تجارب ناجحة لدور الدولة الاجتماعي في ظل العولمة الاقتصادية
د. فرغلي هارون
تعتبر قضية دور الدولة، خاصة في فترات التحول من نظام اقتصادى - اجتماعى إلى آخر، من أكثر القضايا المحكومة بالرؤى الأيديولوجية الرأسمالية والاشتراكية التي تضيق أحيانًا عن إدراك الآفاق الأكثر رحابة التي يتيحها النظر لهذه القضية من زاوية واقعية ترتبط فيها التصورات بمستوى تطور الاقتصاد والمجتمع، وضرورات تقدمه، والمقتضيات اللازمة لتحقيق أهدافه العامة.
وقد تميزت دول العالم الثالث في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، كما يؤكد جلال أمين، بدور أكبر للدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث كانت الدولة تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الاقتصاد والمجتمع، فتعلن عن خطط طموحة للتنمية، وتفرض سياجًا جمركيًّا لحماية صناعاتها الناشئة، وتقوم بدور جبار في مشروعات البنية الأساسية وإعادة توزيع الدخل. ولكن الحال تبدلت عندما بدأ تيار العولمة الجديد وبزغ نجم الشركات متعددة الجنسيات، حيث أصبح لزامًا على الدولة القوية في العالم الثالث أن ترخى قبضتها شيئًا فشيئًا على الاقتصاد والمجتمع تحقيقًا لمصالح هذه الشركات. فالأسوار الجمركية يجرى هدمها، ونظام التخطيط يتم إلغاؤه، وإعادة توزيع الدخل وما يعطى من دعم للسلع الضرورية يقال أنه يتعارض تعارضًا صريحًا مع اعتبارات الكفاءة ومضر بالتنمية، وقد زاد هذا الاتجاه تسارعًا بعد انتهاء الحرب الباردة. ولكن هذا التحول التام من سياسة إلى نقيضها يجب أن تقوم به الدولة نفسها. إن عليها أن تقوم بتفكيك نفسها، وعليها إقناع الناس بتفاهتها وقلة حاجتهم إليها، وعليها أن تسلم مهامها ووظائفها القديمة الواحدة بعد الأخرى لتتولاها الشركات الدولية العملاقة أو المؤسسات الدولية التي تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة وتعمل لحسابها[1].
ولكن إذا كانت العولمة والتغير التقني لا يجلبان فقط فرصًا جديدة، وإنما أيضًا تكاليفًا وتحديات اجتماعية متزايدة. فإن هذا المجال الاجتماعي هو بالضبط ما يمكن للدولة أن تلعب فيه دورًا حيويًا يحتاج إلى المزيد من التعزيز والدعم. ورغم أن فكرة ضرورة الدولة لمعالجة تكاليف التكيف مع العولمة أصبحت مقبولة على نطاق واسع في العقود الماضية، إلا أن الاهتمام الأكبر، كما يؤكد تقرير العولمة والدولة، يوجه للضرورات الاقتصادية أكثر من الاعتبارات الاجتماعية. ونتيجة لذلك تركز الجدل حول تطوير وإصلاح الدولة بشكل ساحق على الكفاءة الاقتصادية والتكنوقراطية لحل المشكلات السياسية، في حين أن المسائل الاجتماعية لم تحظ بالاهتمام الكافى. حيث يعتقد البعض أن المشاكل الاجتماعية يمكن حلها من خلال تفويض جزء كبير منها إلى السوق وآلياته، بينما يرى آخرون أن مؤسسات المجتمع المدني وحدها يمكن أن تجد حلولًا لهذه المشاكل. ولكن التجربة تدل على أن مؤسسات المجتمع المدني في أغلب الأحيان تعاني من ضعف شديد بسبب المشاكل والقيود التي تواجهها عند التصدي لهذه المشكلات وخاصة في البلدان النامية[2].
وهذا من شأنه أن يبرز الدور الهام الذي يجب أن تضطلع به الدولة في إدارة عملية الاندماج في الاقتصاد العالمي، وضمان تلبيتها للأهداف الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء. ويشمل هذا الدور، كما يؤكد تقرير عولمة عادلة، توفير السلع والخدمات العامة كالتعليم والصحة والأمن والقانون، والإشراف على الأسواق وتصحيح عيوبها وإخفاقاتها، وتوفير الحماية للمعرضين للتضرر من عمليات السوق والدفاع عنهم، والاستثمار في القطاعات ذات المنفعة العامة والتي لا يُقبِل القطاع الخاص على الاستثمار فيها. كما أن للدولة دورًا هامًّا في الحد من تأثير العولمة على التفاوت في الدخل، من خلال الضرائب التصاعدية وسياسات الأجور والبرامج والآليات الاجتماعية الأخرى. فالعولمة خلقت العديد من الحاجات الجديدة التي يجب على الدولة الآن الاستجابة لها. ويمكن رؤية التحدي الجديد الذي يواجه الدولة في سياق الاندماج في الاقتصاد العالمي على مستويات متعددة. فالتحرير المالى يعرض البلدان لمخاطر أكبر من التقلبات الاقتصادية، بما في ذلك الدمار الذي يمكن أن تحدثه بها الأزمات المالية، ويتطلب ذلك تقوية دور الدولة في توفير الحماية الاجتماعية وليس إضعافه. وكذلك، فإن حركة رأس المال المتزايدة في ظل العولمة تقوى من سيطرة أصحاب العمل في مواجهة العمال، في نفس الوقت الذي تشهد فيه أسواق العمل تدمير وانتزاع العديد من فرص العمل بفعل التكيف الاقتصادي والانفتاح، مما يؤكد الحاجة إلى دور أقوى للدولة في بناء شبكات فعالة ومؤسسات جيدة لسوق العمل. وثمة مجال هام آخر لعمل الدولة هو سياسة الاقتصاد الكلي، وتشمل إنجاز أعلى معدل ممكن من النمو الاقتصادي والنهوض بالعمالة الكاملة والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، بما يضمن معدلات نمو واستخدام مستدامة ومحمية من مخاطر الأزمات الاقتصادية[3].
