نظريات التجارة الخارجية
مقدمة
التجارة الخارجية تمثل تبادل السلع والخدمات بين الدول التي تتوافر فيها والدول التي تفتقر إليها، أي أن هناك دولة مصدرة واخرى مستوردة,-والحكمة من التجارة الدولية انها استغلال امثل لموارد العالم. ويختلف مفهوم التجارة الخارجية عن التجارة الداخلية، في أن الأولى تقوم بين أطراف دولية تفصل بينها حدود سياسية، وموانع تداول، وأنظمة، وقوانين، وآليات، ليست قائمة بين أطراف التداول في السوق التجارية الوطنية.
ويمكن النظر إلى التجارة الدولية على أنها ذلك النوع من التجارة الذي ينصب على كتلة التدفقات (الصادرات والواردات) السلعية المنظورة، التي تؤلف مجمل الإنتاج السلعي المادي الملموس المتداول في أقنية التجارة الدولية بين الأطراف المتداولة من جهة وعلى كتلة التدفقات (الصادرات والواردات) الخدمية غير المنظورة التي تتألف من خدمات النقل الدولي بأنواعه، وخدمات التأمين الدولي، وحركة السفر والسياحة العالمية، والخدمات المصرفية الدولية، وحقوق نقل الملكية الفكرية،وخاصة نقل التقانة (التكنولوجية) من جهة أخرى.
يمكن القول إن التجارة الدولية هي حصيلة توسع عمليات التبادل الاقتصادي في المجتمع البشري، التي نتجت عن اتساع رقعة سوق التبادل الاقتصادي الجغرافية. بحيث لم تعد السوق مغلقة أو قائمة على منطقة جغرافية واحدة، تضم مجتمعاً وتكويناً سياسياً واحداً. بل اتسعت لتتم المبادلات السلعية والخدمية فيها بين أقاليم ذات مقومات اجتماعية وسياسية مختلفة. وعلى ذلك فإن للتجارة الدولية طبيعة خاصة بها، تختلف عن طبيعة التجارة الداخلية في الدولة الواحدة.
أهمية التجارة الخارجية:
للتجارة الخارجية أهمية بالغة في اقتصاديات العالم أجمع فبواسطتها يتم تبادل السلع والخدمات وحتى الأفكار بين أفراد المجتمعات مهما كانت المسافة بينهم, ورقي التجارة وازدهارها يتطلب توظيف جهاز ضخم من الهيئات والمؤسسات وذلك لتوفير أكثر الشروط أهمية لإنتاج سلع وخدمات قابلة للتسويق.
ومن بين الهياكل والأجهزة الأكثر أهمية والتي تسعى الدول بوسطتها الحفاظ على استمرار أواصل التبادل التجاري في المؤسسات المصرفية وبالأخص البنوك التجارية والتي تعمل على تمويل المشاريع التجارية والاستثمارات وكل أنواع عمليات الإنتاج والاستغلال للموارد الطبيعية، فالبنوك التجارية في الفترة الآونة أصبح بمقدورها توفير كل أنواع القروض والإئتمان لعملائها مهما كانت مدتها أو شكلها أو موضوعها, ومن هذا تظهر العلاقة التي تربط التجارة الخارجية والبنوك التجارية.
إن الأفراد لا يمكنهم مجال من الأحوال في الوقت الحاضر أن يعيشوا بمعزل في الأفراد الآخرين لأن الدول إذا اختارت العزلة أو عدم الاتصال بالدول الأخرى فإنها ستعاني من مستوى مشيتها البدائي, والتقسيم الجغرافي للدول جعلتها تختلف من حيث الموارد والإمكانيات الطبيعية, هذا الاختلاف النسبي في عوامل الإنتاج أدى إلى تخصصها في إنتاج سلع معينة وتوفير حاجياتها المتبقية عن طريق التجارة الخارجية, إذن يمكن الخلاص إلى التجارة الخارجية.
