الحماية الاجتماعية لفقراء الريف
5 يناير 2017
د.أحمد جمال الدين وهبة، وكيل مركز البحوث الزراعية الأسبق
كتب: أسامة بدير كشفت دراسة علمية عن “الحماية الاجتماعية لفقراء الريف” أن آليات الحماية وإستراتيجيات المواجهة الخاصة بمفهوم الحماية الاجتماعية للريفيين إرتبط إرتباطاً وثيقاً بالبيئة الريفية والنشاط الزراعى، حيث جأت أولى هذه الآليات من وجهة نظر الريفيين: توفير ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعى، ووجود نظام عادل للإيجارات الزراعية، وفى المرتبة الثانية اهتم الريفيين بالجوانب المادية المحسوسة مثل تقديم الدعم المادى للفئات الفقيرة والمهمشة، وتوفير السلع والخدمات الأساسية بأسعار مناسبة، فى حين أن إدراك الريفيين بالجوانب غير المادية جاء فى مرتبة متاخرة مثل مساعدة المرضى وذوى الإحتياجات الخاصة.
قال الدكتور أحمد جمال الدين وهبة رئيس الفريق البحثى للدراسة والوكيل الأسبق لمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، فى تصريح خاص لـ“الفلاح اليوم”، أن الحماية الاجتماعية تعتبر عاملاً أساسياً فى تحقيق السلام الإجتماعى، كما تعتبر ضرورة لتماسك المجتمع وتحقيق الإستقرار السياسى والإجتماعى والإقتصادى والامن القومى. كما تعتبر أحد آليات تنمية المجتمعات ودعامة قوية من دعائم الإستقرار المجتمعى وتقليل الصراع بين شرائح المجتمع، وتمكين الفقراء – خاصة – بعد تطبيق برامج الخصخصة، والإصلاح الإقتصادى، والتكيف الهيكلى.
وأضاف وهبة، أن الحماية الاجتماعية هى مجموعة الآليات والأنشطة المترابطة الهادفة إلى تحقيق الإستقرار الإقتصادى والإجتماعى بتحرير الإنسان من ضغوط الحاجة والعوز والحرمان، والحد من خسائره وحمايته من الأزمات بكافة أشكالها، وإتخاذ التدابير التى تؤهل الإنسان للحصول على إحتياجاته الأساسية من الغذاء والتعليم والصحة، وضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة، بما يؤدى إلى إعلاء قيم المواطنة، وإزكاء روح التكافل الاجتماعى وترسيخ الشعور بالإنتماء.
وأوضح وهبة، أنه نظراً لأهمية القطاع الريفى فى الإقتصاد القومى، واهمية رأس المال الاجتماعى متمثلاً فى العنصر البشرى وهم الفلاحين، فهم الثروة البشرية والسواعد المنتجة لمعظم ما يحتاجه المواطن المصرى من غذاء وكساء، وحرص الدولة بشكل عام ووزارة الزراعة بشكل خاص على الإرتقاء بجودة حياة الفلاح من خلال توفير سبل الحماية الاجتماعية له ولأسرته إيماناً بدوره وتقديراً وإعتزازاً بمكانته.
وتابع رئيس الفريق البحثى للدراسة، إنطلاقاً من هذا المفهوم للحماية الاجتماعية، فقد أجريت الدراسة الحالية للتعرف على مفهوم الحماية الاجتماعية من وجهة نظر الريفيين أنفسهم، والأساليب والآليات الكفيلة بتحقيق هذه الحماية لهم ولأسرهم، وكذا التعرف على أفضل الطرق للوصول إلى هذه الحماية فى أرض الواقع، إيماناً بان الأنسان هو هدف ووسيلة التنمية فى آن واحد، لافتا إلى أن الدراسة أعتمدت على المنهج الإستقرائى Deductive Approach لتحقيق أهدافها، كما أستخدمت الأسلوب الوصفى Descriptive Method للتعرف على آراء الريفيين.
