الثوة المعلوماتية ومؤشرات التغيير
د. عبدالله الزلب
هل المجتمعات الإنسانية بصدد التحول إلى ما يطلق عليه مجتمع المعلومات العالمي الذي تجاوز نموذج المجتمع الصناعي؟ السؤال قد يبدو أكبر وأكثر تعقيدا من الإجابة عليه في مثل هذه المساحة، ولكنه السؤال المطروح بشدة خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت فيها المجتمعات الإنسانية بدون استثناء ثورة هائلة في المعلومات نتج عنها تحولات كبرى في كثير من مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جميع بلدان العالم تقريبا. كما أحدثت تغيرات كبيرة في العلاقات الدولية والعلاقات الثنائية بين الدول والمجتمعات إلى الحد الذي ذهب فيه البعض بحتمية حدوث صراع بين الحضارات المختلفة. ومن الواضح ان المجتمع اليمني بدأ يتأثر، على المستوى المجتمعي على وجه الخصوص، بصورة مباشرة وغير مباشرة بكل تلك المتغيرات وبهذه الثورة المعلوماتية...
ومن التأثيرات المباشرة والأكثر وضوحا للثورة المعلوماتية في حياة اليمنيين الاجتماعية اليومية إضعاف العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية والتخلي عن الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية في التواصل الاجتماعي المباشر- وجها لوجه- بين أفراد المجتمع الواحد والمدينة الواحدة والحي الواحد وحتى الأسرة الواحدة... وظهور بدائل جديدة للتواصل الاجتماعي غير المباشر عبر الهاتف والرسائل القصيرة والبريد الالكتروني والمحادثات عبر ما يعرف بالماسنجر.. ومن خلال هذه النمط من التواصل يتم بناء علاقات جديدة عابرة للنطاق المحلي والوطني ومتجاوزة للنطاق الجغرافي الضيق... كما يتم عبره انجاز بعض الالتزامات الاجتماعية والمشاركة في المناسبات (تهاني – تعازي – معايدة – مواساة – مؤازارة ودعم- تحالفات...)
ورغم ان هناك من ينفي من الباحثين وعلماء الاجتماع حدوث أي تغير في حجم أو قوة التواصل الاجتماعي، إلا ان اتساع نطاق هذا التواصل، على المستوى الجغرافي على الأقل، بات واقعا معاشا ولا جدال فيه، ذلك لأن الثورة المعلوماتية قد سمحت للأفراد بإقامة صلات اجتماعية مع من يماثلونهم في التفكير, والذين ليسوا أعضاء في مجتمعاتهم المحلية، فتجاوزا بفضل هذه الثورة حدود الجغرافيا. وتغيرت أنماط حياتهم وأولويات علاقاتهم وتعددت هواياتهم بتعدد المجتعات والمجالات التي يتفاعل معها.
وعلي سبيل المثال يستطيع الفرد أن ينضم من خلال شبكة الإنترنت إلي جمعية مهتمة بدعم حقوق الأطفال او أو المؤسسات والحركات المناهضة للعولمة, ويندرج في إطار قيم هذه الحركة التي أصبحت من ملامح القرن الحادي والعشرين. وهكذا بفضل الثورة المعلوماتية فإن اليمني أصبح لديه إمكانيات متاحة لا حصر لها لأن تتعدد هوياته, وفي ذلك في تقديرنا إثراء للشخصية الإنسانية, وخروج بالفرد من الإطار الجغرافي الضيق لبلده, إلي الآفاق الإنسانية الرحبة.
وفي ضوء كل هذه المتغيرات والتحولات السريعة يبقى السؤال مطروحا حول تأثيراتها السلبية والإيجابية، ففي الوقت الذي أتاحت هذه الثورة للإفراد سهولة التواصل وإمكانية الحصول علي المعلومات التي تتفق مع احتياجاته، فإنها ربما قد تخلق مجتمعا يتسم بالتفتت, ولا ينضوي تحت نسق مشترك من القيم الاجتماعية؟