إستراتيجية التشبيك كمدخل لتفعيل دور جمعيات رعاية الطفولة
لمواجهة العنف ضد الأطفال في عصر العولمة
إعداد
د/ وجدي محمد بركات
الأستاذ المساعد بكلية الخدمة الاجتماعية
جامعة حلوان
مقدمة:
أصبح العنف الموجه ضد الأطفال من أبرز المشكلات العالمية التي لا يكاد يخلو منها مجتمع سواء وصف بالتقدم أو بالتخلف ، حيث يمارس العنف ضد الأطفال بأوجه وأشكال مختلفة في عالم العولمة لتعاظم المخاطر والتحديات والصراعات غير المتكافئة بين الدول وشمولها كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ... الداخلية والخارجية فانتشر العنف في المجتمعات التي ينمو الأطفال فيها إلى أن أصبح جزءاً من المعايير الثقافية والمجتمعية التي تصنع بيئة الطفل ، تلك المعايير التي يكون الأطفال هم في الغالب أولى ضحاياها فهي لا تحمى ولا تحترم أمن واستقرار وحرية البالغ والطفل.
ويتعرض الأطفال للعنف في البيت وداخل أسرهم حيث يأتي في أغلب الأحيان من جانب الأفراد المسئولين عن حمايتهم والحفاظ على سلامتهم . وقد يوجد في المدارس والمؤسسات العامة والملاجئ وغيرها من نزل الرعاية المقيمة ، وقد يمارس العنف ضد الأطفال في الشوارع ، كما أن قدرا كبيراً من العنف الموجه ضد الأطفال مستتر فلا يملك الأطفال القدرة على الإبلاغ عن أعمال العنف خشية التعرض للعقاب من مرتكب العنف ضدهم .وفي حالات تعرض الأطفال للإنتهاكات البدنية فإن مرتكبي هذه الإنتهاكات قد يفلتون من العقاب بسبب السكوت عنها والتقاعس في اتخاذ إجراءات حيالها، فكثيراً من الشكاوي التي تأتي من الأطفال لا تؤخذ على محمل الجد لكونها مقدمة من أطفال!! وحتى عندما يتم بحث بعض هذه الشكاوي فنادراً ما يتم التحقيق مع مرتكبيها أو تحريك الدعوة الجنائية ضدهم.
ويؤدي العنف ضد الأطفال إلى تداعيات خطيرة بالنسبة لتنمية الأطفال ، فقد يؤدي في أسوأ الحالات إلى الوفاة أو الإصابة بعاهات دائمة ، كما أنه يؤثر عامة على صحة الأطفال وقدرتهم على النمو والتعلم ، وقد يؤدي بالأطفال إلى الهروب من البيت وعدم استعدادهم للذهاب إلى المدرسة والرغبة في التعلم والتفوق ، مما يعرضهم إلى مزيد من المخاطر. كما أن العنف يدمر الثقة بالنفس لدى الأطفال ويقوض من قدرتهم على أن يصبحوا آباء جيدين في المستقبل ، ويواجه الأطفال الذين يتعرضون للعنف خطراً كبيراً من التعرض للاكتئاب والانتحار في وقت لاحق من الحياة.
وإذا افترضنا أن مستوى احترام الحقوق الإنسانية للأطفال هو وسيلة لقياس مدى صحة المجتمع ، فأول حقوق الأطفال هو الحق في توفير الوقاية والحماية والنمو في جو عائلي محبّ وآمن يضمن نموهم الجسدي والنفسي والروحي والاجتماعي ، والقضاء على أشكال العنف الموجه ضدهم في ضوء إستراتيجية مجتمعية قائمة على أسس علمية ، لتوفير الدعم الملموس للأسر لتمكينها من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها تجاه أطفالها وتوفير الحماية لهم ، وكذلك تقديم المشورة المهنية للأسر والقيام بالجهود المتسقة عبر مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية للقضاء على العنف ضد الأطفال.
