دور المدونات النسوية في الدعوة للمشاركة في الثورات العربية
شهدت المنطقة العربية منذ مطلع عام 2011 العديد من الثورات والمظاهرات الاحتجاجية ضد أنظمة الحكم القائمة مما أحدث تغيير في الخريطة السياسية في مصر وتونس، ولا زالت انعكاساته في بقية الدول العربية الأخرى، ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر والمدونات وغيرها دوراً كبيراً في هذا الانجاز على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والفكرية، وبهذا أصبحت المواقع الاجتماعية تنافس وسائل الإعلام الأخرى .
يقول مارك لينش في دراسته “تدوين الشعب العربي الجديد” أنه منذ سنوات قليلة كانت المدونات العربية تستخدم كموضة، ويرى بأن هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن المدونات لن ترقى لمستوى متعاطيها، في وقت يظل التدوين نشاطاً لنخبة ضئيلة حيث أن قلة قليلة من الشرذمة القليلة جداً بطبيعتها التي تستخدم الانترنت في المجتمع العربي هي التي تكتب أو تقرأ المدونات، وتصل المدونات إلى قلة فقط من جمهور قناة الجزيرة أو حتى جمهور الصحف الحكومية المملة، حيثما يكون المدونون ذوو تأثير سياسي كما هو الحال في مصر والبحرين يكون في مقدور النظم القمعية أن تتخذ ضدهم إجراءات صارمة. ومن ذلك المنظور لا يبدو أن التدوين سيسبب تغييراً سياسياً كبيراً في الشرق الأوسط .(لينش:2007، 1)
لكن ما أظهرته ثورات الربيع العربي التي كانت انطلاقتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها المدونات أثبتت عكس ذلك حيث كان التدوين سبباً في إحداث تغييرات سياسية كبيرة بالشرق الأوسط، وبينت المدونات أنها عوامل حفازة للتعبئة السياسية وكان للمدونين تأثيراً واضحاً على نطاق واسع في الدول العربية بما في ذلك ” دور حركة كفاية بمصر، والاحتجاجات السياسية بالبحرين، ومرحلة ما بعد الحريري في لبنان، والحملات المناهضة للفساد في ليبيا، والانتخابات الكويتية لعام 2006 “.(لينش،2007: 1)
أدى ظهور المدونات في نهاية القرن الماضي، إلى توسع أدوات الاتصال الاجتماعي لتصبح أداة للإعلام والشرح والتعليق على الوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية وفي نشر المعلومات والأفكار إلى الغير وتبادلها. وكانت الحرب على العراق بداية للتوسع وانتشار مواقع التدوين حيث ساهمت بنشر أخبار الحروب والمعارك والآراء المعارضة لفكرة الحرب وتأثيراتها بجانب الآراء السياسية والاجتماعية الأخرى، “الاهتمام بالمدونات أدى لأن يصل عددها إلى أكثر من مئة مليون مدونة أواخر عام 2009″(فطافطة:2011، 23 ).
المدونات كان لها الاهتمام الأكبر لأن العديد من القضايا في دول العالم بدأ الكشف عنها والتحقيق فيها بتأثير ما كان ينشر في هذه المدونات التي جعلت من المواطن إعلامياً ينشر ما يريد ويبدي رأيه دون أن يمنعه رقيب أو يخمد صوته صائدي الحريات ومضطهدي الرأي والتعبير.
عام 2011 لم يكن فقط عام الربيع العربي وإنما ربيع المرأة، ففي ضوئه برزت أسماء نسائية كانت مغمورة في السابق نتيجة للقمع وانعدام حريات الإعلام، ازدادت شهرة بعضهن من اللواتي ناضلن طيلة السنوات الماضية فمن خلال فضاء الانترنت ” المدونات ” استطعن التعبير عن آرائهن وما تحويه نفوسهن دون أن يكون هناك من يراقب حديثهن، وهدفهن من وراء ذلك الحصول على مكانة تليق بهن .
ومن تلك الأسماء التي مدت الثورة بالطاقة من خلال وقود مدونتها، المدونة التونسية لينا بن مهني “صوت الثورة الشجاع” اشتهرت بانتقادها الصريح للنظام التونسي، فكانت من أكثر الأصوات صخباً وراء الثورة التونسية، ففضحت من خلال مدونتها ممارسات النظام المخلوع وسجلت أحداث سيدي بو زيد، وقد توجت مدونتها بجائزة ” أفضل مدونة لدوتشيه فيليه ” ” بنية تونسية ” .
أسماء محفوظ هي إحدى الفتيات اللواتي أشعلن فتيل ثورة 25 يناير في مصر بإعلانها على اليوتيوب من خلال فيديو خاص أنها ستتوجه صوب ميدان التحرير من أجل كرامتها كمصرية لمحاربة الغلاء، واستنهضت من خلال مدونتها ” Wolf inside ” عزم الشباب لتفجر ثورة ضد الظلم، فكان صوتها وصوت أخريات غيرها يصدوا في قلب الثورة العربية.