وهكذا فإنه إذا كان اقتصاد السوق المفتوح هو الأساس الضرورى للتنمية والنمو والإنتاجية، ولا يستطيع بلد اليوم رفض المشاركة في الاقتصاد العالمي. فإن التحدي الرئيسي هنا هو كيفية إدارة التفاعل مع الأسواق العالمية لضمان النمو والتنمية والمساواة. وكل ذلك يتطلب وجود مؤسسات قوية ومسئولة يمكنها توليد الوظائف والثروة وتحفيز الابتكار والمساهمة في الموارد العامة. فإذا أرادت الدولة أن تستفيد من العولمة، يجب عليها أن تكون قادرة على تنمية مؤسساتها سواء الاجتماعية أو الاقتصادية اللازمة لتحقيق التنمية السليمة والعادلة. وأفضل إدارة للعولمة هي التي توسع نطاق السياسات الوطنية بحيث تساعد على تنمية المؤسسات وخلق الوظائف وخفض حدة الفقر وتحقيق المساواة، كما تقوى الحماية الاجتماعية وتعزز المهارات والكفاءات. كما تدعم الإجراءات التي تستهدف التغلب على الطابع غير المنظم وعدم المساواة والاستبعاد. كذلك تتطلب المزيد من التماسك بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية لضمان التنمية المستدامة.
ومن هنا، نحاول في هذه الصفحات التعرف على بعض التجاربالناجحة لدور الدولة الاجتماعي في ظل العولمة الاقتصادية، للوصول إلى تصور عام حول إمكانية الاستفادة من هذه التجارب لتطوير وتعزيز الدور الاجتماعي للدولة في ظل العولمة الاقتصادية.
يقول حائز نوبل في الاقتصاد جوزيف ستجليتز: "ليست المسألة أن تتعولم أو لا تتعولم أو أن تنمو أو لا تنمو وليست حتى إن تحرر أو لا تحرر، فالمسائل بدلًا من هذا هي ما سرعة تحرير التجارة، وما السياسات الواجب أن تصاحبها؟، هل هناك استراتيجيات نمو داعمة للفقراء تحقق المزيد من تخفيض الفقر فيما تعزز النمو؟، وهل هناك استراتيجيات نمو تزيد من الفقر ينبغى تحاشيها؟"[4].
وفى الوقت الذي تتخلى فيه أغلب الدول العربية تدريجيًّا عن دورها الاجتماعي، في إطار تبعيتها السياسية والاقتصادية للغرب الرأسمالى، وبحجة ما تفرضه عليها سياسات العولمة الاقتصادية وقواها الفاعلة من قيود، نجد دولًا أخرى استطاعت تحقيق التفاعل الإيجابي مع العولمة بحيث حققت التنمية الاقتصادية التي تسعى إليها، وفى نفس الوقت حافظت على دورها الاجتماعي تجاه مواطنيها، بل وتسعى إلى تطويره باستمرار ليتلاءم مع ما تفرضه العولمة الاقتصادية من تحديات مستمرة.
ومن أمثلة التجارب الناجحة لتعامل الدولة الفعال مع العولمة الاقتصادية والحفاظ على دورها الاجتماعي نعرض لتجارب الدول التالية:
أ- تجربة الصين التنموية الشاملة:
تقدم الصين نموذجًا للتعامل الإيجابي الفعال مع العولمة بتحدياتها وفرصها، يوضح أن الدولة القومية لا تستطيع فقط التعايش مع العولمة ولكنها تستطيع فعليًا زيادة قدرتها على التأثير الخارجى عن طريق التكيف الفعال مع العولمة. ففي الوقت الذي كانت مصر - على سبيل المثال - تتبنى فيه سياسة "العلاج بالصدمة" التي ترى أن الخصخصة السريعة هي السبيل الوحيد للانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق. تبنى مهندسو ومخططو الاصلاحات الصينية الر أي التدريجي، مما أدى إلى مسار تدريجى ومستقر من الاصلاحات الاقتصادية، أثار شكوكًا خطيرة حول نهج العلاج بالصدمة والافتراضات التي قامت عليها. فنجاح الصين كان بمثابة لائحة اتهام قوية ضد طبيعة السوق الاقتصادية التي يحركها منطق مدرسة الخصخصة السريعة.
ويرجع جيثرى Guthrie، نجاح الإصلاح التدريجي في الصين إلى عاملين. أولًا، احتفاظ الحكومة بدورها كقوة استقرار في خضم الاضطراب الذي لا بد وأن يصاحب عملية الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق. وبمرور الوقت أصبح اقتصاد السوق أكثر نجاحًا من الناحية العملية، وأصبحت الخطة جزءًا من مؤسسة السوق. ثانيًا، أن الحكومة دفعت تدريجيًا إلى المحليات أسفل الهرم الإدارى بمسئوليات تشبه سيطرة الحكومة. ونتيجة لذلك، كانت الحكومة المركزية قادرة على تولى السيطرة الاقتصادية على المديرين المحليين بدون خصخصة. وهذه الإصلاحات الاقتصادية عملت على أربعة مستويات. أولًا، تغيرات مؤسسية على أعلى المستويات الحكومية. ثانيًا، التحرك على مستوى الشركات والمؤسسات التي تعبر عن النظام القانوني الرشيد الناشئ على مستوى الدولة. ثالثًا، دعم هذه التغيرات من خلال نظام قانونى يوفر للعمال الدعم المؤسسى للتظلم. رابعًا، تم تشكيل علاقات العمل من خلال ظهور أسواق جديدة للعمل في الصين، والتي سمحت للعمال بحرية التنقل لإيجاد فرص عمل جديدة عند الضرورة. وكان نتيجة هذه التغيرات ظهور نظام عقلانى قانونى للعمالة، وإعطاء العمال الحق في الاحتجاج على هذه القوانين عند الضرورة[5].
وكما يذكر ثورو، فقد بدأت الصين في أواخر السبعينيات تنفيذ برنامجها للإصلاح في الريف بإلغاء المحليات وتخصيص نصيب لكل أسرة من الفلاحين من الأرض. ومنحت الحكومة للفلاحين عقود إيجار لمدة 15 سنة للأراضى المنتجة للمحاصيل السنوية، و50 سنة للبساتين الشجرية، مع منحهم الحق في نقل عقود إيجار الأراضي في 1988. غير أن كل فلاح كان يعرف في الواقع أن الأرض صارت ملكة وأن الدولة لن تستردها. وبفضل حوافز أخرى طيبة قفز الإنتاج الزراعي الصيني بمقدار الثلثين على مدى الأعوام الستة من 1978 إلى 1984. وفى المجال الصناعي، حرصت الصين في البداية على قصر تجارتها مع السوق على بعض القطاعات الاقتصادية الخاصة بدلًا من محاولة تكريس السوق لتحقيق نجاح اقتصادى ثورى يغطى البلاد بأسرها. وكانت الاستراتيجية الصينية تتمثل في التحرك التدريجي لتحقيق نجاح يستفاد به في تحقيق نجاح تال. فقد أدت خصخصة الزراعة إلى خصخصة المرافق التي أدت بدورها إلى خصخصة تجارة التجزئة على نطاق صغير ثم إلى خصخصة الصناعات الصغيرة. وتم تحرير قطاع التصدير قبل قطاع الاستيراد، وكلما اتسع نطاق المجالات الاقتصادية الخاصة اتسع نطاق السوق[6].
وكان النجاح الذي حققته الصين منذ تحولها إلى اقتصاد السوق يعتمد على إستراتيجيات وسياسات قابلة للتكيف: حيث تبرز مجموعة من المشاكل بعد حل كل مجموعة سابقة من المشاكل، الأمر الذي يتطلب ابتكار سياسات وإستراتيجيات جديدة. وتتضمن هذه العملية ما أطلق عليه ستجليتز "الإبداع الاجتماعي". حيث أدركت الصين أنها لا تستطيع ببساطة أن تحاكى المؤسسات الاقتصادية التي صادفت النجاح في بلدان أخرى؛ كما أدركت أن ما نجح في أماكن أخرى من العالم لا بد وأن يتكيف على الأقل مع المشاكل الفريدة التي تواجه الصين[7].
ونتيجة لهذه الجهود الإصلاحية الحقيقية، شهدت الصورة الانطباعية العالمية عن الاقتصاد الصيني تحولات هائلة في السنوات الأخيرة مع استمرار النمو المذهل والطويل الأجل في الناتج المحلى الإجمالي مما ارتقى بمرتبة الصين بين أكبر اقتصادات العالم، حيث تحل ثانية بعد الولايات المتحدة مباشرة إذا قيس الناتج بالدولار طبقًا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار والديوان الصيني، وتحل رابعة بعد الولايات المتحدة واليابان وألمانيا إذا قيس الناتج بالدولار طبقًا لأسعار الصرف السائدة، وهى مرشحة لتجاوز ألمانيا في العام 2007، وتجاوز اليابان قبل عام 2015. وتعد الصين من أعلى بلدان العالم في معدلات الادخار والاستثمار المتحققة فيها، وقد بلغ معدل الادخار المحلى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي في الصين 51% عام 2005، كما بلغ معدل الاستثمار كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي في الصين 44% عام 2005، وتعتبر الصين أكبر مصدر للسلع في العالم حيث بلغت صادراتها 9,4% من إجمالى صادرات العالم عام 2005، كما تعتبر صاحبة أكبر فائض تجارى في العالم منذ عام 2000 وحتى الآن. كذلك فقد شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين قفزات هائلة خلال الربع قرن الأخير بما جعلها تظهر دائمًا ضمن أكبر خمسة دول مستقبلة لتلك الاستثمارات منذ النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى وحتى الآن، كما بدأت مساهمة الصين في تصدير الاستثمارات المباشرة تتزايد حيث أصبح لديها استثمارات متراكمة في الخارج قيمتها 46,3 مليار دولار في عام 2005، بعد أن كانت لا تتجاوز 4,5 مليار دولار عام 1990. كما بلغ معدل نمو الناتج المحلى الإجمالي الصيني نحو 9,7% سنويًا في الفترة من 1990 – 2002، ليقفز إلى 10,7% عام 2006، كما حافظت الصين على معدلات تضخم منخفضة سجلت 2,8% عام 1997، لتصل إلى 1,5% عام 2006.
كما أصبحت الصين عنصرًا فعالًا في التطوير التكنولوجي الصناعي والزراعي والدوائي والعسكري الذي يجرى في العالم، وليست مجرد دولة متلقية للانجازات التكنولوجية من الدول الأخرى. كما أنها تعمل بمرونة وكفاءة لتنويع مصادر حصولها على وارداتها من الطاقة وبالأساس النفط، ومن المعادن الرئيسية الضرورية للصناعة الصينية المتعاظمة النمو، وبالذات القارة الأفريقية التي تعمل الصين على بناء علاقات استراتيجية معها. كما تعمل الصين على تنمية أسواقها الخارجية بصورة شديدة الفعالية.
وكما يذكر أحمد النجار، فإنه رغم أن عدد سكان الصين بلغ نحو 1305 ملايين نسمة عام 2005، بما شكل 20,3% من عدد سكان العالم في العام نفسه. إلا أن قيمة الناتج القومي الإجمالي لها بلغ نحو 2263,8 مليار دولار، بما يشكل نحو 5% من الناتج العالمي في العام نفسه. وقد بلغ نصيب الفرد في الصين من الدخل القومي نحو 1740 دولار عام 2005. وهو ما يضع الصين ضمن دول الدخل المتوسط المنخفض التي انتقلت إليها منذ عام 2001 بعد أن كانت قبل ذلك تقع ضمن دول الدخل المنخفض. ولو استمرت معدلات نمو الناتج ومعدلات النمو السكاني في الصين على ما هي عليه في الوقت الراهن فإنها ستنتقل إلى دول الدخل المتوسط المرتفع بحلول عام 2015 على أقصى تقدير، توطئة لانتقالها إلى دول الدخل المرتفع عام 2030 على أقصى تقدير[8].
ومن خلال سياستها الاقتصادية القائمة على تحرير الاقتصاد الوطني من ناحية، وقيام الحكومة بتوجيه الاستثمارات والتدخل في تحديد المجالات الممكن الاستثمار فيها من ناحية أخرى، استطاعت الصين، في أقل من عشرين عامًا زيادة قيمة الناتج القومي إلى أربعة أضعاف، وكانت هذه النتيجة قد تحققت في سياق سياسة تجارية أعاقت بنحو حازم الواردات ووضعت سدًّا منيعًا أمام سوق المال الدولية وفرضت على الاستثمارات الأجنبية قيودًا صارمة. وكما يذكر ميريديث، "فحين أرادت الشركات الأجنبية فتح مصانع لها في الصين، أصرت الحكومة على أن تستخدم الشركات الأجنبية عمالًا صينيين، وأن تعلمهم كيفية استخدام أحدث تقنياتها، مما أدى إلى تدفق طوفان أغرق بلدًا متخلفًا تكنولوجيًّا بالخبرة التقانية الحديثة، ومن ثم حفز الثورة الصناعية لتمضى سريعًا على طريق الإنجاز "[9].
كما أدركت الصين أن ما يفصل الدول الأقل تقدمًا عن الدول الأكثر تقدمًا ليس فقط الفجوة في الموارد، بل أيضًا الفجوة في المعرفة. ولذلك فقد وضعت خططًا جريئة ليس فقط لتضييق هذه الفجوة، بل وأيضًا لوضع الأساس للإبداع المستقل. " حيث تشير بيانات البنك الدولي للفترة من 2000 - 2004 إلى أن من بين كل مليون نسمة من سكان الصين هناك 708 عالم، فضلًا عن الفنيين الذين يعملون في مجال البحث والتطوير؛ أي إن هناك 924 ألف عالم يعملون في البحث والتطوير العلميين في الفترة نفسها، مقارنة بنحو 1,4 مليون عالم في الولايات المتحدة. وهو ما يعنى أن الصين بنخبتها العلمية الضخمة سوف تتحول مع تراكم الخبرات وتحقيق الاختراقات وتطوير الإنجازات العلمية العالمية إلى قوة هائلة في القيادة العلمية للعالم. وقد أنفقت الصين على البحث والتطوير العلميين نحو 1,44% من الناتج المحلى الإجمالي الصيني في الفترة نفسها، مقارنة بنحو 2,28% في العالم عمومًا.
ويظهر التطور في المستوى التقني للاقتصاد الصيني في حجم الصادرات الصينية عالية التقنية ونسبتها من إجمالى الصادرات العالمية، حيث بلغت قيمة الصادرات الصينية عالية التقنية نحو 214,3 مليار دولار عام 2005، بما شكل نحو 17,2% من إجمالى الصادرات العالمية عالية التقنية في العام نفسه "[10].
وعولمة الصين لا تقتصر على فتح الاقتصاد ولكن الأكثر أهمية هو عولمة المؤسسات. فالصين اليوم ترسل بعثات في جميع أنحاء العالم سعيًا وراء أفضل الممارسات. وكما يؤكد أوفرهولت Overholt، فإن الصين لا تتكيف فقط مع التكنولوجيا الأجنبية وتقنيات إدارة الشركات الأجنبية، بل أيضًا مع مجموعة واسعة من المؤسسات والممارسات الخارجية: معايير المحاسبة الدولية، قوانين الأوراق المالية للولايات المتحدة وبريطانيا وهونج كونج، اقتناء نظم العسكرية الفرنسية، هيكلة البنك المركزى على غرار هيكل الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، استراتيجية للتنمية الاقتصادية تم تكييفها من كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وغيرها. ومن بين أهم هذه التغييرات قرار اعتماد المفهوم الغربى لسيادة القانون، واعتماد التنافسية كممارسة اقتصادية[11].
والحقيقة أنه بقدر ما أذهلت الصين العالم بنموها السريع وانطلاقتها الاقتصادية الجبارة، فإنها تذهلنا أيضًا بنجاحاتها الكبيرة في تخفيض أعداد الذين يعيشون في فقر مدقع، فكما يذكر تقرير الاتجاهات الاقتصادية لعام 2008، فقد نجحت الصين في تخفيض أعداد من يعيشون بأقل من دولار في اليوم من 634 مليون نسمة عام 1981 بما يوازى 63,8% من السكان، إلى 128 مليون نسمة عام 2004 بما يوازى 9,9% من السكان فقط. ويعود الإنجاز الجبار الذي حققته الصين إلى النمو الهائل الذي حققه اقتصادها والذى بلغ نحو 10% سنويًا في المتوسط خلال الفترة من 1983 حتى عام 2007. فضلًا عن أن النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي في الصين يضع قضية العدالة في توزيع الدخل ومكافحة الفقر في مكانة متقدمة في جدول أولوياته ويعتمد في ذلك على تمكين البشر من الحصول على فرص للعمل وكسب العيش بكرامة وبصورة دائمة تتضمن الحد الأدنى من حياة كريمة وبعيدة عن الفقر المدقع على الأقل، كما يعتمد في تحقيق ذلك على سياسة دعم السلع والخدمات الاجتماعية، وسياسة التحويلات الاجتماعية، وكل ذلك مكن الصين من تحقيق انجازها الجبار بتقليص أعداد الفقراء بسرعة مذهلة[12].
ومن الدلالات الناجحة لسياسة الصين الاجتماعية قدرتها الفائقة وغير المسبوقة على الاستغلال الأمثل لكل السكان والقوى العاملة التي تمثل مواردها البشرية، حيث حافظت الصين منذ تأسيس الجمهورية في منتصف القرن العشرين على معدلات بطالة منخفضة للغاية، وكانت هناك فرص عمل حقيقية وتشغيل كامل وليس من خلال حشو الأجهزة الحكومية بالبطالة المقنعة.