هذا وقد أصبحت ظاهرة العنف ضد الأطفال في عصر العولمة تحظى باهتمام المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان ، وترتبط خطط المواجهة بالقواعد والاتفاقيات الدولية التي بدأت تفرض نفسها على كافة المعاملات والسلوكيات الإنسانية والاجتماعية ، ففي ظل متغيرات العولمة أصبحت الدول المختلفة جزءاً من المنظومة الكلية للمجتمع الدولي ، فعندما تتناول أي دولة مشكلة العنف ضد الأطفال على المستوى القومي والمحلي بداخلها فإنها تضع الحلول المقترحة وسبل مواجهتها في ضوء الالتزام بالمعايير الدولية التي تحمي الأطفال ونصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي اعتمدتها الدول المختلفة في ذلك ، فلقد ارتبط بعصر العولمة وجود منظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الطوعية التي سخرتها العولمة لرصد تجاوزات الدول والمجتمعات التي لا تلتزم بنصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي اعتمدتها طواعية.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل ، التي صادقت عليها كل دول العالم تقريباً حيث وافق عليها حتى الآن (191 دولة) ، على إلزام الحكومات بحماية الأطفال من كل أشكال العنف المادي والمعنوي ، كما تحميه الاتفاقية من كافة أشكال التمييز ومن الحرمان من الحرية ومن الإشتراك في الحروب ومن التعذيب والمعاملة التعسفية والعقوبة القاسية ومن عقوبة الإعدام والسجن مدى الحياة ومن كافة أشكال العنف والإهمال ... إلا أن ملايين الأطفال ما زالوا يعانون من العنف والإيذاء ، حيث جاء تقرير الأمم المتحدة الأخير حول أوضاع الأطفال في العالم (1) معبراً عن المستوى المتدهور عالميا للأطفال والعنف الموجه ضدهم.
وفي هذا الإطار ستعالج الدراسة الحالية العديد من القضايا المتعلقة بمواجهة العنف ضد الأطفال في عصر العولمة حيث تهدف إلى إلقاء الضوء على أشكال العنف ضد الأطفال في ضوء التحديات التي يفرضها عصر العولمة ، والتعرف على الجهود المبذولة لعولمة العنف ضد الأطفال والتعرف على مفهوم وحجم العنف الموجه ضد الأطفال في ضوء بعض التقارير الدولية وتحديد أسباب وأشكال العنف ضد الأطفال ، ثم التعرف على أساليب مواجهة العنف ضد الأطفال ، ودور جمعيات رعاية الطفولة في مواجهه العنف ضد الأطفال ، وتحديد مفهوم إستراتيجية التشبيك وكيفية تطبيقها لتفعيل دور جمعيات رعاية الطفولة في مواجهة العنف ضد الأطفال . والأخذ بالجديد وتنظيم الأعمال بشكل علمي في ضوء الانفتاح محليا ودوليا وبما يخدم قضايا الطفولة.
عولمة العنف ضد الأطفال:
تشير المعطيات والحقائق والتطورات إلى أن الحياة المعاصرة هي اليوم أكثر عولمة والعالم أكثر انكماشاً والدول أكثر ارتباطاً والاقتصاديات أكثر اندماجاً والثقافات أكثر انفتاحاً والبشرية عموماً أكثر التصاقاً وأكثر وعياً بانتمائها لكوكب واحد من أي وقت من الأوقات وعلى رغم المظاهرات الاحتجاجية العنيفة والانتقادات المشروعة ضد العولمة الفجة، فإن جدلية العولمة ما زالت مستمرة ولم تتوقف أو تتباطأ ويبدو أنها لن تتوقف (2).
إن العولمة في حقيقتها أقرب إلى مفهوم العملية "Process" أكثر منها مجرد حالة "State" ، وتعنى العملية في المجال الاجتماعي الدولي أو المحلي جملة مترابطة من التغيرات المتلاحقة في سياق معين ، تقوم على التفاعل المتعدد الأشكال بين طرفين أو عدة أطراف ويتم التفاعل هنا على هيئة سلاسل من الأفعال وردود الأفعال ، التي تعكس تناقضاً بدرجة أو أخرى بين الطرفين أو الأطراف المعنية سواء على مستوى المصالح أو مستوى الغايات وبعبارة أخرى مختزلة فإن العولمة هي عملية جدلية (3).
والعولمة في مفهومها العام كما تدل الصياغة اللغوية ذات مضمون ديناميكي يشير إلى عملية من التحول والتغير ، فهي اتجاه متنام يصبح معه العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية واحدة تتلاشى في داخلها الحدود بين الدول.
وفي هذا السياق فإنه يمكن تعريف العولمة بأنها "تعنى التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو إلى دولة معينة " (4).
لقد أصبح من الواضح أن العالم يتعولم بأسرع وأعمق مما كان يتصور أو يتخيل فحركة عولمة العالم التي كانت قائمة دائما في كل المراحل التاريخية المختلفة اندفعت بقوة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة وازدادت اندفاعاً مع بداية الألفية الجديدة (5) ، بمعنى أن مضامين التطورات العلمية والتقنية أدخلت الإنسانية جمعاء في مرحلة جديدة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى على مختلف المجالات ، فوسائل الاتصال الحالية لا تسمح بعزلة المجتمعات المعاصرة فإن هذا العامل شجع على زيادة التأثير المتبادل بين المجتمعات الإنسانية في مجالات تنمية الرعاية الاجتماعية مما سيساعد على تطورها الإيجابي (6) . كما ساهمت العولمة في الاندماج الدولي على المستويات كافة في مواجهه المشكلات الاجتماعية والتعامل مع القضايا المختلفة من خلال المنظومة الدولية.
