وزارةالتعليم العالي
جامعة الملك سعود
كلية التربية
العولمة وحتمياتها التكنولوجية
والحصانة الثقافية
أ.د.علي أحمد مدكور
عميد كلية التربية
جامعة السلطان قابوس
مقدم الى ندوة العولمة وأوليات التربية
المنعقدة بكلية التربية جامعة الملك سعود
27- 28 صفر 1425 هـ
17- 18 أبريل 2004م
بسم الله الرحمن الرحيم
"واتَّقُوا اللَّهَ ويُعلِّمكُم اللَّهُ، واللَّهُ بِكلِّ شيءٍ عَليمٌ".
(البقرة : 282)
ملخص بحث "العولمة وحتمياتها التكنولوجية والحصانة الثقافية"
إعداد أ.د.علي أحمد مدكور
عميد كلية التربية
جامعة السلطان قابوس
لقد جعلت العولمة وحتمياتها التكنولوجية عصرنا هذا عصرا يلهث فيه قادمة يكاد يلحق بسابقه ، وتتهاوى فيه النظم والأفكار على مرأى من بدايتها ، وتتقادم فيه الأشياء وهي في أوج جدتها، عصرا تتآلف فيه الأشياء مع أضدادها؛ حتى أعلن البعض "نهاية الأضداد" ؛ نهاية تضاد الجميل والقبيح في الفن، واليسار واليمين في السياسة ،والصادق والزائف في الإعلام ، والموضوعي والذاتي في العلم ، وهنا وهناك في المكان ، والحاضر والمستقبل في الزمان!.
وعلى الرغم من كل ما يزهو به عصر العولمة من ثراء معلوماته، ووفرة بياناته، وقدرة نظمه وآلاته، ودينامية تنظيماته، وسرعة قراراته .. رغم كل هذا .. ما يزال الإنسان متعطشا للمعرفة الصادقة، متلهفا إلى الحكمة البصيرة، التي تنقذه من فيضان المعلومات المضللة ، ومن عبث الأيدي الخفية، وتسيطر على ثقافته ، واقتصاده، وبيئته،ومعظم نظمه وأوضاعه الاجتماعية ، لحساب الأهواء والصالح الخاصة للمعولمِين.
إن ثقافة عصر العولمة وحتمياتها التكنولوجية التي تقوم على مبدأ "اللحاق أو الانسحاق"، توجب علينا أن نفتح نوافذنا لتهب عليها الرياح من كل جانب ، ولكن يجب ألا نسمح لها أن تقتلعنا من جذورنا ، أو أن تطمس معالم شخصيا.
إننا في حاجة إلى "أسلمه" و"عروبة" ولا إلى "عولمة"، ولا يعني هذا نفي الآخر أو عدم التعامل معه، وإنما نعني أن نختار وننتقي مما لدية ، ما نحن في حاجة حقيقة إليه ، ولسنا بقادرين عليه.
إننا ـ باختصار ـ بحاجة إلى عالم يعاد بناؤه على أسس إيمانية ربانية، وسلوكليات أخلاقية مغايرة لما هو عليه الآن ، عالم يبتعد عن الوضعية العلمية وصلفها الفكري ، ويتحول عن البراجماتية ونفعيتها قصيرة النظر ، ويرفض ذاتية ما بعد الحداثة، وقد اقتربت من حد الفوضى التي يمكن أن تورد الحضارة الحديثة مورد الهلاك .
إننا بحاجة إلى التحول من ثقافة الحتمية التكنولوجية إلى ثقافة الخيار التكنولوجي، والتنولوجيا البديلة، والتكنولوجيا من أجل الإنسانية ، وبحاجة إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات بحيث تستحيل إلى تكنولوجيا المعرفة والحكمة ، التي تردّ العلم إلى أخلاقيات الدين ، وتبحث عن الحق دون أن تضحي بالخير ، وتغفل للخير دون أن تفعل الجمال .
Globalization, Technology-Acquisition Determinants and Cultural Immunity
Abstract
Prof. Dr. Ali Ahmad Madkour
Dean of the College of Education,
Sultan Qaboos University
Globalization and its technology-acquisition determinants have made our age’s latecomers about to catch up with their forerunners; its systems and ideas collapse though their beginnings are still in sight; and things become out of fashion in their utmost genuineness. It is an age in which contrasts co-exist. The contrasts between ‘ugly and beautiful’ in art, ‘left and right’ in politics, ‘true and false’ in mass media, ‘objective and ‘subjective’ in science, ‘here and there’ in place and ‘present and future’ in time – all these contrasts – cease to exist.
Proponents of the globalization age are proud of the richness of its information, the abundance of its data, the capacity of its systems and tools, the dynamism of its organizations and the overflow of its decisions. With all these characteristics, man is still thirsty for genuine knowledge and anxious for deep wisdom in which lies his salvation from misleading information, and the invisible distorting fingers that dominate his culture, his economy, his environment, and most of his social systems and conditions in favor of the whims and special interests of the proponents of globalization.
The culture of the globalization age and its technology-acquisition dterminants that are based on the principle “Catch up or get crushed” entail that we should be susceptible to winds from all directions. However, these winds should not be allowed to uproot us or blur our identity.
We are in need of ‘Islamization’ and ‘Arabization’, not ‘globalization’. This does not mean disregarding or boycotting others. It means being selective in the acquisition of whatever they possess, the acquisition of what we are really badly in need of and are incapable of producing by ourselves.
In brief, we are in need of a universe that is reconstructed on the basis of Allah’s principles and a code of ethics that differs from their currently dominant one. It should be a universe that parts with scientific positivism and its thought conceit, a universe that turns away from their pragmatism and its short-sighted utilitarianism, a universe that rejects the individualization of post-modernism that has already brought it nearer to chaos, a matter that can bring havoc to modern civilization.
We are in need of turning away from the culture of technology-acquisition determinism towards the culture of technology-acquisition options, alternative technology and technology for humanity. We are in need of developing information technology in such a way that transforms itself into technology of knowledge and wisdom that takes science back to religious morals, seeks justice without sacrificing the good, and does good without sacrificing beauty.
مفهوم العلولمة:
تعني العولمة في مفهومها المثالي بناء عالم واحد، أساسه توحيد المعايير الكونية، وتحرير العلاقات الدولية، والسياسية والاقتصادية، وتقريب الثقافات، ونشر المعلومات، وعالمية الانتاج المتبادل، وانتشار التقدم التكنولوجي ، وعالمية الاعلام .. إلخ.
وهذا المفهوم لا يمكن أن يتم إلا بين القوى المتكافئة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، بحيث لايستطيع طرف فرص التغير على الطرف الآخر، وبذلك يسير التغير في اتجاهين بدلا من اتجاه واحد. وهذا لا يحدث إلا بين الاقوياء.
أما العولمة ـ كما هي مطبقة في عالم الواقع ـ فهي عملية إلحاقية انتقائية، تقسم العالم إلى عالمين : عالم القوى الكبرى ذات المصالح المتبادلة، والمؤسسات العالمية ، والشركات العملاقة ، وعالم الدول النامية أو الضعيفة . والعالم الثاني عليه أن يقبل دور التابع للعالم الأول ، وحتى طاقاته التكنولوجية القليلة التي طورت بشق الأنفس يتم استنزافها والاستيلاء عليها بواسطة دول العالم الأول !
وبذلك فإن العولمة في مفهومها الاقتصادي معناها إقصاء المستضعفين نهائيا عن أي مشاركة في ميادين التنافس وإفساح المجال للشركات عابرة القارات لكي تفرض قوانينها وأسعارها وشروطها على أصحاب الكيانات الاقتصادية الهشة من الفقراء والمطحونين ، دون أي اعتبار لإنسانية الإنسان . والنتيجة معروفة سلفا، وهي أن يبقى الضعفاء فريسة لجشع الكبار ، واقفين في انتظار الموت أو الانتحار!
والعولمة في مفهومها الأخلاقي تعني إطلاق العنان بلا قيود لنوازع الجنس، والحس الغليظ، والتحلل الأخلاقي، وتدمير القيم الإنسانية الباقية، وتدمير الأسرة، وإشاعة الشذوذ!
وفي مفهومها الثقافي تعني سيادة ثقافية "البسبسة" و"الكوكلة" و "الكنتكة" و "والمكدنة" , "والجكسنة"، وانتزاع أصحاب الدين من قيمهم وتقاليدهم وثقافتهم إلى حيث يكونون مسخا مشوها، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء. كما تعني التدفق المعرفي الهائل في اتجاه واحد!
وفي مفهومها السياسي تعني هيمنة المعولم ( بكسر اللام)؛ فهو صاحب السيادة، والقول الفصل، لا راد لما يريد، ولا صوت يعلو على صوته، وهو مثل راعي القطيع ؛ عصاه جاهزة لأي شاة شاردة!
وفي مفهومها التكنولوجي تعني استئثار المعولمين بالتكنولجيا الفائقة، وبالأدوات التكنولجية، وبالقدرة على استخدامها لتحقيق مصالحهم ، وفرض شراء الأدوات التكنولوجية دون أسرارها على المعولَمين ، وفرض استخدامها في الأغراض التي تحقق مصالح المعولِمين فقط (1)
لقد أثر مفهوم العولمة السابق على مفهوم التكنولجيا الجديدة ، وعلى علاقة التكنولوجيا بالحتميات التكنولوجية،وعلى علاقة كل ذلك بالثقافة، والتنوع الثقافي ، والحصانة الثقافية ..
- فما مفهوم التكنولوجيا ؟
- وما المقصود بالحتميات التكنولجية ؟
- وما مقوقف المدارس الإنسانية والمادية من الحتميات التكنولوجية ؟
- وما المقصود بالحصانة الثقافية ؟
- وما دور التربية في كل ذلك ؟
إن مهمة هذه الورقة طرح هذه الافكار ، ومحاولة الإجابة عن هذه الاسئلة . وعلى الله قصد السبيل .
مفهوم جديد للتكنولوجيا:
التكنولوجيا ليست مجرد تطبيق الاكتشافات العلمية أو المعرفية لإنتاج أدوات معينة، أو القيام بمهام معينة لحل مشكلات الإنسان والتحكم في البيئة، لكنها بالاضافة إلى ذلك عملية تتسع لتشمل: (2)
• الظروف الاجتماعية التي أفرزتها ، وبالتالي لا يمكن ادعاء البراءة أنها بمنأى عن نظام القيم التي يكتنف هذه الظروف.
• الجوانب المختلفة للسلوك الاجتماعي المترتب على تطبيقها، ومن هنا لا يمكن للتكنولوجيا أن تدعي البراءة مما قد ينتج عن تطبيقها من تغيرات اجتماعية(6).
ويترتب على المفهوم السابق ضرورة التخلص من المفاهيم غير الدقيقة التالية:
• لاحدود للنمو الاقتصادي.
• حل المشكلات الناتجة عن التكنولوجيا هو في مزيد من التكنولوجيا
• التقدم التكنولوجي مرادف للرقي الاجتماعي.
"الحتمية التكنولوجية" لدى المدرسة المادية
المدرسة المادية:
لقد ارتبطت المفاهيم السابقة بالحتمية التكنولوجية لدى المدرسة المادية السلوكية.
فما المقصود "بالحتمية التكنولوجية" لدى المدرسة المادية؟
الحتمية: هي تحديد ما يفترض للعقل عدم تجاوزه.
وقد انتقل مفهوم الحتمية هذا على يد "المدرسة المادية" من أصلها الاعتقادي - الذي أعطى للمادة صفات الله! - إلى العوالم الاجتماعية والحيوية، والتاريخ ، والاقتصاد، واللغة، والفنون..الخ ، فرأينا حتمية الصراع الطبقي، والحتمية البيولوجية أي الحيوية، والحتمية التاريخية، والحتمية اللغوية، وآليات اليد الخفية، كما تصورها آدم سميث … الخ.
وأخيرا تسلل مفهوم الحتمية إلى عالم التكنولوجيا، ليتجلى فيما يسمى الآن "الحتمية التكنولوجية" الذي يسود الآن فكر كثير من علماء التكنولوجيا، وعلماء الاقتصاد، وعلماء الاجتماع والتنمية الاجتماعية.(3)
وعلى أساس مبدأ الحتمية التكنولوجية:
يصبح التقدم التكنولوجي المطرد، والمستمر "متغيرا مستقلا"، لا شأن للمجتمع بتوجيهه أو إبطائه أو إيقافه!
ويصبح المجتمع "متغيرا تابعا"، ما عليه إلا أن يتكيف مع المتغيرات التكنولوجية التي تفرزها آليات المجتمع بصورة طبيعية لا إرادية!
والنتيجة الخادعة المترتبة على ذلك تتمثل في أمرين:
1. أن التقدم التكنولوجي معيار للرقي الاجتماعي والإنساني!
2. أنه قدر لا فكاك منه، وعلينا أن نتقبله بآثاره الجانبية ، وعلى المجتمع بأسره أن يسعى دوما إلى تحقيقه، ليس ضمانا لازدهاره فقط بل لبقائه أيضا!
تصنيف مراحل الحضارة الإنسانية
وقد ترتب على تبني مفهوم الحتمية التكنولوجية أن صنفت مراحل الحضارة الإنسانية على أساس "المادة الخام الأساسية للتكنولوجيا في كل عصر، أو أداتها التكنولوجية السائدة":
• فكان العصر الحجري، نسبة لمادة الحجارة.
• ثم العصر البرونزي، نسبة لمادة البرونز.
• ثم العصر الحديدي، نسبة لمادة الحديد.
وسميت العصور التالية لذلك وفقا لنوعية الآلات المصنعة من "المادة" فجاءت كالآتي:
• عصر البخار والآلات البخارية.
• عصر الكهرباء والآلات الكهربائية.
• وأخيرا عصر الإلكترونات والكمبيوتر ونظم المعلومات.
وقد لخص أهل "الحتمية التكنولوجية" تصورهم عن آلية التغير الاجتماعي في ثلاثة أبعاد متتالية هي:
• "على العلم أن يكتشف..
• وعلى التكنولوجيا أن تطبق..
• وعلى الإنسان أن يتكيف ...!(4)
ولو علموا ما سيترتب على تصورهم هذا لأضافوا عنصرا أو بعدا رابعا وهو:
• وعلى البيئة أن ترضخ!
وعند هذا الحد يصبح السؤال الملح هو:
• إلى أي حد تستطيع البيئة أن ترضخ؟
• وإلى أي مدى يستطيع الإنسان الاستمرار في التكيف الآلي، وفقد إرادته الإنسانية في التغيير؟!
التصور الإسلامي للحتميات
يتناقض تصور المدرسة المادية السابق مع التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان والكون والحياة. حيث يبدأ تصور المدرسة الإسلامية بالتأكيد على أن التغير الذي يحدثه الإنسان في الأرض أو في المجتمع، يتم وفق الإرادة المطلقة لله، وهذا التغير إما أن يكون في اتجاه يهدف إلى تدبير شئون الخلق وفق منهج الله فيكون تغييراً معمّراً، وإما أن يكون في أي اتجاه آخر، فيكون تغييراً مدمراً.
وفي كل الأحوال فإن التغير الاجتماعي الذي يحدثه الإنسان إنما يخضع لقاعدة ثابتة، وأصل من أصول التصور الإسلامي يتمثل في قول الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". (الرعد: 11.)
وقوله تعالى : "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". (الأنفال: 53.)
إن النصين السابقين يدلان دلالة قاطعة على أن التغير الاجتماعي إنما يبدأ من الإنسان، من النفس الإنسانية، وذلك بتغيير الأنماط العقائدية والمعيارية والقيمية والفكرية والسلوكية للانسان، فاذا ما تم هذا "المتغير المستقل" ، فإنه ينعكس على السلوك الخارجي للفرد والمجتمع، أي ينعكس على النظم والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية والتربوية ..الخ. وهذه هي "المتغيرات التابعة".
مثال من التاريخ الإسلامي:
عندما نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم لتغيير المجتمع الجاهلي الذي كان موجودا آنذاك، بدأ الرسول بتأسيس العقيدة في نفوس المسلمين في مكة لمدة ثلاثة عشر عاما(المتغير المستقل)، ثم انتقل إلى المدينة ليقيم المجتمع الإسلامي بمؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية..الخ، وهذه هي (المتغيرات التابعة).(5)
تفيد الآيات السابقة تكريم الإنسان إلى حد بعيد، إذ جعل الله قدره ينفذ بالإنسان عن طريق حركة الإنسان نفسه، وعلمه هو. وجعل التغير القدري في حياة الناس مبنيا على التغير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم العملي وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم(6).
وهنا تظهر إيجابية الاسلام في نظرته للإنسان، كما تظهر إيجابية الإنسان في صياغته لمصيره، وفق الإرادة المطلقة لله، وتنتفي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه المذاهب المادية، التي تصوره عنصرا سلبيا، "متغيرا تابعا" إزاء الحتميات الجبارة: حتمية الاقتصاد، وحتمية التاريخ، وحتمية التطور، (وحتمية التكنولوجيا).. إلى آخر الحتميات التي ليس للكائن الإنساني إزاءها حول ولا قوة، ولا يملك إلا الخضوع المطلق، لما تفرضه عليه وهو ضائع خانع مذلول"!(7).
المدرسة الإنسانية
تتسق المدرسة الانسانية مع التصور الإسلامي، وتقف في مواجهة مباشرة مع المدرسة المادية السابقة - التي ترى المادة أصل كل شيء، وأنها ذات طبيعة خالقة ، وذات حتميات لا ينبغي للعقل أن يتجاوزها – فتعلي من شأن الارادة الإنسانية وتجعل الإنسان أو المجتمع مصدر التغير الاجتماعي.
فالمدرسة الإنسانية تقلب ثنائية المدرسة المادية التي تجعل التكنولوجيا متغيراً مستقلا، والمجتمع متغيرا تابعا. وترى أن العكس هو الصحيح، فالإنسان أو المجتمع هو المتغير المستقل، والتكنولوجيا هي المتغير التابع(8).
فالتكنولوجيا يجب أن تكون وليدة التغير الاجتماعي الذي يوفر لها أسباب نشأتها. وهي في الواقع يجب أن تكون تلبية لمطالب المجتمع الذي تتنوع أهداف أفراده، وغايات جماعاته، وتتعقد نظمه ومؤسساته، وتتكاثر مشكلاته التي تحتاج إلى حلول سريعة وناجحة … ومن ثم تكون التكنولوجيا المناسبة لهذه المطالب.
وهناك أمثلة كثيرة على مر التاريخ الإنساني تؤكد ذلك:
المثال الأول: عندما وقفت "الكتابة بالصور" التي اخترعها قدماء المصريين، عائقا أمام نمو النشاط الاقتصادي والتجاري - حيث كانت لغة خاصة للكهنة وللخاصة من الناس والحكام - اخترع الفينيقيون "الكتابة الأبجدية" التي يسهل للعامة استخدامها والقراءة بها وتداولها وهكذا أمكن التعبير عن كثير من المفاهيم والأغراض التي عجزت عنها الكتابة بالصور ، وانتقل التعبير الكتابي من الخاصة إلى العامة.
مثال آخر: عندما عجزت عضلات الإنسان والحيوان عن الوفاء بالجهد اللازم لتنفيذ المهام الشاقة في المناجم والمصانع والحقول ، ظهرت الآلة البخارية، التي لم يكن لها أن تتطور لولا ما فرضته الصناعة والتجارة، وظروف العمل في المصانع والحقول من مطالب.
مثال ثالث: عندما تعقدت الحسابات العلمية والتجارية، وتشابكت نظم عالم الأعمال، وتعددت أنشطته، وتضخمت صادراته ووارداته، ظهرت الآلات الحاسبة كمقدمة لتكنولوجيا الكمبيوتر ونظم المعلومات.
مثال رابع: عندما أصبح التفجر المعلوماتي والتدفق المعرفي المتزايد ظاهرة يجب السيطرة عليها، ظهرت هندسة المعرفة ، ونظمها الخبيرة والذكية لاحتواء التدفق المعرفي وتنظيمه.
مثال خامس: الموسيقى أقدم الفنون الإنسانية وأرقاها وأكثرها انتشارا، كانت سببا في اختراع الإذاعة اللاسلكية، وانتشار الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية لسماع الموسيقى وتسجيلها ونسخها، كما كانت سببا في اختراع تكنولوجيا علوم الصوتيات، وبرامج الكمبيوتر للعزف على الآلات حتى أصبح الكمبيوتر قادرا الآن على أن يعزف على البيانو القطعة التي قمت باختيارها، بينما أنت جالس تستمع وتستمتع.
التخلف التكنولوجي
وبناء على ما سبق، يرى البعض أن الحتمية التكنولوجية خدعة ابتدعها الأغنياء والساسة والخبراء في الدول الغنية ليحرموا المحتاجين والفقراء والدول النامية ، ليظلوا أسرى الحتمية التكنولوجية، وليعموا أبصارهم عن رؤية الخيارات العلمية المتاحة ، وليصرفوهم عن التحقق من مدى صحة الافتراضات التي تقام عليها استراتيجيات التطبيق التكنولوجي، أو النفاذ إلى ما تحت الأقنعة الفنية التي يتستر وراءها أطماع الأغنياء ، وهوى الخبراء ، وجهلهم أحيانا.(9).
فَتَحْتَ دعوى الحتمية التكنولوجية، وتعذر إيقاف حركة التقدم التكنولوجي، تُمَرَّر السياسات والقوانين، وتفرض القيود
- ازرع كذا ولا تزرع كذا،
- اصنع كذا ولا تصنع كذا،
- صدر كذا ولا تصدر كـذا
- قوانين الجات.
وتُبَرَّر الاستثمارات في غير ما هو مفيد في كثير من الأحيان للدول الفقيرة، وتتضخم السلطات لتصل أحيانا إلى الحد الذي اطلق عليه البعض" فاشستية التكنولوجيا"؛ فتحت ستار كثيف من المتاهات الفنية، ومصطلحات الصنعة المهنية، يرتع الخبراء دون وازع أو رابط يروجون لبضاعتهم التكنولوجية، مغلفة بوعودهم المسرفة، لتجعل الناس يتلهفون على كل ما هو جديد ومثير، وعلى الشركات العملاقة أن تنتج وتربح، وعلى الفقراء أن ينفقوا أموالهم ويستهلكوا مدخراتهم فيما لا جدوى لهم من ورائه! (10) انظر إلى حجم الاستثمارات في الكوكلة، والبسبسة، والكنتكة، والمكدنة، والبزهته،...الخ!
إن عجلة التكنولوجيا تدار اليوم بيد أنصار المذاهب المادية المؤمنة بالحتميات والزاعمة أن التكنولوجيا سابقة على المجتمع الذي لا بد أن يلهث وراءها ، وهذا ربما يفسر لنا لماذا قصرت هذه التكنولوجيا ذاتها عن تلبية كثير من المطالب الأساسية لإنسان اليوم في المجتمعات المتقدمة والمتخلفة سواء! كما يفسر لنا أيضا: كيف عجزت التكنولوجيا الحالية عن التصدي لكثير من مشكلات المجتمع الإنساني الذي يفرز المشكلات بمعدل يفوق كل قدراته -بما في ذلك القدرة التكنولوجية - على حلها.
إن الحتمية التكنولوجية لا تأبه بمشكلات الناس والفقراء بقدر ما تأبه بأطماع الأغنياء. فهي التي أنفقت على تكنولوجيا الأسلحة بجميع أنواعها، مالوا أنفقته على تكنولوجيا الزراعة والصناعة لارتفعت بكل فقراء العالم - الذين يرزحون تحت خط الفقر والجهل والمرض – إلى حد الحياة الكريمة. ولكنها بدلا من ذلك أنتجت ألوانا متطورة من الأسلحة وأجبرت الدول المتخلفة على إنفاق معظم ناتجها القومي في شراء هذه الأسلحة والتقاتل بها!
والحتمية التكنولوجية هي التي تنتج الآن مقادير هائلة من البضائع الاستهلاكية وتغري الآخرين بألوان شتى على شرائها واستهلاكها، بل واستبدالها قبل استهلاكها ، … وهكذا أصبحت مجموعة صغيرة من الشركات العملاقة عابرة القارات تمتص معظم ثروات البلاد الفقيرة، وتربط هذه البلاد بحبال تجرها بها وراءها! (11)
وقد دفع الشعور بالوزن الثقيل جدا الذي أصبحت تتمتع به الشركات عابرة القارات أو متعدية الجنسيات في الاقتصاد العالمي إلى أن يسأل شباب العالم عبر شبكة الإنترنت رئيس وزراء كندا "جان كريتيان" السؤال الطريف التالي: هل يمكن أن نجد أنفسنا ذات يوم مواطنين تابعين لشركة متعددة الجنسيات بدلا من أن نكون مواطنين تابعين لدولة ما؟!
فأجاب: إنه من حسن الحظ أن التقسيمات السياسية التي ينتظم العالم وفقا لها تقوم على أسس موضوعية تتعلق بالتاريخ والجغرافيا والعقيدة واللغة والتقاليد والثقافات المتنوعة. فهذه هي القوى الأساسية التي تدفع الناس للتجمع معا وتشكيل مجتمعات متميزة.
إن الحتمية التكنولوجية هي "وليدة رأس الداء"، ونعني به النظام الاقتصادي – بل المالي الحر السائب، وما يملكه من قوة الاختراق والسيطرة، بفضل التقنيات الإعلامية والمعلوماتية الجديدة، وما تؤدي إليه "الليبرالية" الاقتصادية الجامحة من "عولمة" توجهها القدرة المالية وحدها، فتقسم العالم إلى عالمين: عالم الأغنياء – ومن أجلهم تجرى لعبة العولمة كلها، وهم يمثلون 20% من سكان العالم، ويملكون 80% من ثروات العالم، وعالم الفقراء، وهم يمثلون 80% من سكان العالم، ويملكون 20% من ثرواته، وهؤلاء خارج لعبة العولمة، بل هم مجرد ضحايا لها، والتي تؤدي إلى اصطراع الأفراد والدول من أجل الكسب والربح، بدلا من أن تؤدي إلى اتساق العالم وانسجامه!(12)
وفي التحليل الأخير نرى أن الحتمية التكنولوجية التي تدار بيد أنصارالمذاهب المادية، قد وسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فازداد الأغنياء غنى وازداد الفقراء فقراً ومرضاً وجهلاً، كما أنها جعلت أربعة أخماس العالم لا حول لهم ولا قوة ولا إرادة!!!
ألا يعني كل ما سبق أن التكنولوجيا الحالية قد تخلفت وانحرفت بعيدا عن متطلبات المجتمع الإنساني وتطلعاته وتوقعاته؟!
على أن هدفنا هنا لم يكن مجرد تعرية الحتمية التكنولوجية المدفوعة بالنظام الاقتصادي والمالي العالمي السائد، "بل البحث عن وسائل تغييره تغييراً يجعله في خدمة حاجات الإنسان وقيمة الحقة، انطلاقا من إيماننا بأن "اللعبة لم تنته"، وأن عقل الإنسان قادر دوما على تجاوز ذاته، وعلى توليد الممكن حتى فيما يبدو مستحيلاً، مؤكدين بالتالي على دور التربية بوجه خاص، والثقافة بوجه عام في هذا كله".(13)
التكنولوجيا من أجل الإنسانية:
التكنولوجيا هي العلم، هي المعرفة، هي الافكار الجديدة والنظريات الجديدة، وهي في التحليل الاخير وسيلة وأداة لخدمة الإنسان وسعادته، وليست غاية في حد ذاتها.
لكن تفاعل عناصر التكنولوجيا مع بعضها في مختلف العلوم قد أطلق طاقة هامة وهائلة تفوق في أهميتها وقوتها العناصر الداخلة فيها. وقد يكون في ذلك الخير لو استغلت لصالح الإنسان، لكنها إذا لم تحكمها القيم الخلقية الأصيلة فقد تدمر الحياة البشرية ويشقى بها الإنسان.
ولحسن الحظ أن مفهوم الحتمية التكنولوجية أخذ يتوارى رويدا رويدا وتبرز مفاهيم جديدة تحت عنوان: "الخيار التكنولوجي" و "التكنولوجيا البديلة" و "التكنولوجيا من أجل الإنسانية" التي أنتجت الثورة الخضراء في نهاية الستينات وبداية السبعينات، والهندسة الوراثية التي أدت إلى تنوع البذور وزيادة الإنتاج، والتقدم في علوم الطب والدواء الذي أدى إلى إنقاذ ملايين البشر من الآلام والموت المبكر، والتقدم في وسائل المواصلات، والتقدم في وسائل الاتصال الجماهيرية التي قضت على حواجز الزمن والجغرافيا واللغة، والتقدم من خلال الاتصال، والإبحار عبر الإنترنت المتاح الآن أمام الشباب والأجيال الحالية والمستقبلية.
ففي العلوم الحيوية تم اختراق الحاجز البيولوجي والجيني بين الإنسان والحيوان والبكتريا والنباتات. وفي ومجال العلوم الطبيعية تمت اكتشافات هائلة في مجالات الفيزياء والكيمياء كالفيمتوثانية، والطاقة المتجددة وطاقة الفراغ … الخ
وفي الاقتصاد الدولي تم الانتقال من الإنتاج كثيف العمالة إلى الإنتاج كثيف المعرفة، ومن إنتاج الوفرة إلى إنتاج السرعة، ومن إنتاج سلع وآلات إلى إنتاج خدمات وبرامج وأفكار، وانتقل محرك الإنتاج من المنتج إلى المستهلك، وانتقلت العمالة من العمالة المستديمة إلى العمالة المتغيرة، وانتقلت الثقافة من ثقافة الصفحة المطبوعة إلى ثقافة الصورة، ومن ثقافة القلة إلى ثقافة الكثرة، وثقافة الجماهير .. نعم كل هذا يحدث، والسؤال الآن هو: ما أثر كل ذلك على التربية والتعليم... هذا هو السؤال الذي لم تجب عنه التربية والتعليم في البلاد التي تبحث عن هوية جديدة لها !!!
وتجد الإشارة هنا إلى ما تتيحه تكنولوجيا المعلومات من بدائل وإمكانات تجعل من ممارسة الخيار التكنولوجي مهمة ممكنة وواجبة في نفس الوقت . فقد أتاحت نظم المعلومات وسائل عملية لتقويم البدائل التكنولوجية والتعرف على أداء "المنظومات الكبيرة" ، ورصد النتائج المحتملة للتطبيق التكنولوجي على النواحي العقائدية والثقافية والبيئية والسلوكيات الاجتماعية. وهي النواحي التي لا تحظى بأي احترام من قبل أصحاب الحتمية التكنولوجية. ومن المنظومات الكبيرة الهامة التي انطلقت في التسعينات من القرن العشرين ، مشروع نادي روما لتوقع مصير البشرية، والمكون من خمس منظومات فرعية عن السكان ، وإنتاج الغذاء، والتصنيع ، والتلوث . واستهلاك المواد الطبيعية غير المتجددة.(14)
التحديات المحتملة في القرن الجديد
يمكن وصف التحديات المحتملة في القرن الجديد بما يلي:
1. تهاوي حدود الزمان والمكان على سطح الأرض
2. ظهور درجة عالية من التعقيد والاعتماد المتبادل بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو عقيدي أو بيئي .. الخ.
3. بروز شكل من أشكال انقطاع التاريخ عما سبقه
4. حدوث تحولات يكتنفها الغموض وعدم التأكيد، حيث الشيء الوحيد الأكيد هو انعدام اليقين، وعدم القدرة على تصور "الواقع الافتراضي" للمستقبل.
5. حدوث تغيرات متسارعة ومتبادلة الاعتماد، تكاد تنسف كل الاسقاطات المستقبلية المعتادة التي تنطلق من وضعية محدودة المعالم.
النموذج المقترح
التحديات السابقة تفرض علينا الدخول إلى عالم السيناريوهات المرنة المفتوحة على العديد من الاحتمالات.
إن هذا يتطلب بدوره مقاربة المستقبل، وتصوره ودراسته بمنهج شمولي يأخذ في الحسبان علاقة كل شيء بكل شيء آخر.(15)
إننا يجب أن ننظر الى المجتمع على أنه منظومة شبكية من العناصر الثابتة والمتغيرة التي تتفاعل مع بعضها البعض، والتي تسعى دائما من أجل الوصول إلى التوازن الذي تحكمه القوى الداخلية والمؤثرات الخارجية.
فإذا أردنا أن يكون لنا مكان في المستقبل، فضلا عن مكانة، وأن تكون لنا منزلة في السماء، فلا بد لنا من بناء القدرة، التي هي جواز المرور إلى المستقبل، والاشتراك في صنعه.
ذلك أن المكانة في المشهد العالمي الراهن والقادم تتحدد بمقدار القوة، التي تعتمد بدروها على درجة القدرة التي يتمتع بها المجتمع. وتعتمد القدرة بدورها على مجموعة من المقومات التي تمثل بدروها قوى الحصانة والفاعلية في المشهد العالمي الراهن والقادم؛ فلا حصانة بدون قدرة، ولا فاعلية بدون حصانة. (16)
وتتمثل مقومات المكان والمكانة في المشهد العالمي الراهن والقادم فيما يلي:
1. قوة الايمان بالله والتمسك بمنهجه في توجيه الحياة.
2. الصحة النفسية؛ البدنية والشعورية
3. الحصانة الثقافية: الاسلامية والقومية والوطنية"
4. الاقتدار المعرفي
5. والخيار التكنولوجي
ونتناول هذه المقومات بشيء من التفصيل فيما يلي:
أولاً: قوة الإيمان بالله والتمسك بمنهجه في توجيه الحياة:
إن الحصانة الاجتماعية القائمة على أساس من القوة والقدرة، لابد لها من مرتكزات ثابتة، لا تعبث بها الأهواء والشهوات من آن لآخر. وتأتي على قمة هذه المرتكزات عقيدة الإيمان بالله والأخوة في الله، والأخوة في الإنسانية، والتمسك بحبل الله المتين.
فالإيمان بالله وتقواه هو الركيزة الأساسية، التي على أساسها توجد الجماعة المؤمنة لتؤدي دورها الراشد في الحياة البشرية. وبدون هذه الركيزة لا يكون هناك منهج لله تجمع عليه أمة، بل فلسفات وتصورات وأهواء تتخبط وتتصارع ولا يجني العالم من ورائها إلا الخراب والدمار.
وعلى أساس هذه الركيزة يكون الاعتصام بحبل الله المتين، أي الاعتصام بمنهج الله ونظامه في حكم الحياة.(17) إن غياب التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة في المجتمعات الاسلامية اليوم – على سبيل المثال – قد أحدث كثيرا من الجهالات والانحرافات في العقيدة، وفي الفكر، وفي الشعور، وفي القول والعمل والسلوك، وفي الثقافة والفنون والآداب والتربية .. إلى آخره.(18)
وفي المجتمعات الغربية يتفق المنظرون اليوم على أن الحضارة الصناعية القائمة على مبدأ المنفعة – رغم إنجازاتها الكبرى - قد أوصلت البشرية إلى مآزق خطرة. حتى أن البعض قد أطلق على بعض هذه المجتمعات تسمية "مجتمعات فقدان المغزى"؛(19) حيث تآكلت القيم الروحية، وحل محلها قيم الرفاه المادي، والهوس الاستهلاكي. وهبطت قيمة الإنسان، وعلت قيمة المادة؛ حتى أصبحت قيمة الإنسان تقوّم بمقدار ما يملك وما يستهلك، لا بمقدار ما يضيفه للحياة الانسانية من قيم الإعمار والرقي!
إن جنون الربح السريع قد أدى إلى أن يتجاوز حجم تجارة المخدرات عالميا حجم تجارة النفط! كما أدى هذا الجنون إلى عملية تخريب منظمة لبنية الكون، وتبذير بلا حدود لموارده، وتهديد جدي لتوازنه، وإلى حالة من طغيان الأنانية الفردية على حساب المشاركة والتعاون. والنتيجة الحتمية التي نراها الآن هي تراكم المآزق الخطرة في الشمال، والفواجع الإنسانية والاجتماعية من حروب، ومجاعات وأمراض في الجنوب.(20)
كل هذا قد دفع مؤسسات وأحزاباً مثل جماعات حقوق الأنسان، وأحزاب الخضر، واليونسكو إلى أن تجعل قضية حماية البيئة، وقضية الأخلاقيات والقيم الثابتة من القضايا التي تدور حولها معركة مستقبل البشرية. حيث تؤكد تقارير اليونسكو إلى ضرورة العودة إلى إعادة الاعتبار إلى الإنسان الذي فضله الله على كثير من خلقه، وإلى ضرورة العودة إلى فهم مغزى الحياة، والى التمسك بالدين والروحانيات، وإلى التعاون والتآذر والتسامح، وإلى بناء الإحساس بالمصير المشترك، وإلى تضييق الهوة بين الشمال والجنوب، وإلى تعلم أن نعيش معا بدلا من تعلم السيطرة على الآخرين وتملكهم، وإلى القضاء على التلوث البيئي والفكري والاعلامي.(21)
خياران:
إننا أمام خيارين لا ثالث لهما. الخيار الأول، ويمثله نموذج(أ)، وتكون بداية التغير وفقا لهذا النموذج – بالحتمية التكنولوجية "كمتغير مستقل"؛ فالإنسان أو المجتمع هنا يؤمن أن كل شيء خاضع للتغير، ولا ثوابت يجب أن تظل بمنأي عن التغير؛ فالمجتمع هنا "متغير تابع". وهنا لا بد أن نتوقع أن التغير شامل لكل شيء؛ حتى أن خريطة الواقع والمستقبل في هذا المجتمع تكون غير واضحة ولا معروفة ولا محددة المعالم. وهذا النموذج – للأسف الشديد – هو الأكثر سيادة الآن!
والخيار الثاني، ويمثله نموذج (ب)، يبدأ التغير فيه من الإنسان نفسه، ومن المجتمع ذاته "كمتغير مستقل". فالمجتمع هنا ـ بعناصره الأربعة: الأفراد؛ والروابط والصلات؛ والنظم والمؤسسات؛ والفلسفة أو العقيدة ـ يؤمن بأن هناك ثوابت، وأن هناك متغيرات، وأن الثوابت تحكم المتغيرات؛ مقداراً واتجاهاً، وأن الثوابت ليست خاضعة للتغير إلا في جانب صغير منها، وهو تغير لا يؤدي إلى التناقض في الحالين، وإنما يؤدي إلى مزيد من الفهم، ومزيد من المرونة الإيجابية.
كما يؤمن الآخذ بهذا النموذج أن نظم المعرفة أوجدت خيارات وبدائل تكنولوجية، (22) وأن على المجتمع أن يختار منها ما يتناسب مع واقعه الحالي بما يشتمله من حاجات الأفراد، ومتطلبات الروابط والصلات، ومستلزمات النظم والمؤسسات، وتوجهات العقيدة والفلسفة قبل كل هذا وبعده، وبما يتناسب مع تصوره لمستقبله، واضعا في الاعتبار كل الاحتمالات.
وهنا يكون الخيار التكنولوجي "متغيرا تابعاً" وتكون مجالات التغير محصورة في حدود المغيرات لا الثوابت، بل في ضوء الثوابت.
والنتيجة الأكثر احتمالا وفقا لهذا النموذج، أن يصير المجتمع مستقلا، رغم كل ضغوط التغير من حـوله، وأن يصـير مستقـرا، وأن تكـون له هوية وشخصية محددة، يحترمها الجميع ويحسبون حسابها. وأن يكون التغير فيه في اتجاه التطور والرقي. وفي النهاية تصبح للمجتمع والإنسان خريطة واضحة لواقعه، ولما يجب أن يكون عليه مستقبله.
وفي التحليل الأخير نرى أن خطر التداعي والتلاشي لكثير من النظم في العالم النامي عامة، وفي العالم العربي والإسلامي خاصة كبير(23)، إلا إذا أحكموا أمرهم، وساروا على نحو ما وقفا للنموذج الثاني الذي يؤمن بالله،ويتمسك بمنهجه فـي توجيه الحياة، ويؤمـن بالأخوة في الله، والأخوة في الإنسانية، ويجعل قيمة الإنسان هي القيمة العليا،التي لا ينبغي أن تهدر أو تنحط أمام أية قيمة أخرى، ويجعل التكنولوجيا خيارا يقوم به الإنسان والمجتمع تبعا لحاجاته، ومطالب أفراده ومؤسساته، ووفقا لتصوره العام للألوهية والكون والإنسان والحياة.
إن مناهج التربية في العالم العربي والإسلامي يجب أن تعي هذه الحقيقة، وهي أنه بدون ترسيخ عقيدة الإيمان بالله وبمنهجه في ترقية الحياة، سوف تذوب وتلاشى تحت ضغط التغير التكنولوجي المفروض والتدفق المعرفي غير المسبوق.
فالواقع أن مناهج التربية في كثير من الأقطار العربية تهمش العقيدة، بل إن كثيرا من مناهج التربية الدينية ذاتها تُهمَّش وتُعْزَل في أقصى مراتب التعلم وأكثرها إهمال! والمؤلم أن ذلك يحدث بقصد في بعض الأحيان. وهنا يصبح خطر فقدان الحصانة، والمكان، والمكانة؛ بسبب فقدان القوة والقدرة، بادياً للعيان.
ثانياً: الصحة النفسية ومستقبل الأجيال العربية
إن الصحة النفسية بشقيها: الشعوري والجسدي، من أهم مقومات القوة والقدرة لمجتمع اليوم الذي يريد أن يكون له مكان في الأرض فضلا عن مكانة. "إن المستقبل يتطلب أشخاصا قادرين على الانفتاح، والتواصل، والتفاعل، والمشاركة، والتسامح، وإقامة علاقات التكافؤ والندية، والتعامل الديمقراطي الذي يضمن الاعتراف بالذات وبالآخر ككائن شبيه. وكلها تقوم على الصحة النفسية التي تحدد الآن عينة القدرة القيادية، ذات الوزن الحاسم في التعامل مع تحديات التحولات المتسارعة"(24)
إن إنسان هذا العصر يعاني من اعتلال الصحة النفسية؛ لأنه يعاني من الفقر الشديد في السلام مع النفس، ومن فقر مماثل في السلام مع الكون من حوله. ومن أوضح مظاهر الفقر في السلام مع النفس، انتشار الأمراض النفسية والعقلية والعصبية، نتيجة عدم الإيمان بالله، وعدم وضوح المنهج والهدف، وكثرة الإضلال والتضليل، وما يترتب على ذلك من شيـوع الحروب، والدمار، وشيوع الإدمان والانتحار، وشيوع الاغتصاب والشذوذ والإيدز - رغم الإباحية الجنسية - وشيوع التلوث والمحرمات … إلى آخره.
إن الصحة النفسية لا تتحقق إلا إذا أقمنا العدل والسلام في عقول أبنائنا وضمائرهم. وهذا لا يمكن أن يتم من خلال مناهج التربية المنحرفة، التي تدرس الطبيعة على أنها خالقة، وأنها الجوهر الأول، وأصل كل شيء، ومصدر كل شيء – كما يعتقد أنصار المدرسة المادية، كما لا يمكن أن يحدث من خلال الدراسات النفسية التي تنكر الغيب، وتتنكر لمنهج الله، ولا تعترف بغير القوى المادية المحسوسة وفصل الدين عن الحياة!
إن منهج الله الذي أنزله لتوجيه حياة البشر، هو نظام كوني، متصل بناموس الكون العام، ومتناسق معه. ومن ثم فإن الالتزام بهذا المنهج ناشئ عن ضرورة تحقيق التناسق بين حركة الإنسان وحركة الكون الذي يعيش فيه. وبذلك فإن العمل بهذا المنهج ضروري لتحقيق هذا التناسق، وبالتالي تحقيق الصحة النفسية للإنسان والمجتمع.(25)
إن هذا التناسق يحقق للإنسان السلام مع نفسه، كما يحقــق لـه السلام مع الكون المحيط به. أما السلام مع النفس فينشأ من توافق حركة الإنسان مع دوافع فطرته الصحيحة، وبذلك تنتظم حركة الإنسان الظاهرة مع دوافع فطرته المضمرة، وبذلك تتحقق الصحة النفسية للإنسان.
وأما السلام مع الكون فينشأ من تطابق حركة الإنسان مع حركة الكون المحيط به في الاتجاه والغاية. وبذلك يتحقق الخـير للبشرية عن طريق هدايتها وتعرفها فـي يسر إلى أسرار هذا الكون، والطاقات المكنونة فيه، والكنوز المذخورة في أطوائه، واستخدام هذا كله وفق منهج الله لتحقيق الخير البشري العام، بلا تعارض ولا اصطدام.
وبذلك تتحقق الصحة النفسية للإنسان أيضا. والعكس بالعكس؛ فإنه عندما يحيد الإنسان عن منهج الله فإن ذلك يحدث نوعا من الشقاق، الذي يؤدي حتما إلى كوارث نفسية وكونية. فالحياد عن منهج الله يحدث الشقاق بين الإنسان وفطرته السليمة التي فطره الله عليها، فيصاب بأبشع الأمراض النفسية والجسمية.
كما أن الحياد عن منهج الله يحدث الشقاق بين الإنسان من جانب، وبين الكون من حوله، الخاضع لله بفطرته من جانب آخر، فتحدث الكوارث الطبيعية، التي تدمر الإنسان؛ حيث تنقلب طاقات الكون وذخائره وقواه من وسائل لتعمير الحياة وترقيتها إلى عوامل تدمير وخراب وشقاء للإنسان والبيئة والأرض جميعاً.(26)
لاشك أن الصحة الجسدية هي الأخرى شرط القوة والاقتدار. فالمعروف أن المستقبل يقوم أساسا على القدرة من خلال تعظيم الطاقات الحيوية. فالمستقبل " يتطلب نخباً أكْثرَ ذكاءً للتعامل مع تكنولوجيا أكثر ذكاءً بدورها. ويتطلب مستوى أكثرَ تقدماً في نشاط العمليات العقلية العليا للإحاطة بقضاياه المتزايدة في شموليتها وتعقيدها. كما يتطلب التكامل بين الدماغِ الأيسر؛ حيث تسود عمليات التحليل والمنطق والتسلسل، والتنظيم والرياضيات ، والدماغِ الأيمن؛ حيث تنشط عمليات الخيال المبدع ، والعاطفة، والقدرات المكانية ، والحساسية للتجارب المعاشة " (27).
وتجدر الإشارة إلى أن التكامل بين الجانب الشعوري في النفس وبين الجانب الجسدي أمر متفق عليه . فصحة المشاعر والضمائر والعواطف والعقول تتكامل مع الصحة الجسدية فتتيح نمو الطاقات الحيوية ، واستخدامها بفاعلية ، عن طريق تحريرها من الأزمات النفسية ، والصراعات الانفعالية التي تستنزف طاقاتها وتبددها.
إن هذا التكامل بين الجانبين الشعوري والجسدي في النفس هو أساس المرونة والتكامل في النشاط الذهني ، وإطلاق طاقاته المبدعة . كما أن هذا التكامل هو الذي يحدد الخصائص الشخصية والسلوكية للإنسان ؛ كالمرونة في المواقف، والاتجاهات والأحكام. والمتانة الشخصية، والثقة بالنفس، والقبول الإيجابي لمفهوم الذات كمدخل للثقة بالعالم، والانفتاح على الآخرين، والشعور بالأمن والطمأنينة.
إن العالم العربي والإسلامي مستهدف ماديا وثقافيا. وهذا يتطلب درجة عالية من الصحة النفسية بجانبيها الشعوري والجسدي، وذلك لتتحمل الأزمات بالصمود ومواجهة التحديات.(28)
وهكذا فإن الطابع الكوني الشمولي للمستقبل يتطلب صحة نفسية فردية واجتماعية على درجة عالية من التكامل، قادرة على إثبات ذاتها ، وتعظيم فرصها، واستيعاب التحولات والمفاجآت، من خلال مرونتها وقدرتها على إدارة التغيرات في ضوء ثوابتها ورؤيتها للكون والإنسان والحياة.
إن إعطاء الأهمية لبرامج علم النفس والصحة النفسية والإرشاد النفسي والتربوي ابتداء من الحمل، فالميلاد، فمراحل المهد، فالحضانة، فمراحل التعليم العام حتى نهاية الدراسة الجامعية، لم تعد ترفا، بل استثمار أساسي في أصول التربية، من أجل إعمار الأرض وترقية الحياة.
والخلاصة أن الصحة النفسية للفرد والمجتمع إنما تتحقق من خلال منهج للتربية يبدأ بسلام الإنسان مع الله، وسلامه مع نفسه، ومع المحيطين به .. وصولا للسلام مع مفردات البيئة والطبيعة والعالم كله من حوله . فإذا اكتملت تربية الإنسان واكتمل تأهيله وفق هذا المنهج ، فإنه لن يكون قادرا على المشاركة في صناعة المستقبل فقط بل إن الاستقامة على العدل والسلام تصبح طابعه الحضاري.
ثالثا : الحصانة الثقافية : الإسلامية والقومية والوطنية :
لقد كانت الثقافة دائما المرجع الأساسي لفهم سلوكيات الشعوب حاضرا ومستقبلا . لكن الثقافة اليوم أصبحت قضية استراتيجية على الصعيد العالمي ، مثلها مثل الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والأمنية ، وذلك بسبب ظهور الثقافة الإلكترونية التي يحملها طوفان الإعلام الوافد. لقد تحول الحديث الآن من الغزو الثقافي إلى طوفان الثقافة الكونية (29) ، التي تستهدف الناشئة والشباب في المقام الأول ؛ نظرا لمرونة بناهم الشخصية ، ودرجة قابليتهم العالية للتغير .
إن خطر التلاشي في نظم المعولِميين ( بكسر اللام ) الكبار، إنما يتوقف على مدى اعتمادنا على قوة الهوية العربية الإسلامية ، التى تشكل العمود الفقري للكيانات القومية والوطنية ، وإرادة تفعيلها . وإلا فليس هناك عاصم لأي كيان من كياناتنا الوطنية الصغيرة من خطر التلاشي .إن الاستجابة النشطة المرتكزة إلى تدعيم النواة الذاتية وتفعيلها هي نقطة الانطلاق إلى الانفتاح على العالم، وهي أبرز ضمانات التحول إلى القدرة الفاعلة في الاشتراك في صنع المستقبل العالمي (30) .
إن الثقافة العربية الإسلامية بكل ما تحمله من فرص إثراء غير مسبوقة في التاريخ البشري، تمثل جهدا متماسكا متناسقا لقولبة الناشئة والشباب وتنميطهم كونيا من خلال توحيد
المرجعيات، والرموز، والأبطال، وتشكيل الأذواق ، وبناء الرؤى الشاملة للكون والإنسان والحياة .
إن تنقية الثقافة العربية الإسلامية ، وتفعيل إيجابياتها بصفة عامة ، وتفعيل مضامينها المستقبلية بصفة خاصة ، يجعلها من القوة والأهمية الحضارية ، بحيث تمثل رصيدا استراتيجيا ومعْبراً لنقلة حضارية هائلة إلى عالم القرن الجديد.
إن ذلك هو الضمانه الأكيدة للناشئة والشباب كي ينفتح على العالم من موقع القدرة على إدارة الاعتماد المتبادل بأفضل الشروط بالنسبة له .
لقد ازدادت اليوم أهمية الثقافة في نظر " المعولِمين (بكسر اللام ) ؛ فلم يعد الاستهداف الثقافي وسيلة إلى غاية، وإنما أصبح غاية في ذاته . " لقد ارتقت الثقافة من كونها وسيلة لتحقيق الغايات ، لتكون هي الغايات ذاتها .
وكان من الطبيعي أن تسعى القوي الرأسمالية التقليدية ـ وقد أدركت الاحتمالات الاقتصادية الهائلة للموارد الثقافية ـ إلى تحويل الثقافة إلى واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية التي تحكم موازين القوى عالميا، إن لم تكن أهمها على الإطلاق " (31).
إن الصراع الحضـاري الذي يجتهد أطرافه في تقديم تفسير للماضي ، وتأويل للحاضر ، وتشريع للمستقبل في ضوء رؤى معينة للكون والإنسان والحياة ، يستخدم الآن "الاختراق الثقافي"، الذي يستهدف الإرادة ويستهدف العقل والنفس ، كأسلوب للسيطرة على الإدراك ووسيلة لإعادة تشكيل الوعي أو تزييفه (32) لدى البلاد المعولَمة .
هناك إجماع لدى العلماء الموضوعيين أنه إذا كان على الدول العربية أن تقوم بإسهام أصيل في صناعة المستقبل العالمي، فإنه يجب على أنظمة التربية فيها أن تضع الأساس لتعبئة الموارد الثقافية العربية. ولا يمكن ضمان ذلك إلا من خلال السياسات القائمة على المشاركة، التي تؤكد الهوية الثقافية من خلال استخدام اللغة العربية في برامج التعليم والتدريب(33).
إن المنطق المقبول عالميا الآن هو أن التنمية الذاتية تحتم تشجيع الهوية الثقافية ،إذ لا يمكن أن تقوم تنمية ذاتية على أنماط ثقافية وأساليب حياة مستمدة من ثقافة خارجية. وبالتالي فإن التعليـم العالي العربي ينبغي أن يعمل على تشجيع الهوية الثقافية العربية الإسلامية. وهذه الهوية الثقافية سوف تساعد بدورها على نمو وتطوير السمات الثقافية العالمية بجزء عربي بحت.
إن التقصير في حسن تعلم أبنائنا للغة العربية ، واللجوء إلى التعلم بلغات أخرى على مستوى التعليم العام والعالي " يعطل مفاتيح الفكر إلى حد كبير ، ويضعف الرابطة العضوية بين أبناء الوطن العربي وبين حضارتهم العربية الإسلامية، ويعرّض مشاعر الارتباط القومي للوهـن ، ويغلق أمام أبناء الأمة العربية باب التفاعل الحي الأصيل مع العلوم والتقانة الأجنبية ، وكثيرا ما يوقع في تبعية ذميمة، وفي انسلاخ أبناء الأمة العربية عن جلدتهم، وتعرضهم بالتالي لشتى أنواع النهب التكنولوجي والاغتيال الثقافي ، والعدوان السياسي والعسكري.(34)
إن مستقبل العالم يحتاج منا إلى إسهامة ذات صبغه عربية إسلامية متفردة، وهو بالتأكيد سوف يصاب بكل ألوان الإحباط والفوضى إذا اسهم العرب فيه بمسوخ مشوهة للحضارات الأمريكية أو الغربية أو الشرقية.
إن ما سبق لا يمنعني من التأكيد على أن الطالب الجامعي الذي لا يعرف لغة عالمية أخرى ـ غير العربية ـ واحدة على الأقل سوف يكون معوقا بشدة في صناعة مستقبلة ومستقبل أمته.
إن الإنسان منذ خلق يعيش حياة ثلاثية الأبعاد: ماض يرمز إليه بالتراث، وحاضر يمثل معطيات الواقع، ومس