أبعاد العولمة وتأثيرات التدفق الإعلامي على الدول النامية

أثنوغرافيا …

أبعاد العولمة وتأثيرات التدفق الإعلامي على الدول النامية ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي

يعالج الكتاب …

مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …

أصل الدين - فيورباخ

أبعاد العولمة وتأثيرات التدفق الإعلامي على الدول النامية …

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…

مبادئ علم الاجتماع

إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …

نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل
…

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…

أبعاد العولمة وتأثيرات التدفق الإعلامي على الدول النامية
إعداد
د . مجذوب بخيت محمد توم

مقدمـة :
إن الدافع الذي دعا لكتابة هذه الورقة هو الإحساس العميق بالظلم الذي يقع على دول العالم النامي بسبب التدفق الإعلامي وسريان المعلومات غير المتوازن من الدول الصناعية الكبرى تجاه الدول النامية ، والتي تقع دولنا في دائرتها ، وهي الدول الإسلامية والعربية والإفريقية. وهي مشكلة لا تكمن في الاختلال الناجم عن هذا التدفق فحسب ، وإنما في احتكار تلك المعلومات أيضاً ، مما أدى إلى تضرر الدول النامية بسبب حجب كثير من المعلومات النافعة والتي يمكن أن تخدم قضية التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية باعتبارها معلومات سرية ، كالطاقة النووية والذرية وإن كانت تستخدم لأغراض سلمية.

قبل ذلك تناولت الورقة موضوعاً ذا علاقة وثيقة بالتدفق الإعلامي وهو موضوع العولمة وأبعادها ، خاصةً البعد الثقافي والإعلامي ، باعتبار أن موضوع العولمة موضوعاً شائكاً ، له تعريفات متباينة ، وحوله رؤى متعددة .

هناك ثمة حاجة للربط بين موضوع العولمة والتدفق الإعلامي مادام هناك تداول للمعلومات ، خاصة وأن هذا التداول يرتبط بطبيعة الحال بمراكز قوى ومصالح اقتصادية وسياسية وأمنية ... الخ . ومهما اختلفت التفسيرات والرؤى حول موضوع العولمة إلا أن الجميع يتفق على أن مفاهيم العولمة لايمكن سريانها بين أقطاب العالم المختلفة إلا عن طريق حركة معلوماتية عارمة .

العولمة وأبعادها

تعريف العـولمة :

من الصعوبة بمكان الاتفاق على تعريف جامع مانع للعولمة ، وذلك لكثرة الرؤى حولها ، والتي تتأثر باتجاهات الباحثين ومواقفهم منها . ولكي نضع لمفهوم العولمة إطاراً عاماً ، نستعرض بعض التعاريف والأقوال التي تناولها الباحثون :
 العولمة ترجمة للمصطلح الإنجليزي Globalization وهي تعني إكساب الشيء طابع العالمية.(1)
 العولمة مشروع حضاري غربي متكامل البنيات ، أوجده التلاقي بين التطلعات والحاجات الغربية من جانب ، والإمكانات المادية الهائلة التي أوجدتها الطفرات الكبيرة في تقنيات الاتصال والمعلومات والصناعات المتقدمة من جانب آخر.(2)
 العولمة كما يراها الكثير من المفكرين والكتاب هي سيطرة وغلبة ثقافة من الثقافات على جميع الثقافات في العالم.( 3)
 وهناك من فرَّق بين العالمية و العولمة ، فقال إن ( العالمية تفتُّح على العالم ، وعلى الثقافات الأخرى ، واحتفاظ بالخلاف الآيدولوجي ، أما العولمة فهي نفي الآخر ، وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع الآيدولوجي ).(4)

يقصد الغرب بمصطلح العولمة Global أو Universalأن الغرب قد حقق أهدافاً عالية في مجال التكنولوجيا والكمبيوتر ، فتطور خلال السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً في حقل الاتصالات ، والمعلومات ، والإنترنت ، وحقق الكثير من الإنجازات . أما المنظور الأمريكي للعولمة فإنه يجمع بين أمور التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والسلوك والقيم والأخلاق ، أي لا يريد أن يسـيطر على الجوانب المادية فحسب ، إنما يتعدى ذلك إلى القيم الاجتماعية للشعوب.(5)
ونرى ثمة فرقاً بين العالمية والعولمة ، فالعالمية تفتح الخصوصية ، وترتقي بها إلى ما هو عالمي وكوني ، أي أنها تعتبر قاسماً مشتركاً ، تنفذ من خلاله رؤية تعبر عن وجهة نظر تستوعب جميع الثقافات والتكتلات والآراء ، في إطار التساوي في التعايش بين بني الإنسان . أما العولمة فهي تعبِّر عن وجهة نظر خاصة تريد أن تبسط سيطرتها على الرؤى الأخرى على المستوى الإقليمي أو العالمي .

