حسني إبراهيم عبد العظيم عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع – كلية الآداب جامعة بني سويف – ج.م.ع
التخصص : علم الاجتماع عدد المساهمات : 44 نقاط : 94 تاريخ التسجيل : 04/04/2011 العمر : 54
| موضوع: رأس المال الرمزي الثلاثاء يناير 22, 2013 2:03 am | |
| رأس المال الرمزي Symbolic capital دكتور حسني إبراهيم عبد العظيم عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع كلية الآداب – جامعة بني سويف – ج.م.ع يمثل مفهوم رأس المال الرمزي واحدا من المفاهيم المبدعة التي قدمها عالم الاجتماع الفرنسي الأبرز بيير بورديو الذي رحل عن عالمنا في عام 2002(ولد بورديو في العشرين من يناير 1930 ورحل عن عالمنا في الأول من أغسطس عام 2002) وبرحيله فقدت العلوم الاجتماعية واحدا من أبرز منظريها، ورغم مروما يزيد عن عشر سنوات على غياب بورديو عن العالم، إلا أنه ما يزال حاضرا بقوة في كل الفضاءات العلمية، وما زالت أفكاره ورؤاه تمثل منبعا صافيا ومتدفقا لكل الأفكار والرؤى المبدعة في الفكر السوسيولوجي المعاصر.
لقد كان بورديو منشغلا ومهموما بتحليل المضامين الرمزية للظواهر، والكشف من ثم عن الأبعاد الكامنة والمسكوت عنها واللا مفكر فيها في تلك الظواهر، وقد تجلى ذلك الانشغال في انتاجه الفكري الغزير والمتميز الذي أثرى به الفكر السوسيولوجي، والفكر الإنساني بضكل عام، حيث فتح آفاقا واسعة للدرس السوسيولوجي والأنثروبولوجي، أسهمت في تقديم فهم عميق وثاقب للفعل الإنساني في حركته وسكونه.
يقصد يورديو برأس المال الرمزي symbolic capital تلك الموارد المتاحة للفرد نتيجة امتلاكه سمات محددة كالشرف Honor والهيبة Prestige والسمعة الطيبة renown والسيرة الحسنة reputation والتي يتم إدراكها وتقييمها من جانب أفراد المجتمع (Bourdieu 1985:197).
ويؤكد بورديو أن رأس المال الرمزي يتأسس على القبول أو الاعتراف أو الاعتقاد بقوة أو بسلطة من يملك مزايا أكثر، أو شكلاً من الاعتراف بالشرعية، أو قيمة معطاة من الإنسان. ويرتبط هذا المفهوم بمبدأ السلطة ومبدأ التميُّز أو الاختلاف (في الخصائص) ومبدأ الأشكال المختلفة لرأس المال. ويدخل في مختلف الحقول وفي مختلف أشكال السلطة أو الهيمنة، أو في أشكال العلاقات.( علي سالم 2002)
ويرى بورديو أن رأس المال الرمزي هو مثل أي ملكية أو أي نوع من رأس المال - طبيعي ، اقتصادي، ثقافي ، اجتماعي - يكون مدركاً من جانب فاعلين اجتماعيين تسمح لهم مقولات إدراكهم بمعرفتها والإقرار بها ، ومنحها قيمة (مثال الشرف في مجتمعات البحر المتوسط هو صيغة نمطية من رأس المال الرمزي ، لاتوجد الا عبر السمعة أي التمثيل الذي يقوم به الآخرون في حالة اشتراكهم في مجموعة معتقدات خاصة تجعلهم يدركون ويقيمون خصائص معينة، وأنواعاً من السلوك إذا كانت شريفة أو مخلة بالشرف). (بورديو 136:1998)
وقد اهتم بورديو اهتماما خاصا بمفهومي الشرف والعار باعتبارهما مؤشرين على امتلاك رأس المال الرمزي، أو فقدانه، فلاحظ من خلال دراسته لمجتمع القبائل في الجزائر، ومجتمع الفلاحين في منطقة (بيرن) الواقعة في جنوب غرب فرنسا، وهي المنطقة التي قضى فيها سنوات طفولته الأولى، أن ثمة اختلاف بين المجتمعين فيما يتعلق بمفهومي الشرف والعار، فعلى الرغم من أن كلا المجتمعين مجتمعان فلاحيان تقليديان وينتميان لثقافة البحر المتوسط، ألا أن الشرف والعار في مجتمع القبائل يعد شأنا اجتماعيا يخص المجتمع بأسره، بل يؤدي دورا في تحديد علاقات الجماعات بعضها ببعض، بينما هذا الأمر في بيرن لا يعدو أن يكون مجرد شأن يخص الفرد فقط،(عبد الله عبد الرحمن يتيم 2011:55) وبالتالي لايمثل الشرف أو العار جزءا من رأس المال الرمزي.
ويدخل رأس المال الرمزي مختلف الحقول والمجالات ومختلف أشكال السلطة والهيمنة وفي مختلف أشكال العلاقات الاجتماعية ، فكل علاقة اجتماعية هي علاقة سلطة _ بشكل ما _ تتضمن رأس المال الرمزي ، فخاصية الشرف – التي ذكرناها منذ قليل – تحمل معاني أخلاقية محددة ، بحيث أن من يملك خصائص الشرف – كالقيم والمعتقدات والتصرفات – يعد شريفاً ، ومن لا يملكها لا يعد كذلك ، ويكون الشخص الشريف موضع احترام وثقة وتقدير تبعاً لما يملكه من رأس مال رمزي ، ومن ثم يرتبط رأس المال الرمزي بأهمية الموقع الذي يشغله الفرد في الفضاء الاجتماعي من جهة ، وبالقيمة التي يضفيها الناس عليه من جهة أخرى، وتتعلق هذه القيمة بأنظمة استعدادات الأشخاص وتصوراتهم المتوافقة مع البنى الموضوعية القائمة ( أشرف عبد الوهاب 104:1999(
ويرتكز رأس المال الرمزي على الذيوع والانتشار Publicity والاستحسان appreciation إنه يرتبط بالهيبة والسمعة والشرف، التي تلاقي تقديراً من الآخرين ، إن رأس المال الرمزي يمكن اعتباره رأس مال من الشرف والهيبة Capital of Honor and Prestige ويتطلب تراكم هذا الشكل من رأس المال جهداً متواصلاً من أجل الحفاظ على العلاقات التي تؤدي الى الاستثمار المادي والرمزي له. (Fuchs 2003:392)
لقد طور بورديو مفهوم رأس المال الرمزي باعتباره يمثل شكلاً خاصاً من رأس المال يتجاوز من خلاله المفهوم الماركسي لرأس المال ، ففي حين ركزت الماركسية على أهمية العوامل الاقتصادية باعتبارها محددات للممارسات الاجتماعية ، حاول بورديو إبراز البعد الرمزي في فهم وإدراك السلوك الإنساني ، وخاصة في دراساته في شمال إفريقيا، حيث يكون البعد الرمزي أكثر أهمية، ويؤكد بورديو أنه لا يوجد شئ على الإطلاق يخلو من مضامين رمزية متنوعة. ( أشرف عبد الوهاب 105:1999)
إن أهم ما يميز تصور بورديو عن الأشكال "الأصول orthodox forms للماركسية هو أنه لم يختزل كل صور الحياة الاجتماعية في البعد الاقتصادي، إنه يرى أن هناك تسانداً وتفاعلاً بين الأبعاد السياسية والرمزية والثقافية والاقتصادية، ويعتقد أننا إذا سلمنا بوجود استقلال كامل بين هذه المجالات ، فسوف ننتج نظرة ثنائية حادة وخاطئة لكل أنظمة المجتمع، وبالتالي يقترح برديو أنه ينبغي التخلي نهائياً عن تلك الثنائية الكلاسيكية: اقتصادي - غير اقتصادي.(Fuchs 2003:391-392) | |
|