رأس المال الثقافي
دكتور حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع
كلية الآداب – جامعة بني سويف – ج.م.ع
يعبر مفهوم رأس المال الثقافي cultural capital عن مجموعة من الرموز والمهارات والقدرات competences الثقافية واللغوية والمعاني التي تمثل الثقافة السائدة، والتي اختيرت لكونها جديرة بإعادة انتاجها ، واستمرارها ونقلها خلال العملية التربوية، ويركز هذا المفهوم على أشكال المعرفة الثقافية والاستعدادات التي تعبر عن رموز داخلية مستدمجة تعمل على إعداد الفرد للتفاعل بإيجابية مع مواقف التنافس وتفسير العلاقات والاحداث الثقافية. ( أشرف عبد الوهاب 99:1999)
ويقرر بورديو أن رأس المال الثقافي يتشكل من خلال الإلمام والاعتياد على الثقافة السائدة في المجتمع وخاصة القدرة على فهم واستخدام لغة راقية educated language ويؤكد على أن امتلاك رأس المال الثقافي يختلف باختلاف الطبقات ، ولهذا، فإن النظام التعليمي يدعم امتلاك هذا النمط من رأس المال، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان على معظم أفراد الطبقة الدنيا النجــــــاح في هذا النظـام (Sullivan 2000:893)
يذهب بيير بورديو فى كتابه إعادة الإنتاج الثقافى وإعادة الانتاج الاجتماعى (الصادر عام ١٩٧٣ إلى أن الآباء فى أسر الطبقة الوسطى يزودون أبناءهم برأس مال ثقافى يتمثل فى كفاءات لغوية وثقافية متنوعة. وتتطلب المدارس (التى يتحكم الأغنياء فى محتوى المواد التى تعلم فيها) توافر تلك الكفاءات للنجاح فى التحصيل الدراسى، ولكنها تفشل فى تعليم تلك الكفاءات لأطفال أسر الطبقة العاملة. وهكذا نجد أن عمليات التقويم الدراسى التى تبدو محايدة فى الظاهر تعمل فى الواقع على إضفاء المشروعية على اللامساواة الاقتصادية، من خلال ترجمة الكفاءات الاجتماعية الثقافية إلى بناء هرمى متدرج من الإنجاز الدراسى، الذى يبدو محصلة لعدم المساواة فى القدرات الطبيعية. (جوردون مارشال652:2007)
ويوجد رأس المال الثقافي - حسبما يرى بورديو- في أشكال متنوعة ، حيث يشمل الميول والنزعات الراسخة والعادات المكتسبة من عمليات التنشئة الاجتماعية ، كما يمثل إمبيريقياً في أشكال موضوعية مثل الكتب والأعمال الفنية والأدبية ، والشهادات العلمية ، وفي مجموعة من الممارسات الثقافية مثل زيارة المتاحف ، وارتياد المسارح ، وحضور الندوات ، وغير ذلك من ممارسات مختلفة في مجال الثقافة ، ومن ثم ينتج رأس المال الثقافي ويوزع ويستهلك في مجال خاص به ، وهو مجال الثقافة ، وهو مجال فكري متخصص له منطقة الخاص وعملياته المميزة ، وله مؤسساته الخاصة ، مثل النظم التعليمية ، والجمعيات العلمية ، والدوريات، وله هويته وأيديولوجيته في التبعية والاستقلال عن المجالات الاجتماعية الأخرى كالاقتصاد والسياسة. ( أشرف عبد الوهاب 100:1999).
ويذهب بورديو إلى أن رأس المال الثقافي ينقسم الى قسمين ، الأول رأس المال الثقافي المكتسب على أساس المؤهل التعليمي ، وعدد سنوات الدراسة، والثاني رأس المال المورث من وضع العائلة وعلاقاتها بالمجالات الثقافية المختلفة ، ويحقق الشكل الأخير أرباحاً مباشرة في المحل الأول داخل النظام التعليمي، كما أنه يحقق تلك الأرباح في أماكن أخرى مثل سوق العمل، بالاضافة الى انه يحقق مكاسب التميز للفرد في كافة المجالات ( أشرف عبد الوهاب 99:1999) .
ويتشكل رأس المال الثقافي المورث من خلال منح العائلات لأبنائها مجموعة من أنماط الحياة المتميزة، وشبكة من العلاقات الاجتماعية القوية، والتي تصبح شكلاً من التميز تستفيد منه الأجيال التالية.إن ثمة اتجاه لدى هذه العائلات نحو صياغة سلوك أفرادها ، وتشكيل قيمهم على مدار الأجيال ، ويتم ذلك من خلال بعض الممارسات مثل نمط التعامل الراقي ، التأهيل العلمي والأخلاقي ، تدعيم عادات فردية معينة ، تشكيل نمط حياة مختلفة ، ومستوى معيشي مغاير ، ويسهم كل ذلك في تعميق الاختلافات الطبقية للمجتمع .(O` Hara 2008:189)
أما رأس المال الثقافي المكتسب فيتوقف اكتسابه على بعض العوامل مثل الفترة الزمنية ، طبيعة المجتمع ، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد بالاضافة الى القدرات الذاتية ، والسمات الجسدية للفرد ، وثمة ترابط بين رأس المال الثقافي المورث والمكتسب ، حيث يمكن للفرد أن يطور رأس المال الثقافي المورث من خلال قدراته العضوية .(Bourdieu 1986:4)
يتضح مما سبق أن رأس المال الثقافي لدى بورديو يعبر عن القدرات والمهارات العقلية والجسدية ، وكل أشكال المعرفة والخبرات التي يتحصل عليها الفرد إما نتيجة انتسابه لعائلة أو جماعة معينة أو نتيجة لمؤهلاته الذاتية وتنميتها وتطويرها.