المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي الإماراتي
محمود عبدالعليم محمد سليمان
مقدمة:-
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يعمل النظام القضائي في دولة الإمارات، ضمن إطار ثنائي يشمل القضاء المحلي والقضاء الاتحادي، فهو بذلك ينفرد عن غيره من الأنظمة القضائية في العالم العربي. وتنظم المواد الدستورية من المادة 94 إلى 109 العلاقة بين هذين النظامين، حيث تشرح الأصول الكلية لهذه العلاقة، بينما ترك بيان تفصيلاتها للقضاء المحلي دون أن يخالف أو يتعارض مع المبادئ الكلية التي وضعها الدستور.
توجد في جميع إمارات الدولة محاكم ابتدائية ومحاكم استئنافية، اتحادية أو محلية، فضلاً عن المحاكم الشرعية التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق والميراث وغيرها. وتعد الشريعة الإسلامية التي تستنبط أحكامها وقوانيها من الكتاب والسنة المصدر الرئيس للتشريع في دولة الإمارات.
ينص دستور دولة الإمارات على أن الجميع، بصرف النظر عن أعراقهم وجنسياتهم ومعتقداتهم الدينية ومكانتهم الاجتماعية، متساوون أمام القانون. كما يكفل حقوق الإنسان ويحظر التعذيب والمعاملة المهينة للكرامة بمختلف أشكالها وإلقاء القبض والتفتيش والحجز والحبس ودخول المنازل من دون إذن أصحابها إلا وفقاً لأحكام القانون.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نجح القضاء الإماراتي، بشكليه المحلي والاتحادي، في تقديم نموذج ناصع لترسيخ سيادة القانون وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات. وقد ساهم هذا النظام، في تعزيز أمن المجتمع وسلامته وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأبناء الدولة، وإرساء مبادئ المسؤولية والشفافية والكفاءة في مختلف أجهزة الدولة. وهكذا أصبحت دولة الإمارات اليوم تتصدر قائمة الدول العربية الأكثر شفافية في نظامها القضائي.
المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي
يكفل دستور دولة الإمارات العربية المتحدة حق المواطن في الإلتجاء إلى القضاء وأن يبين القانون سبل الإلتجاء إليه ولابد أن يقوم القضاء ذاته على مبادئ تكفل تحقيق العدالة بين مواطنيها وأن تتوافر في رجال القضاء القدرة على تحقيقها ومن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي هو:
(1) مبدأ إستقلال السلطة القضائية:
يوجد في أي دولة من الدول عدة نشاطات مختلف تحتاج إلى تنظيم، ويصعب على شخص واحد (ولي الأمر) أن يقوم بها جميعًا، لذا في جميع الدول بصفة عامة، وفي دولة الإمارات بصفة خاصة وزعت هذه الوظائف والأنشطة على سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وإلى ضرورة الفصل بين هذه السلطات، وهذا ما يسمى بـ "مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث".
أما مبدأ استقلال السلطة القضائية فيقصد به: أن تمارس كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث دورها المحدد لها في الأنظمة. وتفريعا عليه: فإن مبدأ استقلال السلطة القضائية هو: أن تمارس المحاكم التابعة لها مهمتها في فضِّ المنازعات في استقلال تام دون تدخل أو تأثير من أي سلطة أو جهة.
(2) مبدأ المساواة أمام القضاء الإماراتي:-
وهو من أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام القضائي بالدولة بها تتحقق ثقة الناس في القضاء ويصبح موضع طمأنيتهم ولكي يتحقق ذلك أن يكون لكل مواطن الحق في الإلتجاء إلى القضاء وعدم التمييز بين المتقاضين وإحترام حق كل مواطن في الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعي.
وبمعنى آخر يقصد بالمساواة أمام القضاء: التسوية بين جميع الناس في حماية حقوقهم المشروعة، وإعطاء كل إنسان الحق في اللجوء إلى القضاء لحماية حقه أو لدفع ما يقع عليه من اعتداء، وهذا الحق يتقرر لجميع من يقيم على الأرض، سواء كانوا مواطنين أم أجانب، لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، ولا أبيض ولا أسود، ولا غني ولا فقير، وهذا الأمر نجده مقررا في النظام القضائي في الإسلام، بما تقرر من مبدأ المساواة بين الناس بصفة عامة، وأكده أمام القضاء بصفة خاصة.
(3) مبدأ مجانية القضاء الإماراتي:-
نتيجة حتمية لمبدأ المساواه أمام القضاء وأنه حق مكفول للناس كافة دون تمييز بين مكانتهم وإمكانياتهم بإعتباره خدمة عامة فلا يدفع المتقاضون أجر قضائهم والإ حرم الفقير من هذا الحق وقد راعى المشرع عدم حرمان الفقير من المطالبة بحقه أمام القضاء وقد كفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الإلتجاء والدفاع عن حقوقهم بتوفير لهم خدمات المحامين للترافع عنهم ومساعدتهم في الحصول على حقوقهم وتشكل مساعدات قضائية عن طريق المحامين العاملين بالدولة وندبهم من قبل الدولة في القضايا لمن ليس لديه القدرة على توكيل محامي لضمان تحقيق العدالة وهذه من الأهداف السامية التي تسعى إليها الدولة وقيادتنا الرشيدة توصي بها دائماً.