ويجب أن تفهم العولمة في سياق التطور السياسي للإنسانية ، ولا ينبغي تعميمها على المستقبل ، إذ لم تكن حقيقةً في الماضي ، وكما رأى الناس انهيار الماركسية بأم أعينهم ، بعد أن روج لها دعاتها واعتبروها أنموذجاً فكرياً يحمل حل المشكلات الاقتصادية والسياسية في العـالم ، فإن العولمة تأخذ دورها كأحد حلقات ذلك التطور(6) . فكلما تغيرت المعطيات في النظام العالمي ظهر تطور جديد .

تقوم العولمة أساساً على تحرير التجارة الدولية ، وفتح الأسواق أمام البضائع الواردة من الخارج ، وهذه القضية تشكل عقبة أمام البلدان النامية ، فيتعرض اقتصادها للمخاطر ، وتضعف مكاسبها المحتملة ، إذ تتعرض لمنافسة الدول الصناعية ، وهي منافسة غير متكافئة ، وهذا الواقع يجعل الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقراً ، خاصةً وأن القوانين التي تحكم مسار العولمة غالباً ما تتحيز للدول الغنية .

تتمتع السلع في البلدان الغنية بتخفيضات جمركية أكبر من السلع المستوردة من بلدان نامية ، 45% بالمقارنة مـع 20% إلى 25% ، في حين أن البـلدان النامية تواجه الآن كمجموعة تعريفات جمركية أعلى بنسبة 10% عن المتوسط العالمي ، فإن أقل البلدان نمواً تواجه تعريفات جمركية أعلى بنسبة 30% لأن التعريفات الجمركية لا تزال عالية على السلع ذات الإمكانات الكبيرة بالنسبة لأفقر البلدان ، مثل المنسوجات والجلود والسلع الأساسية الزراعية(7).
ولكن العولمة لا تقف عند المفهوم الاقتصادي فحسب و إنما تتعدد أشكالها وصيغها ، وتتفاوت تطبيقاتها ، وتتشعب تفسيراتها وأبعادها ، فبالإضافة للبعد الاقتصادي فهناك أبعـاد أخرى لا تقل عنه أهمية ، كالبعد السياسي ، والثقافي ، والإعلامي .

أبعـاد العـولمة :

لتغلغل العولمة ، وتشعبها في شتى مناحي الحياة ، نتطرق هنا باختصار إلى أبعادها الاقتصادية ، والسياسية ، والثقافية . وذلك لارتباطها جميعاً بالبعد الاتصـالي والإعلامي ـ الذي سنتناوله بتفصيلٍ أكثر ـ إذ أن هذه الأبعاد الثلاثة تتخذ من الإعلام والاتصالات الحديثة ـ وعلى رأسها القنوات الفضائية التلفزيونية ـ وسيلة أساسية لتجد طريقها إلى التغلغل والتطبيق .

