا القطاع كان لهم الدور المميز والقاتل للنظام السوري في نقل الصورة الفعلية لصورة سورية وممارسة النظام ،لقد استخدم الثوار هواتف الثورية التي كانت صلة الوصل بين الثوار والعالم الخارجي، لكن الأهم من كل ذلك هو استخدام الصور من الهواتف النقالة التي تعتبر اخطر سيء في الإعلامي التي صفعت النظام من خلال التقاط الصور وإرسالها للوسائل الإعلامية المرئية والالكترونية ويكمن سر صور الجوال بأنها لا تخضع للمونتاج والفوتو شوب كونها تبقى كما هي لا يمكن التلاعب فيها وبالتالي عجز النظام عن تكذيبها أو وصفها بالمفبركة وهي التي دقت الإسفين الحقيقي في نعش النظام السوري ،إضافة إلى اليوتيوب الذي كان العامل الثاني في فضح جرائم النظام،لم تفلح الهواتف النقلة ورسائلها في تنظيم العمل الثوري بسبب رقابة النظام لها ،لكن الإعلام الالكتروني كان له القدرة على تجسيد الصورة وعرضها على العالم من خلال ربط الحركة الثورية من خلال وسائل الثوار الإعلامية بالإعلام ،مما دفع وسائل الإعلام المرئي الاعتماد على وسائل الاتصال الاجتماعي المرسلة من الميادين وعرضها من خلال الأفلام المسجلة أو السكيب في العرض المباشر عن طريق الهواتف الذكية ،فإعلام الثورة تطور ليكون إعلام منظم يقود عمل ثوري من دولة قمعية تحارب هذا الإعلام وتشل دوره وتعطل مفاعليه من خلال جيش الإعلام الالكتروني الذي يهاجم المواقع الالكترونية ومحاولة فتح ايميلات المشتركين بالشبكات العنكبوتية المختلفة ، إلى شراء التكنولوجيات العالية واستخدام خبراء في الإعلام التكنولوجي من دول حليفة وصديقة لها خبرة في ممارسة هذه المهام.
لكن الثوار لم يتوقفوا إمام ضغط النظام فكانوا لهم بالمرصاد بوسائلهم المختلفة التي تخطت قوة النظام ،ولكن تطوره لتصل إلى أفلام تبث وترسل للشاشات والتلفزة وأغاني ترسل على اليوتيوب ،وراديو متحرك يبث أخبار الثورة بالإضافة إلى الخروج بصحف للثورة تمارس لتمارس دور الإعلام المعارض الحقيقي في دولة تفقد فيها مقومات العمل الإعلامي ، مما اجبر القنوات الفضائية الاعتماد على عمل الإعلام الاجتماعي في إشراكها في تغطية الخبر من خلال صورها المرسلة وشهودها العيان والتحدث معهم بأسماء مختلفة فهؤلاء شهود العيان هم قادة الحراك الثوري الفعلين والتي بدأت تظهر صورهم الفعلية عن طريق السكيب ، فالرئيس بشار الأسد خلال اجتماعه بوفد شبابي سوري تم سؤاله عن مدى تأثير المظاهرات على مستقبل النظام السوري ،فالجواب كان من قبل الأسد بأنه لا يهتم للمظاهرات وطبيعتها بل يهمه فعليا الصور التي ترسل للإعلام والأشرطة المسجلة التي تعلن في المواقع الإعلامية المختلفة.
