هناك إجماع بين الباحثين فى المهن والعلوم الاجتماعية على أن الإنسانية تنتقل فى الوقت الراهن إلى طور حضارى جديد، فالعالم فى مرحلة تغير من العصر الصناعى إلى العصر المعلوماتى، حيث تقع المعلوماتية بتقنياتها كمحور ارتكاز فى هذا التغير ، فهناك ارتباط بين المعلومات وتقنياتها من جهة والبناء الاجتماعى، ويمكن القول أن طبيعة العلاقة بين المعلومات وتقنيتها والبناء الاجتماعى كالعلاقة بين شفرة الجينات والأشكال البيولوجية، فكما أن المعلومات الجينية تحدد هياكل العمليات البيولوجية ، كذلك فالمعلومات وتقنياتها تحدد هياكل البناء الاجتماعى والعمليات الاجتماعية بالمجتمع.
ولا شك أنه فى هذا العصر يزداد العالم تعقيداً ، وأحد مظاهر التعقيد هو التضخم الرهيب فى المعلومات وسهولة الحصول عليها، واهتمام الباحثين اليوم والعاملين فى حقل المعلوماتية ليس فقط بنقل المعلومات فالمعلومات ليس لها مخزى بدون سياق يضعها فى صيغة معرفة ، ومن هنا جاء الاهتمام بالمنظومة المعلوماتية والتى تضفى على المعلومات خاصية المشاركة من حيث كونها قابلة للتبادل بهدف بناء وتحقيق الخبرات المشتركة وهذا ما يعبر عنه البعض بالتماس المعلوماتى، والتماس هو جسر اتصال بين مصدرين للمعلومات، وعندما يكون طرفى الاتصال هو الحاسوب والإنسان فنقطة التماس المعلوماتى تتحقق بتغير المعلومة وخروجها من الطور الحاسوبى إلى السياق الذهنى للإنسان ومن هنا تتكون المعرفة.
والمعرفة قديماً كان ينظر لها على أنها معرفة مجردة، أما فى عصر المعلوماتية فالمعرفة هى بناء اجتماعى وهى نتاج تفاوض اجتماعى مستمر فى إطار بيئة اجتماعية، وعملية نقل المعرفة ترتبط بعملية نقل المعلومات ويعبر عنها بالاتصال المعلوماتى بالمعنى العام، فهو قد يعنى حصول الفرد أو الجماعة على المعلومات أو حصول المؤسسات المختصة على المعلومات بالقدر المناسب وفى الوقت المناسب بما يحقق الأهداف المراد الوصول إليها. لذلك فهناك نوعان من انتقال المعرفة الإيجابى والسلبى، فعندما تكون المعرفة المخزنة جيدة بحيث يمكن تطبيقها واستخدامها فى الوقت الحاضر تكون معرفة إيجابية، أما المعرفة السلبية فهى التىلا تعبر عن احتياجات الحاضر ويشبهها البعض بالخارطة المعلوماتية القديمة لا نحقق من خلالها نتائج إيجابية حتى لو قرأناها بطريقة صحيحة لأنها لا تمثل الواقع الحالى.
ولقد ارتبط العصر المعلوماتى بالأسلوب المعلوماتى فى نقل المعرفة وهو الأسلوب الذى يجعل من المعلومات والمعرفة عنصر مؤثر فى البناء الاجتماعى للمجتمع والعمليات الاجتماعية نظراً لحداثة تلك المعلومات لسرعة انتقالها ، وإمكانية تناولها دلالياً بالقدر الذى يتناسب مع التطور فى أسلوب تناولها كمياً من خلال تكنولوجيا الحاسبات المعاصرة، وذلك فى إطار تنمية القدرات المهنية للإنسان ورفع مستواها إلى مستوى متطلبات الحقبة التكنولوجية الراهنة.
ومن هنا فلم يعد بمقدور أى مهنة أن تكون بعيدة عن المعلوماتية وأداتها "الكومبيوتر" ولم يعد فى الإمكان تجاهل هذه الثورة التكنولوجية الحديثة وتأثيرها فى مختلف ميادين الحياة وخاصة الصناعية والإدارية والتعليمية والاجتماعية والسياسية.....، ومهنة الخدمة الاجتماعية تعمل فى إطار التساند الوظيفى بينها وبين المهن الأخرى العاملة فى المجتمع، وهى شأنها شأن المهن الأخرى تحتاج إلى أنساق التدعيم المجتمعية والتجديد المستمر فى أدواتها بما يمكنها من تحقيق أهدافها. ولا شك أن التقنيات المعلوماتية أصبحت اليوم من أهم أنساق التدعيم للمهن المختلفة حيث يتوافر من خلالها المعارف العلمية للممارس المهنى بما يمكنه من النجاح فى ممارسته المهنية وفق المتغيرات المعاصرة المؤثرة فى دينامية المهن العاملة فى المجتمع.
لذا فأى بحث عن موضوع المعلوماتية هو بحث فى طبيعة أهم العناصر التى تميز عصرنا الحالى، حيث أصبحت الوسائط المعلوماتية تلعب دوراً أساسياً فى حياتنا البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.... فى الحاضر والمستقبل.
هذا وفى بداية تفكير الباحث لمعالجة موضوع المعلوماتية والخدمة الاجتماعية حاول تطبيق التماس المعلوماتى حول هذا الموضوع من خلال استخدام الكومبيوتر للوصول لشبكة المعلومات العالمية " الإنترنت" ، والإطلاع على العديد من الأدبيات التى استطاع فى حدود إمكانياته البحثية من الوصول إليها والمرتبطة بالمعلومات وتكنولوجيا الاتصال وتاريخ المعلوماتية كعلم وراثى، ولد ونشأ من استعارة أعمال الرياضيين والميكانيكيين، والفيزيائيين والاختصاصيين بالإلكترونيك.....، وفى إطار ذلك وجد الباحث أن المعلوماتية تدرس فى مجالات كثيرة: هندسة الاتصالات، علم الحاسوب، الفلسفة، نظم المعلومات، الذكاء الاصطناعى، المهن الإنسانية والاجتماعية، علم النفس، الاقتصاد، السياسة، البيولوجيا، الفيزياء، الإحصاء...، ولا شك أن تلك المجالات متباعدة الأطراف والنظر إليها من زاوية موضوع المعلومات والمعلوماتية ينطوى على صعوبة ، وحيث أنه من المعتاد أن الدراسات العلمية والبحوث تتم من خلال صورتين:
- الدراسات التفصيلية.. حيث يكون اهتمام الدراسة بمجال محدد ودراسة الحقائق المرتبطة بهذا المجال دون تناول الحقائق ذات الاهتمام العام المرتبطة بهذا المجال.
- الدراسات المتعلقة بمواضيع ذات اهتمام عام.. حيث يكون اهتمام الدراسة بالحقائق العامة دون إرجاعها إلى حقائق مفصلة " وهذا النوع من الدراسات يتصف بالعمومية".
ولقد اجتهد الباحث فى إطار تناول موضوع البحث الحالى التوفيق فيما بين الصورتين وذلك نظراً لتشعب وتعدد الحقائق المرتبطة بموضوع البحث ، لذلك حاول الباحث تناول المعلوماتية من خلال إيضاح عدد من المفاهيم مرتبطة بها: مفهوم المعلومات، مفهوم تكنولوجيا المعلومات، مفهوم تكنولوجيا الاتصال، محدداً مفهوماً إجرائياً للمعلوماتية يتفق مع تخصص الباحث، وفى إطار التناول العام أشار الباحث لمجموعة من النقاط توضح أهمية المعلوماتية كركيزة لوضع رؤية استراتيجية للمجتمع وذلك من خلال مجموعة من المحاور تدخل فى إطار اهتمامات وإسهامات مهنة الخدمة الاجتماعية فى عصر المعلوماتية وهى: بناء أسس وركائز المجتمع المعلوماتى، توظيف المعلوماتية فى تحقيق التنمية، السياسة المعلوماتية والرعاية الاجتماعية. محاولاً إيضاح الدور الذى يمكن أن تقوم به مهنة الخدمة الاجتماعية فى إطار هذه المحاور.
وفى إطار التناول التفصيلى استعرض الباحث مجموعة من النقاط تحددت فى: المعلوماتية وتكنولوجية الخدمة الاجتماعية، التقنيات المعلوماتية وإدارة المنظمات الاجتماعية، المعلوماتية وتقدير الحاجات للخدمات الاجتماعية، المعلوماتية وتعليم الخدمة الاجتماعية، المعلوماتية والممارسة المهنية فى الخدمة الاجتماعية، المعلوماتية ومنهجية البحوث العلمية مستعرضاً كيفية الاستفادة من الثورة المعلوماتية فى كل خطوة من خطوات البحث العلمى فى الخدمة الاجتماعية.
وفى نهاية البحث حاول الباحث استخلاص مجموعة من القضايا و التساؤلات المرتبطة بالمعلوماتية والخدمة الاجتماعية فى المجتمع المصرى بصفة رئيسية لعلها تكون خلفية للبحوث فى هذا المجال.