إن موضوع الخدمات الاستهلاكية عند هذه الفئة الاجتماعية يختلف تماما عن موضوع خدمات الاستهلاك عند الاشخاص الأسوياء ، ﻔﺈن القلة القليلة هي التي تنتبه إلى ما تحتاجه هذه الفئة ، وتعمل على تنوير الرأي العام حول هذه القضية. وفي إطار نشاطنا الجمعوي داخل الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك بمدينة القنيطرة ، واعتبارا لكوني شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ﻔﺈني أجد نفسي قريبا من هذا الموضوع ولأني أعيشه بكيفية أو بأخرى سأقدم معطيات هامة تفيد القارئ . أولا السؤال المطروح هل توجد فعلا خدمات للمستهلك موجهة إلى الاشخاص المعاقين ؟ أم أن الخدمات الاستهلاكية المتوفرة موجهة أصلا إلى عموم المواطنين لكنها تقصي في داخلها فئة اجتماعية عريضة وهي فئة المعاقين السؤال الثاني ما هي هذه الأنواع من الخدمات الأساسية التي يحرم منها المعاق في حياته اليومية ؟ السؤال الأخير ما هي الخطوات التي ينبغي على الدولة القيام بها لتوفير قدر يسد النقص في خدمات الاستهلاك ؟.
بداية يكون من السهل الإجابة بالنفي عن وجود خدمات استهلاكية مخصصة للأشخاص المعاقين ﻷن الجواب الموضوعي يتطلب بحثا ميدانيا ودراسة علمية معمقة لواقع حاجيات هذه الفئة. لكن هذا لا يمنع في ظل غياب مثل هذه الدراسات السوسيولوجية أن نكون كناشطين جمعويين الأقرب إلى الإجابة بالنفي ﻷن الشخص لا يحتاج أن يكون ملاحظا جيدا ؛ ليتبين له أن الخدمات الاستهلاكية هي ناقصة تماما للأشخاص المعاقين ولغير المعاقين ﻔحتى الاشخاص الأسوياء هم أيضا غير راضين تماما عن الخدمات الاستهلاكية المتوفرة لديهم ؛ فما بالك بالأشخاص المعاقين الذين يعانون من الإقصاء والتهميش في المجتمع المغربي ، ومن خلال تجربتي كشخص معاق يمكن أن أقدم شهادتي الصريحة في هذا الموضوع كوني في احتكاك دائم مع جمعيات الاشخاص المعاقين جسديا. نبدأ أولا بتحديد نوعية هذه الخدمات الاستهلاكية الأساسية التي بدونها لا يستطيع الشخص المعاق أن يحقق الاندماج الاجتماعي المنشود أول هذه الخدمات : هي الحق في النقل العمومي وهي معضلة يعاني منها جميع الاشخاص المعاقين جسديا إذ لا تتوفر الحافلات العمومية بالشكل الكافي والملائم لحاجيات الاشخاص ذو الإعاقات الجسدية والمرضية المزمنة إذ تختلف هنا درجة الاستقلالية بالنسبة للأشخاص الذين يستطيعون ركوب الحافلة دون مساعدة الآخرين، هذا دون أن نتكلم عن الإقصاء التام الذي يصيب الاشخاص المقعدين في الكراسي المتحركة والتي لا تسمح ظروفهم بركوب الحافلة مما يضطرهم إلى الاستعانة بأشخاص آخرين للتنقل في سيارة أجرة أو دفع الكرسي المتحرك لنقلهم ؛ والحالات التي أشاهدها عند امتطاء الحافلة كثيرة إذ لا يتوقف سائق الحافلة في المحطة كثيرا ، وحتى الاشخاص المعاقين الذين يتمكنون من ركوب الحافلة تصادفهم صعوبة في الركوب خاصة وان سلالم الحافلة غير مجهزة لركوب المعاقين، فهي إما تكون عالية جدا ؛ أو ملتوية؛ أو منخفضة لا يستطيع المعاق ركوبها ، نفس الأمر يمكن قوله بالنسبة لركوب القطار فهو خدمة عمومية لا توفر مقاعد خاصة أو سلالم منخفضة تساعد المعاقين على امتطائها. نتحول إلى مجال أخر من الخدمات وهي الأرصفة العمومية والمسالك إذ يظهر أن البنية التحية في المغرب تتعمد إقصاء المعاقين من المجال العمومي ، إذ قليلا ما نجد في إدارة من الإدارات العمومية مسلكا خاصا وﺇن وجد فهو لا يستجيب للمعايير الهندسية المعمول بها عالميا ؛ أما عن الأرصفة الخاصة فهي غير موجودة مطلقا فأصحاب الكراسي المتحركة يجدون صعوبة كبيرة دون مساعدة الآخرين في صعود الرصيف ، وفي ظل غياب تطبيق للقوانين المعمول بها هندسيا داخل المجال الحضري؛ سيبقى مشكل المسالك والأرصفة مطروحا خاصة وأن هذا الأمر صار مطبقا في المدن الاروبية الكبيرة بحكم القانون وضغط الجمعيات منذ فترة طويلة. وحتى لا تفوت هذه المناسبة تطالب الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك بتوفير هذه الخدمات الاستهلاكية العامة لهؤلاء الاشخاص بغية إدماجهم في المجتمع على الشكل الأمثل.
