دور وسائل الإعلام الجديد في عملية التنشئة السياسية:الثورة المصرية نموذجا
: د. مروة نظير - · مدرس العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
تعرضت عملية التنشئة الاجتماعية بصفة عامة والتنشئة السياسية بصفة خاصة في الفترة الأخيرة إلي مجموعة من التفاعلات المستمرة، والتي نتج عنها تضاؤل الوزن النسبي لبعض مؤسسات التنشئة التقليدية أو الأساسية كالأسرة والمدرسة ودور العبادة وجماعات الأقران لحساب مؤسسات أخري استطاعت أن تجدد نفسها، وأن تخاطب قطاعات أوسع من المواطنين بحكم التطور الهائل في وسائل الاتصال الحديثة، ولعل أهمها الفضائيات ومواقع الانترنت التي ازدهرت بدرجة غير مسبوقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتزيد أهمية الانترنت في هذا الإطار بوصفه أحد أهم أدوات التنشئة الحديثة التي يكتسب من خلالها الفرد مجموعة من القيم الأساسية اللازمة لبناء شخصيته وتحديد اتجاهاته الحياتية. فلم يعد الانترنت فقط مصدر للمعلومات المجردة، بل أضحى ساحة للتفاعلات والتجاذبات بين القيم الموجودة في المجتمع والقيم الجديدة التي ظهرت نتيجة لظهور أشكال ومنافذ جديدة للتواصل بين الشباب. فضلا عما يتيحه من درجة الحرية غير المسبوقة الموجودة، والتي دفعت الشباب العربي إلي المشاركة الفعالة في مناقشة قضايا الشأن العام والتعبير عن نفسه بكل حرية بمنأى عن قيود البيئة التسلطية التي رسختها معظم النظم الحاكمة. فأتاحت هذه البيئة الجديدة فرص جديدة لم تكن موجودة للشباب المهمش والشباب المنتمي إلي أقليات سياسية وعرقية، على نحو تحول معه الفضاء الالكتروني إلي مجتمع مصغر يناقش نفس الأزمات والمشاكل لكن بدون تابوهات تقليدية أو قيود إلا ما يستحدثه الشباب أنفسهم من تنظيم لمواقعهم أو مدوناتهم. فاقتحمت هذه الأدوات تابوهات السلطة والدين والجنس على نحو أصبح معه المجتمع "مكشوفاً" ولا يوجد فيه محرمات.[1]
تهدف هذه الأسطر إلى التعرف على تأثيرات وسائل الإعلام الجديدة new media في عملية التنشئة السياسية للشباب باعتبارهم أكثر الفئات أو القطاعات تعاطيا مع هذه الوسائل، وذلك من خلال التعرض السريع للمقصود بالتنشئة السياسية، ثم أنماط التفاعل الالكتروني المؤثرة فيها. يعقب ذلك تركيز خاص على خبرة تأثير وسائل الإعلام الجديد في عملية التنشئة السياسية للسباب المصري والتي كانت من ضمن عوامل قيام الثورة المصرية 2011.
· ماهية التنشئة السياسية:
يشير مفهوم التنشئة السياسية إلى العملية التي من خلالها ينقل المجتمع ثقافته السياسية من جيل إلى جيل، أي أنها عملية (كسب) و(اكتساب) الفرد للثقافة السياسية للمجتمع ونقلها من جيل إلي جيل، وهي عملية تأخذ في مرحلة الطفولة شكل (التلقين) وفي المراحل العمرية المتقدمة شكل (الإكساب والاكتساب) وعلى مستوي الأجيال شكل (النقل والانتقال) بشكل رسمي وغير رسمي، مخطط وعفوي عبر قنوات تشمل: الأسرة، والرفاق، والمؤسسات التعليمية ودور العبادة والأصدقاء والمؤسسات الحكومية.[2]
وبهذا المعنى فإن التـنشئة السياسية هي جزء من التنشئة الاجتماعية والتي من خلالها يكتسب الفرد الاتجاهات والقيم السائدة في المجتمع، إذ يمكن القول أن مفهوم "التنشئة السياسية" يشير إلى الطريقة التي يتعلم بها الناس السياسية، وهو مفهوم يثير بشكل عام التساؤلات الآتية: من يُعلم؟ ماذا؟ ولمن؟ وبأي طريقة؟ وبأي تأثير؟[3]
وتختلف طبيعة التنشئة السياسية من وقت لآخر تبعاً لاختلاف البيئة والظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع والجهة القائمة بعملية التنشئة وأغراضها، فعملية التنشئة مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة الكيان السياسي القائم بها وما يسوده من أيديولوجية وما يتبناه من سياسات وأساليب في تنظيم الناس وتوجيههم نحو هدف مشترك. وعلى هذا فإن عملية التنشئة السياسية لا تعتمد أسلوباً واحداً، وإنما تتنوع أساليبها وفقاً للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع، كما أن التنشئة السياسية عملية دينامية مستمرة يتعرض لها الفرد في مختلف مراحل حياته، وليس ضرورياً أن تتصل بمراحل عمرية معينة. ولذا تكمن أهمية التنشئة السياسية في ربط العلاقة بين المواطنين وقياداتهم من خلال التأكيد على الأهداف السياسية وشرح مفاهيم كالشرعية والولاء وعلاقة الحاكم بالمحكوم.[4]
ووفق ذلك الفهم فإن عملية التنشئة السياسية قد تقوم بدور في المحافظة على المعايير والقواعد والمؤسسات السياسية التقليدية، كما إنها قد تعد في الوقت ذاته وسيلة أو أداة للتغيير السياسي والاجتماعي، وذلك على حسب الجهة القائمة بهذه العملية والأدوات والوسائل التي تستخدمها في هذا الإطار. ومن الطبيعي من ثم، أن تحاول الأنظمة السياسية -على اختلاف أنواعها وتوجهاتها- أن تؤثر في التنشئة السياسية للفرد من خلال استهداف أفكاره عن طريق غرس معلومات وقيم وممارسات يستطيع من خلالها تكوين مواقفه واتجاهاته الفكرية والأيدلوجية التي تؤثر في سلوكه السياسي. وهذا السلوك يلعب دورا في فاعلية الفرد السياسية في المجتمع، لذلك تلجأ الأنظمة السياسية الحاكمة إلى خلق قيم وأيدلوجيات مقبولة ومشروعة لها في عيون شعوبها.[5]
· أنماط التفاعل الالكتروني المؤثرة في التنشئة السياسية :
يمكن تحديد أبرز أشكال منظومات التفاعل الالكتروني التي يلجأ إليها مستخدمو الانترنت والتي تلعب بشكل أو بآخر دورا في عملية التنشئة السياسية على النحو التالي:[6]
1) فضاءات الحوار الجماعي والشبكات الاجتماعية: تقوم هذه الفضاءات على منطق الديمقراطية في المشاركة – إلى حد ما – بالتواصل ما بين الجمهور، وهي تأخذ شكل الدردشة أو الحوار، ويتمثل المبدأ العام الذي يميزها في أن أفراداً تجمعهم شواغل وهواجس مشتركة، يقررون الائتلاف ضمن مجموعة افتراضية، ليتحدثوا ويتناقشوا ويتبادلوا الآراء حول موضوع ما، فيشكلون بهذا المعنى جماعة يتواصل الأعضاء فيها أفقياً، إذ إن كل عضو هو في الوقت ذاته مرسل ومستقبل.
2) الصحافة الالكترونية: تتسم الصحف الالكترونية بالعديد من الخصائص الاتصالية، التي تنطلق من قدرات شبكة الانترنت كوسيلة اتصال حديثة، وأكدت معظم الأبحاث والدراسات على إنها أصبحت وسيطاً إعلامياً فعالاً، حيث مكنت الأفراد والمؤسسات من إرسال واستقبال المعلومات عبر أية مسافة وفي أي زمان أو مكان.. لاسيما بعد أن شهدت نمواً مضطرداً وتزايداً سريعاً في إقبال العديد من المؤسسات الصحفية على استخدامها، وتتنوع الخصائص التي تتسم بها الصحافة الالكترونية، لتكون بمثابة الميزة الجديدة للنشر على شبكة الانترنت، التي من بين أهم خصائصها.
3) المدونات Blogs: وهي أحد أشكال المنظومة التفاعلية الالكترونية الأكثر أهمية، إذ هي مواقع شخصية على شبكة الانترنت تتضمن آراء ومواقف حول مسائل متنوعة، هي تعد تطبيقاً من تطبيقات الانترنت، يعمل عن طريق نظام لإدارة المحتوى، وعبارة عن صفحة على الشبكة تظهر عليها "تدوينات" أو موضوعات مؤرخة ومرتبة ترتيباً زمنياً تصاعدياً، ينشر عدد منها يتحكم فيه مدير أو ناشر المدونة، ويتضمن النظام آلية لأرشفة التدوينات القديمة، تمكن القارئ من الرجوع إلى تدوينة معينة في وقت لاحق، عندما تعود غير متاحة على الصفحة الرئيسة للمدونة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الانترنت ليس كيانا موحدا، بل هو مجموعة من الأدوات المختلفة التي يختار الفرد منها ما يناسبه اعتماداً على وضعه في لحظة تاريخية معينة من حيث المستوى التعليمي والاجتماعي للمستخدم ومعدل إتقانه للغات الأجنبية، ومن ثم اختلاف الوزن النسبي لهذه الأدوات باختلاف فئات الأفراد المهتمين، ومدى تعقد أو سهولة الوسيلة المستخدمة، حيث يلاحظ تزايد نسب اشتراك الأفراد في الشبكة الاجتماعية الأكثر شهرة الفيسبوك Facebook في مقابل قلة عدد المدونات على سبيل المثال.[7]
· خبرة الثورة المصرية:
وفي مصر، هناك تعاظم في معدلات استخدام الانترنت، إذ وصل عدد مستخدمي هذه الشبكة في المجتمع المصري إلى ما يقرب من 13.5 مليون فرد في شهر يونيه من عام 2009 غالبيتهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-29 عاما.[8]
ومن ثم يعد الانترنت ساحة لممارسة نوع جديد من التنشئة السياسية يمكن اعتبارها تنشئة سياسية ذاتية أو غير موجهة، إذ لا تقود هذه العملية جهة أو مؤسسة ما سواء رسمية أو غير رسمية، فعلى الرغم من وجود مواقع للمؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية بأنواعها على شبكة الانترنت ووجود صفحات لها على الشبكات الاجتماعية الشهيرة، إلا أن تأثيرها يبدو محدودا لاسيما في ضوء حقيقة أن مستخدم الانترنت يملك في هذه الحالة مطلق الحرية في التعرض للمحتوى الذي تعرضه هذه الصفحات والمواقع، فضلا عن طبيعة الانترنت التي تسمح بالحوار والانتقاد المستمر للأفكار والرؤى المطروحة من جميع الأطراف.
ويعد موقع الفيسبوك هو أشهر وسائل التفاعل الالكتروني وأكثرها تأثيرا في مصر، فعلى الرغم من أن تأثيره كان محدودًا للغاية داخل المجتمع المصري خلال مرحلة بدء انتشار ظاهرة الفيسبوك عالميا منذ عام ٢٠٠٦ تقريبًًا، لكنها بدأت تظهر بشدة مع حالة الحراك السياسي التي وجدت في الشارع المصري بعد ذلك ومع تفجر المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات في كل مكان وبين عدد كبير من القطاعات الفئوية الموجودة في نسيج المجتمع.إذ شكل هذا الموقع الافتراضي مخرجًا تقنيًا لعدد كبير من الإشكاليات السياسية والإجتماعية والثقافة التي ساعدت علي ترسيخ ثقافة اللامبالاة بالشأن السياسي في مصر مثل مشكلة الرقابة علي وسائل الإعلام وضيق قاعدة إنتاج المعلومات وتداولها والحصول عليها.
وبالتالي فإن ظاهرة الفيسبوك في مصر لم تكن عبارة عن ارتجالات طائشة لصبية يتراوح متوسط أعمارهم بين الخامسة عشر والثلاثين، كما أعتقد الكثيرون في البداية، ولكنها عبرت عن نمط جديد من أنماط المشاركة السياسية، وكسرت حاجز التعبير الضيق، لتنطلق في مساحة حرة من السماء التقنية والفضاء التخيلي، معبرة عن حالة من النفاذية الفكرية بين الآراء والمعتقدات التي لا تعد أسيرة لفكر لصاحبها بل وجدت مكان تنطلق من خلاله إلي الآخرين، فقد جاء تنامي هذه الظاهرة كأحد آليات المقاومة بالحيلة غير التقليدية في مساحة حرة هبطت من سماء التقنية الحديثة التي كونت نوعًا من الفضاء "Public Space" عامة المجتمعي التخيلي المنفك من أسر كافة المؤسسات الثقافية والسياسية والأمنية والإدارية والدينية المألوفة التي تتحكم في حياة المواطن المصري، وهو بذلك ليس مجرد إفلات هروبي للمجال العام الرسمي "Counter Public Sphere" فحسب، بل هو أيضًا مجال عام مقاوم المفروض من جانب السلطة ومؤسساتها البيروقراطية. فقد شكلت ظاهرة الفيسبوك صورة سوسيولوجية حية ومستمرة، عكست واقع
المجتمع بكل اختلافاته وتفاصيله وقضاياه، وعرضت كيفية تفاعل المواطنين مع معطيات الحياة اليومية التي يفرزها البناء الاجتماعي والسياسي والثقافي داخل المجتمع، وذلك مع الاعتراف بوجود بعض السلبيات داخل بعض هذه المجموعات التفاعلية الجديدة مثل انتشار قيم التعصب الفكري وعدم التسامح لدى بعض المستخدمين عند طرح آرائهم وتوجهاتهم السياسية ، واستخدام بعض الألفاظ الخارجة في النقد أو التعبير عن الآراء.[9]
وترصد بعض الدراسات المتخصصة سبع مساحات أساسية للدور الذي لعبه الفيسبوك في عملية التنشئة السياسية أو تشكيل الثقافة السياسية لدى الشباب المصري، وذلك على النحو التالي:[10]
1) المساحة الأولى: خروج عدد كبير من الشباب من ظاهرة "الشيخوخة السياسية" المبكرة التي ُفرضت عليهم خلال السنوات الماضية من جانب كافة هياكل ومؤسسات وأجهزة المجتمع سواء الرسمية أو غير الرسمية. وذلك لأن الفيسبوك ما هو إلا فضاء شبكاتي افتراضي يتجاوز الحدود الجغرافية أو السياسية المعروفة، وتسوده حركة دائبة ومستمرة،، كما أن هذه الحركة برزت في صورة عشوائية واستمرت كذلك مما ساعد علي ابتعادها عن أنظار الرقابة والسيطرة والقمع التي مارستها الأجهزة التنفيذية للدولة ومؤسساتها الأمنية، وبالرغم من توسع بعض الأجهزة الأمنية في الدولة (خلال الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير 2011) في التضييق على نشطاء الفيسبوك من اختطاف وتهديد إلا أنها عجزت عن منع انتشار تلك الظاهرة بين الأوساط الشبابية.
2) المساحة الثانية: تتعلق بالدور الذي لعبه هذا الموقع الافتراضي في نشر وتعزيز ثقافة الديمقراطية، وتوعية الشباب بالحقوق والحريات الأساسية للمواطن كما جاءت في المواثيق والإعلانات الدولية، وكما تناولتها التشريعات والقوانين الوطنية، وذلك من خلال العديد من الأنشطة والفاعليات التي اهتمت بنشر ثقافة المواطنة القائمة علي قيم المساواة وعدم التمييز والمشاركة والتعددية.
3) المساحة الثالثة: تأكيد مستخدمي شبكة الفيسبوك في مصر علي مشروعية حق المواطن في التعبير عن احتجاجه لمنع حقوق عنه بالوسائل الجماعية ومنها الإضراب والاعتصام والوقوف الاحتجاجي والتظاهر السلمي والعصيان المدني، مما ساهم في بث روح جديدة في أوصال الشعب المصري وأعطاه أساليب جديدة لم يألفها من قبل في مقاومته واحتجاجه علي السلطة وقراراتها، وقد ظهرت هذه الوسائل بوضوح في عدد من الدعاوي والحملات التضامنية أوالاحتجاجية تجاه مجموعة من الأحداث والقضايا السياسية التي شهدها المجتمع المصري ، كان من أبرزها قيام مستخدمي الفيسبوك بدعوة كافة الأحزاب والقوى السياسية والأهالي إلي المشاركة في إضراب ٦ أبريل في العام 2008، وهي الدعوة التي جاءت في مواجهة ظاهرة الغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية في ظل تدني الأجور والمرتبات بوجه عام.
4) المساحة الرابعة: تحقيق قدر كبير من التواصل والتشبيك بين المجوعات الشبابية وعدد كبير من المثقفين والأكاديميين والسياسيين والصحفيين المهتمين بعمليات الإصلاح والتغيير السياسي في المجتمع المصري، حيث وجد عدد كبير من الشخصيات العامة في هذه الوسيلة التفاعلية فرصة ذهبية يمكن توظيفها من أجل تحقيق التعبئة والتجنيد السياسي وهو الأمر الذي عجزت معظم الكيانات الوسيطة التقليدية مثل الأحزاب السياسية والاتحادات الطلابية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني عن فعله خلال العقود الماضية.
5) المساحة الخامسة: دور موقع الفيسبوك في انتشار ما يعرف بظاهرة إعلام المواطن Citizen Journalism بفضل الطبيعة التفاعلية التي تميز بها هذا الموقع الافتراضي والناتجة عن تزايد حجم التطور التقني المستخدمة فيها وترجمته في وسائل مثل السيرفرات الضخمة، ومجموعات التفاعل، وقواعد البيانات، إذ مكنت هذه العوامل متسخدمي الموقع من أن يكونوا بمثابة منتجين للمحتوى الإعلامي. الأمر الذي سمح بتداول ومناقشة قضايا لا ُتثار بعمق في وسائل الإعلام التقليدية مثل أوضاع بعض الأقليات الدينية والعرقية في البلاد، وأحداث التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين.
6) المساحة السادسة، تدشين جيل جديد وغير مألوف من منظمات المجتمع المدني في الواقع المصري، وهو الجيل الذي يمكن أن نطلق عليه المجتمع المدني الافتراضي، إذ تميل هذه المنظمات الافتراضية إلى جمع الناس الذين يشاركون الرأي حول قضية أو حدث معينة دون وجود قواعد وإجراءات التسجيل الروتينية، وبصورة أقل في رسميتها من منظمات المجتمع المدني التقليدية.
7) المساحة السابعة: نجاح نشطاء الانترنت عامة والفيسبوك خاصة في عملية الترابط والتشبيك مع المجتمع الخارجي ، للتواصل وحضور المؤتمرات والفعاليات ذات الاهتمام بالنسبة لهم.
وعلى الرغم من وجود المئات من المجموعات على الفيسبوك التي تهتم بالقضايا السياسية في المجتمع المصري وهي تساهم في تعبئة الشباب لأسباب سياسية كثيرة، مثل دعم الإضرابات العمالية ونقد رموز النظام. كما تقوم بالدعوة لتنظيم المظاهرات والاحتجاجات، وفضح عمليات التزوير في الانتخابات البرلمانية في نهاية 2010. يظل المثال الأكبر على فعالية التنشئة السياسية عبر الفيسبوك والانترنت بصفة عامة في مصر مرتبطا بأحداث ثورة 25 يناير 2011؛ إذ بدأت الدعوة للثورة بشكل أساسي عبر موقع "الفيسبوك"، حيث قام أحد الشباب يدعى وائل غنيم بتأسيس صفحة أو مجموعة "كلنا خالد سعيد"، وقد دعا غنيم من خلال الصفحة إلى مظاهرات يوم الغضب في 25 يناير 2011 للاحتجاج على الأوضاع في البلاد وكان له دور كبير في التنسيق مع عدد كبير من الشباب مستخدمي الانترنت لأحداث الثورة.
ولا بد من الاعتراف في هذا الصدد بأن الجماعات الرئيسية التي دعت وشاركت بقوة في فعاليات يوم 25 يناير أول أيام الثورة (وهي: حركة 6 إبريل ومجموعة كلنا خالد سعيد وشباب الإخوان و"معا سنغير" "حملة دعم الدكتور محمد البرادعي"، وحركة شباب من أجل العدالة والحرية "حنغير"، وشباب كل من حزبي الجبهة الديمقراطية والغد. ثم التحق بهم العديد من الحركات الشبابية الأخرى تفاعلاً مع التطورات على الأرض، مثل اتحاد شباب التجمع والناصري، وحركة شعبية ديمقراطية للتغيير "حشد"، وشباب حزبي العمل والوفد وجبهة الشباب القبطي) هي مجموعات غير متجانسة فكريا، ولكنها تمتلك مهارات التعامل مع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الحديثة إلى جانب الروح الوطنية والإصرار على الانجاز، وقد نجحوا في تطوير قدراتهم التنظيمية والحركية وقاموا بتطوير وعيهم السياسي والثقافي خارج الأطر التقليدية لمؤسسات التنشئة السياسية القائمة في مصر، فاستطاعوا أن يفاجئوا الجيل القديم والمراقبين بقدرتهم على إحداث هذه الثورة التي أربكت الجميع.[11]
وبصفة عامة يمكن تفسير ذلك النجاح المتحقق في مجال التنشئة السياسية غير الموجهة عبر شبكة الانترنت خاصة في مصر في ضوء حقيقة ما يعنيه انتشار الفضاء الالكتروني من حدوث تحول كمي فى عدد الذين يقرءون ويعرفون عن واقعهم وواقع المجتمعات الأخرى الأكثر تقدما عنهم، كما أن تحولا كميا آخر يحدث في كمية ما يعرفونه ويقرءونه. وعادة ما يترتب على الزيادة الكمية تحول نوعى/ كيفي في مرحلة لاحقة، ففكرة "الوعي الثوري" التي يقول بها الماركسيون هي زيادة كبيرة في أعداد الحانقين على الأوضاع مع زيادة ملازمة لها فى كمية الحنق، بما يؤدى إلى الانفجار، بل ويعتقد البعض إن الحراك السياسي لم يكن ممكنا بدون الانترنت الذي أضحى يلعب نفس الدور الذي لعبته شرائط الكاسيت في الثورة الإيرانية في 1979.[12]
· الهوامش:
[1] يوسف ورداني،" ثقافة الشباب بين تحديات الانترنت وعجز الدولة"، موقع معهد الوارف للدراسات الإنسانية على شبكة الانترنت
http://www.alwaref.org/.[2] السيد عمر، "التنشئة السياسية لدى مدرسة المنار: مقاربة أولية"، بحث مقدم في ندوة مدرسة المنار ودورها في الإصلاح الإسلامي الحديث".- القاهرة: 2002، ص 4.
[3] محمد نصر مهنا، "مدخل إلى النظرية السياسية الحديثة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الإسكندرية، 1981، ص 291.
[4] إيمان جابر شومان، "الأحزاب والتنشئة السياسية في مصر: دراسة ميدانية"، أعمال مؤتمر الثقافة السياسية في مصر بين الاستمرارية والتغير" ، القاهرة: 1993، ص 1228.
[5] ناجي الغزي، "دور مؤسسات المجتمع المدني في التنشئة السياسية"، شبكة النبأ المعلوماتية
http://www.annabaa.org/index.htm، 6 مايو 2009
[6] إتصار إبراهيم عبد الرازق وصفد حسام الساموك، "الإعلام الجديد: تطور الأداء والوسيلة والوظيفة"، الدار الجامعة للطباعة والنشر، بغداد، 2011، ص ص 27- 31.
[7] يوسف ورداني، المرجع السابق.
[8] هاني خميس،"الشباب وحرية التعبير في عصر العولمة: فضاء المدونات نموذجا"، المجلة الاجتماعية القومية، المجلد 47، العدد 2، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، مايو 2010 ص ص 37- 38.
[9] إسلام حجازي، "الثقافة الافتراضية وتحولات المجال السياسي العام: ظاهرة الفيس بوك في مصر نموذجا"، المركز الدولي للدراسات المستقبلية ، القاهرة 2010، ص ص 22-23.
[10] المرجع السابق، ص ص 24- 27.
[11] أحمد تهامي عبد الحي، "خريطة الحركات الشبابية الثورية في مصر، مركز الجزيرة للدراسات "، 10 فبراير 2011 .
متاح على الرابط التالي:
http://arabic.aljazeeraportal.net/NR/exeres/5898A077-3AAE-4319-BE5D-E89972395162.htm[12] معتز بالله عبد الفتاح، "الفضاء الإلكتروني والسياسة"، صحيفة الشروق، 20 أكتوبر 2010