بسم الله الرحمن الرحيم
المعلومات: ظاهرة قديمة انتشارها جديدة
صورة تعبيرية لحجب المعلومات عن الاشخاص - (MCT)
الحجب والتشويه ممارسات رسمية يقابلها إعلاميون باغتيال الشخصية
** انتقادات لآليات قانون حق الحصول على المعلومات
** دعوات لوأد البيروقراطية وتعديل التشريعات لضمان تدفق المعلومات
التنصل من توفير المعلومات في وقتها، أو تأجيل الرد على استفسارات وأسئلة الصحافيين، وأحيانا الطلب منهم الاعتماد على الرواية الرسمية فقط من دون عرض رأي الأطراف الأخرى، وفي مرات ثانية إهمال اتصالات الصحافيين وعدم الرد عليها، إضافة إلى حجب المعلومة أو تقديمها مشوهة منقوصة، باتت كلها أشكالا تصنف ضمن "عنف المعلومات".
على أن ممارسة العنف في المعلومات، ليست مقتصرة على ما يتعرض له الصحافيون من ضغوطات، إذ أن الإعلاميين أنفسهم قد يمارسون "عنف المعلومات" بأشكال وصور متنوعة من أكثرها انتشارا "اغتيال الشخصية" بكيل الاتهامات من دون أدلة أو تركيز الانتقادات للشخص وليس للأداء.
وفي كل الأحوال، يطاول "عنف المعلومات" في المحصلة النهائية الأفراد، فهم المستفيد الأول من انسيابية تدفق المعلومة، عدا أنهم قد يكونون عرضة في صورة مباشرة لعنف معلومات على مستوى شخصي، تمارسه مؤسسات رسمية وأهلية على حد سواء.
مصطلح جديد رغم قدم ممارسته
ورغم أن ممارسة العنف في المعلومات كسلوك تعود إلى فترات ضاربة في التاريخ، إلا أنها كمصطلح ما تزال حديثة العهد في الأوساط الإعلامية، العالمية والعربية والأردنية على حد سواء.
وفي الأساس، فإن تقدم الشعوب وانتشار مفاهيم الديمقراطية وممارستها في المجتمعات، تقاس بمعايير وقواعد متعددة، من أبرزها وأكثرها أهمية في نظر اختصاصيين وخبراء "حرية تدفق المعلومات وانسيابها من مصادرها لكل من يحتاجها أو يطلبها"، خصوصا وأن ذلك يعزز "حرية التعبير والرأي المستند إلى معلومات دقيقة".
وأخذت دراسات إعلامية جديدة على عاتقها إدراج كل التعديات المتعلقة بالمعلومات ضمن باب "العنف"، باعتبار أن "الفرد يعيش دوما وسط تيار من المعلومات تحدد له كل تصرفاته ويتخذ على أساسها قراراته".
ويرى الكاتب جمال غيطاس في دراسة نشرها في تموز (يوليو) 2008 في مجلة "وجهات نظر" المصرية، أن "حياة الإنسان اعتمدت منذ بدء الخليقة على توليد وتداول المعلومات بشكل أو بآخر؛ فكل قرارات الإنسان بدءا بتحديد موعد استيقاظه صباحا إلى موعد نومه ليلا، هي قرارات تتغذى على المعلومات، سواء كان الإنسان يعي ذلك أو لم يكن".
ويقول غيطاس، في نفس الدراسة التي تحمل عنوان "حجب وقصف وانتخابات (...) عنف المعلومات في مصر"، إن جميع قرارات المجتمع و"كل تفاصيل الحياة فيه تتغذى طوال الوقت على تيارات متنوعة من المعلومات التي تتدفق في أوصاله بلا انقطاع بوسائل وقنوات مختلفة (...) وفي النهاية فإنها تتجمع لتنشئ ما يمكن أن نطلق عليه المحتوى المعلوماتي المجتمعي المشترك، الذي يضم التفاصيل الكاملة لتفاصيل حياة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات".
وتخلص دراسة غيطاس إلى أن "المعلومات والمعرفة، أصبحت أكثر أشكال القوة تأثيرا، وأسهلها استخداما، وأوسعها انتشارا، وبالتبعية أصبحت المعلومات جاهزة دوما لأن تكون من أكبر أدوات ممارسة العنف وأسهلها استخداما، وأوسعها انتشارا، لأنه بالإمكان استخدامها للإضرار وإلحاق الأذى بالفرد أو المؤسسة أو المجتمع ككل".