أما الحديث عن خدمات التدريس والصحة عند الاشخاص المعاقين فهو لا يختلف كثيرا عن واقع التهميش الذي يصيب فئات عريضة من المجتمع لكون هذه الفئة هي خارجة عن دائرة اهتمام الدولة في ظل انشغالها بقضايا اكبر؛ يبقى اللجوء إلى التكافل الأسري الذي يعوض كثيرا واقع الخدمات العمومية الضعيف إذ لا يتوفر لهؤلاء الاشخاص أي تغطية صحية مجانية في المستشفيات، خاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة؛ واقتناء أدوية دائمة؛ أو ترويض طبي دائم وهو خدمة استهلاكية ينبغي أن تكون مجانية للمعاقين. أما عن خدمة التدريس فالقلة المحظوظة من المعاقين جسديا يتمكنون من استكمال دراستهم الأساسية أو يصلون إلى التعليم الجامعي ، بالنسبة للأصناف الأخرى من الإعاقات فهي لا تستفيد من التعليم المجاني في ظل غياب أقسام تعليمية مدمجة في المدارس ؛ واطر تربوية مختصة يجعل من الصعب تقبل هؤلاء الاشخاص في المدارس العادية وهو ما يضيع فرصة كبيرة لتحقيق اندماجهم أو وسيلة لإخراجهم من التهميش الذي يعانونه .
هناك خدمة استهلاكية أخرى يجد المعاق صعوبة في تحقيقها ، وهي أساسية لتحقيق استقلاله المادي والاقتصادي عن أسرته وتكوين مستقبله هي التشغيل ففي أحيان كثيرة يغلق الباب في وجه توظيف المعاقين سواء العمومي أو الخاص وهو راجع لنزعة الإقصاء الذي تلاحق هذه الفئة ، فحتى إن توفرت الكفاءة في هؤلاء الاشخاص يتم اعتبارهم غير قادرين على العمل ومكانهم الطبيعي البقاء في المنزل .
يبقى الجواب عن ماذا ينبغي للدولة عمله لسد فجوة الخصاص الذي تعانيه هذه الفئة الاجتماعية في مجالات الخدمة الاستهلاكية سواء العمومية أو الخاصة فقيرة وتحتاج إلى مراجعة شاملة . و لا تتحقق المساواة التامة بين فئات المجتمع إلا إذا تم إدماج المعاقين في قلب اهتمامات الدولة؛ ومساعدتهم للوصول إلى خدمات الاستهلاك الأساسية، والاستهلاك الذي نعنيه في هذا المقال لا يعني فقط الاستهلاك التقليدي للطعام والشراب والترفيه. ولكنه يتجاوزه إلى معناه الواسع في تحقيق خدمات استهلاكية أساسية. وﻷن التعليم والنقل والصحة والسكن والشغل كلها مجالات للاستهلاك تدخل ضمن تحريك عجلة الاقتصاد والمجتمع ينبغي توفيرها لكافة فئات المجتمع دون إقصاء أو تهميش.
ونتمنى أن نكون في هذا المقال قد نجحنا كجمعية مغربية لحماية وتوجيه المستهلك إلى فتح نافذة نستطيع من خلالها تحسيس المجتمع بوجود هذه الفئة الاجتماعية بين مكوناته وعن واقع النقص الذي يصيب الخدمات الاستهلاكية لديها .
:bounce: