مقال حول نظريات مفسرة لعمالة الاطفال
1-نظرية التعلم الاجتماعي:
إن الطفل عند نشأته في بيئة معينة يتعلم ويكتسب أنماط السلوك السائدة في تلك البيئة كما تتضمن عملية التنشئة الإجتماعية "تغييرا أو تعديلا في السلوك نتيجة التعرض لخبرات وممارسات معينة ولأن مؤسسات التنشئة الإجتماعية تستخدم أثناء عملية التنشئة بعض الأساليب والوسائل المعروفة في تحقيق التعلم سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد"( )
ويعطي أصحاب هذه النظرية أمثال "دولارد"Dolard و"ميلر"Miler أهمية كبيرة للتعزيز في عملية التعلم كما يعتبر "باندورا" Bandora و"ولترز"Walterz أن التعزيز مهم في عملية التعلم وتقوية السلوك،س لكن لا يعتبر كافيا لتفسير تعلم أو حدوث بعض أنماط السلوك التي تظهر فجأة لدى الطفل "فالسلوك يتدعم أو يتغير تبعا لنمط التعزيز المستخدم، أو العقاب فالسلوك الذي ينتهي بالثواب يميل إلى أن يتكرر مرة أخرى في مواقف مماثلة للموقف الذي أثيب فيه السلوك كما أن السلوك الذي ينتهي بالعقاب يميل إلى أن يتوقف" ( )
وتشير هذه النظرية إلى وجود أربعة مراحل للتعلم بالملاحظة أو النمذجة هي:مرحلة الإنتباه ومرحلة الإحتفاظ، فالملاحظون الذين يقومون بتدبير الأنشطة المنمذجة يتعلمون ويحتفظون بالسلوك بطرق أفضل من الذين يقومون بالملاحظة وهم منشغلون بأمور أخرى.
إضافة إلى مرحلة إعادة الإنتاج حيث يتخذ الترميز اللفظي والبعدي في الذاكرة الأداء الحقيقي للسلوكات المكتسبة حديثا"( )
وتعتمد نظرية التعلم على ثلاثة أشكال للتعليم وتتمثل في التعليم الشرطي والتعليم بالخطأ والصواب والتعليم بالإستبصار.
2- نظرية التفاعل الرمزي:
من رواد هذه النظرية والمؤسسين الأوائل لها تشارلز كولي (1929-1864 )وجورج هربرت ميد (1931- 1863) إضافة إلى إسهامات رايت ميلز وماكس فيبر .
وقد اهتم ميد "بعلاقة اللغة بالتنشئة الإجتماعية" ويشير مفهوم التفاعلية الرمزية إلى "التفاعل الذي ينشأ بين مختلف العقول والمعاني، والذي يعد سمة المجتمع الإنساني ويستند هذا التفاعل الإجتماعي على حقيقة هامة هي أن يأخذ المرء ذاته في الإعتبار وأن يحسب أيضا حسابا للآخرين" ( )، فالفرد من حيث تفاعله مع الآخرين فإنه يؤثر فيهم ويتأثر بهم، وقد قدم "هربرت بلومر" الذي تتلمذ على يد "جورج هربرت ميد" في شيكاغو تلخيصا للقضايا الأساسية للتفاعلات الرمزية في ثلاث نقاط هي "أولا: أن الكائنات الإنسانية تسلك إزاء الأشياء في ضوء ما تنطوي عليه هذه الأشياء من معان ظاهرة لهم،
والثانية: أن هذه المعاني هي نتائج التفاعل الإجتماعي في المجتمع الإنساني، وثالثا وأخيرا: أن هذه المعاني تتعدل وتتشكل خلال عملية التأويل"( )
كما يسعى أصحاب هذه النظرية إلى توضيح كيفية تنشئة كل من الذكور والإناث حسب دور كل منهما، فيؤكد تيرنر أن "المجتمع يسوده أنماط من التفاعل تؤكد على اختلاف الأدوار تبعا للنوع، وكل من الوالدين وجماعة الرفاق يدعم هذا الأسلوب من التفاعل، فمثلا الوالدين يفرقان بين أطفالهم الذكور والإناث، من حيث طريقة التعامل واللعب، واللباس وغير ذلك( )، ويشير كذلك تيرنر إلى أن "الطفل الذكر عندما يكبر تكون علاقته قوية بوالده، ويكون دائم الإلتصاق به ويشاركه عمله خارج المنزل، أما
الطفلة فتنشأ قريبة من أمها حيث تعلمها أعمال المنزل وتعدها للحياة الزوجية كما يوجه الوالدان الطفل الذكر إلى احترام صفة الذكورة، والإبتعاد عن مظاهر الضعف وتدعم جماعة الرفاق والمدرسة اتجاه احترام صفة الذكورة حتى لا يتعرض الطفل للسخرية"( )
ويولي أصحاب التفاعلية الرمزية أهمية كبيرة لعملية الإتصال حيث تعتبر "جوهرالنظرية برمتها ذلك أن السلوك يتحدد من خلالها، فالناس يتصرفون وفقا لتبادل الرغبات والمقاصد والمعاني، وهناك تواصل المقاصد بين الناس، بحيث تستجيب ذواتهم وتتوافق من خلال ضروب الإتصال والتفاعل بينهم كما يحظى مفهوم الذات بنفس الأهمية في هذه النظرية، "فالذات تنشأ خلال سياق التداع
الرمزي مع الآخرين والناس يستطيعون من خلال استخدام الرموز تكوين الذات التي هي وعي متكامل يتجسد في أداء السلوك، فحينما ينشأ الفعل عن الدافع، ينظر الفاعل إلى نفسه كموضوع أي يدرك ذاته"( )
ولقد أكد كولي دور الجماعات الأولية والتفاعل الإجتماعي –وخاصة الإتصال- في تنشئة الشخصية ونموها ومعنى ذلك أن" الذات تنمو داخل سياق العلاقات الإجتماعية،.فالذات والآخر لا يتحققان كوقائع منفصلة تماما"( )
وإذا كان هذا الإتجاه يركز أساسا على دراسة العمليات الداخلية للأسرة، ويحدد وحدة الدراسة في العلاقات الدينامية، بين الزوج والزوجة والأولاد تحت مصطلحات الحاجات needs وأنماط السلوك، وعمليات التكيف فإنه يفيد أيضا في فهم العلاقات بين ، الأسرة والمجتمع لأنه يركز على عمليات التفاعل داخل الأسرة، مع ربطها بالتفاعل الإجتماعي الذي يحدث في البناء للمجتمع، فالأسرة محددة بنمط الحياة الأسرية السائدة، في لمجتمع، ويساعد اتجاه التفاعلية الرمزية في توضيح كيف تكون تنشئة كل من الذكور
والإناث على أدوار خاصة بكل منهم" ( )
3- نظرية) الإتجاه( البنائية الوظيفية:
ظهر الإتجاه الوظيفي في دراسة الظواهر الإجتماعية في أعمال الآباء المؤسسين لعلم الإجتماع، ثم ظهر بعد ذلك بوضوح في مؤلفات "دوركايم"و "كولي" و"توماس" و"باريتو" و"خلال الربع الأول من القرن العشرين اكتسب هذا الإتجاه مكانة متميزة في علم الإجتماع، وذلك بتأثير الأنتروبولوجيا الثقافية، و"لقد حقق هذا الإتجاه خلال السنوات القليلة الماضية تقدما سريعا، حتى أصبح منافسا للوضعية المحدثة في سيطرته على علم الإجتماع الحديث ( )ويستخدم اصطلاح الوظيفة في بعض الأحيان بمعنى رياضي، كما هو الحال في أعمال سوروكين، وهذا المعنى يشير إلى أن "مقدار أهمية متغير ما، تحدد بدورها
مقدار أهمية متغير آخر وغالبا ما تشير الوظيفة إلى الإسهام الذي يقدمه الجزء إلى الكل، وهذا الكل قد
يكون متمثلا في مجتمع أو ثقافة ( )
ويتسع معنى الوظيفة ليشير إلى الإسهامات التي تقدمها الجماعة إلى أعضائها) مثل الإسهامات التي تقدمها الأسرة من أجل بقاء أطفالها والمحافظة عليهم، التنشئة (
ويؤكد الإتجاه الوظيفي على "ضرورة تكامل الأجزاء في إطار الكل، أو ما يطلق عليه في بعض الأحيان تساند الأجزاء، كما نجد هذا الإستخدام لاصطلاح الوظيفة في كتابات العلماء أمثال راد كليف براون Brown ورالف لنتون Linton ومالينو فسكي Malinowski ويستخدم بعض العلماء تعبير التحليل الوظيفي لإشارة إلى دراسة الظواهر الإجتماعية باعتبارها عمليات أو آثار لبناءات إجتماعية معينة، كما تستخدم أيضا صيغة مركبة هي التحليل البنائي- الوظيفي، وهذه الصيغة نجدها مستخدمة في أعمال بارسونز Parsons وتلاميذه وترجع الصيغة في الواقع إلى سبنسر" Spencer ( )
والقضية الوظيفية التي تدور حولها كتابات الوظيفيين يمكن تحديدها على النحو التالي: "إن النسق الإجتماعي) وهو إصلاح يستخدمه الوظيفيون ( يمثل نسقا حقيقيا فيه
تؤدي أجزاؤه وظائف أساسية لتأكيد الكل وتثبيته، وأحيانا اتساع نطاقه وتقويته ومن ثم تصبح هذه الأجزاء متساندة ومتكاملة على نحو ما"( )
مع أن الدراسات السوسيولوجية الوظيفية قد تأثرت بالإتجاهات السائدة في البيولوجيا وعلم النفس والأنتروبولوجيا الثقافية، إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول بأن نمو هذه الدراسات يعود أيضا إلى الأعمال الأولى في علم الإجتماع، فقد "ظهرت فكرة تكامل الأجزاء في الكل، وتساند عناصر المجتمع المختلفة في فكرة الإتساق العام عند كونت وفي فكرة التكامل عند سبنسر، وفي الإتجاه العضوي عند كولي، وفي تصور بارينو للمجتمع باعتباره نسقا متوازنا. أما تأكيد فكرة الدور أو الإسهام الذي تقدمه البناءات الإجتماعية للكل، فيعود في الواقع إلى كل من دور كايم وتوماس"( )
ويعد "المنهج المقارن إجراء يستعان به في تنمية الفروض الوظيفية واختبارها"( 3 وفي مقال نقدي كتبه ألفن جولدنر Gouldner أكد فيه "أن الإتجاه الوظيفي يمكننا من تبصر وتفهم أفضل لطبيعة العلاقة السببية، فإذا كانت هذه الأخيرة) العلاقة السببية(تجيب عن "ماذا؟" فإن الأول (الاتجاه الوظيفي) يجيب عن "ما الداعي؟" ( )
وبالرغم من أن الإتجاه الوظيفي قد لا يستطيع تفسير نشأة الأنساق الاجتماعية أو تشكلها بدقة، إلا أنه يمكننا من فهم السبب الذي من أجله تؤدي بعض عناصر هذه الأنساق دورا ملحوظا لبقائها، وينظر هذا الاتجاه إلى التنشئة الاجتماعية على أنها "أحد جوانب النسق الاجتماعي"( )
-4-3-3-4 نظرية الحاجات:
"الحاجة هي الإفتقار إلى شيئ ما، إذا وجد حقق الإشباع والرضا والارتياح للكائن الحي والحاجة شيء ضروري، إما لاستقرار الحياة وإما للحياة بأسلوب أفضل."
وتعتبر "الأسرة من أهم الجماعات التي يشعر فيها الطفل بالأمن والاطمئنان، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الوجدانية من حياته( ) " ، فالطفل منذ ولادته له حاجات جسمية ونفسية هامة لا يقدر إشباعها دون مساعدة حيث تلعب الأم دورا هاما في اشباع هذه الحاجات في السنوات الأولى من عملية التنشئة الاجتماعية بمساعدة الأب.
وحاجات الطفل الجسمية تتمثل في الحاجة إلى التغذية والرعاية الصحية واللباس والسكن والتربية القومية، وأما حاجاته النفسية فتتمثل في الحاجة إلى الأمن والحب والتوجيه السليم، والحاجة إلى إرضاء الكبار والأقران والحاجة إلى التقدير الاجتماعي والحرية والاستقلال وتغير المعايير السلوكية والحاجة إلى تقبل السلطة والحاجة إلى الإنجاز والنجاح والحاجة إلى المكانة واحترام الذات، والحاجة إلى اللعب.
وعندما يفقد الطفل إشباع حاجة من حاجاته الجسمية أو النفسية فإنه يشعر بعدم الرضا والإرتياح، فيسعى بنفسه إلى إشباع حاجته قدر ما يستطيع، فإذا نشأ الطفل في أسرة لا تستطيع إشباع كل حاجاته المادية لانعدام دخلها أو لكونه منخفض، فإنه يسعى للعمل في سن مبكر من أجل إشباع هذه الحاجات.
4- التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل من خلال الأسرة أو جماعة الرفاق وعلاقته بظاهرة عمل الأطفال:
تتعمق فكرة العمل لدى الطفل عندما ينشأ في أسرة فيها الأب وباقي الإخوة أو بعضهم بأعمال حرفية أو خدمية دون الحصول على مستوى تعليمي مرتفع، وبما أن الأب يمثل القدوة التي يقتدي بها الطفل في تشكيل اتجاهاته وتحديد طموحاته المستقبلية فهو يحاول تقليده وتقليد إخوته الكبار بأن ينتهج مناهجهم في التعليم والعمل، وبما أن العمل هو المصدر الأساسي لمنح المكانة الاجتماعية المرتفعة عند هذا النوع من الأسر نظرا لما يساهم به العضو العامل من دخل يرفع من مستواها المادي ويشبع العديد من حاجاتها، فإن هذا ما يدفع الطفل إلى ممارسة العمل من أجل الحصول على المكانة، خاصة وأنه في هذه المرحلة العمرية يكون شديد الحرص على تحمل بعض المسؤولية ليحقق ذاته ويحصل على احترام المحيطين به، كما يسعى لإرضاء الكبار لوالدين فيمارس العمل من أجل الحصول على التشجيع والثواب.
وتنشئة الطفل على العمل هي امتداد لنمط ثقافي سائد في المجتمع الجزائري حيث كانت العائلة تقوم بتنشئة الطفل على تحمل المسؤولية في مختلف مجالات الحياة لتنمو شخصيته، ويعتمد على نفسه، فتتيح له الفرصة منذ نعومة أظافره، لممارسة بعض الأعمال التي يتدرج فيها على تحمل أعلاء الحياة، فالعمل بالنسبة للعائلة كان يعد كإستراتيجية للتعلم والمعرفة التقنية، ولكن كذلك هو نعلم اجتماعي لأخذ مكانة في الجماعة وفي الأسرة، كما أن جماعة الرفاق لها تأثير كبير على توجه الطفل نحو ممارسة العمل في سن مبكر حيث يكون في هذه المرحلة شديد الولاء لرفاقه كما يسعى لإرضائهم حتى يتمكن من الاندماج في جماعتهم، وهكذا يعمل على تقليدهم خاصة وأنه يقضي معظم وقته معهم.
خلاصة:
تعتبر ظاهرة عمل الأطفال في المجتمع الجزائري ظاهرة جد متشعبة ومعقدة، فكل المححدات سواء كانت الاقتصادية أو التعليمية أو الاجتماعية لها دخل في بروز الظاهرة، لكنها تختلف ن حيث درجة تأثيرها على الطفل في دفعه إلى سوق العمل في سن مبكر وهذا ما سوف نحاول التعرف عليه في الجانب الميداني للدراسة.
- الاسم و اللقب : صادق حطابي
- الدرجة العلمية : ماجستير و مسجل في السنة الثالثة دكتوراه
- التخصص : علم الاجتماع الجنائي
- المؤسسة : جامعة الجزائر 02 بوزريعة
- البريد الالكتروني :
sadekhattabi@gmail.com