اتجاهات الشباب نحو قيم ثقافة العولمة: (دراسة ميدانية على عينة من طلاب جامعة قاريونس)/
ملخص: لقد شغل موضوع العولمة المثقفين والكتاب في مجالات متعددة في وقت يتميز بالتطورات الهائلة، ويرى البعض أن العولمة هي تعبير عن تعميق الثورة العلمية والتي أسفرت عنها تقنيات مادية ضخمة لها مؤثراتها المادية والمعنوية في حياة الأفراد. فالتطور اشتمل على مجالات متعددة بالإضافة إلى ثورة الاتصالات الكبرى المتمثلة في البث الفضائي والإنترنت وانتشار الهواتف المحمولة وهذا المناخ الثقافي له انعكاساته على الأفراد ومن هنا أصبحت العولمة وتأثيراتها إحدى المسائل الجدلية التي يتناولها الكتاب والباحثون. فالعولمة جاءت بقيم ثقافية متعددة وهذه القيم لها تأثيرها على اتجاهات الأفراد سلبا أو إيجابا، ومن هنا انطلقت إشكالية الدراسة الراهنة التي جاءت لتدرس التجليات الثقافية للعولمة وهل أثرت العولمة وثقافتها على الثقافة العربية من خلال دراسة مدى تقبل الشباب لهذه القيم وتأثرهم بها، كذلك التطرق لعدد من القيم التي تعبر عن ثقافة العولمة ومعرفة تأثيرها على النسق القيمي وماينتج عنها من مظاهر سلوكية.
ومن هنا جاء اهتمام علماء الاجتماع بالعولمة وتأثيرها الثقافي.
وفي ضوء ما سبق تم تحديد أهداف الدراسة فيما يلي:
- التعرف على العوامل التي تؤدي بالشباب للتأثر بقيم العولمة.
- معرفة اتجاهات الشباب حول الآليات التي تساهم في تأثرهم بقيم العولمة وثقافتها.
- التعرف على التأثرات الثقافية لآليات العولمة على اتجاهات الشباب وتوجهاتهم القيمية.
ولقداهتمت هذه الدراسة بموضوع العولمة من حيث تأثيرها على اتجاهات الشباب من خلال طرح عدد من التساؤلات تمثلت في الآتي:
التساؤل الأول : ما هي آليات العولمة الثقافية، وما مدى تأثيرها الثقافي على اتجاهات الشباب وتوجهاتهم القيمية؟
التساؤل الثاني : ما هي الظواهر الناتجة عن تأثير آليات العولمة الثقافية في اتجاهات الشباب؟
التساؤل الثالث : ما هو منظور الشباب للعولمة وقيمها؟
التساؤل الرابع : هل لآليات العولمة وقيمها تأثيرا على قيم الأسرة وقيمها الثقافية؟
التساؤل الخامس: يتمثل في عدد من التساؤلات الفرعية تشتمل على:هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين عدد من المتغيرات (النوع – السن – الكلية- الدخل الشهري) وتبني الشباب وتأثرهم بقيم ثقافة العولمة؟
واعتمدت الباحثة على عدد من الإجراءات المنهجية في تحديد نوع ومنهج الدراسة وكذلك مجالاتها المختلفة.
فقد اعتمدت على الأسلوب الوصفي من منطلق أن الدراسة تعتبر من الدراسات الوصفية التي تحاول وصف تأثير عينة من الشباب على اتجاهاتهم وتوجهاتهم القيمية ومن هذا المنطلق استخدمت الباحثة أسلوب المسح عن طريق العينة، مستعينة بالاستبيان على اعتبار أنه الأداة المناسبة في التعامل مع الشباب الجامعي الذي يجيد القراءة والكتابة ولذلك صممت الباحثة استبيانا يشتمل على عدد من المحاور التي تكفل تحقيق أهداف الدراسة والإجابة على تساؤلاتها، وبعد التأكد من صلاحية الاستبيان لأن يكون أداة صالحة لتحقيق أهداف الدراسة من خلال عرضه على عدد من ذوي الخبرة والاختصاص، جمعت الباحثة بياناتها من عينة قومها (361) مفردة.
وقد مرت الدراسة الراهنة بعدد من المراحل، تم تنظيمها وعرضها في الآتي:
الباب الأول (الإطار النظري للدراسة) ويشتمل على عدد من الفصول :
الفصل الأول : إشكالية الدراسة والمفاهيم
حيث اشتمل هذا الفصل على عرض لإشكالية الدراسة وأسباب اختيارها والأهمية من دراسة موضوع الدراسة كذلك تحديد أهداف الدراسة وتساؤلاتها.
الفصل الثاني : الدراسات السابقة
استعانت الباحثة بعدد من الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع الدراسة وتم عرض هذه الدراسات ضمن ثلاثة محاور:
1- على الصعيد الإقليمي ”الدراسات العربية”.
2- على الصعيد الإقليمي ”الدراسات المحلية”.
3- على الصعيد العالمي ”الدراسات الأجنبية”.
الفصل الثالث : التراث النظري
ويشتمل على :
- عرض لخلفية نظرية عن موضوع الدراسة.
- إطار نظري لعدد من النظريات التي نستطيع من خلالها تفسير تأثير ثقافة العولمة على اتجاهات الشباب.
- عرض لنبذة عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الليبي وانعكاس ذلك على الشباب وثقافتهم.
أما الباب الثاني للدراسة فقد اشتمل على الجانب الميداني وتم تقسيمه إلى :
الفصل الخامس : تم من خلاله عرض الإجراءات المنهجية للدراسة التي تمثلت في تحديد نوع الدراسة ومنهجها وكذلك أداة جمع البيانات وتحديد نوع وحجم العينة مع عرض لخصائص عينة الدراسة.
الفصل السادس : تعرضت فيه الباحثة لعرض النتائج الميدانية المتعلقة بتحديد آليات العولمة والعوامل التي تؤدي بالشباب للتأثر بها.
الفصل السابع : تعرضت فيه الباحثة لعرض النتائج الميدانية وكذلك التحليلات الإحصائية المتعلقة بتأثير آليات العولمة على القيم الثقافية للأسرة.
الفصل الثامن : اشتمل على عرض للنتائج الميدانية والتحليلات الإحصائية المتعلقة بتأثير آليات العولمة على اتجاهات الشباب (السلبية والإيجابية) وتحديد عدد من القيم المتعلقة بالقيم الإيجابية – القيم السلبية- القيم الاقتصادية- القيم الدينية – الانتماء والولاء للوطن – النظرة للمرأة وحريتها.
الفصل التاسع فقد اشتمل على مناقشة لنتائج الدراسة في ضوء أهدافها والإجابة على تساؤلاتها. ومن هذه النتائج:
- تعتبر الفضائيات والإنترنت والمحمول من أهم آليات العولمة الثقافية، وتؤثر هذه الآليات تأثيرا واضحا وملموسا على القيم الثقافية.
- تعتبر العولمة ظاهرة تعبر عن منظومة من القيم المتداخلة منها السلبي ومنها الإيجابي ويتم الترويج لتلك القيم من خلال آليات متمثلة في الفضائيات والإنترنت والمحمول.
- أثرت ثقافة العولمة على قيم الأسرة الثقافية وذلك من خلال بروز عدد من القيم التي يتماشى بعضها مع القيم الموجودة بالأسرة ويتناقض معها البعض الآخر. فقد أثرت على تبني الشباب لسلوكيات سلبية متمثلة في التقليد الأعمى لثقافة الغير وعزلة أفراد الأسرة عن بعضهم، وكذلك عدم التوازن بين ما تغرسه الأسرة في شخصيات أفرادها وبين ما يتم بثه عبر تلك الآليات.
- أيضا أثرت ثقافة العولمة على القيم الاقتصادية للفرد عن طريق سيادة النمط الاستهلاكي مما أسفر عن وجود نوع من النزعة الاستهلاكية نتيجة لتأثر الفرد بالإعلانات حول السلع بطريقة مشوقة مما أدى إلى استهلاك غير منضبط.
- أيضا أثرت ثقافة العولمة على القيم الدينية عن طريق الترويج لقيم تتنافى مع الدين كالأنانية، والفردية والترويج للعلمانية وكذلك ظهور مظاهر سلوكية تتناقض مع القيم الدينية سواء في الملبس أو في ظهور أنماط من العلاقات الغير مشروعة.
- كذلك أثرت ثقافة العولمة على قيم الولاء والانتماء للوطن من خلال تشويه الهوية الثقافية العربية وجعل الفرد اللامبالي لقضايا أمته ووطنه.
- أيضا جعلت ثقافة العولمة حرية المرأة مثارا لحدوث بلبلة فكرية وثقافية أساسها الحرية المطلقة للمرأة وتخليها عن عدد من واجباتها تجاه الأسرة والأبناء.
- كذلك نستخلص أن ثقافة العولمة كان لها تأثيرها الإيجابي من خلال سهولة الحصول على المعلومات والمعارف المختلفة ونشر روح الإبداع والتعاون.
- كذلك اقترانها بالعلم والتقنية جعل منها قيما زادت من معارف الأفراد وسهلت عملية الاتصال بين الأفراد وسهولة حصولهم على أشكال متنوعة من السلع والبضائع. ولذلك مدلوله على أنه أصبح كل ما يطلبه المرء متاح سواء كان سلبيا أو إيجابيا.
- استعانت الدراسة بالمنهج الوصفي في محاولة وصف تأثير قيم ثقافة العولمة على اتجاهات الشباب وتوجهاتهم القيمية.
وقد حاولنا وصف عدد من الاتجاهات والتوجهات القيمية المتعلقة بتأثير قيم ثقافة العولمة على القيم الثقافية للأسرة وعلى القيم الدينية والقيم الاقتصادية وقيم الولاء والانتماء للوطن، وكذلك حرية المرأة في محاولة لتكوين إطار وصفي نوضح ونفسر من خلاله تأثير قيم العولمة على اتجاهات الشباب.
أيضا حاولنا تفسير هذا الإطار الوصفي وفهمه من خلال عدد من المداخل النظرية التي تمت الاستعانة بها وهي نظرية الثقافة العالمةي – المجتمع العالمي – النسق العالمي.
وتوصلنا إلى أن العالم في إطار تطور أدوات الاتصال التي تحاول الترويج لعدد من القيم الثقافية العالمية سيتحول العالم لقرية صغيرة، وسنجد عددا من الأنماط المعيشية وكذلك الأزياء والموسيقى في مجتمعات مختلفة بالرغم من وجود فروق ثقافية، وهنا ستنتشر ثقيم ثقافة العولمة على اتجاهات الأفراد وقيمهم الثقافية.