المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
اساسيات الاجتماعية في التغير التلاميذ التخلف التنمية المجتمع الخدمة الجوهري الجريمة موريس تنمية الاجتماع الشباب الاجتماعي كتاب العمل والاجتماعية المرحله الالكترونية محمد الجماعات المجتمعات البحث العنف
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Empty
مُساهمةموضوع: التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى )   التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالأربعاء يناير 04, 2012 3:32 am

[center]
)L

التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة
( رؤية نقدية من منظور مستقبلى )
السيد سلامة الخميسي



أولاً ـ الإطار العام للمشكلة

1 ـ مدخل :

يظلّ النظام التربوى من أكثر النظم المجتمعية حساسية للتغيرات الحادثة من حولـه ، فى فضائه القريب ( المحلى ) ، أو فضائه البعيد ( الكونى ) .

ولذا كان النظام التربوى مطالباً دوماً بأن ينخرط فى علاقات تفاعل نشط مع المتغيرات المحيطة به ، حيث لا يعمل هذا النظام فى فراغ ، كما لا يُقبل منه أن يتخلف عن حركة التغيرات العلمية والتكنولوجية والمعرفية والثقافية الكبرى من حوله .

فالنظام التربوى ـ بدءاً من فلسفته وتوجّهاته الفكرية وانتهاءً بما يقدم داخل حجرات الدراسة ـ معنىًٌ بالتعامل مع بنى علمية ومعرفية وتكنولوجية وثقافية ، المتغيرات فيها أكثر من الثوابت ، والانشغال بالمستقبل فيها أكثر من الانشغال بكل من الماضى والحاضر .

ورغم قدم انشغال التربويين وغيرهم بالبحث فى إشكاليات العلاقة بين التربية و «التغير» ، وما يمثله ذلك من تحدِّيات تواجههم فى تحديد الغايات التربويـة ، ورسم السياسات والاستراتيجيات ، وتنظيم المناهج وبرامج التعليم .. إلخ ، فإن التحديات التى صاحبت « العولمة » ونشأت عن تناميها وتداعياتها ، باتت تمثل التحدِّى الأكبر أمام التربويين وغيرهم من المعنيين بالشأن التربوى من مختلف جوانبه .

لقد أخذت معالم العولمة وتداعياتها وتجليّاتها تتضح بصورة تكشف عن توجهاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية إلى جانب التدفقات المتواصلة فى إنتاج المعرفة بمختلف أشكالها ومختلف ميادين توظيفها .

وفى الجانب الآخر للعولمة ، تتداخل نتائج ومعطيات الثورات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية بمختلف تيارات العولمة مما أدى إلى انبثاق وتولد كثير من الهواجس الإنسانية بشأن الجدل حول منافع العولمة ومضارها ، حول ما تطرحه فى الأفق من آمال ، وحول ما تسببه من إخفاقات . بيد أن هذا الجانب يختلف فى تقديره وتقويمه من حيث منافعه الإنسانية . ومردّ ذلك إلى أن تلك الثورات تتيح للبشرية كلها فرصاً واعدة للمشاركة فى صنع مستقبل أفضل . ولكنها فى الجانب الآخر ـ من التوقع ـ تحمل احتمالات « الانفراد » بتحديد صورة المستقبل لبعض القوى ، و « تهميش » القطاع الأكبر من البشر فى العالم خارج عملية صنع المستقبل !!

ولم يعد السؤال المطروح ، أو المشروع الآن هو : هل نقبل العولمة وننخرط فيها ، أم نرفضها ؟ ولكن السؤال المهم ، والمشروع ـ تربوياً وحضارياً ـ هو : ماذا ينبغى علينـا أن نفعل للانخراط فـى العصر العولمى بوعى ، وبفاعلية ، وباقتدار ؟

فالذين انخرطوا ، وسوف ينخرطون فى المواطنة العولمية ، هم أفراد قبل أن يكونوا أجزاءً من نظم سياسية أو اقتصادية أو صناعية أو تكنولوجية ... إلخ . والتى سوف تصبح نتاجاً سلوكياً وثقافياً لهؤلاء الأفراد إذا ما أعدوا الإعداد الملائم للمواطنة العولمية .

ولذلك ، فإن من أهم الخطوات التى ينبغى اتخاذها على طريق العولمة ، هى تربية وتكوين الإنسان القادر على « المواطنة العولمية » كما يرى زمرمان Zimmerman 1990 ، وهذا يقتضى إعادة النظر فى التربية بدءاً من فلسفتها ، وانتهاءً بصياغة وبناء الموقف التعليمى وفق معايير جديدة للحكم على النتاج التربوى Educational Outcome فى إطار نواتج سلوكية تستند إلى معايير جودة عالمية استرشاداً بثقافة الجودة العالمية حتى لا يكون ـ تربوياً وتعليمياً ـ خارج إيقاع عصر العولمة وصورة المستقبل المتولّدة عنه .

ولكن .. لماذا فلسفة التربية العربية ابتداءً ؟

تسعى فلسفة التربية فى أى نظام تربوى إلى تحديد غايات التربية ، وعليها أن تجيب فى ذلك الشأن عن سؤالين محوريين :

السؤال الأول : لماذا نعلم ونتعلم ؟
السؤال الثانى : ما مواصفات الإنسان الذى يجب أن تكونه التربية المنشودة ؟

والفلسفة التربوية لا تنشأ فى فراغ ، بل لابد أن تنبثق من ، وتستند إلى فلسفة اجتماعية واضحة المعالم ، كما يفترض فى الفلسفة التربوية ألاّ تكون ثابتة أو نهائية ، حيث يجب أن تتَّسم بالمرونة والقابلية للتجديد ولا سيما فى هذا العصر الذى يشهد تغيرات متلاحقة وتدفقات معرفية على كافة الأصعدة .

ولدى مُعِدّ هذه الورقة قناعة فكريـة ومنهجيـة فى أن أزمة مجتمعنا العربى المتفاقمة هى ـ فى جوهرها ـ أزمة تربوية ، ومن ثم تبدو أهمية المخرج التربوى سبيلاً للخروج من هذه الأزمة والإنعتاق من إسارها الحضارى . فالتربية ، كما يرى عبد الدائم (1991) : « هى مدخلنا إلى تنمية شاملة ودرعنا الواقى ضد الاكتساح الثقافى » .

ورغم قناعتنا بأن التربية ليست إلا أحد النظم الفرعية فى النظام الاجتماعى الأكبر ومن ثم فليس بوسعها وحدها أن تحقق هذا الخلاص الحضارى . . نعم ، ولكن يجب أن تكون التربية هى جبهة العمل الأولى لمواجهة تحديات العولمة ومؤثراتها .

فالتربية العربية كما يرى نبيل على (2001) : « باتت رهاننا الوحيد وعلى إبداع بشرنا . فالإنسان العربى هو العامل الحاسم إذا أحسنَّا تربيته ، وهو مصدر التهلكة إن أسأناها » .

2 ـ المُشْكِلْ :

لقد عملت كثير من الدول العربية على تحديث أنظمتها التربوية ؛ حتى تبدو غير متخلفة عن إيقاع العصر ، ولكن هذا التحديث اقتصر على البيئة المادية والتنظيمية والشكلية لهذه النظم ، أو ما يمكن تسميته بالمظاهر الخارجية للتحديث التربوى ( المبانى ، المرافق ، الأدوات والتقنيات ، التمويل ، التدريب ، أشكال التعليم ... إلخ ) ، بيد أن هذه النظم لم تتجاوز التحديث Modernization الشكلى ، لتنتقل إلى الحداثة Modernity (*) فى النظام برمته ـ بنية ووظائف ـ ومن ثم ، عجز هذه النظم عن تكوين الإنسان العربى القادر على العيش والتفاعل فى عصر ما بعد الحداثة بمختلف معطياته ... لماذا ؟

لقد وظفت المؤسسات التربوية العربية توظيفاً أيديولوجيا ، وما زالت تلعب دوراً طبقياً يعزز اتجاهات التسلط ، والإكراه ، والانتقائية فى الوطن العربى إلى حد كبير ، فهى بأساليب عملها ، وآليات اشتغالها تعمل بصورة واعية شعورية أولا شعورية على تعزيز قيم التسلط ، والتمايز ، والإكراه ، والاصطفاء وتعطّل بصورة عامة اتجاهات العمل الحر والإبداع والنزعة العقلية وتحقيق التكامل فى الشخصية الإنسانية .

انشغلت التربية العربية بمنطق التحديث ، فراحت النظم التربوية العربية تجلب التقنيات الحديثة ، وتبنى مختلف المظاهر الخارجية للتربية والتعليم من مدارس ومبانى وأدوات وإدارة وتقنيات حديثة .

أما الحداثة الحقيقية التى تتصل بالجوهر والروح الحقيقية للعملية التربوية والقدرة على بناء النزعة العقلية فى الإنسان ، وترسيخ الروح العلمية وتدعيم قيم الإبداع ، والحرية ، وحقوق الإنسان ... فلم تنشغل بها تربيتنا العربية حتى الآن ، ولذا أضحت خارج حركة التغيرات الكبرى من حولها .

وهناك شبه اتفاق على ثلاث غايات رئيسة لابد أن تعنى بها التربية فى كل عصر ، وهى :

- إكساب المعرفة .
- التكيف مع الحياة .
- تنمية الذات والقدرات الشخصية .

وقد أضاف عصر « المعلومات » بعداً تربوياً رابعاً وغاية جديـدة تتمثل فى : « ضرورة إعداد إنسان العصر لمواجهة مطالب الحياة فى ظل العولمة » .

فهل استوعبت التربية العربية هذه الغاية المستحدثة ، وضمنتها فى فلسفتها حتى تستهدى بها فى تحديد سياساتها واستراتيجياتها وبرامجها وآليات عملها فى الواقع التربوى والتعليمى ؟ فحين نعظِّم طموحاتنا من النظام التربوى لنرى فى التربية خلاصنا من أزمتنا الحضارية ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك ـ فلا ينبثق ذلك من نظرة مثالية ، أو نزعة عاطفية ، وإنما ينطلق هذا من القناعة بأن التربية قادرة على تغيير المجتمع . حين تنطلق فلسفتها فى التغيير من معرفة حقيقية لهذا المجتمع ونقده وتحليله أولاً . وحين تنطلق بعد ذلك فى رسم غاياتها وأهدافها ، وتحديد سياساتها واستراتيجياتها عندئذ لن تلقى من المجتمع مقاومة كبرى ، لأنها انبثقت من واقع المجتمع ، وجاءت معبرة عن طموحاته وتطلعاته نحو الأفضل .

وعليه ، يمكن التعبير ـ منهجياً ـ عن مشكل هذه الورقة فى تساؤل رئيس تستهدى به الورقة عبر محاورها المختلفـة للتعبير عن رؤية صاحبها ، وهو :

كيف يمكن للتربية العربية أن تجدد فلسفتها ، حتى تكون مؤهلة لمواجهة تحديات العولمة من منظور مستقبلى وفى إطار الخصوصية الثقافية العربية ؟

3 ـ المنطلقات الفكرية والنظرية للورقة :

فى غمار سعى هذه الورقة للإجابـة عن التساؤل المحورى المطروح ، فإنها تتبنى ـ نظرياً وفلسفياً ـ مفهوم فلسفة التربية القائمة على « الوجود » (*) والتى تقوم على بعدين رئيسين :

- بُعد الكشف عن الغايات والمقاصد من خلال تحليل الواقع التربوى وما وراءه .
- بُعد النظرة المستقبلية ، التى تعنى ، الانطلاق فى رسم غايات التربية ومقاصدها من صورة المستقبل كما يتكشف من تحليل الماضى والحاضر وبعد نتائج الدراسات المستقبلية .

4 ـ منهجية الورقة :

4/1 : تتوسَّل الورقة بمنهجية التحليل الفلسفى للإجابة عن تساؤلها الرئيس ، حيث تتم المزاوجة بين التحليل وإعادة التركيب واستجلاء المفاهيم والآراء والطروحات والعمليات .
4/2 : والورقة ـ فى إطار هذه المنهجية ـ لا تلجأ لأى إجراء إميريقى ، حيث تعتمد على المتاح من الأدبيات ، وكذا معالجة صاحبها للموضوع برؤية بحثية خاصة تتجاوز القوالب والأطر المنهجية المُتَّبعة والشائعة .
4/3 : والورقة إذ تسعى للإجابة عن تساؤلها المحورى فى ضوء الاستناد إلى إطار نظرى معرفى تعبّر عنه المنطلقات والموجِّهات الفكرية السابق الإشارة إليها .
4/4 : وفى ضوء ذلك كله ، فإن الورقة تسير منهجياً علاوة على الإطار العام لمشكلتها السابق بيانه عبر الأطر والمحاور التالية :

4/4/1 : إطار مفاهيمى ونظرى عن العولمة ، وفلسفة التربية ، والمستقبل .
4/4/2 : إطار تحليلى عن ( فلسفة التربية العربية الراهنة فى ظل مؤثرات العولمة وتجلّياتها ) .
4/4/3 : رؤية مستقبلية للتجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة .





























الإطار المفاهيمى والنظرى

- حول العولمة .
- فلسفة التربية .
- المستقبل .







ثانياً ـ الإطار المفاهيمى والنظرى


1 ـ العولمة ... ما هى ؟

1/1 : حول العولمة ومفهومها :

يرتهن كل فعل إنسانى ـ ومنه التربوى بالطبع ـ اليوم بطابعه الكونى تأثيراً وتأثراً ، ولا نستطيع اليوم أن نتحدث عن حداثة أو نهضة تربوية دون أن نأخذ فى الاعتبار كونية المجال الحيوى لهذه الحداثة أو لتلك النهضة . فنحن نتأثر ونؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة بمنظومة الفعاليات الكونية سياسية واقتصادية ، وتكنولوجية وثقافية ، بل وقيمية .

وإذا كان من فعل حداثى كونى يجب أن تنشغل بـه ونحدد سُبل وآليات التعامل معه ، فإنه « العولمة » Globalization التى لا نستطيع أن نتجاهل انعكاساتها وتداعياتها التى تتغلغل فى أعماق وجودنا ، وحتى لا نقف مبهورين أو حيارى أمام العولمة ، فإن علينا أن ننظر إليها نظرة نقدية منهجية باعتبارها واقع موضوعى يجب ألا نرفضه برمّته ، أو نقبلـه بكلِّيته ، وإنما علينا ـ من خلال فهمه ونقده ـ أن نحدد سُبل التعامل معه والإفادة من معطياته وتجنب شروره ومخاطره .

