المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
ما بعد الحداثة Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
ما بعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
ما بعد الحداثة Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
ما بعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
ما بعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
ما بعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
ما بعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
ما بعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
ما بعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
ما بعد الحداثة Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
الاجتماعي الجماعات المرحله المجتمع والاجتماعية البحث في الخدمة التلاميذ التنمية الجوهري محمد التغير تنمية الاجتماعية الالكترونية موريس المجتمعات العنف الاجتماع اساسيات التخلف كتاب الشباب الجريمة العمل
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
ما بعد الحداثة Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

ما بعد الحداثة ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
ما بعد الحداثة Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
ما بعد الحداثة ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
ما بعد الحداثة Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
ما بعد الحداثة Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
ما بعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
ما بعد الحداثة Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

ما بعد الحداثة …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
ما بعد الحداثة Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
ما بعد الحداثة ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
ما بعد الحداثة Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
ما بعد الحداثة Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
ما بعد الحداثة Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 ما بعد الحداثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

ما بعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: ما بعد الحداثة   ما بعد الحداثة Emptyالإثنين نوفمبر 08, 2010 1:12 am

عندما تحاول أن تضع يديك على تعريف محدد، وملامح واضحة، وخصائص ثابتة لما يسمى مرحلة "ما بعد الحداثة"Post-modernism" تجد محاولتك كمَن يحرث في بحر، فمن قائل: إن تعريفها وملامحها وخصائصها لم تتحدد بعد، وقائل: إنها امتداد لعصر الحداثة، وثالث يرى استنادها لمنظومة النظريات الغربية كالفرودية، والحتمية البيولوجية، والنفعية البراجماتية، ورابع يؤكد صلتها بالعلمانية، وخامس يرى أنها ظاهرة من ظواهر العولمة، والتي بدورها تجتاح لجهود في التعريف والتحديد. وعلى جانب آخر يربطها آخرون بتطور الاقتصاد العالمي: فالسوق الرأسمالية (1700-1850م) أفرزت الواقعية، والاحتكار الرأسمالي الإمبريالي أنتج الحداثة، بينما أفرزت الرأسمالية متعددة الأمم "ما بعد الحداثة".

مهما يكن من أمر تحديد تعريفها وملامحها وخصائصها، فإن منظري "ما بعد الحداثة" ومروجيها يقولون بسمات لها، ومعالم إذا توافرت في بيئة أو دولة أو أمة فقد دخلت تلك الحقبة، وإن لم تتوافر فهي بعيدة الشقة عنها، بينما يرى معارضوها أنها تعيش "أزمة" خانقة تستصرخ لإنقاذ "إنسانها ومجتمعاتها" من التفكك والتشرذم مدللين على ذلك بأنه عندما يجتمع الأغنياء الثمانية الكبار، أو حينما تؤجج الرأسمالية الطاغية الحروب، أو تحدث مجاعات وكوارث، أو يكون هناك انتهاكات حقوقية وإنسانية وثقافية، تخرج حشود هائلة من أحزاب"الخضر" والنقابات العمالية، والمنظمات الأهلية (أطباء وصحفيون بلا حدود) لتؤكد معارضتها: "العولمة والحروب وعدم العدالة في توزيع الثروات، وتكريس الفقر والديون والأمراض، والاعتداء على الثقافات". ووسط هذا وذاك بات السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي سمات "ما بعد الحداثة" و"أزمتها"، وكيف أشار إلي أهم سماتها حديث المعصوم صلي الله عليه وسلم، وكيف تحل " أزمتها" وسطية الإسلام؟.

"ما بعد الحداثة وأزمتها"

"ما بعد الحداثة" اتجاه قوى ـ بدا على الأغلب في العام 1979م، ومن قادته في فرنسا: فرنسوا ليوتار، وفوكوه، ودريدا ـ لتفكيك وتحرير الإنسان ومرتكزات التفكير البشرى من الاتجاهات والمسلمات والمعتقدات والقيم (حضارية أو قومية أو إنسانية أو دينية)، بل ومن دعاوى العقلانية والموضوعية والمثالية والإبداع والتمركز حول الذات.. تلك المبادئ التي سادت أوربا لعقود منذ عصر "التنوير والحداثة". وهى تذهب إلى أنه لا توجد حقيقة موضوعية مجردة، أو سردية عليا/ كبرى في الخارج (خارج الإنسان) تستحق عناء البحث عنها، والتمسك بها أو التصديق بها، فهي تنزع القداسة عن العالم، وهذا من شأنه إخضاع كل الأفكار والآراء والمعتقدات والقيم للتساؤل والشك (1)، فسمات ما بعد الحداثة تفتقد اليقين في كل شيء، فليس ثمة ما يمكن الحكم عليه بالصواب والخطأ، وإن نحا أصحاب ما بعد الحداثة إلى حقيقة موضوعية فانهم يقولون بوجودها "على السطح" وليس تحته، إيمانا منهم فقط بالمشاهد المحسوس،لذا كان التأكيد على ثقافة المادة، و "السيولة" القيمية، و"النسبية" الأخلاقية و"الواقعية" النفعية.

"سيولة" قيمية، و"نسبية" أخلاقية أخبر عنها المعصوم صلي الله عليه وسلم

يقول المعصوم صلي الله عليه وسلم: "سيأتي علي الناس سنوات خداعات، ُيصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة،؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"(صححه الألباني).
إن وسطية الإسلام، وقيمه الخالدة والخاتمة للوحي الإلهي تستند إلى ثبات ومعصومية مصدرية الخالدين: القرآن الكريم السنة النبوية المطهرة. وهى وسطية تمثل زادا لا ينضب لتوجيهه العقول الأذهان وسياج واق للنفوس والمجتمعات، فهي تجمع في توازن بين الشوق الروحي، وغذائه العقدي والقيمي والأخلاقي، وبين مطالب الجسد وحاجاته المشروعة من مطعم ومشرب وملبس وتناسل وتلبيتها في اعتدال ودون إسراف أو مخيلة، تجمع بين السمات الأساسية " لروحانية" ثقافات الشرق، و"مادية" ثقافات الغرب، بين مطالب الدين وحاجات الدنيا، توازن بين الفرد والمجتمع. وبهذه الوسطية الإسلامية تكسب إنسانية "ما بعد الحداثة" و" أزمة" قيمها أنموذجا للقيم السامية والثابتة والشاملة والواضحة والواقعية والمنفتحة.. حيث عقيدة الفطرة:" فطرة الله التي فطر الناس عليها.لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"( الروم: 30 ).
فالمرجعية الإلهية للقيم والأخلاق والعدالة لا تكون إلا في الإسلام، حيث تهيمن على شتى مناحي الحياة العامة والخاصة، بلا انفصام أو تعارض، أنموذجا تنويرا حقيقياً، وتبيانا شافياً، وتصحيحا وافياً لأزمة الإنسان المعاصر وشقائه:"قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب، ويعفوا عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"(المائدة:15). كما وتتأكد فيها الكرامة الإنسانية، يقول الله تعالى:"ولقد كرمنا بني لآدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"(الإسراء: 70)، كما تكسب هدايتها للحق والمعروف كل حق وكل معروف، ونهيها عن المنكر كل منكر، وتمتعها بالطيبات كل الطيبات، واجتنابها الخبائث كل الخبائث، واضعة عن الإنسانية أصرها وعنتها والأغلال التي عليها، فيتراجع شقائها، وتزداد سعادتها الحقيقية.

"الرويبضة": التافه من الرجال، والنظريات، والتوجهات الحياتية/ المجتمعية

"ما بعد الحداثة" لا تلق بالاً للحياة الإنتاجية النشطة للأفراد وصياغة أنماط حياتهم المستقلة ورعايتها وفق حاجاتهم الإنسانية (فقد ماتت دولة الرفاه، وتقلصت الضمانات الاجتماعية)، ولكن تستند إلى قيم مادية صرفة، وتدور حول إشباع مطالب الجسد، وتتموضع حول تعظيم" ديانة الاستهلاك" و"عبادة السوبر ماركت"، حيث كل شئ قابل للبيع والشراء ضمن اقتصاديات الاحتكار، والاستغلال، والنهب، وعدم عدالة توزيع ثروات الأرض والمراباة. أنها تروج لثقافة الانعزال والسلبية وانتظار "الجوائز المليونية"، والخضوع لمغريات النشاط الاستهلاكي الشره (تثميراً للربحية الرأسمالية وانطلاقاً لعجلة اقتصاد الشركات المتعددة الجنسية). فهل الإنسان مجموعة من الحاجات والغرائز والدوافع، إذا لُبيت ـ استهلاكاً وإشباعاًـ تحققت كينونته وسعادته؟.
وتعطينا السنة النبوية "حكماً حضارياً، وتاريخياً مضطرداً"،حيث ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط، إلا وكثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان، إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق، إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر بالعهد، إلا سلط الله عليهم العدو) (الموطأ موقوفا علي ابن عباس رضي الله عنه، قال ابن عبد البر رويناه متصلاً عنه، ومثله لا يُقال رأياً) . فالحديث يقدم "منطقاً سُننياً.. مضطرداً، ثابتاً، شاملاً" يطرح السببٌ ونتيجته، ويقدم فهماً وافياً للحركة الاجتماعية التاريخية بأمثلة تمس بعض جوانب الحياة الإنسانية. فظهور الغلول (كمرض اجتماعي) يؤدي إلى (أزمة نفسية)، من مظاهرها: (إلقاء الرعب في القلوب)، مما يؤدي إلى تراكم نتائج اجتماعية غير سوية (قلق، وفوضى، وخوف وجريمة الخ). (برغوث عبد العزيز بن مبارك: المنهج النبوي، والتغيير الحضاري، سلسلة كتاب الأمة ، العدد: 43، رمضان 1415هـ، قطر، ص93- وما بعدها).كما إن انتشار الزنا (مرض أخلاقي) يؤدي إلى (نتيجة كونية تدخل في إطار السنن التكوينية وتساهم في هلاك النسل) وهي حدوث الموت، ونقص المكيال والميزان (مرض اقتصادي) يؤدي إلى (أزمة معاشية) هي انقطاع الرزق، وهلاك الأموال، والحكم بغير الحق (مرض سياسي) يؤدي إلى (أزمة أخلاقية) هي التقاتل، والتنازع وتضعضع بقاء النسل، ويساهم في فشو الدم الذي يخرب به العمران البشري. كما إن الختر بالعهد (مرض أخلاقي ونفسي) يؤدي إلى (أزمة حربية) تقاتل وتسلط الأعداء، وبالتالي الخوف، وضياع الأمن، وتعثر الاقتصاد، وانهيار البلاد، وهلاك مصالح العباد (من حفظ الكليات الخمس: الدين ، والعقل ، والنفس ، والنسل ، والمال)(راجع مقال كاتب هذه السطور في هذه الموسوعة المباركة بعنوان: من إعجاز النبوة استشرافها الحلول الجذرية للمشكلات الاجتماعية والحضارية).

إن معالجة اقتصاد "ما بعد الحداثة اللاإنساني" بربطة بالأخلاق والقيم..الرحمة والتراحم والتكافل والتعاون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة"(2)، فشريعة الإسلام ووسطيته تُعظم قيمة العمل وتنهى عن القعود عنه:"إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فمن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" (3)، كما وتنهى عن الاحتكار والاستغلال والجشع والغش، تأمر بطرق كسب وإنفاق مشروعين، وتنمى الوازع الأخلاقي فيهما، وتدعو إلى الموازنة في الإنفاق وفقاً للضرورات والحاجيات والتحسينات على مستوى الفرد والمجتمع والدول. وفقه الإسلام يعارض جمع الثروات في أيد معدودة، فتوزيعها الفيء والغنيمة والزكوات والخراج والعشور والتركات والكفارات بين اكبر عدد من أفراد المجتمع:"كي لا تكون دُولة بين الأغنياء منكم"(الحشر:7)، والأرض لمن يحييها محاربة للإقطاع والاستغلال، وتبقى الملكية الحقيقية لله تعالى، و الـ"بنوك بلا فوائد" فلا ربا:" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله"(4)، مما يجعل رؤوس الأموال تنهض في الاستثمار وإيجاد فرص العمل: "وماءا تيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله، وماءا تيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"( الروم:39). إن مبدأ "إنفاق العفو" من كل شئ كفيل بإحداث توازن بين الأغنياء والفقراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كان معه فضل ظهر فليعـُد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له"، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل (5).
"ما بعد الحداثة" تبدو "تجفيفاً لمنابع الحياة".. منابع العواطف الإنسانية والاجتماعية النبيلة المتمثل في دور الأبوين والأسرة والتكافل الاجتماعي، فهي تسعى كي يتآكل ويختفي نظامها (تحت شعار القضاء على كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة)، وقصر مفهومها على تحقيق اللذة أيا ما كانت، مع تقنين الإجهاض، أو في دورها الاقتصادي البحت (استهلاكا أو إنتاجاً). فظهر مصطلح" الجندر"، وكُرست أنماط" غير تقليدية" من المعاشرة الجنسية، وفي اتجاه عاصف لنشر الإباحية بات من حق المتماثلين جنسياً..الزواج والتبنى والميراث. وسطية الإسلام تعيد الاعتبار للأسرة"الرابطة المقدسة" وأهدافها من تحقيق التوازن العاطفي والنفسي والجسدي والتناسلي، ودورها التربوي والاجتماعي والإنساني، يقول تعالى شأنه:" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (الروم:21).كما تؤكد على التكافل والتعاون سبيلاً للتماسك الاجتماعي، وطريقاً للفلاح ومرضاة الخالق سبحانه:" فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجهه الله، وأولئك هم المفلحون"( الروم:38).

"الرويبضة" في الفن

بدلا من تبنيها التعبير الإنساني الأصيل تتبنى "ما بعد الحداثة" الثقافة الشعبية في ثوبها الرديء منتجةً ذوقا رديئاً، فتراها تتلاعب بالصورة في أسوا فنياتها، فلم تعد العين بريئة تنعم بفضيلة"غض البصر" بل تصارع هذا السيل العرم من الصور ذات الإغواء والأغراء والتصريح الجنسي، أنها تجسد واقعية الصور بدلا من تجسيد صورة الواقع معتمدة التغيير السريع أكثر من الثبات، فتعلو بأسماء فنية ولاعبي كرة عندما يحققون الربحية الاقتصادية وتهوى بهم حينما يفقدونها لتأتى بآخرين وهكذا دواليك (6). والعناصر الثقافية مثل الاتفاق والتطابق والموضوعية والإحالة المرجعية والواقعية، قد تحولت في عرفها إلى " بيت مرايا"، أو "بيت رعب غير مستقر" بسبب عمليات الانتحال ما بعد الرأسمالي، هي ثقافة التهكم والسخرية أكثر من الجدية، والتغيير والإرجاء والتكرار، أكثر منها ثقافة التحديد والتجديد، وتماهي الأنساق الثقافية والفنية أكثر من استقلالها، فتتداخل الأساليب (الشاكة في كل المقولات، وغير المنسجمة مع أي موروث) إلى الحد الذي يصبح بلا أسلوب، فمن خصائص ممارساتها الأسلوبية: الاستخدام الشديد للتناص الانعكاسي الأسلوبي Reflexiv e intertextuality ، والتأكيد على أن النص/الكتابة هو أولا وأخيراً للكاتب وليس للقارئ(7)، ويرى مروجوها استعلاءً بتلك السمات التي ينبغي أن تسود العالم طوعاً أو كرهاً، وهى لن تسود إلا بتفتيت الثقافات المحلية، وصياغتها ضمن منظومة ثقافية نمطية واحدة، بلا تمايز أو اختلاف أو خصوصية للثقافات المتعددة. وبالرغم من العمل على "توحيد" الثقافات هذا، فمن مفارقات " ما بعد الحداثة" تنامي الاتجاهات نحو التفتت المجتمعي والوطني والقومي، وردود الأفعال العنيفة حيالها، وتصاعد ظواهر العنف والتطرف والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في المخدرات والرقيق الأبيض والسلاح، ويسهل من ذلك توافر العديد من طرق الاتصال عبر" القرية الكونية".

أما وسطية الإسلام فهي تقدر كل ما هو بشرى مرن مشاهد اجتهادي مناطه العقل والعلم، وتحوطه بسياج واق من القيم، فلا يحيد، ففي المجالات العلمية والتقنية والفنية تقوم على شقين لا انفصام بينهما: التقوى والتقانة، وهى قادرة على راب الصدع بين العلم وأخلاقياته، كما لها رؤيتها الجمالية والفنية والتجريدية ثراء للتذوق الفني في شتى صوره، ودفعا عن كل ما يشين السمو النفسي والاستعلاء الروحي، معترفة بالتعددية الثقافية والعقدية والإثنية،معتبرة ذلك آية تستحق التدبر والتأمل، يقول الله تعالى:"ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ، إن في ذلك لآيات للعالِمِين"( الروم:22)، ويقول تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"(الحجرات:13). اصل بشرى واحد .. ثم اختلاف الأجناس والألوان واللغات، ثم التفرق شعوبا وقبائل.. لا تتفرقوا ولتتخاصموا وتتناحروا وتذهبوا بددا، بل لتعارفوا، فالتنوع يدعو إلى التعاون والتكامل وفق معيار أساس: التقوى والعمل الصالح، وهما أعمال كسبية (وليست وراثية / عنصرية) يتسابق فيهما الناس جميعا .. مرضاة لربهم، و التصالح على العرف الحسن والمعرفة الرشيدة دونما اعتداء أو تعدٍ أو إكراه.. فالإسلام دين الإنسانية جميعا يعلو على كل مذهب يطل برأسه طالباً الزعامة في الأرض، وهو يجلو عن الإنسانية ما تراكم من صدأ المذاهب وترهات الشاردين:
أفلت شموس الأولين وشمسنا أبدا على أفق العلا لا تغرب
مجمل القول:
ليست "ما بعد الحداثة" نظرية موحدة، إنها مرحلة شديدة التفكك والتشظى، شديدة التجميعية (التوفيقية)، لا تعبر عن شئ لأنها لا تمتلك شيئاً تعبر عنه، أنها إفراز طبيعي لمجتمعات عاشت العقلانية والعلمانية والتحرر والوفرة والإنتاجية المتعاظمة، لذا هم بنهاية الأمر يرونها انقلابا على كل ذلك .. "فما بعد الحداثة" فوضى شاملة، وتصارع مصالح، وحيرة وذهول، وعدمية بحتة. فوضعية بشرية هذا شانها، ووسطية إسلامية تلك سماتها، أليس الأجدر أن نعيش الأخيرة بكل كياننا، لتتغلغل في جوانب حياتنا الروحية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية، وندعو إليها ونصبر عليها، ونصوب مسار "وأزمة" الثانية ونحد من غلوائها وتطرفها.

الهوامش والمراجع

1- د.احمد أبو زيد: استحالة تحديد المستقبل، مجلة العربي: 560، يوليو 2005م، ص 30-34، الكويت.
2- رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
3- البخاري في الأدب المفرد ،ح 479، واحمد 3/183ـ184ـ191.
4- رواه مسلم عن أين مسعود رضى الله عنه ، وزاد الترمذى وغيره:"وشاهديه وكاتبه".
5- رواه مسلم في صحيحه.، وانظر " إنفاق العفو في الإسلام.. بين النظرية والتطبيق" د. يوسف إبراهيم يوسف، كتاب الأمة، العدد: 36 ، ذو القعدة 1413هـ ـ مايو 1993م. ، قطر.
6- د. شاكر عبد الحميد: عصر الصورة.. السلبيات والإيجابيات، سلسلة عالم المعرفة: 311، يناير 2005م، الكويت.
7- مجلة الكويت، العدد: 261، يوليو 2005م، ص 56ـ 58.

للتواصل من الكاتب ا.د./ ناصر أحمد سنه عبر العنوان التالي:
Nasenna62@hotmail.com
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

ما بعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ما بعد الحداثة   ما بعد الحداثة Emptyالإثنين نوفمبر 08, 2010 1:29 am

