الجازي بنت محمد الشبيكي: المشكلات الاجتماعية للمرأة الفقيرة في المجتمع السعودي، الملتقى الوطني الثالث للحوار الفكري (المرأة حقوقها وواجباتها في المجتمع السعودي)، إدارة الدراسات والبحوث، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، المدينة المنورة، خلال الفترة من (12-14 يونيو2004).
مدخل
حققت حركة التحديث التنمية الشاملة والمتسارعة للبلاد في العقود الثلاثة الماضية نقلة نوعية من التقدم والتحضر في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعمرانية تركت آثاراً إيجابية واضحة وملموسة على البنى المجتمعية والشخصية في جوانب متعددة ، إلا أنه ترتب عليها من جهة أخرى بروز العديد من الظواهر والمشكلات الاجتماعية على فئات من المجتمع بدرجات متفاوتة.ِ
من ضمن تلك الظواهر والمشكلات ما لوحظ في السنوات الأخيرة من وجود للفقر في مجتمعنا لأسباب عديدة دولية وقومية ومحلية وشخصية وغيرها.ومن أكثر الفئات الاجتماعية تضرراً من مشكلة الفقر فئة النساء ، حيث يشكلن أغلب الحالات المتقدمة للجمعيات والمكاتب الخيرية والضمان الاجتماعي وغيرها من مراكز ومصادر المساعدات والإعانات الاجتماعية.
وفقر النساء يعد إشكالية ينضم تحتها أو يتفرع عنها منظومة من المشكلات الفرعية التي تشكل أوجهاً متنوعة لها وتبادل معها التأثير والتأثر ، فالمرأة بصفتها محور الحياة الأسرية والأسرة محور الحياة الاجتماعية فإن أي قضية تمسها أو تؤثر على عطائها وأدوارها الاجتماعية ستؤثر بالتالي على حياتها الزوجية والأسرية وتنشئة أبناءها، وسيتكلف المجتمع كثيراً في الإنفاق على تبعات تلك الآثار في وقت هو أحوج ما يكون أن ينفقها على مقومات تنمية البلاد وتطويرها وتقدمها .
ولقد حظيت قضايا المرأة ومشكلاتها بشكل عام والمرأة الفقيرة على وجه الخصوص باهتمام من جانب الحكومات ومنظمات المجتمع المدني على المستوى العالمي وسلط على تلك القضايا والمشكلات الضوء لتبيان العوامل المتسببة فيها وإمكانية طرح الحلول العملية لتلافيها أو التقليل من حدتها ، وفي مجتمعنا السعودي هناك عديد من الدراسات حول أوضاع المرأة وقضايا بشكل عام في المجتمع الحديث من حيث التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرات ذلك على حياتها الزوجية والأسرية وعلى تنمية بلادها ، ولكن تقل إن لم تنعدم الدراسات والأبحاث عن المرأة الفقيرة وما ينتج عن فقرها من مشكلات اجتماعية على مختلف الأصعدة ذات تأثيرات سلبية على حياة المجتمع المعيشية والتنموية . لذلك سيسعى هذا البحث بعون الله إلى الاهتمام بقضية المشكلات الاجتماعية المترتبة على فقر المرأة في مجتمعنا السعودي وما لها من آثار وتبعات على مستويات ومجالات تنموية متعددة.
مشكلة البحث :
تتركز مشكلة البحث في الوصول إلى أبعاد فقر المرأة في مجتمعنا السعودي ومؤشراته والعوامل المسببة له والآثار الناجمة عنه اجتماعياً ، مع محاولة طرح تصور عملي للتدخلات المطلوبة للحد من تلك الظاهرة وبالتالي التقليل من الآثار والتبعات المصاحبة لها .
أهمية البحث :
للبحث أهمية كبيرة من الناحية الدينية والإنسانية والتنموية حيث يقف الفقر والمشكلات المصاحبة له عائقاً للمرأة عن تحقيق وظائفها الدينية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية ومهبطاً لها من النواحي النفسية والصحية والمعنوية ومقصياً لها عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والتنموية ومكلفاً لمجتمعها كثيراً من أوجه الإنفاق والبذل المهدر.
أهداف البحث :
1. الوقوف على أبعاد فقر المرأة في المجتمع السعودي ومؤشراته والعوامل المسببة له .
2. رصد أهم المشكلات الاجتماعية المرتبطة بفقر المرأة في المجتمع السعودي.
3. محاولة الوصول إلى نوعية التدخلات الملائمة للتخفيف من فقر المرأة وبالتالي تقليل المشكلات والآثار التابعة له.
منهجية البحث :
سوف يتم بعون الله الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي من خلال بحث مكتبي يستند إلى مصادر أدبية ودراسات وتقارير وإحصاءات متعددة عالمياً وعربياً ومحلياً ، بالإضافة إلى الخلفية الميدانية للباحثة في ملامستها لقضايا المرأة الفقيرة خلال عملها التطوعي لسنوات عديدة في جمعية النهضة النسائية الخيرية وبحثها في رسالة الماجستير عن الجمعيات الخيرية ودراستها الحالية في برنامج الدكتوراه عن تحديد خط الفقر لفئات نظام الضمان الاجتماعي ، ومقابلاتها للعديد من الأسر الفقيرة والنساء فيها على وجه الخصوص.
أهم مفاهيم البحث :
المشكلة الاجتماعية : (Social Problem ) :
هي ظاهرة اجتماعية سلبية غير مرغوبة أو تمثل صعوبات ومعوقات تعرقل سير الأمور في المجتمع ، وهي نتاج ظروف مؤثرة على عدد كبير من الأفراد تجعلهم يعدون الناتج عنها غير مرغوب فيه ويصعب علاجه بشكل فردي، إنما يتيسر علاجه من خلال الفعل الاجتماعي الجمعي (1). وهناك من ينظر إلى المشكلات الاجتماعية والظواهر الاجتماعية Social Phenomen والقضايا الاجتماعية Social issuesعلى أنها جميعاً مترادفات لمعنى واحد، وهناك من يقول أنها تبدأ بظاهرة تحدث في المجتمع وتنتشر ثم تصبح مشاهدة ولها عناصر إيجابية وعناصر سلبية ، ثم تتحول إلى قضية إذا أصبحت سلبياتها أكثر من إيجابياتها ولكن السلبيات غير ملموسة وتصبح مشكلة إذا كانت السلبيات ملموسة وواضحة .
وهناك من يميز بين المشكلة الفعلية المتمثلة في الظاهرة المتفشية التي أصبحت من الثقافة السائدة والتي تعيق دورة العمل العامة أو تعرض عدداً كبير من الأفراد للخطر، والمشكلة الزائفة المتمثلة في بروز طفرة عابرة من السلوك المختلف أو غير المتوقع والذي لا يتفق عادة مع ما هو سائد ومعروف أو متعارف عليه وغالباً ما تخبو جذوته دون أن تترك آثاراً تذكر في بنية القيم الفعالة في الثقافة المجتمعية (2) .
ويمكن القول بصفة عامة أن أي تعريف للمشكلة الاجتماعية يتضمن بُعدين أساسيين ، البعد الذاتي في تعريف المشكلة وهو يركز على قياس الضرر الاجتماعي الناتج عن وجود المشكلة ، والبعد الموضوعي الذي يهتم بكيفية وقوع هذا الضرر (3) .
وقد أثار بعض المهتمين بالمشكلات الاجتماعية بعض التساؤلات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند دراسة المشكلات الاجتماعية منها :
1- هل المشكلة الاجتماعية هي التي يشعر بها الأفراد العاديون أم هي التي يحس بها المتخصصون ؟
2- هل المشكلة الاجتماعية هي التي تخص قطاع كبير من الناس بغض النظر عن قوتها أو مدتها أم أنه ينظر إلى المشكلة الاجتماعية من خلال قوتها أو مدتها أو مداها ؟
3- هل ينطوي تعريفنا للمشكلة الاجتماعية على أي حكم قيمي Value Judgment أو انحياز ثقافي Ethne Centrism ؟
الفقر Poverty :
يعني الفقر ببساطة انخفاض مستوى المعيشة أو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة المطلوب والمرغوب اجتماعياً ، وهو ظاهرة معقدة ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية وتاريخية ، ويختلف مفهومه باختلاف البلدان والثقافات والأزمنة، إلا أنه من المتفق عليه أنه ( حالة من الحرمان المادي تتجلى أهم مظاهرة في انخفاض استهلاك الغذاء كماً ونوعاً وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني والحرمان من تملك بعض السلع والأصول المادية الأخرى وفقدان الاحتياطي أو الضمان لمواجهة الحالات الصعـبة كالمرض والإعـاقة والبـطالة والكـوارث والأزمـات (4).
ويربط الاقتصاديون بين الفقر ونقص الدخل ولكن الاجتماعيين يرون أن الفقر لا يعني نقص الدخل فقط ولكنه يرتبط بالحقوق والعلاقات وكيفية تعامل الناس فيما بينهم ونظرتهم إلى أنفسهم بالإضافة إلى عدم ملائمة الدخل . واعتبرت تقارير التنمية البشرية الفقر مفهوماً مركباً متعدد الأبعاد يتجاوز مجرد الحرمان من الضرورات المادية ليتضمن مفهوم الحرمان من الخيارات والفرص التي تعتبر أساسية لتحقيق التنمية البشرية. فهدف التنمية أن يحيا الإنسان حياة طويلة وصحية خلاقة وأن يتمتع بمستوى معيشي لائق، لذا نجد أنفسنا أمام مفهوم جديد للفقر هو مفهوم القدرات وأهمها الصحة ومعرفة القراءة والكتابة وهما عاملان هامان في ما إذا كان الشخص تشمله حياة المجتمع أو أنه مستبعد منها .
ومصطلح الفقر في الإسلام يراد به عدم توفر حد الكفاية وهو الحد اللائق للمعيشة الكريمة ويدخل في هذا المفهوم كل من الفقير والمسكين . وقد اختلف في التفريق بين الفقراء والمساكين في قوله تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) على عدة أقوال والراجح منها أن الفقير من لا يملك شيئاً أو يملك أقل من نصف الكفاية بينما المسكين هو من يملك نصف الكفاية أو أكثرها (5) .وينقسم الفقراء والمساكين إلى قسمين (6) :-
1- القادرون بدنياً أو فكرياً على العمل وهؤلاء يحتاجون إلى أن توفر لهم مناصب شغل في مختلف قطاعات النشاطات الاقتصادي والاجتماعي لكي يحصلوا على دخل دائم ومضمون ويستطيعوا أن يعيشوا حياة عادية بكرامة ويساهموا في نمو الثروة الوطنية وتمويل صندوق الزكاة إذا تجاوزت أموالهم النصاب.
2- غير القادرين على العمل مثل المسنين والمعاقين واليتامى والمرضى الذين يحتاجون إلى المساعدة سنوياً لأن مساعدتهم واجبة حيث يتعلق الأمر هنا بتوفير وسائل العيش لإناس غير قادرين على العمل وكسب عيشهم بوسائلهم الخاصة، ويجب أن يلعب التضامن دوره باستمرار لمصلحتهم والتخفيف عنهم .
الحاجات : Needs
هي كل ما يتطلبه الإنسان لسد ما هو ضروري من رغبات أو لتطوير ما هو مفيد لتطوره ونموه ، وهي أنواع متعددة بدنية ونفسية واجتماعية واقتصادية. والحاجات الأساسية التي أخذت بها منظمة العمل الدولية خلال السبعينات تشمل الحد الأدنى من المأوى والمأكل والملبس والأثاث المنزلي ثم أضيفت إلى ذلك فيما بعد الخدمات الاجتماعية العامة أو الشاملة التي يجب توافرها وهو ما يعرف بمؤشرات التنمية كمياه الشرب النقية وفرص الصحة والتعليم والمواصلات ومدى توفر المنافع الصحية والإمكانيات المتعددة الأخرى . وفي تصنيف ( ماسلو) للحاجات يقف تحقيق الذات في قمة الهرم ودونه تقدير الذات ثم الحاجة إلى الانتماء الاجتماعي ثم الحاجة إلى الأمن ثم أساس القاعدة وهي الحاجات الحيوية من غذاء وملبس ومسكن. ومفهوم الحاجات في الإسلام مرتبط بمقاصد الشريعة حيث يبدأ بالضرورات ثم الحاجات ثم التحسينات.
المداخل النظرية لتفسير مشكلة الفقر:
في إطار النظريات البنائية الوظيفية يستخدم مفهوم عدم المساواة في سياق تحليل التدرج الاجتماعي حيث ينظر للتفاوت في الثروة والقوة والمكانة بصفته إحدى الحقائق الأساسية في تاريخ المجتمع البشري حتى المراحل البدائية منه ، فعدم المساواة جزء من النظام الطبيعي، ويتمثل التحليل الوظيفي لعدم المساواة في عدد عن القضايا في مقدمتها ثلاث هي (7) :
1- تباين أنصبة الأشخاص المختلفين من الاستعدادات الفطرية والمهارات المكتسبة ( الذكاء، الدافعية ، الطموح ، الإبداع ، المثابرة ، الخبرة ، وغيرها ).
2- تفاوت أهمية الأدوار والمهام الاجتماعية التي يقتضيها تسيير النسق الاجتماعي وتحقيق استقراره ، فهناك وظائف أكبر أهمية وحيوية لوجود المجتمع واستمراره من غيرها من الوظائف .
3- حق الأشخاص الموهوبين من حيث الاستعدادات الفطرية والمهارات المكتسبة أن يشغلوا الوظائف الأرقى ويحصلوا على دخول مادية وغير مادية أكبر، في حين تبقى الوظائف الأدنى والدخول الأقل لذوي العطاء المتواضع . وتأسيساً على ذلك يقال أن الفقر هو النصيب العادل للفقراء، وأن محاولة التمرد عليه من أهم مصادر التوتر في النسق الاجتماعي.
أما منظور ثقافة الفقر الذي حاول فيه بعض العلماء الإجابة على بعض التساؤلات حول علاقة الفقر بثقافة المجتمع واستمرارية الفقر من جيل إلى جيل فقد توصلوا إلى أن الفقراء يصيرون فقراء لأن لهم ثقافة خاصة وطريقة حياة تختلف عن سواهم من الفئات الأخرى ولهم قيم واتجاهات تكرس من الإحساس باليأس وفقدان الأمل، وهم وفق هذا المفهوم يتسمون باللامعيارية ونقص التكامل مع القيم والأعراف وتوجهات الثقافة الأكبر ، ولا يؤيدون أخلاق العمل ويتسمون بالقدرية ويتشككون في أن تدخلهم في الأحداث يمكن أن يؤثر فيها، ومن ثم لا يتسمون بالفعالية ولا يعتبرون أنفسهم أشخاصاً ذوي قيمة (8) . وقد انتقد هذا التوجه من قبل كثير من العلماء الاجتماعيين الذين أكدوا على عدم وجود ما يدعم فرضية ثقافة الفقر ، بل أن هناك ما يثبت عكس توجهاتها ، وهذا يتوافق مع المنظور الاجتماعي لظاهرة الفقر والذي يرى فيه كثير من المصلحين الاجتماعيين أن ظاهرة الفقر هي مظهر من مظاهر عدم العدالة الاجتماعية يمكن علاجها بتدابير وخطوات تقوم على تفهم الفقر كمفهوم معقد وظاهرة اجتماعية تتداخل في تكوينها عوامل شخصية وبيئية واجتماعية وسياسية ويجب أن تعالج جذرياً حيث لا يكفي علاج أعراضها ، لذلك يقع على الدولة وفق هذا المنظور مسؤولية حماية مواطنيها من الفقراء وغيرهم في المجتمعات الصناعية المعاصرة من مشكلات كانت هي السبـب فيها ولا قـدرة للمواطنين على تحملها (9).
إن التوجه التنموي منذ بداية القرن الحالي ، ركز وبمبادرة من البنك الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة على تحديث المجتمعات النامية من خلال النمو الاقتصادي الذي يزيد في نظرهم من فرص الدخل للأفراد، على أن توفر له من الشروط ما تمكنه من النجاح مثل الخدمات الاجتماعية الأساسية من تعليم وصحة ومهارة إضافة إلى مشاركة وحرية وتمكين الأقليات من وجهة نظرهم مثل السود والنساء وغيرهم من الجماعات العرقية المختلفة داخل المجتمع. فالمرأة على سبيل المثال أكثر فقراً من الرجل لضعف مشاركتها وعدم تمكنها من حقوقها في التعليم والعمل . وفي المقابل هناك من يرفض تلك التوجهات الرأسمالية ويرون أنها السبب في إستمرار حالة التخلف والضعف والفقر للدول النامية من حيث استغلال طاقات أفراد المجتمع للمصالح الرأسمالية للدول الكبرى وتهميش القدرات والإمكانيات الذاتية الفردية والجماعية المحلية التي من الممكن أن تثمر بعيداً عن ضرورة ارتباطها بالدول الكبرى أو اقتصارها على المجال الصناعي كأساس للتنمية والتحديث.
ولابد من فهم مسببات الفقر في أي مجتمع للعمل في ضوئها واقعياً مع الاستفادة من تجارب الآخرين بعد دراستها وأخذ الملائم منها . فالتطور الصناعي في المدن والمراكز الحضرية على سبيل المثال أضعف الاقتصاد الزراعي في القرى والأديان مما زاد من هجرة أبناءها إلى تلك المدن والمراكز وارتفاع أعداد الطلب على فرص العمل، كما زاد من الضغط على الخدمات الاجتماعية وساهم في زيادة كل من الفقر في الأرياف وفي المدن على حد سواء. وأضعفت الهجرة الروابط العائلية الاجتماعية التي كانت تمثل شبكة الأمان والدعم والحماية للأفراد والأسر (10).
وينادي كثير من الدارسين بأهمية أخذ البعد الثقافي لأي مجتمع في الإعتبار في أي عملية تنموية أو تغيير اجتماعي وعدم فرض النماذج الخارجية على المجتمع بكل ما فيها فعلى سبيل المثال : يقتضي تقسيم العمل في المجتمعات العربية وفقاً لثقافة المجتمع أن تقوم المرأة بالعناية بشكل أكبر بشؤون المنزل الداخلية بينما يقوم الرجل بشؤون المنزل الخارجية وعلى رأسها تحصيل الرزق وهو ما ينسجم مع تعاليم الإسلام في جعل النفقة واجبة على الزوج لزوجته بل وجعل نفقة المرأة واجبة على ولي أمرها الأقرب مهما بعد من عصبتها ، ومع تفككك وضعف الضوابط العائلية وخروج المرأة للعمل على نطاق واسع أصبح الوضع الاجتماعي يفرض على المرأة البحث عن العمل أو الدعم الخيري بدلاً من الحصول على حقها في النفقة من أقاربها خاصة مع ضعف الروابط بينهم مما أسس لوضـع جديد أصبـحت فيه المرأة أكثر تضـرراً من الرجل بقضـية الفقر (11). هذا الأمر تفسره الثقافات الأخرى في تركيزها على تأنيث الفقر تفسيراً بعيداً عن محتواه القيمي والثقافي من الناحية الدينية أو من ناحية العادات والتقاليد.
والإسلام بصفته آخر الأديان السماوية ورسوله خاتم الأنبياء بين لنا أن مسببات الفقر لا تخرج عن ثلاثة مما يلي (12) :
1) عدم قيام الإنسان بمسئوليته تجاه الطبيعة التي سخرها الله له وأمره بالسعي فيها فيترك ما يجب عليه من بذل الجهد والوسع، وبتعبير آخر عدم القيام بالمساهمة في العملية الإنتاجية مع إمكانية القيام بها .
2) عدم القيام بالإنتاج لعدم توافر إمكانيات القيام بذلك لقصور في قدرات الفرد ( العجز) .
3) عدم قيام الإنسان بواجباته تجاه أخيه الإنسان وإعطائه حقوق عمله وجهده في العملية الإنتاجية أو حقوق عجزه أو قصوره ، وبتعبير آخر عدم القيام بتحقيق العدالة في توزيع الناتج.
لذلك فمنشأ ظاهرة الفقر إذا إما لتفريط في الإنتاج ( لكسل أو العجز عائد الفرد ) أو تفريط في التوزيع ( من قبل المجتمع من أهل وأقارب ومسؤولين ) ويمكن أن يضاف إلى ذلك في نظر الباحثة ما ليس للفرد ولا للمجتمع يد فيه من كوارث وزلازل وحروب وغيرها.
والنظام الاقتصادي في الإسلام يدعو إلى سيادة الحرية الاقتصادية واحترام الملكية الفردية ضمن الضوابط الشرعية ولكنه يقر بأن نظام السوق كأداة رئيسة لتوزيع الدخل قد يفرز آثاراً سلبية على بعض شرائح المجتمع التي لم تدخل السوق لمرض أو عجز أو كبر أو غيره أو التي دخلت السوق ولا تملك ما يكفي لتغطية مصروفات حاجاتها الأساسية ،لذلك قدم الإسلام نموذجاً متميزاً يكفل من خلاله الحياة الكريمة لتلك الفئات وأطلق عليه نظام إعادة توزيع الدخل من خلال وسائل وأدوات بعضها إجباري مثل الزكاة والإرث ، وبعضها اختياري مثل الصدقات والأوقاف.