مقدمــة
تتعدد جرائم المخدرات ، ومن ثَمَّ تتعدد وجهات النظر المختلفة المفسرة لها ، حيث أنه لا تستطيع نظرية واحدة بمفردها تفسير تلك الجرائم ، فكلُُّ منها تفسر تلك الجرائم من جانبٍ واحد ، ومن ثم تركز بصورة مكثفة على قطاع معين من المتغيرات التي تسهم في تفسير ذلك الجانب . ويحوي تراث علم الاجتماع العديد من الاتجاهات النظرية التي تصدت لتفسير جرائم المخدرات ، ويمكن تقسيم تلك الاتجاهات كما يلي :
أولا : الاتجاهات النظرية المفسرة لسوء استخدام المخدر .
ثانيا : الاتجاهات النظرية المفسرة لاختلاف الجريمة بين الرجل والمرأة .
أولا : النظريات المفسرة لسوء استخدم المخدرات :
إن الحقيقة التي تجمع عليها الدراسات الاجتماعية التي أجريت حول تفسير ظاهرة تعاطي المخدرات ، هي أن مشكلة تعاطي المخدرات تمثل مشكلة متعددة الأبعاد والمتغيرات ، فلا توجد نظرية واحدة أو عامل واحد أو متغير بعينه ، يمكن في ضوئه تفسير أسباب تعاطي المخدرات ، حيث تتعدد العوامل ، وتتباين أهميتها من مجتمع لآخر ، ومن فرد لآخر ، ومع ذلك يمكن تحديد مجموعة من النظريات تتعلق بأسباب حدوث تعاطي المخدرات ، ويمكن عرضها كما يلي :
1- نظريات الشخصية Personality Theories :
تري هذه النظريات أن سوء استخدام المخدرات ناتج عن العمليات التي تمر بها مراحل تطور ونمو الشخصية ، فالمشكلات العاطفية والاضطرابات العصبية توضح وتفسر العوامل التي تؤدي إلي سوء استخدام المخدرات . ففي دراسة أجراها D,Ausubel علي عينة قدرها 30 مدمنا عام 1958 ، أشار فيها إلي أن المدمن يتسم بشخصية خاصة ، حيث تفتقد شخصيته القدرة الكافية علي احتمال القلق والإحباط ، كما أنه يسعى وبشكل دائم إلي محاولة استخدام أية دعامات من أي نوع يمكن أن تكون متاحة ، كما أن الشخص الذكر المدمن للمخدرات ، يعاني من ضعف بناء الأنا Ego Structure ، وضعف الأنا الأعلى super Ego ، كما أنه شخص غير كامل
الذكورة .
2- النظريات المجتمعية Societal Theories:
وتدور هذه النظريات حول ثلاث قضايا هي كما يلي :
ترى القضية الأولي أن أسباب سوء استخدام المخدرات ناتج عن عجز المجتمع عن تحقيق أهداف الشباب المعلنة ثقافيا بالوسائل المشروعة اجتماعيا أو حتى بالوسائل غير المشروعة اجتماعيا ، الأمر الذي يبرر استخدام هؤلاء الشباب للأسلوب الانسحابي ، وتعد المخدرات هي الوسيلة المناسبة لهذا الأسلوب . حيث يري " ميرتون " أن الأفراد الذين يستخدمون الأسلوب الانسحابي كأحد أنماط التكيف الانحرافي يتميزون بأنهم لا ينتمون إلي المجتمع ، وإن كانوا يعيشون بداخله ، فهم لا يشاركون في الإطار العام لقيم هذا المجتمع . كما يري كل من " ريتشارد كلوارد أوهلين " و" لويد أوهلن" أن الأفراد الذين يستخدمون التكيف الانسحابى يندمجون فيما أطلقا عليه الثقافة الفرعية الانسحابية Retrealist Subculture ، حيث ينسحب أعضاء هذه الثقافة بعد مشاعر الإحباط الناجمة عن افتقادهم الفرصة المشروعة أو الفرصة غير المشروعة ، ويتوافر هذا النوع من الثقافات في المناطق المتخلفة غير المستقرة Unstable Slum Area فأعضاء هذه الثقافة يواجهون فشلا مزدوجاً ، حيث يعجزون عن تكوين ثقافة فرعية إجرامية أو ثقافة فرعية صراعية .
أما القضية الثانية لهده النظريات ، فتؤكِّد علي أن المبرر الذي يجعل الشباب يقبلون علي الأنواع المختلفة من المخدرات ، هو أن هؤلاء الشباب يعتبرون أن الإقبال علي تلك الأنواع من المخدرات بمنزلة وسائل مرئية لمعارضة المجتمع ، حيث التحدي للسلطة لإثبات الذات ، فسوء استخدام المخدر يعد بمنزلة رفض للقيم وأساليب الحياة في ثقافة الراشدين .
أما القضية الثالثة فتوضح أن سوء استخدام المخدر يعد بمنزلة إنذار أو أمر مبشر بحلول أخلاق اجتماعية جديدة ، وهي أخلاق المتعة السريعة والجديدة ، فلقد بدأت أخلاقيات العمل القديمة في التواري والاختفاء .
3- النظريات التفاعلية Interactional Theories :
ترى هذه النظريات أن سوء استخدام المخدرات له ثلاثة مكونات هي :
المكون الأول : ويتضمن ضرورة أن تكون المخدرات موجودةً قبل الاستخدام.
المكون الثاني : ويركز علي أن سوء استخدام المخدرات يتم في ضوء المجالسات التي تتم مع الناس الذين سبق لهم أن أدمنوها . وهذا الدعم السابق يجعل الفرد مقبولا داخل الجماعة بشرط عدم إعلانه عن الأنشطة التي يمارسها مع هؤلاء الناس سواء لوالديه
أو لجماعات الحكم المحلي .
المكون الثالث : ويشير إلي أن الأفراد يبدءون في الاستخدام السيئ للمخدرات كاستجابة لجماعتهم المرجعية ، ويبدو ذلك واضحا عند المراهقين ، حيث التجانس الواضح بينهم في مجال اللبس والموسيقي واللغة غيرها .
ويري أصحاب النظريات التفاعلية أن الدافع الرئيسي عند الفرد هو الرغبة في الانضمام إلي جماعة محددة خاصة يسلك فيها الفرد ويتصرف بشكل مشابه تماما لسلوكيات وتصرفات أعضاء هذه الجماعة . كما يري أصحاب هذه النظريات أن مجرد توفر المخدرات والجماعة المرجعية لا يعد أمراً كافيا ، فهناك قطاع عريض من أفراد المجتمع يتسمون بالاجتماعية إلي حد كبير ، لدرجة أنهم يعتبرون أن الاستخدام السيّيء للمخدرات أمر غير مرغوب فيه . لذا فإن المكون الثالث للنظريات التفاعلية يتمثل في أن الأفراد الذين يقبلون علي الاستخدام السيّيء للمخدرات تنتفي عندهم الاتجاهات السلبية أو حتى الحيادية تجاه الاستخدام السيئ للمخدرات ، فالفرد الذي يعتقد اعتقادا تاما بأن الاستخدام السيئ للمخدرات يعد بمنزلة تجربة إيجابية أكثر من كونها سلبية ، وأن هذا الاعتقاد الذي وصل إليه الفرد تم في ضوء اعتماد الفرد علي أنشطة الجماعة المرجعية التي ينتمي إليها ، هنا يكون الفرد قد بدأ الخطوة الأولي نحو الاستخدام السيئ للمخدرات. (Brown & Brown, 1975 : 116 - 118 )
4- نظرية الثقافة الفرعية للمخدرات :
يري " زاسترو" أن قرار تعاطي الفرد للمخدرات لا يعتمد فقط علي الخصائص الشخصية والخلفية الأسرية للمتعاطيين ، ولكنه يعتمد على دور جماعة الرفاق في تفسير عملية التعاطي ، والكمية التي يتعاطاها الفرد في وقت معين ، والأنشطة الأخرى التي تندمج مع عملية التعاطي ، حيث وجد " هوارد بيكر " في دراسته " Becoming a Marjuana User " أن جماعة الرفاق تؤدى دوراً حاسما في عملية تعلم تدخين الماريجونا ، فحينما تُدْخل جماعة الرفاق شخصاً مبتدئاً في عضويتها ، تقوم بتعليمه التدخين لكي يدرك الخبرات السارة المرتبطة بعملية التعاطي ، كما أن العضوية في مثل هذه الجماعة تشجع علي تعاطي المخدرات غير المشروعة أكثر من المخدرات
المشروعة ، وتعلم العضو أيضا كيفية تقبُّل معايير الثقافة الفرعية المؤيدة
للمخدرات ، وَرفْض معايير الثقافة الرافضة للمخدرات ، كما أن أعضاء هذه الجماعة يندمجون في جرائم أخرى كالسرقات والسطو علي المنازل ، وذلك لتدعيم عاداتهم الادمانية ، وعلي الرغم من أن مثل هذه الثقافات الفرعية تعد معوقة وظيفيا
للمجتمع ، فإن مثل هذه الثقافات تؤدي وظائف مهمة
لأعضاء الجماعة ، منها ما يلي:
إمداد أعضاء الجماعة بتعليمات عن كيفية تعاطي المخدرات .
إمداد أعضاء الجماعة بالعديد من الإرشادات المتعلقة بالاستخدام الآمن لجرعات المخدر.
المساعدة في مواجهة الآثار الضارة المترتبة علي تعاطي المخدرات.
تسهيل عملية الحصول علي المخدرات .
حماية أعضاء الجماعة من إمكانية القبض عليهم .
إقامة حفلات جماعية لأعضاء الجماعة للاستمتاع الشخصي بأثر المخدرات .
(Zastrow , 1997 , : 112 – 113 )
لقد تبلورت المعتقدات الثقافية المعاصرة علي جَعْل مدمن المخدرات في صورة المدمن الشرير dopefiend وذلك في ضوء فرضية مؤداها " أن تعاطي المخدرات يسبب تغيراً في الشخصية يترتب عليه ارتكاب السلوك الإجرامي " ، حيث تقول ميورفي ( Murphy,1922 ) عن تعاطي الماريجوانا Marjhuana " : إن الأشخاص الذين يتعاطون هذا المخدر ، يدخنون الأوراق الجافة من النبات التي يكون لها تأثيرها علي قيادتهم الجنونية ، فالمدمن في أثناء قيادته للسيارة يفقد الإحساس الكلي بالمسئولية الأخلاقية ، وحيث إن المدمن يقع تحت تأثير هذا العقار ، فإن ذلك يعفيه من العقاب ، فهو يفقد تماما الإدراك والوعي بحالته ، وينتمي إلي هؤلاء المصابين بالهذيان ، ويكون قادراً علي ارتكاب جريمة قَتْل أو الانغماس في أية صورة من صور العنف نحو الأشخاص الآخرين ، مستخدما أقصي الأساليب البدائية في الوحشية دون الإحساس بأية مسئولية أخلاقية .
