***///***حركة الدفاع عن المستهلك , بين البدايات والافاق***///***

يظهر ان ثقافة المستهلك ثقافة مستوردة وليست بثقافة عربية متجذرة بالرغم ان التاريخ العربي والاسلامي حافل بالانجازات التي تخلد لمحاربة الغش , وتطبيق نظام الحسبة ومراقبة السلع الواردة والقضاء على ممارسة الاحتكار لبعض السلع جعل من هذه الانظمة ان تكون المتطورة في زمانها وبقيا الانسان منذ ذلك العهد يطورفي اليات مراقبة جودة السلع الى حدود الستينات من القرن 20 مع ازدهار ثقافة المستهلك في الولايات المتحدة الامريكية وما واكبها من تطور في حركة الاستهلاك عند الامريكيين . مدعومة بقروض الاستهلاك التي منحتها البنوك للمواطنين, بغية تشجيع الاستهلاك الذي رافق الازدهار الاقتصادي الامريكي في الستينات , حيث ارتفعت المشتريات من السيارات , واجهزة التلفاز الملون , والاجهزة المنزلية , واقتناء الشقق الفخمة على جوانب الشاطئ , واستمتاع بالسفرجعل هذه الحركة في الاستهلاك , يواكبها ظهور في الحركات الاجتماعية المدافعة عن حقوق المستهلك . وهو ما جعل هذه الحركات تنتقل من مجموعات متفرقة الى تكثل في الحركات الاجتماعية المدافعة عن المستهلك في وجه الاطماع والجشع الذي يوجه الشركات وتضع بذلك حقوق المستهلك في قلب الاهتمامات لهذه الشركات , واتخذت هذه الحركات الاجتماعية وجهة تصعيدية وقوة ضاغطة حين دخلت في تحالف عالمي كبير للمجتمع المدني العالمي في وجه المصالح الاقتصادية الكبرى للشركات المتعددة الجنسية في زمن العولمة الاقتصادية وهو ماعرف عنه باسم المنتدى الدولي العالمي حول العولمة والذي ضم الى جانب نقابات العمال , والمزارعين , ومنظمات المرﺃة , والمنظمات الشبابية , والداعين الى اصلاح السجون , وعلماء البيئة , ومحاربة الايدز , والمنظمات الاعلامية , حركة المدافعين عن المستهلك وكيف استفادت هذه الاخيرة من قوة التحالف العالمي المضاد للعولمة, وكان اول تحرك ضاغط في هذا الاتجاه في قمة الارض لعام 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل .
وكيف خرجت منتصرة وموحدة في مواجهة الاقصاء الذي حاولته القوى السياسية , حينها انبثق اول ميلاد لفكرة المجتمع المدني العالمي ويفسر الكثير من المتتبعين لقوة حركة المدافعين عن المستهلك اليوم في امريكا وكندا وغرب اروبا خصوصا الى تصاعد قوة التغيير التي يحملها المجتمع المدني العالمي على عاتقه , مدعوما بقوة الاتصالات في ثورة المعلوميات التي عملت بواسطتها هذه الحركات الاجتماعية على حشد اﻵلاف بل عشرات اﻵلاف من المشاركين والمتعاطفين من حول العالم , وحملات جمع التبرع الذي وفر امكانية التحرك بعيدا , وبذلك اظهرت هذه القوى الصاعدة قوتها في استعمال الويب وشبكة الانترنت التي سهلت التحرك .
ولقد اكتسبت هذه التنظيمات الاجتماعية التعاطف والمصداقية , حين تبنت قضايا الدفاع عن حقوق الفقراء والمحرومين في مناطق تعرف النزعات والحروب والفقر وقلة التنمية, مثلما توجد عليه بلدان كثيرة في افرقيا . اذ لا يرجع الامر دائما الى قلة الموارد فقط , بل في استشراء الفساد السياسي والمالي وهو ما يتعارض ضمنا مع السياسات المعولمة التي تريد ان يبقى هذا الوضع قائما , ولعل ابرز مثال لهذا التحرك الجديد لحركة المدافعين عن المستهلك ليس في الولايات المتحدة الامريكية فقط بل في العالم اجمع . حين تحركت في قضية سميت باسم " قضية نستله " التي كشفت عن تورط اهم شركة لانتاج حليب تغذية الرضع في العالم تكمن تفاصيلها كالتلي : ارادت هذه الشركة العالمية ان توسع من مبادراتها التسويقية , في بلدان الجنوب تحديدا افرقيا حيث عينت ممرضات كمنذوبات لمبيعاتها وقامت بتدريبهن , كلفت لهذا الامر المعهد الامريكي لتغذية الرضع يدربهن للمساعدة في المستشفيات بينما يعطين عينات من هذا الحليب المصنع للرضع , فبدﺃت المبيعات تزدهر لكن الامر سرعان ما تغير حين بدل المعهد الامريكي رﺃيه وبدﺃ باتهام الشركة في موت الاطفال , وفقا لسيناريو مثير للخيال الشعبي , وفقا لهذا المعهد ﻔﺈن الممارسة التسويقية لشركة حليب الرضع المتمثلة في الملصقات التي تصور اطفالا سمانا سعداء جالسين بجانب علب الحليب الصناعي , واغراءات ممرضات فن الامومة اغرت الامهات الجدد بترك الممارسة التقليدية ﻹرضاع اطفالهن طبيعيا , ليخترن بدلا منها طريقة عصرية وهو الحليب الصناعي وبطبيعة الحال فرضاعة الحليب الصناعي تولد عنه ان جف حليب اثدائهن ولكون هذه المجتمعات فقيرة لم يستطعن تحمل ثمن الحليب الصناعي , لذا حاولن تخفيفه بالماء وﻷن المياه ملوثة ولافتقارهذه النسوة للوعي الكافي لتغلية الماء من اجل تعقيمه , اصيب الرضع بالاسهال وسوء التغذية الناتج عن حليب الصناعي المخفف , نتج عنه وفاة الاطفال الجدد بما اطلق عليه مرض قنينة الرضاعة في الدول النامية , وارتفعت بذلك وفيات الاطفال بهذه الدول ووضعت شركة نسلته امام فضيحة ورفعت شعارات تقول نستله تقتل الاطفال حيث كان الغضب شديدا ضدا هذه الشركات فرفعت جمعيات حماية المستهلك ومنظمات حقوق الطفل مقاطعة منتجات حليب نستله , ونظمت خلالها عروضا ابرزت فيها توابيت اطفال وقنينات الرضاعة العملاقة المرسوم عليها جمجمة وعظمتان متقاطعتان . وكان ضغط قويا على الامم المتحدة وحكومات غربية ان تتحرك في اتجاه فتح تحقيق لما جرى بالضبط واستطاعت حركة المدافعين عن المستهلك ان تحرز هدفا في مرمى الشركات والحكومات المساندة لها .
وﻹن القوة صارت اليوم بيد الناس , الذي تمثله منظمات المجتمع المدني والمرتبطين معا بوسائل الاتصال تجعل النشرات الترويحية المصقولة التي تصدرها الشركات الكبرى تبدو سخيفة تماما .
واثار هذا الزخم الكبير للجمعيات حماية المستهلك في العالم , ان اصبح هذا المواطن على وعي تام ان الافراط في الاستهلاك لا يخدم بالضرورة عامل الاستدامة , اذ صار يلخص شعارمفاده ان نمط الحياة المقتصدة , التي لا تلحق اي اذى باي انسان , يجب ان يحل محل هذا النمط من الاستهلاك غير المحدود . عبر تقليل الاستهلاك الى المستوى الضروري للعيش بشكل مقتصد .
واذا لحظنا ان البلدان الغربية قد قطعت اشوطا كبيرة في مجال حركة الدفاع عن المستهلك يبقى الدور الان على البلدان العربية الاسلامية التي تخطوا اولى خطواتها البطيئة في اتجاه نشر ثقافة المستهلك في المجتمع ﺗﺄسيس اولى الجمعيات المهتمة بحماية المستهلك العربي ويعد المغرب البلد العربي الاول الذي ظهرت فيه جمعية حماية المستهلك ويتعلق الامر في الجمعية التي انشط بها الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك سنة 1998 التي يعود لها الفضل في ﺗﺄسيس الاتحاد العربي لحماية المستهلك ولكون اهداف الجمعية غريبة عن المجتمع الذي تنشط فيه لازالت العقلية تقليدية في توجه المواطن الى الجمعية لرفع شكاية ضد محل تجاري او شركة الحقت به ضررا في منتوجها .
يمكن ان نعمم تجربة المغرب في مجال المستهلك في البلدان العربية التي لم تدخلها بعد الجمعيات حماية المستهلك ويتمثل ذلك في نشر القانون الاساسي للجمعية والاهداف الاساسية التي تعمل على تحقيقها وعلى الفروع التي استطاعت الجمعية فتحها في جميع جهات المملكة الشريفة . اضافة على ﺗﺄسيس شباك المستهلك الذي تلقت فيه الجمعية تدريبا من الاتحاد الاروبي , ويمكن ان نفيد به اخواننا العرب اذ يعمل هذا الشباك على تلقي الشكايات من المواطنين من كافة المملكة المغربية , والعمل على معالجة الشكاية عبر الوساطة , وممارسة الضغط على الطرف المشتكى بها للتوصل الى حل يرضي المستهلك واذا رفضت الجهة المشتكى بها الانصياع, نقوم بالترفع مع المشتكي كطرف مدني في المحكمة , ونضغط في وسائل الاعلام المختلفة لنزع حل يدافع عن المستهلك .
[justify]