والعولمة والتى يقابلها فى الإنجليزية Globalization وفى الفرنسية Mondialisation وما يرادفها من مصطلحات « كالكوكبية » أو « الكونية » ظاهرة ذات ملامح سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية وتربوية .. وهى لا تزال تتشكَّل وتتطوَّر بفعل المتغيرات الكبرى التى تؤثر فى حضارة العصر وحياة الشعوب .

وإذا أردنا الاقتراب من صياغة تعريف شامل للعولمة فلابد أن نضع فى الاعتبار ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها : يتعلق العملية الأولى ، بانتشار المعلومات بحيث تصبح متاحة لجميع الناس ، وتتعلق الثانية بتذويب الحدود بين الدول . أما العملية الثالثة فتتمثل فى زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات ، وهذه العمليات الثلاث قد تؤدى إلى نتائج إيجابية لبعض المجتمعات ، وإلى نتائج سلبية لبعضها الآخر .

وقد شاع استخدام مفهوم العولمة بدرجة كبيرة فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى ، خاصة بعد سقوط سور « برلين » وانهيار الاتحاد السوفيتى ، ولكن هناك من يُرجع التعريف إلى الستينيات حيث شاع شعـار : « فكر عالمياً ، ونفذ محلياً » “Think globally and act locally” ، بل إن هناك من يرى أن المفهوم بمعناه الواسع ومضامينه يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير ، إلى القرن الخامس عشر ، إلا أنه بدأ يتبلور أكثر وتتشكل ملامحه وتتبلور مساراته فى العقد الأخير من القرن العشرين حيث بدأت مظاهر العولمة وتجلياتها الاقتصادية السياسية والثقافية تتبلور أكثر ، وفرضت انتقالاً غير مسبوق للسلع والمنتجات والأفكار والتقنيات عبر الحدود بشكل « كونى » .

وهناك من يرى أن النشاطات والمواد التى تخطت الحواجز والحدود فى حركة سيولة غير مسبوقـة قد اشتملت فى عصر العولمة على ستـة أنـواع ، وهـى : « البضائع والخدمات ، والأفراد ، والأفكار والمعلومات ، والنقود والأموال ، والمؤسسات ، والأشكال المختلفة مـن السلوك والتطبيقات » .

والورقة التى بين أيدينا غير معنية بالبحث فى الصياغات « الاصطلاحية » أو اللغوية المفاهيمية للعولمة ، حيث تكثر هذه الصياغات وتلك التعريفات وتتعدد ، بتعدد وتنوع زوايا النظر ومداخل المعالجة للباحثين والمفكرين .. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن الباحثين ـ ولا سيما فى العالم الثالث ـ مازالوا فى مرحلة فهم الظاهرة ، واستكشاف القوانين الخفيّة التى تحكم مسيرتها ، والآليات التى تُسهم ـ فى الوقت الراهن ـ فى تشكيلها .

فالعولمة ، كما يرى « السيد يسين » هى فى الحقيقة ظاهرة غيـر مكتملة الملامح والقسمات ، فضلاً عن أنها عملية مستمرة ، تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة .

ولذلك ، فإن هذه الورقة تعنى أكثر بمظاهر العولمة وتجلياتها ، والتوترات التى تُنْتِجها أو تُسْهِم فى إنتاجها أكثر مما تُعنى بالتعريف الاصطلاحى لها ، وإذ نأخذ بهذا المنحى ، فإن ذلك مَسْعَاه تلمُّس أهم التحديات التى تضعها الظاهرة أمام نظم التعليم العربية .

1/2 : العولمة فى تجلياتها المتنوعة :

رغم تعدد وتنوع التجليات التـى تأخذها الظاهرة ، فلعل ما يعنينا أكثر هنا ، أنها تتخذ شكل « الهيمنة » و « التبعية » بصورة تسعى إلى « التنميط » Uniformalisation أو « التوحيد » Unification الثقافى للعالم كله .

والعولمة ـ بصورتها الراهنة ـ أضحت تعنى السيادة المطلقة ليس لنموذج اقتصادى معين فحسب ، وإنما سيادة النظام الكونى الأمريكى الموحد عبر آلياته وأهدافه التى تؤكد على ذلك يوماً بعد يوم ، مما دعى كثير من المفكرين والباحثين إلى الزعم بأن العولمة تعنى أمْرَكة العالم Americanization اقتصادياً وسياسياً وتقنياً وثقافياً ... بل وأخلاقياً !!

1/2/1 : التجلّيات الاقتصادية :

وتبدو فى تنامى وانتشار الاعتماد المتبادل بين الدول والاقتصاديات القومية وفى وحدة الأسواق المالية وتعمّق المبادلات التجارية ، كما تبدو فى ظهور ونمو التكتلات الاقتصادية العالمية ونشاط الشركات دولية النشاط والمؤسسات الاقتصادية الدولية كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى ، بمعنى آخر ، فإنها مرحلة الرأسمالية عابرة القوميات Cross Nations ، وتبدو المظاهر الاقتصادية للعولمة كذلك فى تنامى الاقتصاد القائم على « المعرفة المكثفة » الذى يحل محل الاقتصاد القائم على « العمل المكثف » ، ويقوم الاقتصاد الأول ، والمتنامى فى عصر العولمة على ثلاثة افتراضات :

- سوف تظهر معرفة جديدة ، وسوف تتضاعف مرة كل خمس سنوات .
- سوف يقل العمر الافتراضى للمعرفة ، وقد يقل عمر براءة الاختراع ليصل إلى ستة أعوام فحسب .
- سوف يرتفع مستوى معدل التعليـم ، وسيحل مفهوم التـعلم « مـدى الحياة » محل التعليم « الهيكلى » .

1/2/2 : التجلِّيات السياسية :

وتبدو فى تراجع الشمولية السياسية وتقلص الديكتاتوريات والسلطوية السياسية والنزوح نحو الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان ومقاومة التمييز وتوسيع دوائر المشاركة وتنامى جماعات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية ، كما تبدو هذه التجليات كذلك فى تضخم القطبية الأحادية ، وانفرادها بالسطوة السياسية على العالم ( القطبية الأحادية الأمريكية ) .

1/2/3 : التجلَّيات الثقافية :

تتجه العولمة لصياغة ثقافة عالمية جديدة تتخطى الهويّات والثقافات المحلية والوطنية ، فالعولمة تسعى لتعميم ثقافتها وخطها الإنتاجى العام ، ومن ثم تسعى لاختراق وتذويب كل الخصوصيات وتنميط كل الهويَّات .

فالعولمة تسعى إلى فرض ثقافة كونية واحدة تغطى مختلف جوانب النشاط الإنسانى ، وتسعى إلى فرض أيديولوجيا واحدة هى ثقافة وأيديولوجية المنتصرين فى الحرب الكونية المريرة التى سادت العالم . والأخطر من ذلك ، أنها ما فتئت تضغط فـى سبيـل صياغـة نسق ملزم من « القواعد والمعايير الأخلاقية الكونية » ، ولا يخفى أن العولمة تصدَّر لمختلف الثقافات مختلف الأنماط السلوكية الحياتية ( فى المأكل والمشرب ، والسكن والملبس والفن ... إلخ ) للثقافة الكونية الجديدة .. الثقافة الأمريكية المهيمنة إن شئنا مزيداً من التحديد !!

1/2/4 : التجليات التكنولوجية :

فقد سخرت العولمة مختلف جوانب التقدم التكنولوجى ( ولاسيما تكنولوجيا المعلومات ) من أجل سيطرتها على أسواق وصناعة وتجارة المجتمعات المختلفة .

وفرضت الثورة التكنولوجية تحديات خطيرة تتعلق بالتكنولوجيات المتقدمة اكتشافاً واستعمالاً وترويجاً وتطبيقاً ، وفى نفس الوقت حماية المجتمع الإنسانى من سيطرة هذه التكنولوجيات على الثقافة والحضارة الإنسانية ، أدى هذا الاكتساح التكنولوجى إلى ظهور توترات بيئية ، واجتماعية ، وأخلاقية نظراً لغلبة التكنولوجيا العولمية على مختلف جوانب الحياة الإنسانية وهو ما عبّر عنه بعض الباحثين اصطلاحاً بـ « Technopoly » .

1/2/5 : التجليات الاتصالية والإعلامية :

تبرز هذه التجليات فى سطوة الآلة الاتصالية بمختلف أشكالها ( الأقمار الصناعية والبث الفضائى ، وشبكة المعلومات العالمية والحاسبات ، والهواتف المحمولة ... ) والتى يؤدى انتشارها والتنامى المتسارع لاستخدامها إلى أكبر ثورة معرفية فى التاريخ .

هذه الأدوات الاتصالية ، بما تنقله من معارف ومعلومات وأحداث وثقافات تؤدى إلى زيادة التفاعل الثقافى Cultural Interaction بين الأفراد والجماعات والشعوب ، ولكن هذا التفاعل ـ من وجهة نظر كثير من مفكرى العالم الثالث ـ ليس تفاعلاً ندَّياً متكافئاً . فتدفق الرسائل الإعلامية والاتصالية غالباً ما يأتى من المراكز الرأسمالية ـ بكل قوتها التقنية والاتصالية والإعلامية ليصب فى دول الأطراف من مجتمعات العالم الثالث ، والتى تصبح مجرد متلقية ومستقبلة لهذه الرسائل والمضامين بكل ما تحمله من قيم وتوجهات تهدد الخصوصيات الثقافية وتكرس هيمنة دول « المركز » وتبعية دول « الأطراف » .

2 ـ فلسفة التربية :

2/1 : المفهوم والأهمية :

الفلسفة التربوية ـ شأنها شأن الفلسفة العامة ـ نظرية ، وإرشادية ، وتحليلية . فهى نظرية : عندما تسعى إلى إنشاء نظريـات عـن طبيعـة الإنسـان ( المتعلم ) والمجتمع ، والعالم المحيط بنا كى تفسَّر أو تؤول بواسطتها المعطيات المتعارضة أو المتضاربة للبحث التربوى والعلوم التربوية . وهى إرشادية : عندما تعين الغايات التى ينبغى على التربية الوصول إليها ، والوسائل التى تتوسل بها لبلوغ هذه الغايات . وهى تحليلية : عندما توضح القرارات أو المقولات النظرية والمبادئ والأسس الإرشادية ، فالتحليل يقود إلى امتحان عقلانية أفكارنا التربوية وتوافقها مع الأفكار الأخرى .

وثمة تساؤل يطرح نفسه هنا ؛ من أين تبدأ فلسفة التربية ؟

فهناك من يرى أن تكون البداية بمناقشة وتحليـل المشكلات والخبرات التربوية ، بينما يذهب بعض آخر إلى ضرورة أن نلجأ إلى المسائل والمشكلات الفلسفية ثم نبحث عن دلالاتها وتطبيقاتها التربوية .

والطريق الأول ـ طريق المشكلات والخبرات التربوية ـ هو الأكثر واقعية كما يرى « سعيد إسماعيل ( 1995 ) » ، حيث الاعتماد فيه على فلسفة التربية كقوة تغيير مجتمعى لا مجرد رياضة عقلية فى المسائل التربوية .

ففلسفة التربية إذاً ، تبدأ ـ أو ينبغى أن تبدأ ـ من واقع المسألة التربوية ، حيث هذا المسلك يعنينا على فهم وتحليل المسألة التربوية بإشكالياتها الراهنة ، والتوسل بهذا الفهم فى استشراف المستقبل ، فلسفة التربية ـ فى نظرنا ، واتَّساقاً مع الرؤية السابقة ـ تتجاوز مرحلة التأمل والتفلسف التربوى النظرى لتكون عملية « مستقبلية » ، حيث تسعى إلى رسم صورة لما ينبغى أن يكون فى الشأن التربوى برمته .

ولذلك ، فحين نروم النظر إلى التربية فى كليتها كوجود فاعل فلابد أن نستعين بفلسفة التربية ، وحين ننظر فى الافتراضات الأساسية التى تقوم عليها التربية ونحللّها ، فلابد أن نتوسل بفلسفة التربية وليس معنى ذلك أن فلسفة التربية هى الضمانة الحقيقية المركزية لصيرورة الشأن التربوى كما ينبغى أو خلاصه ، فإذا كانت فلسفة التربيـة تحدد المنطلقات الفكرية للعمل التربوى بمختلف مراحله وصوره ، فإن العمل التربوى يمثل منظومة فرعية Subsystem ضمن منظومة مجتمعية كلية Super system تشمل كذلك على منظومات فرعية أخرى سياسية واقتصادية وثقافية ... إلخ .

هذا يعنى ، أن المنظومة التربوية لا تعمل وحدها ، إذ لابد أن تعمل فى تناغم وتكامل واتساق مع سائر المنظومات المجتمعية الأخرى مما يستوجب حتمية الارتكاز إلى منطلقات مجتمعية عامة مستمدة مما نسميه الفلسفة العامة للمجتمع التى تعبر عن الأهداف الكلية للمجتمع ونهجه العام وتطلعاته المستقبلية .

وعليه ، فإن غياب هذه الفلسفة الاجتماعية العامة أو ضعفها أو ضبابيتها يمثل واحدة من أهم الإشكاليات التى تعوق صياغة وبناء فلسفة تربوية لأى مجتمع .

وفلسفة التربية التى يدور حولها موضوع هذه الورقة تعنى : تلك المحاولة الجادة للوعى بالمحركات الأساسية للعمل التربوى سواء من داخله ، أو من داخل البنية المجتمعية فى إطار من التحليل والنقد القائمين على استخدام الأدلة العقلية والبراهين المنطقية ، والالتزام الدائم بمحكية الخبرة التربوية على أرض الواقع .

ومن ثم فإن ميدان فلسفة التربية يتسع ليشمل مختلف أبعاد وجوانب المنظومة التربوية ، ففضلاً عن مسعاها لمناقشة وتحليل ونقد جملة المفاهيم الأساسية التى يتمحور حولها العمل التربوى ( طبيعة المتعلم ـ الخبرة التربوية ـ المعرفة ـ الثقافة ـ تكافؤ الفرص ... إلخ ) فإنها تسعى إلى مناقشة الافتراضات الأساسية التى تقوم عليها نظريات التربية من حيث ( التعليم ـ طرائق التعليم ـ بناء المنهج ـ أداة التعليم ـ التقويم ... إلخ ) .