3- شبكات التواصل الاجتماعي ؛«فيسبوك» و«تويتر» يؤديان إلى انهيار آليات القمع الممنهج :
لقد لعبت وسائط الاتصال الاجتماعية في العالم العربي ، مثل «فايسبوك» و«تويتر»، دورا أساسيا في تعبئة الشباب وفي نشر التوعية السياسية وفي توحيد توجهاتهم بالشكل الذي يحولهم إلى جماعة ضاغطة حقيقية في الشارع، تنادي من أجل التغيير وتمارس مواطنتها بالشكل الذي تراه ملائما، لقد خلقت هذه الوسائط جيلا من الشباب «الفايسبوكيين»، الذين قد يبدون عموما ككائنات افتراضية، ما دامت بورتريهاتهم والمعلومات عنهم موجودة في عالم افتراضي ولا أحد بإمكانه التحقق من صحتها، لكن هذه «الكائنات»، وهو ما تناساه الكثيرون، وخصوصا في الأنظمة السياسية التسلطية وأجهزتها الأمنية، هي مجرد امتدادات لأشخاص موجودين بالفعل، أشخاص من لحم ودم، لهم آراء ومشاعر وأفكار وطموحات، أشخاص هم أنفسهم هذا الحشد الهائل من الشباب الذي تجاوز بالكاد سن العشرين في الوطن العربي ولم يعرف غير البطالة وانعدام فرص الشغل وانسداد الآفاق والبؤس الاجتماعي و اللامساواة، والاقصاء من خيرات اقتصاد الريع، بمختلف أشكاله، ومن فوائد صعود مؤشر التنمية الاقتصادية إلى 5% هنا بالذات، برز الدور الذي لعبته المدونات (Les blogues) والمدونون (blogueurs) في توحيد الآراء وفي خلق نوع من التصورات المشترَكة بين مستعملي «فايسبوك»، مثلا. لقد رأينا كيف أن المدونين ومستعملي «فايسبوك» و»تويتر» في مصر علقوا على أحداث تونس في صفحاتهم، مما أدى إلى ظهور ما يمكن تسميته ثورة متعاطي الأنترنت ورواده، الذين تبادلوا التهاني والتشجيعات، بحماس، على الشبكات الاجتماعية، حتى إن أحدهم كتب على «فايسبوك»: «التحقوا بثورة المرضى العقليين المصريين من أجل التغيير»، في إشارة ساخرة إلى إحراق البوعزيزي التونسي نفسَه. وخلف هذا الوصف الساخر كانت هناك دعوة جادة هي التي أسهمت في تجمع 25 جانْفْيي، إذ إن أكثر من خمسين ألفا من رواد الأنترنت المصريين أعلنوا، حسب المنظمين، إبان ذلك، أنهم قد يشاركون فيها.
لقد عوض «فايسبوك» و«تويتر» إلى حد بعيد، الدور الذي كانت تلعبه الأحزاب والزعماء السياسيون في صياغة رؤى وأفكار نظرية من أجل التغيير وفي قيادته وتوجيهه، بل إن وسائط الاتصال الحديثة هذه غطت على «الإفلاس» المريع لهذه الأحزاب والشخصيات السياسية، لقد كان دالا أن أغلب هذه التحركات الجماهيرية الشبابية، التي هدفت إلى التغيير وحققته بالفعل، كانت متعددة المشارب والتوجهات، حيث بدت أحيانا كما لو أنها هلامية، تماما كما هي متعددة الشبكة العنكبوتية وغرف الدردشة التي داخلها يتحاورون ويتبادلون الآراء، داخل هذه الشبكات الاجتماعية، يمكن لأي كان أن يصير حزبَ نفسه وزعيمَ نفسه، دون الحاجة إلى أوصياء أو آباء إيديولوجيين رمزيين أو إلى فعلة سياسيين بدا أن الكثيرين منهم بعيدون، كلَّ البعد، عما يفكر فيه الشبان والشابات، كل شيء يقول إنهم شباب مُعوَلم، بنفس الشكل واللباس الذي يمكن أن تجد عليه حشود الشباب، سواء في ساحة «تيانانمين» أو في «ساحة التحرير» أو في «نهج بورقيبة» أو في غيرها من الأماكن إن «ثورة الياسمين»، مثلا -وهو الاسم الذي أطلقته وسائل الإعلام الغربية على التحول السياسي الذي حدث في تونس- تحيل على أحداث أخرى، مثل «الثورة المخملية» في تشيكوسلوفاكيا، بعد انهيار جدار برلين (1987)، لكن التاريخ لا يكرر نفسه هنا، لأن تونس تمنحنا نمطا جديدا من التغيير السياسي يمكن أن نطلق عليه اسم «الثورات الناشئة أو الوليدة» (émergentes)، التي لم تستخلص دروسها إلى حد الآن، رغم أن الكثيرين، كما في بعض الجرائد المغربية، بدؤوا يكتبون نفس مقال الرأي تحت عنوان متشابه «دروس أو درس ثورة تونس»، علما أن ثورة 1917 نفسَها لم يبدأ الباحثون في استخلاص دروسها إلا عقودا بعد حدوثها. إن الشبان من حملة الشهادات، بنظاراتهم الطبية، هم الذين تقاطروا على نهج بورقيبة وعلى ميدان التحرير، «مسلَّحين» بهواتفهم المحمولة وبصفحاتهم على «فايسبوك»… إنها «ثورة النخب»، المنسجمة مع العولمة، ثورة النخب الطامحة إلى ولادة سياسية مغايرة غير التي عاشوها لسنوات، ثورة بلدان منخرطة في لعبة النمو الاقتصادي وفي خطاطة صندوق النقد الدولي، دول تبنّت، منذ سنوات، سياسة الخوصصة واستثمرت العديد من الأموال في قطاع التربية والتعليم وقامت بتوزيع العديد من الشهادات والدبلومات.