أولاً : البعد الاقتصادي :
وهو البعد الأكثر بروزاً في أبعاد العولمة ، إذ أن مفهوم العولمة قد كرسته اتفاقية اقتصادية هي الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات General Agreement for Trade and Tariffs التي عرفت اختصاراً بالجات GATT .
لقد بدأت مفاوضات تحرير التجارة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ، وإنشاء منظمة الأمم المتحدة ، وطال أمد هذه المفاوضات نظراً لتضارب المصـالح ، واختلاف وجهات النظر ، فلما تعثرت ، رُؤِيَ عقد اتفاقية مؤقتة لحين الانتهاء من المفاوضات ، و استمرت المفاوضات على مدى نصف قرن إلى أن تم التوصل إلى صيغة وُقِّع عليها في المغرب عام 1993م ، وقد شارك فيها مندوبو جميع دول العالم بما في ذلك الدول الإسلامية ودول العالم الثالث.(8)
وبناءً على هذه الاتفاقية ، يتم إلغاء الرسوم الجمركية ، وغيرها من القيود ليصبح العالم سوقاً واحدة ، ومن ثم يتسنى للشركات أن تقيم المصانع ، وغيرها من الأنشطة التجارية في أيِّ مكانٍ شاءت من العالم ، كما يمكن تحويل ملكية الدولة للقطـاع الخاص ، في إطــار ما يسمى بـ ( الخصخصة ) ، وتحرير أسواق المال والأوراق المالية من أيِّ قيود .
ومن ثم فإن هذه الاتفاقية تتيح للدول الغنية ـ وهي صاحبة رأس المال ـ أن تسيطر على الدول الفقيرة من خلال شركاتها العاملة هناك .

ثانياً : البعد السياسي :
إن الحماية الاقتصادية التي تجدها الشركات الأجنبية داخل الدول ، تنعكس على النظام السياسي لهذه الدول ، إذ تؤدي إلى تقليص دور الدولة وتراجعه أمام تلك الشركات ، التي تتحرك بدعم ومساندة القوانين الدولية ، ومن ثم تتدخل الدول الأجنبية لحماية شركاتها ، فتظهر انعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية عامةً في الدولة ، ويكون ذلك أكثر وضوحاً في الدول النامية ، حيث يتم الحديث عن الديمقراطية ، و الحريات العامة ، و حرية الإعلام . ويتبعه الحديث عن قوانين الدولة ، وأنظمتها تجاه الأقليات ، وحقوق الإنسان ، والإرهاب ، وغير ذلك مما يسفر عن الأهداف والأبعاد السياسية جرَّاء الاتفاقيات الاقتصادية .

ثالثاً : البعد الثقافي :

من أهداف العولمة في المجال الثقافي ، أن يسير البشر على النمط الغربي ، ووفق تقليده وسلوكه ، ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في أنشطة المؤسسات الغربية في الدول النامية ، وعلى سبيل المثال ما تقوم به هيئة المعونة الأمريكية ، والمعونة الأسترالية ، وسيدا كندا وهي تتبع للحكومة الكندية ، ودانيدا الدنمارك ، وفنيدا فلندا ، ونورادا النرويج ، وسيدا السويد ، وغيرها . والمؤسسات المذكورة توفر التمويل للجمعيات الأهلية النسائية في دول العالم الثالث، مستغلةً ندرة مواردها . ومما يشير إلى الاتجاه الاستغلالي لهذه المؤسسات ، أن تمويلها قاصر على الدول الفقيرة ، كمصر ، والمغرب ، وتونس ، والجزائر ، والسودان ، وموريتانيا . ولإضفاء الهدف الثقافي لمؤسسات التمويل ، فإنها لا تغيب عن النشاط الثقافي لهذه الجمعيات، بل تنفذ للمشاركة في الأنشطة المختلفة كالمؤتمرات ، والمعارض ، والمحاضرات.(9)
ومن الأنشطة التي تعتبر مظهراً من مظاهر السيطرة الثقافية أيضاً ، مؤتمرات المرأة العالمية ، كمؤتمر بكين الذي انعقد في عام 1995م ، والذي خرج بوثيقة مشهورة تدعو إلى :(10)
{1} إلغاء التحفظات التي تستند إلى أساس ديني أو حضاري .
{2} اعتبار أن الأسرة والأمومة والزواج من أسباب قهر المرأة ، وأن حق الإنجاب حق مكفول للأفراد والمتزوجين على حدٍ سواء .
وقد خاطبت الوثيقة مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي لضمان تطبيقها .

ومن انعكاسات العولمة على الجانب الثقافي ما بدا واضحاً في مؤتمرات الأمم المتحدة ، كمؤتمر الأمم المتحدة للسكان الذي انعقد في القاهرة عام 1992م ، ومؤتمر حقوق الإنسان الذي انعقد في فينا عام 1993م ، والتي كشفت عن تغليب معايير الثقافة الغربية.(11)

ويبدو واضحاً أن ما تخرج به مثل تلك المؤتمرات من مقررات ، وما تقوم به مؤسسات التمويل الغربية من أنشطة ينم عن انعكاس حقيقي لمفهوم العولمة في بعدها الثقافي .