ومما سبق يتوصل غيطاس إلى تعريف مصطلح "عنف المعلومات" على أنه: "كل استخدام للقوة بطريقة غير شرعية وغير مبررة أو بها إساءة استخدام من طرف ما. فردا كان أو مؤسسة أو حكومة أو دولة من شأنه أن يحجب أو يتلاعب أو يضر بسلامة أو جودة أو صحة أو إتاحة المعلومات أو توقيتات الوصول إليها، ويقع بسببه أذى أو ضرر بشكل دائم ومستمر أو لمرة واحدة على من يحتاج هذه المعلومات أو يستهلكها أو يستخدمها في اتخاذ قرار أو يستفيد منها في قضاء حاجة".
وبحسب غيطاس، فإن للقوة ثلاثة أشكال هي: القوة الناجمة عن امتلاك المعلومات والقدرة على حجبها، وتلك الناجمة عن امتلاك أدوات توليد المعلومات، والأخيرة الناجمة عن امتلاك أدوات التلاعب في المعلومات وتخريبها وسرقتها وإفسادها.
وبذلك، تتسع أنماط وصور عنف المعلومات لتشمل ثلاثة أشكال رئيسية هي: العنف الذي يمارسه الأفراد والجماعات، وذلك الذي تمارسه البيروقراطية، وأخيرا العنف الذي تمارسه مجتمعات ضد أخرى أو دول ضد أخرى.
وأسوأ أشكال عنف المعلومات هو أوسطها، إذ أن البيروقراطية تمارسها الدول والأنظمة، التي عادة ما تحتكر أو تمتلك غالبية المعلومات، وهي ترى أن الأصل في الأمور "التحريم" لا الاباحة، فالأصل إذن من وجهة نظرها "حجب المعلومات" لا ضمان تدفقها، فهي "الولي والوصي"، والآخرون مجرد متلقين عليهم الاكتفاء بما تقدمه لهم من فتات المعلومات.
جدل أردني على وجود عنف المعلومات
ويثير طرح مصطلح "عنف المعلومات" على مسامع خبراء واختصاصيين وإعلاميين في الأردن جدلا واسعا بين من يقول بوجوده، ومنذ القدم، وبين من يعتبر أن المصطلح ليس دقيقا ولا يمكن إطلاقه على ما يتعلق بحجب المعلومات أو تقديمها منقوصة أو مشوشة.
ورغم ذلك يتفق الجميع في الخلاصة، على وجود أشكال عديدة متجذرة في الأردن توصف بأنها "تعديات" على الحرية الإعلامية، وحرية الوصول إلى المعلومات.
ورغم صدور قانون حق الحصول على المعلومات واعتماده ودخوله حيز التنفيذ رسميا قبل ما يزيد بقليل على العام، فإن سياسة حجب المعلومات واحتكارها، ما تزال تتربع على المشهد في الإعلام، بحسب هؤلاء الخبراء، الذين تشمل انتقاداتهم القانون نفسه، وخصوصا ما يتعلق منه بآليات ضمان تدفق المعلومات.
ويرى المحامي المختص في قضايا المطبوعات والنشر محمد قطيشات أن "هناك عنفا على مستوى القرار الحكومي" ينسحب على ما يمكن تسميته بـ"عنف المعلومات".
ويستند قطيشات في رأيه على أمثلة عديدة من بينها تعميم رئيس الوزراء نادر الذهبي قبل أشهر على موظفي الحكومة بضرورة عدم الإدلاء بأية معلومات عن شبهات تجاوزات مالية وإدارية مفترضة، في القطاع العام.
وانتقد المحامي قطيشات قانون حق الحصول على المعلومات، الذي اعتبره أحد الأمثلة على وجود عنف المعلومات في المملكة.
ويقول قطيشات إن إجراءات وآليات القانون تعاني من "الروتين والبيروقراطية، وخصوصا قرار إنشاء مجلس المعلومات الذي يضم أمناء الوزارات كافة بحيث يقدم كل من يحتاج معلومات طلبات لهذه الغاية".
ويدافع قطيشات عن رأيه، عبر تقديم أمثلة متلاحقة. ويقول إن "قانون حماية وثائق وأسرار الدولة يعد عنفا في المعلومات لأنه يحظرها أساسا".
ويعزو ذلك إلى "موروث غير ديمقراطي موجود عند مالك المعلومة من الوزراء والموظفين (...) هذا الموروث مؤسس على قاعدة أن يد الحكومة على المعلومات مالكة وليست أمينة فقط، والأصل هو العكس فالحكومة يجب أن تكون أمينة على المعلومات وليست مالكة لها لأن المعلومات ملك الأفراد والمواطنين وليس الحكومة".