لقد اكتشف هؤلاء الشباب، الذين يشكلون نصف ساكنة الدول العربية، أن الشهادات لا تؤدي، بالضرورة، إلى الوظائف المأمولة وأن خيرات النمو موزَّعة بطريقة غير عادية ومنفلتة منهم لكنهم، عبر العولمة والانترنت، كونوا تصورات وسيناريوهات عما يمكن أن يطمحوا إليه ويحققوه، لو أن بلدانهم لا تمارس «التوريث السياسي» ولا تكون فيها الرشوة هي القاعدة الأساس وتكون فيها انتخابات حرة ولا تستحوذ فيها نخبة لا تتجاوز خمسة أو عشرة في المائة على خيرات البلاد، إن ما يهدد هذه البلدان الناشئة اقتصاديا هو بالتحديد، حجم المعرفة والعطش إلى التقدم، لدى هذه الفئة الاجتماعية الوليدة، وليس لدى «الخطر الإسلامي»، الذي كثيرا ما وظفته هذه الأنظمة لممارسة القمع وإفراغ الساحة السياسية وطرح الفكرة التي سادت في تونس ومصر وفي غيرهما لسنوات والقائلة «إما النظام أو الإسلاميون» منذ سنوات، وبالضبط سنة 2002، دق التقرير الصريح والمؤلم حول التنمية البشرية في العالم العربي، والذي نشره برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) ناقوس الخطر، حين سلّط الضوء على الكوارث التي تمارسها الأنظمة التسلطية، وها هو الشارع يُذكّرها الآن بذلك، أمام قوة الانترنت والشبكات الاجتماعية، مثل «فايسبوك»، عملت الأنظمة القمعية على تقوية أجهزتها الأمنية.
لقد كان دالا في هذا السياق أن البوليس المصري كان يستخدم «فايسبوك» للتعرف على أولئك الذين يحاولون الدعوة إلى تنظيم تظاهرات محدودة العدد لاعتقالهم، لكن الأمر انقلب عليه وعوض أن يكون «فايسبوك» أداة قمعية، تحولت الوسائط الرقمية إلى وسائل للتحرر. وقد أتت تسريبات موقع «ويكليكس» مباشرة قبل ذلك، لتكشف، عبر الوثائق الدبلوماسية الأمريكية السرية، للعالم أجمع أن ما كان الحديث عنه يتم همسا هو حقائق ملموسة أثارت غضب النُّخَب المحلية الشابة في كل من تونس ومصر مثلا. لقد «منَع» النظام المصري «توتير» و«فايسبوك»، للحيلولة دون اتصال الناس في ما بينهم، لكن سرعان ما تضامنت «غوغل» معهم ووفرت لهم منذ فاتح فبراير خدمة جديدة للاتصال، إذ وضع العملاق الأمريكي خدمة هاتفية للسماح للمصريين بتجاوز انقطاع الأنترنت وإرسال رسائلهم على «تويتر». لقد كان دالا أن مجرد الدعوة إلى موعد في مكان ما كـ«نهج بورقيبة» في تونس، تؤدي إلى احتشاد الآلاف من حمَلة الشموع، ضمن احتفالات تُذكّر بماي 1986 في فرنسا، احتفالات سياسية يدعو فيها الشباب إلى تركه يضطلع بمهمة التغيير.