البعد الإعلامي للعولمة وآثارها في القنوات الفضائية العربية :

يعد الإعلام في حد ذاته بعداً للعولمة ، كما يعتبر أيضاً آلية من الآليات التي لا يمكن الاستغناء عنها في تنفيذ الأبعاد الأخرى للعولمة ، ( وإن من القوى الرئيسة التي تعتمد عليها العولمة، عالمية الاتصالات التي تترتب على تطور تقنيات الأقمار الصناعية ).(12) ومن هنا يبرز دور القنوات الفضائية التلفزيونية ـ بصفةٍ خاصة ـ في ترسيخ العولمة .
ومقصود العولمة الذي يطفو إلى السطح ، هو إزالة الحواجز والحدود بين الثقافات وحركة الاقتصاد والمجتمع وإتاحتها للجميع على طول العالم وعرضه . وهذا أمر مقبول من حيث النظرة العامة . لكن السؤال المطروح هو : هل ستكون هناك عدالة في إتاحة تلك القضايا للجميع ؟ وبإمكانيات متساوية ؟ وأجهزة اتصال متكافئة ؟
لا شك أن العالم الثالث هو الذي سيخرج خاسراً من هذه المنافسة ، وذلك لضعف إمكانياته وقدراته الاتصالية .
وفي الواقع أن العولمة هي الآلة التي يريد بها الغرب طمس قسمات الشعوب ، وتشكيلها حسب رؤيته ، ويريد أن يسير العالم وفق مفاهيمه تجاه قضايا الاقتصاد ، والثقافة ، والسياسة، والأمن ، والسلام ، وحقوق الإنسان ، والحرية … الخ . ولكن من المعروف أن لكل أمة مفاهيم ، ورؤى ، واتجاهات تقيس عليها تلك القضايا .
من هنا تجد وسائل الاتصال العربية ـ والقنوات الفضائية على وجه الخصوص ـ نفسها أمام تحدٍ كبير ، وهو تأثير تيارات العولمة المتعددة ، والمتشعبة ، والمتداخلة . والتي لا تعتـرف ـ في الواقع ـ بأيِّ ثقافة غير الثقافة الغربية ، ذلك وأن ( بعض الكتاب الأمريكيين يحاولون الإيحاء بأن ثقافات البلاد الأخرى هي ثقافات تقليدية غير ملائمة ، لأنها إما ثقافات نخبة أو صفوة ، أو ثقافات مكبلة بالقيود ، أو هي ثقافات ذات توجهات دينية ).(13)

التدفق الدولي للمعلومات

إن ظاهرة التدفق الإعلامي الحر Free Flow of Information بدأت تأخذ مكانها دولياً خلال الحرب العالمية الثانية ، وهو الوقت الذي برزت فيه الولايات المتحدة الأمريكية كقوة مؤثرة في العالم ، وقد انعكست تلك القوة على ما تم إبرامه من معاهدات بين الدول أثناء وبعد الحرب ، مما أدى إلى صبغ تلك المعاهدات بالصبغة الغربية . ومن مركز القوة هذا استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض نظامها الحر لتدفق المعلومات ، ليصبح أساساً لتدفق المعلومات على المستوى الدولي ، وفي عام 1946م أصدرت الأمم المتحدة الإعلان الخاص بحرية تدفق المعلومات Declaration on Freedom of Information .(14)

تدفق المعلومات آحادي الاتجاه :

في ظل طموح الدول الغربية عامةً ، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص ، ورغبتها في بث ثقافتها وآيدولوجيتها ومراميها الاقتصادية ، وفي ظل امتلاكها للآلة الإعلامية الحديثة ، وتقنياتها المساعدة المتمثلة في الأقمار الاصطناعية وغيرها، ومن ثم ظهور القنوات الفضائية التلفزيونية ، فإن كل هذه المعطيات جعلت المعلومات تسير في اتجاهٍ واحد ، من الشمال إلى الجنوب ، ومن الغرب إلى الشرق ، أي من الدول الغنية تجاه الدول النامية . ومن ثم فإن إعلان حرية تدفق المعلومات قد صار آحادي الاتجاه .

( وقد أكدت اليونسـكو UNESCO أن المعلومات تتدفق في اتجاهٍ واحد ، وذلك في تقريرها الذي جاء فيه [ إننا نعتقد أن ما يعرف باسم التدفق الحر للإعلام هو في حقيقة الأمر تدفق في اتجاهٍ واحد ، وليس تبادلاً حقيقياً للمعلومات] ).(15)

وتتعرض الدول العربية كغيرها من دول العالم الثالث إلى ذلك التدفق آحادي الاتجاه ، خاصةً وأن للدول الغنية طموحات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والجزيرة العربية تملي عليها لأن يسير هذا التدفق صوب المنطقة على وجه الخصوص .

الاختلال في تدفق المعلومات :

إنه رغم هذا التدفق الهائل للمعلومات ، هناك عدم توازن في انسيابها ، ليس بين الدول الغنية من جهة والدول النامية من جهةٍ أخرى فحسب ، إنما أيضاً بين الدول ذات الأفكار والآيدولوجيات ، مثل ما حدث بين الدول الرأسمالية والاشتراكية . وهناك اختلال بين الدول النامية نفسها ، حسب التفاوت بينها في القوة والمصالح والسياسات .
كذلك هناك اختلال كمي بين الدول النامية في المواد الإعلامية ، كالاختلال بين الأنباء السياسية من جهة ، والأنباء الاجتماعية والثقافية والاقتصادية من جهةٍ أخرى ، حيث يظهر طغيان الأنباء السياسية على غيرها .
كما أن هناك اختلال نوعي بين ما يطلق عليه الأنباء السارة والأنباء السيئة ، إذ تغطي أنباء الدول الغنية الإنجازات والابتكارات ومظاهر التطور والتقدم ، بينما تظهر أنباء الدول النامية من بوابة الأزمات ، أو ما يسمى بأخبار الأزمــات Crisis News ، كالـحروب والانقلابات والمجاعات والفيضانات والزلازل … الخ .
أما عن تدفق المعلومات على نطاق الدول العربية ، فهناك إمكانية لتدفق المعلومات بينها بشكلٍ متوازن ، فمن المفترض أن يشكل انتشار القنوات الفضائية فيها أرضاً خصبة تحول دون أن يكون ذلك التدفق مخلاً ، لأن القرب الجغرافي بين هذه الدول ، والصلات الثقافية والدينية بينها ، واللغة ، وحجم السكان ، كلها عوامل تؤهل لعدم الاختلال في تدفق المعلومات .
لكن عدم الاستقرار السياسي ، والتبعية الإعلامية ، والسياسية ، والثقافية ، والاقتصادية للغرب ـ في معظم الدول العربية ـ تجعل ذلك التوازن أمراً صعب المنال .

احتكار المعلومات :

توفر القنوات التلفزيونية التي تبث عبر الأقمار الاصطناعية الكثير من المعلومات التي تخدم التنمية ، وتسهم في ترقية المجتمعات ، وتفتح للإنسان آفاق المعرفة والتطور في شتى مناحي الحياة ، ولا ريب في أن أي دولة نامية بحاجة إلى المعلومات التي تساعدها على التخطيط لبرامجها التنموية ، واكتشاف ما تحويه أرضها من إمكانات اقتصادية مختلفة .
لكن هذه المعلومات تبقى حكراً لدى الدول الغنية ، حيث تتعامل معها كسلعة لا يمكن إتاحتها إلا للشركات التابعة لتك الدول ، والتي تقوم بدورها للبحث عن استثمارات في الدول النامية بناءً على تلك المعلومات ، التي ربما تريد الدولة المتعلقة بها كتمانها لظروفها الخاصة ، أو ربما لا تكون على علمٍ بها أصلاً ، ومن ثم ينوب الضرر البلدان النامية من خلال العقود التي تبرم معها من قبل تلك الشركات.(16)
لقد أصبح تعبير ( العلم السري ) تعبيراً عادياً في قاموس الدول الغربية ، يستخدم هذا التعبير ليبرر استثناء بعض مجالات البحث العلمي من قانون حرية المعلومات باعتبار أن البوح به قد يضر بالمصالح الأمنية والاقتصادية.(17)
ولم يقتصر احتكار المعلومات على تلك المعلومات التي يُبرر احتكارها على أنها تتعلق بالمصالح الأمنية والاقتصادية فحسب ، بل انعكس ذلك على الأخبار وغيرها من المعلومات .
خاصةً وأن وكالات الأنباء العالمية وهي آسوشيتـد برس Associated Press ويونايتد برس إنترناشونال United Press International الأمريكيتين ، ورويترز Reuters الإنجليزية، ووكالة الصحـافة الفرنسيةFrance Press Agency تسيطر على 80% من المعلومات المتداولة دولياً ، و 90% من كمية الأخبار المتداولة على مسرح الأحداث العالمية.(18) وذلك رغم انتشار العديد من وكالات الأنباء الوطنية حول العالم .
و المأمول من القنـوات الفضائية العـربية الإفادة من كلا النوعين من المعلومات ـ الاقتصادية والإخبارية ـ والعمل في ظل هذا التدفق الكثيف للنهوض بشعوب الدول العربية من خلال برامج تنموية وثقافية.

مظاهر التدفق الإعلامي الغربي في البلاد العربية :

انتشر البث المباشر عبر القنوات الفضائية بصورة متسارعة ، فاقت كل التوقعات ، في ظل تكالب الدول لجني فوائده الدعائية و الترويجية ، ورخص أسعار أجهزة الاستقبال والهوائيات التي أصبحت في متناول الغني والفقير .
وقد بادرت الدول الغربية ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ـ إلى دعم هذا البث ، استناداً إلى مبادئ حرية الإنسان وحصوله على المعلومات التي يريد.(19)
وهذه الدول دعمت هذا التوجه في ظل تفوقها التقني في مجال الاتصالات ، إذ أن البث المباشر يحمل أقوى أنواع الدعاية الثقافية والاقتصادية التي تريد بثها إلى بقية بلدان العالم .
وعلى نطاق العالم العربي ، لم يكن البث المباشر هو المظهر الوحيد للتدفق الإعلامي في البلاد العربية ، لكن هناك العديد من المظاهر الأخرى التي كرست سيطرة الإعلام الغربي على هذه الدول ، ومن تلك المظاهر يجدر بنا ذكر ما يلي(20) : ـ

(1) تحكم عدد من وكالات الأنباء في النظام الإعلامي الدولي :

وعلى رأس هذه الوكالات وكالات الأنباء الدولية ، وذلك لما لها من وسائل تكنولوجية ، وكوادر بشرية ، وقدرة على جمع المعلومات وتوزيع الأنباء عبر العـالم بلغات متعددة . ولكلٍ من هذه الوكالات مكاتب في أكثر من مائة دولة ، وتستخدم آلاف الموظفـين ، وتعمل على مدار الساعة ، وتوزع خدماتها للوكالات المحلية ، ولمحطات التلفزيون والإذاعة على طول العالم وعرضه ، ومن ثم فإن الدول العربية تعتمد في استقاء أنبائها بشكل أساسي على هذه الوكالات ، ( في الوقت الذي أثبتت فيه الأبحاث العلمية تحيز هذه الوكالات ضد الدول العربية ودول العالم الثالث عموماً ).(21) يتم هذا في غياب وكالات أنباء تمتلك شبكة مراسلين خاصة بها في الدول العربية ، إذ تعتمد بشكل أساسي على الاشتراك في وكالات الأنباء العالمية . وهذا يؤكد القول بأن ( جميع دول العالم الثالث تتلقى 80% من الأنباء العالمية من لندن وباريس ونيويورك ).(22)

استطاعت هذه الوكالات الصمود ، ومجاراة التقنية الجديدة في مجال الاتصال الفضائي عبر الأقمار الاصطناعية ، وعدلت من أساليبها ، وإنتاجها ، فتمكنت من الاستمرار في سيطرتها على حركة المعلومات في العالم ، على الرغم من ظهـور وكالات أنبــاء تلفزيونية ـ تهتم بالخبر المصور ـ في ظل التقنية الجديدة .

ولا تقف مظاهر التدفق الإعلامي الغربي على حجم هذا التدفق فحسب ، بل على نوعه أيضاً ، ذلك أن الكثير من الأحداث الإيجابية التي تقع في العالم العربي يشوبها التشويه والتحريف ، بل وغض الطرف عنها أحياناً ، بينما هناك تركيز وتفخيم للأحداث السلبية كالكوارث والأزمات والحوادث .