ولذلك ، فمن غير المتصور ، أن نخطط مواقف ، أو نبنى استراتيجيات أو نرسم سياسات ينبغى اتخاذها على الصعيد التربوى لمواجهة تحديات « العولمة » قبل البدء أولاً بمراجعة فلسفة التربية التى تُحدد هذه المواقف ، وترسم هذه السياسات ، وتصاغ تلك الاستراتيجيات فى ضوئها وعلى هديها وانطلاقاً منها .

ومن ثم ، تبدو أهمية الاستناد إلى فلسفة تربوية ـ كإطار مرجعى عام ـ ونحن نحدد موقفنا من العولمة وتجلياتها وتداعياتها . إذ بدون هذه الفلسفة الحاكمة والموجهة ، فسوف تفتقر المواقف المتخذة من العولمة إلى شمولية النظر ، ووحدة الرؤية ، وعقلانية الاستجابة .

كما تبدو أهمية فلسفة التربية لتأسيس الموقف التربوى من العولمة فى ضوء موقف أشمل وأعم على الصعيد الحضارى والثقافى العام الذى تحكمه الفلسفة العامة للمجتمع ، وحتى يكون الموقف التربوى متجانساً ومتكاملاً مع الموقف الثقافى والحضارى العام للمجتمع من العولمة .

2/2 : مبررات البحث عن فلسفة تربوية فى هذه المرحلة :

إذا كانت مبررات البحث عن ، وصياغة فلسفة تربوية واضحة المعالم مهمة ولا خلاف بشأنها لأى نظام تربوى ، فإنها اليوم ـ وفى ظل هذه الواقع العولمى ـ تبدو أكثر أهمية لجملة من المبررات أهمها :

2/2/1 : إن الإنسانيات Humanities والعلوم الاجتماعية Social Sciences التى تستمد منها التربية بنيتها المعرفية والمعلوماتية ، علوم منفصلة يبحث كل منها عن استقلاله لأنه يعنى بميدان محدد من الخبرة ، ويعوز هذه العلوم إطار كلى تكاملى يجمعها وأسس عامة لتربية متكاملة وهذه التكاملية المعرفية والعلمية ، وتلك التربية المتكاملة المستمدة منها لا يتحققان دون فلسفة تربوية .
2/2/2 : إن علوم التربية المتنامية والمشتتة فى آن معاً ـ مناهج ، نظريات تعلم ، اجتماعيات تربية ، إدارة تخطيط ـ طرائق تعليم ـ يعوزها بناء « ابستمولوجيا » قوامه البحث عن مناهج هذه العلوم حتى تضطلع بدورها فى تكوين نظرية فى التربية يمكن التوسل بها فى التعامل مع قضايا الواقع التربوى ، واتجاهات التربية المرتقية مستقبلاً ، هذه البنية الابستمولوجية ، وهذا الدور المنهجى يتحققان من خلال فلسفة التربية .
2/2/3 : إن التساؤل الأساسى لعملية التربية برمتها وهو : « ماذا يعنـى أن نربى ؟ » ، سؤال يضم العديد من الأسئلة الفرعية حول موقع المشروع التربوى فى أى مجتمع ، والعلاقة بين المعلم والمتعلم ، وموقع المؤسسة التربوية من سائـر مؤسسات المجتمع ، ومواصفات الإنسان المرجو من العمل التربوى ... إلخ ، هذا السؤال الأساسى ، والأسئلة الفرعية المنبثقة عنه ، يصعب الوصول إلى إجابات شافية لها دون الاستناد إلى فلسفة تربوية تتشكل فى ضوئها الإجابات وتحدد على هديها المسارات .
2/2/4 : وعلاوة على الدور الإبستمولوجى الذى تقدمه فلسفة التربية وتضطلع به نحو العلوم التربوية جميعها ، فإنها تضطلع بأدوار عملية وإجرائية لا تقل أهمية ، فهى توفر لكافة المشتغليـن بالعمل التربـوى ـ مختصين authoriseds ومتخصصيـن specialists ( باحثيـن ، مخططين ، مديرين ، موجهين ، معلمين ) ـ القواعد العامة والمفاهيم الأساسية والروابط البنيوية والمنهجية لأجزاء الظاهرة التربوية . ومن ثم ، فإن فلسفة التربية توفر مرجعية كلية موجهة لكافة المعنيين بالخبرة التربوية فى مختلف صورها ومواقعها وأزمنتها .
2/2/5 : وإذا كان من أهم سمات هذا العصر ، أنه عصر الثورة المعلوماتية والتدفق اللامحدود للمعلومات ، فإن هذا التدفق ، وما يتبعه من تغير فى بنية المعرفة ومعطياتها ، يستوجب بين الحين والحين وقفة للمراجعة والفحص والنقد لما سبق التسليم به ، ولما مورس من نشاط وفق ما سبق التسليم به ، فهذا التدفق المعلوماتى يصيب التربية أكثر من غيرها ـ فى محتواها وفى طرائقها ، وفى تفاعلاتها ـ ومن ثم تبدو أهمية فلسفة التربية لمراجعة وفحص ونقد ما يجرى فـى مؤسساتنـا التعليميـة ، ... بل إعادة النظر فيما تحمله أدمغتنا من مقولات وما يقدم لطلابنا من معارف ومعلومات ، وكيف تقدم ؟!
2/2/6 : لما كان « التغير » المتسارع فى شتى ميادين الحياة هو خاصية أصيلة من خصائص هذا العصر ، فإن هذا التغير يستوجب مرونة وديناميكية فى بنية النظام التربوى ووظائفه حتى يستجيب لمتطلبات تغير العصر . والتوترات والهواجس التى قد يجلبها التغير ـ ولا سيما على مستوى القيم والضوابط الأخلاقية ـ لا يمكن الاستجابة له والتفاعل معه بغير مظلة قيمية توفرها فلسفة التربية .
2/2/7 : طرح العصر العولمى مفاهيم جديدة مثل : ( الحوار الحضارى ، وصدام الحضارات ) ، وأعاد طرح مفاهيم أخرى بتأويلات جديدة مثل : ( حقوق الإنسان ، والسلام العالمى ، والتحديات البيئية ) ، مما يستدعى معالجات جديدة على الصعيد التربوى سياسات وبرامج وإجراءات ، وهو ما لا يتحقق بدون فلسفة للتربية تستهدى بها هذه السياسات وتلك البرامج والإجراءات .
2/2/8 : ضغطت العولمة فى اتجاه إعادة هيكلة التعليم ، واستخدام طرائق وتقنيات ومسارات جديدة ، كما طرحت تساؤلات حول الدور المرتقب للمعلم ، وعلاقة الدولة بالتعليم ... إلخ . وهذا وغيره لا يمكن أن يأخذ طريقه الصحيح فى أرض الواقع دون فلسفة تربوية تحدد الأولويات وتحسم الجدل فى ضوء إجابتها عن التساؤلات الكبرى حول التربية وغاياتها .
2/2/9 : وأخيراً ، فإن أىّ تجديد فى المناهج ، أو الطرائق والأساليب ، أو التنظيمات الهيكلية أو الأدوات الوظيفية ... لابد أن يتم فى إطار منظومة تجديد شاملة ومتكاملة حتى يؤتى التجديد أكله . هذه المنظومة التجديدية لا تتحقق ، بل لا يمكن بلورتها واعتمادها بدون فلسفة تربوية مجددة تحدد معالم الطريق لعملية التجديد التربوى الشامل .

3 ـ المنظور المستقبلى :

3/1 : فلسفة التربية وتشوّف المستقبل :

لما كان مسعانا فى هذه الورقة تجديد فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة انطلاقاً من تبنى مفهوم فلسفة التربية القائمة على ( الوجود ) ، فهذا التبنى مرجعه أساساً إلى انتهاج النظرة المستقبلية التى نروم بها تخليص التربية العربية من حالة عجزها أمام تحديات العولمة .

ففلسفة التربية القائمة على ( الوجود ) تمضى مـن الوجـود إلـى ( الماهية ) بمعنى أنها تنطلق أساساً من تحليل الواقع ودراسته والكشف عن معناه ودلالاته ، وتستخلص اتجاهاتها المستقبلية ، وتسعى لتشوف مستقبلها من هذا التحليل نفسه .

فهل يمكن للتربية العربية فى هذه المرحلة وهى تجابـه تحديات العولمة أن تتشوف مستقبلها ، ومستقبل المجتمع العربى من خلالها وهى تستند إلى فلسفة تربوية ـ أو مبـادئ عامة ( * ) ـ تعود إلى منتصف السبعينيات ؟!

فلعل ذلك يعيد وضع فلسفة التربية مرة أخرى فى دائرة الضوء حين نكون معنيين بالتغيير والتجديد فى التربية العربية لتجاوز الواقع التربوى المأزوم . ومن ثم إعادة طرح السؤال المحورى مرة أخرى : هل نحن فى حاجة إلى فلسفة التربية فى هذه المرحلة المفصلية فى مسيرة نظمنا التعليمية العربية ؟

والإجابة ، أننا حقاً فى حاجة إلى فلسفة تربوية جديدة تقود التغيير التربوى الشامل انطلاقاً من معرفة الواقع العربى وفحصه وتحليله ونقده ، ثم الانطلاق بعد ذلك ، وفى ضوئه لرسم غايات وأهداف ممكنة التحقيق ، لا تلقى مقاومة من المجتمع ، لأنها منبثقة عنه ، ومعبّرة عما يصبو إليه من تطلعات .

هذه الفلسفة سوف تلقى الترحيب من الظهير المجتمعى حين تجيب عن تساؤلات المجتمع المستقبلية ، وحين تجيب عن بعض التساؤلات المتعلقة بهواجسه ومخاوفه من مؤثرات العولمة وإشكالياتها المتواترة ، ومن ثم تكون فلسفة التربية المرجوة عامل تجديد فعلى لكل من التربية والمجتمع .

وفلسفة التربية إذ تنبثق من واقع المسألة التربوية ، فلكى تعيننا على فهمه ومواجهة مشكلاته ، لكن الهدف الأبعد من هذه العملية هو استشراق المستقبل وتلمُس مساراته «المتوقعة» انطلاقاً من معطياته « الواقعة » فهى إذاً عملية مستقبلية حيث تسعى إلى رسم صورة لما ينبغى أن يكون على مختلف جبهات العمل التربوى .

3/2 : ولكن ... لماذا ينبغى أن تكون فلسفة التربية المرجوة ... مستقبلية ؟

تواجه التربية العربية ـ فى عصرنا الحالى ـ موقفاً صعباً للغاية ، فقد أصبح لزاماً عليها أن تجدد رؤيتها الفلسفية لمواجهة المتغير المعلوماتى فى غياب فلسفة اجتماعية عربية ، وقصور الوعى العام فى إدراك الجوانب التربوية العديدة لظاهرة المعلومات وعولمتها . ( نبيل على : 2001 ) .

ويؤكد « خلدون النقيب » على هذا البعد الغائب فى التربية العربية ، ومن ثم معاودة الإمساك به وامتلاكه ، حيث يقول : « إننا لا نملك وعياً تربوياً فى الوطن العربى لأننا نفتقد الفلسفة التربوية التى توجه عملية التعليم . ( خلدون النقيب ، 1993 ) . وهذا يعنى ، أن المجتمعات العربية تشهد اليوم ضغط حاجة مضاعفة إلى بناء فلسفة تربوية تضع على رأس اهتماماتها الخروج بالإنسان العربى مـن « فـرد » فـى القبيلـة ، إلـى « عضو » فى المجتـمع المدنى ، وبالعلاقات الاجتماعيـة مـن علاقـات « قبلية » إلى علاقات « مدنيـة » تتجاوز الأطُـر العشائـرية والطائفيـة . ( الأمين ، 1998 ) .

وإذا كان الغرب المتقدم اليوم ينخرط فى مرحلة « ما بعد الحداثة » ، فإن هذه التجربة الحضارية النقدية التى يدخلها الغرب يمكنها أن تسدد خطانا وأن تساعدنا فى اكتشاف سلبيات التجربة الغربية وتأكيد إيجابياتها ، وهذا يعنى فى نظر « وطفه » أن حداثتنا التربوية يمكنها أن تحقِّق فى آن واحد متطلبات الحداثة الأولى ، وأن تجنبنا تحديات الحداثة الثانية التى تتجلى فى تحديات عصر العولمة .

ومطالبتنا بأن تكون فلسفة التربية المنشودة مستقبلية التوجّه والغايات ، لأن هذا التوجه المستقبلى هو سبيلنا فى تجاوز واقعنا التربوى المأزوم وتحريره من قيوده الثقافية وتقاليده الباليـة .

فلكى نربى أبناءنا تربية تمكنهم من أن يكونوا الصنّاع الحقيقيين لعالم أفضل ، فإن علينا حينئذ أن نعلّمهم أن يعملوا من أجل الغد ، وأن يدركوا أن هذا الغد رهن بالجهود المبذولة اليوم ، وبمراجعة وتصحيح أخطاء الواقع .