أظهر «فايسبوك» وباقي وسائط الاتصال الحديثة المرتبطة بالشبكة العنكبوتية أنه عامل من العوامل المهمة في شحذ الهمم وتعبئة الحشود وصياغة شعارات المرحلة من التحولات السياسية التي تعرفها بعض أقطار العالم العربي. أفرز هذا الأمر، أيضا، جيلا من المدونين الفاعلين بقوة في المجتمع المدني، يمكن تسميتهم المدونين -المقاومين أو المدونين -المنشقين، الذين جسّدوا، عبر كتاباتهم وإسهاماتهم، الحسَّ المدني الثاوي تحت أرتال القمع والرقابة، الحس الداعي إلى المواطنة كاملة الحقوق وإلى الحرية والمساواة في توزيع الثروة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية. لقد كان زهير يحياوي في تونس أحدَ أوائل هؤلاء المدونين المنشقين الشبان، وقد مات في سجون زين العابدين بن علي سنة 2005، بعد أن قضى سنة ونصف في الاعتقال التعسفي وخاض ثلاثة إضرابات عن الطعام.1
لم يكن يحياوي غير «عنوان» دال على هذا الجيل القادم، من مرتادي شبكة الانترنت والمواقع الافتراضية والمدونات، الجيل الذي بيَّن بالملموس أن الاختيار المفروض من طرف الأنظمة العربية بيْن البديل الإسلامي المتطرف أو استمرارية النظام العربي القمعي ليس الاختيارَ الوحيد أمام شباب تشرَّب -بعمق- مكومات العولمة الإعلامية والتواصلية والثقافية، انطلاقا من هنا بالذات، يمكن القول إن التحولات السياسية الملموسة في العالم العربي لم تعد تصاغ في اجتماعات المكاتب السياسية للأحزاب ولا في بيانات المثقفين واجتماعاتهم الماراطونية، بل في غرف الدردشة والمدونات.
إنه مجرد تفسير، من ضمن تفسيرات أخرى، لانهيار النظام الأمني العربي، الذي بلور الدولة الأمنية المفصولة عن الشعب وطموحاته، إلى جانب أخرى، كالانفجار الديموغرافي ونِسَب الدولة الريعية (من الريع) التي استحوذت على ثروات بلدانها، ومشكلات التوريث في الجمهوريات الوراثية (سوريا… إلخ). لقد وجدت الدولة الأمنية نفسها، بغتة، أمام جيل من الشباب، نما وترعرع في أحضان غرف الدردشة ومواقع الانترنت وصفحات «فايسبوك» و«تويتر» ، يكفي هنا التذكير بأن بلدانا، مثل تونس ومصر والمغرب، تعرف نسبة استعمال للانترنت تتجاوز ما هو معروف في دول متقدمة، مثل الأرجنتين وتركيا والشيلي، وهو ما يترجم، إلى حد ما، مطلبا ظل صامتا وسريا لسنوات، في الخروج من الانغلاق الذي يعاش من طرف هذه الأجيال كبؤس وجودي وحياتي. هكذا صارت الشبكات الاجتماعية ومواقع الأنترنت والمدونات رأسَ حربة المجتمعات المدنية العربية. يتعلق الأمر بتحول جذري في أشكال التمرد والاحتجاج لم يعد معها ممكنا بقاءُ المطالب والحركات الاحتجاجية داخل فضاء محكم الإغلاق!.
خاتمة:
في خضم عالم معلوماتي ذابت فيه الضدية بين الافتراضي والواقعي، حيث الافتراضي رحم يولد منه الواقعي والوقائع الملموسة، في شتى تفاصيلها المسموعة والمرئية، الشاردات والواردات، تصبح موردا للافتراضي وضمانة لمصداقيته، مكسبة إياه مقدرة هائلة على دفع الناس إلى معرفة الحقيقة كاملة غير منقوصة، جاءت مداخلتنا هذه لمحاولة الوقوف عند الدور الذي باتت تلعبه الثورة الرقمية والمعلوماتية المعاصرة في التحولات التي يشهدها العالم العربي، وذلك استناد إلى عدة مؤشرات؛ فشبكات التواصل الاجتماعي«العالم الافتراضي» ، دون شك، لعبت دورا هاما في تسريع نقل الأخبار والمعلومات وفي دمقرطة المعرفة والاتصال، باعتباره مجالا للتفكير والتأمل في بدائل مغايرة للواقع المعاش، يضاف إلى ذلك أن هذه الشبكات وعلى مستوى النقل السريع للمعلومات، ارتبطت بهاجس السرعة التي اجتاحت المجتمعات العربية، سواء على مستوى التنقلات والترحيلات أو الحياة اليومية أو الاستهلاك وغيرها، حيث أصبحت ضغطة واحدة على زر في لوحة المفاتيح تُفضي بك إلى كنز هائل من المعلومات،إن حال الأنظمة العربية مع الثورة المعلوماتية كحال من أوصد أبوابه الهشة في وجه طوفان عارم، معتقدا أنه قد أمِن شرها، بينما الطوفان يهدر، ليقتلع في طريقه الأخضر واليابس.
قائمة المراجع :
1- الكتبباللغة العربية:
بهاء الدين محمد مزيد: المجتمعات الافتراضية بديلا عن المجتمعات الواقعية، قسم الدراسات جامعة الامارات العربية المتحدة دس.
2-الكتب باللغة الاجنبية :
-1Daniel downes: Interactive Realism the Poetics of Cyberspace،McGill-Queen's University Press،2005.
-2Howard Rheingold:"Virtual Communities are social aggregations that emerge from the Net whenenough people carry on those public discussions long enough،with sufficient humanfeelings،to form webs of personal relationships in cyberspace". The electronic version of The Virtual Community،Introduction (1993).
-3 Renninger, K Ann and Shumar WesleyBuilding Virtual Communities. Cambridge Cambridge University Press, 2002.
-4 Smock A D, Ellison, N. B Lampe, and Wohn, D. Y,Facebook as a toolkit: A uses and gratification approach to unbundling feature use. Computers inhuman Behavior,2011.
3-المواقع الالكترونية:
1- سمير أمين:بعدسنةالربيعالعربيالأولى ...عودةلإشكالياتالفهموالتأويل.
التاريخ: 02/04/2012 .www.nekde.com -1
-2www.astf.net التاريخ: 12/03/2012
-3
www.freewebs.com التاريخ : 12/03/2012
الخطة المعتمدة في المداخلة:
تمهيد:
أولا: المجتمع الافتراضي نظرة على تضاريس مفهومه.
ثانيا: المجتمع الافتراضي الميزة و الغاية.
ثالثا: التحولات التي يشهدها العالم العربي ودور شبكات التواصل الاجتماعي .
· الأطر والمفاهيم.
· شبكات التواصل الاجتماعي والدور الريادي في صناعة التحولات العربية.
· شبكات التواصل الاجتماعي ؛«فيسبوك» و«تويتر» يؤديان إلى انهيار آليات القمع الممنهج.
خاتمة:
التاريخ:12/03/2012 .
www.astf.net -1
1-
www.freewebs.com التاريخ : 12/03/2012.
2- بهاء الدين محمد مزيد: المجتمعات الافتراضية بديلا عن المجتمعات الواقعية، قسم الدراسات جامعة الامارات العربية المتحدة دس، ص 3.
3-Howard Rheingold:"Virtual Communities are social aggregations that emerge from the Net whenenough people carry on those public discussions long enough،with sufficient humanfeelings،to form webs of personal relationships in cyberspace". The electronic version of The Virtual Community،Introduction،(1993)،P 5
2005. p20. ،McGill-Queen's University Press،Interactive Realism: The Poetics of Cyberspace،1- Daniel downes
1 - Renninger, K Ann and Shumar WesleyBuilding Virtual Communities. Cambridge Cambridge University Press, 2002. p27.
1-Smock A D, Ellison, N. B Lampe, and Wohn, D. Y,Facebook as a toolkit: A uses and gratification approach to unbundling feature use. Computers inhuman Behavior,2011,p27
2- سمير أمين:بعدسنةالربيعالعربيالأولى ...عودةلإشكالياتالفهموالتأويل.
التاريخ: 02/04/2012 .www.nekde.com
1– الرجع السابق :
التاريخ: 02/04/2012 .www.nekde.com
التاريخ: 28/03/2012.
www. Tunizine.com -1