(2) سيطرة المصادر الإخبارية المصورة على الأخبار العربية :

للأخبار المصورة أسلوبها الدقيق في التعبير ، لذلك تميزت بقيمة إعلامية ربما تفوق الكلمة أحياناً . ولما كانت الدول العربية مثار اهتمام الغرب ، فقد سعت الدول الغربية لبسط نفوذها الإعلامي على المنطقة العربية ، ومن ثم وجهت الكثير من هذه الدول شبكات وقنـوات كبرى لتحكم سيطرتها على الأخبار المصورة في وسائل الإعلام العربية بشكلٍ خاص ، وعليه فقد أصبحت الدول العربية تتلقى إرسال الشبكة الكابلية الإخبارية Cable News Network المعروفة اختصاراً بـ CNN ، ومن حسن طالع هذه الشبكة أن بدأ إرسالها إلى المنطقة العربية مع بداية حرب الخليج الثانية ، بعد اجتاح العراق للكويت ، مما جعلها تحقق أرباحاً خلال الأزمة في تجارة المعلومات بلغت 134 مليون دولار .
كذلك تتلقى معظم الدول العربية الناطقة بالفرنسية إرسال القناة الفرنسية الدولية CFI .

(3) الأقمار الاصطناعية :

استخدمت الدول الغربية الأقمار الاصطناعية في بث المواد الإعلامية إلى المنطقة العربية ، ومن أمثلة ذلك ما قامت به فرنسا ، حيث استخدمت تلك الأقمار في التبادل البرامجي مع الأردن لأول مرة على نطاق الدول العربية ، وبموجب ذلك أصبحت تصل الأردن حقيبة إخبارية منتظمة من هيئة الإذاعة الفرنسية . كما اتفقت دول الخليج والتلفزيون الفرنسي على بث يومي عبر قمر المحيط الهندي .
ولما دخلت الدول العربية مجال استخدام الأقمار الاصطناعية ، كان هذا الاستخدام لاستقبال الأخبار من الخارج وليس للتبادل الإخباري .

الخاتمــــة :
لا أحسب أن المقصود من مثل هذه الورقة هو إيراد أبعاد العولمة على وجه التفصيل ، أو تناول تأثيرات التدفق الإعلامي على الدول النامية على وجه الحصر ، لكنها أشارت إلى جانب مهم من ذلك ، يمكن أن يفتح باباً للنقاش ونافذةً للتداول العلمي ، خاصةً وأن العالم يعيش صراعاً تترجمه المصطلحات الإعلامية التي يتم تداولها عبر وسائل الاتصال الجماهيري ، ومن ذلك : سياسة القطب الواحد وإزدواجية المعايير ، ومصطلحات أخرى تختلف الرؤى حول تفسيراتها ، كالإرهاب وحقوق الإنسان ... والأمثلة كثيرة .

المراجع :

