أقلام زائرة
محمود عبدالعليم يكتب: أساليب التنشئة الاجتماعية بين ضرورة التغيير وتحديات عصر المعلومات
156 مشاهدة
10 نوفمبر 2014 - 55 : 9 ص
8
لقد أوضح التراث أن أنماط وطرق التنشئة في الأسرة تتباين بحسب خبرة الوالدين، والوضع الطبقي . حيث تبدو من خلال مدى التشديد، والعقاب البدني ، وممارسة الترهيب ، والحماية المفرطة . وعلى جانب أخر، فقد أوضحت أدبيات العلم الاجتماعي في إطار التنشئة ، أن هناك ثلاث أنماط من التنشئة أكثر انتشاراً في المجتمع العربي هم : النمط المتسلط ، والنمط المتساهل، والنمط الحازم . و قد أشارت الأبحاث أن الأطفال الذين تربوا في كنف والدين يستخدمان الأسلوب الحازم ، أظهروا تكيفاً أكبر من الناحية النفسية والاجتماعية ، وكانت درجاتهم أعلى في التحصيل العلمي ، وتقدير الذات . كما تشير بعض الدراسات أيضا ، إلى أن أكثر أساليب التنشئة انتشاراً في الأسرة العربية هي : أساليب التسلط، والتذبذب ، والحماية الزائدة، وهذا النمط الأخير يؤثر بصورة سلبية على نمو الاستقلالية، والثقة بالنفس ، والكفاءة الاجتماعية . وهذا يؤدي إلى زيادة معدل السلبية، وضعف مهارات اتخاذ القرار، ليس فقط في السلوك، وإنما في طريقة التفكير، حيث يتعود الطفل من الصغر على كبح التساؤل ، ومن ثم الاكتشاف والمبادرة .
وتشير إحدى الدراسات إلي أن الانترنت وكل وسائل الاتصالات والمؤثرات الالكترونية ذات الاحتكاك الثقافي المختلفة ، أصبح لها شأن كبير في تغير أساليب التنشئة وعلاقة الوالدين بالأبناء وعلاقة الأبناء بالمجتمع ...، بحيث لم تعد الطرق التقليدية للتنشئة الاجتماعية مصدر لها ، بل أنها معارف وقيم تحصل من خلال هذه الوسائط . ولذلك يتطلب الأمر ضرورة استحداث طرق وأساليب جديدة للتنشئة، وخاصة مع انتشار تقنيات جديدة للاتصال والتواصل عبر شبكة الانترنت . ففي الواقع أن التنشئة الاجتماعية في عصر المعلوماتية أصبحت لا تفيد معها الأساليب التقليدية من قبيل أفعل- ولا تفعل، لأن تنشئة عصر المعلومات كما يشير "أنور ابراهيم " هي التي تخلق الوعى بمدى قيمة ما يعرض على الفرد ، وهى التي تمكنه من التمييز بين الصحيح وغير الصحيح. حيث إن غرس أخلاقيـات عصر المعلومات للنشء من الأمور الهامة .
ويضرب "نبيل على" أمثلة" لبعض أساليب التنشئة التي تتناقض مع توجهات عصر المعلومات والتي يجب النظر إليها، من قبيل "سطوة الكبار على الصغار، والتفرقة بين الذكور الإناث، تلك التوجهات التي تمثل تناقضا أساسيا مع توجهات عصر المعلومات الذى سيتضخم فيه دور صغار السن ذوى القدرات العالية على اكتساب المهارات والمعارف الجديدة، والتكيف السريع مع متغيرات المجتمع، في نفس الوقت الذى ستتضاءل فيه الأهمية التي كانت تحظى بها خبرة الكبار والتي ستحل محلها – إن آجلا أو عاجلا – النظم الخبيرة في عصر المعلومات. ومن ثم فإن "نبيل علي" يرى " أنه من المستحيل التعامل مع هذه المستجدات الفكرية والمتغيرات السلوكية التي تطل علينا من شبكات المعلومات بمفاهيم وعقليات قديمة وتقليدية "لأن غاية التنشئة في عصر المعلومات ، عصر تكامل المعرفة وتلاقح العلوم وتداخل فكر المجتمعات وتحاور الثقافات، أبعد ما تكون عن هذه النظرة البرجماتية ، وتنمية فكر الإنسان ووجدانه لا يتحقق من خلال هذه النظرة الخطية الصارمة في أساليب التنشئة القائمة على أساليب افعل – ولا تفعل.
وفى نهاية هذا الطرح نلاحظ أن سؤلاً يطرح نفسه مؤداه: ما العمل تجاه ذلك المتغير المعلوماتي الذى أصبح يمس كل جوانب حياتنا؟. وإجابة هذا السؤال تنقسم إلي شقين, الشق الأول: يقع على عاتق الآباء، ونعنى ضرورة أن يدرك الآباء أن الأساليب التقليدية في التنشئة من قبيل ( افعل – لا تفعل ) لم تعد ذات جدوى مع جيل عصر المعلومات " فالأفضل أن يتم تعلم أساليب جديدة في التعامل مع هذا الجيل الذى أصبح بوسعه أن يصل إلى ما يجهله من معلومات في أي مجال من المجالات عن طريق الضغط على مفاتيح الكمبيوتر، أما الشق الثاني كما يشير "أحمد فضل شبلول" هو تعلم الأبناء أساليب التنشئة الواعية، وتثقيف الطفل وتعريفة بالأضرار التي يمكن أن تواجهه عند سوء استخدامه لشبكة الإنترنت، فالتحدي الراهن يكمن في إيجاد صياغة للتنشئة تجمع بين استيعاب القيم"الأساسية" المحددة للهوية إلى جانب آليات التكيف والتفاعل مع التغيرات السريعة للعصر بما يحفظ تلك القيم ويضمن استمرار الهوية .