(4) مبدأ التقاضي على درجتين أمام القضاء الإماراتي:-
يعني إتاحة الفرصة للخصم الذي حكم بغير صالحه بعرض النزاع أمام محكمة أعلى درجة لتفصل فيه من جديد لما يكفل حسن سير العدالة إذ يحث قضاه محاكم الدرجة الأولى على العناية بأحكامهم والتأني في إصدارها خشية من إلغائها أو تعديلها من محاكم الدرجة الثانية. كما يسمح للخصوم بتصحيح ما قد يقع فيه القاضي من أخطاء ويمكنهم من تدارك ما فاتهم من أوجه دفاع أمام محكمة الدرجة الأولى. لنفترض أن متنازعين في قضية ما، أحدهما أخفق في الدعوى، فإن النظم والتشريعات القضائية أعطته الفرصة بأن يتقدم إلى محكمة أخرى غير الأولى ليعرض القضية نفسها عليها، وهذه المحكمة تكون أعلى درجة من الأولى، بهدف إقرار أو تعديل أو إلغاء حكم المحكمة الأولى.
وقد جرت عادة النظم المعاصرة تقسيم المحاكم إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: محاكم الدرجة الأولى، وتسمى محكمة من الدرجة الأولى، أو محكمة أولى درجة، ووظيفتها النظر في الدعاوى لأول مرة.
المجموعة الثانية: محاكم الدرجة الثانية، وتسمى محاكم ثاني درجة، وهي التي تنظر النزاع للمرة الثانية، وتسمى الوسيلة لطرح المنازعات على هذا النوع من المحاكم (الاستئناف).
ويضمن هذا المبدأ (مبدأ التقاضي على درجتين) حسن سير القضاء، وتحقيق العدالة، وتصحيح الأخطاء التي قد يقع فيها قضاة محاكم الدرجة الأولى، إلى جانب حث هؤلاء القضاة على الاهتمام بموضوع النزاع والعناية بأحكامهم، والتأني في إصدارها، خشية إلغائها أو تعديلها من محاكم الدرجة الثانية.
على أن بعض التشريعات استثنت بعض الدعاوى من مبدأ التقاضي على درجتين كتلك القضايا اليسيرة التي تحددها السلطات المعنية في الدولة كالمجلس الأعلى للقضاء.
(5) مبدأ تعدد القضاه والقاضي الفرد في القضاء الإماراتي:-
فتشكل المحكمة من قاضي فرد ليكون هو المسئول الوحيد عن الحكم الأمر الذي يدفعه إلى العناية بحكمه أمام تعدد القضاه فإن الحكم لا يصدر إلا بعد مداولة بين قضاه المحكمة الأمر الذي يتيح للقضاه التشاور وتبادل وجهات النظر حول ما تثيره القضية من مشاكل قانونية فيصدر الحكم نحو أكثر عدالة وأقل عرضه للخطأ.
(6) مبدأ العلانية في القضاء الاماراتي:-
من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي: أن يتم النظر في الدعاوى والمرافعات في جلسات علنية مفتوحة، يكون لكل شخص حق الحضور فيها، وأن ينطق بالأحكام في جلسات علنية، وأن يسمح للصحف ووسائل الإعلام بنشر تفاصيل الجلسات والتحقيقات. وهذا يضمن لنا حسن أداء القضاة لعملهم، وفيه كفالة حق الدفاع، كما أن في ذلك تعميق الوعي بالأنظمة المطبقة، وفيه من الردع والزجر لدى الحاضرين حينما يسمعوا مباشرة الأحكام والعقوبات الصادرة ضد المخالفات.
وحين النظر في كتب الفقه الإسلامي في أبواب القضاء منها نجد أن الفقهاء لم يذكروا هذا المبدأ صراحة، لكن يمكن استنباطه من حديثهم عن شروط المكان الذي يصلح مجلسا للقضاء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم من بعده يجلسون لفض الخصومات في المسجد وفي الأماكن العامة؛ لأن القضاء في المسجد أنفى للتهمة للقاضي إذا لم يُخَصص له مكان معين، أو عقد مجلس القضاء في بيته، وجعلوا من آداب القضاء المستحبة أن يدعو القاضي أهل العلم لمجلسه لمشورتهم فيما يعرض عليه من قضايا، كل ذلك يدل على أن هذا المبدأ مؤصل في عصر التشريع وما بعده.
وقد استثنت بعض التشريعات حالات لا يطبق فيها هذا النظام؛ كالدعاوى التي يكون في مناقشة موضوعاتها ما يمس النظام العام، أو الآداب العامة، أو حرمة الأسرة: كدعاوى صحة الزواج، أو طلب الطلاق أو الخلع، أو إثبات النسب، أو ما يشابهها من الدعاوى التي تثير الحرج لأطرافها إذا نُظرت بطريقة علنية.
(7) مبدأ حق اللجوء إلى القضاء
يعتبر حق اللجوء إلى القضاء من الحريات العامة فهو حق دستوري مكفول لكل شخص فلن يكون لاستقلالية القضاء أي معنى إذا لم يستطع المواطن اللجوء إلى القضاء بكل حرية للدفاع عن حقوقه الأساسية " فلا قانون بلا قاض ولا حق أو واجب قانوني بلا قضاء يفرضه و خصومة تكون أداة في حمايته، فهو من بين الحريات التي يكفلها الدستور للأفراد. فالكل سواسية أمام القضاء، وهو في متناول الجميع ويجسده احترام القانون.
فمن حق الفرد اللجوء إلى القضاء فالقانون وجد أساسا ليحمي الفرد والمتقاضي من أي تعسف أو انحراف يصدر من القاضي حيث نظم القانون القواعد الأساسية التي تكرس حق اللجوء إلى القضاء. وحق اللجوء إلى القضاء من الأمور الهامة التي لا يجوز للأشخاص التنازل عنها بصورة مطلقة إلا في حالات خاصة تعرف بالاستثناءات على مبدأ حق اللجوء إلى القضاء.
الخـاتمــة:
لقد أجمعت جميع الشرائع والقوانين على المبادئ المذكورة في هدا البحث وقد اتفق المجتمع الدولي والفقه على المبادئ حيث نجد الشريعة الإسلامية وميثاق الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبهذا يتضح أن هده المبادئ تعد الأساس الفعلي لقيام نظام قضائي عادل وعلى أسس صحيحة ومتينة، والدليل على أنها بالأهمية لمكان فقد نص عليها في الدستور الذي يعتبر القانون الأسمى في البلاد وبالتالي فإن التخلي عن هده المبادئ يعني انهدام النظام القضائي برمته.
وقد جاء تصدر الإمارات دول الشرق الأوسط الأكثر شفافية في نظامها القضائي بحسب تقرير برنامج العدالة حول سيادة القانون العالمي، مثالاً بارزاً للتقدم الكبير الذي يشهده القطاع القضائي في الدولة. وارتكز تكوين دولة الإمارات العربية المتحدة الأساسي على استقلال القانون، ووضعه في موضع تنصاع له كل فئات المجتمع بمختلف طبقاته دون استثناء لحاكم أو محكوم، الأمر الذي أكسب القانون أهمية قصوى أسهمت بفاعلية في الحفاظ على أقصى درجات الأمن الاجتماعي والمجتمعي، ومكّنت النهضة من اكتساب مناعة الحفاظ على قوة الدفع الدائمة التي أبقت الدولة في موقع الصدارة بين مختلف دول الخارطة العالمية.
ويعد القضاء أحد أهم الإنجازات الحضارية في الإمارات، حيث يستمد القطاع قوته من الموروث العربي والإسلامي. وتمكنت العـدالة الإماراتية باقتدار عال، من التعامل مع هذا الخليط الواسع من الجنسـيات التي تقيم في الإمارات، من خلال تطبيق أحكام القانون بين الجميع بالشكل الأمثل، فيما تضمن تشريعات الدولة وقوانينها المعايير الكافية التي تتيح تحقيق العدالة للجميع من دون تمييز.
ويحظى القضاء والقضاة في الدولة باحترام وتقدير قيادة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، في الوقت الذي وفرت فيه الدولة كل السبل الكفيلة بتحقيق العدالة والشفافية القضائية والاستقلال والضمانات للمتقاضين.
مراجع الموضوع:-
(1) علي رمضان بركات، الوسيط في شرح نظام القضاء السعودي، ط1، مكتبة القانون والاقتصاد، 1433هـ.
(2) محمد سلام مدكور، القضاء في الإسلام، ط1، دار النهضة العربية، 1964م.
(3) محمد رأفت عثمان، النظام القضائي في الفقه الإسلامي، ط1، مكتبة الفلاح، الكويت، 1410هـ.
(4) نبيل إسماعيل عمر، أصول المرافعات الشرعية وعلم القضاء في المملكة العربية السعودية، ط (1)، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993م.
(5) عبد المنعم عبد العظيم جيرة: نظام القضاء في المملكة العربية السعودية، مطبوعات معهد الإدارة العامة بالرياض، 1409هـ.
(6) محمد عبد الرحمن البكر: السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام الإسلامي، مطبع الزهراء للإعلام العربي، 1408هـ.
(7) وجدي راغب فهمي: دراسات في مركز الخصم أمام القضاء المدني – مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، العدد (1)، 1976م.
(8) عبد الغني بسيوني عبد الله: مبدأ المساواة أمام القضاء وكفالة حق التقاضي، منشأة المعارف 1983م.