النساء الثوريات ومدوناتهن ركبن القطار السريع للتغيير ولن يقبلن النزول منه ليخضن المعركة جنباً إلى جنب مع الرجل من أجل إسقاط الأنظمة القائمة، وبهذا تنجح المدونات النسائية في إدماج المرأة في فضائات علائقية ( الجماعات الافتراضية ) لا تخضع فيها لمعايير التمييز والتفرقة لتحتل المدونات النسائية مكانة غير هامشية عن سابقتها في المجتمعات، ولتحصل على مراتب أولى في المسابقات العالمية مثل فوز مدونة لينا بن مهني بجائزة أفضل مدونة، وفوز توكل كرمان بجائزة نوبل لسلام، وتفرض نفسها على أرض الواقع لتصل إلى كم هائل من القراء خصوصاً في فترة التظاهرات العربية، فتصبح ملتقى الحوار وأداة للتغيير وخلق جسور سريعة بين مختلف الفئات، ولتكون الوسيلة الفعالة لتحقق ديمقراطية من خلال الحراك السياسي والاجتماعي اللذين أحدثتهما داخل المجتمع .
” أما بخصوص عدد المدونات فقد بلغ عددها حتى منتصف عام 2009، 100 مليون مدونة تعتبر 600,000 منها حرية الرأي والتعبير من أهم قضاياها، ومن الناحية العددية تأتي مصر في المرتبة الأولى في عملية التدوين حيث تحوز على ثلث المدونات العربية تليها الكويت والمغرب على التوالي، ويعتبر المدونين المصريين من أكثر المدونين العرب تحدياً للنظام السياسي وعمليات القمع من خلال مدوناتهم، أما عن نسبة المدونات الإناث تشكل 34% من مجتمع المدونين في العالم العربي وأعلى نسبة إناث في مجتمع المدونين بالنسبة لعدد الذكور المدونون، موجودة في مصر وتبلغ 47% وتليها السعودية بنسبة 46% ” . (عبد الحميد: 2008، 26)
وبناءً على ذلك ستتناول الدراسة البحث عن دور المدونات النسائية في الدعوة للمشاركة في الثورات العربية، وستعتمد الدراسة على تحليل مضمون مدونة ليبيا المستقل ومدونة جبهة التهبيس الشعبية وبروليتاريا الاشياء الصغيرة ومدونة Wolf inside، لإبراز دورها بما يسمى بربيع الثورات العربية وكيفية مساهمتها بكسر هيمنة السلطة السياسية التقليدية، هذا ما تحاول الدراسة الكشف عنه.
أهمية الدراسة :-
تنبع أهمية الدراسة كونها من الدراسات القليلة التي تهتم بتعريف الفرد بدور المدونات النسائية في الثورات العربية، كما أنها تظهر تفاعل شباب الثورة والجماهير العربية مع المدونات ومشاركتهم بالتعليق عليها، بالإضافة إلى الكشف عن طبيعة الدور الذي لعبته المرأة في الربيع العربي وفي كسر “التابو”واحتكار هيمنة الرجل على المجال السياسي. موضوعاً كهذا يجب دراسته لأنه يوضح صورة المرأة في المجتمع وقدرتها على المشاركة في المجال السياسي ويثبت فعاليتها بهذا المجال . إن نوعية القضايا التي تناولتها المدونات خلقت وعياً لدى المواطن بأهمية الثورة في التغيير للخروج من الوضع القائم، ومن جهة أخرى تكمن أهمية الدراسة من نقص المصادر المتعلقة بالموضوع.
أهداف الدراسة :-
تهدف الدراسة إلى الكشف عن دور المدونات النسوية في الربيع العربي، وتبيان نوعية القضايا التي ركزت عليها المدونات إبان الثورة، ومدى مساهمتها في التحريض على الثورة ضد الأنظمة القائمة.
دور المدونات في الكشف عن وقائع الثورة، ورصد القمع الذي قامت به الأجهزة الأمنية .
دور المدونات في إرساء اللبنة الأساسية للديمقراطية في بلادهن .
إظهار صورة المرأة العربية كشريكة رئيسية في مشهد الثورة، ومطالبة الجماهير بالتغيير والسعي في صناعة وصياغة مستقبل أفضل .
الإطار النظري :-
تعتمد الدراسة من حيث مرجعيتها النظرية على نظرية دوامة الصمت، “طورتها الباحثة الألمانية ” إليزبيث نويل- نيومان ” عام 1974 وتعد هذه النظرية واحدة من النظريات التي تؤكد على قوة وسائل الإعلام في تكوين الرأي العام، حيث تتبنى هذه الوسائل آراء واتجاهات معينة خلال فترة من الزمن، ويدعمها معظم الأفراد وبالتاي يتكون الرأي العام بما يتسق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام “. ( فطافطة:2011 ،23 )
وقد نادت إليزبيث نيومان بالعودة إلى قوة وسائل الإعلام ورأت أن لوسائل الإعلام تأثيرات قوية على الرأي العام ثم التقليل من شأنها في الماضي سبب قيود منهجية في الدراسات الإعلامية.
وعرفت النظرية بأنها “من النظريات التي حللت دور وسائل الاتصال في التأثير على الرأي العام على المدى الطويل وخاصة الحملات السياسية والانتخابية، وجاءت فرضية النظرية من خلال أن أغلبية الأفراد يخافون أن يلفظوا وأن يصبحوا غير شعبيين، يحاولون تمثيل آراء الآخرين وإتباع رأي الأغلبية الذي عادةً ما يكون متسقاً مع الأفكار التي تدعمها وسائل الاتصال من منطلق أن وسائل الاتصال لها دور كبير في تشكيل الرأي العام لأنها تعتبر المرجعية . “.( المشاقبة، 2011، 185)
” لاحظ بعض الباحثين أن وسائل الاتصال الجماهيرية تدعم أحياناً إحدى القضايا أو الشخصيات، ويؤدي ذلك إلى تأييد معظم الأفراد للاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام بحثاً عن التوافق الاجتماعي، أما الأفراد المعارضين لهذه فإنهم يتخذون موقف الصمت تجنباً لاضطهاد الجماعة وخوفاً من العزلة الاجتماعية، وبالتالي ” إذا كانوا يؤمنون بآراء مخالفة لما تعرضه وسائل الإعلام، فإنهم يحجبون آرائهم الشخصية ويكونوا أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين “( عبد الحميد: 2009، 265)
متغيرات أساسية تساهم في تأثير وسائل الإعلام :-
1- التأثير التراكمي من خلال التكرار: إذ تميل وسائل الإعلام إلى تقديم رسائل متشابهة ومتكررة حول موضوعات معينة، ويؤدي هذا العرض التراكمي إلى تأثيرات على المتلقين على المدى البعيد .
2-الشمولية : يسيطر وسائل الإعلام على الإنسان ويهين على بيئة المعلومات المتاحة له مما ينتج عنه تأثيرات شاملة على الفرد يصعب الهروب من رسائلها .
3- التجانس : الاتفاق والانسجام بين التأمين والمؤسسات التي ينتمون إليها مما يؤدي إلى تشابه القيم الإعلامية التي تحكمهم .
هذه العوامل تعمل على تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون له رأياً مستقلاً حول القضايا المثارة وبالتاي تزداد فرصة وسائل الإعلام في تكوين الأفكار والاتجاهات المؤثرة في الرأي العام، تقترح نيومان لاكتشاف قوة وسائل الإعلام استخدام مجموعة من مناهج الأبحاث تجمع بين المقاييس الميدانية والمسيحية للجمهور والقائمين بالاتصال، فضلاً عن استخدام أسلوب تحليل المحتوى، ويمكن استخدام هذه الأساليب البحثية على فترات ممتدة للكشف عن التأثير التراكمي لوسائل الإعلام.
فكرة نظرية دوامة الصمت عند إليهو كاتز :-
كل الأفراد لهم آراء ولكن الخوف من العزلة الاجتماعية هو الذي يجعل الأفراد لا يعلنون عن آرائهم إذا ما أدركوا أن هذه الآراء تحظى بتأييد الآخرين إذ يقوم كل فرد بعمل استطلاعات سريعة لمعرفة مدى التأييد أو المعارضة لرأي الذي يتبناه، تعد وسائل الإعلام من المصادر الرئيسية لنشر المعلومات وعرض الآراء ونقل مناخ التأييد أو المعارضة، وتميل وسائل الإعلام لأن تتحدث بصوت واحد غالباً ما يكون محتكراً كما يميل إلى التحيز في عرض الآراء مما يؤدي إلى تشويه الرأي العام، وبالتالي يدرك بعض الأفراد أو الجماعات أنهم مختلفين وغير مسايرين لرأي الأغلبية.
يصنف بعض الباحثين نظرية دوامة الصمت في إطار واحد مع مدخل وضع الأولويات ( مدخل وضع الأجندة ) نظراً لاهتمامه بالتأثير الجمعي لوسائل الإعلام وكيفية تشكيل رأي عام تجاه بعض القضايا ولكن بطريقة عكسية على اعتبار أن وسائل الإعلام تعمل على تحريك الوعي نحو مختلف القضايا إلا أنها وفي نفس الوقت تضغط على الأفراد لإخفاء آرائهم والتي قد تختلف عن رأي الأغلبية خوفاً على أنفسهم من الانعزال عن المجتمع لذا يلتزمون الصمت .
ومن الانتقادات التي وجهت للنظرية :-
1- وسائل الإعلام لا تعبر بالضرورة عن رأي الأغلبية، بل تعكس أحياناً رأي الأغلبية المزيفة التي تروج لها ( قلة صدقها الإمبريقي ).
2- التشكيك في صحة افتراضي اتساق وتكرار المضامين الاتصالية والإعلامية للوسائل وفي حساسية هذه الأخيرة بمعزل عن المؤثرات الأخرى، وفي كونها تعبر دائماً عن رأي الأغلبية الحقيقية لأنها تعكس رأي الأغلبية المزيفة التي تروج لها . ( المشاقبة: 2011، 186).
أقرت ” إليزبيث نيومان بعض الانتقادات وأشارت إلى أن هذه النظرية ما زالت بحاجة إلى التحقق من صحتها من خلال إجراء المزيد من البحوث في بيئات مختلفة ” .(عبد الحميد: 2008، 263)
الإعلام البديل ويضمنه المدونات أدى إلى تحدي الصمت في إشارة إلى سقوط إحدى نظريات التأثير التي تم صياغتها وطرح فروضها في سبعينيات القرن الماضي تحت عنوان تدعيم الصمت أو دوامة الصمت، وهناك نظريات عديدة لتأثير وسائل الإعلام في طريقها إلى أن تفقد صلاحيتها جراء بزوغ وسائط الإعلام الجديد الذي هيمن أو أثر سلباً على العديد من وسائل الإعلام التقليدية
إذاً المدونات تستفز الصمت وتتناول قضايا يغفل عنها الإعلام المؤسساتي لإنشعاله بقضايا أكبر، من هنا نجد أن المدونون يكتبون عن قضايا تخص أحياءهم ومدنهم ولا تغطى في وسائل الإعلام .
النظرية السايبرية في مجتمع الإنترنت :-
يعرف الفضاء السايبري Cyberspace بأنه ” مجال رقمي إلكتروني، يوجد داخل مسافات متشابكة من خطوط وقنوات الاتصالات المعدنية والضوئية والهوائية في شبكة الشبكات ” الانترنت”، ويشار إليه تكنولوجياً بأنه طريق المعلومات فائق السرعة، متمدد، ومتسع، لمساحات هائلة من الانطلاق الحركي المتواصل في آليات تفاعلية للعقول الإنسانية والحاسوبية بأنواعها “.( رحومة: 2008، 123)
” وفي هذا الفضاء يتشكل مجتمع الانترنت بمختلف مكوناته حيث يجد حيويته المطلقة في الفضاء السايري، وفيه يحدث تفاعل بشري وآلي – يتواصل الإنسان والآلة معاً الإنسان – الحاسوب – الانترنت ( إنسوب الانترنت)، في شتى الميادين والمجالات المتاحة للإنسان أن يتفاعل في نظمها ومؤسساتها الاجتماعية الطبيعية، وقد أصبح يتمظهر فيها بشكلها الرقمي الإلكتروني في مجتمع الإنترنت. مثل أنظمة التعليم، والبحث العلمي، والتجارة والتسويق، والاستثمار، والإعلام والصحافة، والاتصال، بأنواعها. مشكلة بذلك أنواعاً مختلفة من المجتمعات الافتراضية التي يمكن أن يتعامل بعضها مع بعض بعلاقات متداخلة في ما بينها” .)صديقي: 2010، 10)
” بلور دانيال بيل شيئاً من المفهوم السايبري مصاحباً لعبارته “من الأمكنة إلى الشبكة، بمعنى تلاشي الأمكنة عبر الأزمنة ( الاتصال الشبكي السريع الذي يكاد يلغى فيه المكان تماماً )”.”وترجع الكلمة سايبر Cyber، في أصلها إلى علم السبرانية Cybernetics ، وتطلق السبرانية اسماً لعلم الاتصالات والمعلومات والتحكم. أما الكلمة نفسها ( السايبري )التي صاغها الروائي ويليام جبسون، فقد وضعها حين بحث عن اسم ما لوصف رؤيته لشبكة حاسوب كونية، تصل كل الناس والآلات، ومصادر المعلومات في العالم، والتي من خلالها يمكن للمرء أن يتحرك كأنه يبحر في فضاء افتراضي “.( رحومة: 2008، 124 )
ترتكز النظرية السايبرية على وجود الفضاء الافتراضي كحقيقة لها أبعادها المختلفة في شبكة الشبكات الإنترنت. إن فضاء السايبر هو مكان يتشكل أو يتكون بشكل ما بين أطراف قنوات الوصل والاتصال. ويفرض فضاء السايبر، بطبيعته الإلكترونية الرقمية، نموذجاً نسيج وحده من “المكانية” والحركة الآنية، إن “الآنية” الاتصالية تتحقق بفعل فضاء السايبر، وكأن الاتصال يتطابق تماماً مع آنية التفكير في عقل الإنسان، وبالتالي نحن عبر الإنترنت نعيش في عقل يكاد يكون موحداً بآنيته البشرية والآلية الرقمية. إنه العقل البشري والعقل الآلي برابطة “الآن” زماناً ومكاناً .(صديقي: 2010، 13)
” وهناك منظورات محددة للفضاء السايبري تشكله بصورة ما. أولاً هو فضاء له امتداد، افتراضياً، لا محدود. ويحتوي كميات ضخمة من البيانات الإلكترونية، لا يمكن لمسها أو القبض عليها، فهي كل يتحرك في كل الاتجاهات في زمن يكاد يكون ساكناً، زمن ضوئي. وثانياً، يشير الفضاء إلى فكرة الحركة الحرة وإمكان زيادة أمكنة وفضاءات موقعية معينة (نقاط وعقد الحواسيب). وثالثاُ، لهذا الفضاء معنى وشكل هندسي، جغرافياً رقمية على الرغم من أنها تكاد تكون معدومة المكان والزمان كأن لها مسافة، واتجاهاً، وبعداً “.( المرجع السابق)
أهم المواصفات الجوهرية للفضاء السايبري الإلكتروني:-
1- فضاء رقمي يعتمد على الأرقام الثنائية ( بيتات )، بمواصفاتها الدقيقة في الحجم والسرعة .
2- انعدام المكان، الحاوي مختلف الأبعاد، وفي كل الاتجاهات الممكنة.
3- انعدام الزمان- سرعة الضوء .
4- يمتد، افتراضاً، بين خطوط شبكات الحواسيب السلكية واللاسلكية .
5- يصل بين عقد الحواسيب، والمواقع، والنقاط الشبكية المتنوعة.
6- يصهر في باطنه كميات هائلة جداً من البيانات والمعلومات والمعارف البشرية والآلية المتنوعة .
7- مسرح للتمظهر والتمثل الإنساني الآلي .
8- من خلاله يمكن لمختلف الظواهر المجتمعية البشرية، أن تتمثل وتجد لها شبيهاً رقمياً. مثلاً الظاهرة التجارية .
9- يتميز بلغة النص التشعبي، وإتاحة إمكان القراءة والكتابة في كل الاتجاهات، وتتبع المعلومات ومصادرها وفقاً لذلك. (رحومة: 2008، 125)
مشكلة الدراسة :-
تهتم الدراسة بالإجابة عن جملة من التساؤلات وهي :_
كيف ساهمت المدونات النسائية في دعم التحركات الشعبية فيما بات يعرف بظاهرة الربيع العربي؟
إلى أي حد ساهمت المدونات النسائية في كسر هيمنة السلطة السياسية التقليدية؟
ما هي طبيعة مشاركة المرأة في الثورات العربية؟
ما هي نوعية القضايا التي تثيرها المدونات النسوية؟
ما هي المواضيع الأكثر جذباً للتعليقات؟
فرضية الدراسة :-
في المجتمع التدويني برزت ناشطات ومناضلات عربيات على الإنترنت أمثال المدونة السورية طل الملوحي، والمدونة المصرية أسماء محفوظ، اللواتي دعون للثورة مسجلات اندفاعا ًكبيراً يفوق حماسة الرجال، مما بين الصورة الحقيقية للنساء العربيات. استطاعت عشرات الآلاف من النساء العربيات من ( تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى اليمن إلى سوريا ) أن يكن القوة الدافعة للثورة العربية الكبرى ويصغن عهداً وعصراً جديداً، لا تسير فيه النساء في خلفية المشهد الثوري بل تتصدر منابرها .
اخترقت المدونات الحواجز التي فرضتها وسائل الإعلام المرتبطة بأجندات معينة، فأصبح الخبر بمتناول الجميع ليتفاعل معه كل كما يشاء، وبالتالي منح التدوين القدرة لأي مواطن أن يكون إعلامياً. بالمقابل فقدت وسائل الإعلام الأخرى مصداقيتها، وكسبت المدونات الرهان ونجحت في إقناع الجماهير وكسب ثقتهم .أما عن نوعية القضايا التي تثيرها المدونات النسوية فهي قضايا سياسية واجتماعية وأدبية وذاتية. وكانت القضايا السياسية الأكثر جذباً للتعليقات .
” العلاقة جدلية ما بين تحرر المرأة وتحرر المجتمع ” لا ثورة بدون تحرر المرأة ولن تتحرر المرأة بدون تحرر المجتمع، وتقاس حضارة الأمم بمدى مشاركة المرأة فيها .
المنهجية :-
تتبنى الدراسة المنهج الكيفي والذي يعرف على أنه “منهجية في البحث في العلوم تركز على وصف الظواهر والفهم والأعمق لها، ويختلف عن البحث الكمي الذي يركز عادة على التجريب وعلى الكشف عن السبب أو النتيجة بالاعتماد على المعطيات العددية. وتنحو الدراسة باتجاه تحليل مضمون كيفية مساهمة المدونات في الدعوة للمشاركة في الثورات العربية وستعتمد الدراسة على تحليل مضمون المدونات النسوية خلال الفترة الواقعة 1/2 – 15/4/2012 ما بين وسيتم التركيز على حجم ظاهرة التدوين ونوعية التدوين إن كان سياسي أو اجتماعي أو حقوقي أو إعلامي وجماهيريته (عدد التعليقات وعدد الزوار) وطبيعة اللغة ونظرتها لما بعد الثورة.((Strauss,A&Corbini.j.1990
حدود الدراسة :-
يختلف توقيت رصد كل مدونة بالنظر إلى اختلاف توقيت ذروة الثورات العربية من هنا سيتم تحديد ورصد كل مدونة في الموقع المخصص لذلك عند التحليل.
المقارنة :-
أولاً: من حيث المواضيع التي تناولنها المدونات :-
1– مدونة بروليتاريا الأشياء الصغيرة لوجد
تناولت المدونة التونسية وجد مواضيع سياسية مختلفة في تدويناتها منها انتهاكات حقوق الإنسان خاصة بعد الثورة، وتجديد عهد بن علي وذلك بظهور رؤساء للمجلس التأسيسي وللجمهورية بالتحالفات دون اللجوء لصناديق الاقتراع، كما تحدثت عن استخدام العنف في الثورات، وركزت على دور المدونين ومساهمتهم في ثورة الياسمين من خلال تغطيتهم لكل أحداث الثورة ونشر ما لم تنشره وسائل الإعلام الأخرى، بالإضافة إلى معاناة الشعب قبل وأثناء الثورة والانتخابات وغيرها من المواضيع.
2– مدونة جبهة التهبيس الشعبية لنوارة نجم
ركزت نوارة في مدونتها على مواضيع سياسية واجتماعية الاغتصاب التي قام بها أجهزة الأمن إبان الثورة، والتعذيب والانتهاكات من قبل الشرطة وأمن الداخلية ضد المواطنين الأحرار خاصة بعد الثورة المصرية، وتحدثت عن الجرائم وفساد النظام السابق بما فيه من رشوة وتربح وقتل المتظاهرين واستغلال النفوذ وغيرها، وتحدثت أيضاً عن الورقة الفاسدة وطالبت بتغيرها، وكثرت في تدويناتها المطالبة بالحقوق مثل تجميد نشاط الداخلية وإعادة هيكلتها والإشراف القضائي والحقوقي على الأمن الوطني.
وتناولت المدونة مواضيع غيبتها وسائل الإعلام مثل الكشف عن حملة الإرهاب والتشويه التي تقودها أجهزة الأمن ضد المدونة نوارة نجم واستخدام الأجهزة أسلوب التخويف.
3– مدونة ليبيا المستقبل لغيداء التواتي
تحدثت غيداء التواتي في موضوعاتها عن الانتهاكات والقمع الذي دمر الإنسان نفسياً، والدمار الذي لحق بليبيا والذي شمل جميع مؤسسات المجتمع المدني والحياة السياسية في كل مستوياتها بما فيها الاقتصاد ونظام الصحة والتعليم، كما تحدثت عن نتائج الثورة الأولية التي قطف ثمارها الانتهازيون والوصوليون ومنها انتهاج بعض الأفراد نفس النهج القديم الذي كان يسير عليه القذافي في الحياة السياسية، وارتفاع شريحة المعاقين، بالإضافة إلى مواضيع التحرش الجنسي، وملفات الفساد في ليبيا وإعطاء الجنسية بطرق غير شرعية.
كانت غيداء التواتي من خلال مدونتها تحث على الثورة وتحفز الشعب على التظاهر ورفض التهكم والدكتاتورية من خلال تذكيرهم بنتائج السياسة القمعية التي انتهجها نظام القذافي على مدى 42 عاماً، وركزت على حرية التعبير عن الرأي، وإعادة بناء الدولة وتأمين حدود البلاد المترامية الأطراف وبناء جيش وأجهزة أمنية تتماشى مع النظام الديمقراطي، وطالبت بتشكيل جيش وطني وهيكلية ينضوي تحتها كل المسلحين.
كما تناولت مواضيع عن المرأة ودورها في ثورة 17 فبراير فهناك فتيات أوصلن السلاح، واغتصبن وقمعن وأوصلن معلومات للثوار في كل مكان.
4- مدونة Wolf inside لأسماء محفوظ.
تحدثت أسماء محفوظ عن تضليل و تشويه الثورة وإسكاتها وإخفاق نتائجها وأهدافها. وبيان فساد وانشقاق النظام السابق.
ثانياً: من حيث نوعية المادة الصحفية:-
1– مدونة بروليتاريا الأشياء الصغيرة: كانت التدوينات مقالات.
2- مدونة جبهة التهبيس الشعبية: كانت التدوينات مقالات تدعم بتقارير ووثائق.
3– مدونة ليبيا المستقل: كانت التدوينات مقالات تحكي فيها تجارب شخصية.
4 – مدونة Wolf inside: كانت التدوينات مقالات وخواطر.
ثالثاً: من حيث الأسلوب :-
1– مدونة بروليتاريا الأشياء الصغيرة: استخدمت المدونة وجد الاسلوب العاطفي في مخاطبة الجمهور لتحثهم على الثورة.
2– مدونة جبهة التهبيس الشعبية: استخدمت المدونة المصرية نوارة نجم الأسلوب العاطفي، وأكثرت من الشتائم والدعاء على الرئيس وكان اسلوبها استفزازي استهزائي.
3– مدونة ليبيا المستقبل: استخدمت المدونة الليبية غيداء التواتي الأسلوب العقلاني ولغة الخطاب في مخاطبة الجمهور.
4– مدونة Wolf inside: دمجت المدونة أسماء محفوظ بين الأسلوب العاطفي والعقلاني في تدويناتها.
رابعاً: اللغة :-
1– مدونة بروليتاريا الأشياء الصغيرة: استخدمت المدونة اللغة الصحفية في تدويناتها.
2– مدونة جبهة التهبيس الشعبية: استخدمت المدونة اللهجة المصرية العامية ” لغة شعبية”.
3– مدونة ليبيا المستقبل: استخدمت المدونة لغة صحفية يفهما الناس بمختلف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية والثقافية.
4– مدونة Wolf inside: دمجت المدونة بين اللغة الأدبية والعامية في تدويناتها.
خامساً: من حيث نظرتها للثورة:-
1– مدونة بروليتاريا الأشياء الصغيرة: ترى بأن “ما يحصل حاليا للثورة هو تشويه للثقافة والديمقراطية باسم الأغلبية التي فازت ،إذا إن الوضع لم يتغير فما زال السيف مسلط على رقاب التونسيين وما زال الفائز يفعل كما يشاء كما كان الفائز سابقاً يفعل ما يشاء “.
2– مدونة جبهة التهبيس الشعبية : كانت لها نظرة سلبية تشاؤمية من الثورة.”التصرفات التي يقوم بها رجال الأمن بعد ثورة 25 يناير تظهر بوضوح أن أخطاء النظام السابق” التعذيب والانتهاكات ” ما تزال موجودة، وأن الداخلية لم تصلح فورقتها ما زالت فاسدة”
3– مدونة ليبيا المستقبل : كانت لها نظرة سلبية تشاؤمية من الثورة ويظهر ذلك في قولها “رساله لثوار ليبيا الشرفاء الذين لم يتسلقوا ولم يظهروا في اي مكان طلباً لمجد ولا لكرسي..
عظم الله أجركم في ثورة 17 فبراير!! وأقول لكم احلامنا ضاعت هباءا تلك ابيض شعري وغزاه الشيب لأجلها، وضاعت سنين وأعواماً من أعمار أبناء ليبيا لأجلها في السجون، وزهقت أكثر من اربعين الف روح ليبية غالية لأجلها”.
4- مدونة Wolf inside: كان للمدونة المصرية أسماء محفوظ نظرة تشاؤمية من الثورة وكان هناك تخوف من عدم نجاح أهداف ومطالب الثورة ويظهر ذلك في بقاء الأحوال كما في سابق عهدها أثناء حكم حسني مبارك، واستمرار الوعود الكاذبة والمشاكل على تولي المناصب، وبما أن الشعب قبل على نفسه بقاء الأمور كما هي حتى بعد الثورة وانتصارها وإسقاط مبارك فذلك بأن المصريين لم يعملوا ثورة وثمنها ضاع سداً ولم تكن أعظم ثورة في التاريخ ولم يكن لدى المصريين رؤية يسعون لتحقيقها.
أهداف الثورة تغيرت عند البعض ولم يصبح في أذهانهم إلا عمل تحالفات وانقسامات ضد الإخوان والأهم عندهم هو من يأخذ أكبر منصب ومن يأخذ أكثر عدد من المقاعد من سيحكم ويتحكم بالشعب وليس ماذا بعد الثورة وهل حققت الثورة نتائجها وأهدافها واستكملتها ولم يفكروا في الفترة الانتقالية أو تكوين منهج ورؤية لها كي يعرف المصريين ما مصيرهم بعد الثورة.
سادساً: من حيث عدد المتابعين على الفي سبوك والتوتير:-
1-مدونة بروليتاريا الأشياء الصغيرة عدد المتابعين لها على توتير 31,000
2-مدونة جبهة التهبيس الشعبية عدد المتابعين لها على تويتر 1909 وعدد المتابعين لصفحتها على الفي سبوك 174.135
3-مدونة ليبيا المستقبل عدد المتابعين لها على الفي سبوك 12.100
4-مدونة Wolf insid عدد المتابعين لصفحة أسماء محفوظ على الفي سبوك 1.766 وعدد المتابعين لصفحتها نعم لاسماء محفوظ 3.757 وعدد المتابعين لصفحتها شباب بيحب مصر 1.589.
سابعاً: التعليقات:
1- مدومة بروليتاريا الأشياء الصغيرة:
المدونة التونسية وجد أتاحت فضاء جديداً لحرية التعبير عن الرأي عبر سماحها للقراء بالتعليق على كل كتاباتها، فقد كانت جميع التعليقات بلا استثناء مشجعة وإيجابية، ولت نجد أي تعليق كان مسيء للمدونة بل على العكس التعليقات مشجعة للمدونة وواصفة كتاباتها بالإبداع.
2-مدون جبهة التهبيس الشعبية:
كذلك قامت المدون نوارة نجم بإتاحت فضاء جديد لتعبير القراء عن آرائهم ولم تحذف أي تعليق حتى التعليقات المسيئة لها المتجاوزة لحرية الرأي والتعبير وللأدب. وقد كانت التعليقات ما بين مؤيد ومشجع وما بين معارض مسيء . اتهمت من قبلهم بالليبرالية والعمالةواستهزء بها وبمقالاتها.
3- مدونة wolf inside
المدونة المصرية ـسماء محفوظ أفسحت المجال للقراء للتعبير عن آرائهم عبر فتح مكان للتعليقات والرد عليها، ولم تقم بأي حذف لأي من التعليقات المسيئة لها، المتهمة لها بأنها تسعى وراء المناصب وأنها عميلة.
وقد انقسمت التعليقات ما بين مؤيد مشجع شاكر وناقد ” والله يا أسماء كلامك معقول، وأحييكي على فهمك للأمور ووضعها في نصابها الصحيح”. وما بين معارض مسيء “ أنا مش عارف أنتي تريدي ايه بالضبط ومش معقول تكوني أنتي الوحيدة في مصر التي تخاف على البلد”.
4- مدونة ليبيا المستقبل
استطاعت المدونة أن تفسح المجال وتفتح فضاءا جديدا لتعبير القراء عن آرائهم من خلال فتح مجال للتعليقات وعدم حذفها أي تعليقات مسيئة لها. أكثر التعليقات على مقالات المدونة كانت مسيئة لها مستهزءة بطريقة آثارتها للمواضيع وكارهة لشخصيتها، وقلة من التعليقات كانت مع غيداء داعمة لمسيرتها ومشجعة مؤيدة لأفكارها وكتاباتها. وخاصة في مقال انتهاك حقوق مدونة
النتائج
ساهمت المدونات النسوية في دعم التحركات الشعبية وتحفيزهم على الثورة، لإسقاط الأنظمة الفاسدة وتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد أوجدت المدونات الوعي السابق للثورة بنقلها ما كانت تحجبه وسائل الإعلام خاصة الاعتقالات السياسية وقضايا التعذيب والنشاط الحقوقي وتدوين حالات الفساد. وقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها الفيس بوك والتوتير والمدونات دوراً كبيراً في الثورات بكونها مصدر للأخبار والمعلومات.
قبل الأحداث ركزت المدونات على تسليط الضوء على فساد الأنظمة والحث على المشاركة في المظاهرات، أما بعد الثورة ركز المدونون على نشر الوثائق التي تكشف الفساد.،وشكلت المدونات المصريات في ذروة الأزمة السياسية في مصر عنصر فعال ساعد على تقديم صورة كاملة وحقيقية عن الأحداث في مصر.
التدوين خلال الثورة كان معظمه عبارة عن مقالات وخواطر شخصية، وقد دمجت المدونات بشكل عام بين اللغة الصحفية واللغة الشعبية ” العامية”.أما عن المواضيع التي ناقشتها المدونات كانت مواضيع تهم الشارع وبالغالب كانت مواضيع سياسية وهي الأكثر جذباً للتعليقات، مثل انتهاك حقوق الإنسان، القمع، فساد الأنظمة، بالإضافة لقضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي التي مارستها قوى الأمن إبان الثورة.
وظفت المدونات لكسر هيمنة السلطة التقليدية والتخلص من رقابة وسائل الإعلام.ولعبت دوراً في التأثير على وسائل الإعلام وأدت إلى زيادة المتابعة الإعلامية العالمية على ما يحدث في الميدان.كما لعبت دوراً كبيراً في رفع سقف الحرية وتوسيع هامش النقاش في مختلف المواضيع. وفي الغالب هناك تخوف لدى المدونين على عدم نجاح أهداف الثورة. ومن صعود التيارات الاسلامية
تميزت المرأة العربية بشكل كبير في الحراك الشعبي، واستطاعت كسر “التابو”.وتعددت أدوارها ومشاركتها في الثورة، فقد كانت أول من أطلق شرارة البدء في الدول العربية، وشاركت في المظاهرات والاعتصامات ونظمت بعضاً منها، وأنشأت مدونات وصفحات الفيس بوك ونشرت رسائل ثورية عبر مواقع اليوت يوب، كانت تحاول أن ترفع بمفهوم الحريات والتحرر والمدافعة عن حقوق النساء وحرية الرأي والتعبير.كانت معتقلة، سجينة، ومغتصبة، تعذب، وتنتهك كرامتها، عانة من سياسة التخويف والتهديد واستغلال الصور النمطية للإناث ومفهوم السمعة والشرف من أجل منعها من المشاركة في الثورة والنزول إلى الميدان، لكنها جابهت كل هذا بقوة.شاركت بالاسعاف لجرحى الثورات وأقامت في خيم المعتصمين، استطاعت أن تعبر عن القضايا المجتمعية والسياسية بعمق، و ان تفرض وجودها وتعبر عن رأيها.
ونالت المرأة تقديراً عالمياً ومحلياً حيث حازت المدونة اليمنية توكل كرمان على جائزة نوبل لسلام لعام 2011. وحصلت المدونة التونسية لينا بن مهني على جائزة جائزة أفضل مدونة في مسابقة “البوبز”
الخاتمة
التدوين سابقاً في معظمه كان عبارة عن ملاحظات وخواطر شخصية، وحتى عندما يتخطى ذلك ويحاول أن يمثّل قضيّة اجتماعيّة لم يكن يجد لهُ جمهوراً خارج المحيط التدويني. اليوم اختلف الأمر لأنّ المجتمع بدأ يتغير والثقة التي حجزها النظام بترهيبه للشعب بدأت تجد طريقها إلى قلوب الناس. فالتدوين يعكس حال المجتمع، ولذلك فإنّ الثقة بين الناس ستفرض ثقة في التدوين الذي هو ينبع من أناسٍ عاديين مثل أولئك الذين في الشارع”إن أغلب المدونين شاركوا في صنع الحدث بشكل أو بآخر، ما مكنهم من نقل الحدث وتطوراته وتفاعلاته وتداعياته حصراً. وفي كسر احتكار وسائل الإعلام التقليدية للأخبار ومجريات الأحداث التي تموج بها الدول المختلفة سواء كانت أنظمتها ديمقراطية أو استبدادية.
ساهم ربيع الثورات العربية في كسر”التابو” المتمثل بوضع المرأة في موقع متوار خلف الرجل فتقدمت المرأة الصفوف في المظاهرات التي أسقطت نظام بن علي أمثال لينا بن مهني، وفي اليمن نالت توكل كرمان جائزة نوبل للسلام، وفي ليبيا شاركت المرأة في الثورة منذ بدايتها أعلت صوتها بنداءات العدل، ضد الفساد والقهر، رفعت شعارات المطالبة بالكرامة وحقوق الإنسان، وواجهت عصي العسكر وهراواتهم وطلقات النار، واستُشهدت مع من استشهدوا من الثوار الذين سالت دماءهم من أجل مستقبل أفضل لهم ولأوطانهم. ومن جانبهم تعامل الثوار مع الثائرات بوصفهن شريكات الوطن والمستقبل. هكذا نقلت شاشات المحطات الفضائية، العربية والأجنبية، والصحف ووسائل الإعلام الالكترونية صورة المرأة العربية، شريكة رئيسة في مشهد الثورة ومطالبات الجماهير بالتغيير والسعي لمستقبل أفضل”.وهو ما لفت الأنظار إلى الدور القيادي للمرأة في الربيع العربي. إن هذه العوامل مجتمعة لعبت دورها في فرض هذا التغيير على المنظمات الدولية والرأي العام العالمي ودفعه إلى الاعتراف بمكانة المرأة ودورها في العالم العربي، بعد أن كانت النظرة السابقة تشوبها الكثير من السلبية والالتباس.