وأشار وهبة، إلى أن الدراسة تبنت نظرية “ماسلو” فى ترتيب آليات الحماية الاجتماعية والتى أشتملت على خمس مستويات متصاعدة من الإحتياجات، بالإضافة إلى مستوى سادس جديد إقترحته الدراسة، أطلق عليه مستوى الحاجة إلى تداول وتشارك المعرفة. مشيرا إلى بلوغ عدد آليات الحماية الاجتماعية المدروسة سبعون آلية للحماية الاجتماعية، تم تحديدها فى ضوء الإستعراض المرجعى والدراسات السابقة، وآراء المتخصصين والموروثات الثقافية والاجتماعية الريفية، هذا بالإضافة إلى خبرات فريق العمل البحثى القائم بالدراسة.
ونوه وهبة، إلى أنه إستناداً إلى التقسيم الجغرافى للجمهورية إلى خمس أقاليم جغرافية زراعية متمايزة هى: وسط الدلتا وشرق الدلتا، وغرب الدلتا، ومصر الوسطى، ومصر العليا، فقد تم إختيار محافظة الدقهلية لتمثيل الإقليم الأول، ومحافظة البحيرة لتمثيل الإقليم الثالث، ومحافظة المنيا لتمثيل الإقليم الرابع، ومحافظة الأقصر لتمثيل الإقليم الخامس، وتعذر جمع البيانات من الإقليم الثانى وإستعيض عنه بمحافظة المنوفية. وبكل محافظة من المحافظات الخمس تم إختيار مركزيين إداريين بطريقة عشوائية، وبكل مركز تم إختيار قرية عشوائية، ومن ثم بلغ إجمالى عدد قرى الدراسة عشر قرى تمثل عشر مراكز إدارية.
هذا، وقد جمعت بيانات الدراسة من الريفيين خلال الحلقات النقاشية المركزة Focus Group Discussion، وقد أشتملت كل حلقة نقاشية على عدد يترواح ما بين 10 – 15 فرداً من الريفيين بإجمالى عشر حلقات نقاشية. وقد جُمعت بيانات الدراسة بواسطة خمس مجموعات من الباحثين بـمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية بالمحطات البحثية الزراعية الإقليمية فى المحافظات المختارة.
وقد كشفت الدراسة (الحماية الاجتماعية لفقراء الريف) عن أهم النتائج التالية:
1 – أن مفهوم الحماية الاجتماعية للريفيين إرتبط إرتباطاً وثيقاً بالبيئة الريفية ونشاطهم الزراعى، حيث تمثل من وجهة نظرهم – وبصفة أساسية – فى توفير ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعى، ووجود نظام عادل للإيجارات الزراعية، ويأتى فى المرتبة الثانية إهتمامهم بالجوانب المادية المحسوسة مثل تقديم الدعم المادى للفئات الفقيرة والمهمشة، وتوفير السلع والخدمات الأساسية بأسعار مناسبة، فى حين أن إدراكهم للجوانب غير المادية جاءت فى مرتبة متاخرة مثل مساعدة المرضى وذوى الإحتياجات الخاصة.
2 – أن تحقيق الحماية الاجتماعية للريفيين لا يتوقف على الدور الحكومى فقط، بل يتكامل مع الدور التطوعى والعمل الأهلى الذى يقوم به الريفيين أنفسهم، إنطلاقا من قيم الدين وإعلاءاً لقيم العدل والحق.
3 – أن أكثر آليات الحماية الاجتماعية المتعلقة بالإحتياجات الأساسية والأكثر توافراً تمثلت فى: توافر المأكل والملبس ومياه الشرب والكهرباء والطرق لأنها تمثل مقومات البقاء، فى حين كانت أقلها توافراً خدمات التعليم والصحة والتصنيع الزراعى.
4 – أن هناك ثلاث مستويات من آليات تحقيق الأمن والأمان، الأول الأمن والأمان المجتمعى، وقد تمثلت أهم آلياته فى أمن المسكن وأمن الشارع وأمن القرية، وهذه الآليات كانت متوافرة بدرجة كبيرة، والثانى أمن وأمان الممتلكات الشخصية، وتمثلت أهم آلياته فى آليات تقليل التعدى على الأراضى الزراعية، وأمن الممتلكات، وهذه الآليات توافرت بدرجة متوسطة والثالث هو الامن والأمان الأسرى أو العائلى وتمثلت أهم آلياته فى آليات منع العنف الأسرى، والتأمين ضد البطالة ووضع حد أدنى للأجور، وهذه الآليات توافرت بدرجة قليلة أو معدومة.
5 – أن آليات الحماية الاجتماعية المتعلقة بتحسين الإندماج المجتمعى وتعزيز الإنتماء، كانت قليلة أو غير متوافرة، وأقتصرت على الآليات والمبادرات التى يقوم بها القطاع الأهلى أو غير الحكومى مثل العمل التطوعى، وبرامج التكافل الاجتماعى، وتأسيس الجمعيات الخيرية، فى حين كان الدور الحكومى باهتاً أو غير واضحاً.
6 – أن آليات الحماية الاجتماعية والمتعلقة بالمكانة الاجتماعية والإرتقاء بالجانب الإنسانى والمتوافرة وفقاً لآراء الريفيين قد تمثلت فى الآليات التقليدية التى تتبنها الدولة منذ فترات زمنية طويلة مثل وجود نظام للمعاشات، وبرامج محو الامية، وبرامج تنظيم الأسرة، فى حين أن الآليات الجديدة والتى تبنتها المنظمات الدولية وأقرتها الدساتير ومنظمات حقوق الإنسان والتى تتوافق مع مستجدات الواقع الاجتماعى الحالى مثل التعويضات فى حالة الكوارث والأزمات، والمكانة العادلة وغير المتحيزة أو المتميزة ضد المرأة، ومنع عمالة الأطفال فأنها غير متوافرة أو تنمو على إستحياء.
7 – أن آليات الحماية الإجتماعية المتعلقة بتقدير الذات لدى الريفيين أتسمت بالإنخفاض الشديد أو عدم التواجد والذى يضع علامات إستفهام كبيرة أمام المسئولين ومتخذى القرار فى الوزارات المهتمة بتطوير الريف لسرعة إتخاذ التدابير والقرارات التى من شأنها الإهتمام بالفلاح كإنسان، وتمثلت هذه الآليات فى ضرورة الإعلاء من مكانة الفلاح المصرى لدى أجهزة الإعلام والإعتراف والإشادة بأهمية دوره، وكذلك آليات تحقيق العدالة فى توزيع الأراضى المستصلحة خاصة الشباب وصغار المزارعين وفقراء الريف، وآليات تقليل الفجوة والتمايز بين الريف والحضر ، والاسراع بتفعيل قانون التأمين الصحى الفلاحين وعمال الزراعة وفقاً للقرار رقم 127 لسنة 2014 .
8 – أن هناك العديد من آليات الحماية الاجتماعية فى مجال تداول وتشارك المعرفة غير متوافرة وتمثلت فى عدم وجود إعلام محايد وشفاف ومسئول، وقوانين حماية الملكية الفكرية، والتشريعات المنظمة لإنشاء المواقع الإخبارية ونشر المعلومات.
9 – أن الكثير من آليات الحماية الاجتماعية فى مجال تداول وتشارك المعرفة والتى تخص وزارة الزراعة فى المقام الأول مثل دعم جهاز الإرشاد الزراعى، ودعم محطات البحوث الزراعية الإقليمية والنوعية، والتوسع فى إنشاء المراكز الإرشادية ومراكز التنمية الريفية، والتوسع فى عقد الندوات والإجتماعات الإرشادية مازال يحتاج إلى كثير من الدعم المالى والعينى والبشرى واللوجيستى.
10 – أن الريفيين فى سعيهم للحصول على الحماية الاجتماعية وفقاً لما أقرته الدساتير وفى إطار مبادىء حقوق الإنسان وتبعاً لما تنادى به جميع الأديان يفضلون أن تشمل آليات الحماية الاجتماعية جميع المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، أى تفضيلهم للمنهج الشمولى فى الحماية الاجتماعية مع ضرورة التوازن والدمج ما بين الدعم المالى / النقدى وتنمية القدرات، وكذلك التكامل ما بين الدور الحكومى والأهلى أو التطوعى، ومراعاة كل من الإحتياجات الحالية أو الملحة والإحتياجات المستقبلية فى آن واحد.
يذكر أن الدراسة (الحماية الاجتماعية لفقراء الريف) شارك فى إعدادها الدكتور يسرى عبدالمولى حسن رميح أستاذ الاجتماع الريفى ومدير معهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية السابق، والدكتورة سونيا محمد محيى الدين نصرت أستاذ الاجتماع الريفى ورئيس قسم بحوث المجتمع الريفى السابق بمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية.