الإعلام وقضايا وقيم الأسرة العربية في عصر العولمة
أ.د عواطف عبد الرحمن
كلية الإعلام - جامعه القاهرة
تركز هذه الورقة علي محورين نوجزهما على النحو التالي:-
المحور الأول: يتناول التغيرات التي طرحتها الثورة العلمية والتكنولوجية في مجالى الإتصالات والمعلومات وتأثيرها على الواقع الإجتماعي والثقافي في المجتمعات العربية وفي قلبها الأسرة والمرأة العربية.
المحور الثاني: يركز علي مساحات التجاهل والإهتمام الذي تحظي به الأسرة والمرأة من الإعلام العربي وتأثير ذلك على منظومة القيم الأسرية والمجتمعية.
المحور الأول:
الواقع أن العالم العربي يواجه على مشارف القرن الحادي والعشرون مجموعه من التحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتكنولوجية في ظل مناخ أقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة ونزوعا إلى مزيد من الهيمنة العربية الإقتصادية والسياسية التي تركزت آثارها على الأسرة العربية بشكل خاص ولعل من أبرز التحديات التي تواجه العالم العربي في السنوات الأخيرة ذلك التطبيق القاصرعلى مفهوم التنمية البشرية وتجاهل المغزى الحقيقى لهذا المفهوم وما ينص عليه من توسيع دائرة الخيارات أمام كافة أفراد المجتمع من الرجال والنساء بما ينمى طاقات الشباب من الجنسين للإسهام في خلق الظروف الملائمة لتحقيق العدالة والمساواة وفق منهج تنموي متكامل وفي مناخ ديمقراطي حقيقي وفي هذا السياق تبرز الحقيقة التي تشير إلى غياب الحوار في كافة التشكيلات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية في الدول العربية مما يقود إلى العنف في مختلف صوره المفضية إلى التوتر والصراع الذي يقوض تماسك الأسرة العربية وتنال المرأة العربية النصيب الأكبر من تداعيات العنف وآثاره. كذلك تشهد المنطقة العربية منذ نهاية السبعينيات تطبيقا لسياسات التكيف الاقتصادي الهيكلي في كثير من البلدان العربية بما يتضمنه من تقليص لدور القطاع العام وتخفيض للإنفاق الحكومي على الخدمات مضافاً إليها ما شهدة عقد الثمانينيات من تفاقم في المديونية وتباطؤ في النمو الاقتصادي.
ويضاف إلى ذلك اتساع الفجوة التكنولوجية القائمة بين العلم العربي والدول الصناعية المتقدمة تكنولوجياً . مما أدي فى ظل غياب التعاون العربي إلى آثار سلبية على الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية في المجتمعات العربية عامة على الأسرة العربية ووظائفها وأدوارها على وجه الخصوص - وتتمثل هذه التغيرات في بروز صراع الأدوار بين أعضاء الأسرة العربية ذكوراً وإناثاً وتفكك العلاقات الأسرية وظهور أشكال من العنف المادي والنفسي بين أعضاء الأسرة وإنتشار ظاهرة الطلاق بكل مترتباتها للحادة تنشئة الأجيال واستقرارهم الاجتماعي. وقد أسفر كل ذلك عن تخلخل منظومة القيم الأسرية حيث توارت القيم الأخلاقية وبرزت أهمية الإعتبارات المادية على حساب القيم العاطفية والنفسية والتضامنية ورجحت كفة قيم التطلع المادي والفردية والمنفعة الشخصية لدى الأجيال الجديدة من الشباب. وأكتسحت منظومة القيم الإستهلاكية المصاحبة للعولمة في طريقها العديد من الجوانب الإيجابية التي تميز بها التراث العربي الإسلامي مثل قيمة العمل والتضامن الأسرى وإحترام كبار السن وتقديس الأبوة والأمومة، وظهرت منذ نهاية السبعينيات تيارات فكرية وسلوكية جديدة