كما أن تعاطي المخدرات يؤدي إلي تدمير الدور الأساسي للمؤسسات الأسرية والدينية ، والذي يترتب عليه تعرض الشباب وخاصة البنات لرذائل ما قبل الزواج والاختلاط ، بل والاتصال الجنسى بالعديد من الأفراد ، ولقد أدت مثل هذه الأمور إلي ظهور العديد من التشريعات القانونية في كندا في الفترة من عام 1908 حتى 1923 والتي كان الهدف منها حظر استيراد وصناعة وإنتاج وبيع المخدرات - كالأفيون والماريجونا – في غير الأغراض الطبية . وحيث إن صياغة وصنع مثل هذه القوانين يؤدي إلي تجريم عادات رُئِيَ أنها ضارة بأفراد المجتمع الكندي ، فإن ذلك يترتب عليه خلق مشكلات اجتماعية من ناحية ، وتسهيل العمل الإجرامي من ناحية أخري ، حيث يتم من خلال عملية التجريم تحويل الهوية الذاتية من كونها معيارية وسوية Normal إلي اعتبارها منحرفة Deviant ، وذلك من خلال تطبيق
وتنفيذ القوانين الجديدة علي المعتمدين علي المخدرات ، سواء في تجارتها أو زراعتها أو توزيعها أو تعاطيها Hester & Eglin , 1992 : 34 – 35 ). ويؤكد بيكر Becker أن عملية صنع قوانين المخدرات ، كان لها دور في توضيح القيم التي يتم المطالبة بها ، والتي كان لها دوراً في مشروعية تحريم المسكرات والمخدرات ، كما قام " بيكر " بتصنيف تلك القيم إلي ثلاث قيم ؛ هي:
القيمة الأولي : هي أن الفرد يجب ألا يفعل شيئا يمكن أن يسبب له فقدان الضبط الذاتي Self Control .
أما القيمة الثانية : فَمُفَادها أنه " يجب علي الفرد ألا ينهمك في أفعال الهدف منها فقط تحقيق حالات النشوة " .
أما القيمة الثالثة : فهي تتعلق بالمذهب الإنساني ، حيث إن الناس مستعبدون في تعاطي الكحول ، وأنه يمكن الاستفادة من ذلك في صُنْع قوانين تجعل من المستحيل علي الناس الاستسلام لمواطن ضعفهم (Becker,1973: 136).
نماذج تأثير استخدام الكحول والمخدرات:
ولفهم تأثير الكحول والمخدرات ، يمكن عرض النموذجين الآتيين :
النموذج الأول : هو النموذج الفسيولوجي والفارماكولوجي و الطبي :
Physiological , Pharmacological and Medical Model
ويفترض هذا النموذج أن المنبه الكيميائي للمخدرات والكحول يؤدي إلي سلوك محدد له تأثير علي المتناولين لها ، فسلوك الفرد يمكن فهمه في ضوء تأثيرات ذلك المخدر ، فللمخدرات تأثيرات فطرية مؤكدة ، كما أن الأشخاص الذين يتعاطون هذا المخدر ، يتوقعون في ضوء خبراتهم أنهم يتصرفون بأساليب نمطية تتفق ونوع المخدر.
النموذج الثاني : هو النموذج الثقافي أو السوسيولوجي : Sociological or Cultural Model
ويفترض هذا النموذج أن هناك بعض الأشياء تتوسط فيما بين المنبه الكيميائي وسلوك وخبرات الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات ، هذا الشيء هو البعد الثقافي ، وهو مجموعة من المعتقدات والمفهومات والمعرفة وطرق الفعل التي تكون خاصة بجماعة معينة فيما يتعلق ببعض أنماط السلوك ، فتأثيرات المخدرات يمكن فهمها من خلال ثقافة الجماعة التي تستخدم أو تتعاطي هذه المخدرات . (Hester & Eglin , 1992 : 37 – 38 )
ثانيا- الاتجاهات النظرية المفسرة لاختلاف الجريمة بين الرجل والمرأة :
يعد مجال إجرام النساء مجالاً مهملاً من مجالات البحث علي الرغم من ازدياد الاهتمام
بالمرأة في القرن العشرين ( سامية الساعاتي ، 2005 : 174) ، ومن أسباب إهمال الجرائم النسائية ، أن النساء - كما تشير الإحصائيات الجنائية - أقل تورطاً في الجريمة من الرجال ، كما أن جرائم النساء غالباً ما تكون تافهة ، وأقل خطورة ، هذا بالإضافة إلى أن جرائم المرأة ، غالباً ما تنحصر في البغاء والإجهاض وقتل المواليد ، إلا أنه منذ السبعينيات من القرن العشرين ارتفعت معدلات الجرائم التي ترتكبها المرأة الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من الباحثين إلى دراستها . ( سامية إبراهيم ، 1996 : 88–89).
ولقد اتجه غالبية علماء الإجرام إلى عدم التمييز بين عوامل إجرام المرأة وعوامل إجرام الرجل , بل اعتبروا اختلاف الجنس من عوامل الإجرام فحسب , ولكن في الآونة الأخيرة ، ظهرت إرهاصات تنادي بضرورة التمييز بين عوامل إجرام المرأة وعوامل إجرام الرجل ، ذلك لأن الإحصاءات في كثير من الدول تشير إلى أن إجرام المرأة يختلف عن إجرام الرجل ، من حيث الكم والكيف ، وأن إجرام المرأة أقل من إجرام الرجل ، ويعد " أدولف كتيليه " العالم البلجيكي ، هو أول من أثبت أن المرأة أقل أجراما من الرجل ، حيث وجد أن القوة البدنية للرجل تعادل ضعف قوة المرأة , ولذا فإن جرائم المرأة يجب أن تكون أقل من نصف جرائم الرجل ، كما توصل " سذرلاند " و" كيرسي" إلى أن جرائم الذكور تفوق جرائم الإناث ( أحمد المجدوب ،1976:34-35)، ولقد تباينت الآراء في تفسير اختلاف جرائم المرأة وانخفاضها عن جرائم الرجل ، ومن بين هذه الآراء ما يلي :
أن الاختلاف في التكوين الجسماني ووظائف الأعضاء بين الرجل
والمرأة ، يؤدي إلى الاختلاف في طبيعة الجرائم التي يرتكبها كل من الرجل
والمرأة (Carol , 1977 : 89 )
أن الاختلاف في الظروف المحيطة بالبيئة لكل من الرجل والمرأة من حيث المركز الاجتماعي ، والدور الذي يقوم به كل منهما ، يؤدي إلي الاختلاف في كم الجريمة وأنماطها بين الرجل والمرأة ، فالرجل يواجه الأعباء الاقتصادية في فترة مبكرة من حياته ، في حين تكون الأنثى محاطة بكثير من أوجه الحماية .
طبيعة التكوين الهرموني للمرأة ، حيث إن الجهاز العصبي للأنثى أقوى من الجهاز العصبي للذكر ، لذا يكون الذكر أكثر عرضة للانفعال من الأنثى ، ومن ثم فإن قدرة المقاومة عند الأنثى أقوى من قدرة المقاومة عند الذكر ( ماجدة فؤاد ، 2009 ، 108-109 )
غير أن هناك بعض الباحثين أمثال " مارشيه " ، و" جان بيناتل " ، و " أوتوبلاك " ، أثبتوا أن الجرائم النسائية المرتكبة والمعلنة ، لا تمثل الحقيقة المطلقة ، فهناك العديد من الجرائم الخفية التي لا تصل إلى علم الشرطة ؛ كجرائم الإجهاض ، والسرقات من المحلات الكبرى والبغاء ( أحمد المجدوب ، 1976 : 19-20 ) .
ولقد انتقد أنصار علم الإجرام النسوى نظريات علم الإجرام التقليدي ، حيث إنها على مر التاريخ لم تظهر أي اهتمام بالتباين النوعي بين الرجل والمرأة ، بسبب
النوع ، وظهرت حركتهم خلال القرن العشرين في غرب أوربا وأمريكا الشمالية ، وقد أيدها كثير من علماء الجريمة ، وهناك خمسة عناصر في نظرية الحركة النسائية
تميزها عن الأشكال الأخرى من النظرية الاجتماعية هي كما يلي ( عدلى
السمري ، 2002 : 365 -366 ) .
لا يعد النوع Gender حقيقة طبيعية فقط ، ولكنَّه نتاجُُ اجتماعيٌ وتاريخيُُّ وثقافيُُّ معقدُُ ، وبالرغم من ارتباطه بالتباين البيولوجي فإنه لا يستند عليه ببساطة .
يؤدي النوع دوراً أساسياً وحيوياً في تنظيم الحياة الاجتماعية .
على الرغم من تباين علاقات النوع وأبنية الرجولة ( الذكورة ) والأنوثة ، فإنها ترتكز على تدعيم مبدأ أساسي هو تفوق الرجل على المرأة ، وسيطرته عليها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً .
تذهب أنساق المعرفة ، التي تعكس وجهات نظر الرجل عن العالم الطبيعي والاجتماعي ، إلى أن إنتاج المعرفة أمر مرتبط بالنوع .
يجب أن تكون النساء محور البحث الفكري , وألا يكون وضعهن هامشياً وغير منظور بالنسبة للرجال .
ولقد وضع أنصار علم الإجرام النسوي عدة منظورات ، ينظر كل منها لعلاقات النوع من خلال منظور متميز وهي :
الاتجاه النسوى الليبرالى Liberal Feminist ( التنشئة الاجتماعية) :
ترجع جذور الاتجاه النسوي الليبرالي إلي المثاليات الاجتماعية عن الحرية والمساواة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، حيث كانت الحرية تعني التحرر من تدخل الدولة ، وخاصة فيما يتعلق بالأمور الشخصية . ويركز أنصار هذه الاتجاه علي ضرورة إعادة تنظيم الدولة ، حتى تحصل المرأة علي نفس حقوق الرجل ، فإنكار حقوقها يترتب عليه خضوعها واستعبادها . ويري أنصار الاتجاه النسوي الليبرالي أن أحد أسباب التحيز النوعي ضد المرأة ، هو التنشئة الاجتماعية القائمة
علي أساس النوع ، فالإناث حتى في المجتمعات الغربية المتقدمة صناعيا تُفرض عليهن رقابة حازمة أكثر من الذكور ، الأمر الذي يتيح مزيدا من الحرية للذكور ، فضلا عن تلقيهم التشجيع علي الطموح والنضال خارج المنزل ، إلا أن الإناث يتعلمن السلبية والحياة المنزلية
العائلية ، ومن هنا فإن المرأة غالبا ما تكون غير فعالة للعنف لعدم اكتسابها الاستعداد والخبرة ، وإن كانت تتعلم مهارات الدفاع عن النفس . ويرجع انخفاض معدلات جرائم النساء من وجهة نظرهم إلي أن نمط ومعدل الجرائم التي يرتكبها كل جنس تعبر عن نمط شخصيته ، والدور الاجتماعي الذي يقوم به .
والجريمة من وجهة نظر أنصار هذا الاتجاه، تعد من سمات ومحددات
الذكورة ، ومن ثمَّ فإن ذلك يساعد في تفسير انخفاض معدلات جرائم النساء . ويري بعضهم الآخر أن الحركة النسائية أدت إلي المساواة بين الجنسين في الحقوق ، وتضاءلت بعض الفروق بين الأدوار القائمة علي التباين النوعي ، وأصبح انحراف الذكور والإناث أكثر تماثلا . وقد أشارت إلي هذه النقطة " فريدا أدلر " (AdLer , 1975 ) في كتابها " أخوات في الجريمة" ، حيث ترى إلي أن حركة تحرير المرأة أدت إلي زيادة معدلات الجرائم التي ترتكبها المرأة ، كما أدت إلي ميل المرأة إلي تناول المخدرات ، والخمور ، وتدخين السجائر ، بل والشجار ، والانضمام إلي عصابات إجرامية ، وأن مثل هذه السلوكيات تساير طبيعة الأدوار الذكورية.
كما تشير " ريتا سيمون " R.simon ، إلي أن هناك علاقة ايجابية بين مشاركة المرأة في العمل علي اختلاف مستوياته وبين ارتكابها للجرائم في مجال العمل ، خاصة ما يعرف بجرائم ذوي الياقات البيضاء ،كجرائم التزوير، والتزييف والاحتيال ، والاختلاس . كما تري أيضا أنه كلما زادت فرص العمل المهني للمرأة ، زادت بالضرورة جرائمها في المستقبل وتورطها في اتخاذ الجريمة كمهنة Crime as Career ، وسيصاحب ذلك تغير في أنماط الجرائم التي ترتكبها ، والأدوار التي تقوم بها في زمرة الجماعات الإجرامية .
الاتجاه النسوى الماركسى Marxist Feminist ( الوضع الطبقي ) .
يركز أيضا هذا الاتجاه علي نَقْد المجتمع الرأسمالي الذي ينحاز دائما إلي الرجل نتيجة أيديولوجية العلاقات الرأسمالية ، فالملكية الخاصة التي تعد محور الإنتاج الرأسمالي ينتج عنها سيطرة الذكور ، أي عدم المساواة بين الرجال والنساء ، وأيضا بين الطبقات ، ولذا يعد تحكم الذكور من سمات المجتمع الطبقي ، فالمجتمع الرأسمالي يتطلب إعادة إنتاج قوة العمل ، ولذا يرتبط وضع المرأة بالأسرة والمنزل ،
ومن ثَمَّ فإن جرائم المرأة لا تتسم بالعنف مثل السرقة من المحلات والبغاء ، وفي حالة تورط المرأة في جرائم عنيفة ، فإن طريقة مشاركتها تظهر انعكاساً لدورها النوعي ووضعها الاجتماعي ، فهي أقل استخداما للأسلحة النارية ، وإذا قَتَلَتْ فإنها تقتل الزوج أو العشيق باستخدام السكين ، وهكذا تعكس جرائم المرأة وضعها السيئ والمتدني في النظام الرأسمالي .
ويؤكد أنصار الاتجاه الماركسي أن العنف ضد النساء غير موجود تقريبا في المجتمعات التي لا تعرف الإنتاج السلعي ، حيث يتساوي فيها الجنسان . وعندما تأخذ تلك المجتمعات طريقها نحو الإنتاج ، يزداد سيطرة الذكور ويتراجع وضع المرأة ، فأنماط الإنتاج الاستغلالية في المجتمعات الطبقية ، تزيد من حدة اللامساواة علي أساس
النوع ، ويزداد بالضرورة ارتكاب المرأة للجريمة .
الاتجاه النسوي الراديكالي Radical Feminist ( الحتمية أو الطبيعية البيولوجية )
يركز بعض أنصار الاتجاه الراديكالي علي الحتمية البيولوجية أو الطبيعة البيولوجية عند مناقشة الجريمة ، فعلي سبيل المثال بالنسبة لجريمة الاغتصاب ، يعد الرجل بحكم الطبيعة هو المفترس ، وتعد المرأة بحكم الطبيعة أيضا هي الفريسة ، ولذا فإن أسباب خضوع النساء ، وأسباب سيطرة الرجال تكمن في الطبيعة البيولوجية . ويذهب بعضهم الآخر إلي أن أوضاع النساء الاجتماعية من أسباب وقوعهن ضحايا علي أيدي الرجال ، فالصورة الطبيعية للذكر هو الذكر العدواني ، والصورة الطبيعية للأنثى هي الأنثى التي تعاني وتقاسي هذا العدوان ، فالعنف ضد النساء يعد سلوكا شائعا في كل زمان ومكان . فعنف الذكر هو انعكاس لعالمية سيطرة الذكر ، وثانوية مكانة المرأة .
4- الاتجاه النسوي الاشتراكي Socialist Feminist ( التفاعل بين النوع والطبقة )
يري أنصار هذا الاتجاه ، أن القوة الناتجة عن التباين النوعي والطبقي تعد أمرا حيويا في فهم ودراسة الجريمة . ونظر لأن الرجال ، ورجال الإدارة العليا ، وأعضاء الطبقات الرأسمالية يمتلكون معظم القوة ، فإنهم يمتلكون أيضا الغالبية العظمي من الفرص المتاحة لارتكاب الجريمة ، ولهذا فإن الذكور في معظم الطبقات الاجتماعية يرتكبون معدلات جرائم أعلي من الإناث، ويختلف نمط الجريمة تبعا لاختلاف الوضع الطبقي للذكور ، فذكور الطبقات الدنيا والعاملة تختلف جرائمهم عن جرائم ذكور الطبقات العليا والمديرين ، وكذلك فقد أدي تدني وضع النساء في أمريكا إلي انخفاض معدلات جرائمهن ، لذا يذهب أنصار الاتجاه النسوي الاشتراكي إلي أن كم الجريمة وأنماطها يرتبط بالفرص التي يتيحها وضع الفرد تبعا للنوع
والطبقة التي ينتمي إليهما .
وعلي الرغم من أن الاتجاهات السابقة لم تسلم من النقد ، فإن لها شرف السبق في إبراز عوامل اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل ، من خلال علم الإجرام النسوي (عدلي السمري ،2002 : 379 – 390 ، وما جدة فؤاد ، 2009 : 109- 113 ) .
وحيث إن جرائم المخدرات ظاهرة متعددة الأبعاد ، فإن كل منظور قادر علي تفسير بعد واحد ويعجز عن تفسير بقية الأبعاد التي يمكن أن تفسرها منظورات أخرى ، كما أن كافة النظريات المعاصرة للجريمة تتناول عوامل الاستعداد ولا تتحدث عن العامل الحاسم الذي ينقل هذا الاستعداد إلي الإقدام الفعلي علي ارتكاب الفعل الإجرامي ، فهناك نوعانِ من العوامل المؤدية إلي السلوك الإجرامي هي ما يلي :
النوع الأول : وهي عوامل الاستعداد الإجرامي وهي تلك العوامل غير المباشرة المتعلقة بخصائص البيئة العائلية للفرد ، والبيئة الاقتصادية ، وبعض الخصائص الديموجرافية والنفسية ، فالتفكك الأسري والفقر والبيئة الفاسدة ودرجة التدين وغيرها ، مثل هذه العوامل هي عوامل استعداد للانحراف ، ولكنها ليست عاملا ناقلا من مرحلة الاستعداد للجريمة إلي مرحلة ارتكاب الفعل الإجرامي ، فالفقر مثلا كعامل استعداد ، لا يعني أن كل مَنْ يعاني من الفقر يصبح مجرما ، ولا تعني عوامل الاستعداد أن الشخص الذي تتوفر فيه هذه العوامل يصبح باحثا عن الانحراف ، فعوامل الاستعداد تعني فقط أن الشخص الذي تتوفر فيه هذه العوامل يصبح أضعف مقاومة لأسباب الانحراف المباشرة ، ويصبح في حالة يكون معها أكثر استجابة واستعداداً للانحراف مقارنة بالآخرين .
النوع الثاني : وهي عوامل الإقدام الفعلي علي ارتكاب الفعل الإجرامي ، وهي تلك العوامل التي تنقل الفرد من حالة الاستعداد لارتكاب الفعل الإجرامي إلي الممارسة الفعلية والإقبال علي الارتكاب الفعلي للجريمة ، وأن المصدر الوحيد لتحديد هذه العوامل المباشرة هو المنحرف نفسه ، فعندما يُسْأَل المنحرف عن سبب انحرافه , فإنه عادة يذكر أقوى الأسباب وأكثرها تأثيرا ، أي أنه يذكر العوامل المباشرة ، وأن المصدر الوحيد لتحديد هذه العوامل المباشرة هو الفرد نفسه من خلال الميدان البحثي. ( عبد الله عبد الغني ، 1991 : 75 ).