لا شك أن عولمة المعلومات والحقائق المرتبطة بظاهرة العنف ضد الأطفال وطرح الأبحاث والدراسات المختلفة حول العنف الموجه ضد الأطفال بأشكاله المختلفة ، ساهم في إمداد منظمات المجتمع المدني بمستوياتها المختلفة دولية / محلية والجمعيات الطوعية المعنية بحماية حقوق الفئات الضعيفة بالمعلومات والحقائق التي تمكنها من التحرك في الدفاع عن هذه الفئات ، فالأطفال الذين يتعرضون للعنف يعانون في صمت وينتظرون من يدافع عنهم وتلعب المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية دوراً كبيراً ومؤثراً في مواجهة العنف ضد الأطفال حول العالم ، والتنديد بأية ممارسات عنيفة واستغلالية تطالهم ، ولقد ساعدت العولمة ونظم المعلومات والاتصالات الحديثة على كشف حقائق مذهلة عن العنف ضد الأطفال كانت خافية من قبل. فالمعرفة أصبحت متاحة أكثر، كما ساهمت العولمة في تفعيل الجهود الدولية لمواجهة العنف ضد الأطفال ، وإيجاد صيغه دولية متفق عليها لتحقيق المستويات الضرورية لضمان الحماية للطفل.
إن توفير المعلومات والحقائق ضرورة أساسية في أي نشاط بشرى ، وهي المنطلق لوضع الخطط المستقبلية في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية ... في أي مجتمع وتعيش المجتمعات في وقتنا الحاضر في عصر المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصال بعيدة المدى التي تقدم المعلومات وتتيح الاتصالات عبر سطح الكرة الأرضية كلها (7). وقد ساعد ذلك في زيادة نشاط منظمات المجتمع المدني وإمكانية تبادل البيانات والمعلومات عبر وسائل اتصال وتكنولوجيا حديثة في عصر العولمة حول حالات العنف ضد الأطفال ، ونشر التقارير والإحصاءات التي توضح حجم العنف الموجه ضد الأطفال وصوره وأشكاله بالدول المختلفة.
- وفي ضوء ما تقدم فإن عولمة العنف ضد الأطفال في ضوء الدراسة الراهنة تشير إلى "الجهود الدولية المبذولة لمواجهة ظاهرة العنف ضد الأطفال والمتمثلة في الاتفاقيات الدولية والمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم على الصعيدين الوطني والدولي ، وتوفير المعلومات المنهجية والكافية لحجم المشكلة والتشبيك والتنسيق بين الجهود المبذولة محلياً ودولياً لمواجهتها من خلال المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية".
- هذا ولقد مرت عملية عولمة العنف ضد الأطفال بمجموعة من المراحل أهمها: (8)
• إعلان الأمم المتحدة لحقوق الطفل في نوفمبر (1959م).
• الإعلان الخاص بحماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة (1978م).
• السنة الدولية للطفل (1979م).
• الاتفاقية الخاصة بالأوجه المدنية لخطف الأطفال على المستوى الدولي (1980م).
• اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام (1989م).
• الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة العمل (1990م).
• عهد حقوق الطفل العربي في الإسلام المتضمن في إعلان حقق الطفل ورعايته في الإسلام الذي أقره مؤتمر القمة الإسلامي السابع عام ( 1994م ).
- وتعتبر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام 1989م. واحدة من أكثر الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان شمولاً وتطوراً ، ولقد وردت فيها بعض المواد التي تركز مباشرة على موضوع حماية الطفل من العنف وتعتبر هذه المواد ملزمة للدول المصادقة على الاتفاقية ومن بين هذه المواد ما يلي (9):-
المادة 16:
1- لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.
2- للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس.
المادة 19:
1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال ، وإساءة المعاملة أو الاستغلال بما ذلك الإساءة الجنسية ، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه ، أو أي شخص يتعهد برعاية الطفل.
2- ينبغي أن تشمل هذه التدابير الوقائية حسب الاقتضاء ، إجراءات فعالة لوضع برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل ولأولئك الذين يتعهدون برعايتهم وكذلك للأشكال الأخرى من الوقاية ، ولتحديد حالات إساءة معاملة الطفل والإبلاغ عنها والإحالة بشأنها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها وكذلك لتدخل القضاء حسب الاقتضاء.
- هذا ولقد نصت الاتفاقية على الالتزام القانوني والأدبي والأخلاقي للدول الأطراف لتنفيذ كافة بنودها ، وعلى الدول وضع آليات المراقبة السليمة لضمان حماية الأطفال من شتى أصناف العنف الذي قد يتعرضون له ، كما أعطت الاتفاقية كافة مؤسسات منظمة الأمم المتحدة الحق بمراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية ، وتم ربط بعض المساعدات الدولية التي تقدم للدول بمدى التزامها ببنود الاتفاقية.
- ولقد أعطت الاتفاقية الحق للدول بأن يكون لها قوانينها الخاصة على أن تتلاقى مع روح الاتفاقية الدولية وأن لا تتعارض مع بنودها الرئيسية ، كما أعطت الدول الحق في التحفظ على البنود غير المتلائمة مع الثقافة أو الديانة أو غيرها في تلك الدول ، كما نصت الاتفاقية على أن تقدم الدول تقارير متابعة كل خمس سنوات يتم إعدادها من مصدرين (الأول مصدر حكومي والثاني أهلي منظمات غير حكومية) حول ما تم إنجازه وتحقيقه في توفير الحماية ومجال حقوق الأطفال.
- ووفقا لما جاء بالاتفاقية فإن المقصود بالطفل هو "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه" حيث راعت الاتفاقية الفروق الكيفية بين بلد وآخر في ما يعنيه القانون بسن الرشد الذي قد يكون سن السادسة عشر أو السابعة عشر أو الثامنة عشر، ونجد أيضا عهد حقوق الطفل في الإسلام والذي أقره مؤتمر القمة الإسلامي السابع 1994م قد عرف الطفل بأنه "كل إنسان لم يبلغ سن الرشد وفقا للقانون المطبق عليه" (10). وفي كل الأحوال فإن مرحلة الطفولة تقع في تلك المساحة العمرية التي تبدأ من لحظة الولادة وحتى سن بلوغ الرشد وفقاً للقوانين المحلية الخاصة بكل بلد.
- هذا والدول العربية كان لها تواجد فاعل في عولمة العنف ضد الأطفال ، فقد كانت الدول العربية ضمن المنظومة الدولية في هذه الاتفاقيات ولم تعلن أية دولة عربية تحفظها أو انسحابها من أيه اتفاقية دولية خاصة بحقوق وحماية الطفل ، هذا فضلا عن عهد حقوق الطفل في الإسلام والذي تم التوقيع والتصديق عليه من جميع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1994م ، انطلاقا من الجهود الإسلامية المعنية بقضايا الطفولة والتي ساهمت في بلورة اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م ، والتي أبرمت في إطار الأمم المتحدة.
مفهوم العنف ضد الأطفال:
- إن الإجراءات التأديبية التي يعتدها البعض ضرورة للتربية قد تمثل عنفاً للطرف الذي يتأثر بها ، ويشير البعض لمصطلح الإجراءات التأديبية كتبرير للعنف الموجه ضد الأطفال داخل الأسرة ، وهذا من وجهه نظر البعض يمهد الطريق للإساءة الجسدية المستمرة تجاه الأطفال ، الأمر الذي يصبح معه العنف داخل الأسرة هو المسلك المستقبلي لنمط العلاقات بين أفرادها ، وكذلك قبول أشكال العنف ضد الأطفال خارج الأسرة كالمدرسة وغيرها من المؤسسات الأخرى ضمن الإجراءات التأديبية (11).
- ويشير تقرير منظمة اليونيسيف حول وضع الأطفال في العالم 2007 م (12) ، أن عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف المنزلي يقدر بـ 275 مليون طفل ، وإن كان من الصعب معرفة العدد الفعلي الذي يؤثر فيه هذا الشكل من أشكال العنف ، وعدم توافر هذا النوع من المعلومات يعود إلى عدم الإبلاغ عن كل الحالات ، كما يشير التقرير إلى عدم توافر أي بيانات عن هذا الشكل من العنف في عدد كبير من الدول ، ويشير التقرير أن العنف تستخدمه العائلة بشكل شائع كوسيلة لتأديب الطفل وتهذيبه ، ويستخدم العنف ضد الأطفال بشكليه اللفظي والجسدي.
كما يشير التقرير إلى أن العنف يقع ضد الأطفال داخل البيئة المدرسية حيث تجيز بعض الثقافات والعادات العقاب الجسدي والنفسي في البيئة المدرسية كأحد الوسائل التأديبية في العملية التعليمية.
- وطبقا لتعريف الأمم المتحدة فإن العنف ضد الطفل هو "أي فعل أو تهديد بفعل يؤدي إلى إحداث أذى جسدي أو نفسي أو جنسي أو يحد من حرية الطفل بسبب كونه طفلاً تحت الوصاية (الولدان أو أحدهما أو الوصي) أو الدفع به إلى أي من الصور المختلفة للاستغلال".
- وعلى هذا فليس المقصود بالعنف هو العنف البدني أي المادي فقط بل يمتد معنى العنف إلى ما هو أشمل وهو العنف النفسي ، وهو الأخطر تأثيراً على شخصية ونمو الطفل ، حيث تشير نتائج الدراسات المختلفة أن التعرض للعنف في مرحلة الطفولة هو أحد أبرز الأسباب المسئولة عن ظهور الإعاقات النفسية المعرقلة لتطور ونمو الشخصية السوية والمسئول الأول عن ارتفاع المعدلات الدولية للإصابة بالاكتئاب المعرقل للعمل والإنتاج والذي يعد سبباً أساسياً للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
وتشير الموسوعة العلمية (universals) أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
وذكر قاموس (Webster) أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير ، وقد يكون شكل هذا الضرر مادياً أو معنوياً من خلال تعمد الإهانة بالسباب أو التجريح.
- هذا وفي ضوء ما سبق فإنه يمكن تعريف العنف ضد الأطفال بأنه "كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالطفل وقد يكون الأذى جسديا أو نفسياً ، ويمارس ضد الطفل سواء في الأسرة أو المدرسة أو المؤسسات العامة بالمجتمع ، مما يكون له أثر سلبي على قدرات الطفل وعدم تفاعله الإيجابي مع المجتمع ، وعدم قدرته على تكوين اتجاهات سوية نحو ذاته بحيث يكون متقبلاً لنفسه ، مما يشعره بعدم الرضا والإشباع من الحياة الأسرية والدراسية والعلاقات الاجتماعية".
حجم العنف الموجه ضد الأطفال في المجتمع:
- لتحديد معدل انتشار مشكله العنف ضد الأطفال في المجتمع يستخدم مصطلحان أساسيان في ذلك وهما مصطلح معدل الانتشار الإحصائي (Prevalence) ومصطلح معدل الحدوث الفعلي (Incidence) ، ويشير مصطلح معدل الانتشار عموماً إلى عدد الأفراد الذين تعرضوا على الأقل لفعل إساءة أو إهمال أو صورة من صور العنف الجسدي والنفسي المتعارف عليه خلال حياتهم السابقة ، وقد تكون هذه الحالات مسجلة أو غير مسجلة لدى المؤسسات والمنظمات المهتمة برعاية وحماية الأطفال ، أما مصطلح معدل الحدوث فيشير إلى عدد الحالات التي تعرضت للعنف والمسجلة بالفعل لدى هيئات ومنظمات رعاية وحماية الطفولة في كل عام ، بمعنى أن معدل الحدوث يرتبط بالتقارير المسجلة والمثبتة للحالات التي تعرضت بالفعل لصور من العنف ولا يتضمن بقية الحالات بالمجتمع والتي لا يوجد بشأنها تقارير لدى مؤسسات وقاية وحماية الطفولة.
- وعلى هذا تقاس معدلات الانتشار من التقارير الذاتية للمسوح التي تطبق على عينات من الأطفال والآباء ، في حين يحسب معدل الحدوث من التقارير الرسمية المسجلة لدى مؤسسات وجمعيات حماية ورعاية الطفولة (13).
- ويعرض تقرير الأمم المتحدة الأخير حول أوضاع الأطفال في العالم المستوى المتدهور عالمياً للأطفال وحجم العنف الموجه ضدهم من خلال أطر اجتماعية مختلفة تشمل: الأسرة، المدارس ، مؤسسات الرعاية البديلة ومرافق الاحتجاز ، والأماكن التي يعمل بها الأطفال والمجتمعات المحلية ، إضافة إلى استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة ، وذلك من خلال دراسات ميدانية واستبيانات حكومية موسعة حول العالم ، إضافة لشهادات الأطفال . ويكشف التقرير عن وجود 53000 طفل قد توفوا على مستوى العالم عام 2002 م نتيجة للقتل ، كما أشار التقرير إلى أن ما يتراوح بين 80 إلى 98% من الأطفال في العالم يعانون من العقوبة البدنية في منازلهم ، وأن ثلث هذه النسبة تواجه عقوبات بدنية قاسية ناتجة عن استخدام أدوات مادية عنيفة للعقاب.
- إضافة إلى العقاب البدني المباشر ، الذي قد يترك آثاراً جسدية واضحة أو لا يترك أية آثار ، أشار التقرير أيضاً إلى عمليات الترهيب الشفاهي أو البدني التي يتعرض لها الأطفال من البالغين المحيطين بهم ، ومن أخطر ما عرض له التقرير تلك الانتهاكات الجنسية التي
- يتعرض لها الأطفال ، حيث كشف التقرير عن وجود ما يقارب من 150 مليون فتاة تحت سن الثامنة عشر و73 مليون صبي عانوا من علاقات جنسية قسرية أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي أثناء عام 2002م. ومن الجوانب التي تناولها التقرير عمالة الأطفال في مناطق كثيرة من العالم حيث أشار إلى وجود 218 مليون طفل في عام 2004م. قد دخلوا مجال العمل منهم ما يقارب 126 مليون طفل في الأعمال الخطرة.
- ويكشف التقرير عن أن عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري يتراوح سنوياً مابين 133 مليون طفل و 275 مليون طفل على مستوى العالم ، وهو يشمل العنف المباشر ضد الأطفال داخل الأسرة والمنزل وأيضاً إهمال الأطفال وعدم رعايتهم مما يعرضهم للعنف.
- يلي الأسرة المدرسة التي يعتبرها التقرير المكان التالي الذي يؤسس لمجالات أوسع وأكثر تنوعاً من العنف ، حيث عنف المدرسين من جانب ، وعنف الأقران من جانب آخر ويشير التقرير صراحة إلى أن العنف الذي يمارسه المدرسون من خلال موافقة صريحة أو ضمنية من القائمين على المؤسسات التعليمية ، كما يمارس بعض التلاميذ العنف ضد التلاميذ الآخرين ، وخصوصاً هؤلاء القادمين من أسر فقيرة أو جماعات عرقية مهمشة .
- ثم يعرض التقرير حالات العنف ضد الأطفال في الوحدات المجتمعية الأخرى مثل المؤسسات المختصة برعاية الأطفال أنفسهم مثل مؤسسات رعاية الأيتام ودور الأطفال ودور الرعاية إضافة إلى معتقلات الشرطة والسجون ومرافق حبس الأحداث والمدارس الإصلاحية.
- هذا وإذا انتقلنا لحجم العنف ضد الأطفال في مجتمعنا العربي تحديداً ، نشير إلى انه إذا كان العنف ضد الأطفال لا يظهر كثيراً في الإحصاءات الرسمية في بعض الدول ، فإن هذا الأمر يكون أكثر وضوحاً في الدول العربية حيث لا توجد إحصاءات رسمية يعتد بها حول حجم هذه الظاهرة ، وقد يرجع ذلك لعدة أسباب أهمها:-
• حرص الأسرة العربية على عدم تدخل الأجهزة الرسمية في خصوصيتها، وذلك عندما يكون العنف الموجه للطفل من داخل الأسرة حيث إنها تعتبر هذه المشكلة شأناً خاصاً بها ، وأما إذا كان العنف الموجه للطفل من خارج الأسرة فإن حرص الأسرة على تدخل الأجهزة الرسمية يكون ناتجاً من خوفها على سمعتها ومكانتها الاجتماعية.
• العيب الاجتماعي في الإبلاغ عن هذه الجرائم يؤدي إلى وجود حرص شديد على إخفاء هذه الجرائم داخل نطاق الأسرة وعدم الخروج بها إلى العلن أو التبليغ عنها للجهات والمؤسسات المعنية بوقاية وحماية الطفولة.
• الحرص على العلاقات الاجتماعية بين الأسر والعائلات بالمجتمعات العربية يساهم في تسوية هذه المشكلات الخاصة بالعنف الموجه ضد الأطفال سواء من داخل الأسرة أو من خارجها ، وعدم الإبلاغ عنها للسلطات الرسمية أو مؤسسات رعاية الطفولة.
• عندما تتدخل السلطات في التعامل مع الجرائم الخاصة بالعنف ضد الأطفال فإنها تتخذ طرقاً تراعي فيها الحفاظ على سمعه وسلامة الأسرة ، لذلك قد لا تقوم بتسجيل مثل هذه الجرائم في السجلات الرسمية.
- ولكن مع تعرض الدول العربية لتيارات العولمة وزيادة نشاط منظمات المجتمع المدني في تعزيز الثقافة المدنية لدى المواطنين وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني لدعم شبكة الأمان الاجتماعي لدى المواطنين في المجتمع وتقوية وتمكين الفئات الضعيفة والمعرضة للخطر وإيمان المجتمعات العربية بأنه كلما كان المجتمع مفتوحاً على العالم الخارجي وليس منغلقاً على نفسه بحيث ينظر بريبة إلى تجارب وثقافات الآخرين ، ازدادت مقدرته على الاستفادة من خبرات الآخرين مع الحفاظ على عناصره الثقافية التقليدية التي يرى أنها ضرورية لصياغة حاضره ومستقبله ، فالمجتمع المفتوح يستطيع أن يرسم سياسته الاجتماعية بأسلوب متطور يجمع بين التقليدية والحداثة (14).
- ونتيجة للدور الذي لعبته الدول العربية في المنظومة الدولية فيما يتعلق باتفاقية حقوق الطفل وعولمة العنف ضد الأطفال ، والاتفاقيات المختلفة التي صادقت عليها الدول العربية تحت مظلة الأمم المتحدة ، فضلا عن اتفاقية عهد حقوق الطفل في الإسلام ، حرصت كل دولة عربية على ضرورة بذل جهود مكثفة لتوفير الحماية الضرورية للأطفال من كل إشكال العنف المادي والمعنوي والسعي إلى معالجة هذه الظاهرة داخليا بما يتفق مع إلتزاماتها أمام المجتمع الدولي وفي الحدود وبالأساليب التي تؤدي إلى تكاتف الجهود المحلية والقومية والإقليمية والدولية ، الأمر الذي أتاح مجالاً للكشف عن حالات للعنف الموجه ضد الأطفال ونشر بعض الإحصاءات التي تشير إلى تفاقم المشكلة في البلدان العربية في الفترة الأخيرة نظراً لتأثر الأسر العربية ببعض الإفرازات السلبية للعولمة ومنها تهميش دور العلاقات الأسرية والتماسك الأسري وتقبل المجتمعات ارتكاب الممارسات الشاذة والترويج لها ، وسيادة الاهتمام بالجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية والدينية (15).
إلا أن الأمر يحتاج لبذل مزيد من الجهد على المستوى الحكومي والأهلي بالدول العربية للتعامل مع ظاهرة العنف ضد الأطفال لكشف حالات العنف والإبلاغ عنها وتجريمها ، حيث ما زال يوجد تستر على حالات العنف ضد الأطفال ولا يناقش علناً إلاّ في أحوال نادرة ، كما أن المعلومات المنهجية المبنية على بيانات المسوح والبحث محدودة جداً ، فما زال الوضع يشكل تحدياً لوضع تقديرات موثقة لحجم العنف الموجه ضد الأطفال بمجتمعنا العربي في عالم العولمة.
أسباب العنف ضد الأطفال:
إن فهم طبيعة وأسباب العنف ضد الأطفال وتفهم المتغيرات المؤدية إلى ظهور هذه المشكلة في المجتمع يُعد أمرا حتمياً لصياغة مداخل وقاية وعلاج أكثر فعالية في التعامل معها وهذا الأمر كان وما زال يشكل تحدياً كبيراً للمهينين والأكاديميين ، وتوضح الدراسات أن تعرض الأطفال للعنف يرتبط بمجموعة من المتغيرات فلا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث العنف ضد الأطفال ، فحدوثه يرتبط بعوامل متعددة تتفاعل وتعزز بعضها البعض لينتج عنها إساءة معاملة الطفل أو إهماله ، فخصائص الوالدين والمستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة وخصائص الطفل ذاته ، وخصائص من يمارس العنف ضد الطفل إذا كان من خارج الأسرة والمحيط البيئي الذي تعيش فيه الأسرة ... ، كلها تسهم بأوزان نسبية مختلفة في حدوث العنف ضد الأطفال كما أن تعرض الأسرة لبعض المشكلات مثل (البطالة ، الفقر ، العزلة الاجتماعية ...) تؤثر بصورة مباشرة على حدوث العنف ضد الأطفال من خلال تأثيرها السلبي على الصحة النفسية وجودة الحياة النفسية للآباء (16)
ولقد أعتبر الفقر منذ التاريخ المبكر لحماية الأطفال متغيراً بيئياً من المتغيرات المؤدية إلى ظهور أشكال العنف ضد الأطفال داخل الأسرة ، وقد ركز الباحثون على تحديد العلاقة بين الفقر الأسري وممارسة العنف ضد الأطفال ، وعلى الرغم من أن العنف ضد الأطفال يمارس في كل الأسر ذوي مستويات الدخل الاقتصادي المختلفة إلا أن معظم حالات التعرض للعنف والإهمال تحدث في الأسر منخفضة الدخل الاقتصادي (17).
هذا ويمكن تصنيف أسباب العنف ضد الأطفال إلى ما يلي:
1- أسباب ترتبط بالوالدين: هناك العديد من العوامل ترتبط بنقص الخبرات والمهارات الاجتماعية للوالدين في تعاملهم مع أطفالهم ويترتب عليها ظهور مشكله العنف ومنها عدم معرفة الوالدين بطبيعة خصائص المراحل العمرية لنمو الطفل ، وفرط التأديب والعقاب الجسدي ، وعدم القدرة على ضبط النفس ، غياب مهارات التواصل الشخصي مع الآخرين عدم وجود توافق زوجي واستقرار بين الزوجين ، جهل الوالدين بأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة ، ضعف الوازع الديني ، عدم القدرة على مواجهة الضغوط الاجتماعية المحيطة...
2- أسباب ترتبط بالطفل: حيث إن صفات بعض الأطفال الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية قد تزيد أو تنقص من احتمال تعرضهم للعنف سواء من داخل الأسرة أو من خارجها ، وذلك في ضوء تفاعل هذه الصفات مع بقية المتغيرات المؤدية لظهور مشكلة العنف ضدهم ، فالأطفال الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والانطواء يكونون أكثر عرضة للعنف من غيرهم خصوصاً في حالة عدم وجود فهم من الوالدين لطبيعة احتياجات الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلة.
3-أسباب ترتبط بالبناء الأسري: ضعف تماسك البناء الأسري وعدم وجود قواعد داخل الأسرة قائمة على الحب والرعاية والاحترام والتقدير ، وسيادة الاهتمام بالجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية والدينية ، وتخلى الأسرة عن دورها في متابعة أبنائها ، مما يقلص من سلطة الأسرة وضعف عملية الضبط الاجتماعي ، يؤدي هذا إلى تعرض الأطفال داخل الأسرة للإهمال ومع وجود المغريات وعناصر الفساد في المجتمع يزداد احتمال تعرض هؤلاء الأطفال لأشكال شتى من العنف سواء داخل الأسرة أو من خارجها (18).
4- أسباب ترتبط بالبيئة المحلية (المحيط الذي يسكن فيه الطفل): حيث قد ينتشر العنف ضد الأطفال في بعض المجتمعات أكثر من غيرها ، فالدولة كاختراع اجتماعي تهدف إلى تنظيم شئون حياة المواطنين وحمايتهم ويمكن أن تكون وسيلة للارتقاء بمستوى معيشتهم كما أنها في نفس الوقت يمكن أن تكون مصدراً للنكوص بالإنسان إلى مرحلة الوحشية (19). حيث نرى المجتمعات المعاصرة وفي ظل العولمة تتأرجح عبر تدريج في أحد طرفيه مجتمعات عاقلة متحضرة يقل فيها العنف إلى طرف آخر يقل فيه عنصر العقل والتحضر على حساب زيادة مماثلة في معدلات العنف ، وهذا ينعكس بالضرورة على أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع وتكون على رأسها فئة الأطفال.
- حيث إن التطور المتسارع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتقدم التقني وعمليات التحديث المتسارعة في كافة المجالات ترتبط بها بالضرورة بعض الظواهر الإجرامية ومنها ما يتمثل في مظاهر شتى من العنف والذي يوجه إلى الفئات الضعيفة في المجتمع ، فتطور الحياة المادية في المجتمع سيتبعه تطور في الحياة الاجتماعية ، فتتطور سلوكيات المواطنين تطورات شتى سلبا وإيجابا ، كما تختفي سلوكيات وتنشأ أخرى لتواكب الحياة الجديدة ، وتطور العنف شأنه في ذلك شأن الكثير من السلوكيات ، كما تطورت أدواته ودوافعه وأساليبه.
* هذا وتتعدد أشكال العنف الموجه ضد الأطفال ، ويمكن حصره في الأشكال التالية:-
1- العنف البدني :- ويتعرض فيه الطفل للكم أو الحرق أو الجلد أو الدفع أو العض أو الرج ، أو غير ذلك من السلوكيات التي تحدث أذى أو ضرراً بدنياً ، وقد يتسبب أحيانا العنف البدني في إصابة الطفل بجروح بدنية قد تسبب له عاهة مستديمة.
2- العنف الجنسي :- ويتحدد في استغلال الطفل من قبل راشد للحصول على إشباع جنسي ، مثل اللمس والمداعبة للأعضاء الجنسية والممارسة الجنسية الفعلية وإتيان المحارم وإجبار الطفل على الدعارة كوسيلة للتكسب .
3- العنف المعنوي أو النفسي :- ويتحدد في قيام الآباء أو من يقومون برعاية الطفل بأفعال تتسبب في حدوث اضطرابات نفسية ، سلوكية ، انفعالية ، وتكوين خبرات سيئة شديدة للطفل ، وذلك مثل سبه بألفاظ غير لائقة وتعمد إحراجه أمام أقرانه وإهانته بصفة مستمرة وتشويه صورته أمام الآخرين بالتركيز على أخطائه وفشله ، وأيضا حرمانه من المساندة الانفعالية الإيجابية .
4- الإهمال :- وهو أحد أشكال العنف ضد الأطفال حيث يتسبب في تعرض الطفل للعديد من المخاطر ، ويتحدد الإهمال في نقص الرقابة المناسبة أو الفشل في توفير الاحتياجات الانفعالية والاجتماعية والتعليمية المناسبة للطفل .