و الواقع أن ظاهرة البطالة باتت تؤرق أغلب البلدان العربية، وتوضح إحصاءات منظمة العمل العربية مدى خطورة هذه الظاهرة على النحو التالي:
أ – تصل نسبة البطالة حاليًا إلى15% من إجمالي القوى العاملة العربية، أي ما يعادل حوالي 18 مليون عاطل يبحثون عن العمل و قادرون عليه و لا يجدونه، ويتوقع ارتفاع هذا العدد بالنظر إلى أن حجم القـوى العاملة العربية في ازدياد مطرد. ففي الدول العربية فرادى يتراوح معدل البـطالة في الفترة 2000-2003 ما بين 1.1 % و 3.9 % من إجمالي القوى العاملة في الكويت، والإمارات والبحرين وقطر، وما بين 26 % و 28 % في الجزائر والعراق وفلسطين. وتعاني فئة خرجي التعليم العالي من أعلى معدل للبطالة مقارنة بالفئات التعليمية الأخرى، واستفحلت هذه الظاهرة في العديد من الدول العربية؛ حيث تبلغ معدلاتها الضعفين في الأردن، وثلاثة أضعاف البطالة بين الأميين في الجزائر، وخمسة أضعاف في المغرب، وعشرة أضعاف في مصر. مما دفع بأعداد متزايدة من هذه الفئة للعمل خارج تخصصهم. ويتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل إلى 25 مليونًا في العام 2010، فيما يقدر حجم الداخلين الجدد في سوق العمل العربية بنحو 3 ملايين عامل سنويًا، وتقدر حجم الأموال اللازمة لتوفير فرص عمل لهم 15 مليار دولار سنويًا.
ب – غالبية العاطلين عن العمل من الداخلين الجدد في سوق العمل، أي من الشباب، ويمثل هؤلاء تقريبًا ثلاثة أرباع العاطلين عن العمل في دولة البحرين و84% في الكويت، وما يزيد على الثلثين في مصر والجزائر. أما معدلات البطالة بين الشباب نسبة إلى القوى العاملة الشابة فقد تجاوزت 60% في مصر والأردن وسورية وفلسطين و40% في تونس والمغرب والجزائر.
جـ – تستحوذ دول اتحاد المغرب العربي على الجانب الأكبر من قوة العمل العربية بنسبة 37.8%؛ حيث يوجد بها حاليًا 33.5 مليون عامل، من المتوقع زيادتها إلى 47 مليونًا عام 2010، ثم دول مصر والأردن واليمن والعراق، وبها 25.2 مليونًا تصل إلى 35 مليونًا عام 2010 بنسبة 27.7 %، ودول مجلس التعاون الخليجي، وبها 8.3 ملايين تصل عام 2010 إلى 11.4 مليونًا بنسبة 9.3 % من قوة العمل، فيما يتوزع الباقي، وهم 22.6 مليونًا، على بقية الدول العربية، ومن المنتظر زيادتهم إلى 30 مليونًا عام 2010.
وتتفاوت معدلات البطالة من دولة عربية لأخرى؛ ففي الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ترتفع حدة الظاهرة؛ حيث تبلغ 20% في اليمن، و21% في الجزائر، و17% في السودان، و9% في مصر، و8% في سوريا. وفي المقابل تنخفض في دول الخليج العربي ذات الكثافة السكانية المنخفضة؛ ففي سلطنة عمان يوجد نحو 330 ألف عاطل عن العمل، وفي السعودية نحو 700 ألف، وفي الكويت يصل العدد إلى 3 آلاف فقط.
و كذلك ترتفع معدلات البطالة المقنعة في جميع الدول العربية، وتختلف دول مجلس التعاون الخليجي بالمقارنة مع بقية الدول العربية في كون أن معدلات البطالة المقنعة تتجاوز كثيرا معدلات البطالة السافرة بين المواطنين.
تحديات التشغيل والبطالة في الدول العربية :
برغم أن المنطقة العربية من أسبق مناطق العالم النامي في استحداث وظائف جديدة، فقد استطاعت أن توجد سنويًا ما يزيد عن ثلاثة ملايين وظيفة جديدة، وهو إنجاز كبير، إلا أنه غير كاف، وغير متوازن في البلدان العربية، وتبقى المنطقة في عمومها محتفظة بأعلى معدلات البطالة بين مناطق العالم، إذ تجاوزَ معدلُ البطالة العامة فيها 14%، كما تبقى المنطقة ذات أعلى المعدلات في البطالة بين الشباب خاصة،إذ تجاوز معدلها 25%.
تحليل البطالة في الجزائر و الدول العربية :
لعل الشيء المميز للاقتصاديات الدول العربية هو الارتفاع الغير العادي لنسب البطالة عن المعدلات العالمية حيث جاء في تقرير منظمة العمل العربية، لشهر مارس 2005، تم تقديم تصور متشائم لتطور معدلات البطالة في البلدان العربية. ويرى التقرير أن الوضع الحالي للبطالة هو الأخطر بين جميع مناطق العالم، وأنه يجب على الاقتصاديات العربية استثمار حوالي 70 مليار دولار، ورفع معدل نموها الاقتصادي من 3% إلى 7%، وخلق خمسة ملايين منصب عمل، حتى يتم تخفيض نسب البطالة إلى معدلات مقبولة أو طبيعية .
و إذا استثنينا فلسطين و العراق أين تسود ظروف غير عادية، فإن كل الدول العربية تعرف نسب بطالة مرتفعة عن المعدلات العالمية، و هو أمر محير بالنسبة لبعض البلدان التي تتوفر على موارد معتبرة، حيث ترتفع نسبة البطالة في السعودية إلى حوالي 15%، وفي عمان 17.2%، وفي قطر 11.6% و كذلك بالنسبة للجزائر 23.7% في سنة 2003.
و إذا ربطنا معدل النمو بانخفاض نسبة البطالة في الدول العربية فإننا نجد أن العلاقة تكاد تكون ضعيفة بين النسب العالية للنمو ما بين 4% و 6% و انخفاض معدلات البطالة ما بين 2% إلى 3% في غالبية الدول العربية.
أما الجزائر فهي تعاني كبقية البلدان العربية من ارتفاع غير عادي في نسبة البطالة، و هو أمر يؤثر مباشرة على جهود التنمية و الانفتاح في الاقتصاد الجزائري، و لعل التعامل مع نسب بطالة مرتفعة يختلف كلية عن ما هو سائد في البلدان المتطورة أين تسود معدلات بطالة نوعا ما منخفضة[20]. و تحليل نسب النمو و البطالة بالنسبة للجزائر يبين اتجاهين رئيسيين:
- ارتفاع معدل النمو و ارتفاع نسبة البطالة في الفترة ما بين 1995 و 2000.
- ارتفاع معدل النمو و انخفاض نسبي في معدل البطالة في الفترة ما بين 2002 و 2005.
الاقتراحات :
كيفية مواجه ظاهرة البطالة ؟
باعتبار كون البطالة تعد بمثابة قنابل موقوتة تهدد الاستقرار في العالم العربي، فإن المطلوب وضع إستراتيجية عربية شاملة في هذا الشأن منها آخذة في الاعتبار عدة أمور منها:
- تأهيل الشباب حديثي التخرج من أهم التحديات التي تواجه المؤسسات وأنظمة التعليم والتدريب في الدول العربية، حيث يفتقر كثير منها إلى العمالة المتخصصة في المجالات التي يحتاجها سوق العمل، مما يساعد في سد الفجوة بين العرض والطلب على العمالة.
- خلق قاعدة معلوماتية قومية للوظائف المطروحة والباحثين عنها، و هنا يمكن الاستفادة من تجربة بعض الدول الغربية في إنشاء بنوك قومية للتوظيف توفر قواعد معلومات ضخمة للوظائف الشاغرة في القطاعين العام والخاص، يتم تحديثها يوميا، وتكون متاحة من خلال مواقع إنترنت متخصّصة أو دليل شهري يوزع بمقابل مادي رمزي على الباحثين عن العمل.
- تنظيم عملية استقدام العمالة الأجنبية وتقنينها، بحيث تقتصر صلاحيتها حصراً على الأجهزة المختصة فقط، وعدم تعدد الجهات والمصادر التي تقوم بذلك.
- ترشيد عملية استقدام العمالة الأجنبية وذلك من خلال حصرها في مهن محددة.
- تحسين الأداء الاقتصادي العربي، وتحسين مناخ الإستثمار في الدول العربية، وإزالة القيود التنظيمية والقانونية التي تحول دون اجتذاب الأموال العربية في الخارج، والتي يقدرها بعض الخبراء بنحو 800 مليار دولار، ولا شك أن عودة هذه الأموال للاستثمار في الدول العربية سوف يساهم في كبح جماح مشكلة البطالة، ويساعد على توفير فرص عمل لا حصر لها للشباب العربي.
- إن تحقيق النمو الإقتصادي أمر لا غنى عنه من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على البطالة والفقر في الوطن العربي والنمو الحالي يبين ضعف المستوى، ولن يتسنى تحقيق ذلك دون أن يكون هناك نمو في القطاع الخاص كأداة أساسية ورئيسية للنمو الاقتصادي ولتوليد فرص العمل، وإزالة كل ما يعترضه من عقبات وضرورة التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي من شأنها تشغيل أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل.
- إن زيادة الإستثمارات تدفع إلى حل مشكلة البطالة التي يمكن أن تزيد من فرص العمل، ولاشك أن وجود عمالة متعلمة يعد مفتاحا للمساهمة في عالم يتسم بالعولمة، فخلق وظائف هي أولوية لا تسبقها أولوية ومن أجل توسيع الفرص لابد من خلق المناخ الذي يتمكن فيه القطاع الخاص و الاستثمارات الأجنبية في الإسهام للقضاء على هذه الظاهرة وتأمين فرص عمل، ولابد من وضع شرطا للقبول في قانون الإستثمار الجديد، وذلك بمنع الشركات الأجنبية من استخدام الأيدي العاملة الأجنبية والإقتصار على العمالة الأجنبية المتخصصة و التي يحتاجها سوق العمل في الوقت الحاضر لحين إعداد وتدريب كوادر وطنية، وعلى أن تعتمد على استخدام كثافة الأيدي العاملة في المشاريع.
- إنشاء هيئة أو مركز متخصص بالسكان النشطين اقتصاديًا وإيجاد قاعدة معلومات متكاملة تقوم توفر كافة البيانات عن سوق العمل وإجراء بحوث مسحية و إعداد الدراسات الخاصة بالظاهرة حالياً وبناء التصورات المستقبلية والتي تساعد على وضع سياسات خاصة بالعمالة ولمجابهة المشكلة والإسراع في وضع الإستراتيجية لضمان توفر فرص العمل مستقبلاً وتحليل الآثار المختلفة للظاهرة وبرامج الحد منها.
- ضرورة مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي وعقد ندوات فكرية وثقافية لتعريف المواطن بالآثار السلبية لتزايد حجم البطالة على مختلف جوانب الحياة، وكذلك أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة.
- تمكين المرأة وتوظيف قدراتها ومشاركتها في الحياة العامة لتصبح عضوا فاعلا في المجتمع وزيادة مجالات فرص عمل المرأة باعتبارها طاقة كامنة مهدورة.
- تشجيع التعليم الفني المهني لكلا الجنسين وبيان أهمية التعليم المهني في تنمية المهارات والقدرات البشرية المعرفية والتقنية للعمالة وسيكون له دور هام في تجهيز العمالة لمواجهة التغيرات الهيكلية والتحولات التي طرأت على طلب اليد العاملة في سوق العمل،كما يتطلب فتح مراكز تدريب لتمكين الاقتصادي للفرد وخصوصا فيما يخص الحاسوب واللغة والذي يساعدهم في الحصول على عمل.
- نظراً لاختلاف التركيبة الحالية للسكان في الوطن العربي من حيث العدد، النوع، الجنسية، والتوزيع في المناطق فإن الواقع يتطلب أن تقوم الجهات المختصة بالعمل على إجراء دراسة مسحية شاملة للسكان، وذلك لما تقتضيه الظروف والدوافع الراهنة سواء ما يتعلق منها بالجانب الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي والعلمي.
-دعم عملية التدريب المستمر، وبخاصة التدريب التأهيلي والاستثمار فيه.
-دعم عملية التعليم المستمر للقوى العاملة، وبخاصة لمن هم دون الشهادة الثانوية.
خاتمة :
يمكن القول بأن البطالة هي بقاء الفرد بلا عمل وعجزه عن الكسب بغض النظر عن أسباب ذلك ،كما أن البطالة تاريخيا تحكمت فيها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، وبالنظر إلى ما ذكر من أرقام فلا مجال للشك في أن البطالة قد تجاوزت الخطوط الحمراء خاصة في الوطن العربي ،فللبطالة انعكاساتها على المجتمعات ماديا ومعنويا وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، مما يتوجب على الجميع أفرادا وحكومات الإسراع إلى تدارك المشكلة واحتوائها عن طريق إيجاد علاج مناسب لها للنهوض بالمجتمع ومؤسساته المختلفة.قائمة المراجع :
- عاطف عجوة : البطالة في العالم العربي وعلاقتها بالجريمة، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ،الرياض، ،1985.
- أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي :الجامع الصحيح– تحقيق أحمد شاكر- باب ما جاء في النهي عن المسألة، حديث رقم 679 ، دار الكتب العلمية، بيروت.
- عباس صالح : العولمة وآثارها في البطالة والفقر التكنولوجي في العالم الثالث ، الاسكندرية ،مصر ،مؤسسة شباب الجامعة ،دط ،2004 .
- قاسيمي ناصر : خريجو الجامعة وسوق العمل ،رسالة ماجستير ،معهد علم الاجتماع ،جامعة الجزائر 1991 -1992 .
- الخضري سعيد : أزمة البطالة وسوء استغلال الموارد العربية ، القاهرة،مصر ،دار النهضة العربية ،د ط ، 1989 .
- عبد القادر محمد علاء الدين : البطالة ، الاسكندرية ، مصر ، منشأة المعارف ،د ط ، 2003 .
- حسين عمر : موسوعة المصطلحات الإقتصادية ،جدة ،المملكة العربية السعودية ،دار الشروق ،د ط ، دت.
- الأشوح زينب صالح ، الاطراد والبيئة ومداواة البطالة ، القاهرة ، مصر ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، د ط ، 2003 .
- ماهر أحمد : تقليل العمالة ، الإسكندرية ،مصر ، الدار الجامعية ، دط ، 2000 ، ص353 .
- فكري أحمد نعمان : النظرية الاقتصادية في الإسلام ، دبي ، الامارات العربية المتحدة ، دار القلم ، ط1، 1985 .
- مرسي كمال الدين عبد الغني : الحل الاسلامي لمشكلة البطالة ،الاسكندرية ، مصر ،دار الوفاء،ط1،2004، ص21.
- التقرير الإقتصادي العربي الموحد لعام 1996 ،نقلا عن كتاب الحل الاسلامي لمشكلة البطالة لمرسي كمال الدين عبد الغني ، ص23.
- محمد دمان ذبيح : الآليات الشرعية لعلاج مشكلة البطالة ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير ، إشراف الدكتور حسن رمضان فحلة ، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الاسلامية،جامعة باتنة ،2007- 2008 ، غير منشورة .