وموضوع تحديد أسباب قيام التجارة الدولية أثار تفكير مجموعة مختلفة من المفكرين الاقتصاديين وقد كان عمل كل واحد منهم تكملة لعمل الآخر للوصول في الأخير إلى الأسباب الحقيقية لقيام التبادل التجاري وتحديد أساليب سياسية لترقية التجارة الخارجية.
نظريات التجارة الخارجية وسياساتها
- مقدمة حول نظريات التجارة الخارجية وسياساته
تحدث التجارة الخارجية بين وحدتين اقتصاديتين بسبب اختلاف الأسعار، حيث نرى من ناحية التوازن الجزئي أن الاختلاف بالأسعار ناتج عن تغيرات في العرض والطلب. أما من ناحية التوازن الكلي وفي حالة استيفاء شروط محددة (مثلاً: وجود منحنى سواء الجماعة) نستطيع أن نبين أن التجارة الخارجية تحدث إذا كانت الأسعار النسبية (في حالة ما قبل حدوث التجارة) مختلفة. وعليه، فإن اختلاف الأسعار النسبية هو الحافز والمحرك للتجارة والذي بدوره يعكس تغيرات في التكاليف.
نظرية التجارة الخارجية:-
تكونت نظرية التجارة الخارجية التي تحاول تفسير مبادئ التجارة الخارجية وآلياتها من تراكم تاريخي امتد قرابة قرنين من الزمن، إذ لحظها (آدم سميث) في كتاباته، وقال بالميزة المطلقة، التي تؤلِّف أساس قدرة الدولة على التصدير، وهي تعني أن تتفوق الدولة المعنية على باقي الدول في توافر عوامل الإنتاج وانخفاض تكاليفها بحيث تستطيع هذه الدولة أن تغزو بصادراتها أسواق الدول الأخرى.
ثم جاء دافيد ريكاردو، وقال بالميزة النسبية القائمة على هبات الطبيعة التي تملكها الدولة. وتعني الميزة النسبية تفوق كل من البلدان بإنتاج سلعة أو سلع معينة مما يجعل التبادل بين الدول مربحاً لها جميعها على أساس تفوق كل منها ببعض السلع. وتوفر مقولة الميزة النسبية أساساً نظرياً لقيام التجارة الخارجية بين دول العالم، وقيامالتبادل التجاري المشترك تصديراً واستيراداً) وتقسيم العمل الدولي. وجاء بعده مجموعة من المجتهدين الذين أضافوا الكثير من الآراء، واستخدموا أدوات تحليل، جعلت من النظرية بناءً نظرياً تراكمياً ضخماً.
وكانت آخر تلك الاجتهادات، ما انصب على توسع مقولة الميزة النسبية للدولة على أساس هبات الطبيعة المطلقة من الثروات الظاهرة والباطنة فيها لتشمل إمكانية امتلاك ميزة نسبية مكتسبة، على أساس حيازة الدولة لرأسمال بشري مؤهل علمياً وتقنياً، أو القدرات التقانية (التكنولوجية) الوطنية المكتسبة أو المنقولة، أو القائمة على حركة البحث العلمي الوطنية الكثيفة. (مذهب الفجوة التقنية ومذهب دورة المنتج).
فإذا لم يكن للدولة مناجم تحوي الذهب والفضة فإن السبيل الوحيد للحصول عليها هو التجارة الدولية, وهذا يستدعي أن تحقق الدولة فائضا في ميزانها التجاري, أي أن تفوق صادراتها وارداتها ويدفع الفرق بالمعدن النفيس, ويلزم تحقيق فائض في الميزان التجاري أن تعمل الدولة بأساليبها المختلفة على بلوغ هذه النتيجة.
ولقد ميز التجاريون بين ثلاث فترات مرت بها النظرية التجارية:
الفترة الأولى: وهي الفترة التي تعرف بفترة السياسة المعدنية ويستدعي إحتفاظ الدولة في تلك الفترة برصيد من المعدن النفيس وإخضاع عمليات إنتقال المعدن النفيس للخارج لرقابة مباشرة.