في سياق المتغيرات العلمية والتكنولوجية التي شهدتها دول الشمال والتى تواكبت مع المحاولات الدءوبة التى تبذلها القوى العالمية من أجل عولمة الثقافة والتعليم والدين وسائر مكونات المنظومة الحضارية التي كانت تحتفظ بأستقلال نسبي خارج دوائر وقيم السوق العالمية. وقد كان لذلك كله مردوده السلبى في مجال العلاقات الاجتماعية والثقافة والإعلام والإتصال حيث إحتدم النقاش حول الأدوارالجديدة للإعلام سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي والثقافي. إذ اصبح الإعلام يشغل موقعاً مركزيا في الأستراتيجيات والسياسات التي أستهدفت إعادة بناء المجتمعات المعاصرة سواء في الشمال أو في الجنوب وإن كان ذلك أكثر وضوحاً فى المجتمعات الصناعية المتقدمة تكنولوجياً حيث يبرز دور الإعلام في إعادة توزيع مراكز القوي فى مختلف المواقع بدءاً بالأسرة والمدرسة والمصنع والمستشفي ثم مواقع العمل والترفية سواء على مستوى الأقاليم أو مستوي الدولة ككل. وإذا كانت العولمة تسعي إلى خلق ثقافة كونية شاملة تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني وتتطلع إلى خلق الانسان العالمي المبرمج ذي البعد الواحد المؤمن بأيدولوجية السوق العالمية والمتوحد مع مصالحها ورموزها وشعاراتها فإن ذلك ما كان ممكن أن يتحقق إلا بفضل الثلاثي التكنولوجي الصاعد الذي يعمل على تكامل وتناغم غير مسبوق. ويضم حسب ترتيب الأهمية كل من وسائل الإعلام السمعبصري وشبكات المعلومات وشبكة الإتصالات اللاسلكية - وفي ضوء ذلك أصبحت الإمبراطوريات السمعبصرية (الفضائية والأرضية) هي المؤسسات التربوية والتعليمية الجديدة التي حلت مكان كل من الأسرة والمدرسة والتي تقوم بدور أساسي في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي والقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية حيث تقوم بتقديم معلبات ثقافية محكمة الصنع تتضمن منظومة جديدة من القيم تدور حول تشجيع النزعة الاستهلاكية وغرز قيم الأنانية والفردية والروح النفعية.
وقبل أن نتطرق إلى رصد وتحليل مواقف الإعلام العربي من قضايا المرأة والأسر يجدر بنا أن نشير إلى التغيير الذي طرأ على مكانة المرأة بحكم موقعها المركزى داخل الأسرة في عصر العولمة وتأثير ذلك على صورتها في وسائل الإعلام حيث يلاحظ تزايد أهمية الدور الذي تقوم به قوه العمل النسائية في مضاعفة التراكم الاقتصادي لصالح الشركات العالمية والمحلية.
فالمرأة في نظر هذه الشركات تعد منجماً جديداً يجب استغلاله إلى آخر قطرة.
أولاً: باعتبارها تمثل قوة العمل الرخيص غير المنظمة التي لا تحتاج إلى ضمانات صحية أو تأمينية فهي تقبل ما لا يقبله الرجل سواء في مجالات القطاع غير الرسمي أو في الحرف والمجالات الصناعية التكميلية أو في المنازل.
ثانياً: باعتبارها ربة بيت لا تزال تقوم بالأعمال المنزلية الحيوية دون أجر فضلا عن ذلك دورها الأساسي في الاستهلاك الذي يعد عماد السوق في عصر العولمة والمرأة ربة البيت التي لا تعمل (وهنا يجدر الإشارة بأن أكثر من 75% من النساء العربيات ربات بيوت) تعد المستهلكة الأولي في الأسرة بل هي التي تحدد أتجاهات الاستهلاك لدي سائر أعضاء الأسرة كل ذلك يضاعف من مكانة ركن أساسى في التراكم الاقتصادي القائم على عولمة السوق السوق لصالح المتحكمين في مجلس إدارة اقتصاد العالم.