1. الدكتور منصور زويد المطيري : العولمة في بعدها الثقافي ، مجلة كلية الملك خالد العسكرية ، العدد 58 ، صفر 1420هـ ـ مايو 1999م ، ص 33 .
2. د . أحمد عثمان التويجري : الدين والعولمة ، المجلة العربية ، العدد 273 ، شوال 1420هـ ـ فبراير 2000م ، ص 38 .
3. بربر علوي السادة : العولمة طريق الهيمنة ، مجلة الوعي الإسلامي ، العدد 409 ، رمضان 1420هـ ـ ديسمبر 1999م / يناير 2000م ، ص 6 .
4. محمد عابد الجابري : العولمة والهوية الثقافية .. عشر أطروحـات ، مجلة المستقبل العـربي ، العدد 248 ، أكتوبـر 1999م ، ص 15 .
5. د . أحمد شلبي : العولمة ، مجلة المنهل ، العدد 557 ، المحرم 1420هـ ـ أبريل / مايو 1999م ، ص 46 .
6. عبد العظيم حماد ( مساعد رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية ) : سلسلة كتاب المعرفة (7) ، نحن والعولمة .. من يربي الآخر ، بعنوان : الاتجاهات المضادة للعولمة ، روناء للإعلام المتخصص ، الرياض ، رجب 1420هـ ـ أكتوبر 1999م .
7. تقرير التنمية البشرية لعام 1997م : منشور لحساب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP ) ، مجلة الاجتهاد ، العدد 38 ، السنة العاشرة ، شتاء العام 1418هـ ـ 1998م ، ص 71 .
8. د . جمال الدين عطية ، العولمة ، مجلة المسلم المعاصر ، العدد 90 ، السنة الثالثة والعشرون ، رجب / شعبان / رمضان 1419هـ ـ نوفمبر / ديسمبر 1999م ، ص 5 .
9. سهيلة زين العابدين حماد : المرأة المسلمة ومواجهة تحديات العولمة ،مجلة المنهل ـ الإصدار السنوي الخاص ،شوال / ذو القعدة 1420هـ ـ يناير / فبرايـــــر 2000م ، ص 84 ـ 89 .
10. نفس المصدر ، والصفحات .
11. د . جمال الدين عطية ، المصدر السابق ، ص 6 ـ 10 .
12. د . عبد الرحمن يسري : نحو سياسة اقتصادية موحدة للعالم الإسلامي في مواجهة العولمة ، مجلة الاقتصاد الإسلامي ، العدد 217 ، ربيع الآخر 1420هـ ـ يوليو 1999م ، ص 56 .
13. أحمد ثابت : العولمة والخيارات المستقلة ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 248 ، تشرين الأول / أكتوبر 1999م ، ص 19.
14. محمد نجيب الصرايرة : التدفق الإخباري الدولي .. مشكلة توازن أم اختلاف مفاهيم ، مجلة العلوم الاجتماعية ، العـدد الأول ، المجلد السابع عشر ، ربيع 1989م ، ص 240 .
15. هدى العشاوي : جناية القنوات الفضائية على القراءة عند الأطفال ، المجلة العربية ، العدد 231 ، السنة العشرون ، ربيع الآخر 1417هـ ـ أغسطس / سبتمبر 1996م ، ص 58 . بتصرف .
16. انظر الدكتور راسم الجمال : مقدمة في وسائل الاتصال .. الأقمار الصناعية ووظائفها الاتصالية ، مكتبة مصباح ، جدة ، الطبعة الأولى ، 1409هـ ـ 1989م ، ص 173 .
17. أ . د . أحمد فؤاد باشا : التقدم العلمي في ظل العولمة والنموذج الإسلامي لتفاعل الحضارات ، مجلة الموقف ، العدد 141 ، يوليو 1999م ـ ربيع الأول 1420هـ ، ص 43 .
18. انظر محمد نجيب الصرايرة : مرجع سابق ، ص 246 . وانظر مظفر مندوب : جهاز تلفزيون الخليج ودوره في الحد من ظاهرة التدفق الإعلامي من الخارج ، مجلة التوثيق الإعلامـي ، العدد الرابع ، المجلد الأول ، السنة الأولى ،1402هـ ـ 1982م ، ص 74 .
19. د . زيد بن عبد المحسن الحسين : بين بيع الوهم .. وتأصيل الفهم ، مجلة الفيصل ، العدد 256 ، شوال 1418هـ ـ فبراير 1998م ، ص 6 .
20. د . سوزان أحمد القليني : الاختراق الإعلامي الأجنبي في الوطن العربي ، مجلة شؤون عربية ، مصدر سابق ، ص 70 .
21. جيهان أحمد رشتي : الإعلام الدولي بالراديو والتلفزيون ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1985م ، ص 376 ، بتصرف .
22. د . عواطف عبد الرحمن : قضايا التبعية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث ، سلسلة دار المعرفة 78 ، مطابع دار الرسالة ، الكويت ، رمضان 1404هـ / يونيو 1984م ، ص 74 .

» الثورة المعلوماتية والاتصالية في زمن العولمة ومأزق الدول “ “النامية “
» العولمة الاقتصادية وما خلفته من تبعية وتخلف اجتماعي على الدول النامية
» التدفق الإعلامي المرئي وتأثيره على العلاقات الاجتماعية للشباب : درارسة سوسيولوجية على طلاب جامعة المنصورة /
» اريد كتب تتحدث عن الاسكان
» العرب وتحديات عصر العولمة في عصر العولمة تتجدد تساؤلات عصر النهضة