نقد ما بعد الحداثة

مقدمة
الحمد لله..
فهذا بحث مختصر عن مذهب فكري انتشر في الغرب أردت به بيان أهم جوانبه دون الدخول في تفصيلاته، بحيث يستفيد منه غير المختص. ولم يكن القصد من هذا البحث الدراسة المتعمقة أو المناقشة المفصلة للآراء بل تقديم فكرة مختصرة عن هذا المذهب الذي بدأ يؤثر في جوانب كثيرة من حياتنا.
تمهيد
منذ أن بدأ الإنسان الإعراض عن دين الله وهو يتخبط في دروب الفكر لاهثا في البحث عن حياة سعيدة، حياة ينشد فيها الكمال، كما يراه هو. فعقله، بطبعه، تواق إلى اكتشاف الغامض وارتياد المجهول ونزاع إلى البحث والربط بين الظواهر والبحث عن الأسباب والإبداع والابتكار. هذه خصائص وضعها الله في العقل الإنساني لتستمر وتزدهر و لتنموا الحياة على هذه الأرض.
وهو في الوقت نفسه فتنة! فتنة بما فيه من قدرات ورغبة في الانطلاق. فبعض العقول تتصور أنها قادرة على الانطلاق بلا حدود، بل يجب أن لا يكون هناك حدود. ولم يكتشف العقل تلك الحقيقة البدهية وهي أنه على سعيه وكدحه فإنه يعود من حيث بدأ. فهو كلما اكتشف شيئا وظن أنه قارب النهاية، تبين له أن ما اكتشفه إنما هو دليل آخر على محدوديته وأنه ما أوتي من العلم إلا قليلا. لكن هل هذا يجعله يتواضع ويستسلم؟ طبيعة العقل تأبى ذلك! إلا إذا خالطها خضوع الإيمان الذي يلطف من حدة ثورانها. عند ذلك تسكن إلى ربها وخالقها وتسبحه شاهدة بعظمته.. التي من آياتها عجز هذا العقل، رغم ثورته، وانقلابه إلى صاحبه حسيرا حينا بعد حين.
وربوبية الله تعالى للبشر اقتضت أن لا يجعلهم هملا.. بل يحوطهم بعنايته، وهو الذي خلقهم وعلم تكوينهم النفسي والاجتماعي (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). ولعلمه بعجز عقولهم عن الاتفاق على ما يصلح شأنهم في هذه الحياة كان من رحمته أن أرسل لهم رسلا تسوسهم وتسلك بهم سبل النجاة في سبل الحياة المتفرقة، وختمهم بأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الأكمل، الذي أراد منه سبحانه أن يكون باقيا إلى قيام الساعة.
ولعلمه بخصائص العقل، لم يرد من الإنسان النعرفة فقط. بل أراد منه الإيمان. فالإيمان هو نتاج المعرفة العقلية والقبول القلبي. فالنعرفة العقلية المجردة لا تنتج بالضرورة إيمانان بل قد يكون العالم متمردا متكبرا، لم يستسلم قلبه لله، كما حصل من إبليس. فهو يعلم علما أكيدا أن الله هو خالقه والمتصرف فيه، ولذلك سأله أن ينظره إلى يوم الدين، ومع ذلك لم يكن مؤمنا لفقدان عنصر التسليم. ونجد أيضا من علماء الطبيعة من يتيقن أن وراء هذا العالم المحسوس قوة غيبية تحركه، لكنه يرفض أن يؤمن بها، أي ينقاد لها قلبه ويسلم بها. وذلك هو الحجود. والله يقول عن قوم موسى (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا).
فالإنسان رغم تخبطه الشديد لعصور طويله.. إلا أنه يرفض أن ينقاد لمنهج الله وشرعه. فتراه يقودج نفسه من مهلكة إلى مهلكه، وكلما خرج من واحدة زين له شيئانه وكبرياؤه وغروره مهلكة أخرى.
والمتأمل في تيارات الفكر الإنساني قديما وحديثا يرى هذا واضحا. فلا زالت تلك التيارات تتقاذف الإنسان من طرف إلى نقيضه، والعجيب أنه في كل حالة من حالاته يؤكد أن العقل هو دليله وأن من خالفه فقد خالف العقل.
ومن تلك المذاهب الفكرية التي تخبط فها الإنسان حينا من الدهر الحداثة، ثم أعقبها بنقيضها ما بعد الحداثة. وهو في هذين التيارين كما هو في غيرهما يرى أنه على شيء! لكنه طبع في الإنسان أن يستحسن ما كان منه ويسعى في تسويغه. (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا). إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون).
ما بعدالحداثة
ما بعد الحداثة مذهب فكري قام ردة فعل للحداثة. و (ما بعد الحداثة) هي المعنى الحرفي لـPostmodernism . وتكاد تجمع المراجع على عدم إعطاء تعريف دقيق لهذا المصطلح، بل، بدلا من ذلك، تحاول تعريفه من خلال مقارنته بنقيضه وهو الحداثة Modernism . فمعرفة (الحداثة) أمر مهم في معرفة (مابعد الحداثة). ويجب التنبه إلى أن هذين المفهومين إنما نشآ في ثقافة غربية، ولذلك فالحديث عنهما سيكون ضمن نطاق تلك الثقافة.
الحداثة:
الحداثة مذهب فكري غربي، يضرب بجذوره إلى ما يسمى بعصر التنوير في التاريخ الأوربي. فالاكتشافات العلمية التي قام بها غاليليو ونيوتن في القرن الثامن عشر أقنعت العقل الأوربي أن يرفض نظرة العصور الوسطى في الغرب للطبيعة. فعندما تعارضت الاكتشافات العلمية مع مقررات الكنيسة تخلى الناس عن الكنيسة، فلم يعودوا ـ مثلا ـ يقبلون القول بأن الأرض هي مركز الكون، كما كانت تقرر الكنيسة، فأصبح الناس حداثيون، أو مستنيرين.
وبإيحاء من قوانين نيوتن الميكانيكية، صار الحداثيون ينظرون إلى الطبيعة على أنها آلة ضخمة لا تفهم حركتها إلا بفهم القوانين الطبيعية. وفتن الناس بالعلم! فاكتشفوا شيئا من القوانين التي تسير الكثير من الظواهر الطبيعية. وهي ما كان المتدينون ينسبونها إلى قدرة الله. فظهر بذلك صراع بين التيارين، التيار الديني والتيار الحداثي. وبالرغم من أن كثيرا أولئك العلماء الطبيعيين كانوا نصارى ففد بدأ يتكون لديهم شيء من القناعة أنه لم يعد هناك حاجة لـ (الإله)! أو ربما يكون قد خلق الخلق وأوكل أمر تسييره إلى تلك القوانين. وكانت هذه بداية التحول من الاعتقاد بالإله في العصور الوسطى الأوربية إلى الحداثة الملحدة، التي تنكر وجود الإله.
النظرة إلى الإنسان
الإنسان آلةبيولوجية

وفي عام 1859 خرج كتاب دارون (أصل الأنواع) واكتشف معاصره مندل اكتشافات مهمة في مجال المورثات (الجينات) وقد أدى عملهما، وهو ما يسمى الآن (نظرية التطور) ، إلى ظهور عصر جديد من العلم الطبيعي.
وقد دعمت هذه النظرية فكرة الإلحاد بشكل كبير، بل قربتها لدى كثير من الناس من أن تكون عقلانية.
ولأن الحداثة تنظر إلى الطبيعة على أنها آلة مستقلة وغير معتمدة في سيرها على إله، فقد تحدت أيضا النظرة الدينية إلى طبيعة الإنسان. فتحولت دراسة سلوك الإنسان إلى علم بيولوجي بحت، ولأنهم اعتقدوا أن الإنسان ما هو إلا جزء من آلة الطبيعة فقد انتهى بهم الأمر إلى نهاية خطيرة. فما كان الناس يعتبرونه فيما مضى خيارا أخلاقيا فهو الآن ينسب إلى أسباب بيولوجية (جينية/طبيعية) أو بيئية. وصار علماء الحداثة يؤكدون بثقة أن المورثات تفسر وتحدد أشياء مثل الإيثار أو الإدمان أو الشذوذ الجنسي أو الخيانة أو العنف.
وحيث قبل الناس التفسير البيولوجي البحت لسلوك الإنسان بدأوا بتقليل المساحة الفارقة بين الإنسان والحيوان. وغدت الصفات التي كان يظن أنها خاصة بالإنسان تعتبر بشكل واسع عامة في فصيلة الأحياء. وصار من الباحثين من يزعم أن الفرق بين دماغ الإنسان ودماغ الحيوان إنما هو فقط الحجم.
والذكاء الصناعي يصلح لأن يكون مثالا لأثر الحداثة على النظر إلى طبيعة الإنسان. وبدأ الناس يشاهدون الإنسان الآلي. ولكن ما كان يراه الناس على أنه قصص خيال علمي كان الفكر الحداثي يتعامل معه على أنه حقيقة. فما دام أن الإنسان في الأصل آلة فمن الممكن إذن صنع آلة تستطيع عمل كل شيء يصنعه الإنسان.
فالحداثة في أصلها مناقضة للدين، خاصة في مفهوم الإنسان. فعلم الاجتماع اليوم ينكر أن يكون الإنسان حرا أو متميزا. وترى الحداثة أنه لا مجال للقول بكرامة الإنسان، حيث أنه من حيث الأساس لا يختلف عن أي نوع حي آخر. ولا مجال للحرية لديهم لأنهم يرون أن تصرفات الإنسان ما هي إلا ردود فعل كيميائية تنتج عن قوانين الطبيعة الصارمة. ولأن الحداثيين يرون أن الإنسان يصاغ بعناصره البيولوجية وببيئته فهم لا يرونه إلا آلة ذات ردود أفعال واستجابات لمثيرات خارجية.
في الحداثة العقل وحده سبيل الوصول إلىالحقيقة

يرى الحداثيون، وعلى رأسهم ديكارت، أن العقل وحده كاف وقادر على الوصول إلى الحقيقة. ولذلك اتخذوا عبارة ديكارت المشهورة ـ أنا أفكر إذن أنا موجود ـ شعارا لهم. ويعتقد الحداثيون أن الناس قادرون على التفكير العقلاني المحايد وغير المتحيز. فعقولنا ـ على ما يراه الحداثيون ـ يمكنها أن تدرك وتدرس الواقع (الحقيقة) وتصل إلى نتائج موضوعية، بمعنى أنهم يعتقدون أننا قادرون على فهم الواقع حقيقة، غير متأثرين (إلى حد كبير) بتحيزنا أو سوء فهمنا أو معتقداتنا السابقة. فالنتائج التي نتوصل إليها تعكس الحقيقة كما هي في الخارج والواقع، ليس فقط افكارا في عقولنا. فالنظرة الحداثية تفترض (المذهب الطبيعي) وهي الاعتقاد القائل إن كل الظواهر يمكن تفسيرها بأسباب وقوانين طبيعية. وهذا المذهب متوافق مع المذهب الإلحادي والمذهب القائل بأن الإله تخلى عن تسيير الكون للقوانين الطبيعية، لأنه على كل من المذهبين فما نراه من الأشياء في هذا الكون ليس له أسباب غير مادية.
ولم يؤثر هذا الافتراض فقط على نظرتهم لطبيعة الإنسان بل أيضا على فهمهم لطبيعة المعرفة الإنسانية. فما دام أن الإنسان فقط كائن مادي حي (بيولوجي) فالمعرفة يجب أن تعتمد على ما تتعامل معه حواسنا المادية، وهي النظرة إلى المعرفة التي تسمي المذهب التجريبي، والتي تقول: "لا شيء يقبله العقل أو يصح في العقل ما لم يكن أولا في حواسنا." فلا طريق للمعرفة إلا من خلال الحواس: الرؤية، أو السماع أو اللمس أو التذوق أو الشم.
فالمذهب التجريبي يرى أن المعرفة لابد أن تكون ضمن نطاق ما تتعامل معه الحواس أو تدركه. وكل ما يخرج عن نطاق الحواس المادية الخمس، كالوحي أو المعرفة الفطرية، إنما هو غير علمي، ويكون من باب الإيمان. والبحث فيها خارج عن حدود المعرفة العلمية للإنسان.
فالحداثيون يرون أن الصورة التي تأتي إلينا عن طريق الحواس مطابقة تماما لما هو موجود حقيقة في الواقع خارج أذهاننا.
فالحداثة، إذن، تيار فكري عام تقوم عليه النظرة إلى الإنسان والحياة والكون. وله أثر على التربية والفن والأدب وجميع جوانب الفكر. وقد شاع في عالمنا العربي قصر هذا المذهب على الأدب ونظر إليه على أنه مذهب أدبي، مما أدى إلى ضعف مواجهة الفكر بشكل شمولي، مما جعله يتغلل أكثر في شتى نواحي الحياة. والحقيقة أن النظرة الحداثية كانت مؤثرة في كثير مجالات الحياة، فهي في مجال السياسة علمانية، وفي مجال الدين عقلانية مفرطة و"استنارة" أو إلحاد وفي مجال الأدب تحلل من قيم المجتمع وتمرد على تقاليدة وثورة عليها بما فيها اللغة. وفي مجال العلم إعلاء شأن العقل والحس واستبعاد كل أمر غيبي وعده أمرا خرافيا.
نظرة ما بعد الحداثةللإنسان

يوافق ما بعد الحداثيين الحداثيين على أن الإنسان لا يختلف عن بقية أجزاءالطبيعة. بالرغم من أنهم يتصورون الطبيعة بشكل مختلف. والفرق الأساسي بين النظرة مابعد الحداثية والنظرة الحداثية أن الحداثيين ينظرون إلى الإنسان على أنه "ترس" فيآلة طبيعية حية عظيمة، بينما يرى ما بعد الحداثيين الإنسان على أنه "ترس" في آلةإجتماعية. فهم يركزون على الأثر الاجتماعي على الإنسان وخاصة أثر اللغة، وليس علىأثر العمليات المادية والبيولوجية الطبيعية، كما يفعلالحداثيون.

العقل في ما بعد الحداثة

لكن يتساءل ما بعد الحداثيين: كيف نعرف أن الصورة التي في أذهاننا مطابقة للواقع الخارجي؟ لا يمكن هذا، على ما يرون، إلا بأن يقف الإنسان خارج نفسه ويقارن بين ما في ذهنه وما في الواقع الخارجي. وحيث أن هذا غير ممكن فليس لدينا طريقة لتأكد من أن هذه المطابقة دقيقة. فليس لدينا إلا الشك.
هذا هو أحد الأسباب التي دعت مابعدالحداثة إلى القول بأن الموضوعية التجريبية العلمية غير موجودة. فطرحوا موضوع الإدراك، كيف ندرك الواقع، وهل إحساسنا وإدراكنا يعكس الواقع الخارجي أم لا؟ كما يزعم ما بعد الحداثيين. ويستدلون بأن الناس يرون الشيء نفسه بطريقة مختلفة. ويرجعون هذا الاختلاف إلى الثقافة بمفهومها العام[color:1012=#f00][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[1].
وهنا تكمن المغالطة في ادعاء ما بعد الحداثة من وجهين:
1. 1.هناك فرق بين وجود الشيء وإدراكه أو الإحساس به. فإحساسنا بالشيء أمر منفصل عنه، ولا علاقة له به. ولو قلنا إن الشيء لا يوجد حتى نحس به أو ندركه للزم الدور، فنحن لا نحس إلا الشيء الموجود والموجود لا يوجد إلا بعد إحساسنا به.
2. 2.ليس كل الأشياء يختلف إدراكها بين الناس، وليس اختلاف الإدراك على مستوى واحد. فمن الأشياء ما يتفق الناس على إدراكه والإحساس به وإن اختلفوا في بعض التفاصيل في وصفه، لكن يبقى أن أصل إدراك موجود خارج الذهن متفق عليه. فهم لا يفرقون بين الآراء والانطباعات القابلة للتفاوت أو التعارض وبين الأحكام على أشياء واقعية ملموسة ومحسوسة. ويسوق أحدهم[color:1012=#f00][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][2] مثالا يبين ـ عند التأمل ـ مدى مغالطتهم يذكر فيه إن طفلا سرق من أبويه نقودا، وعندما أحسا بذلك قلقا كثيرا من هذه الحادثة، وتدارساها مع مرشد نفسي ومع مرشد ديني ومع أحد التربويين، وكل واحد من هؤلاء أعطى تفسيرا مختلفا عما يراه دافعا للولد للسرقة. ويخلص من هذا صاحب المثال إلى أن الحادثة واحدة واختلف الناس في تحديد سببها، فلو كان السبب حقيقيا لما كان هذا الخلاف. فبمثل هذا المثال السطحي والحجة الساذجة يبرر ذلك الكاتب مقولة إن الحقيقة إنما هي في الذهن وليست شيئا في الواقع خارجا عنه.
وذاتية البشر الفطرية، أي ميلهم لرؤية الأشياء من خلال وجهة نظرهم الخاصة واستنتاجهم أن نظرتهم للحقيقة صحيحة، دعت ما بعد الحداثيين للشك في موضوعية كل إدراكات البشر. فكيف يمكن أن نثق بالموضوعية بينما ليس لدينا طريقة موضوعية لفحص مصداقية إدراكاتنا.
ويطيل ما بعد الحداثيون الكلام حول اللغة وأثرها على تفكير الإنسان. ويرون أن الدراسات تؤيد انتقاداتهم لنظرة الحداثة للعقل والحرية. وكثير من فرضيات ما بعد الحداثة تصدر من حقل علم اللغة (اللغويات) الذي يبدو غامضا في بعض الأحيان.
يرى ما بعد الحداثيون أنه ليس هناك ذات مستقلة عن حقيقتنا الاجتماعية. فالثقافة والمجتمع يصنعان (وبتعبير ما بعد الحداثيين: يخلقان) الأفراد كما يخلقان أفكارهم واتجاهاتهم. ومن طرق صياغة المجتمع للأفراد اللغة.
يشير ما بعد الحداثيين إلى أن الإنسان يتفاعل دائما مع الحقيقة من خلال اللغة. فكل النشاطات العقلية، كما يزعمون، قائمة على اللغة، فنحن نفكر من خلال الكلمات ونتواصل من خلال الكلمات. والناس مرتبطون بالحقيقة من خلال الأسماء التي يعطونها لإدراكاتهم وأفكارهم. وهذه الأسماء، التي هي عبارة عن كلمات، تطلق بشكل عشوائي (أو اتفاقي) من المجتمع. وكلما ازداد أفكارنا تجريدا، وغالبا ازدادت أهمية، كلما ازددنا اعتمادا على الكلمات لإعطاء المعاني. فإذا كانت اللغة هي طريقة الناس للارتباط بالواقع فلابد إذن أن نفهم طبيعة اللغة.
ويهتم مابعد الحداثيين بجانبين من جوانب علم اللغة: علم الدلالة (Semantics)، وعلم التركيب (Syntax)، فإذا فهمنا تصور مابعد الحداثة لهذين الحقلين فسوف يسهل علينا بالتالي فهم تحليلهم للغة والحقيقة والعقل.
سجنالدلالة

يسمي أنصار ما بعد الحداثة الكلمة أو الرمز "دالا" والحقيقة التي يفترض أنها تصفها تلك الكلمة أو الرمز "مدلولا". فالكلمات بالنسبة لما بعد الحداثة عبارة عن "خريطة" بينما الحقيقة التي يفترض أن تصفها تلك الكلمات هي الأرض.
وعلم الدلالة هو علم معاني الكلمات، فهو يهتم بالعلاقة بين الكلمات والواقع. وهذا هو الموضع الذي يقع فيه الإشكال عند ما بعد الحداثيين. فهم يزعمون أن ليس لدينا السبيل للوصول إلى الأرض (الواقع) دون الخريطة (الكلمات). وحيث أننا لا نستطيع التأكد من صحة الأرض بالمقارنة بالخريطة، فلا نستطيع معرفة مدى إمكانية الاعتماد على الخريطة. فنحن متورطون في دائرة من الكلمات لا مخرج منها. فكما لا يستطيع التجريبيون الوقوف خارج ذواتهم لمقارنة إدراكات الحواس بالواقع الخارجي، كذلك مستخدمي اللغة لن يستطيعوا الخروج من عالم الكلمات للنظر في أفكارهم. فمثلا في لغة شعب الإسكيمو هناك عشرات الكلمات لـ "الثلج". بينما ليس لدينا إلا القليل. وهناك ثقافات لديها مماثل لكلمات موجودة في ثقافات أخرى، فكيف يمكن أن يفكر افراد تلك الثقافات نفس التفكير. وكيف تتطابق الحقيقة لديهما. فيزعم ما بعد الحداثيين أن كل أفراد ثقافة محصورون خارج الثقافة الأخرى. فاللغة ـ كما يزعم أحد أنصار ما بعد الحداثة ـ سجن. فلا نستطيع الخروج عن نطاق لغتنا من حيث الفكر والخبرة.
سجنالتركيب

إذا كان علم الدلالة (المعاني) يهدد (يضعف) تصورنا للواقع، فإن علم التركيب يفعل الشيء نفسه بالنسبة لاستنتاجنا reasoning حول الواقع.
"علم التركيب" هو تركيب اللغة، اي القواعد التي تحكم استخدام اللغة. ويزعم ما بعد الحداثيين أن أسلوب تركيب الجملة بتحكمه في الطريقة التي نربط بها بين الكلمات ينشئ منطقا داخل اللغة. ويمضون زاعمين أن منطق اللغة يقضي بشكل كبير على قوانين التفكير الموضوعي نفسه.
وحيث أننا نصنف الإدراكات والأفكار بناء على اللغة التي نستخدمها، والتي تختلف من حيث التركيب والمنطق اللغوي عن اللغات الأخرى، فنحن نواجه نظام تفكير مننفصل تسبب في عزلة الثقافة. ولا يقف الحد عند الزعم بأن الثقافات تقول أقوالامختلفة بل يتعدى إلى الزعم بأنها تفكر بطرق مختلفة لأن اللغة تنظم وتفسر الأفكار بشكل مختلف.
وهذا القول فيه شيء من الصحة من حيث الأساس، فطرق التفكير تختلف من لغة إلى لغة أو ثقافة إلى ثقافة، لكن ما بعد الحداثة تتطرف في الاستدلال بهذه الحقيقة حيث تزعم أنه ما دام الأمر كذلك فليس لدينا القدرة على الحكم على أفكار الثقافات الأخرى. فيزعمون أن من يفعل ذلك فإنما يفرض لغته وأنماط تفكيره على الثقافات الأخرى. وحيث أننا لا يمكن أن نقول إن لغة ما افضل من اللغة الأخرى فإننا لا نستطيع أن نقيم أو ننقد الأفكار والحقائق التي تؤديها تلك اللغة. ولذلك يرى بعض أنصار ما بعد الحداثة أنهم من غير المناسب تدريس الأقليات بلغة البلدان التي يعيشون فيها.
وبالنسبة لما بعد الحداثة فإن المشلكة ليست فقط في الاختلاف بين الثقافات، بل إن المشلكة في داخل الثقافة الواحدة: في اللغة نفسها. إننا نفهم الطبيعة أو ما حولنا من خلال إطار اللغة التي نتحدثها. وحيث أن للغة منطق قائم على أسلوب التركيب فليس لدينا طريقة لمعرفة إلى أي مدى تؤثر لغتنا في إدراكنا. فنحن نسمي أشياء نراها في الطبيعة (أسبابا) ونسمي أخرى (نتائج) لكن من أين لنا أن نتحقق من أن تلك الأشياء أسباب أو نتائج، أم أننا فقط أطلقنا تلك الكلمات بطريقة اتفاقية (عشوائية) على أشياء يمكن أن ينظر لها بطريقة مختلفة. فيزعم أنصار ما بعد الحداثة أنه ليس هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت قوانين اللغة هي نفس القوانين التي القوانين التي تحكم الواقع.
وفي الجملة، فمذهب ما بعد الحداثة يعتمد كثيرا على اللغة في طرحه لأفكاره، فمادامت اللغة غير قادرة على أداء المعنى، وما دام النص يمكن تفسيره بعدة تفسيرات وليس هناك مرجع معتمد لترجيح معنى على لآخر، وحتى لو حاولنا هذا الترجيح فسيكون عن طريق اللغة نفسها. وما دامت الحقيقة هي ما تؤديه هذه اللغة فليس هناك إذن حقيقة مطلقة. فما بعد الحداثة تتركنا غرقى في الشك، محاصرين بما أسموه "سجن اللغة". فالواقع ـ بالنسبة لهم ـ تبنيه أو تعرفه الثقافة واللغة ولا يكتشف بالعقل والملاحظة.[color:1012=#f00][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][3]
فالإنسان بالنسبة لهم لا يولد، بل يحدد ويعرّف بواسطة مجتمعه وثقافته. والإجماع الثقافي يحدد ويعرف الواقع.
ويتساءل بعض الناقدين عما سيحدث إذا قرر أفراد ثقافة ما واتفقوا على أن جنسا من البشر ليس إنسانيا، وتعرض هذا الجنس للإبادة، كما حصل للسود في امريكا وكما حصل لغير الألمان في ألمانيا الهتلرية؟ فعلى هذا يكون تدخل أفراد ثقافة أخرى لمنع الظلم عملا عدوانيا.
إذن، فمذهب ما بعد الحداثة يقوم في الجملة على فرضية واحدة، وهي أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، أي ليس هناك حقيقة واقعية في خارج ذهن الإنسان، توجد بذاتها سواء أمنا بها أم لم نؤمن بها، وإنما كل إنسان تنبني داخله الحقائق بفعل ثقافته ولغته. فالحقيقة عندهم بنية ثقافية. والإنسان لا يمكن له أن يتخلص من ذاتيته وليس لديه أصلا القدرة على الحكم الموضوعي بسبب ارتباط فكره بلغته.
وبناء على هذا فكل الحقائق التي تتكون لدى الناس متساوية، وليس من حق أي إنسان أن ينتقد حقائق ثقافة أخرى، وليس من حقه أن يقول إن ما لدي هو الحق وما سواه باطل.
ولذلك فموقفهم من الدين يختلف عن موقف الحداثة. ففي حين أن الحداثة ـ كما مر ـ تنظر إلى الدين على أنه أمر غير علمي، حيث أنه قائم على افتراض وجود كائنات غيبية (ميتافيزيقية) لا تدخل تحت ما يمكن التحقق منه بالحواس وإدخاله تحت نطاق التجربة. فصار في حس الحداثيين أن الدين خرافة بمعنى أنه مناقض للعلم، وإن كان بعضهم يرى أنه لاباس من أن يتخذ الإنسان تلك الخرافة دينا ويؤمن بها[color:1012=#f00][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][4].
أما مذهب ما بعد الحداثة فيرى صحة جميع الأديان. لا من حيث أنه يعترف بالوحي أو بوجود الإله، بل من حيث أنها جميعا بنى ثقافية، ولا أحد يملك أن يحكم عليها بأنها خطأ. فكل أصحاب دين يعتبر دينهم حق بالنسبة لهم. لذلك لا تحارب ما بعد الحداثة الأديان بل تشجعها وتدعوا للتعايش بين الأديان جميعها دون استثناء، وترى أنها سواسية، إذ أنها ترى أنه ليس لدى أحد معيار مطلق يمكن أن يقاس به الدين الحق من الباطل.
ما بعد الحداثة والتربية

غالت الحداثة في تقدير العقل وتمجيده، وانعكس هذا على النظم التربوية التي تأثرت بها. فصار هناك تركيز شبه كامل على العلوم والمواد المتعلقة بها. واعتمدت المناهج على التجربة العلمية. ورسخ في أذهان الطلاب أن العلم هو مستقبل البشرية وهو منقذها وحلال مشاكلها. وقل الاهتمام بالدين أو عدم في كثير من الأنظمة التربوية، بحجة أنه غير علمي.
وظهر أثر هذه النظرو المتطرفة للعلم الطبيعي في بعض النظريات الإنسانية، مثل النظرية السلوكية التي تنظر للإنسان على انه سلوك خارجي تتحكم فيه البيئة. وأن سلوكه محكوم بقوانين عليمة ـ كقوانين ـ الطبيعة، وأنه يمكن عند اكتشاف هذه القوانين التحكم في سلوك الإنسان وتعديله. فصار يجرى على الإنسان التجارب كما تجرى على العناصر الطبيعية، وتجرى التجارب على الحيوان وتعمم نتائجها إلى درجة كبيرة على الإنسان.
جاءت ما بعد الحداثة، فانتقدت هذا التوجه، لكن بدلا من أن تعدل ميله قلبته رأسا على عقب! فأنكرت أن يكون هناك حقيقة مطلقه قائمة خارج الذهن، وأنكرت أن يكون العقل قادرا على الحكم الموضوعي. وإنما العقل يبني الحقيقة، ولا يكتشفها كما تقول الحداثة.
فتبنت النظرة البنائية للتعلم (constructivism) التي تقول إن الطالب يقوم ببناء المعرفة داخل ذهنه. وعليه فما بعد الحداثة ترى أنه ليست مهمة المعلم , وليس من حقه ـ أن يقوم بنقل الحقائق كما يراها هو إلى ذهن الطالب، بل يساعده في بناء حقائقه الخاصة التي يشكلها مجتمعه وثقافته.
المجال
الحداثة
مابعد الحداثة
الدين
طبيعة الإنسان
الإنسان آلة مادية، ونحن نعيش في عالم مادي (محسوس) بحت، ولا شيء وراء ما تدركه حواسنا.
البشر "تروس" في آلات إجتماعية، فنحن في الأساس كائنات اجتماعية.
الإنسان روح، وعقل وجسد. خلقه الله لعبادته وكرمه على كثير ممن خلق وسخر له ما في الأرض.
الاختيار
الإنسان حاكم نفسه وهو حر في أن يختار ما يشاء، إذا أحسن التعامل مع القوانين الطبيعية التي تحكم الكون والإنسان.
الإنسان نتاج بيئته وثقافته ومحكوم داخلهما، وهو فقط يتخيل أنه حاكم نفسه.
الإنسان له مشيئة، وهو فيها لا يحرج عن مشئية الله، فهو خالقه وخالق مشيئته، وللبيئة والثقافة أثر على الإنسان لكنه هو أيضا يؤثر فيها ويستطيع أن يرفض أثرها عليه.
العقل
العقل هو الإله، وعلى الإنسان أن يكون عقلانيا متفائلا ويعتمد على المعلومات التي تقدمها الحواس للعقل.
ليس هناك عقلانية موضوعية لا يدخلها التحيز كما تزعم الحداثة، والعقل الموضوعي خرافة
العقل نعمة من الله، وهو من أخص خصائص الإنسان. لكن لكه مجال وحدود لا يستطيع أن يعمل خارجها.
النظر إلىالتطور
(التقدم)
الإنسان يتقدم لاستعمال العقل والعلم.
"التطور" كلمة خادعة استخدمها الأوربيون لتبرير سيطرتهم على الثقافات الأخرى.
التقدم المادي التقني حاصل ولا ينكره أحد، وهو لا يعارض الدين ما دامت أهدافه نبيله ولا يضر البشرية، إلا أنه لا تلازم بين هذا النوع من التطور وتقدم البشرية الصحيح، فالبشر يتقدمون بمقدار اتباعهم لمنهج الله الذي شرعه للبشر.


نقد ما بعد الحداثة

قبل البدء في نقد ما بعد الحداثة يجب أن يعلم أنه ليس كل أطروحاتها باطلة، فكثير من اعتراضاتها على الحداثة صحيحة الأصل، بمعنى أنها صحيحة في نقد الحداثة لكنها شطت في ردة الفعل بحيث اتخذت طرفا آخر.
فمثلا نقدها للمبالغة في إعلاء قيمة العقل عند الحداثيين صواب، لكن أيضا إلغاء قيمة العقل أو التقليل من شأنه بجعله مساويا أو قريبا من عقول الحيوانات أمر مرفوض أيضا.
ويمكن إجمال الانتقادات التي وجهت لمذهب ما بعد الحداثة بالآتي:
1. 1.ما بعد الحداثة مناقضة لنفسها.
هذا أكبر نقد وجه لما بعد الحداثة. فإطلاق القول بأنه ليس هناك حقيقة مطلقة هذا في حد ذاته حقيقة مطلقة يطلب من كل الناس التسليم بها. فكيف توصل أنصار ما بعد الحداثة لهذه الحقيقة؟ وعلى أي أساس يلزمون الناس بها.
2. 2.سعي ما بعد الحداثة لإثبات عدم مصداقية العقل، مبني على قواعد عقلية. فكيف يطعنون في العقل وموضوعيته بوسائل وحجج عقلية؟! ويزعمون أنه ليس هناك أحكام موضوعية ويصدرون هذا الحكم ويعممونه كل هذا التعميم ويخطئون ما سواه.
3. 3.مع التسليم بتأثر الفرد بثقافته التي يتربى فيها، لكن تضخيمهم من أثر الثقافة على الفرد وزعمهم أن الفرد مسجون داخل ثقافته لا يسلم لهم، إذا أننا نرى أفراد يخرجون على ثقافت مجتمعاتهم ويواجهونها ويؤثرون فيها. وقد يكون لهؤلاء الإفراد تأثر بثقافات خارجية وقد يكونوا تأثروا بأمر خارج عن نطاق البشر كحال الأنبياء والوحي. فمحمد صلى الله عليه وسلم أتى بأمر جديد ليس على مجتمعه فقط بل على المجتمعات التي في عصره وجاهد الناس حتى انقادت له المجتمعات التي حوله. فكيف يقال ـ في هذه الحالة وأمثالها ـ إن الفرد سجين ثقافته.
4. 4.عجز العلم عن اكتشاف أو تفسير بعض الظواهر، لا يبرر الطعن في قدرة العلم على سبر واكتشاف كثير من الظواهر الطبيعية. فهذا العجز يدحض حجج الحداثة في إعلاء العقل وجعله حاكما مطلقا، لكنه لا يقوى على أن يكون حجة لما بعد الحداثة على إلغاء قيمته والتشكيك في جميع أحكامه.
5. 5.الجزء الصغير من المعنى الذي يفقد عند الترجمة من لغة إلى لغة أو عند تفسير النصوصن لا يلغي قيمة الجزء الأكبر الذي تنقله اللغة من المعنى، ويسد هذا النقص معرفتنا أن هناك جزءا من المعنى لا يمكن نقله.
حكم مذهب ما بعد الحداثة

من المعلوم من الدين بالضرورة أن وجود الله وملائكته وكتبه ورسله حقائق مطلقة قائمة خارج الأذهان، ولو كفر بها الناس أجمعون. وأيضا من المعلوم بالضرورة أن دين الإسلام هو الدين الحق وأن ما سواه باطل، ولا يصح إيمان شخص إلا بهذا.
وهذه أمور أجمع المسلمون عليها وأجمعوا على كفر من أنكرها. فعليه يكون مذهب ما بعد الحداثة بإنكاره أن تكون هناك حقائق مطلقة، أو أن يكون دين الإسلام هو الدين الحق، كفر واضح وصريح.
على أنه يجب التنبه إلى أن بعض الناس قد يتبنى بعض أطروحات هذا المذهب أو أفكاره الفرعية في الفن أو الأدب أو التربية، والتي لا تصل إلى حد الكفر بذاتها، دون ربط لها بأصولها وخلفياتها الفكرية الكفرية، فلا يدخل بذلك في حكم المذهب العام.


المراجع
The Death of Truth, (1996), Dennis McCallum (edit)
The Passion of the Western Mind, (1991) Richard Tarnas.
The Saturated Self, (1991) Kenneth Gergen.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

ما بعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ما بعد الحداثة   ما بعد الحداثة Emptyالإثنين نوفمبر 08, 2010 1:45 am

الحداثة وما بعد الحداثة .. تثبيت الأصول أم كسر النماذج؟
الجمعة , 28 مايو 2010 م
سعيد المتدين

… كما أنه طالما وجدت كلمة "حداثة Modernisme" والبادئة التي تعني (ما بعد) "post" فمن الممكن أن يتحدث البعض عن "ما بعد الحداثة postmodernisme" كمفهوم جديد يعقب الحداثة في الزمان والمكان ويبحث عن كل ما يناقضها ليعلن صراحة عن أطروحته المركزية الضامنة لشرعيته الفلسفية، ألا وهي "موت الحداثة.
ظهرت فكرة الحداثة كمفهوم فضفاض وكمشروع ضخم ارتباطا بانطلاق العقلانية الغربية وتفاؤلها ونزعتها المركزية، فاقترنت بالتجليات الأساسية لانتصار العقل الأداتي وسلطته، مما أسفر عن جملة من المغالطات والتعسفات كانت أساسا لولوج الحداثة مرحلة الأزمة.
إن التأمل في ثوابت الحداثة من داخل إطارها المرجعي يفتح مجالا واسعا وخصبا من التساؤلات والإثارات النقدية التي تقف بوضوح شديد على مواضع الأزمة والقصور، وهذا ما يفسر كون الفكر الغربي عاد في المرحلة الثانية وهي مرحلة المراجعة والتصحيح إلى إخضاع المطلقات السابقة للنقد.
يعتبر التوجه النقدي جزءا من الوعي الحداثي وجانبا مهما من تفكير الحداثة، لذلك كانت الحداثة نقدا ذاتيا يسهم من زوايا متعددة في تصحيح المسار وتثبيت الأصول، ومن ثم فإن هذا النقد الذي تمارسه الحداثة على ذاتها ينطوي على خلفية أساسية تكمن في الدفاع عن مشروعها والوصول به إلى نقطة التوازن.
ويمكن اعتبار كتاب نقد الحداثة لعالم الاجتماع الفرنسي "آلان تورين" Alain Tourine جهدا نظريا بناءا في السعي إلى إصلاح الحداثة وتطعيمها، بحيث حاول "تورين" إنقاذ الحداثة مطالبا بالعودة إلى الأصول التي انطلقت منها كمرجعية أساسية لتصحيح مسارها الخاطئ الذي أدى إلى التوتر والأزمة. وقد طرح "آلان تورين" الحداثة كمخرج من الحداثة التي انكشفت عن أزمات كبرى(1).
لا شك إذن في أن النقد الذي توجهه تيارات الفكر الغربي لمسار الحداثة ومقوماتها هو بمثابة محاولة إصلاحية للحداثة التي تبقى في تجدد مستمر وسيرورة لا متناهية, إذ هي دائما ذلك المشروع الذي لم يكتمل بعد(2), والذي لا يمكنه أن يفتح آفاقا لأي مشروع آخر محتمل.
لقد عمل المفكرون على كسر حدود النهاية أمام تاريخ الحداثة ليصبح ذا سياق تقدمي لا متناهي، تتماهى فيه الحداثة مع أزماتها ليزيدها ذلك سندا وتأسيسا وخصوبة. فالأعمال النقدية التي تصدت لمشروع الحداثة الغربي بتشريحه وتفكيكه لم تخرج في أغلب الحالات عن مقترح ترسيخ مشروع الحداثة ذاته، مما جعل الحداثة تعني ذلك المسار المتواصل واللانهائي التواق إلى الجدة على الدوام. فهي إذن انفتاح على كل الفضاءات وإدماج لكل مستحدث وجديد ولا تكف عن التوسع والاحتواء. ولعل هذا ما يفسر تجردها عن كل تعريف محدد أو مستنفذ لتظل في النهاية مفهوما للحاضر والمستقبل معا.
ويبقى هذا الموقف تجاه الحداثة الغربية الذي بلوره جملة من المفكرين والفلاسفة أمثال: "هابرماس" و"ألان تورين" على جانب مهم من التفاؤل بمستقبل الحداثة. فإذا كانت أغلب التيارات التي أخضعت مشروع الحداثة الغربي للإجراء النقدي بهدف الحد من الأزمة والتوتر قد نجحت إلى حد ما في رد الاعتبار للحداثة، فإن الأزمة لم تنته رغم كل الجهود المبذولة بل إنها كما يقول "لوفيفر" لم تطرح بعد جميع نتائجها "وهي ستظل تستمر وتتعمق وتنتشر، كما أن عناصر جديدة ستحاول الدخول في خضمها وتعديلها، وفي النهاية فإن حقبة أخرى ستبدأ مع القرن الواحد والعشرين"(3).
إن موقف "هنري لوفيفر" يضعنا أما التساؤلات التالية: هل يمكن أن نرى في هذه الانتقادات التي أملتها الحداثة انعكاسا لفكر جديد أو لثقافة جديدة تحاول تجذير نقد الحداثة لإيجاد صيغ ملائمة تبرز وجودها كمهيمن جديد على الساحة الفكرية؟ وهل يمكن أن ينبثق من داخل الحداثة ذاتها وجه آخر لها سلبي، يكون إيذانا بنهايتها وإعلانا عن ميلاد مفهوم جديد يمثل آخر مسخ للحداثة؟
إن تتبع تاريخ الحداثة الغربية وإحالتها إلى بداياتها التأسيسية يقتضي –بمنطق التاريخ ذاته- نوعا من الصيرورة في سلسلة الأحداث يفضي إلى تجاوز ما. فالعصور تترى وتتوالى، والواقع يتغير ويتبدل، والفكر والمعرفة في تطور مطرد بحكم تطور العقل، لذلك فإن ما نعتبره، الآن، حديثا يعطي الانطباع بأنه سيصبح أنقاضا في الفترات اللاحقة. فكما أن للحداثة ما قبلها، ينبغي أن يكون لها ما بعدها، ثم إن البادئة "post" (ما بعد) في مصطلح "post modernisme" (ما بعد الحداثة) تفيد التجاوز والبعدية وتشير إلى تتابع زمني يأتي فيه واقع جديد ووضع جديد خلفا لآخر أصبح مستنفذا ومتجاوزا كما ورد في القواميس والموسوعات الغربية.
إن نقد الحداثة يقدم نقطة انطلاق هامة للحظة ما بعد الحداثة للمضي أشواطا بعيدة في تجذير هذا النقد وتعميقه، إذ لا يجري نقد الحداثة فقط بل نفيها وتدميرها. ومن تم يذهب "إيهاب حسن" إلى أن لحظة ما بعد الحداثة تمثل نوعا من الانفجار الذي سوف يؤدي بالحداثة وبعقلانيتها وموضوعاتها إلى التشتت إلى وحدات وقطع "pièces" ولهذا يظهر مفهوم ما بعد الحداثة كنبش في الأسس وكسر للقوالب وخروج على النماذج, بل إن ثمة تفجيرا للأشكال وتدميرا للأنساق على نحو خارق مدهش، وخروجا عن خط الصيرورة التاريخية في صورة طرح جديد يعتقد "جياني فاتيمو" بأنه يتم في شكل "الحدوث".
تنضبط ما بعد الحداثة إذن داخل خريطة مفاهيمية تقوم أساسا على النفي والتدمير والتجاوز والافتتان "بأخلاقيات الموت" والتحرر ودرامية النهاية. فعلى نفس الوتر تماما يحاول "فاتيمو" حصر ظاهرة ما بعد الحداثة على المستوى الفكري في عدد محدد من المبادئ والأسس وهي: موت الفن، وموت النزعة الإنسانية "humanisme", والعدمية، ونهاية التاريخ، وتجاوز الميتافيزيقا(4). ويستخدم "ميشل فوكو" و"جاك دريدا", وهما من البنيويين الجدد, عدة مصطلحات تتجلى فيها أوجه النفي ما بعد الحداثي بوضوح مثل: التفكيك (déconstruction)، والاختلاف (différence) والتشتيت (dispersion) واللااستمرارية (discontinunty).
وقد كان مجال التشييد والبناء (architecture) سباقا إلى هذا الاتجاه التدميري الذي رسمته ما بعد الحداثة. ففي عام (1949) ظهر مصطلح منازل ما بعد حداثية "post modern-house"(5) إيذانا باحتلال ما بعد الحداثة مكان المباني الحداثية, مستمدة هويتها من خلال إزاحتها لتخطيط المباني الحداثية، ولعل هدم المنازل الحداثية عام (1972) يؤخذ كمؤشر على نهاية الحداثة في البناء.
إننا أما فلسفتين، أو لنقل مفهومين فضفاضين كل منهما يجعل من نفي الآخر ومناهضته شرطا ضروريا لضمان شرعية الوجود. لقد تضمن خطاب ما بعد الحداثة نبذا صريحا لتقاليد الحداثة جاعلا من نهايتها أساسا لانطلاقه وتضخمه، إن عنصر جدته يمكن في "اللا" التي يعلنها ضد مشروع الحداثة الذي أصبح أنقاضا بالنسبة لما بعد الحداثة، وهذا ما نفهمه من مقولة باشلار: "ينبغي قبل كل شيء أن نعي كون الاختيار الجديد يقول "لا" للاختيار العتيق، ومن البين أنه بدون هذا الرفض لا يكون الأمر متعلقا باختيار جديد"(6).
وفي معرض الدفاع عن الشرعية والوجود, تنضبط الحداثة في صيرورة لا متناهية وتتجلى في مشروع لم يكتمل بعد، تنفلت من كل تحديد مفهومي نهائي, محاولة البحث في كل مرة عن أساسها المناسب والصيغة الملائمة لتبرير مسارها اللامحدود. فهي (أي الحداثة) تتمجد بانغلاقها لأنه سلاحها الوحيد ضد مفهوم جديد يمثل آخر مسخ لها وبداية لنهايتها. إن الحداثة ككل فلسفة "تطرح أسسها كأنها لا تقبل المساس، وتطرح حقائقها الأولى كأنها حقائق كلية وكاملة"(7).
أن تنتهي الحداثة أو لا تنتهي، أن تكون ما بعد الحداثة أو لا تكون، ثمة وضع جديد وأفكار جديدة، تحت اسم ما بعد الحداثة اقترحت نفسها كنفي وتجاوز لمشروع الحداثة الذي انبثق من الأزمة وشكل التشخيص العرضي لجملة من الأزمات. كما أنه طالما وجدت كلمة "حداثة Modernisme" والبادئة التي تعني (ما بعد) "post" فمن الممكن أن يتحدث البعض عن "ما بعد الحداثة postmodernisme" كمفهوم جديد يعقب الحداثة في الزمان والمكان ويبحث عن كل ما يناقضها ليعلن صراحة عن أطروحته المركزية الضامنة لشرعيته الفلسفية، ألا وهي "موت الحداثة"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

ما بعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ما بعد الحداثة   ما بعد الحداثة Emptyالإثنين نوفمبر 08, 2010 1:48 am

د. توفيق شومر
قسم العلوم الإنسانية/ جامعة فيلادلفيا

سأركز في هذه المقالة على الأسباب التي دعت مفكري ما بعد الحداثة لتبني موقفهم الرافض للحقيقة، ولماذا اعتبر أن إجابتهم هي إجابة لا عقلانية عن أسئلة عقلانية.
خلال القرنين الماضيين توالت مساعي علماء الاجتماع للوصول إلى نظرية اجتماعية تقدم فهم متأصل للمجتمع الإنساني. ورابطت هذه النظريات تصوراتها مع فهم معين لمفهوم الحقيقة. وعلى الرغم من تنوع تعريف الحقيقة عند مختلف نظريات العلوم الاجتماعية على تنوعها الغني، إلا أنها كانت تلتقي عند نقطة واحدة أساسية هي المنطلق الذي تنطلق منه أفكار مرحلة التنوير في تعريف ماهية العلم وفي دور الحقيقة في هذا التعريف. ويمكن استثناء مفكر اجتماعي واحد (ومن تبع خطه) من هذه الدوامة (على حد تعبير فيلسوف ما بعد الحداثة ريتشارد رورتي)، ألا وهو كارل ماركس.
وبالرغم من هذا التنوع الهائل في المواقف الفلسفية من مفهوم الحقيقة خلال حقبة الحداثة، إلا أن وجهتي نظر محوريتين من كان لهما الحظوة الأكبر، وهما:
1) وجهة نظر الواقعيين والعقلانيين والذين يقولون بوجود "نظرية التطابق في الحقيقة The Correspondence theory of truth" والتي يمكن تلخيصها على الوجه التالي "إن نظرياتنا عن العالم الخارجي ما هي إلا انعكاس مرآوي عن ذلك العالم الخارجي المستقل عن ذواتنا العارفة."
2) ووجهة نظر الوضعية والتي تقول بأن مفهوم الحقيقة مرتبط فقط بالمشاهدات الامبريقية ولا يتعداها إلى نظراتنا عن العالم الخارجي. فهذا العالم الخارجي موجود باستقلال عن الذات العارفة ولن يتأثر بقناعتنا ونظرياتنا عنه. وبالتالي فمن غير المفيد التحدث عن الحقيقة بغير علاقتها مع المشاهدات الامبريقية.
والموقفين تعاملا مع مفهوم الحقيقة انطلاقاً من العلاقة بين الذات والموضوع. فالحقيقة لكليهما هي الانعكاس الذي يتركه الموضوع على الذات العارفة بغض النظر ما إذا كانت قناعتهم بأن هذه "الحقيقة" مهمة أم أنها غير مهمة. وبهذا التصنيف فإن وجهتي النظر تعتبران بأن الذات العارفة هي متلق مستقل للموضوع، وكأن الواقع أو العالم الخارجي مستقل تماماً عن الإنسان أو لنقل بشكل أصح بأن الإنسان مشاهد مستقل ومحايد لهذا العالم الخارجي. هذا الفهم الميكانيكي لمفهوم الحقيقة ترابط مع الفهم الميكانيكي لمفهوم المشاهد في العلم. فكما نعرف فإن الفيزياء الكلاسيكية تعتبر أن المشاهد مستقل عن العالم الخارجي. وانعكس هذا التصور بالضرورة على ما قدم من نظريات في العلوم الاجتماعية، والتي تبعت بشكل كبير تطورات العلوم البحتة. وللتذكير ببعضها: فهناك الاتجاه الذي تبنى الفردانية السيكولوجية، والتي ردت العلوم الاجتماعية إلى أساس سيكولوجي وبالتالي إلى علم النفس. ثم هناك موقف سبنسر بتأسيس علم التطور الاجتماعي بينما قام كونت بتبني الفيزياء الاجتماعية، وأسس مانهايم علم اجتماع المعرفة.
وكان العامل المسيطر في كل هذا هو عامل رد العلوم إلى الفيزياء. فالردية هي الشكل الذي أتفق عليه كل من الوضعيين والواقعيين في رؤيتهم لصورة العلم. وفي مواجهة هذه الردية التي تعتمد فيما تعتمد على فصل العلوم عن بعضها وعلى اعتبار أن العلوم غير متكافئة وهناك سيطرة وهيمنة لعلم الفيزياء على سائر العلوم. وفي المقابل كان هناك مواقف لا ردية تعتمد على مساواة فروع العلم المختلفة بعضها ببعض وعلى اعتبار أن هناك علم واحد يضم بداخله الفروع الاجتماعية والفروع البحتة على حد سواء ولكنها بقيت عاجزة أمام سطوة الردية.
أما عن الموقف من الحقيقة في ظل النزعة الردية فتمثل بالقول بأن الموقف النسبي من الحقيقة يتجلى بشكل أكبر في العلوم الاجتماعية عنه في العلوم البحتة وأن منهجية العلوم البحتة تغطي الكثير من إشكالاتها. ولكن، ونتيجة لما تمخض عن الفيزياء الحديثة (على اعتبار أن الفيزياء هي العلم المهيمن) من إشكاليات فلسفية، بدأ الكثيرون ينظرون بشيء من الريبة لهذه النزعة التفريقية بين طبيعة العلوم الاجتماعية وطبيعة العلوم البحتة. وقد يكون من أهم مخرجات هذا التحول المهم أن صار الموقف اللاردي موقفاً يمكن الدفاع عنه بشكل أكبر لكونه يستطيع تبرير عضوية العلاقة بين مختلف فروع العلم الواحد، اجتماعية كانت أم بحتة.
ولكن الجدل الكبير الذي تمخض عن هذين الموقفين من الحقيقة بكل تلاوينهم الداخلية (موقف الوضعيون وموقف الواقعيون) أدى بالبعض إلى نقد الاتجاهين من منطلق نقد أهمية "الفلسفة" النسقية، ووصل بهم الأمر إلى رفض تام لمفهوم الحقيقة. وهذا هو بالضبط موقف ما بعد الحداثة في تمثلها الإنجلو - ساكسوني. فإذا ما أخذنا قطب ما بعد الحداثة في التراث الإنجلو - ساكسوني وأقصد هنا ريتشارد رورتي فأننا نرى الخواص التالية لمفهوم الحقيقة[1]:
1) أن القضايا التي نتبناها في أعماق أنفسنا قد وضعناها هناك بأنفسنا، وليس هناك في داخلنا من تعريف أو تحديد لم نخلقه نحن. وأي منها ليس ناتج عن أي عوامل خارجية مستقاة من عالم موضوعي.
2) ولذلك فمفهوم الحقيقة هو مفهوم هلامي أضاع وقت الفلاسفة والعلماء كثيراً ولا يجب أن يضيع أي من وقتهم بعد اليوم.
3) أن المجتمع البشري يمكنه الحياة في مجتمع ثقافي ما بعد فلسفي دون أن يتأثر بمهاترات مفكري الحداثة حول أهمية المنهج والحقيقة والتمسك بترك الأثر للأجيال القادمة.
4) أن هدف هذا المجتمع "الثقافي المتعلم" هو الإمساك بأفكار زمانه فقط.
5) الحديث عن التعميم وعن الكليات يصبح في ظل هذا المجتمع جزء من الماضي العقيم.
6) يجب التعامل مع المعطيات أمامنا من خلال تجزئتها وأخذها كل على حدا.
وبهذا الموقف يحاول رورتي أن يتجاوز كل الخلافات القائمة بين الواقعيين والوضعيين حول الحقيقة الاجتماعية ويحول هذه الحقيقة إلى مجرد وهم يستبدله بموقف ذاتي ينطلق من فردانية مطلقة ويحول المجتمع إلى مجرد مجموع الأفراد المستقلين.
لكن هذا الموقف الذي يتبناه رورتي ينطلق من الرد على إشكاليات وجدت أصلاً كنتيجة لعملية الفصل القسري بين الذات والموضوع، والذي اصطبغت به معظم الأنساق الفلسفية لمفكري الحداثة، وهذا الموقف يعاني من معضلة حقيقية في أنه يتعامل مع الإنسان وكأنه ليس جزءًا من الواقع الذي يحيط به، وبالتالي فإن رؤية الإنسان الاجتماعية هي رؤية منفصلة وفاحصة لهذا المجتمع، كما هي حال العالم في الفيزياء الكلاسيكية والذي يفحص الطبيعة بشكل منفصل (مفهوم المشاهد المستقل).
لكن هذه المعضلة، أي معضلة الفصل بين الذات والموضوع، هي معضلة ليست جديدة في الفلسفة، وقد تم تقديم حلول عقلانية مناسبة لها في الماضي. وبالتالي وعلى الرغم من أهمية التساؤل الذي تطرحه ما بعد الحداثة حول العلاقة بين الذات والموضوع، إلا أن الإجابة المقدمة منهم هي إجابة لاعقلانية على تساؤل عقلاني. وقد يكون من أول الحلول العقلانية المطروحة هو الحل الذي قدمه كارل ماركس في منتصف القرن التاسع عشر، فنراه يؤكد على أن "الإنسان يصنع الظروف بالقدر نفسه الذي تصنع الظروف فيها الإنسان"، ويتساءل: "كيف يمكن لمعرفة الحقيقة التاريخية أن تكون ممكنة ما لم تعتبر أن ممارسة الإنسان النظرية والعملية هي جزء لا يتجزأ من هذه الحقيقة؟" وويوضح أن "السؤال حول ما إذا كان التفكير الإنساني مرتبط بالموضوع هو ليس سؤال نظري بل هو سؤال عملي. فالإنسان يجب أن يثبت الحقيقة، أي الواقعية والقوة المرتبطة بالفكرة، يجب أن يثبت ارتباط تفكيره مع الممارسة. وبهذا يصبح الخلاف حول الواقعية أو اللاواقعية حول الأفكار غير المرتبطة بالممارسة هو خلاف مدرسي بحت." أن هذه الجمل المجتزئة من أعمال ماركس خلال 1844-1846 تحتاج منا فقط القليل من الجهد كي نربطها مع هذا النقاش الدائر لكي نصل إلى حل عقلاني ينقض الحل اللاعقلاني المقدم من رورتي.
أن المعضلة الأساسية لدى لاعقلانيي فكر ما بعد الحداثة يتمثل بأنهم يقدمون حلول لا عقلانية لمشاكل صحيحة. وبالتالي دورنا يكون في أن نأخذ تلك المشاكل ونقدم لها إجابات عقلانية. فبالنسبة للفلسفة على سبيل المثال فهل يمكن للمجتمع أن يصبح مجتمعاً لا فلسفي؟ أو هل فعلاً أن العالم لا يحتاج إلى الفلسفة؟ فإذا ما أخذنا الدور التفسيري البحت للفلسفة باستقلال عن أي دور آخر، فمن الممكن للمرء أن يصل مع رورتي إلى ما وصل إليه من استنتاجات. لكن المهمة الأساسية للفلسفة لا تتوقف عند التفسير، على الأقل بالنسبة للفلسفة التي تصف وتعرف نفسها على أنها علم، وهي فلسفة تعتبر أن مهمتها يجب أن تتعدى تفسير العالم إلى عملية التدخل في تغييره. وهذا النوع من الفلسفة يقتنع بأن الفعل الفلسفي هو فعل علمي في مختلف الفروع الأخرى. وهذا ما قصده ماركس عندما قال "إن الفلاسفة إلى اليوم قد فسروا العالم لكن المهم هو تغييره". وليس كما يقرأ رورتي ذلك بادعائه بأن ليس هناك أهمية لعمل الفلاسفة لأنهم لا يفعلون سوى تفسير العالم والهدف الذي يجب أن يسعى إليه المجتمع هو تغيير العالم وبالتالي على المجتمع أن يتجاوز المرحلة الحالية من سيطرة الفلسفية "العقيمة" كما تمكن المجتمع من تجاوز مرحلة سيطرة اللاهوت.
أما عن معضلة التفريق بين الحقيقة "بالمستوى الأول والتي تقول بالتطابق مع الواقع والحقيقة بالمستوى الثاني والتي تحدد ما هو جيد أن نقتنع به" والتي يدعي رورتي بأنها تدخلنا بدوامة لعبة الدولاب فإنها معضلة يسهل حلها إذا ما وضعنا الإنسان في موقعه في منتصف العملية المعرفية لا كمشاهد مستقل وإنما كفاعل حيوي في هذا الفعل المعرفي وبالتالي تصبح الحقيقة ليست حقيقة لكل زمان ومكان بل هي حقيقة مرتبطة تاريخياً.
وهنا يكمون من الضروري التعامل مع الفكرة الكانتية (بالانتساب للمفكر الألماني لأمانويل كانت) التي سيطرة طويلاً على الأطر المعرفية في الفكر الإنجلو - ساكسوني والتي تتلخص بالقول بأن النظريات العلمية اجتماعية كانت أم بحتة هي نظريات خارج التاريخ تتعامل مع الواقع في لحظة سكونية ما، وتعالج تلك اللحظة. وإن كانت هذه الفكرة قد تم نقدها من قبل الفكرة الهيجلية (جورج ولهم هيجل) المقابلة والتي تقول بتاريخية النظرة العلمية فإن هذه الأخيرة قد لاقت الكثير من الانتقادات في التراث الإنجلو - ساكسوني ليس أقله انتقاد كارل بوبر للمنهج التاريخي في كتابه "عقم المنهج التاريخي". لكن رورتي والذي يدعي موافقته مع هيجل في أهمية النظرة التاريخي يتجاوز بنقده للكانتية، نقد هيجل لها ليصل إلى نفي المنهج ككل تاريخياً كان أم غير ذلك.
وإذا ما أعتقد رورتي بأن الممارسة الفلسفية القائمة تؤدي بالضرورة إلى الغيبية ينسى أن الأسلوب لحل هذه القضية يقبع بأن نحلل النشاط الاجتماعي لكي نستطيع أن ندرك سبب ظهور هذه الغيبية لا أن نقول بعدم جدوى التحليل ككل. وبالتالي فأن "كل الحياة المجتمعية هي حياة عملية. وكل الغموض الذي يؤدي بالنظرية للوقوع في شباك الغيبية تجد تفسيرها العقلاني في الممارسة الإنسانية وفي أدراك تلك الممارسة" (كارل ماركس). وبالتالي فالحقيقة الغائبة بالنسبة لرورتي تظهر بجلاء عند إعادة الإنسان إلى موقعه الصحيح في قلب الصورة الواقعية. فالإنسان جزء من هذا الواقع وليس مستقل بذاته.
أما عن موقف رورتي من النظريات الشمولية والقائل بأن المعطيات كما نراها في تجلياتها الواقعية تدعم القول بضرورة تبني نظرة تجزيئية مواضعية. فلكل قضية من القضايا التي تواجهنا تفسير مستقل نستطيع أن نفهم القضية من خلاله ولا يوجد تفسير شمولي لكل القضايا المتشابهة. إذا ما أخذنا بالفعل معطيات العلم الحديث بشقيه الاجتماعي والبحت لتمكنا من عرض أكثر من حجة لدعم الموقف الرافض للنظريات الشمولية، نظريات كل شيء. لكن هذا الرفض للنظريات الشمولية لا يعني بأي حال عدم الإقرار بوجود حقائق. فعدم اعتبار النظريات الشمولية ممثلاً للواقع لا يعني عدم وجود تمثيل نظري لهذا الواقع. فما يمكن استنتاجه من المعطيات الجديدة يعارض التمثيل النظري المتعالي الشمولي ولكن لا يعارض كل تمثيل نظري. فالنماذج الظاهراتية مثلاً يمكن اعتبارها تمثيل نظري محايث وهو تمثيل يحمل حقيقة في داخله.
ومن هذه النقطة انطلق إلى التساؤل ما هو نمط مفهوم الحقيقة الممكن في العلوم الاجتماعية في ضوء المعطيات الحديثة؟ للأسف أن المقال لن يسعفني هنا لتقديم تصور كامل عن المعطيات التي تلزم الوصول إلى التعريف اللاحق لمفهوم الحقيقة، لكن هذه المعطيات معتمدة على النقاش الفلسفي الطويل بين المدارس المختلفة حول مفهوم الحقيقة في العلوم الاجتماعية ومقدار توفق النظريات المختلفة في تقديم مفهوم متناسب مع الواقع.
هناك بعض النقاط التي ارتقت اليوم إلى مستوى المسلمات كالقول بأن الحقيقة ليست معطى ثابت يصلح لكل زمان ومكان، بل هي معطى نسبي يعتمد على معطيات الواقع. وهذا المعطى النسبي قد يتحول مع تطور القناعة به إلى مستوى من الإطلاق، ولكن يجب الحذر هنا إذا كنا نريد أن لا نقع بالخطأ الذي يحول حجج رورتي إلى أن تكون حجج صائبة وذلك عندما يدعي بأن الحقيقة كما تقدم في الوصف الاجتماعي اليوم وصلت إلى مستوى من التقديس الذي لا يجب أن يمس. والحل يكون بأن نعرف ما يمكن أن نعتبره بأنه حقائق وصلت أو لامست الإطلاق، وهذه الحقائق في مجملها هي حقائق مرتبطة بالنتائج العلمية التي يمكن التدليل عليها في كل مرة ما دمنا نلتزم بالظروف الموضوعية المرافقة لها، هذا بالإضافة إلى الحقائق الرياضية والمنطقية والتي تعتمد على آلياتها الداخلية في الوصول إلى الإطلاق. ومثال ذلك قولنا أن 1+1 = 2 وهو قول لا يمكن لشخصين أن يختلفا عليه كون أن العلاقة + معرفة بحيث تلزم الوصول إلى النتيجة. وكقولنا مثلاً "أن حجم الماء المزاح من وعاء مملوء بالماء يساوي حجم الجسم المغمور" (قاعدة أرخميدس). ولكن عندما نتكلم على مفاهيم لا ترتبط بالمستوى الطبيعي المباشر نجد أنفسنا مضطرين للتعامل مع مفهوم متحرك للحقيقة، وأعني بذلك القول بأنه على الرغم من القناعة التامة بأن المفاهيم النظرية هي انعكاسات للواقع الموضوعي إلا أنها تؤثر بطرحها وتداولها اجتماعياً على الواقع الموضوعي ذاته. أي أن هناك تفاعل جدلي بين المفاهيم النظرية والواقع الموضوعي إلى الحد الذي يصدق معه القول بأن الإنسان يؤثر في واقعه من خلال أفكاره بنفس الدرجة التي يتأثر فيها بهذا الواقع.
وإذا ما نظرنا إلى العلم بوصفه علم واحد يضم بداخله الفروع المختلفة من اجتماعية وبحتة، وإذا ما اتفقنا بأن العلاقة بين هذه الفروع هي علاقة عضوية بين فروع متساوية في الأهمية لا سيطرة فيها للفيزياء ولا للأدب. فإن هذه الصورة للعلم تتفوق على التركيز على رد كل العلوم إلى الفيزياء كما هي الحال في وجهة النظر الموروثة، كما أنها تتفوق أيضاً على نظرة رورتي التي تعطي التحليل الأدبي أهمية أكبر. وفي الوقت نفسه تعطي حل منطقي لمفهوم الحقيقة في ظل هذا العلم الواحد. فالحقيقة تكون حقيقة عضوية تترابط بعضويتها مع العلم المتطور والسابح في بحر التاريخ. وتكون لذلك حقيقة متحركة تعتمد في حركتها على مستجدات الواقع. ولكنها مع ذلك موضوعية لكونها تعكس عضوية الواقع وتشابك الذات والموضوع.
________________________________________
[1] أعتمد هنا على كتابي رورتي : الفلسفة ومرآة الطبيعة (1979) وتبعات البرغماتية (1982) إضافة إلى جملة مقالات ومقابلات معه موجودة على شبكة المعلومات الإنترنت.
نشر في جريدة الدستور الأردنية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
 
ما بعد الحداثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نهاية الحداثة الفلسفات العدمية و التقسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة _ جياني فاتيمو .pdf
» بيتر بروكر - الحداثة وما بعد الحداثة
» مقاربات في الحداثة و ما بعد الحداثة في ألمانيا
» كتب ومقالات عن الحداثة وما بعد الحداثة -- متجدد
» الحداثة و ما بعد الحداثة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: كتب ( الاجتمــاع والانثربولوجــيا - الفلسفة - التربية - علم النفس)-
انتقل الى: