مراجعة كتاب : جرائم الكراهية في الفضاء الافتراضي
Book Review of Hate Crimes in Cyberspace
2014م
تأليف :
Debarati Halder
ناشطة وعضو بمركز استشارة الجرائم الالكترونية ، كلية الحقوق بجامعة الهند
طبع على مطبعة جامعة " هارفارد ، Harvard " ، كامبريدج ، ماساشوستس
ترجمة الباحث / عباس سبتي
يوليو 2015
كلمة المترجم :
الدراسة منشورة في المجلة الدولية لعلم الجريمة الالكترونية ، يوليو – ديسمبر 2014 ، المجلد (8) ، والجريمة الالكترونية هي حقل متعدد التخصصات يشمل الباحثين من مختلف التخصصات مثل علم الجريمة ، علم جريمة الضحية ، علم الاجتماع ، علم الانترنت وعلوم الكمبيوتر ، و " Jaishankar , 2007" هو مؤسس علم الجريمة الالكترونية وصاغ وعرف هذا العلم : دراسة العلاقة السببية للجرائم التي تحدث عبر الانترنت وأثرها على عالم الواقع .
وننصح القراء بل المعنيين بجرائم الانترنت بالاطلاع على النسخة الكاملة من الكتاب المذكور خاصة لمن يريد التفاصيل بخصوص ما طرحتها الكاتبة من آراء وانتقادات خاصة في قضايا التشريعات الالكترونية التي قد تتغير بنودها في كل يوم مع سرعة انتشار وتنوع الجرائم الالكترونية .
مقدمة :
منذ إنشائه كموقع تفاعلي شعبي فقد جذب الفضاء الافتراضي مختلف المستخدمين الذين يستخدمون تكنولوجيا الاتصالات والانترنت (ICT) وتكنولوجيا الاتصالات الرقمية ( DCT ) بدوافع عديدة ، وفي حين أن الاستخدام الإيجابي لتكنولوجيا الاتصالات الانترنت والرقمية بمثابة نعمة لأفراد المجتمع وتطوير علمي يستفيد منه الكائن البشري فأن الاستخدام السيئ لهما في المناسبات العديدة بحجب الجانب الإيجابي ، ووجد مستخدمو ( ICT ) و ( DCT ) وسيلة الاتصال كمنصة حرة للتعبير عن مشاعرهم منذ أن أصبح الفضاء الافتراضي لا يؤكد على الكشف عن الهوية مع سرعة نشر الآراء إلى جمهور الواسع الانتشار مما يجعل المستخدمين يشعرون بقيمة كلماتهم .
إلى جانب ضعف قوة التشريعات لتنظيم الآراء عبر الانترنت وضعف مراقبة ما ينشره المستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ( يرجع ذلك أساساً إلى التدفق الهائل من المعلومات وقلة موظفي هذه المواقع لرصد ومتابعة هذه البيانات ) فأن ذلك يشجع الأفراد لاستخدام عالم الانترنت كمنصة للتعبير عن الرأي وطرح الكراهية خلال ( ICT ) و ( DCT ) ويؤكد " Danielle Keats Citron " على هذه القضية في هذا الكتاب : جرائم الكراهية في الفضاء الافتراضي .
في المقدمة تبدأ مؤلفة الكتاب بقصة " Anna Mayer" وتجربتها مع المضايقة والمطاردة الالكترونية حيث تم انتهاك خصوصياتها من خلال نشر ملصقات مجهولة المصدر ، وتأثر مستقبلها الوظيفي وأصبحت مرعوبة خائفة .
ومع عرض حالات الدراسة المشابهة شرحت المؤلفة بإيجاز مفاهيم : التحرش ، المطاردة ، الكراهية والانتقام بنشر المواد الإباحية ولماذا تصبح هذه المفاهيم قضايا هامة قابلة للمناقشة , وفصل المقدمة يجذب انتباه القراء خاصة في صفحة (9) حيث قدمت المؤلفة جدولاً يتناول أنواع المعلومات عن السمعة عبر الانترنت التي أثرت على رفض القرارات في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا لأسباب ترجع إلى كونها المخاوف بشان نمط حياة المرشح ، والتعليقات المسيئة والنص المكتوب من قبل المرشح وتوفر المعلومات ومقاطع الفيديو والصور غير المناسبة في عالم الانترنت .
ترى الكاتبة أن هذا يمكن أن يكون أثر أسوأ لكراهية الانترنت على الأفراد إلى جانب النتائج المدمرة مثل أعراض الانسحاب التي تبدو على الضحايا ، والمقدمة تعرض بشكل مختصر من سيكون هدفاً لكراهية الانترنت كما تبين ذلك الكاتبة مع ذكر المصدر من ( WHOA ، أي العمل على وقف الاعتداء عبر الانترنت ) وفي حين تكون النساء أكثر الضحايا ، وقد تؤثر الكراهية عبر الانترنت على الشباب الذين ينتمون غلى الأقليات الجنسية والعرقية، وتعرض المقدمة للقراء بشكل موجز عن حركات الحقوق المدنية في عالم الانترنت وتحديات التعبير الحر التي ستناقش في الفصول القادمة .
قسم الكتاب إلى قسمين : أحدهما له ثلاثة فصول بعنوان " فهم المضايقة الالكترونية " ، بينما يتناول الفصل الأول الكراهية الالكترونية ، تحاول المؤلفة شرح هذه المشكلة من خلال عرض ثلاث حالات للنساء الضحايا ، منها حالتي امرأتين تعرضتا لهجوم غوغائي من مجهولي الهوية من خلال المطاردة الالكترونية ، وضحية الحالة الثالثة تعرضت إلى جريمة سوء العلاقات الشخصية وكان دافعها الانتقام .
بينت المؤلفة أنه في بعض الحالات يفترض من الضحايا أن يعرفن هوية المهاجم ودوافعه ( خصوصاً في حالات الهجمات الشخصية ) في حالات الهجمات الغوغائية ، فأن أنشطة المتحرشين لها علاقة مباشرة بالثقافة الفرعية التي يتبنونها في المواقع الالكترونية كأعضاء فيها ، وهذه المواقع " تكرس الكراهية" والاستفادة من البغيضة بنشر التعليقات المسيئة .، وهذه الكراهية الرقمية قد تشتمل أيضا على المتصيدين " trolls" ، وذكرت المؤلفة أن هدف هؤلاء المتصيدين التسلية بالتحرش بضحاياهم ، وأثر المطاردة لا تقل عن أثر الصدمة النفسية حيث وصفت ذلك في صفحة (54) من الكتاب بالقول: " بعض المتصيدين مثل النسور الافتراضية " virtual vultures" تستهدف ضحايا عندما ترى غيرها يستهدف هؤلاء الضحايا " .
يتناول الفصل الثاني كيف أن فوائد الانترنت تصبح نقمة ، حيث بينت الكاتبة عاملين لتصبح هذه الفوائد نقمة على الآخرين ( الضحايا ) وبعض مميزات الانترنت تدفع المستخدمين إلى خلق بيئة سادية وقاهرة للغير مثل ميزة عدم الكشف عن هوية المستخدم وميزة استقطاب وتشكيل المجموعة وغيرها ، وهذان العاملان التقنيان هما :
تدفق المعلومات " information cascade "
و
" قنبلة غوغل ، bomb Google " .
هذان العاملان هما سبب انتشار التحرش والمضايقة في أرجاء الأرض بين الجماهير الغفيرة ، ومع ذلك لا يستعرض هذا الفصل كل سلبيات الانترنت إذ حاولت الكاتبة أن تبين إيجابيات " تدفق المعلومات " و " قنبلة غوغل " من أجل الحد من المضايقات الالكترونية الناتجة عن سوء استخدام هذين العاملين ، لذا الرسالة الأساسية في هذا الفصل هو أنه على الرغم من مميزات الانترنت التي قد تتحول إلى معامل الهدم إلا أنها قد تصبح مساحة للبناء .
يعرض الفصل الثالث الموقف الاجتماعي المتعلق بجرائم الكراهية عبر الانترنت وهذا هو الفصل الأخير في القسم الأول من الكتاب ، في هذا الفصل تكشف الكاتبة أن الموقف الاجتماعي تثني الضحايا عن الإبلاغ عن حوادث الجرائم ، ولعل ذلك يرجع إلى اعتقاد الضحايا أن هذه الجرائم ذات شان غير مهم في نظر رجال الشرطة والمحاكم فضلاً عن المجتمع ككل , وتحاول الكاتبة ذلك من خلال استعراض ثلاث حالات دراسة من الولايات المتحدة حيث أن الضحايا لم يعطوا أهمية لهذه الحوادث وتلقى عليهم اللوم بوقوع هذه الحوادث ، وتذكر الكاتبة أن عدم كفاية آلية عمل الشرطة و عدم تحمل رجال الشرطة مسئولية قانونية لهذه الحوادث ، ومع ذلك فان الموقف الاجتماعي قد يؤثر في تفعيل حكم القرار بعد أن فقد الضحايا الثقة بأنظمة المحاكم الجنائية .
القسم الثاني يتناول الاستراتيجيات التي ستحد من جرائم التحرش والمضايقة ، وفي مقدمة هذا القسم ( الفصل الرابع للكتاب ) تذكر المؤلفة التشريعات الجنائية لمكافحة جرائم الكراهية وقوانين الحقوق المدنية يمكن أن تطبق بشكل جيد بهذا الشأن ، لكن نادراً ما يتم تطبيقها ومع ذلك تقدم المؤلفة للقراء مفهوم الحقوق المدنية عبر الفضاء الافتراضي ، وتشير إلى أن هناك الإجراءات القانونية لمكافحة التحرش الالكتروني المتاحة للضحايا كأفراد وللمجتمع ككل ، مع أن هناك تطور في تشريعات المطاردة الالكترونية منذ عام 1999 إلا أنها لم تقدم حلاً كاملاً لهذه المشكلة ، والميزة الفريدة في هذا الكتاب هي أن الكاتبة تتعامل بشكل منفصل مع مصادر القانون فيما يتعلق بالضحايا ومع المتحرشين والوسطاء من خلال ثلاثة فصول منفصلة من الكتاب .
في الفصل الخامس ( من القسم الثاني بعد المقدمة ) تبين الكاتبة الحلول المتاحة في التشريعات المدنية والعادية بالولايات المتحدة التي تعتمد على طبيعة مشكلة التحرش وإجراءات التنفيذ عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الضحايا ، ومع ذلك تشير المؤلفة إلى أن مع الاستفادة من الحلول المتاحة إلا أن الضحايا يواجهون تحديات لحماية خصوصياتهم وهوياتهم من الهجمات الالكترونية خاصة في ذكر الاسم الحقيقي للضحية .
مع وجود أعداد من القوانين الجنائية المحلية والاتحادية لمعاقبة أنواع مختلفة من الجرائم عبر الانترنت بما في ذلك المطاردة أو التعدي على الخصوصية وغيرها ، فأن الكاتبة تزعم أنه لا القوانين الجنائية التقليدية قادرة على تحقيق النتائج المثمرة عندما يتعلق الأمر بالتحرش على أساس نوع الجنس " gender " ، أو عندما تؤثر حادثة التحرش على فرص الحياة لدى الضحايا دائماً ، وبالنظر إلى هذه التحديات تؤكد الكاتبة قضية الضرر الواقع على الضحايا مثل انتهاك حقوقهم المدنية عبر الانترنت وإمكانية استعادة العدالة مع قوانين الحقوق المدنية الالكترونية ، وفي الفصول الخمسة السابقة استعرضت الكاتبة حالات التحرش الالكترونية عندما عجز الضحايا الوصول إلى العدالة بسبب تعقيدات القانون الجنائي بشأن هؤلاء المتحرشين .
خصص الفصل السادس لفهم القوانين الحالية والمقترحات لتحديثها لتعزيز محاسبة أو مسئولية المتحرشين ، ذكرت الكاتبة ثلاثة مقترحات من شأنها تحقيق ذلك ، فهي تقترح قوانين جنائية متعلقة بالمطاردة والتحرش الالكترونية لتغطية الإجراءات للتصدي للانتقام ، وتحديث هذه القوانين لمعاقبة فعل التحرش والتعدي على الغير ( منعه من العمل ، التعليم ، التعبير عن رأيه ..ألخ ) .
قدمت الكاتبة قوانين نموذجية لهذا الغرض من أجل تحديث التشريعات مثل قانون المطاردة " S.2261A" الالكتروني أو التي تتشكل من نموذج قوانين الحقوق المدنية في ولاية كاليفورنيا ، أو قانون الحقوق المدنية لعام 1866 ( الذي يضمن حقوق الأقليات العرقية ، مع أجندات الإصلاح القانوني لتنظيم حوادث المضايقات الالكترونية ، فأن الكاتبة ذكرت أن هدف الحد من المضايقة عبر الانترنت لم يتحقق بالكامل طالما لم تنظم إجراءات الوساطة .
في الفصل السادس تدرس الكاتبة القوانين الموجودة مثل " S.230 CDA " بشأن مسئولية المواقع الالكترونية عن المحتويات المنشورة فيها ومواقع الابتزاز بما في ذلك أولئك الذين يجنون أرباحاً مالية عن طريق فرض رسوم إزالة محتويات " المضايقة" وغيرها من المواقع ، وتقترح بعض تعديلات على هذه القوانين التي من شانها تعزز مسئولية مسئولي المواقع الالكترونية في حالات التحرش الالكتروني .
في الفصل السابع هناك اهتمام وتركيز من الكاتبة خصوصاً في صفحة (181) من الكتاب عندما ناقشت الكاتبة مسئولية أرباب العمل في البحث عن سجلات ماضي المستخدمين الذين يبحثون عن العمل للتمييز بين المرشحين للوظيفة ، من الملاحظ أن بعض الدول مثل فنلندا لها تشريعات مانعة ضد أنواع التمييز بين المرشحين بينما الولايات المتحدة تفتقر إلى مثل هذه التشريعات ، وحثت الكاتبة صناع القرار السياسي على إعادة النظر في قوانين الحقوق المدنية المتعلقة بهذه القضية .
وفي حين عندما نقشت الكاتبة أنواع الكراهية عبر الانترنت فأنها أشارت إلى آلية جديدة لتعزيز دور ومسئولي المواقع الالكترونية بخصوص الحد من حالات التحرش والمضايقة .
في الفصل الثامن من الكتاب تحدت الكاتبة أن مناقشاتها التي تشتمل على مقترحاتها بشان الإصلاح القانوني يعني عدم الالتزام ضمان حرية التعبير عن الرأي كما جاء في التعديل الأول للدستور ، لكن الكاتبة تقول أن هذا التعديل ليس مطلقاً ، لذا المواقع الالكترونية ليست الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الآراء والمشاعر ، إنما توجد وسائل أخرى للتعبير عن الرأي كما في أماكن العمل ، المدارس ، الأندية الاجتماعية والثقافية وساحات المدن ، وهذا يجعل من الضروري وضع القيود على حرية التعبير تكون أكثر عملية ووضوحاً .
بينما التعبير عن الكراهية يعتبر " خطاب محمي " فقد ظهرت التهديدات الحقيقية عبر الانترنت من خلال هجوم الغوغاء أو هجوم قراصنة الانترنت على خصوصية الأفراد وهي ليست من " الخطاب المحمي" ، لذا أكدت الكاتبة على القضايا بشأن التعديل الأول للحماية الشخصية المتعلقة بتهمة التشهير في الحالات الخاصة للأفراد التي قد تختلف عن الحالات العامة .
الفصل التاسع هو الفصل الأخير عن للقسم الثاني من الكتاب بشأن دور الجهات غير القانونية في مجال مكافحة المضايقة والتحرش عبر الانترنت ، فشركات المواقع الالكترونية مثل " غوغل " ، المدارس وأولياء الأمور لها لهم أدوار فردية وأدوار مجتمعة في قضية التحرش التي يتورط بها الأطفال والشباب ، وناقشت الكاتبة التطورات الإيجابية التي جاءت من جانب الجهات غير القانونية وكيف تستمر في دورها .
يختتم الكتاب بملاحظة بخصوص عرض الكاتبة التطورات الإيجابية في ثلاث حالات رئيسة التي يعتمد عليه الكتاب حيث أكدت الكاتبة على حث القراء في مطالعة أجندة القوانين المدنية باعتبارها مهمة في مكافحة التحرش عبر الانترنت ولكي تتحول ثقافتهم إلى سلوكيات ومواقف في التعامل مع جرائم الانترنت .
الكتاب له فوائد في مجالات عديدة ، منها أن نموذج تشريع " Citron " لمكافحة الانتقام من نشر المواد الإباحية في صفحة (152) من الكتاب ، فالكتاب يؤيد قوانين الحقوق المدنية كمشروع فريد من نوعه ، والميزة الأخرى للكتاب هي الحالات التي اعتمدت عليها الكاتبة في صياغة الحجج التي قدمتها .
اللغة الواضحة ، الأفكار المطروحة ، تأطير وتقسيم فصول الكتاب ، مناقشة المراجع بشأن إعادة النظر في القوانين خصوصاً قوانين الحقوق المدنية كلها أمور تتفرد بها الكاتبة ، وجدير بالذكر أن الكتاب يعد مرجع ومصدر ليس فقط للباحثين الذين يبحثون عن دراسات التشريع في مجال الانترنت وإنما أيضا مرجع لدراسات الحقوق المدنية ، الاتصالات ، علم الجريمة وعلم العقوبات والجزاءات بشكل عام .