إذ تعتبر الصين من أفضل دول العالم في مستويات التشغيل ومكافحة البطالة. "حيث حافظت على معدلات منخفضة للبطالة، لم تزد - وفقًا لتقارير البنك الدولي - عن 3,1% طوال الفترة من 1985 وحتى 2000، ولتسجل أعلى معدلاتها وهو 4,2% عام 2004. وهذه المعدلات في مجموعها تعكس عدم وجود بطالة حقيقية، لأنها تدور حول المستوى الذي يمكن اعتباره بطالة احتكاكية، أي تلك البطالة المرتبطة بالتعطل العادي في فترة الانتقال من عمل إلى آخر، أو التعطل القصير الأجل أثناء البحث عن عمل "[13].
لقد أدركت الصين أن الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي يتطلب تفادى البطالة الضخمة، وأن خلق فرص عمل جديدة يجب أن يكون بالتوازي مع إعادة الهيكلة. لذلك حررت اقتصادها بالتدريج وبطرق أمنت إعادة نقل الموارد البشرية التي تم تسريحها إلى استخدامات أكثر فاعلية، بحيث لا تترك في حالة بطالة غير منتجة.
وهكذا نجد أن الحكومة في الصين تصرفت كيد مرئية مساعدة ومحفزة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أطلقت العنان لعملية تدمير بناءة لإزالة النظام الاقتصادي القديم بالتوازي مع خلق النظام الجديد، وشرعت في إقامة بنية تحتية مؤسسية ولوائح تنظيمية للبنوك وشبكات التأمين وعمليات البورصة وإعادة هيكلة الشركات القديمة، وقد سهلت السياسة الاجتماعية والمالية وإقامة مشروعات جديدة الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والتقدم الاقتصادي. كما عززت السياسة الاجتماعية في الصين عملية اللامركزية وإعطاء الفرصة كاملة للسلطات المحلية على كل المستويات صلاحيات واسعة لتنظيم العمل الاجتماعي والاقتصاد المحلى وتنسيق الخطط الاستثمارية وجذب المستثمرين وحل المنازعات الطارئة ومراقبة الأسعار وتحقيق التنمية الشاملة المطلوبة.
ويؤكد جمعه وعبد الرسول، أنه من الأسباب الجوهرية لنجاح السياسة الاجتماعية الصينية وعدم سقوطها في براثن الإصلاح الجزئي الذي جرف بعض السياسات الاجتماعيةوالاقتصادية في الدول الأخرى، هو حرص الحكومة الصينية على أن تتم عمليات الإصلاح بشكل لا يقود إلى وجود عدد كبير من الخاسرين، مما يؤدى إلى عرقلة خطوات الإصلاح الاجتماعي والسياسي. ولاشك أن هناك بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تصاحب عمليات التغيير والإصلاح، ولكن السياسة الاجتماعية الصريحة، والتخطيط الاقتصادي المدروس، والالتزام الحكومي، والتجاوب الشعبي الفعال، والانفتاح المتدرج على العالم الخارجى، أدى إلى نتائج رائدة جعلت من الصين أهم قصص النجاح الحقيقى والواقعى على جميع المستويات.[14]
ب- تجربة ماليزيا التنموية:
أن ما حققته ماليزيا من إنجازات منذ استقلالها عام 1957 جدير بالإعجاب الشديد، ويستطيع العالم أن يتعلم منها الكثير عن الاقتصاد وعن كيفية بناء مجتمع نشط متعدد الأعراق والأجناس والثقافات. فحين استقلت ماليزيا، كانت واحدة من بين أفقر دول العالم. ورغم صعوبة الحصول على البيانات الجديرة بالثقة، إلا أن ناتجها المحلى الإجمالي، كما يذكر ستجليتز[15]، كان قريبًا من الناتج المحلى الإجمالي في هايتي وهندوراس ومصر، وأدنى من الناتج المحلى الإجمالي في غانا بحوالي 5%. أما اليوم فقد تضاعف دخل ماليزيا إلى 7,8 أمثال الدخل في غانا، وأكثر من خمسة أضعاف الدخل في هندوراس، وأكثر من ضعفي ونصف الدخل في مصر. وتحتل ماليزيا الآن مرتبة عليا بين مجموعة الدول التي حققت نموًا هائلًا على مستوى العالم، فتقف إلى جانب الصين وتايوان وكوريا الجنوبية. فضلًا عن ذلك فقد كان توزيع فوائد النمو في ماليزيا عادلًا. كما وضعت ماليزيا خطة للقضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2010، بعد أن هبط إجمالى معدل الفقر إلى 2,8%. لقد نجحت ماليزيا في تقليص الفوارق في الدخول، بعد أن كانت تلك الفوارق سببًا في الفصل بين العديد من المجموعات العرقية فيما مضى. ولم تحقق ماليزيا هذه الغاية بإنزال الأعلى إلى الأدنى، بل برفع الأدنى إلى الأعلى. ونجاحها في تقليص الفقر يرجع إلى قدرتها على توفير عدد هائل من الوظائف الجديدة. فبينما تعاني أغلب بلدان العالم من البطالة، كانت ماليزيا تستقدم العمالة من الخارج. وخلال خمسين عامًا، نجحت ماليزيا في خلق 7,24 مليون فرصة عمل، بزيادة تبلغ 261%.
ومنذ استقلالها، حرصت الدولة في ماليزيا على الاستثمار في التعليم، والتكنولوجيا، وشجعت الادخار، وسنت قوانين اجتماعية فعّالة، وتبنت سياسات سليمة في إدارة الاقتصاد الشامل. كما أقرت الدولة في ماليزيا ضرورة اضطلاع الحكومة بدور نشط لتحقيق النجاح في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تجنبت الدولة تبنى الإيديولوجيات الجامدة، فكان رفضها أو قبولها للنصائح الخارجية يقوم على أسس عملية برجماتية، ومن اللافت للنظر في هذا السياق أن ماليزيا لم تتبع السياسات التي نصحها صندوق النقد الدولي بإتباعها أثناء الأزمة المالية عام 1997، وكان ذلك سببًا في مرورها بأقصر دورات الهبوط، كما كانت الأقل تأثرًا بين الدول التي تأثرت بتلك الأزمة.
"ويبين النموذج الماليزى أن السياسات الاجتماعية عندما تمنح الأولوية المناسبة في سياق التنمية العامة، يمكن أن تزيد من رفاه المجتمع ورفاه فئات معينة مستهدفة داخله. ومن العوامل التي ساهمت في نجاح السياسات الاجتماعية في ماليزيا أن تلك السياسات تشكل جزءًا من خطط التنمية الوطنية العامة، وكذلك اعتماد مفهوم النمو العادل الذي يتمشى مع النمو الاقتصادي "[16].
وتتراوح العناصر الرئيسية للسياسات الاجتماعية الماليزية بين الخدمات العملية المتعلقة بالصحة والتعليم والعمل والحماية الاجتماعية والحد من الفقر، وقضايا المرأة والشباب. ويبين تطور السياسات الاجتماعية في ماليزيا بوضوح الدور القيادي الذي تقوم به الحكومة، مدعومة بالقطاع العام، في تمويل وإدارة وتنفيذ السياسات الاجتماعية في جميع الخطط الخمسية التي نفذت في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة وسياسة التنمية الوطنية. وقد قام القطاع الخاص، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، ومجلس رجال الأعمال الماليزيين بدور داعم في هذا الصدد.
ويلخص الجدول التالي، الذي يورده تقرير الإسكوا[17]،الأنشطة التي اضطلعت بها مختلف الأطراف الفاعلة في تطوير السياسات الاجتماعية في ماليزيا (1957-2003):
المرحلة الأولى
(من عام 1957 حتى منتصف الثمانينيات)
المرحلة الثانية
(من منتصف الثمانينيات حتى عام 1997)
المرحلة الثالثة
(من منتصف عام 1997 حتى 2003)
الحكومة تقوم بدور رائد في التمويل والإدارة والتنفيذ، ودور القطاع الخاص محدود للغاية.
الحكومة تقوم بدور رائد، ودور القطاع الخاص يزداد، مع اشتراك المنظمات غير الحكومية بدرجة أقل.
الحكومة تزيد المساعدة العامة المقدمة للفئات الضعيفة المتأثرة بالأزمة المالية.
التركيز على هيكل تنظيمى لخدمات التعليم والصحة وتحسين الهياكل الأساسية الاجتماعية في المناطق الريفية من أجل تحسين نوعية الحياة، وإنشاء هيئة الضمان الاجتماعي، وبدء تنفيذ برامج شبكات الأمان الاجتماعي مثل صندوق الطوارئ للموظفين ونظام التعويض للعمال وصندوق القوات المسلحة.
ظهور طبقة متوسطة متطورة تحتاج إلى تعليم ورعاية صحية من نوعية أفضل، وتركيز دور الحكومة على مكافحة الفقر المدقع، ودعم المنظمات غير الحكومية، واعتماد مبادرة أمانة اختيار ماليزيا المشابهة لمصرف جرامين بنجلاديش، وزيادة دور القطاع الخاص في خدمات اجتماعية مختارة.
توفير الخدمات الاجتماعية للمحتاجين، وتعزيز الوظائف التنظيمية التي تحمى المصلحة العامة من حيث التسعير والالتزام بالنوعية والمعايير، وحماية المصلحة العامة ومصالح المستهلكين أثناء الأزمة المالية، ومواصلة الخصخصة والتحرير لتحقيق أهداف اجتماعية اقتصادية من بينها الكفاءة والانتاجية
وكان من السمات المميزة للسياسات الاجتماعية في ماليزيا خلال هذه الفترة، العمل المتواصل على المدى الطويل في بيئة مستقرة وداعمة، مما أتاح للسياسات الاجتماعية أن تتطور بشكل منظم وتراكمي في بيئة ثقافية تولى أهمية كبيرة للنهج العملي. وكان للالتزام السياسي والرغبة الصادقة للحكومة والقطاع العام في تحسين رفاهية الشعب تأثيرًا كبيرًا على تطور السياسات الاجتماعية وأدى إلى تحسين نوعية الحياة.
ج- تجربة البرازيل الداعمة للفقراء في عهد الرئيس لولا دا سيلفا:
نجح الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا في الحد من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي لمصلحة الطبقة الشعبية الفقيرة، وهو ما استعصى على كل الحكومات التي سبقته، ديمقراطية كانت أم دكتاتورية. ففي يناير 2003، بدأت حكومته تنفيذ برنامج "نحو إنهاء الجوع Fome Zero" بهدف الإسراع في تحسين الأمن الغذائي لنحو 44 مليون نسمة.
ويتركز هذا البرنامج، وفقًا لتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009[18]، على مجموعة من الإجراءات تهدف إلى ضمان الأمن الغذائي للبرازيليين وتحسين دخلهم بزيادة الإمدادات الغذائية الأساسية وتحسين إمكان الحصول على الأغذية والتخفيف على وجه السرعة من الجوع عن طريق تدخلات موجهة. وفى أكتوبر من العام 2003 بدأ تنفيذ أحد عناصر برنامج نحو إنهاء الجوع وهو برنامج "دخل الأسرة"، الذي يسعى بشكل مباشر إلى معالجة نقص التعليم وسوء التغذية في الوقت نفسه؛ فهو يوفر دعمًا ماليًّا مشروطًا للأسر الفقيرة. ومن بين الشروط الانتظام في المدارس والزيارات إلى المراكز الصحية الأساسية. استطاعت الحكومة في عام 2006 إيصال خدماتها إلى الأسر المستحقة، التي يقدّر مجموع أفرادها بـ 11,2 مليون نسمة، وتمكنت البرازيل من تخفيض نسبة انتشار الجوع من 12% في الفترة 90-1992 إلى 7% في 2002-2004، وكذلك عدد الجياع من 18,5 مليون إلى 12,8مليون نسمة خلال المدة نفسها. وفى يوليو 2007 عُزِّز هذا البرنامج الاجتماعي بتخصيص 2,6 مليار يورو لتحسين الظروف المعيشية للفقراء، بإمداد الأزقة والأحياء الشعبية الفقيرة في ضواحي المدن بالماء الصالح للشرب والمرافق الصحية السليمة والكهرباء.
وتتمثل مكونات برنامج إنهاء الجوع في البرازيل والبرامج المرافقة له، كنموذج للمبادراتقصيرةالأجلبليغةالتأثير. في العناصر التالية[19]:
1- السكان ذوى الأولوية/ معايير الاستهداف العامة: الأسر في المناطق الفقيرة ذوى: الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات - الأشخاص ذوى الإعاقات - الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية – الحوامل - كبار السن.
2- الصياغة: منظمة غير حكومية Instituto Cidadania.
3- التنسيق: الرئاسة.
4- التنفيذ: وزارة الأمن الغذائي - وزارات التنظيم الأخرى - القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.
5- التمويل: عام - خاص (الشركات في المدن) - المنح.
6- عنصر الطعام والتغذية: بطاقة الغذاء (17 دولارًا أمريكيًّا شهريًّا للأسرة الواحدة) تحويل مشروط - حوافز للأسر الزراعية - كوبونات غذائية - إنشاء بنك الغذاء بمنتجات من الأسواق المركزية العملاقة /تجار التجزئة - توزيع سلال الطعام في المناطق الحضرية الفقيرة (ليس في المناطق الريفية) - مطابخ الحساء الجماعية المدعومة.
7- عنصرا التعليم والصحة: بولسا فاميليا (برنامج تحويل 6- 19 دولارًا أمريكيًّا شهريًّا مشروطًا بحضور الأطفال الفصول بنسبة 85%، والتطعيم، وزيارات الأم والطفل للعيادات.) - برامج محو الأمية - برنامج الغذاء المدرسي.
8- عنصرا المياه والإسكان: برنامج سيسترانس Cisternas: منح للمياه والصرف الصحي.
9- عنصر التوظيف: برنامج التوظيف الأول للشباب - دعم الزراعة للأسرة في المناطق الريفية - مساعدة فنية، ائتمان، الخ.
10- معاشات التقاعد الاجتماعية غير المساهمة: معاشات التقاعد الريفية - معاشات التقاعد الحضرية لكبار السن دون الحد الأدنى للأجور - معاشات الإعاقة.
وجدير بالذكر أن برنامج استئصال الجوع " ظهر كاقتراح صاغه معهد كيدادانيا Instituto Cidadania في ساو باولو عام 2001. وقد وضع هذا البرنامج وفقًا لدراسة قام بها ما يقرب من 100 من الفنيين والأكاديميين والمشتغلين بالسياسة، والذين كان لهم ثلاثة أهداف رئيسية هى: تقويم وضع برامج مكافحة الجوع في البرازيل وفقًا للالتزامات التي وقعتها البلاد في قمة الغذاء العالمية في عام 1996 - إعادة تعبئة المجتمع حول موضوع الأمن الغذائي - إشراك الحكومات الاتحادية ودون الوطنية والمحلية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في تقديم اقتراح ملائم لمكافحة الجوع. وهو الاقتراح الذي تبناه الرئيس لولا في حملته الانتخابية ووضعه بعد ذلك على رأس أولويات حكومته "[20].
د- برنامج الفرص للحد من الفقر وقصور التغذية في المكسيك:
يمنح برنامج "الفرص أو Oportunidades"، الذي أطلق عام 1997 تحت اسم "التقدم أو Progresa"، تحويلات نقدية إلى الأسر الفقيرة شريطة أن تثبت التحاق أطفالها بالمدرسة بصفة منتظمة وتردد أفرادها بصفة دورية على العيادات الصحية. ويسعى هذا البرنامج الحكومي الاجتماعي، وفقًا لتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، في المدى القصير، إلى تحسين صحة أفراد الأسر الفقيرة ووضعها التعليمى، وفى المدى الطويل، إلى مساعدة هذه الأسر على تجاوز خط الفقر من خلال التعلم الذي سيوفر فرص العمل لأفرادها ويُحسن دخلها. ويغطى هذا البرنامج الأسر الفقيرة التي لا تستطيع تلبية احتياجاتها الغذائية والصحية والتعليمية الأساسية، وهى خمسة ملايين أسرة تضم خمسة وعشرين مليون نسمة، ويلبى هذه الاحتياجات المحدودة عبر تحويلات مالية تُقدم إلى الأمهات مباشرة، لزيادة استقلالهن من ناحية، وضمان استخدام هذه الأموال لمصلحة الأسرة، أي لدفع نفقات انتظام الأطفال في المدارس، وشراء اللوازم المدرسية وتوفير التغذية، وقيام جميع أعضاء الأسرة بزيارات صحية دورية. وفى مجال التعليم، تكون المنح الدراسية في المرحلة الثانوية من السنة الدراسية السابعة إلى التاسعة، والثانوية العليا من السنة العاشرة إلى الثانية عشرة أعلى للفتيات منها للفتيان لتضييق الفجوة بين الجنسين في الدراسة المنتظمة. أما المرأة الحامل، التي تواظب على حضور محاضرات التوعية الشهرية وتخضع لخمسة فحوص طبية قبل الولادة، وفحصين لأسنانها مع الحرص على العناية بها، فتحظى بالمعالجة المجانية، وتُعفى من نفقات التوليد فضلًا عن نفقات العناية طوال ثلاثة أشهر بعد الولادة وتتلقى كذلك مُكملات غذائية لها ولرضيعها[21].
ومن خلال هذه التجارب الناجحة التي عرضناها، يمكننا استخلاص بعض الدروس التي قد تساهم في تطوير السياسات الاجتماعية، وخاصة المتعلقة بتخفيض حدة الفقر والتغلب على مشكلات سوء توزيع الدخل في البلدان العربية. ومن أهم هذه الدروس:
1- ضرورة الاهتمام بالبعد الاجتماعيوإدراجه ضمن السياسات الاقتصادية العامة للدولة، وإعطاءه درجة عالية من الأهمية، بدلًا من جعله تابعًا للسياسات الاقتصادية.
2- ضرورة تمكين الفئات الأكثر عرضة للفقر ومساعدتهم على التحكم في حياتهم وتوسيع الخيارات المتاحة أمامهم، بدلًا من مجرد تقديم الدعم لهم من منطق رعائى، وذلك من خلال زيادة حجم مشاركتهم في الأنشطة المجتمعية المختلفة وربطهم ببرامج التنمية اقتصادية والاجتماعية للدولة.
3- تبنى حزمة عريضة من برامج التضامن الاجتماعي التي تتنوع ما بين دعم السلع الغذائية سواء الموجهة إلى فئات محددة مثل الأطفال أو الموجهة إلى الأسر الفقيرة ككل، وكذلك برامج الإعانات النقدية غير المشروطة، وبرامج الإعانات النقدية المشروطة برفع مستوى رأس المال البشرى للفقراء. بالإضافة إلى الاهتمام بالبرامج والمشروعات الخاصة بتوليد الدخل للأسر الفقيرة لما لذلك من تأثير مرتفع على تخفيض حدة الفقر.
4- توسيع نطاق الفئات المستهدفة لتشمل الفئات الأكثر تضررًا مثل المعاقين وكبار السن والمرأة المعيلة لأسرة وكذلك الأطفال والشباب العاطلين، مع مراعاة التباين في الخصائص الديمجرافية والاجتماعية. مع توسيع التغطية الجغرافية للفئات المستهدفة لتغطى كافة المناطق المحرومة أو المحتاجة للدعم.
5- ابتكار أساليب جديدة ومتنوعة لاستهداف المحرومين والمهمشين، وابتكار طرق متنوعة للعمل على إدماجهم في المجتمع، وإشراكهم في عملية التنمية واتخاذ القرار.
6- التنسيق بين مختلف الوزارات والهيئات المعنية بتمكين الفقراء، في ظل رؤية موحدة حول السياسة الاجتماعية التي تتبناها الدولة، بما يضمن عدم التضارب أو التعارض بين البرامج والخدمات المختلفة، ويسهل وصولها إلى مستحقيها.
[1] جلال أمين، العولمة، سلسلة اقرأ، العدد 636، دار المعارف، القاهرة، 1998. ص26-27
[2] World Public Sector Report, Globalization and the State, Department of Economic and Social Affairs, United Nations, New York, 2001. P.81-83
[3] World Commission on the Social Dimension of Globalization, A Fair Globalization, Creating Opportunities for All, ILO Publications, Geneva, 2004. Pp.57-58
[4] جوزيف ستجليتز، الفقر والعولمة والنمو: منظورات عن بعض الروابط الإحصائية، مساهمة خاصة فى: تقرير التنمية البشرية 2003، برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بيروت، 2003.ص80
[5] Guthrie, Doug, China and globalization, The Social, Economic and Political Transformation of Chinese Society, Rev. ed., Routledge, New York, 2009. Pp.39-40
[6] ليستر ثورو، مستقبل الرأسمالية، ترجمة: السيد عطا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2005. ص ص76-77
[7]جوزيف ستجليتز، الصين والنموذج الاقتصادي الجديد، ترجمة: أمين على، بروجيكت سنديكيت، إبريل 2007.
http://www.project-syndicate.org/commentary/stiglitz86/Arabic[8] أحمد السيد النجار، الصين والقفزة الاقتصادية العملاقة، سلسلة كراسات استراتيجية، السنة 17، العدد 179، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة، سبتمبر 2007. ص6-7
[9] روبين ميريديث، الفيل والتنين، صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعاً، ترجمة : شوقى جلال، سلسلة عالم المعرفة، العدد 359، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يناير 2009. ص44
[10] أحمد السيد النجار، الصين والقفزة الاقتصادية العملاقة، مرجع سابق. ص10-11
[11] Overholt, William H., China and Globalization, Testimony presented to the U.S.-China Economic and Security Review Commission on May 19, 2005. (Online)
www.rand.org. P.5
[12] تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2008، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2008. ص135
[13] أحمد السيد النجار، الصين والقفزة الاقتصادية العملاقة، مرجع سابق. ص39
[14] حسين أنور جمعه وعبد المعبود محمد عبد الرسول، السياسات الاجتماعية، الأسس النظرية والقضايا المعاصرة، دار التيسير للطباعة، المنيا، مصر، 2008. ص ص167-168
[15] جوزيف ستجليتز، المعجزة الماليزية، ترجمة: أمين على، بروجيكت سنديكيت، سبتمبر 2007.
http://www.project-syndicate.org/commentary/stiglitz91/Arabic[16] إسكوا، قضايا محورية متصلة بالسياسات الاجتماعية: دراسة مقارنة ومبادئ توجيهية لصياغة السياسات الاجتماعية فى منطقة الإسكوا، الأمم المتحدة، نيويورك، 2004. ص15
[17] المرجع السابق. ص ص8-10
[18] تقرير التنمية الإنسانية العربية 2009، تحديات أمن الإنسان فى البلدان العربية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، المكتب الإقليمى للدول العربية، بيروت، 2009. ص135
[19] إزابيل أورتيز، السياسة الاجتماعية، إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، الأمم المتحدة، نيويورك، 2007. ص ص32-33
[20] Belik, Walter, and Grossi, Mauro Del, Brazil’s Zero Hunger Program in the Context of Social Policy, paper prepared for the 25th International Conference of Agricultural Economists, Durban, South Africa, August 2003. P.10
[21] تقرير التنمية الإنسانية العربية 2009، تحديات أمن الإنسان فى البلدان العربية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، المكتب الإقليمى للدول العربية، بيروت، 2009. ص135