قال علماء إن العوالم الافتراضية الموجودة على الإنترنت يمكن أن تكون أداة مفيدة لمساعدة الأطفال في التمرن على ما يتعلمونه في الحياة الفعلية وإن هذه العوالم أفضل وأقوى بكثير من تأثير بدائل ترفيهية أخرى مثل التلفزيون.
كما أن العوالم الافتراضية يمكن أن تكون مواقع قيّمة للأطفال لفتح المجال أمامهم للتدرب على ما يتلقونه ويتعلمونه في الحياة الحقيقية. وإن الأطفال يتعلمون من نشاطهم التفاعلي مع أطفال آخرين أو ألعاب أو برامج تسلية أو برامج مغامرات أخرى، مجموعة من مهارات التواصل الاجتماعي المفيدة. إضافة إلى ذلك فالعوالم الافتراضية، أو عوالم الإنترنت، تفتح المجال واسعا أمام الأطفال في تعلم الكثير من جوانب الحياة الفردية والاجتماعية من دون الخشية من التعرض إلى عواقب أو الخوف من الوقوع في الخطأ أو العقاب، كما هو الحال في العالم الواقعي.
ألعاب الواقع الافتراضي تخفف آلام الأطفال وتحول انتباههم
وخلصت دراسة أجريت مؤخراً إلى أن تقديم ألعاب الواقع الافتراضي مع المسكنات للأطفال المرضى يساهم أكثر في تخفيف آلامهم. كما أن الانغماس في عالم افتراضي من الوحوش والكائنات الفضائية ساعد على تخفيف آلام الأطفال الذين يعانون من حروق شديدة.
وذكرت دورية «طب الأطفال» الصادرة عن مركز الطب الحيوي BMC أنه عندما لعب هؤلاء الأطفال هذه اللعبة عقب تناولهم مسكنات للألم مباشرة انخفض معدل الألم لديهم بشكل ملحوظ. واستخدم مستشفى «آديل إيد» للنساء والأطفال لعبة معها جهاز خاص يثبت على الرأس يضم شاشتي كمبيوتر صغيرتين وجهاز استشعار خاصاً يسمح للطفل بالتفاعل والانغماس في عالم «افتراضي» حيث يمكنه اصطياد الوحوش. وبعد أن تناول جميع الأطفال أدويتهم المعتادة المسكنة للألم طلب منهم تقييم مدى شعورهم بالألم باستخدام معيار من وجوه شخصيات الكارتون تتراوح بين الابتسام والعبوس. وعند مقارنة مستوى الألم عند الأطفال عند تغيير ملابسهم تحت تأثير مسكنات الألم فقط وجد أن مستوى الألم قل كثيراً عندما سمح لهم بمزاولة ألعاب الكمبيوتر، وكان متوسط معدل الألم عند استخدام المسكنات فقط 4.1 من 10 مقارنة مع 1.3 من 10 عند استخدام المسكنات وألعاب الكمبيوتر.
كما أكد الباحثون أنه عندما ينقل الأطفال أنفسهم إلى «عالم آخر» فإنهم يبدون اهتماما أقل بمحفزات الألم وقالوا: «يمكن تطبيق هذه الفكرة على نطاق واسع، شريطة توفير عدد من الألعاب المختلفة لتناسب المجموعات العمرية المختلفة». وقالت ليز ماك آرثر الممرضة المتخصصة في السيطرة على الألم بمستشفى «آلدر هيي» في ليفربول: «إن اللعب وتشتيت الانتباه يتعارضان مع نقل الألم. كما أن الذكريات والقلق التي يشعر بها الأطفال في المواقف المؤلمة يسبب للأطفال معاناة كثيرة لذلك يساعدهم تشتيت الانتباه في ذلك أيضاً ولا يتعين أن يكون ذلك مكلفا».
وقالت الدكتورة آن جولدمان، استشارية الرعاية وتخفيف أعراض الأمراض بمستشفى «جريت أورموند» في لندن: «الأمر يتوقف بالفعل على عمر الطفل ويوجد لدينا العديد من الأطفال الصغار الذين نستخدم معهم أشياء أخرى، مثل نفخ البالونات أثناء حقنهم بالإبر الطبية لأن ذلك يساعد على تركيز أذهانهم وعندما تنفجر فإنها تجعل أجسادهم تسترخي».
أداة لاكتساب الأطفال المهارات
إن الأطفال والأولاد الذين هم أعضاء نشيطون في العوالم الافتراضية، شرعوا يتعلمون أصول الحياة الاجتماعية وكيفية التمكن من اكتساب المهارات التقنية، وأن يكونوا من المستهلكين الصغار الجيدين. وجاء هذا ضمن خلاصة توصلت إليها مجموعة من الأكاديميين والباحثين الذين اجتمعوا في جامعة ساوثرن كاليفورنيا لمناقشة تأثيرات العوالم الافتراضية على الأطفال اليوم. وبالطبع، فإن العوالم الافتراضية ما زالت جديدة جداً بحيث إن الباحثين لم يجدوا الوقت الكافي لدراسة تأثيراتها على الأطفال. لكن «مؤسسة ماكارثر» التي رعت هذه الندوة استثمرت الملايين من الدولارات في الأبحاث على مدى السنوات القليلة المقبلة، لطرح مثل هذا السؤال.
وذكر دوج ثوماس الأستاذ المساعد في كلية انينبيرغ للاتصالات أن الكثير مما يحدث في البيئات الافتراضية هو نوع من التعليم غير الرسمي، ففي العديد من الحالات يحصل الأطفال على تعليم مبكر في التقنيات، وتعلم كيفية أن يكونوا مواطنين، وبالتالي التقاط المهارات التي قد يحتاجونها في الأعمال المستقبلية.
وأضاف توماس إن الجانب السلبي يتمثل في الطبيعة التجارية الموروثة للعوالم الافتراضية التي تشجع الأطفال على ممارسة الألعاب وتزويد الشخصيات على الشبكة بالملابس والأزياء، وشراء السلع الافتراضية لتزيين رموزهم ومنازلهم في العالم الافتراضي.
وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا أقل اهتماما بأمور تتعلق بالمجرمين والعنف على الشبكة، منها بالدمج بين الاستهلاك والاستهلاك التجاري والمواطنة في العوالم الافتراضية، نظرا إلى أنه يجري تعليم الأطفال لكي يكونوا مواطنين صالحين في هذا العالم، عليهم الحصول على المادة الصحيحة.
«قيمة ثقافية وحرية معرفة»
وشرع عدد من المربين في مديح البيئات الافتراضية لإمكاناتها الثقافية وقدرتها على استقطاب الأولاد، ويعمل ثوماس مع الأطفال في عالم افتراضي تربوي يدعى «موديرن بروميثيوس»، ويقول إن البيئة مفيدة جداً في تعليم الأطفال مواضيع يصعب تعليمها في الصفوف مثل الأخلاقيات، وتتيح الألعاب للأطفال ممارسة سيناريوهات تنطوي على قرارات أخلاقية تأتي من زوايا متعددة متيحة لهم رؤية التأثيرات المختلفة لها. وأضاف ثوماس إن الأطفال يتعلمون كيفية البحث عن المعلومات والعثور عليها في العالم الافتراضي وهذا سيكون أهم المهارات، ألا وهو القدرة على التأقلم مع التغيير، وقال: «لن أكون قلقاً أبداً إذا كانوا منهمكين في ألعابهم يمارسونها بحماسة، لكنني سأكون أكثر قلقا إذا لم يكونوا كذلك».
وتقول ياسمين كفائي الأستاذة المساعدة في كلية الخريجين للتربية والدراسات المعلوماتية في جامعة كاليفورنيا والتي تقوم حالياً بالأبحاث في Whyville. net وهو عالم افتراضي يتجه نحو التربية وإن العوالم الافتراضية تجذب الأطفال لكون البالغين لا يشرفون على تصرفاتهم وبالتالي بمقدورهم جلب الكثير من الأصدقاء من مناطق واسعة إلى مكان واحد مشترك وتتيح لهم المشاركة في الحياة الاجتماعية وممارسة الألعاب. وسأل أحدهم من المنتمين إلى موقع PBS Kids. com حول مخاوف ممارسة «التنمر» على الشبكة والذي هو أمر عادي وشائع في مثل هذه البيئات، وكان الجواب هو أنه إذا كان هذا هو الجانب المظلم لمثل هذه البيئات الافتراضية، فإن الأمر لن يكون مختلفا كثيراً عما يحصل في العالم الفعلي، «فالتنمر والعنصرية وجميع العيوب التربوية يجري نسخها في العوالم الافتراضية» وأردف متابعا «إذا قصدت أي صف ابتدائي ودرسته لمدة سنة كاملة بعيوبه وحسناته فإنها تظهر كلها أيضاً في العالم الافتراضي، مثله مثل أي صف آخر، وينبغي علينا أن نكون على اطلاع على ذلك».
السرقة والعنف جزآن من الواقع الافتراضي
يقول كريغ لاستوكا، بروفسور في كلية القانون في جامعة «رتغرز» في نيوجيرسي الأميركية إن بعض النشاطات الافتراضية تنتهك القانون، مثل الاتجار في بطاقات الائتمان المسروقة، موضحاً أن بعضها الآخر مثل السرقة الافتراضية وجرائم الجنس يصعب تحديدها، وإن كان من الممكن أن تتسبب في مشاكل وقلق حقيقي بالنسبة للمستخدمين.
ويذكر أن محاكاة العنف والسرقة باتت جزءا من الواقع الافتراضي، ولاسيما في ألعاب الكمبيوتر، وتتعدى تلك السلوكيات في بعض الأوقات الخطوط الحمراء بحسب رأي العاملين في مجال الألعاب الإلكترونية.
ففي عالم الطائرات الحربية وهو أكثر الألعاب على الإنترنت شعبية، حيث يشارك فيه 8 ملايين شخص من جميع أنحاء العالم، أصبحت بعض مناطق هذا العالم الخيالي منفلتة بحيث يشير بعض المستخدمين إلى أنهم يخشون دخولها وحدهم، فعصابات من الشخصيات الكارتونية تلاحق المسافر الوحيد وتقتله وتسرق ممتلكاته الافتراضية.
وفي اليابان مثلا قبضت السلطات اليابانية على رجل يحمل سلسلة من المسروقات الافتراضية في لعبة إلكترونية أخرى عن طريق استخدام برامج إلكترونية لهزيمة وسرقة الشخصيات في اللعبة ثم يبيع المسروقات الافتراضية بأموال حقيقية وعلى الرغم من أن بعض شخصيات العالم الافتراضي بريئة، إلا أن بعضها الآخر يتعاطى المخدرات وتسيء للآخرين من البشر، ووجدت إحدى المستخدمات لـ«سكند لايف» نفسها جارة غير مرغوب بها لناد للممارسات غير الشرعية تحت السن القانوني، وحاولت السيدة إلغاء النادي عن طريق شراء الأرض الافتراضية.
ويبقى أن السؤال الخاص بما هو عمل إجرامي في الحقيقة الافتراضية معقد للغاية بسبب الخلافات بين الدول حول ما هو قانوني في الواقع، فعلى سبيل المثال الإساءة الافتراضية للأطفال ليست جريمة في الولايات المتحدة ولكنها تدخل في نطاق غير قانوني في عدد من الدول الأوروبية.