المحور الثاني:
في ضوء التطورات السابق ذكرها تبرز الأشكالية الخاصة بموقف الإعلام من قضايا المرأة والأسرة العربية في حقبة العولمة ويصبح السؤال المطروح هل يقوم الإعلام العربى في بدور إيجابي في الحفاظ على الثوابت الإيجابية في القيم الأسرية أم يكتفي برصد الواقع الراهن للأسرة العربية بسلبياته وإيجابياته أم يسعي متعمداً إلى الترويج إلى منظومه القيم الاستهلاكية لصالح السوق العالمية والأسواق المحلية على حساب التراث القيمى والثقافي للأسرة العربية وفي قلبها المرأة.
إن التصدي للاستطلاع الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تشكيل صورة الواقع الثقافي والإجتماعي للأسرة العربية في عصر العولمة يستلزم منا إدراك طبيعة الدور الذي تقوم به هذه الوسائل في تشكيل النسق القيمي والثقافي السائد في المجتمعات العربية في سياق التطورات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية التي طرأت على الولقع العربي وعلى الأخص خلال العقود الثلاثة الأخيرة في القرن العشرين حيث يسود المجتمعات العربية نمطين بارزين من العلاقات والقيم الإجتماعية يتمثل أولهما في النمط التقليدي الذي يقوم على توازن العصبيات المحلية حيث لا وجود حقوقي أو سياسي للمواطن للفرد سواء كان رجلاً أو امرأة خارج إطار العصبية القائم على العائلة والعشيرة. ويعتبر هذا النمط من نظام تقيسم العمل الإجتماعي الذي تتميز به المجتمعات غير الصناعية ويتفاوت بين كل من البيئات البدوية والزراعية في الوطن العربى حيث يلعب الرجل دور المنتج والمقاتل والفلاح في علاقة مباشرة مع العالم الخارجي في حين تنكفئ المرأة داخل الأسرة كعنصر منتج دون الإعتراف بهذا الإنتاج.
وينفرد الرجل داخل هذا النمط بالأولوية ضمن نظام القيم السائد حيث تشكل المرأة أحد المحرمات المقدسة، وقد رسم هذا النمط التقليدي من العلاقات الإجتماعية للمرأة العربية حدود فعلها الإجتماعي بحيث انحسر دورها داخل الأسرة وتمحورت صورتها حول المرأة الأم والأخت والزوجة والإبنة.
ويقوم التنظيم الاجتماعي الأبوي على مبدأ الإعلاء من شأن الرجل وقيم الرجولة التي تدور في المجتمع العربي التقليدي حول قيمة هامة تتمثل في ضرورة تحمل المسئولية بكافة أشكالها في شتى المجالات العائلية والمجتمعية. ويعكس نظام القرابة والتنظيم العائلي مقومات هذه الثقافة الذكورية التى تتجلى في ثلاثة مظاهر للعائلة. فالعائلة العربية أبوية بمعنى أن الإنتساب يكون فى حظ الذكور دون الإناث أي ان أولاد المرأة ينتسبون إلى عائلة الأب وليس إلى عائلة الأم. كما أن المرأة تنفصل بالزواج عن بيت أهلها لتعيش حيثما يعيش الزوج. وتتجسد أبوية العائلة العربية في تركز السلطة وإتخاذ القرار في أيدي الذكور دون الإناث وتنعكس هذه الأوضاع على العلاقة بين الزوجين وعلى أنماط السلوك داخل الأسرة. وتحدد الثقافة الذكورية وتنظيمات البناء الاجتماعي الأبوي مكانة هامشية للمرأة رغم كل ما أحرزتة من إنجازات وما أسهمت به من جهود في المجالات التي أتيح لها المشاركة فيها.
هذا ويتجاور مع النمط التقليدي النمط الأوروبي الوافد الذي بدأ يتغلغل في البلاد العربية في نهاية القرن الثامن عشر، وأتخذ أشكالاً تاريخية متباينة ومتنوعة عبر الإحتكاك السياسي والاقتصادي والعلمي في اطار محاولة الدول الكبري للسيطرة على الامبراطورية العثمانية التي كان العالم العربى جزءاً منها حتى اوائل القرن العشرين وأفرز هذا الاحتكاك نظاما قيمياً وافداً انعكس على شتى المستويات السياسية والفكرية والفكرية والتربوية. كما حدد الصراع المستمر بين هذين النمطين مسار كل من المرأة والرجل العربي ضمن السياق المجتمعى العام الذي خضعت له المجتمعات العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر حيث أصبح الصراع سافراً بين نمط غربي وافد تغلغل بين النيسج الثقافي والإجتماعي العربي وحمل معه العلم الحديث والتكنولوجيا المتقدمة في اطار غزو سياسي اقتصادي – ثقافي شامل في مواجهه نمط تقليدى يدافع عن مصالحة الشخصية وهويتة الثقافية ولا يستطيع تجاهل التفوق العلمي والتكنولوجي الذين يتميز بهم الغرب. وقد اتخذت المواجهة بين هذين النمطين أشكالاً متعددة اختلفت باختلاف المراحل التاريخية التى مر بها العالم العربي وعبرت عن نفسها سياسياً في تراث حركة التحرر الوطنى العربية التى انتزعت بعض المكاسب السياسية الشكلية وتمثلت في الاستقلال الوطني وبقيت الهيمنة الاقتصادية الغربية وإن تدثرت بأثواب معاصرة وأستمرت المواجهة محتدبة على الجبهتين الاجتماعية والثقافية. وقد انعكس هذا الصراع بصورة مباشرة على قضايا المرأة والأسرة العربية باعتبارها لأحد المحكات التي تتميز بشفافية خاصة داخل النسق الثقافي والقيمي السائد.
قضايا المرأة والأسرة العربية في الإعلام:
تشير حصاد الدراسات التي أجريت عن مواقف الإعلام المقروء والمرئى والمسموع من قضايا المرأة والأسرة فى الوطن العربي منذ حقبة السبعينيات وحتي مستهل الألفية الثالثة إلى مجموعة من الحقائق الهامة نوجزها على النحو التالي:-
أولاً: تتباين الصور والرسائل الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي عن المرأة والأسرة في مصر والعالم العربي فهي تتفاوت بتفاوت الصور والأنماط الاجتماعية المتنوعة والمتداخلة للأسر العربية فلا يوجد نمط واحد بل يوجد اختلافات واضحة بين الأسر الريفية والأخرى الحضرية والأسر المحافظة والأخرى المتحررة التي تعيش في ظل حضارات قديمة مثل مصر والعراق وبين أسر غنية ومتوسطة وفقيرة.
ثانياً: يغلب على الصور الإعلامية المقروءة والمرئية الرؤية الذكورية التي تكرس تميز وسطوة الذكور حتى في المجالات التي تشارك فيها الإعلاميات والتي تهتم بقضايا المرأة والطفل.
ثالثاً: ينحاز الإعلام العربي للأسر الغنية والشرائح العليا من الطبقة الوسطي من سكان المدن وللقيم الفردية والمادية المدعمة للسلطة والثروة داخل الأسرة أكثر من قيم المساواة في الحقوق والواجبات بين أعضاء الأسر ذكوراً وإناثاً وأجيالاً.
رابعاً: تشير الدراسات إلى افتقار الإعلاميات العربية إلى الوعي الأسري والمجتمعي مما أدى إلى إسهامهن بوعي أو بدون وعي في إعادة إنتاج القيم المعوقة للتطور خاصة ما يحتاجه هذا التطور من بلورة الحقوق والواجبات وتوسيع فرص الاختيار، وقد لوحظ أن السياسات الإعلامية الخاصة بالمرأة والأسرة لم يطرأ عليها أي تغير ايجابي من خلال القيادات النسائية في حقل الإعلام.