الفترة الثانية: اكتفت الدولة نتيجة تجاربها بأن تفسر معاملاتها مع كل دولة على إنفراد ومن ثمة لم تعد هناك حاجة إلى فرض رقابة مباشرة على كل عملية من عمليات إنتقال المعدن النفيس إلى الخارج, وعلى أن تكتفي الدولة بالرقابة غير المباشرة على مجموع معاملاتها مع كل دولة.
الفترة الثالثة: إتضح للدولة أن مركزها النهائي يتوقف على مجموع صادراتها في نهاية العالم, وعلى ذلك فليس من الضروري أن تكون معاملاتها مع كل دولة في صالحها فالعبرة في مجموع معاملاتها.
ولقد إقتضى منطق التجاريين الذي وضعوا ضرورة تدخل الدولة في التجارة الخارجية لذلك طلبوا بوجوب إخضاع التبادل الدولي لبعض القيود والتي تتمثل في الضرائب على الواردات وإعانة الصادرات ومنع استيراد بعض السلع وغيرها بقصد تحقيق فائض في الميزان التجاري.
نظرية التجاريين:
كانت نظرية التجاريين في التجارة الدولية نتيجة منطقية لوجهة نظرهم في ثروة الأمة، فثروة الأمة عندهم تعتمد على ما لديها من ذهب وفضة وما تحققه من إضافة فيهما.
الطبيعيون والتجارة الخارجية:-
كان من الوسائل التي اتبعها التجاريون فرض قيود على تصدير المواد الغذائية كي ينخفض ثمنها وبالتالي تنخفض مستويات الأجور وهذا من شأنه خفض نفقة الانتاج في الصناعة وتشجيع الصادرات الصناعية, وعلى ذلك فإن الطبيعيون توصلوا إلى أن قيود التقدير كانت مسؤولة على انخفاض أثمان الحاصلات الزراعية, لو ما كان نظامهم يهدف إلى تحقيق زيادة في الطلب على الحاصلات الزراعية حتى لا يسود ما سموه بالثمن المجزي وتحقيق أقصى قدر ممكن من الناتج الصافي.
الكلاسيك ونظريات التجارة الخارجية:-
نادى الكلاسيك ودافعوا بشدة عن الحرية الاقتصادية وكانت حرية التجارة امتدادا طبيعيا لمبدأ الحرية الاقتصادية وحسب رأيهم فإن الانسجام بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة أمر واضح, ويستند مبدأ حرية التجرة في الفكر الكلاسيكي إلى ثلاث نظريات: ومن أبرز نظريات التجارة الخارجية الكلاسيكية ما يلي:
نظرية الميزة المطلقة: "آدم سميث"
قال آدم سميث بالميزة المطلقة، التي تؤلِّف أساس قدرة الدولة على التصدير، وهي تعني أن تتفوق الدولة المعنية على باقي الدول في توافر عوامل الإنتاج وانخفاض تكاليفها بحيث تستطيع هذه الدولة أن تغزو بصادراتها أسواق الدول الأخرى. ويمكن القول أن آدم سميث لم يضع نظرية خاصة للتبادل الدولي متعلقة بحرية التجارة الدولية، تعتبر جزء من النظرية الكلاسيكية.و أفكار آدم سميث في نظرية التجارة الدولية موجودة في كتاب أصدره عام 1776م بإسم " ثروة الأمة".
ومضمون النظرية هو أن المزايا التي تنتج عن تقسيم العمل داخل دولة نفسها تتحقق نتيجة لتقسيم العمل في المجال الدولي. فالدولة هي تتخصص في انتاج السلع التي تتوقع أن يزداد انتاجها فيبدوا أنه لديها وفرة في استخدام المواد الأولية والعمالة والآلات,...الخ. والأساس الذي إعتمد عليه آدم سميث في توسيع نطاق تطبيق آرائه لتحسين العمل لتشمل المجال الدولي (اتساع نطاق السوق). فالسوق يتسع بدرجة أكبر إذا ما تمكنت السلع من إيجاد أسواق لهل في خارج نطاق البلد, فسوف يؤدي هذا إلى توجيه النشاط الاقتصادي نحو السلع التي تنتج بتكاليف أقل من تكلفة إنتاجها في الخارج واستيراد سلع أجنبية يمكن إستيرادها بتكاليف أقل من تكلفة إنتاجها في الخارج والإعتماد على استيراد السلع الأجنبية التي يمكن استيرادها بتكاليف أقل من تكلفة انتاجها محليا، فتقسيم العمل في المجال الدولي طبقا لما جاء في كتاب آدم سميث يجب على الدولة أن تتخصص في انتاج السلع التي تكون في انتاجها ميزة مطلقة.
وقد وجهت انتقادات في أفكار آدم سميث وأخذ على مبادئه أنها تنادي بأن تتخصص كل دولة في انتاج السلع التي تتوفق فيها وهي لا تبالي بذلك فالدولة التي لا تتوفق في أي فرع من فروع الانتاج, فهناك عدد من الدول لا تستفيد بأي تفوق وهذا يكون عرضة لمشكلات اقتصادية لأن سلع الدولة المتوفقة ستغزو أسواقها في وقت لن تستطيع فيه تقدير أية سلعة لكي تمول الاستيراد.
وعلى الرغم من أن هذه الملاحظة قد أثرت فيما بعد بحيث لم يستطع سميث نفسه أن يرد عليها. وعلى كل فإن هذه الانتقادات لا تنقص كثيرا من قدر نظرية سميث لأن الحكم على أية نظرية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف التي كانت سائدة وقت المناداة بها, فحرة التجارة كانت في صالح بريطانيا في ذلك الوقت وكانت صناعة بريطانيا قوية ولك يكن يخشى عليها مناقشة الدول الأخرى.
نظرية التكاليف النسبية "لدافيد ريكاردو":
وفقاً لهذه النظرية فإن الاختلاف في التكنولوجيا يؤدي إلى حدوث التجارة الخارجية بين الدول ويحدد مواصفاتها كما أن اختلاف أسلوب الإنتاج (نتيجة لاختلاف دوال الإنتاج) بين الدول يؤدي إلى اختلاف منحنيات إمكانيات الإنتاج بينها وبما أن الدول متشابهة في كل الجوانب الأخرى وبالذات جوانب الطلب فستكون الأسعار النسبية للسلع (وبالتالي المزايا النسبية) مختلفة بين الدول قبل حدوث التجارة.
قال دافيد ريكاردو بالميزة النسبية القائمة على هبات الطبيعة التي تملكها الدولة. وتعني الميزة النسبية تفوق كل من البلدان بإنتاج سلعة أو سلع معينة مما يجعل التبادل بين الدول مربحاً لها جميعها على أساس تفوق كل منها ببعض السلع. وتوفر مقولة الميزة النسبية أساساً نظرياً لقيام التجارة الخارجية بين دول العالم، وقيام التبادل التجاري المشترك (تصديراً واستيراداً) وتقسيم العمل الدولي.
وجاء بعده مجموعة من المجتهدين الذين أضافوا الكثير من الآراء، واستخدموا أدوات تحليل، جعلت من النظرية بناءً نظرياً تراكمياً ضخماً. وكانت آخر تلك الاجتهادات، ما انصب على توسع مقولة الميزة النسبية للدولة على أساس هبات الطبيعة المطلقة من الثروات الظاهرة والباطنة فيها لتشمل إمكانية امتلاك ميزة نسبية مكتسبة، على أساس حيازة الدولة لرأسمال بشري مؤهل علمياً وتقنياً، أو القدرات التقانية (التكنولوجية) الوطنية المكتسبة أو المنقولة، أو القائمة على حركة البحث العلمي الوطنية الكثيفة. (مذهب الفجوة التقنية ومذهب دورة المنتج).
أورد ريكاردو نظريته في التجرة الدولية من خلال كتابه "مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب", ويعالج هذا الكتاب أساسا موضوع القيمة والتوزيع, ويتناول موضوع التجارة الدولية في الباب السابع من الكتاب, وقد استعرض ريكاردو ما ذهب عليه آدم سميث من أن التجارة الخارجية بين دولتين ستعود بالفائدة عليهما وأن التحصص الدولي لا يتوقف على نظرية الميزة المطلقة لمختلف الدول وإنما هلى مقارنة الميزة النسبية لمختلف الدول في انتاج السلعتين معا, إحداهما بالنسبة الأخرى, وقد اعتمدت نظرية ريكاردو على عدة فرضيات من بينها:
1. التجارة الدولية تتم بين دولتين مختلفتين منعزلتين عن بقية العالم.
2. عوامل الانتاج تنتقل بحرية كاملة بين فروع الانتاج المختلفة والمناطق المختلفة داخل الدولة.
3. التبادل يتم بالنسبة لسلعتين فقط.
4. هاتين الدولتين على قدر واحد من الأهمية الاقتصادية.
5. النقل والتأمين وغيرها من النفقات التي تتشبع انتقال السلع من دولة لآخرى لا تكلف شيئا.
6. دالة الانتاج متجانسة وهي من درجة واحدة.
7. المنافسة الكاملة داخل الدولة وفيما بين صناعاتها.
8. توجد تقنية واحدة لصنع السلعة تختلف من دولة لآخرى.
نلاحظ من هذه الافتراضات عرض نظرية ريكاردو التي هدفت للوصول إلى نتيجتين:
1. ¨ فائدة التخصص الدولي أي كيف يكون التبادل الدولي مفيد لكل من الدولتين.
2. ¨ كيف يتم تقسيم الفوائد الناتجة عن التبادل بين الدولتين.
إن الشرط الذي يعتبر في نفس الوقت ضروريا وكافيا لا مكان قيام التبادل الدولي هو وجود إختلاف بين سعر التبادل الداخلي للسلع في الدول المتخلفة, فإذا وجد هذا الشرط فإن مصلحة الدولة أن تتخصص في انتاج السلع التي تتفوق فيها تفوقا نسبيا, وهذا الشرط ضروري لأنه إذا كان معدل التبادل الداخلي متساويا فإنه لن يكون للدولة مصلحة في قيام التجارة الدولية, وهذا الشرط كافي لأنه ما دام هناك اختلاف في معدل التبادل الداخلي فإن التجارة الدولية تتم دائما وتكون في مصالح كلتا الدولتين.
نظرية التوازن التلقائي: "دافيد هيوم"
وتتلخص نظرية هيوم في أن المعدن النفيس يتوزع على البلاد الداخلية في علاقات تجارية دون الحاجة إلى تدخل من قبل الدولة فإذا زاد ما لدى الدولة من المعدن النفيس على القدر الذي يتناسب مع نشاطها الاقتصادي, فإن أسعار السلع في تلك الدولة ترتفع بالنسبة لأسعار السلع في البلاد الأخرى مما يؤدي إلى انسياب مع حجم نشاطها الاقتصادي فإن أسعار السلع في هذا البلد تنخفض بالنسبة لأسعار السلع في الدول الأخرى مما يؤدي إلى زيادة صادراتها ونقص وارداتها وفي النهاية يتحقق الفائض في الميزان التجاري مما يؤدي إلى تدفق الذهب إلى الدولة من العالم الخارجي. وهكذا استطاع هيوم عن طريق دراسة العلاقة بين كمية المعدن النفيس في بلد ما ومستويات الأسعار فيه, والعلاقة بين مستوى الأسعار فيه ومستوى الأسعار في العالم الخارجي إلى عدم جدوى القيود التي تفرض على التجارة الدولية.
نظرية القيم الدولية (الحديثة): "هيكشر وأولين"
لقد توارت النظرية الحديثة على يد " هيكشر وأولين" حيث يرجع لهما الفضل في صياغتها, فقد عاضا الفرضيات التي قامت عليها النظرية الكلاسيكية التي تصف حالة مشاهدة ولا تفسرها خاصة باعتبار العمل أساس لقيمة السلعة, حيث قاما بوضع نظرية كاملة لتفسير التبادل خاصة التجرة الدولية, لقد عملا على التوحيد بين نظرية القيمة للسلع الداخلية ونظرية القيمة للسلع المتبادلة دوليا وتوصلا في الأخير إلى استنتاج توازن الأثمان الدولية على ضوء الارتباط القائم بين الأثمان في الداخل والخارج.
ويرجع "هيشر وأولين" أن التجارة الدولية تعود إلى اختلاف الوفرة أو الندرة النسبية لعناصر الانتاج, فعلى غرار التقليديين الذين يرون أن النفقة تحسب بالنقود, لهذا يجب أن تدور المنافسة على الأثمان, فهناك أثمان عوامل الانتاج وأثمان المنتجات, وأن ما يؤثر على نفقة الانتاج أي على ثمن عناصر الانتاج يؤثر على ثمن السلع المنتجة سواء كان التبادل في الداخل أو في الخارج.
لذلك يتخصص البلد بحسب أثمان عوامل الانتاج فيها, فالتخصص عند "أولين" ناتج عن تفاوت في أثمان عوامل الانتاج بين الدول وليس نتيجة للتفاوت في النفقات المقارنة, فالتجارة مبنية على على التفاوت بين الدول وهذا التفاوت يكون على الأثمان حيث هذه الأخيرة تتفاوت لإختلاف أثمان عوامل الانتاج.
لقد إعتمد "هيكشر وأولين" على الفرضيات التالية في نظريتهما:
1. أن التكنولوجيا المتاحة لإنتاج نفس السلعة واحدة بالنسبة للمنتجين في البلد الواحد.
2. دوال الانتاج لأي سلعة واحدة في البلد الواحد وقد تكون كذلك بين البلاد المختلفة وقد لا تكون.
3. أذواق المستهلكين معطاة, بحيث أنه لن يترتب على التجارة الدولية أي تغيير في هذه الأدوات وأن هذه الأخيرة لا تختلف كثيرا من بلد لآخر.
4. لا توجد نفقات نقل أو رسوم جمركية.
5. • هناك منافسة تامة في أسواق السلع وعوامل الانتاج داخل كل دولة.
تجربة نظرية "هيكشر وأولين" وتناقض "ليونتياف"
لقد جرت عدة محاولات تطبيقية لإختيار مدى صحة هذه النظرية في التجارة الدولية, فكان أشهرها المحاولات التي قام بها الاقتصادي الأمريكي "ليونتياف" سنة 1953م, الذي قام بإختيار العرض القائل أن الدولة تتمتع بوفرة نسبية في عنصر المال, ولكن بندرة نسبية في عنصر العمل, فمن المتوقع أن تكون صادراتها كثيفة رأس المال, بينما تكون وارداتها كثيفة العمل, ولقد إستعان في ذلك بجدول قام من خلاله بتقدير كمية العمل ورأس المال المطلوب لإنتاج ما قيمته مليون دولار من سلع الصادرات والسلع المنافسة للواردات في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1947م.
والذي توصل إليه من خلال هذا الجدول وأن وحدة الصادرات تحتاج لكمية من رأس المال أقل مما تحتاجه وحدة السلع المنافسة للواردات هذا معناه أو الولايات المتحدة الأمريكية تصدر سلع كثيفة العمل وتستورد سلع كثيفة رأس المال, ويستنتج "ليونتياف" من ذلك أن إشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في التقسيم الدولي للعمل, إنما يقوم على أساس تخصصها في فروع إنتاج كثيفة العمل ورأس المال في ضوء الإعتقاد الشائع أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية بالمقارنة مع بقية بلدان العالم يتميز بفائض نسبي في رأس المال " تثبت أنه خاطئ والعكس هو الصحيح".
التحسينات في النظريات الأساسية والتوجهات الحديثة
1. تكلفة النقل في التجارة العالمية: إن إضافة تكلفة النقل يمكنه أن يعيق التجارة الخارجية للسلع التي من الممكن أن يتاجر بها عالمياً لو كان النقل بدون تكلفة (يمكن دراسة تأثير تكلفة النقل على التجارة الخارجية باستخدام نموذج العرض والطلب). وتكلفة النقل تكون في بعض الأحيان السبب المباشر في حدوث التجارة بين الدول، خاصة في حالة الدول ذات الحدود المشتركة.
2. السلع غير المتاجر بها عالميا: وجود بعض السلع التي لا تدخل في عملية التجارة في الاقتصاد المحلي له تأثير مباشر على حجم ونوعية التجارة الخارجية بالنسبة للدولة (السياحة مثلاً).
3. السلع الوسيطة: وجود بعض السلع التي تدخل في العملية الإنتاجية لسلع أخرى له تأثير على حجم ونوعية التجارة بين الدول (النفط ومشتقاته)
4. الموارد الطبيعية: يجب إضافتها ضمن المدخلات الأساسية للإنتاج مثل العمالة ورأس المال.
5. العوامل المحددة: يتم إنتاج بعض السلع أحياناً باستخدام عوامل محددة وهذا ما سيغير من نوعية وحجم التجارة بين الدول عند أخذها في الاعتبار (مثال: إنتاج السلعة X يحتاج إلى L و K وإنتاج Y يحتاج إلى L و N).
6. تنقل عوامل الإنتاج: تم بناء النظريات الأساسية على افتراض أن عوامل الإنتاج لا تنقل بين الدول. وهذا الافتراض لا ينطبق في وقتنا الحالي ولذا يجب تعديل وتحسين النظريات وفقاً لذلك (انتقال العمالة مثلاً).
7. اللايقين (Uncertainty): تفترض النظريات الأساسية كمال وتوافر نفس المعلومات لكل الأطراف في عملية التبادل التجارية وهذا بالطبع افتراض غير مناسب ويجب تعديله حتى تكون النظريات أكثر واقعية.
8. التجارة الخارجية غير المنظمة مثل التجارة غير المشروعة أو التهريب: نظراً لوجود هذه الظواهر في التجارة بين الدول لابد من أخذها بعين الاعتبار
بعض التوجهات والنظريات الجديدة.
1. الفجوات التكنولوجية: هناك فجوات تكنولوجية بين الدول (أي أن بعض الدول تقود والبعض الآخر يتبع) والتي إن أخذت في الاعتبار تؤدي إلى خلق أساس نظري مختلف للتجارة الخارجية.
2. دورة حياة السلعة: تمر عملية إنتاج السلع منذ اكتشافها بعدة مراحل يعتمد فيها إنتاجها على نوعيات مختلفة من العوامل مما قد يقتضي استيراد دولة لسلعة كانت هي المصدر لها في فترات سابقة، وعادةً ما يحدث هذا في سلع المواد الأولية (الخام) الناضبة.
3. تأثير الدخل: تعطي النظريات هنا اعتباراً هاماً ودوراً فعالاً لجانب الطلب. وهي عموماً (وخاصة نظرية Linder والتي تعتبر أهمها وأشهرها) تستند على افتراضين هما أن احتمال تصدير الدولة لسلعة يزداد مع توافر الأسواق المحلية للسلعة وأن مجموعة السلع الموجودة في الأسواق المحلية تعتمد على معدل دخل الفرد.
4. الشركات متعددة الجنسيات: تمثل التجارة بين هذه الشركات وبين فروعها جزء كبير ومتزايد من الحجم الكلي للتجارة ونظراً لأهميتها الإضافية في نقل رؤوس الأموال والتكنولوجيا بين الدول فإن عملية إنتاج السلع لم تعد تتم في دولة واحدة وإنما تتم من خلال إنتاج الأجزاء بواسطة الشركات ذات الميزة النسبية أو ذات حقوق ملكية للتكنولوجية المطلوب لإنتاج هذا الجزء في دول مختلفة "سلعة عالمية".
5. اختلاف السلع: نظراً لاختلاف الأذواق والآراء حول السلع نجد أنه في معظم الأحيان توجد نوعيات كثيرة من نفس السلعة (نوعيات متعددة من نفس حجم السيارات وأحياناً من نفس الموديل، نوعيات مختلفة من المشروبات الغازية وأحياناً نوعيات من نفس المشروب …). وفي كثير من الأحيان تصدر الدول بعض النوعيات وتستورد في نفس الوقت نوعيات أخرى مما يؤدي إلى ظاهرة التجارة البينية في نفس السلعة.
6. وفورات الحجم: تستند النظريات هنا على ظاهرة أنه بالنسبة لبعض السلع كما زاد حجم الإنتاج منها كلما قلت تكلفة إنتاج الوحدة منها. وترتبط مثل هذه الظواهر وبدرجة عالية مباشرة بالمعرفة الناتجة عن البحث والتنمية وظروف المنافسة غير التامة. وتؤدي مثل هذه الظاهرة إلى خلق أسباب للتجارة بين الدول تخرج تماماً عن نطاق المزايا النسبية.
خاتمة:-
رأينا أن مضمون نظرية التجارة الخارجية في صيغتها القديمة والحديثة هو أن كل دولة تميل إلى التخصص في انتاج وتصدير السلع التي تتفوق في انتاجها وتميل إلى استيراد السلع التي تمتاز الول الأخرى في انتاجها نسبيا ورأينا كذلك أن نفقات النقل وقانون تناقص الغلة يعملان على تحديد التبادل الخارجي. كما رأينا أن إختلاف نسب عوامل الانتاج كثيرا ما يؤدي إلى تخصص الأقاليم في انتاج سلعة بالرغم من عدم توافر العوامل الأخرى ويمكن أن توجه إلى هذه النظرية عدة انتقادات نشرح أهمها فيما يلــي:
يفترض في نظرية التجارة الخارجية سريان مبادئ المنافسة الحرة إلا أننا نعلم إستحالة ذلك في الحياة الاقتصادية, فظروف الانتاج تسودها مبادئ الإحتكار, ومبادئ المنافسة بل تخضع أغلب فروع الانتاجية للمنافسة الإحتكارية والمنافسة النقيدة, وفي ظل هذه الأنظمة تتغير ظروف التصدير والاستيراد.
المفروض أن التجارة الخارجية في ظل النظرية السابقة تعود بالربح على جميع الدول إلا أنه تبين للعالم أنه في حالات عديدة يتعين إتباع سياسات اقتصادية تحول دون قيام التجارة الخارجية أو تؤيدي إلى انتاج بعض السلع بدلا من استيرادها.
فالسياسة التجارية السليمة كثيرا ما يتطلب فرض رسوم جمركية وتحديد المستورد في بعض السلع ومنح بعض المنتجين إعانات للتوسع في الانتاج , كذلك فإعتبارات ضمان توفر السلع في بعض الفترات وأمور التنمية الاقتصادية وسياسة التوجيه الاقتصادي وحماية مستوى التشغيل في الداخل أمور كثيرا ما تتعارض مع مبادئ نظرية التجارة الخارجية في إطارها الكلاسيكي وإطارها الحديث.
المراجع:
1- أحمد الكواز: التجارة الخارجية والنمو الاقتصادي،المعهد العربي للتخطيط- الكويت، 2008.
2- جون هدسون، مارك هرندر، العلاقات الاقتصادية الدولية ، دار المريخ، الرياض 1987.
3- سلطان أبو علي، التجارة الدولية نظرياتها وسياستها، القاهرة 1981.
4- سامي عفيفي حاتم، دراسات في الاقتصاد الدولي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 1989.
5- عبد العزيز الدوري، مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي ، بيروت 1968.