[tr][td width="100%"]
الدكتاتورية لفظ تعود جذوره إلى اللاتينية، يقصد به النظام السياسي، الذي بمقتضاه يستولي فرد أو جماعة على السلطة المطلقة دون اشتراط موافقة الشعب. ويرجع تاريخ استعمال هذا اللفظ إلى الإمبراطورية الرومانية التي كانت تعيّن (دكتاتوراً) إبان الأزمات التي تمر بها لمنح سلطات مطلقة له لمدة سبع سنوات، ويترك بعدها منصبه لتعود الحياة النيابية إلى سيرتها الأولى(1). وحديثاً ظهر مصطلح دكتاتورية البروليتاريا، حيث أطلق على المرحلة الانتقالية التي تمر بها الدولة من النظام الرأسمالي إلى النظام الشيوعي، فمن ثم تعتبر مرحلة انتقالية لابد منها لاعداد المجتمع لتقبل النظام الشيوعي، ولكنها لا تعتبر غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الغاية الأصيلة، وهي تكوين مجتمع شيوعي كامل يختفي فيه النظام الطبقي، إذ خلال هذه الفترة الانتقالية يعاد النظر في التنظيم الاقتصادي والسياسي للدولة في ضوء المبادئ الماركسية، وتدرب الطبقة العاملة التي قامت على اكتافها الثورة، وهي طبقة (البروليتاريا) على شؤون الحكم، وهو حكم يتسم بالدكتاتورية ولكنها دكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية البرجوازية، وهذا النمط من دكتاتورية البروليتاريا حصل في أوائل ومنتصف القرن العشرين لدى ما عرف بـ(دول المعسكر الشرقي (الاشتراكي) ) بقيادة الاتحاد السوفيتي (السابق)، وعلى أساس النظرية الماركسية - اللينينية، وثورة روسيا البلشفية عام 1917 بقيادة الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين.
(وهذا النوع من الحكومات يمارس أبشع أنواع الديكتاتورية بكل صراحة حيث تسمّيه (ديكتاتورية البروليتاريا) وقد كذبت الحكومات الشيوعية حين زيفت التاريخ بزعمها:
أن المجتمعات في التاريخ مرت بمراحل (الشيوعية الأولى) ثم (الرق) ثم (الإقطاع) ثم (رأس المال) والآن أخذت ترجع إلى (الشيوعية)، وذلك لكي تجعل لنفسها سنداً تاريخياً، وتبرر وجودها بأنها من طبيعة الإنسان. ولم تقتنع بذلك، بل جعلت كل شيء من الاجتماع والسياسة والدين والعلم والفن.. وغيرها وليدة (الاقتصاد) الذي زعمت أنه أساس الحكومات والتحولات.
والكل يعلم أنه لا سند تاريخي لكل هذه الأساليب، فمن أين أن الإنسان في أول أمره كان شيوعياً، ثم صار كذا وكذا وكذا؟! والذي يراجع أدلتهم يجدها في غاية الوهن والبدائية) (2). يصنف الباحثون الديكتاتورية أو الحكم الديكتاتوري إلى نموذجين، فهناك الديكتاتورية المتولدة عن عوامل اجتماعية، وهناك النموذج الثاني أي الدكتاتورية المتولدة عن عوامل تقنية، وبتعبير آخر يمكن القول بان النموذج الأول يتولد عن أزمات يتعرض لها البنيان الاجتماعي العقائدي، أي انه نموذج يعكس الوضع الاجتماعي، لأن الجذور والأصول العميقة للتركيب الاجتماعي هي التي انجبته، وبجملة واحدة انه نموذج يتولد عن تفاعل قوى وطاقات داخلية وذاتية، بينما يكون النموذج الثاني دخيلاً، فهو نموذج متولد عن عوامل خارجية في المجتمع، أو أنها من داخل المجتمع، ولكنها معزولة عن تفاعله، حيث يأخذ نموها وتطورها صفات خاصة مستقلة وخارجية، وهكذا فانه بدلاً من أن يلبي هذا النموذج الثاني حاجات المجتمع الذي سيخضع لأحكامه، وبدلاً من أن يلبي حاجات وآمال مجموعة كبيرة من أفراد المجتمع، فانه يعبر عن أغراض معينة لمنظمات واجهزة خاصة، وعن آمال ورغبات العناصر المؤلفة لهذه المنظمات، هي عناصر قليلة العدد ولا تتمتع أبدا بحق التمثيل الدستوري.
الحكم الديكتاتوري، ولا سيما الحكم الديكتاتوري العسكري، ظاهرة عرفها تاريخ الإنسانية في كثير من الحقب وعرفت في بعض العصور رواجاً كبيراً وازدهاراً، ذلك أن الظواهر السياسية وسائر ظواهر الحياة الاجتماعية، لا تولد صدفة ولا تنمو اعتباطاً، ولا تكفي في خلقها أو زوالها عزيمة فرد أو أفراد أو حاكم أو مغامر، إنها وليدة تربة تنبتها وتهيئ لاخصابها، إنها حصيلة جملة من العوامل والشروط والظروف، وثمرة طائفة من القوى والبواعث، وإنها بسبب هذا تخضع لقوانين تحدد ظهورها ونموها وانقراضها، وما هي بالتالي وليدة الأهواء والصدف، ولا تجدي في محاربتها أو دعمها جرة قلم من حاكم أو قرار من سلطة، بل السبيل إلى التأثير فيها هو معرفة عواملها واسبابها وأسلوب عملها، أي معرفة قوانينها ومحاولة اخضاعها بالتالي عن طريق الخضوع لها أولا - على حد تعبير بيكون - أي عن طريق معرفة عوامل مخاضها ونشأتها ثم التأثير في هذه العوامل بعوامل جديدة تبطلها وتحرف مجراها.
[/td][/tr][tr][td width="100%" background="images/lightbg55.jpg"]
عــوامل نشـأة الدكتــاتوريــة
[/td][/tr][tr][td width="100%"]
تنشأ الديكتاتوريات عن طريق ما يمكن تسميته بـ(عقد الحرمان) والواقع أن اغلب الطغاة عاشوا طفولة معذبة، ومراهقة صعبة، الأمر الذي من شأنه أن يمهد السبيل لخضوع شخصية الطاغية إلى مجموعة من العقد، والديكتاتوريات تظهر وتتشكل خلال حالات وشروط تاريخية معينة، إنها غالباً ما تكشر عن أنيابها خلال فترات تعرض البنيان الاجتماعي لأزمات مصحوبة بأزمات في المعتقدات.
النظام الديكتاتوري يظهر تحت ضغط شروط وأوضاع مختلفة، إنه يظهر خلال فترة تكون مشروعية الحكم فيها ازمة، أي عندما يكف الرأي العام عن الإيمان بنظام واحد يمثل فكرة مشروعية السلطة، ويأخذ بالانقسام على نفسه والاعتقاد بتعدد الأنظمة التي تبرر مشروعية السلطة.
ولا شك في أن آثار الاضطرابات الاجتماعية تكون اكثر شمولاً وعمقاً إن كانت قد صاحبتها أزمات حول مبدأ المشروعية، لدرجة أن هذه الاضطرابات تجعل أزمات مبدأ المشروعية غير محتملة، وكمثال يمكن اعتبار ما حدث في ايطاليا عام 1920 والمانيا عام 1930 نموذجاً لذلك.
[/td][/tr][tr][td width="100%" background="images/lightbg55.jpg"]
مساوئ الديكتاتورية
[/td][/tr][tr][td width="100%"]
تمثل بذرة الاستبداد ومصادرة حرية الإنسان بداية الطريق الذي أدى إلى الانحطاط الحضاري، وينعدم الابداع الحضاري في ظل الاستبداد لأسباب كثيرة منها:
1) إن الاستبداد يقدم للمجتمع مُثلاً، إما محدودة أو مكررة، وهذه المثل غير قادرة على مد المجتمع بالطاقة الكافية لبدء مسيرة البناء الحضاري ومواصلتها، فلابد من أن يرتكس المجتمع في براثن التخلف الحضاري.
2) إن الاستبداد يحول بين الإنسان والإبداع على مختلف المستويات، لأن الحرية من شروط الإبداع، فالمفكرون لا يشعرون بالأمان، ولا يستطيعون أن يعملوا في بلدان فقدت فيها الحرية، فالطغيان والإرهاب يجعلان كل بحث عقيماً، ويطفئان هذه الشرارة التي هي الفكر المبدع.
3) إن الاستبداد يؤدي إلى تمزيق المجتمع، لان من طبيعة النظام المستبد أو الفرعوني - بالمصطلح القرآني - أن يقسّم الناس إلى طبقات وفئات بحسب قربهم أو بعدهم من النظام، وبحسب موقفهم منه، وهو ما يعد جزءاً من آلية السيطرة على المجتمع والتحكم فيه.
4) إن الاستبداد يحمل أبناء المجتمع الرافضين له على التفكير بأساليب عنيفة في مواجهته، وهذا يفتح الباب أمام العنف والعمل المسلح لحل المشكلة السياسية المتمثلة بوجود السلطة الارهابية التي كان لها السبق في استخدام العنف في التعامل مع الناس، ومجتمع يعيش دوامة العنف والتوتر الداخلي لا يمكنه أن يسلك الطريق المؤدي إلى النهوض الحضاري.
يقول الإمام الشيرازي في هذه الشعبة من الموضوع: (الاستبداد حرام شرعاً، قبيح عقلاً، منبوذ عرفاً، معاقب عليه آخرةً، وقد قال علي (عليه السلام) : (من استبّ برأيه هلك)، والسر أنه يتدخل في كل شيء فيصرفه لصالح المستبد وجلاوزته فيخرجه عن طريقه الطبيعي، ولذا فهو مفسد لكل شيء) (3). [/td][/tr][tr][td width="100%" background="images/lightbg55.jpg"]
موقف الإسلام من الدكتاتورية
[/td][/tr][tr][td width="100%"]
لقد ترسخ مفهوم الحرية لدى المسلمين الأوائل، وهو مفهوم مرادف لمفهوم العبودية المطلقة لله، ذلك أن معنى أن تكون عبداً لله، هو أن تكون حراً إزاء غيره، سواء كان هذا الغير حاكماً أم غير حاكم، لقد رسخ الإسلام في أذهان المسلمين فكرة أن الناس يولدون احراراً، وان هذه الحرية صفة طبيعية في الإنسان، إنها صفة تكوينية وليست منحة مكتسبة بفعل قانون وضعي أو حتى تشريع ديني، إنها حرية مساوقة للخلق، قال الإمام علي(عليه السلام) : (أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم احرار) وقال: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا)(4). يقول الكواكبي: (المستبد يتحكم في شؤون الناس بارادته لا بارادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه انه الغاصب المعتدي، فيضع كعب رجله على افواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي بمطالبته) (5). فالإسلام بركائزه الفكرية يؤكد بشكل اساسي على أن الإنسان حر ومسؤول، من جهة، وتقوم علاقاته الاجتماعية على أساس الاخوة العامة ومنع الاستغلال والتسلط والاستبداد، حيث السيادة العليا لله وحده من جهة ثانية(6). وإلى ذلك يشدد الإمام الشيرازي على القول بأنه (ليس للحاكم حق الديكتاتورية إطلاقاً، وكل حاكم يستبد يعزل عن منصبه في نظر الإسلام تلقائياً، لأن من شروط الحاكم العدالة، والاستبداد (الذي معناه التصرّف خارج النطاق الإسلامي، أو خارج نطاق رضى الأمة بتصرف الحاكم في شؤونها الشخصية) ظلم مسقط له عن العدالة) (7). [/td][/tr][tr][td width="100%" background="images/lightbg55.jpg"]
الهــوامـــش : |
(1) أحمد عطية/ القاموس السياسي. (2) السياسة: ج1 ص34 آية الله العظمى السيد الشيرازي. (3) طريق النجاة: ص138 آية الله العظمى السيد الشيرازي، نهج البلاغة: ص50. (4) ميزان الحكمة، 3/351. (5) الكواكبي، الأعمال الكاملة، ص129. (6) محمد باقر الصدر، الاسلام يقود الحياة، ص124-127. (7) آية الله العظمى السيد الشيرازي، السياسة: ج1 ص34. (8) موريس ذو فرجية، في الدكتاتورية. (9) أحمد عطية الله/ القاموس السياسي. (10) الشورى: 38. (11) آية الله العظمى الإمام الشيرازي، السياسة: ج2 ص58. (12) فاضل الصفار/ الحكومة الديمقراطية. (13) بحار الأنوار، ج1، ص16. (14) الغرر، ج34، ص42. |
[/td][/tr]