خامساً: تتجاهل وسائل الإعلام العربية الاحتياجات الثقافية والاتصالية للجماهير النسائية في الريف والحضر فلا تخصص إلا في النادر بريد للقارئات أو برامج للمستمعات والمشاهدات كما لا تنظم حملات إعلامية للتوعية الصحية أو البيئية أو للثقافة الأسرية للقطاعات النسائية المحرومة من هذه الخدمات.
سادساً: تشير الدراسات إلى تركيز وسائل الإعلام على مراحل عمرية معينة في حياة المرأة وتجاهلها الكامل لمراحل أخري إذ تركز على مرحلة الخصوبة بالنسبة للمرأة (من 20 – 40 سنة) فتولي عناية فائقة بأدوار المرأة كزوجة وكأم أما أدوارها وحقوقها في المراحل الأخرى مثل الطفولة والمراهقة والشيخوخة فلا نكاد نجد ما تستحقه من اهتمام.
سابعاً: تتحكم الانتماءات الفكرية والثقافية للقيادات الإعلامية في السياسات الإعلامية الخاصة بقضايا المرأة والأسرة. وقد لوحظ أن هذه القيادات لا تملك تصوراً محدداً إزاء هذه القضايا إذ يتأرجحون بين الاتجاهات الفكرية السلفية التي تؤمن بالموروثات التاريخية وفكرة النقص الأنثوي وسيطرة النمط الأبوي وين الاتجاهات المغتربة الوافدة. وقليل منهم يتبنى الاتجاه الاجتماعي المستنير وينعكس هذا الخليط الفكري في صورة تناقضات يعاني منها الإعلام الخاص بالمرأة والأسرة العربية.
ثامناً: يركز الإعلام العربي على الأدوار الاستهلاكية للمرأة والطفل مستخدماً الإعلانات والأعمال الدرامية التي يتم توظيفها بصورة أساسية لإعلاء صوت الاستهلاك والفردية كقيمة عليا في عصر العولمة حيث تتوارى قيم العمل والإنتاج والعمل الجماعي وتبرز قيم الإثراء السريع والقيم الربحية. وإن كان هذا لا ينفي وجود بعض الاستثناءات القليلة مثل مسلسل "ليالي الحلمية" و "الراية البيضاء". إلا أن الغالبية العظمى من البرامج والإعلانات تركز على قيم الرفاهية سواء في أعياد الميلاد أو الزواج أو الوفاة مما يغرس أنماطاً من السلوك الاستفزازي لدي الجمهور المتلقي.
تاسعاً: لا يطرح الإعلام العربي رؤية متوازنة لأدوار ووظائف ومسئوليات وحقوق كل من المرأة والطفل والرجل داخل الأسرة العربية بل يتجاهل الإشارة إلى واجبات ومسئوليات الرجل ويركز على المستويات والواجبات التقليدية للمرأة ويتعامل مع الطفل كحلية كمالية داخل الأسرة وليس باعتباره مشروع مستقبلي للمواطن العربي.
عاشراً: تتميز السياسات الإعلامية بالانتقائية والتحيز ضد الإناث ويبرز هذا بوضوح في أسلوب الحوار في الأعمال الدرامية أو برامج المنوعات عبر شاشات التليفزيون حيث يتم توظيف تراث الحكم والأمثال والقصص الشعبي في إعادة إنتاج الصور التقليدية للعلاقات بين الرجل والمرأة وبينهم وبين أطفالهم.
حادي عشر: تستضيف التليفزيونات العربية سواء(الفضائية أو الأرضية) مجموعة من الشخصيات غير المتخصصة في قضايا المرأة ولكن تجيزها الرقابة وتسمح بها علاقات المصالح مما يؤدي إلى استبعاد وتهميش الكفاءات الجادة والقادرة على طرح رؤى نقدية للواقع السائد وإمكانية تغييره إلى الأفضل والأكثر عدالة واستنارة ، علاوة على الملل والإحباط الذي يصيب جمهور المشاهدين والمستمعين نتيجة تكرار هذه الوجوه وإفلاسها الفكري والثقافي.
ثاني عشر: يتجاهل الإعلام منظومة الموروثات الثقافية وما تتضمنه من رموز وقيم إيجابية تعلى من شأن المرأة وأدوارها الأسرية والمجتمعية الأمر الذي يعزز من صورة الذات السلبية لدي المرأة.
ثالث عشر: غالباً ما يسند الإعلام المرئي في العالم العربي مسئولية إشراف وإدارة البرامج الثقافية وبرامج المرأة والطفل إلى العناصر التي تفتقر إلى الثقافة والوعي الاجتماعي وذلك في إطار سيطرة القيم الشللية والمعايير الوظيفية ذات الطابع الإداري.
رابع عشر: يغلب على برامج الأطفال الإنتاج المترجم وتندر الأعمال الإعلامية المنتجة محلياً والتي تراعي خصوصية الطفل العربي واحتياجاته الثقافية مما يؤدي إلى اضطراب الأنساق القيمة لدي الأطفال العرب علاوة على تزييف وعيهم بواقعهم وهمومه وتحدياته.
نخلص من كل ما سبق إلى حقيقة جوهرية تشير إلى انحياز الإعلام العربي للقيم المدعمة ولقيم الثروة والسلطة والاستهلاك وللقيم الفردية والمنفعة الشخصية وللثقافة الأبوية الذكورية ويعمل متعمداً على تهميش قيم العمل المنتج والتكافل الاجتماعي والعلم والاستنارة الفكرية وحقوق الأنثى في مراحل الطفولة والمراهقة والشيخوخة والمساواة في الحقوق داخل المنزل بين أطراف الأسرة العربية وبين سكان الريف والبوادي.
وفي ضوء هذه المؤشرات تبرز مجموعة من الضروريات تتمثل في:
1- ضرورة الوعي بوضع إستراتيجية قومية للإعلام عن الأسرة العربية تحدد الأولويات والسياسات والبرامج التنفيذية في مجال الإعلام المقروء والمرئي والمسموع تجاه قضايا المرأة والأسرة العربية وتستهدف إزالة كافة المعوقات التي تحاول دون الاستفادة من التطور العلمي والتكنولوجي في مجالي الاتصال والمعلومات من أجل ترسيخ منظومة القيم الايجابية القادرة على تطوير الأدوار الاجتماعية والثقافية للأسرة العربية في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي طرحتها حقبة العولمة.
2- ضرورة التنسيق بين وسائل الإعلام العربية المطبوعة والمرئية والمسموعة من ناحية ومراكز البحوث والجامعات وكافة الهيئات الرسمية والأهلية المعنية بقضايا المرأة والأسرة العربية للإسهام في تطوير المعالجات الإعلامية والبرامج الدرامية ووضع ضوابط أخلاقية للإعلانات التي تتناول القيم الأسرية والمجتمعية.
3- ضرورة التزام القيادات الإعلامية العربية بمراعاة الوظيفة الاجتماعية والثقافية للإعلام وأدواره الحيوية في تشكيل الوضع الصحيح عن الواقع المجتمعي بكل ما يحويه من موروثات ثقافية وتحديات اجتماعية وطموحات إنسانية عادلة. والسعي لتفعيل هذا الالتزام من خلال ميثاق شرف يتضمن منظومة القيم الإيجابية التراثية والمعاصرة الكفيلة بضمان تماسك الأسرة العربية وتفاعلها مع مستجدات العصر.
4- ضرورة الاهتمام بإعداد برامج تدريبية تثقيفية للإعلاميين والإعلاميات العرب للنهوض بمستويات الوعي والأداء الإعلامي في مجال المرأة والأسرة.
أ.د عواطف عبد المجيد
كلية الإعلام – جامعة القاهرة