ويتسلل العنف في المعلومات تدريجيا ليطاول القطاع الخاص، الذي بات هو الآخر يمارسه، بحسب رأي قطيشات، الذي يوضح أن "قانون حق الحصول على المعلومات لم يشمل في بنوده القطاع الخاص، مع أن عمله يؤثر على المصلحة العامة، وأبرز الأمثلة شركة الاتصالات وسلطة المياه بعد خصصتهما".
الإعلاميون يمارسون أيضا عنف المعلومات
ولعل الإعلاميين والصحافيين أنفسهم يمارسون عنف المعلومات وذلك بإساءة "استعمال الحق الذي منحهم إياه القانون بالحفاظ على سرية المصادر، وخصوصا عندما ينقلون معلومة منقوصة أو غير صحيحة تنسب لمصدر ويرفض الصحافي كشفه من باب الحفاظ على السرية"، وفق قطيشات.
وتتعدد أشكال عنف المعلومات فمنها ما يتمحور، حسب ما يراه قطيشات في "عدم تسجيل جلسات مجلس الوزراء أو توثيقها أو حتى كتابة محاضر لاجتماعات الوزراء، واجتماعات مجلس النواب السرية".
ومن القطاعين العام والخاص إلى القطاع الإعلامي ومنه يمتد عنف المعلومات إلى مؤسسات المجتمع المدني التي أصبحت هي الأخرى تمارسه، فضلا عن كونها تعاني "من الديكتاتورية ومن معاملة أصحاب الأموال"، تبعا لقطيشات.
ولا تظهر أي من هذه المؤسسات بشكل علني ما تقوم به من نشاطات في مختلف الأصعدة، بل وتصل إلى حد كتمان حجم موازنتها المالية، حسب قطيشات الذي أشار أن ذلك "أفرز قانون الجمعيات الخيرية الجديد، الذي يراقب هذه المؤسسات التي لا تعطي حتى المعلومات للممولين، وهي غير صادقة أحيانا ما جعل الممولين أحيانا يفرضون شروطا قبل منح التمويل".
ويؤيد طروحات قطيشات إلى حد كبير وزير التنمية السياسية السابق محمد العوران فيما يعرف بعنف في المعلومات الذي تمارسه مختلف الجهات في المملكة. بيد أن العوران يرى أن "المسألة حساسة جدا ودقيقة".
ويشير العوران إلى أن "أكثرية أشكال عنف المعلومات تقع في المجتمعات المتقدمة جدا, لكن من الممكن أن تقع في مجتمعاتنا العربية".
تعدد المرجعيات ليس مرتبطا بسياسة محددة
ورغم اتفاق العوران مع قطيشات على وجود "حجب للمعلومات"، إلا أنه يعتبر أن "الغايات من ذلك يصعب تفسيرها لأن المرجعيات كثيرة جدا وروتينية وكلاسيكية ومن الممكن أن لا تكون مرتبطة بسياسة محددة".
ويشرح العوران حديثه بالقول بأن عنف المعلومات "كمفهوم موجود في أي مجتمع في العالم، ولكن المسألة لا تقاس بأن المعلومة يمكن حجبها أو لا".
ويستند العوران في شرحه على أن من يرغب "يستطيع الحصول على المعلومة من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها المتعددة في العالم". ويتابع أن "المواطن لم يعد يعاني إذا أراد الحصول على المعلومة، فالمواطن في الأردن ذكي ويستطيع الحصول عليها".
ويؤكد العوران أن "المعلومة من حق المواطن، ويمكن له الحصول عليها من أي مؤسسة كانت ولا يجوز أن يكون هناك حجب للمعلومة".
واتخذ العوران كذلك قانوني حق الحصول على المعلومات وحماية وثائق الدولة, مثالين على أنها "عامل مساعد في حجب المعلومة. ونتمنى أن يكون الموضوع أسهل وأساسيا للمواطن".
ولا يذهب رئيس مركز حرية وحماية الصحفيين نضال منصور بعيدا عن آراء سابقيه في وجود عنف معلومات في المملكة، غير أنه كال الانتقادات على قانون حق الحصول على المعلومات باعتبار أنه تحول إلى أحد أبرز معوقات تدفق المعلومات.
ويقول منصور "هناك حجب متكرر للمعلومات. وهناك معلومات منقوصة ليس فقط من الحكومة وأطراف مختلفة من السلطة، بل من قبل أحزاب ونقابات وقوى سياسية".
وأصبحت تلك الأطراف "في صراعاتها ضد بعضها البعض تخلق تشويشا عند المتلقي يصل إلى حد تشويه الصورة وإساءة السمعة، وقد تكون أكثر الطرق للابتزاز ليس فقط من قبل الحكومة بل من يملك المعلومات والتشهير بالآخر"، وفق منصور.
ويؤكد منصور أن "كل هذه الحلقات تعد عنفا بالمعلومات. (...) وذلك يسبب أذى للمجتمع لأنه يمنع عنه حق المعرفة".
ويذكر منصور بأن "الحق في المعرفة والمعلومات حق أساسي للإعلامي لأنه وسيلة وقناة لتوصيل المعلومات، وهي ليست حكرا فقط على السلطة التنفيذية".
ولم يصل "قانون حق الحصول على المعلومات"، في رأي منصور، لهذه "الحقوق". ولكنه لا يختلف مع القول بأن الإعلام أيضا قد يمارس عنف المعلومات عندما يسيء استخدامها، ومن هنا فإنه يطالب الإعلام بأن "لا يسيء استخدام المعلومة".
ويدافع منصور عن مؤسسات المجتمع المدني قائلا "لا نعتقد أن الممولين هم أطراف ساذجين لأنهم ببساطة يطلبون من المؤسسات التي يمولوها معلومات كاملة عن النشاط الذي يرغبون في تنفيذه قبل الموافقة على تمويله".
نقص الثقافة يولد عنف المعلومات
ويختلف الناطق الإعلامي للمركز الوطني لحقوق الإنسان محمد الحلو مع سابقيه في وجود مصطلح "عنف المعلومات". ويقول "أنا ضد مصطلح العنف في المعلومات، بل مع عبارة حق الحصول على المعلومات أو عدم تشويه المعلومات أو تضليل الرأي العام".
ولا ينكر الحلو أن ثمة "ضجة" أثيرت سابقا على قانون حق الحصول على المعلومات، لكنه يردها إلى "جهل المسؤولين لأن هناك قانونا أردنيا صدر ولا يتم توظيفه بشكل سليم".
ويرى الحلو أن "نقص الثقافة حول الحق في الحصول على المعلومات يترتب عليه ما يسميه البعض بعنف المعلومات أو عدم الحصول عليها بشكلها الصحيح للمواطن والاعلام، رغم أن العلاقة تكاملية تربط بين المواطن والحكومة والإعلام معا في حق الحصول على المعلومة".
البيروقراطية تعيق تدفق المعلومات
وبهدف مواجهة العقبات التي تحول دون تدفق المعلومات بالشكل المطلوب، لا بد من "وجوب توعية المواطن والإعلام والمسؤولين، على حد سواء، بأن هناك قانونا للحصول على المعلومات، كما يجب تعريف المواطن بحقه في كيفية الحصول على المعلومة، ومعرفة الرجل المسؤول عن حق الأفراد في الحصول على المعلومة وإعطائهم المعلومة" التي يطلبونها، حسب الحلو.
ويطالب المحامي قطيشات الحكومة بتعديل قانون حق الحصول على المعلومات، في مواجهة العقبات ذلك، لكن هذا الأمر يتطلب في رأيه "إيقاف العمل بالقوانين السرية"، معتبرا أن على "الحكومة تقديم المعلومات من دون طلب لمجلس المعلومات".
ويدعو قطيشات بـ"إلغاء البيروقراطية من الجهات التي تمنح المعلومة"، فضلا عن "منح المواطنين حق الطعن في حال لم تكن المعلومة مقنعة لهم"، إلى جانب اعتماد "تصنيف إداري لدى الجهات المالكة يسمح بتوثيق المعلومات".
وفي ذات الإطار، يشدد العوران على ضرورة "ترجمة التشريعات والقوانين بحيث لا يكون فيها أي حجب, ولا يكون فيها أي خوف. إذ أنه لا مبرر لحجب المعلومات والواجب أن نكون شفافين وواضحين للمواطن".
ومن أجل تنجب حدوث عنف في المعلومات يؤكد منصور على ضرورة بأن "يكون هناك وعيا مجتمعيا لاستخدام المعلومات. وإذا كان هناك فساد وإساءة في استخدامها فعلى السلطة أن تقدم هؤلاء الأشخاص إلى القضاء".
أما مؤسسات المجتمع المدني، فعليها في رأي منصور "الاحتكام إلى القانون وإلى كمية كبيرة من الراشدية والشفافية".