ولمعاودة الإجابة عن السؤال الذى صُدِّر به هذا المحور حول مستقبلية فلسفة التربية ، يمكن معاودة التأكيد ـ بقدر نسبى من التفصيل ـ أن التربية الموجهة نحو المستقبل Future Oriented Education تأخذ أهمية خاصة فى هذا العصر لجملة أسباب أهمها :

3/2/1 : إن الاهتمام بالمستقبل أضحى هدفاً عاماً مشتركاً لجميع العلوم والأنشطة فى مختلف الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، ومن غير المتصور أن تبقى التربية بعيدة عن هذا الاهتمام وخارج هذا الهدف ، وهى التى ـ بحكم طبيعتها وغاياتها ـ تتجه نحو المستقبل أكثر مما تتمركز حول الحاضر .
3/2/2 : إن الاهتمام بالمستقبل فى العمل التربوى يحرر الفكر التربوى من السير فى مسار تقليدى جامد ، ويفتـح أمامه أكثر من طريق واحد فى تجاوز الحاضر وأكثر من بديل ( سيناريو ) للنمو المستقبلى مع الاعتماد على القراءة الدقيقة للواقع فى أىّ تشوف أو استشراف للمستقبل .
3/2/3 : إن تحديد الخيارات الفلسفية للتربية لابد أن تعتمد على نتائج الدراسات المستقبلية للمفاضلة بين هذه الخيارات ، فلم يعد مقبولاً الآن الحديث عن تنبؤ أو شكل واحد للمستقبل ، بل شاع استخـدام مفاهيـم « المستقبـلات والمشاهـد البديـلـة » ، و « استشراف المستقبل » ، و « التحليل المستقبلى » بدلاً من المفاهيم التى كانت تعنى بصورة واحدة للمستقبل . معنى ذلك ، أن الاهتمام بالمستقبل وتضمينه فى فلسفة التربية يُسهم فى توسيع دائرة الخيارات التربوية ومرونتها .
3/2/4 : إن الكائن الإنسانى ( الطالب ) ـ وهو المستهدف من التـربية ـ كائن « ذو قصد » يشدّه التطلع إلى أمامه ، ويغريه أن يسعى إلى غايات يُسهم فى تحقيقها . ولذلك ، فعندما تبدو أمامه مشروعات مستقبلية حضارية تستجيب لحاجاته فعلاً ، وتعبّر عن تطلعاته ، فإن الجميع يلتف حولها ويدعمها ، ويشارك فى إنجازها .
3/2/5 : إن تأكيد المستقبلية فى العمل التربوى ، يطرح البديل الحقيقى والفعّال عن الغايات المفروضة سلفاً التى تأخذ بها التربية غالباً وتثبتها فى وظيفتها المحافظـة Conservative ، ولا سيـما تلك التى تأخذ بفلسفة « الماهية » فالغايات التى تشتق من صورة المستقبل أو صوره المفترضة والمتوقعة وهى غايات تتحرك وتتجدد بناء على مسيرتنا نحو المستقبل التى هى فى حالة حركة وصيروره دوماً .
3/2/6 : إن الأخذ بالنظرة المستقبلية فى فلسفة التربية تُخفّف من حدّة ذلك التناقض الشائع بين ما هو « فردى » وما هو « اجتماعى » فى العمل التربوى وفى الشأن الاجتماعى عموماً ، فالنظرة المستقبلية تساعد الفرد فى أن يدرك أن المشروعات المستقبلية التى يتطلع للإسهام فى إنجازها هى عمل جماعى مشترك يتطلب منه أن يعمل بشكل فاعل مع الآخرين ومن خلالهم .
3/2/7 : والنظرة المستقبلية لفلسفة التربية ـ وخاصة فى هذا العصر ـ هى التى تطرح مسألة « الغايات » وما يلحق بها من مسألة « القيم » طرحاً عميـقاً وحـاداً ، ففـى عصـر تسوده سطوة الماديـة علـى حسـاب « الإنسانيات » وأخلاقياتها التى تنمى لدى الإنسان « شواجن القلب » و « بواعث الوجدان » ، تبدو أهمية التسلّح بمنظومات قيمية لها صيرورة وصلاحية مستقبلية حتى لا تفتك الصراعات الناشئة عن توترات العولمة بكل ما هو إنسانى وأخلاقى .
3/2/8 : وأخيراً ، فإن النظرة المستقبلية لفلسفة التربية تجعل التربية نفسها ملامسة لذلك الاهتمام المتصاعد ـ منذ منتصف القرن الماضى ـ بالدراسات المستقبلية ، وما أدى إليه من امتلاك بعض طرائق التنبؤ والتحَسُّب Prospective حتى يمكننا تلمُّس صور المستقبل وبدائله لنعمل لها حساباتنا التربوية على مختلف أصعدة العمل التربوى تخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً ومراجعة وتجديد.

مجمل القول فى هذا السيـاق ، أن فلسفـة التربيـة المرجوة ينبغى أن تكون « واقعية » و « مستقبلية » فى آن معاً . تكون واقعية حين تنطلق من السياق الاجتماعى القائم بمختلف موروثاته وأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية ومشكلاته الملحّة . وتكون مستقبلية حين تتخذ من هذا التحليل منطلقاً لاستشراف مستقبلها وصـورة النـظام التربـوى المرجـو فـى ضوء البعديـن ( الواقـع ) و ( المتوقع ) .

والفلسفة التربوية حين تمتلك هاتين الخاصيتين ، يصبح بمقدورها دفع العمل التربوى كله ـ أهدافاً ، ومناهج ، وتنظيمات ، وطرائق ، وإدارة وتقنيات ... إلخ ـ لمواجهة تحديات العولمة والتفاعل معها برؤية ومنهجية متبصرة ، وليس باجتهادات شخصية ، أو باستجابات سلبية أو بتحجر فكرى وتنظيمى .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى )   التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالأربعاء يناير 04, 2012 3:34 am

الإطار التحليلى

تحديات العولمة ، وإشكالياتها التربوية











ثالثاً ـ الإطار التحليلى
تحديات العولمة والإشكاليات المطروحة على فلسفة التربية العربية


1 ـ حول طبيعة الأزمة :

يدخل العالم العربى الألفية الثالثة من التاريخ الإنسانى بتربية عربية « مأزومة » ـ فكراً وممارسة ـ حيث تعانى هذه التربية أزمة ( تخلف ) وأزمة ( تبعية ) فى آن واحد ، مما يجعلها مفتقرة لشروط وجودها الفاعل فى عصر العولمة . وبدلاً من أن تُسهم النظم التعليمية العربية فى تسهيل اندماج العرب وانخراطهم فى هذا العصر الكونى ، فإنها تضيف إلى أزمات التخلف العربى أزمات ، وتضيف إلى الإشكاليات الحضارية العربية إشكاليات .

والحق يقال : أن المطالبات الفكرية والأكاديمية والبحثية بشأن مراجعة التربية العربية وتجديدها لم تتوقف من الباحثين والمفكرين والأكاديميين ومختلف شرائح النخبة العربية . ولكن الاستجابة لهذه المطالبات وتلك الدعـوات كانت مرهـونة دائماً بموقف السلطات السياسية ومتخذى القرار مِّما يعبـر عنـه دوماً بالفجوة بين « المثقف » و « الأمير » ( رجال الفكر ، ورجال السياسة ) .

أمّا وقد جاءت ضغوط التغيير من خارجنا ـ بفعل ضغوط العولمة وتداعياتها ، أو بفعل التدخل المباشر وغير المباشر من القوى الكونية ـ فقد تصاعدت ـ من جديد ـ مطالبات التغيير والتجديد من الداخل ، وقد تنامت صور الاستجابة لهذه المطالبات التجديدية من جانب أهل الحل والعقد أكثر من أى وقت مضى .

فقد أضحت عملية التغيير والتجديد فى التربية العربية ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل لنحدد كيف نعلم أبناءنا ولأى مستقبل نعدهم ، حتى لا يتولى هذا الشأن غيرنا ، وحتى لا نجد أنفسنا أمام واقع تربوى لم نختره أو نرسم صورته بأنفسنا .

فهل يُقبل أن يدخل العالم العربى الألفية الثالثة وحوالى 47% من أبنائه أميون قرائياً ، وحوالى 80% أميون ثقافياً ، وحوالى 95% أميون تكنولوجياً ؟!

وتفيد التجارب التربوية العربية أن العوامل التى أثرت فى نوعية التربية العربية جاءت جُلَّها من مصادر خارج المنظومة البنيوية للتربيـة ، مصادر سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ... وتعاظم تأثير المصادر الخارجية ـ وخاصة تلك المتعلقة بالعولمة ـ فى الحقبة الأخيرة .

فقد ألّحت مشاريع النهضة العربية على أولوية الجوانب السياسية والثقافية فى حياة الأمة ، ولم تستطع هذه المشاريع أن تسجل حضورها المطلوب فى نسق الأنظمة التربوية بمفاهيمها وتصوراتها وآلياتها الحضارية والتنموية انشغلت النخبة العربية ـ فكرية وسياسية ـ باستشراف المستقبل على أكثر من صعيد ، وتنوعت المشاريع النهضوية التى تستهدف تخطى حالة اليأس والانطلاق إلى آفاق مستقبلية أفضل . ومع ذلك ، فإن جُلَّ هذه المشاريع كان يعوزها المشروع النهضوى التربوى الذى يجعل غيره من مشاريع النهضة ممكنة وفاعلة كما تفيد دروس التاريخ وتجارب الأمم .

فالتغيير التربوى ، هو بمثابة الثورة الصامتة التى تتغلغل فى صلب الوجود الاجتماعى وتلامس أعماق الوعى لتتحول إلى قوة دافعة لأى مشروع نهضوى يستهدف تجاوز الواقع والانطلاق نحو المستقبل .

وإذا كان التغيير التربوى فى العالم العربى ملحّاً منذ عقود مضت ، فإنه أكثر إلحاحاً ، ولم يعد يقبل التأجيل فى ضوء موجات التغيير الكاسحة التى نشأت عن العولمة ، والتى تولد معطيات جديدة على مختلف الصُعد ، ومنها الصعيد التربوى بالطبع .

2 ـ توتّرات العولمة ، وإشكالياتها التربوية :

يواجه التعليم فى عصر العولمة تحديات كثيرة تحمل معها توقعات باحتمال تغيير ما يجرى فى كل صف دراسى ، ورغم صعوبة توقع مجريات العولمة ، فإن الذى لاشك فيه أنها سوف تخلق العديد من الشكوك حول مستقبل الأجيال الناشئة ، بل لا نبالغ إن زعمنا أنها سوف تعيد طرح الأسئلة الفلسفية الكبرى المتعلقة بالتعليـم : لماذا نعلم ؟ وماذا نعلم ؟ وكيف نعلم ؟ ومَنْ نعلم ؟ ومتى نعلم ؟ بل إنها سوف تطرح من جديد أسئلة فلسفية بمنظور مختلف مثل : مَنْ يعلم ؟ وأين نعلم ؟ وغير ذلك من الأسئلة التى تفرض إعادة وضع فلسفة التربية من جديد فى دائرة الضوء .

2/1 : توترات سياسية :

فقد دخل العالم عصر الموجة العالمية الثالثة ، ومن التداعيات السياسية لهذا العصر ما شهده العالم ، ويتوقع أن يشهده من تقلص أو تراجع فى دور الدولة القومية وتآكل دور المؤسسات الرسمية والانشغال بمفاهيم وتصورات جديدة مثـل : ( النـظام العالمـى الجديـد ) و ( السلام الدولى ) و ( الشرعية الدولية ) و ( صدام الحضـارات ) و ( الانفتـاح السياسـى ) و ( مقاومة الإرهاب ) و ( الإصلاحات الديمقراطية ) و ( مقاومة التمييز ) ، وغيرها من المفاهيم التى تتردد على ألسنة السياسيين ، وفى مختلف وسائل الإعلام صباح مساء وإن اختلفت التأويلات والتفسيرات حول مضامينها من مجتمع لآخر ، بل ومن جماعة لأخرى داخل المجتمع الواحد .

هذه الشعارات وغيرها تدعو ـ بصور ظاهرة وفجة أحياناً ومستترة ورمزية فى أحيان أخرى ـ إلى تميز وانفراد النموذج السياسى الرأسمالى الغربى باعتباره نهاية التاريخ فى أمثل تطور للحضارة الإنسانية لا بمنجزاته العلمية والتكنولوجية فحسب ، بل بأفكاره وقيمه ونماذجه السياسية وتطلعاته الحضارية .

فهذا النموذج فى شموليته والقوى الساعية لتصديره وتسويقه يمثل نوعاً من الأممية الرأسمالية يسعى أنصارها إلى إحلالها محل الأممية الشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى .

لقد تنامت وتحركت عبـر الحدود القوميـة مفاهيم عولمية جديدة ـ غريبة المنشأ والصياغة ـ مثل ( المجتمع المدنى ) و ( المواطنة العالمية ) و ( الشفافيـة ) و ( حقوق الأقليـات ) و ( وضع المرأة ) .

وتشهد الأحداث السياسية والعسكرية أن منطقتنا العربية كانت أوفر حظاً فى نصيبها من التوترات السياسية للعولمة ، كما كانت أكثر تأثراً بما أفرزته العولمة السياسية من صراعات وتصدعات وخصومات وتكتلات وتحالفات .

فقد أصبح الواقع السياسى العربى مستهدفاً من مختلف القوى المهيمنة على توجيه مسارات العولمة ، بل إن هذا الاستهداف لعب الدور المحورى فى موقف الغرب المهيمن ـ ولا سيما الأمريكى ـ من المنطقة اقتصادياً وثقافياً وحضارياً ... « وتعليمياً » !!

هذه التوترات السياسية وغيرها تطرح على فلسفة التربية العربية العديد من الإشكاليات المتعلقة بـ

- الشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدنى فى التعليم .
- علاقة التعليم بالنظام السياسى .
- مفهوم التربية للمواطنة .
- مبدأ تكافؤ الفرص فى التعليم .
- علاقة جماعات المصالح Interest Groups وجماعات الضغط Pressure Groups بالقرار التعليمى .
- تعليم الأقليات .
- أنماط الإدارة التربوية .
- الحريات المهنية للمعلمين .
- ديمقراطية التعليم .
- صنع السياسة التعليمية .
- مجانية التعليم .
- علاقة المؤسسات الدولية بالتعليم الوطنى .
- تشريعات التعليم .

هذه الإشكاليات المتعلقة بالقضايا السابقة تحتم ضرورة مراجعة الافتراضات الأساسية التى تقوم عليها فلسفة التربية العربية فى ظل الواقع الجديد ، والمستقبل المتوقع .

2/2 : توترات اقتصادية :

جاءت العولمة لتحدث تغييرات زلزالية فى المفاهيم الاقتصادية القائمة ، وتهز التنظيمات الاقتصادية الوطنية هزاً ، وتطرح علاقات اقتصادية جديدة بين أقاليم العالم ومناطقه الجغرافية ، ظهرت الاعتمادية الاقتصادية والتكنولوجية المتبادلة التى أملتـها التجارة الحرة والأسواق المفتوحة ، وحركة تدفق رؤوس الأموال عبر الحدود ، وتعرضت الأسواق المحلية لضغوط جديدة وشروط جديدة تفرضها القوى الاقتصادية الاحتكارية التى تعبّر عن مصالح الاقتصادات الكبرى دولاً ومؤسسات وشركات . وأسهمت ثورة الاتصال والتقنية فى حركة انتقال رؤوس الأموال من مركز مالى إلى خر وبسرعة فائقة ، وأصبح بوسع رجال الأعمال والشركات عقد العديد من الصفقات عبر الحدود دون أن تترك مواقعها الجغرافية بفعل تقنيـات وقنوات التجارة الإلكترونية .

وأضحت مواقع التصنيع تستقل شيئاً فشيئاً عن التبعية الجغرافية أو الوطنية ، كما أنها أضحت متحررة من قيود الجنسية والسيادة الوطنية . أما رأس المال ، فلن يبحث عن أسواق جديدة فحسب ، بل سيدمج مجموعات جديدة فى خطوط التجميع العالمية ، فيصنع جزءاً من منتج فى « دبى » وآخر فى « سنغافورة » ، وثالث فى « اليابان » قبل أن تجمع الأجزاء الثلاثة معاً فى « ماليزيا » .

وستحدد دراسات التكلفة والربح ، من يفعل ماذا محلياً أو إقليميـاً فى خطوط التجميع العالمية . ولضمان الصفة التنافسية للمنتجات ، فسوف تنتقل الصناعات التى تعتمد على قوة عمل كبيرة من العالم المتقدم إلى العالم النامى لضمان التكلفة الأقل والربحية الأكثر .

أما الصناعات « فائقة التقنية » و القائمة على « المعرفة الكثيفة » وليس القوى البشرية الكثيفة ـ فسوف تعزّر فى الدول الصناعية حيث تتوفر البنية التحتيـة اللازمـة للبحث والتطوير R & D لخلق المعرفة والتقنية ، وحيث تتوفر البنية المشجعة للإبداع ، والظروف الملائمة ، وضمانات حماية الحقوق الفكرية وبراءات الاختراع .

هذه التجليات « الواقعة » و « المتوقعة » فى ظل العولمة قد بدأت فى تشكيـل أنماط حياتنـا ، وسلوكياتنـا ، ومفاهيمنـا ، وعاداتنا المتأصلة ، وبدأت تستحدث وتخلِّق احتياجات جديدة ، وتثير لدى الأفراد والجماعات هواجس متنوعة .

فقد أدت سيولة حركة رؤوس الأموال والتدفقات ـ غير المسبوقة ـ للسلع والمواد والخدمات عبر الحدود والأسواق ، إلى شيوع قيم وأنماط استهلاكية جديدة ومتشابهة بين عالم الشمال المتقدم الغنى ، وعالم الجنوب المتخلف الفقير ، وساعد فى هذا الانتشار لأنماط الاستهلاك تلك الآلة الإعلامية والإعلانية التى تنامت قوتها وتعاظمت إمكانياتها فى عصر العولمة .
وسوف تجد الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والمنتجات الأقل جودة أنها أمام حالات اختراق اقتصادى ، واحتكار رأسمالى ، وهيمنة تجارية تعجز عن مواجهتها وحماية نفسها واستقلاليتها .
وتمس هذه التوترات الاقتصادية والهواجس الناشئة عنها نظم التعليم فى الصميم ، فنظام التعليم لا يعمل بمعزل عن الواقع الاقتصادى القائم ، ولا يمكن لأى نظام تعليمى أن يغض الطرف عن التغيرات الاقتصادية المتلاحقة ، فقد انتقل مفهوم « الجودة » بمعاييره الصارمة من الاقتصاد إلى التعليم ، وأصبحت الحاجة ملحِّة لتطبيق معايير الجودة على التعليم بمختلف صوره . وقد وجدت النظم التعليمية نفسها مطالبة بإعداد متعلمين للإضطلاع بالمهام التى تتطلبها الاقتصاديات الجديدة فى عصر العولمة والتى كانت تنحصر من قبل فى النخبة التقنية والإدارية .
هذه الضغوط والتوترات الاقتصادية وغيرها مما تنتجه العولمة وسوف تنتجه تطرح على فلسفة التربية العربية كثير من الإشكاليات المتعلقة بعلاقة التعليم بالاقتصاد من قبيل :
- حق التعليم بين الشعارات السياسية والإمكانيات الاقتصادية .
- تمويل التعليم بين الحكومية والأهلية .
- نوع التعليم بين مطالب « الجودة » وضغوط التعميم .
- التعليم الخاص وعلاقته بالتعليم الحكومى .
- المعونات الدولية فى التعليم والسيادة الوطنية .
- العلوم الاجتماعية ، والعلوم التطبيقية .
- التعليم المستمر والتدريب التحويلى .
- التعليم النظامى وعلاقته بالتعليم غير النظامى .
- الإنسيابية فى التعليم ومرونة النظم التعليمية .
- التعليم وعالم العمل .
- الجدارة فى التعليم بالمعايير العالمية .
- المؤسسات التعليمية التقليدية ، والمؤسسات الافتراضية Virtual .
- التخطيط التربوى قصير الأمد .
2/3 : توترات اجتماعية :

فقد بدا أن للعولمة قوة طاردة مركزية تقتلع الإنسان من جذوره الاجتماعية ، فالقوى المحركة للعولمة لا تفكر كثيراً فى « الصالح العام » لأنه ليس فى أولوياتها حيث توكل المهام التى تتعلق بالصالح العام إلى مؤسسات احتكارية لا تضع فى اعتبارها المجتمعات الفقيـرة ولا الشرائح الاجتماعية الأكثر حرماناً . فهذا هو « توماس فريدمان » يردد المقولة الغربية الشهيرة : « إن أقصى أمل للفقراء والبؤساء هو أن يفكر فيهم أو يتذكرهم الأغنياء » .

ولذلك ، فسوف لا تقتصر آثار العولمة فى تقليص دور الدولة وقدرتها فى حماية السلام الاجتماعى ، بل إن تداعياتها وتجلياتها الاقتصادية والتكنولوجية والمعلوماتية سوف تؤدى إلى تغييرات هيكلية فى سوق العمل وفى التركيبة الاجتماعية لقوة العمل فى معظم البلاد ، فضلاً عن أنها سوف تزيد الجماعات المهمشة ، والمجتمعات المهمشة تهميشاً وإقصاءً .

فحتى الآن ما يزال أكثر من مليارى شخص على هذا الكوكب محرومين من الكهرباء معظمهم فى المناطق الريفية من الدول النامية . هذا فضلاً عن أولئك الذين ليس بمقدورهم امتلاك الأدوات والإمكانيات المادية للإفادة من معطيات العولمة كأجهزة الحاسب الآلى ، والأقراص المدمجة ، والوسائط المتعددة ، فهم مضغوطون بين طغيان الطابع الاستهلاكى ، والعجز المادى والفقر الثقافى والمعلوماتى .

وعلى الرغم مما توفره ظاهرة العولمة من إمكانيات ومعطيات إيجابية ولاسيما فى تجلياتها الاتصالية والمعلوماتية التى تنتج تفاعلات حيوية بين الأفراد والشعوب والشرائح الاجتماعية المختلفة ، فإن هذه الإيجابيات تعكس فى الجانب الآخر توترات اجتماعية لا يمكن التقليل من شأنها .

فالتجليات الاتصالية والمعلوماتية للعولمة تعتمد على الفضائيات ، وأدوات المعلوماتية كالحواسب وشبكة المعلومات والهواتف المحمولة ... وغيرها ... وهذه الأدوات ليس بمقدور الجميع امتلاكها أو توظيفها أو التحكم فى سوقها . هذه الأدوات ، سيظل التحكم فيها تصنيعاً وإنتاجاً وتسويقاً فى يد الدول الصناعية المتقدمة الغنية ، كما يقتصر امتلاكها وتوظيفها اجتماعياً وتربوياً ـ على مستوى المجتمع الواحد ـ فى يد الشرائح الاجتماعية الأكثر تعليماً ودخلاً .
ولذلك ، فإن جنى ثمار العولمة ـ على هذا الصعيد ـ سيظل من نصيب الدول الأكثر تقدماً وغنى ، ومن نصيب الشرائح الاجتماعية الأكثر قدرة اقتصادياً وتعليمياً ، وهو ما يعمق الفجوات بين الدول وبعضها من ناحية ، وبين الأفراد والشرائح الاجتماعية داخل المجتمع الواحد ، من ناحية أخرى . أما عربياً ، فيزيد من فعل هذه الانعكاسات السلبية لمعطيات العولمة فى الواقع الاجتماعى العربى ، « الحالة الاجتماعية العربية » التى يدخل بها العرب عصر العولمة . فنحن امام واقع عربى متخلف فى مختلف صوره الاجتماعية . هذا الواقع الذى لم يعش بعد مرحلة الحداثة الأولى ، فما بالك وهو يواجه العولمة فى عصر دخل فيه العالم حداثته الثانية أو ما يعرف بمرحلة ما بعد الحداثة . هذا الواقع العربى يسير ـ على حد تعبير « عبد الدائم » ـ نحو التقدم على استحياء ، وما يزال يحار بين الإقدام والإحجام ، وما زال الصراع فيه قائماً بين القوى المندفعة نحو المستقبل ، والقوى المثقلة برواسب الجمود والعقم .

وتبدو أبرز علل هذا الواقع العربى فى : تخلف الإبداع ـ ضعف التفاعل مع العالم والانفتاح على تجربته ـ سيطرة سلطان الماضى ـ سيطرة روح المحافظة ـ ذبوع روح العصبية والتعصب ـ ضعف الفكر النقدى ـ ضعف النظرة المستقبلية ـ ضعف القدرة التنظيمية ـ ضعف الدور الفاعل للنخبة ـ الفجوة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير .

وإذ يواجه العرب عصر العولمة بهذه العلل الاجتماعية وغيرها ، فإن التوترات الناشئة عن هذه المواجهة والمتحصلة عنها تثيـر كثيراً من الأسئلة المطروحة عل فلسفة التربية العربية ومنها :

- ماذا تعنى العدالة الاجتماعية ، وما انعكاساتها على مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية ؟
- كيف نسد الفجوة المتعلقة بالفئات المحرومة اجتماعياً والمهمشة تعليمياً ؟
- كيف نتجه نحو المستقبل فى ظل أمية أبجدية وثقافية ومعلوماتية طاغية ؟
- كيف نوازن بين الإمكانات الشخصية ، والإمكانات الاقتصادية فى تطبيق مبدأ حق التعليم .
- كيف نفعل الإفادة من تكنولوجيا التعليم دون إخلال بمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية ؟
- كيف نعزز الشراكة بين المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدنى فى ميدان التعليم ؟
- كيف نفعل دور التعليم فى الحفاظ على مبدأ السلام الاجتماعى ؟
- كيف نفعل دور التعليم فى تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة ؟
- كيف نفعل دور التعليم فى القضاء على مختلف أشكال التخلف الاجتماعى ؟
- وقبل ذلك كله ، وبعده ، كيف نبنى فلسفة تربوية عربية فى غياب فلسفة اجتماعية عربية شاملة ؟!

2/4 : توترات ثقافية :

إن علينا أن نفرِّق بين العولمة كظاهرة موضوعية ، وحقيقية تاريخية ، وبين هيمنة بعض الدول الكبرى التى تسعى للإمساك بدفة العولمة وتوجيهها وفق رؤاها ومصالحها وسيادة أنماطها الثقافية . ومن ثم ، فإذا كانت العولمة الآن تمثل حضارة العالم ـ أو هكذا تبدو ـ فإنها تسيِّد ثقافتها ، تسيدها بالمعنى الأنثروبولوجى .

فالعولمة بدأت وقامت واستمرت ، ليس كاقتصاد فقط ، بل هى اقتصاد وسياسة وثقافة . فهى تسعى لتعميم ثقافتها وخطّها الإنتاجى العام ، ومن ثم تسعى ـ بأشكال مباشرة وغير مباشرة ـ لضرب كل الخصوصيات الثقافية ، وتفتيت الهويات وإذابتها لصالح ما تسعى إلى تعميمه وإشاعته من ثقافة كونية منمطة .

وقد لعبت الهواجس الثقافية للعولمة دوراً رئيساً فى تحديد الموقف منها ولا سيما من قبل النخبة والجماعات الثقافية فى ضوء ما تتوقعه هذه النخب والجماعات من آثار ثقافية محتملة .

فجوهر الخلاف حول العولمة كما يرى « يسين » يدور بالأساس حول مشكلة الثقافة الكونية والخصوصية الكونية ، ذلك أنها بحكم آلياتها الاقتصادية التى تقوم على التبادلية وحرية السوق وتحرير التجارة والخصخصة ، وانسياب حركة رؤوس الأموال والتوسع فى الاستثمارات الأجنبية ... إنما تدعم ذلك كله من خلال نشر مجموعة مـن القيم السياسية والاجتماعية والثقافية المواتية والمتوافقة مع توجهاتها .

فالعولمة الاقتصادية ـ على سبيل المثال ـ تشترط الديمقراطية ( بالمفهوم الغربى ) واحترام حقوق الإنسان ، وتشجيع منظمات المجتمع المدنى ، وحرية الإعلام ، كما تعنى ـ اجتماعياً ـ بالفردانية ، والحرية الشخصية . أما ثقافياً ، فإنها تعنى بصياغة ثقافة كونية شاملة تغطى مختلف جوانب النشاط الإنسانى . ولا يخفى ، ما تيسّره الإمكانيات الاتصالية والتقنية فى عصر العولمة من تحقيق توجهاتها الثقافية ولا سيما من خلال عملية التفاعل الثقافى عبر العالم .

بيد أن التوترات الثقافية الناشئـة عن العولمة هى ـ فى نظر كثير من المثقفين ـ من أكبر التحديات التى تطرحها العولمة على المجتمعات ومنها المجتمع العربى بالطبع .

فالعرب يواجهون العولمة ، وما يقرب من نصف مواطنيـهم يعانون من الأمية ، فى الوقت الذى تكرس فيه العولمة لعصر « اقتصاد المعرفة » أو ما يطلق عليه « القطاع الرابع » (*) . وتنحصر صناعة المعرفة فى خمسة أقسام وهى : التعليم ـ البحث والتطوير ـ وسائل الإعلام والاتصال ـ آلات المعلومات ـ خدمات المعلومات .

هذا القطاع يحتاج ـ على الصعيد الثقافى والتربوى ـ إلى تكوين وإعداد الكوادر البشرية العاملة والمؤهلة للاندماج فى هذا القطاع ، كما تحتاج إلى واقع ثقافى نشط يستوعب معطيات هذا القطاع ويفيد من إنجازاته .

مثل هذه التحديات الثقافية للعولمة ، وما تنتجه من توترات على صعيد الثقافة القومية يطرح العديد من الإشكاليات على التربية العربية ، ويطرح بعض التساؤلات على فلسفة التربية ، ومنها :

- كيف توازن التربية بين وظيفتى « المحافظة » و « التجديد » فى الثقافة العربية ؟
- كيف تستطيع التربية أن تجسر الفجوة بين « ثقافة النخبة » و « ثقافة الجماهير » ؟
- كيف توازن التربية بين « العمومية الثقافية » الكونية ، و « الخصوصية الثقافية » العربية ؟
- كيف تواجه التربية مسألة الحرمان الثقافى والتهميش الثقافى الناشئ عن العولمة ؟
- كيف تحقق التربية انفتاح الثقافة العربية على الثقافات الأخرى ؟
- كيف تحقق التربية التوازن بين ثوابت الثقافة العربية ، وبين المتغيرات الثقافية .
- كيف تفّعل التربية « اللغة العربية » للتعبير عن الثقافة العربية وإشاعتها ؟
- كيف توازن التربية بين تعليم اللغة العربية ، واللغات الأجنبية فى مؤسسات التعليم ؟
- كيف نحقق فلسفة التربية للنظام التربوى مرونته وانفتاحه وقابليته لاستيعاب المتغيرات الثقافية للعولمة ؟
- كيف توازن فلسفة التربية بين ما هو « دينى » وما هو « علمانى » فى الثقافة العربية ؟
- كيف توازن فلسفة التربية بين التوجهات القطرية ، والتوجهات الإقليمية ؟
- كيف تحافظ فلسفة التربية على الاستقلال الوطنى فى ظل الاعتماد المتبادل ؟
- كيف توازن التربية بين « الفردية » و « الجماعية » على الصعيد الأيديولوجى ؟
- كيف توازن التربية بين المؤسسات التعليمية الرسمية ، ومؤسسات التعليم غير النظامى فى تحقيق التنمية التربوية ؟
- كيف توازن التربية بين « التلقينية » و « التكوتينية » فى الواقع التعليمى ؟

2/5 : توترات أخلاقية :

ليس غريباً أن ينظر الجميع بعين ملؤها الريبة إلى ما تدعيه التكنولوجيا من نجاح فى هذا العصر ، حتى إنه قد تنامى لدينا ـ على حد قول أحد مفكرينا ـ شعور بعجز عقولنا عن إنقاذنا مما صنعته أيدينا . لقد فجرت تكنولوجيا المعلومات ، متضافرة مع بعض الإنجازات العلمية مثل الهندسة الوراثية ـ قضايا أخلاقية عديدة بعد أن اقتربت التكنولوجيا من تلك المناطق الحميمة فى عقل الإنسان وأنسجته وخلاياه .

أفرزت العولمة ومعطياتها مباحث أخلاقية جديدة تضاف إلى مباحث الأخلاق التقليدية ، حيث ظهرت مباحث عن : أخلاق البيئة ، وأخلاق البيولوجيا ، وأخلاق المعلومات ، وأخلاق الإنترنت ... وباتت معظم القيم فى حاجة إلى تأويلات جديدة أو هى معرضة لضغوط فى هذا الاتجاه .

ولعبت وسائل الاتصال والإعلام العولمية دوراً كبيراً فى توجيه المواقف نحو التنوع أو التنميط نحو التعصب أو التسامح ، ونحو الطائفية أو القطرية ، ونحو الخصوصية أو العمومية . ومن حق التربويين وغيرهم أن يقلقوا من مستوى مشاهد العنف والجريمة والحروب والجنس فى الأفلام والأغانى ومن خلال ما ينقل عبر الفضائيات أو الصحف والمجلات أو شبكة المعلومات !!
فعلى الرغم مما وفرته التقنيات الاتصالية والإعلامية والمعلوماتية من معطيات تربوية إيجابية ، وما أتاحته للنظم التربوية من آليات جديدة فائقة الإمكانية تربوياً وتعليمياً ، فإنها على الجانب الآخر أثارت ـ عبر برامجها ومادتها المنقولة ـ الكثير من الإشكاليات الأخلاقية التى تلقى بظلالها الكثيفة على التربية .

فعلى سبيل المثال لا الحصر ، تم رصد نحو 20 إلى 25 مشهداً عنيفاً فى الساعة الواحدة ضمن برامج الأطفال . ومع بلوغ الطفل سن الثامنة عشرة يكون قد شاهد ـ فى أمريكا الشمالية ـ ما متوسطه 15 ألف ساعة تليفزيونية . وهذا الوقت يفوق الزمن الذى يمضيه الطفل فى الفصل الدراسى مما سيؤدى إلى الإضرار بالنظام التعليمى .

وعلاوة على ثقافة العنف المنقولة عبر القنوات الفضائية وغيرها ، فثمة تحديات لا تقل عنها خطورة ، وهى المتعلقة بالاستخدام غير الرشيد لشبكة المعلومات ، فقد انتشر « الجنس » كالوباء عبر الشبكة ، وهو ما يمثل خطورة على جميع الأعمار ، فهو يقحم الصغار فى الأمور الجنسية قبل الأوان ، ويجذب المراهقين بحكم غريزة حب الاستطلاع الجنسى لديهم ، وهو ما يمكن استغلاله تجارياً . وكما يعمل « جنس الإنترنت » على ( تكبير ) الصغار ، فهو يعمل أيضاً على ( تطفيل ) الكبار حيث يوحى لهم باجترار مراهقتهم ويشدهم إلى فخ النزعات النفسية التعويضية .

وكَمْ انشغل الرأى العام العربى ببعض قضايا الاستخدام الجنسى للأقراص المدمجة وأشرطة الفيديو ، وشبكة المعلومات ، والأخطر أن هذا الاستخدام قد امتد ليضم زبائن ومتعاملين من طلاب المدارس والجامعات ، وهو ما يلقى بمسئوليات أخلاقية جديدة على النظام التربوى كله .

هذا يعنى أن حياتنا المادية فى ظل العولمة قد قامت على تكنولوجيا طويلة الزراع امتدت إلى كل شىء وبأساليب غاية فى الفاعلية فى حين تئن حياتنا الروحية والوجدانية تحت وطأة الخواء . فقد اخترقت هذه التكنولوجيا ثوابتنا الأخلاقية واقتحمت الخصوصيات الذاتية ، وشغلتنا عن مطالبنا الوجدانية وحاجتنا الدائمة إلى المثل العليا والإحساس بإنسانيتنا .

هذه التوترات الأخلاقية الناشئة عن العولمة ، تستحث الفكر الإنسانى على إعادة طرح الأسئلة المرجأة والتى كان مستحيل طرحها ، أو على الأقل لإعادة طرحها بصورة أدق . وقد أضحت البشرية ـ فى ظل هذه التوترات ـ فى حاجة إلى هداية جديدة ، وربما يفسر ذلك ويدلل عليه تيار الصحوة الدينية الذى يشهده العالم الآن فى معظم دياناته المعاصرة .

وفى ظل هذه التوترات ، أصبح التربويون وغيرهم من صناع الوعى مطالبين بتحمل مسئولياتهم تجاه مواجهة الاستغلال غير الأخلاقى لمنجزات العولمة ومعطياتها العلمية والتكنولوجية لتجنب آثاره المدمرة فى العملية التربوية وفى الحياة الاجتماعية عموماً .

وتصبح فلسفة التربية العربية المنشودة مطالبة بالسعى لتحقيق نوع من الوئام بين ثلاثية الهداية ، والنظرة الشاملة والعقل ، ثلاثة ( الدين ، والفلسفة والعلم ) كى تقام على أساسها واقعية تربوية أكثر توازنـاً بيـن « العقل » و « الوجدان » ، بيـن المطالب « الماديـة » والمطالـب « الروحية » ، بين « القيم العلمية » و « القيم الأخلاقية » فى العمل التربوى بمختلف صوره ومراحله .

هذه التوترات السابقة ، والتداعيات الناشئة عنها ، تطرح على فلسفة التربية العربية المرجوة ، كثير من الإشكاليات الأخلاقية التى ينبغى التعاطى معها ، ومنها :

- كيف توازن التربية بين « العقلانية » و « الروحية » ؟
- ما موقع الدين فى المنظومة التربوية ؟
- كيف توازن بين ما هو « دينى » وما هو « علمانى » فى العمل التربوى ؟
- ما حدود الدور الأخلاقى للمدرسة ؟
- من يحدد الضوابط الأخلاقية للعملية التربوية ؟
- ما موقع الفنون فى المنظومة التربوية ؟
- ما السبيل إلى ضوابط أخلاقية للتعامل مع التكنولوجيا ؟
- كيف ترتب التربية أولوياتها بشأن التربية الأخلاقية ؟
- من يتولى صياغة الخطاب الدينى المستخدم فى التربية ؟















رابعاً ـ نحو رؤية للتجديد


1 ـ مدخل :

أضحى التجديد فى التربية العربية عموماً ، وفى فلسفتها على وجه الخصوص مطلباً ملحّاً لكل من الجماهير العربية ـ التى تمثل طرفاً رئيساً فى المسألة التعليمية ـ وللنخبة العربية المعنية بطروحات التغيير الشامل فى بنية المجتمعات العربية لتجاوز أزماتها الراهنة ، ورسم مسارات لمستقبل أفضل ، وللمتخصصين فى الشأن التربوى والتعليمى ، الذين ما فتئوا يجتهدون فى طرح رؤاهم التجديدية منذ عقود مضت .

وما من شك ، فى أن الاستجابة لهذه المطالبات التجديدية لم تعد تقبل التأجيل فى ظل الموجة العولمية . فقد تضاعفت مبررات التجديد ، وتنوعت مصادر دواعيه من داخلية وخارجية ... محلية وكونية .

فعلاوة على المظاهر المختلفة لازمة النظام التربوى العربى الراهنة ، والتى لا تتطلب إسهاباً فى عرضها أو إعادة طرحها ، فهناك تجليات العولمة بما تحمله من بعض المعطيات الإيجابية ، وهناك توترات العولمة التى عرضنا لبعضها فى المحور السابق ، والتى أضافت إشكاليات تربوية جديدة ـ علاوة على الإشكاليات القديمة ـ لم يعد بوسع التربية العربية غضَّ الطرف عنها ، ولم يعد بوسع فلسفة التربية العربية ـ بشكل أكثر تحديداً ـ تجاوزها أو اللامبالاة بشأنها .

وثمة افتراض تنطلق منه هذه الورقة ، وهو أن أى انشغال علمى وجاد بشأن تجديد التربية العربية أو تطويـرها لمواجهة التحديات الناشئة والمتنامية من العولمة ، لابد أن يبدأ من فلسفة التربية نفسها . ومن ثم تبدو أهمية طرح المعالم الرئيسة لرؤية التجديد فى فلسفة التربية العربية استناداً إلى الافتراض السابق ، وعلى ضوء تجليات العولمة وتوتّراتها .

2 ـ معطيات التجديد وإطاره المرجعى :

حتى لا يكون التجديد مجرد اقتراب من الغرب المتقدم أو نقل عنه للتوافق معه فى أنظمته وتوجهاته وآلياته التربوية ، وحتى لا يكون التجديد مجرد اقتباس ثقافى وتربوى ـ بلغة التربية المقارنة ـ ومن ثم الانخراط فى « التبعية » بشكل مباشر أو غير مباشر . وحتى لا يكون التجديد مجرد تغييرات تربوية مادية أو هيكلية بغية التحديث المظهرى ... تبدو أهمية ارتكاز التجديد على معطيات اجتماعية وثقافية واقتصادية وتقنية واقعية ، كما تبدو أهمية توظيف الجهود السابقة فى مجال فلسفة التربية ، وكذا التوسل بما قدمته الدراسات المستقبلية ـ بأساليبها وتقنياتها ـ من إمكانية استشراف المستقبل العربى وتشوفه فى ضوء مستقبل العالم .

ويعبّر الشكل التوضيحى التالى عن المعطيات والمسارات التى يمكن اعتبارها ـ فى نظر هذه الدراسة ـ إطار مرجعى نظرى وفلسفى لعملية التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة :





















































شكل رقم (1)
يبين مسارات ومعطيات الإطار المرجعى لتجديد فلسفة التربية العربية *
وفيما يلى نعرض ـ ببعض التفصيل ـ للمعطيات التى يعبر عنها الشكل السابق :

2/1 : العولمة ( التجليات والتوترات ) :

حيث تمثل هذه التجليات وتلك التوترات المعطى الأول فى رؤية التجديد ، فالتجلّيات بمختلف مظاهرها ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والتقنيـة ) للعولمة ـ والتى سبق عرضها ـ تمثل معطيات إيجابية لا يمكن غض الطرف عنها تربوياً ( السياسات التعليمية ـ تمويل التعليم ـ إدارة التعليم ـ التقنيات التعليمية ـ الوجهة الثقافية للتعليم ... إلخ ) .

أما التوترات ، فهى تعكس أشكال القلق والصراع المتولد عن العولمة والتى تمثل تحديات إشكالية ينبغى على فلسفة التربية التعاطى معها والاشتباك معها بشكل علمى وجدلى وخاصة تلك المتعلقة بالمستقبل .

2/2 : الإشكاليات التربوية الناشئة عن التجليات والتوترات :

هذه الإشكاليات طرحت ، وسوف تطرح الكثير من الأسئلة تربوية الطابع والتى تتنوع مضامينها لتلامس مختلف جوانب العملية التربوية ( الأهداف ـ المناهج ـ حق التعليم ـ السياسات ـ المعلم ـ التلميذ ـ النجاح والفشل ـ تكافؤ الفرص ـ لغة التعليم ـ موقع الدين ـ الأخلاق ـ التنوع ـ التعليم الحكومى والتعليم الأهلى ـ الشراكة بين المدرسة والمجتمع المحلى ... إلخ ) .

2/3 : واقع المجتمع العربى :

وهذا المعطى تعبر عنه مجموعة من الدراسات والتقارير الرصينة التى أطلعت بها مؤسسات علمية وأكاديمية عربية إقليمية (*) وقطرية (**) ، كما تعبر عنه العديد من الدراسات والبحوث التى أنجزها باحثون وأكاديميون عرب بشكل فردى (*) وجماعى .

هذه الدراسات المؤسسية ، أو الجماعية ، والفردية تمثل خريطة تفصيلية للواقع العربى فى مختلف مظاهرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسكانية ... إلخ ، كما تعبر هذه الدراسات عن حجم وطبيعة المشكلات التى يزدحم بها الواقع العربى .

ومن ثم ، تمثل نتائج هذه الدراسات معطى واقعياً وعلمياً للواقع العربى الذى ينبغى على التربية العربية تجاوزه وتخليصه ـ مع غيرها ـ من أزماته .

2/4 : معالم الفلسفة الاجتماعية العربية :

سبقت الإشارة إلى أن إحدى الأزمات التى تواجهها التربية العربية ، أنه قد أصبح عليها أن تجدد رؤيتها الفلسفية لمواجهة متغيرات العصر فى غياب فلسفة اجتماعية عربية .

ولكن هذا لا يعنى أن ننتظر فلسفة التربية العربية حتى تتشكل ملامح فلسفة اجتماعية عريقة واضحة تستند إليها ، وتشتق منطلقاتها منها خاصة وأن هناك من المعطيات الاجتماعية والثقافية العربية ما يمكن اعتباره أهداف كبرى على الصعيد الاجتماعى والحضارى العربى .

ففى « الخطة الشاملة للثقافة العربية » التى وضعتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ونشرتها فى عام 1986 ، ما يمكن اعتباره أهداف كبرى أو غايات تمثل حصاد جهد عربى جماعى مشترك أسهم فيه عدد من المفكرين البارزين فى الوطن العربى ، وهذه الأهداف الكبرى تتمثل فى :

- الاستقلال والتحرر فى مواجهة الهيمنة الأجنبية والاستلاب .
- الوحدة القومية فى مواجهة التجزئة والإقليمية الضيقة .
- الديمقراطية فى مواجهة الاستبداد .
- العدالة الاجتماعية فى مواجهة الاستغلال .
- التنمية الذاتية فى مواجهة التخلف أو النمو المشوّه .
- الأصالة فى مواجهة التغريب والتبعية الثقافية .
- الحضور القومى بين الأمم ، والإبداع والإنتاج فى مواجهة حضارة الاستهلاك والتقليد .

ويمكن أن نضيف لهذه الغايات ، بعض الغايات التى ولّدتها ظروف عصر العولمة وتحدياته ومنها .

- الانفتاح الحضارى فى مواجهة الانغلاق والجمود .
- الحوار مع الآخر ، فى مواجهة التوجس والريبة .
- التسامح الأيديولوجى والحضارى فى مواجهة التعصب والتطرف .

هذا علاوة على ما يمكن أن تضيفه عملية الحوار الفكرى والاشتباك الجدلى مع تحديات العولمة الداخلية والكونية من غايات حضارية عربية .

2/5 : المعطيات المعاصرة فى فلسفة التربية :

ثمة جهود علمية وتنظيرية قد بُذلت على صعيد صياغة وبناء فلسفة للتربية ، بعض هذه الجهود قد قامت بها مؤسسات عربية رسمية ، وبعضها قد قامت به منظمات دولية ، وأخرى قد نتجت عن اجتهادات ورؤى علمية فردية عربية إقليمية ، أو قطرية عربية . هذه الجهود العلمية تمثل تراكماً علمياً ومعرفياً فى مجال فلسفة التربية ، لا يمكن غضّ الطرف عنه عند السعى لتجديد فلسفة التربية العربية .

وعلى صعيد الرؤية المقترحة لتجديد فلسفة التربية العربية ، فإننا نختار أمثلة لهذه الجهود نراها مرشحة قبل غيرها لتمثل إطاراً مرجعياً أكثر تحديداً لمساعى تجديد فلسفة التربية العربية .

2/5/1 : مبادئ استراتيجية تطوير التربية العربية ( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1979 ) :

فلم يقدم تقرير الاستراتيجية منظومة أهداف تلتزم بها التربية فى كل الدول العربية حتى لا تلغى الخصوصيات الأيديولوجية والثقافية القطرية ، وإنما قدم التقرير بدلاً منه ذلك اثنى عشرة مبدءاً أو مرتكزاً يمثل المنطلقات الرئيسة لأهداف تربوية عربية ، وترك لكل دولة حرية الحركة والاختيار وترتيب الأولويات تبعاً لظروفها وحاجاتها العاجلة والآجلة ، وهذا الاتجاه ـ فضلاً عن واقعيته ـ فهو يتميز بالمرونة التى تعطى حرية الحركة لكل نظام تربوى عربى فى إطار هذه المرتكزات العامة . أما هذه المبادئ الاثنى عشرة فتتمثل فى :

2/5/1/1 : المبدأ الإنسانى .
2/5/1/2 : المبدأ الإيمانى .
2/5/1/3 : المبدأ القومى .
2/5/1/4 : المبدأ التنموى .
2/5/1/5 : المبدأ الديمقراطى .
2/5/1/6 : المبدأ العلمى .
2/5/1/7 : مبدأ التربية للعمل .
2/5/1/8 : مبدأ التربية للحياة .
2/5/1/9 : مبدأ التربية للقوة والبناء .
2/5/1/10 : مبدأ التربية المتكاملة المستمرة .
2/5/1/11 : مبدأ الأصالة والتجديد .
2/5/1/12 : مبدأ التربية للإنسانية .

هذه المبادئ السابقة لم تفقد صلاحيتها رغم مرور أكثر من عقدين على صدورها ونشرها ، فهى حصاد جهود أكثر من أربع سنوات لنخبة متنوعة من رجال الفكر التربوى والمتخصصين فى العلوم الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية على مستوى العالم العربى .

فقد أعلنت هذه المبادئ بتفضيلات مضمون كل مبدأ حتى يهتدى بها واضعوا السياسة التربوية العربية ، وتحدد فى منطوق كل مبدأ ماذا يعنى على صعيد العمل التربوى .

ومع تسليمنا بسلامة هذه المبادئ وصلاحيتها كموجّهات لفلسفة التربية العربية ، فيمكن أن نقترح بعض المبادئ التى فرضتها متغيرات العولمة وتحدياتها رغم إمكانيـة استيعابها فى مضامين بعض المبادئ السابقة ، ولكن إفرادها مستقلة وإضافتها يعطيها ـ فى اعتقادنا ـ ما تستحقه من ضوء ، وما يجب أن تعكسه فى التربية العربية ، وأهم هذه المبادئ المقترحة :

• المبدأ التكنولوجى : والذى يُعنى بترجمة تطلعات المجتمع العربى لعصر الثورة التكنولوجية ، وإشاعة الثقافة التكنولوجية لدى جمهور المتعلمين ، ومحو الأمية التكنولوجية ، وتحقيق الوعى التكنولوجى لدى المواطن العربى فى مختلف الأعمار .
• مبدأ التربية للمستقبل : والذى يعنى بإكساب المتعلمين النظرة المستقبلية فى مختلف شئون الحياة ، والسعى لاستشراف المستقبل وتشوّفه ، واعتماد التخطيط المستقبلى فى مختلف شئون التربية ، وكذا تخفيف حدّة الانجذاب إلى الماضى والانكفاء عليه فى العقل والوجدان العربيين .
• المبدأ البيئى : فقد بلغت مشكلات البيئة البشرية من الحدّة لوضع لا يمكن تجاوزه تربوياً خاصة وأن تلاميذ اليوم هم الرابحون أو الخاسرون الفعليين من الوضع البيئى فى المستقبل . ولذا ، فإن هذا المبدأ يعنى بتكوين الوعى البيئى بمختلف مظاهره واعتماد التربية البيئية آلية تربوية فى إطار التنمية المستدامة .

2/5/2 : أهداف واستراتيجيات تعليم الأمة العربية فـى القـرن الحادى والعشرين ( منتدى العالم العربى 1991 ) :

صدرت دراسة « تعليم الأمة العربية فى القرن الحادى والعشرين ... الكارثة والأمل » عن منتدى العالم العربى ، واستهدفت هذه الدراسة إعادة صياغة أهداف التعليم وسياساته ومضمونه ووسائله بصورة فعالة وإيجابية تساعد على إعداد الأجيال الجديدة لمواجهة المستقبل .

وقد احتوت هذه الدراسة العامة ـ التى تمثل جهداً فكرياً وأكاديمياً لنخبة من المفكرين من خلال منظمة غير حكومية ـ على عدة أقسام وهى :

- مقدمة عن خصائص العصر .
- مظاهر عجز النظام التعليمى .
- 3 سيناريوهات للمستقبل .
- أهداف واستراتيجيات التعلم للمستقبل .
ولأهمية القسم الأخير منها وعلاقته لموضوعنا ، فيمكن اعتماده ضمن المرجعية النظرية والفلسفية للتحديد فى فلسفة التربية العربية ، خاصة وأنه قد صدر فى ظل إرهاصات العولمة ومقدماتها .
وقد حددت الدراسة أهداف التعليم العربى للمستقبل فيما يلى :

2/5/2/1 : النمو المتكامل لشخصية المواطن ( جسمياً وعقلياً ووجدانياً ) .
2/5/2/2 : غرس الإيمان بالله والقيم الإنسانية .
2/5/2/3 : غرس الاعتزاز بالعروبة والوحدة .
2/5/2/4 : التدريب على المواطنة والمشاركة المجتمعية السياسية .
2/5/2/5 : غرس قيم وممارسات العمل والإنتاج والإتقان .
2/5/2/6 : إعداد الإنسان العربى للتكيف مع المستقبل .
2/5/2/7 : القدرة على صنع المستقبل .
2/5/2/8 : التنمية والتكنولوجيا .
2/5/2/9 : التفكير المنهجى النقدى .

والمستقرئ لهذه الأهداف التسعة بمضامينها التفصيلية فى الدراسة يجد أنها تلامس بدرجة كبيرة معظم المبادئ الاثنى عشرة لاستراتيجية تطوير التربية العربية حيث تستوعب مبادئها ربما بصياغات مختلفة فى بعض الأهداف ، ولكن فى تشابه واتساق من حيث المضمون ، فهذه الأهداف قد عبرت عن جلّ المبادئ ، فضلاً عن أنها أضافت إليها ثلاثة مبادئ أو أهداف تعبّر عن تفاعل الدراسة الأخيرة مع متغيرات عصر العولمة ، وهذه الأهداف هى :

- الإعداد للمستقبل .
- القدرة على صنع المستقبل .
- التنمية والتكنولوجيا .
- التفكير المنهجى النقدى .

هذه الأهداف التى جاءت بها الدراسة الأخيرة متكاملة إذاً مع مبادئ الاستراتيجية ومضيفة إليها متناقضة معها ، أو متجاوزة لها .
2/5/3 : تقرير « التعليم ذلك الكنز المكنون » ( منظمة اليونسكو 1995 ) :

ونعنى به ذلك التقرير الذى أعدته اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادى والعشرين ، والمقدم إلى هيئة اليونسكو بالعنوان السابق ، وأكثر ما يتصل بموضوعنا من هذا التقرير ، هو ما انتهت إليه اللجنة ، وما تم اعتماده من قبل المؤتمر العام لليونسكو فى عام 1995 كأساس يمكنه أن تهتدى به الدول فى القيام بالإصلاحات والتجديدات التربوية والتعليمية حتى تتهيأ للتعامل مع مطالب وتحديات القرن الحادى والعشرين .

وقد اقترح التقرير أن تهتدى فلسفة وأهداف التعليم والتعلم فى القرن الحادى والعشرين بأربعة مبادئ أو ركائز هى :

2/5/3/1 : التعلم للمعرفة Learn to Know
2/5/3/2 : التعلم للعمل Learn to work
2/5/3/3 : التعلم للعيش مع الآخرين Learn to live
2/5/3/4 : التعلم لتكون Learn to be

ويرى معدوا التقرير أن هذه المبادئ أو الدعائم الأربع للتربية فى القرن الحادى والعشرين لا يمكن أن تستأثر بها مرحلة من مراحل الحياة أو التعليم ، بل تتم عبر مفهوم يجمعها ، وهو مفهوم « التعليم مدى الحياة أو التعليم المستمر » الذى يتم من خلال تحول المجتمع كله إلى مجتمع دائم التعلم .

2/5/4 : غايات التربية العربية فى رؤية عبد الدائم ( مركز دراسات الوحدة العربية 1991 ) :

فى دراسته الرائدة قدم عبد الله عبد الدائم رؤيته عن فلسفة التربية العربية للمستقبل فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى ، وقد نشرت هذه الرؤية فى كتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان : « نحو فلسفة تربوية عربية : الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربى » . وعبر أكثر من ثلاثمائة صفحة قدم فيها المؤلف تحليلاً مستفيضاً لواقع المجتمع العربى وأزماته ، وواقع التربية العربية وأزماتها ، ومختلف التحديات العالمية والإقليمية ... إلخ .
ختم المؤلف رؤيته الشاملة بمجموعة من الغايات رأى أنها تستحق الأولوية والتقديم ، هذه الغايات نضمها إلى الغايات السابقة ـ المعطى المؤسس العربى ، والمعطى الجماعى غير الحكومى العربى ـ والمعطى المؤسس الدولى ـ حيث تمثل الرؤية الأخيرة نموذجاً للجهد الأكاديمى الفردى فى مجال فلسفة التربية العربية ، أما الغايات التى يرشحها عبد الدائم ويرى أنها تستحق الأولوية والتقديم والتى قدم وصفاً تفصيلياً لها فى دراسته ، فتتمثل فى :

2/5/4/1 : تكوين روح الخلق والإبداع .
2/5/4/2 : تكوين القدرة على التغير والتغيير والتحرر من سلطان الماضى .
2/5/4/3 : تكوين الفكر الناقد .
2/5/4/4 : تكوين روح التسامح والتلف ونبذ العصبية والتعصب .
2/5/4/5 : تكوين روح السيطرة على المستقبل .
2/5/4/6 : تكوين روح الانتظام والتنظيم .
2/5/4/7 : تكوين الروح العلمية .
2/5/4/8 : تكوين روح الحماسة والعمل وروح التحدى وإدارة التحدى .
2/5/4/9 : تكوين روح التعاون والتضامن والعمل الجماعى المشترك .
2/5/4/10 : العناية بذوى المواهب وتكوين النخبة .
2/5/4/11 : تكوين الروح الديمقراطية .
2/5/4/12 : تعزيز الإيمان القومى .

2/6 : الدراسات المستقبلية :

فلم يعد الآن مقبولاً الحديث عن شكل واحد أو تنبؤ قطعى للمستقبل ، بل تنامى الاتجاه لدراسة الصور والأشكال المختلفة التى يمكن أن يكون عليها المستقبل ، ولم يعد مقبولاً أن المستقبل هو مجرد امتداد تلقائى أو منطقى للحاضر يمكن التعرف عليه بأساليب الإسقاط أو أن هناك حتمية تاريخية تحدد المستقبل .

ويمكن الاستعانة فى تشوف المستقبل العربى ببعض النماذج المعروفة للدراسات المستقبلية والتى كشفت عن مستويات مقبولة من المصداقية ، ومن أشهر النماذج للدراسات المستقبلية ، اثنان :

2/6/1 : الاستشراف الاستكشافى : الذى يبدأ بالوضع الحاضر آخذاً فى الحسبان المعطيات التاريخية ، ويسعى إلى صياغة البدائل المستقبلية المحتملة .
2/6/2 : الاستشراف المعيارى : الذى يستقرأ الآثار المستقبلية للمتغيرات المرغوبة التى يمكن إحداثها فى مختلف مراحل النماذج المختلفة للواقع المدروس .

وتقترح رؤيتنا الأخذ بالنموذجين فى استشراف المستقبل العربى عموماً ، ومستقبل التربية العربية ، حيث أنهما يكملان بعضهما البعض فى هذا الاتجاه .

3 ـ صورة المجتمع العربى المنشود :

وهى الصورة المتحصلة من جماع استشراف المجتمع العربى فى مختلف جوانب الحياة فيه مما تخطط له المؤسسات البحثية والهيئات العلمية العربية بشكل جماعى شامل ومتكامل . ولدى العالم العربى من المنظمات والهيئات والكوادر العلمية والتخطيطية ما يسمح برسم هذه الصورة على هدى من الفلسفة الاجتماعيـة الشاملة ، وتوفر الإرادة السياسية القومية الدافعة .

4 ـ خصائص الإنسان العربى المنشود :

تستخلص دراستنا مجموعة من الخصائص والقدرات المستهدفة من مجمل الدراسات والرؤى العربية التى عنيت بالمستقبل وبما يستهدف من التربية العربية تحقيقه على مستوى الإنسان العربى ، حيث تجمع هذه الدراسات والرؤى الحديثة على مجموعة من الخصائص التى ينبغى توافرها فى الإنسان العربى المنشود وهى :

4/1 : أن يكون قادراً على المحافظة على الهوية الوطنية والقومية والدينية والثقافية محصّناً من تأثيرات العولمة وسلبياتها .
4/2 : أن يكون متفرداً بخصوصياته ورؤاه ونظرية الوجود بعيداً عن الروح النمطية والقوالب الأيديولوجية السائدة .
4/3 : أن يكون قادراً على بناء المعرفة وتوظيفها ومعالجة المعلومات والبيانات ، ومن ثم تنظيمها والوصول إليها فى الوقت المناسب وعند الحاجة .
4/4 : أن يمتلك مهارات التواصل الثقافى والحضارى فى عالم متغير .
4/5 : أن يمتلك مهارات التفكيـر الناقد والاستدلال والنقد والبناء والحوار مع الآخر .
4/6 : أن يكون قادراً على التخطيط للمستقبل والنجاح فيه .
4/7 : أن يمتلك مهارات التكيف والمرونة فى العمل ومجالات الحياة المتعددة .
4/8 : أن يكون قادراً على تمثل معطيات التكنولوجيا الحديثة ومواكبة تطورها ، ومن ثم العمل على إبداعها وإعادة إنتاجها .
4/9 : أن يمتلك روح الإبداع والابتكار والتجديد .
4/10 : أن يمتلك أدوات المعرفة ليصبح قادراً على التعلم الذاتى ومتابعة التعلم .
4/11 : أن يكون قادراً على ضبط ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى )   التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى ) Emptyالأربعاء يناير 04, 2012 3:36 am


4/11 : أن يكون قادراً على ضبط الذات وتحمل المسئولية .
4/12 : أن يكون قادراً على العمل مع الفريق فى إطار روح التعاون والمشاركة والمبادرة والإبداع ، وامتلاك أخلاقيات العمل .
4/13 : أن يكون قادراً على التعامل مع التقنيات المعلوماتية الحديثة واستخدامها فى مختلف شئون حياته .
4/14 : أن يكون متشبعاً بقيم الديمقراطية وقيم التسامح ويمارسهما فى حياته .
4/15 : أن يكون متمكناً من لغته القومية ومتقناً لمهاراتها .
4/16 : أن يكون قادراً على استخدام أكثر من لغة حية .
4/17 : أن يكون مدركاً لأهمية الزمن واستثماره بالشكل الأمثل .
4/18 : أن يكون لديه إيمان دينى راسخ قائم على الاعتدال ف الفكر والسلوك .
4/19 : أن يكون لديه استعداد نفسى وعقلى لقبول التغيير والتكيف معه والإسهام فى إحداثه .
4/20 : أن يمتلك فلسفة شمولية متكاملة حول ماهية الوجود وغايته وطبيعة الأشياء من حوله .

وأخيراً ، يمكن تجميع هذه الخصائص التفضيلية العشرين فى أربعة محاور رئيسة تتجمع حولها خصائص الإنسان العربى المستهدف من التربية الجديدة وهى : « المؤمن » و « المفكر » و « المنتج » و « المنفتح » .


5 ـ فلسفة التربية العربية المُبتغاة :

5/1 : يُعاد صياغة فلسفة التربية العربية الجديدة فى ضوء المعطيات السابقة لفلسفة التربية برؤية جديدة لمتطلبات العصر ، على أن تكون الصياغة الجديدة محتكمة إلى مصادر خمسة أساسية حاكمة ، وهى :
( العقيدة الإسلامية ـ العروبة ـ مطالب التنمية ـ تحديات عصر العولمة والمعلوماتية ـ حاجات الإنسان العربى ومطالب إنمائه ) .
5/2 : تتم عملية إعادة الصياغة من خلال جهد علمى جماعى عربى تضطلع بدور رئيسى فيه المنظمات والهيئات العربية التربوية ( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ـ مكتب التربية العربى لدول الخليج ) والمؤسسات العلمية والثقافية العربية الحكومية وغير الحكومية ( منتدى العالم العربى ـ مؤسسة الفكر العربى ـ المنظمات التربوية القطرية ) علاوة على الجهود العلمية الفردية المتميزة لبعض الأكاديميين والتربويين العرب ولاسيما من أصحاب الاجتهاد فى هذا الشأن .
5/3 : تطرح الصيغة الجديدة لفلسفة التربية العربية ـ قبل إقرارها ـ لنقاش واسع ومتخصص على الجماعات الثقافية والعلمية والإعلامية والدينية والتشريعية المختلفة قبل إقرارها بشكلها النهائى .

6 ـ النظام التربوى الملائم لتحقيق الفلسفة المبتغاة :

6/1 : حيث تعاد هيكلة وتنظيم المنظومة التربوية برمتها فى ضوء هذه الفلسفة من خلال المتخصصين والفنيين ، حيث تمثل هذه المرحلة الجانب الإجرائى والعملى لترجمة الفلسفة إلى واقع تربوى معاش أولاً قبل أن تترجم إل عمليات تربوية .
6/2 : تعطى مساحة حرية كافية لكل دولة عربية فى إعادة هيكلة نظامها التعليمى على ضوء الفلسفة الجديدة ، علاوة على الاعتبارات الخاصة بظروف كل دولة من حيث :

- الموارد البشرية .
- الإمكانيات الاقتصادية والمادية .
- الأوضاع السياسية .
- الحالة الاجتماعية والثقافية .
- المشكلات التربوية .

6/3 : يراعى فى إعادة الهيكلة ، الانفتاح على التجربة العالمية فى التعليم ، والإفادة من كل المعطيات الإيجابية للعولمة بتجلياتها التكنولوجية والمعلوماتية .
المراجع











المراجع

أولاً ـ المراجع العربية :

1) إبراهيم ، سعد الدين ( 1991 ) : تعليم الأمة العربية فى القرن الحادى والعشرين ، منتدى الفكر العربى .
2) إسماعيل الغريب زاهر ( 2001 ) : تكنولوجيا المعلومات وتحديث التعليم ، عالم الكتب ، القاهرة .
3) بدران ، عدنان ( 2000 ) : « رأس المال البشرى والإدارة بالجودة : استراتيجيات لعصر العولمة » فى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، التعليم والعالم العربى ـ تحديات الألفية الثالثة ، أبو ظبى .
4) بلقزيز ، عبد الإله ( 4/12/2003 ) : تلك الحداثة التى طرقت أبوابنا ، الحياة .
5) بهاء الدين ، حسيـن كامل ( 1998 ) : الوطنية فى عام بلا هوية ، دار المعارف ، القاهرة .
6) بهاء الدين ، حسين كامل ( 1999 ) : التعليم والمستقبل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة .
7) الحر ، عبد العزيز ( 2001 ) : مدرسة المستقبل ، مكتب التربية العربى لدول الخليج ، الرياض .
8) حسين ، إيمان ( 2000 ) : العولمة ومؤسسات المجتمع المدنى فى مصر ، مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة ، سلسلة بحوث سياسية ، العدد 132 .
9) حمزاوى ، عمرو ( 24/10/2003 ) : العولمة الثقافية وحوار الحضارات والاختلاف كقيمة (1) ، الأهرام .
10) حمزاوى ، عمرو ( 31/10/2003 ) : « العولمة الثقافية وحوار الحضارات والخلاف كقيمة » ، (2) الأهرام .
11) خشبة ، سامى ( 24/10/2003 ) : « مفهوم الحداثة ، والتحديث : التعريف والنقد » ، الأهرام .
12) خشبة ، سامى ( 31 أكتوبر 2003 ) : « مفهوم التحديث ، من محاكاة الغرب إلى تصويب الحداثة » ، الأهرام .
13) الخميسى ، السيد سلامة ( 1988 ) : التربية وتحديث الإنسان العربى ، عالم الكتب ، القاهرة .
14) الخميسى ، السيد سلامة ( 2001 ) : « التربية العربية وقضايا المجتمع العربى » ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، الإسكندرية .
15) ريل ، مارجريت ( 2000 ) : « التعليم فى القرن الحادى والعشرين ... التعليم فى الوقت المناسب أم جماعات التعلم » فى : مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، التعليـم والعالم العربى ، مرجع سابق .
16) سبرينج ، جيف ( 2000 ) : مدارس المستقبل : تحقيق التوازن فى : مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، مرجع سابق .
17) الشبينى ، محمد ( 2000 ) : أصول التربية ، دار الفكر العربى ، القاهرة .
18) عبد الدائم ، عبد الله ( 1991 ) : نحو فلسفة تربوية عربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت .
19) عبد الغنى ، مصطفى ( 2000 ) : المثقف العربى والعولمة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة .
20) على ، سعيد إسماعيل ( 1995 ) : فلسفات تربوية معاصرة ، عالم المعرفة ، العدد 198 ، الكويت .
21) على ، سعيد إسماعيل ( 2000 ) : الأصول الفلسفية للتربيـة ، دار الفكر العربى ، القاهرة .
22) على ، نبيل ( 2001 ) : الثقافة العربية وعصر المعلومات ، عالم المعرفة ، العدد 76 ، الكويت .
23) عمار ، حامد ( 1998 ) : نحو تجديد تربوى ثقافـى ، مكتبة الدار العربية للكتاب ، القاهرة .

24) عمار ، حامد ( 2001 ) : « مسئولية الجامعة مع ثقافة السوق » ، فى : مخرجات التعليم الجامعى فى ضوء معطيات العصر ، المؤتمر القومى الثامن لمركز تطوير التعليـم الجامع ـ جامعة عين شمس ، القاهرة .
25) فور ، غدجار ( 1976 ) : تعلم لتكون ، ترجمة حنفى بن عيسى ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر .
26) قمبر ، محمود ( 2001 ) : أهداف التربية العربية ـ دراسة نقدية تحليلية مقارنة ، دار الثقافة ، الدوحة .
27) قمبر ، محمود ( 2001 ) : بانوراما الأصول العامة للتربية ، دار الثقافة ، الدوحة .
28) مدكور ، على أحمد ( 2000 ) : التعليم العالى فى الوطن العربى ، الطريق إلى المستقبل ، دار الفكر العربى ، القاهرة .
29) مكتب التربية العربى لدول الخليج ( 2000 ) : وثيقة استشراف العمل التربوى فى الدول الأعضاء بمكتب العربـى لدول الخليج ، مطبعة مكتب التربية العربى لدول الخليج ، الرياض .
30) نبيه ، محمد صالح أحمد ( 2002 ) : المستقبليات والتعليم ، دار الكتاب المصرى ، القاهرة ، دار الكتاب اللبنانى ، بيروت .
31) نوفل ، محمد نبيل ( 1985 ) : دراسات فى الفكر التربوى ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة .
32) وطفة ، على أسعد ( ) : « التربية العربية بين حداثتين : بحث فى إشكالية الحداثة التربوية » ، مجلة عالم الفكر ، الكويت .
33) يسين السيد ( 1999 ) : العولمة والطريق الثالث ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة .
34) اليونسكو ( 1999 ) : « التعليم ذلك الكنز المدفون » ، مركز مطبوعات اليونسكو ، القاهرة .


ثانياً ـ المراجع الأجنبية /

35) Collinge, James (1992); “Controversial Issues: The case of Peace Education” in: Roger ope shaw (ed.) ew Zealand social studies, past, preset, and future. Auckland, punmore press.
36) Inter – Agency commission (1990), World Declaration on Education for all. New York.
37) Robenson, I. William (1996), Globalization; None Theseson our Epoch, Race & Class, Oct / Dec.
38) Sidy, Richard (1993-94); “All Education Must Produce Peace”. The International Journal of Humanities and Peace 10.
39) Tibbits, Felisa (1994); “Education in the Making; Moral Education in post – commuist societies” comparative International Education Society. Ewsletter, May.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التجديد فى فلسفة التربية العربية لمواجهة تحديات العولمة ( رؤية نقدية من منظور مستقبلى )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دور الأسرة في تنمية قيم المواطنة لدى الشباب في ظل تحديات العولمة ، رؤية اجتماعية تحليلية
»  دور الأسرة في تنمية قيم المواطنة لدى الشباب في ظل تحديات العولمة ..رؤية اجتماعية تحليلية
»  المدو نّات العربية : من منظور الجندر
» سامية خضر صالح - الشخصية المصرية -- استراتيجية مواجهة العنف _ رؤية نقدية ودراسة تطبيقية
» لمحات عن العولمة من منظور إسلامي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: منتدي نشر الابحاث والدراسات-
انتقل الى: