المشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية
موزة عيسى سلمان.
نظراً لأهمية دور المرأة في المجتمع على مستوى كافة المجالات، فقد جاءت أهمية إجراء هذه الدراسة، وذلك للتعرف على أبعاد المشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية، ومعرفة أهم المعوقات والتحديات التي تواجه عملية المشاركة، وآليات وأساليب مواجهة تلك التحديات والمعوقات.
ولقد سعت الدراسة الراهنة إلى محاولة مقاربة الواقع الاجتماعي الراهن للمرأة البحرينية، بوصفها تشكل قطاعاً بالغ الأهمية، وذلك استنادا إلى منظور تحليل نقدي ينهض على إعادة قراءة وتحليل الدراسات والإحصاءات والمعالجات المختلفة التي أنصبت على المرأة وأنماط تفاعلها مع واقعها ومجتمعها، إضافة إلى إعادة قراءة وتحليل بعض اللوائح والقوانين والتشريعات التي تحكم حركة التنظيمات والأنشطة النسائية أو الخاصة بالمرأة البحرينية. وعلى ضوء ذلك تم تحديد أهداف الدراسة على النحو التالي: أهداف دراستنا الراهنة على النحو التالي:
1- تقييم الوضع الراهن للمشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية في المجالات المختلفة من واقع المتاح من الدراسات والتحليلات والمعطيات والإحصاءات والتشريعات والقوانين الراهنة.
2- محاولة الكشف عن أبرز المعوقات التي ما تزال فاعلة ومحددة للمشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية سواء كانت معوقات بنائية اجتماعية، أو معوقات ثقافية وسيكولوجية.
3- محاولة استخلاص بعض العناصر التي يمكن أن تفيد في بناء استراتيجية لتجاوز التغيرات والتحولات المحلية والإقليمية والعالمية.
4- تحديد وتعيين واقتراح بعض التوجهات والسياسات التي من شأنها تمكين المرأة البحرينية من المشاركة في المجالات الاجتماعية المختلفة والتي من شأنها دعم مشاركتها في التنمية.
5- الخروج برؤية عن مستقبل المشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية من المجالات المختلفة في ضوء التغيرات والتحولات المحلية والإقليمية والعالمية.
ولتحقيق هذه الأهداف، فقد تم الاستعانة بمجموعة من الإجراءات المنهجية، حيث تم الاعتماد على المنهج الوصفي، وذلك باعتبار الدراسة دراسة وصفية تحليلية، حيث قامت الباحثة بتحليل البيانات الميدانية كمياً وكيفياً. ، فقد اعتمدت الدراسة على إستراتيجية منهجية تقوم على محورين أساسيين:
الأول: التحليل الموسع Macrosocil Analysis والذي استند إلى:
1. المصادر التاريخية والبحوث والدراسات السابقة التي اهتمت بموضوع المشاركة بشكل عام والمشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية بشكل خاص، وإعادة قراءة المادة التاريخية والدراسات السابقة على ضوء أهداف البحث وبخاصة تحليل تطور المشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية في مجالات مختلفة كمجال العمل والمجال السياسي ومجال منظمات المجتمع المدني.
2. تحليل الإحصاءات العامة والتي تخص مشاركة المرأة وإدماجها في المؤسسات والهيئات بما يخدم الإشكالية الأساسية للبحث الراهن للكشف عن واقع المشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية في المجالات المختلفة.
3. إعادة قراءة وتحليل بعض القوانين والتشريعات التي تحكم حركة التنظيمات والأنشطة النسائية أو الخاصة بالمرأة البحرينية كلما أمكن ذلك وعلى قدر هذه المصادر.
الثاني: التحليل المصغر: الذي يستند إلى:
دراسة مسحية لثلاثة مجالات لمشاركة البحرينية وهي مشاركة المرأة البحرينية في مجال العمل ، ثم مشاركة المرأة البحرينية في المجال السياسي ثم مشاركتها في الجمعيات الأهلية أو منظمات المجتمع المدني. وقد طُبقت الدراسة على 300 مفردة بواقع 100 مفردة في كل مجال من هذه المجالات، واعتمدت على صحيفة استبيان رئيسية لجمع البيانات من عينة الدراسة في المجالات المختلفة. وقد انطوت صحيفة الاستبيان على عدة محاور ارتبطت بأهداف البحث. هذا بالإضافة إلى مقابلات متعمقة لخمس حالات في كل مجال من المجالات السابق ذكرها بإجمالي 15 حالة من النساء الرائدات في المجالات المختلفة.
وقد جاءت الرسالة في ستة فصول، تناول الفصل الأول الإطار النظري للدراسة، بينما عرضت الباحثة في الفصل الثاني للتطور التاريخي لظاهرة المشاركة الاجتماعية للمرأة البحرينية، وتناول الفصل الثالث الإجراءات المنهجية للدراسة. في حين تضمنت الدراسة الميدانية ثلاثة فصول، حيث تناول الفصل الرابع أبعاد المشاركة الاجتماعية للمرأة في المجال الاقتصادي: المعوقات وآليات مواجهتها. أما الفصل الخامس، فقد جاء بعنوان مجالات المشاركة السياسية للمرأة: التحديات ودور الدولة في مواجهتها. وتناول الفصل السادس إسهامات المرأة في مؤسسات المجتمع المدني: المعوقات البنائية والثقافية وآليات تجاوزها. ,أخيراً خاتمة لعرض ومناقشة نتائج الدراسة وتوصياتها.
ولقد توصلت الدراسة التحليلية الميدانية إلى مجموعة من النتائج من أهمها:
1- أن التجربة الديمقراطية بمملكة البحرين ومشاركة المرأة فيها تعتبر فريدة من نوعها، بسبب ما أحاط بها من ظروف جعلتها محط الأنظار لا سيما من دول الخليج الأخرى، التي ترى فيها نموذجاً إن تحقق له النجاح فستكون انعكاساته كبيرة على المنطقة بأكملها وعلى أوضاع المرأة فيها.
2- ثمة اتفاق عام بين حالات الدراسة على وجود نساء في المؤسسات التي يعملن بها في مراكز ووظائف عليا، ، وهو ما يشير إلى أن ثمة تطوراً في أوضاع المرأة البحرينية ومكانتها، ومن ثم أدوارها في المجتمع، وأن الفرص أضحت متاحة أمام المرأة للمشاركة في كافة المجالات، وعلى جميع المستويات.
3- كشفت التحليلات أن المرأة البحرينية تشارك في اللجان الداخلية في المؤسسات التي تعمل فيها، وهو ما يشير إلى أن المرأة أصبح لديها مستوى من الوعي الاجتماعي والثقافي، والمهاري الذي يؤهلها للمشاركة بشكل فاعل ومؤثر في المؤسسات التي تعمل فيها، وذلك من خلال اللجان الداخلية التي تشارك في عضويتها، وهو ما يعني الإسهام الفعال للمرأة في المجال الاقتصادي بصورة عامة، ومجال العمل خاصة.
4- من أهم التحديات التي تحول دون تمكين المرأة العاملة من تولي المناصب الإدارية، أن هناك مجموعة من المعوقات بعضها يتعلق بالمرأة ذاتها من حيث عدم ثقتها المرأة بإمكاناتها العملية، والبعض الآخر يتعلق بنظرة الرجل والمجتمع للمرأة، تلك النظرة التي تعكس تأثير استمرار بعض القيم الاجتماعية التقليدية والموروثات والعادات التي تدني من وضع المرأة ومكانتها، ومن ثم التأكيد على عدم قدرتها على تولي تلك المناصب، هذا فضلاً عن المعوقات الأخرى المرتبطة بالتشريعات والسياسات الخاصة بمؤسسات العمل، والتي تعكس بصورة واضحة التمييز ضد النساء لصالح الرجال، إلى جانب نقص برامج التدريب والتأهيل بالنسبة للمرأة مقارنة بالرجل، وأيضاً غياب أو نقص المؤسسات المساندة مثل دور الحضانة...وغيرها.
5- على الرغم من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي يشهدها المجتمع البحريني - شأنه شأن المجتمعات العربية والخليجية الأخرى - وخاصة خلال السنوات الأخيرة التي شهدت انفتاح المجتمع على الثقافات الأخرى العربية والأجنبية، وما صاحب هذه التغيرات من تحولات في البنى الاجتماعية والثقافية للمجتمع، فإن هذه التغيرات لم تكن - بحال من الأحوال - تغيرات جذرية، بل هناك بعض المكونات والعناصر التقليدية وخاصة الثقافية ما تزال موجودة وفاعلة ومؤثرة، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بأوضاع المرأة وأدوارها في المجتمع، ونظرة المجتمع لها، بل ونظرة المرأة لذاتها. هذه النظرة التقليدية للمرأة ما تزال تسيطر وتهيمن ليس فقط على فكر الرجال، ولكن أيضاً على فكر واتجاهات النساء ،وهو الأمر الذي ما يزال يشكل عقبة تحول دون حصول المرأة على كافة حقوقها السياسية.
6- أن جميع حالات الدراسة قد اتفقن على أهمية عملية المشاركة في التصويت في الانتخابات، وذلك لأنها تعكس مستوى الوعي الثقافي والسياسي للمرأة البحرينية عموماً من ناحية، كما أنها تعبر عن مساحة الحرية السياسية المتاحة أمام المرأة للتعبير عن آرائها ومواقفها إزاء المرشحين ذكوراً أم إناثاً من ناحية أخرى.
7- أنه على الرغم من وجود مجموعة من التحديات التي تحول دون المشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة للمرأة البحرينية بصورة عامة، فإن هناك مجموعة من الأساليب والوسائل التي يمكن من خلالها تجاوز تلك التحديات، ومن ثم تفعيل دور المرأة ودعم مشاركتها في الحياة بصورة عامة، وفي الحياة السياسية والعمل السياسي خاصة. هذه الآليات بعضها يتصل بتفعيل دور الدولة، والبعض الآخر يتعلق بدور الجمعيات النسائية، فضلاً عن الدور المهم الذي يجب أن تمارسه وسائل الإعلام المختلفة، هذا إلى جانب المرأة ذاتها من حيث سماتها ومقوماتها الشخصية.
8- هناك اتفاق بين المبحوثات على مجموعة من المعوقات التي تواجه الجمعيات التي ينتمين إليها، وقد جاء ترتيب تلك المعوقات وفقاً لدرجة خطورتها وتأثيرها، ومدى الموافقة عليها على النحو الآتي: تدني الوعي بأهمية المشاركة في العمل التطوعي، في المرتبة الأولى، يلي ذلك غياب الثقة بين النساء أنفسهن، ثم جاء في المرتبة الثالثة(النظام الأبوي القائم على التمييز)، ثم جاءت المشكلات الأخرى: الجهل بالقوانين والتشريعات، الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وأن الخطاب الإعلامي غير داعم لمشاركة المرأة في الجمعيات الأهلية .
9- فيما يتعلق بكيفية مواجهة التحديات والمعوقات التي تتعرض لها المرأة البحرينية، ومن ثم تحول دون مشاركتها الفعالة في كافة قطاعات التنمية المجتمعية على المستويين: الرسمي والأهلي فقد أوضحت البيانات أن آليات مواجهة تلك التحديات لا تركز فقط على أهمية دور الدولة والحكومة، ولكن أيضاً تركز على دور منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في تعزيز مكانة المرأة وتشجيعها على المشاركة، وتذليل كافة العقبات التي تواجهها، هذا فضلاً عن الحد من تأثير التمييز بين النساء والرجال فيما يتصل بالأجور، وأيضاً وضع التشريعات والقوانين التي تعمل على تمكين المرأة من المشاركة في المجالات المختلفة: الاقتصادية والسياسية والادارية...وغيرها من المجالات الأخرى.
ومن أهم توصيات الدراسة :
1- اهتمام المؤسسات سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص تقديم خدمات مساندة للمرأة لكي تستطيع أن ترتقي بمستوى عملها بشكل أفضل.
2- لابد من العمل على تغيير نظرة الرجل والمجتمع للمرأة من خلال غرس ذلك في المناهج الدراسية في جميع مدارس المملكة.
3- الاهتمام بالخدمات المساندة للمرأة كإنشاء دور حضانات في المؤسسات في القطاعين لكي يتسنى للمرأة أن تنتج وترتقي في مجال عملها.
4- أن تهتم الدولة بتوفير كافة للخدمات الداعمة للمرأة.
5- زيادة الدعم من قبل الدولة وتشجيعها لمشاركة المرأة في جميع المجالات.
6- إصدار التشريعات والقوانين التي تعزز وتفعل عملية الإدماج النسوي في المؤسسات والمجتمع بشكل عام.
7- تفعيل دور المرأة في المجالين السياسي والاقتصادي وزيادة حجم مشاركتها في المناصب القيادية.
8- إصدار المزيد من التشريعات والقوانين التي تنادي بإدماج المرأة وتمكينها في المؤسسات.
9- إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة في المؤسسات والهيئات والتنظيمات الحكومية وخاصة في مجال العمل والتدريب والأجور والمزايا.. إلخ.
10- تنقية الخطاب الديني من كافة صور التمييز ضد المرأة.
11- تنقية التراث الشعبي من القيم التقليدية المعوقة لمشاركة المرأة وإدماجها في المجتمع.
12- نشر الوعي بأهمية العمل التطوعي وبخاصة بين الشباب.
13- تنقية برامج التعليم والإعلام من تناقضات خطابها ومن تحيزاتها ضد المرأة، ومن الصور السلبية التي تطرحها.
14- التنسيق بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والتنسيق بين دور الهيئات والمؤسسات والأجهزة العالمية والمهنية والمنظمات غير الحكومية المهمة والمعنية بقضايا المرأة.
15- إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات تسهم في التخطيط ورسم السياسات الخاصة بالمرأة ومشاركتها.
وفي الختام أتقدم بخالص الشكر والعرفان بالجميل والاحترام والتقدير لمن أدين لهما بالفضل ووافقا على الإشراف على رسالة الدكتوراه، أساتذتي الكرام الذين لم يبخلوا علي بشي من وقتهم الثمين والذين كانوا عونا لي في بحثي ومدوا لي يد العون والمساعدة، وزودوني بالمعلومات اللازمة لإتمام هذا البحث، وأخص بالذكر الأستاذ الدكتور محمود عوده / أستاذ علم الاجتماع ونائب رئيس جامعة عين شمس سابقاً الذي لم يبخل علي بشي من وقته وعلمه الثمين، والشكر كذلك للدكتورة/ نجلاء محمود رءوف / مدرس علم الاجتماع بالكلية على تفضلها بالمشاركة في الاشراف على الرسالة. وكما أتقدم بالشكر كذلك للأستاذ أحمد مجدي حجازي/ أستاذ علم الاجتماع متفرق بكلية الآداب جامعة القاهرة، نائب رئيس جامعة السادس من أكتوبر الأسبق على قبوله لمناقشة الرسالة ، وكذلك الشكر للأستاذ الدكتور/ سعيد ناصف أستاذ علم الاجتماع بالكلية المشرف السابق على الرسالة، والذي ظل متابعاً لبحثي ويوجهني وينصحني ويمد لي يد العون وعلى تفضله بقبول مناقشة الرسالة.
كما أشكر جميع من ساهموا في إنجاز بحثي ومن طُبقت عليهم الدارسة الميدانية، وأخص بالذكر المجلس الأعلى للمرأة، ومؤسسات المجتمع في المجال الاقتصادي، والمنظمات الأهلية في مجال مؤسسات المجتمع المدني ، والجمعيات السياسية ومجلسي الشورى والنواب في المجال السياسي، وكما أشكر جميع الحالات التي أجريت عليهم الدراسة. وأشكر جميع من ساعدني في إنجاز هذه الدراسة صغيراً وكبيراً بدون استثناء.
والشكر كذلك إلى أمي وأبي اللذين لم يبخللا علي يوماً بشيء .... إلى اللذين لم يألو جهداً يوماً في تربيتي، إلى من كان دعاؤهما سر نجاحي. وشكر كذلك إلى توأم روحي ورفيق دربي ... إلى من رافقني في كل مراحلي، معه سرت الدرب خطوة بخطوة وكان سر نجاحي ويوجهني وينصحني ويمد لي يد العون ،والشكر كذلك إلى ابني الحبيب والنور الذي يضيء دربي ، وفي النهاية أريد أشكركم على كل شيء.