تعبير المنظمات -من وجهة نظري- يعد اللفظ الأدق حيث يعني قدرا أكبر من التجانس و التنظيم من لفظ جمعيات الذي لا يتطلب بالضرورة شكل محكم من التنسيق الداخلي الذي يجب أن يتوفر لمثل هذه المنظمات.أما و صفها بكونها غير حكومية فأنه لا يجعل تعريفها كما يطلق علماء المنطق مانعا أي يمنع دخول ما هو مخالف في إطار التعريف فأحزاب المعارضة و النقابات من المفترض أنها هيئات غير حكومية و هذا الوصف يدخلها ضمن إطار التعريف أي أنه يجعل المسمي فضفاض يشمل هذه المنظمات و غيرها.و يبعدنا لفظ تطوعية عن حقيقة هامة و هي إمكانية تفرغ البعض للعمل بهذه المؤسسات و تجعلها منظمات لأوقات الفراغ و تعطيها طابعا غير إلزامي حتى للعاملين فيها و هو ما يجعله بلغة المنطق كذلك تعريف غير جامع أي لا يجمع كل الفئات المراد الإشارة إليها فقد تشمل هذه المنظمات متطوعين و أخرين عاملين. و يتسم مفهوم الشعبية بغلبة الطابع السياسي.لذا يظل مفهوم الأهلية هو الأكثر اتساقا من غيره إذ يعبر عن مصدر نشاط هذه المنظمات و هدفها و هم الأهالي أو الشعب.
فالمنظمات الأهلية هو المسمي الأدق الذي يمكن إطلاقه علي هذه المؤسسات التي تعمل بمبادرات من أهلي المجتمع (الذين يأهلونه أي يعيشون فيه) في إطار منظم وشرعي. البحث عن مسمي دقيق و معبر للمنظمات الأهلية ليس من قبيل العبث اللغوي و إنما لما يمثله هذا المسمي من انعكاس في فهم هذه المؤسسات و الدور المنوط لها القيام به في المجتمعات الحديثة.فالكثير من المواطنين -و للأسف من العاملين بهذه المنظمات- يعتقدون أن هذه المنظمات هي منظمات خيرية و هو ما يعكسه بشكل مباشر مسمي الجمعيات الأهلية الذي ساد في مطلع الخمسينات كبديل لأسم الجمعيات الخيرية.و هو ما يجعل الكثير يعتقد أن دورها هو دور مرزوق أفندي في فيلم غزل البنات عندما قال له الباشا "مرزوق أفندي أديله حاجة" أو صورة صاحبة البر و الإحسان التي تغض من خيرها علي الفقراء و المحرومين.و هو ما يمثل حالة من الردة الفكرية التي يعاني منها المجتمع و لكن الردة في هذه الحالة تصيب مفهوم محوريا يجب عدم المساس به و هو مفهوم المواطنة الذي يقوم علي فكرة مساواة أفراد المجتمع في الحقوق و الواجبات مما يعني أن هذه المنظمات يجب أن يكون دورها الأساسي هو ترسيخ هذا المفهوم والإعلان بوضوح علي أنها تعمل علي توصيل الحقوق إلي أصحابها فالعمل علي مساواة الرجل بالمرأة ليس منحة من الرجل بل هو حق للمرأة .العمل علي حماية و رعاية الأطفال المحرومين ليس منحة من الطبقات الأعلى في المجتمع ولكنه حق لهؤلاء الأفراد.وهذه الحالة تمثل استثمار تنموي حقيقي للمجتمع علي العكس من الحالة الأولي التي ترسخ الانقسامات المجتمعية ،و تجعل مثل هذه الأنشطة مهددة بشكل دائم لربطها برغبات فئات مانحة في المجتمع تعتقد أن ما تقوم به ليس إلا واجب أنساني و هذه الحالة تمثل الحالة الأوقع في مثل حالة مصر حيث أنها ترتبط بالمجتمعات المتخلفة التي تنهج الطريق الرأسمالي،فتغيب فيها مفاهيم المساواة و المواطنة و دولة الرفاهة، وتسود المفاهيم السوق المتوحشة كما يطلق عليها د.رمزي زكي
الأبعاد المختلفة لعمل المنظمات الأهلية: إن عمل المنظمات الأهلية بطبيعته متعدد الأبعاد ما بين سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و ذلك علي مستويين: الأول مستوي النشاط الذي تقوم به هذه المنظمة و الثاني يتعلق بطبيعة التنظيم و العمل الداخلي بها.و سنحاول هنا مناقشة أحد القضايا المتعلقة بأحد المستويين في كل بعد من هذه الأبعاد وهي بالطبع القضية التي هي محور جدل أو محل أهمية في الوقت الراهن. البعد السياسي: هل يجب أن تورط المنظمات الأهلية نفسها في نشاط سياسي؟ و إذا فعلت فما هو الفرق إذن بينها بين الأحزاب السياسية؟ إن الإجابة علي التساؤل الأول لا يمكن أن يكون بنعم أو لا بشكل مباشر، و إنما الأمر يتعلق في الأساس بطبيعة نشاط هذه المنظمات فالعمل المجتمعي بطابعه يتطلب سواء رضيت المنظمات الأهلية أو أبت بعدا سياسيا، حتى لو ضيقنا مفهوم السياسي إلي أقصي الحدود الممكنة الذي يطرحها علماء السياسة و يحصرونه في أنه نشاط النخبة الحاكمة و التغذية الراجعة(feed back) المجتمعي لهذا النشاط (مدرسة النخبة في العلوم السياسية) فأنه بطبيعة عمل هذه المؤسسات يجب أن تكون مواقفها جزء من التغذية الراجعة من جانب المجتمع ،سواء بكون نشاطها داعما للجهد السلطوي أو معارض له أو حتى مكمل لجوانب نقص في المجال محل عمل هذه المنظمات. أي أن طبيعة عمل المنظمات الأهلية يتطلب بالضرورة ممارسة نشاط سياسي في جانب من جوانبه.و يبقي تساؤل عن الفرق بينها و بين الأحزاب السياسية.و الفوارق بين الكيانين متعددة من حيث الجوانب القانونية و التنظيمية و لكن طبيعة النشاط كذلك هي جوهر الاختلاف بينهما فالأحزاب من حيث التعريف تفترض السعي للحصول علي السلطة بهدف تنفيذ برنامج مجتمعي شامل-حتى لو لم يكن الواقع كذلك في مصر و الوطن العربي ودول عديدة من العالم الثالث إلا أنه السبب الرئيسي لقيام الأحزاب-علي عكس من المنظمات الأهلية التي من المفترض أنها تعمل بشكل قطاعي في المجتمع و تسعي لتنميته أي أن مهمتها في الأساس تحسين الأوضاع في قطاع محدد من المجتمع،و هو ما يؤكد البعد السياسي لعمل هذه المنظمات لكن بعيدا عن لعبة تداول السلطة. البعد الاقتصادي: القضية المتفجرة بشكل دائم في هذا البعد هو قضية التمويل الخارجي،و اتهام المنظمات الأهلية بأنها أداة للاختراق الخارجي بسبب هذا التمويل،و أنها و إن كانت حسنة النية وسيلة يستغلها الغرب لتحقيق أهداف سياسية في الأساس.و هنا يجب أن نبدأ برد يتسم بشيء من الصلف إلا أنه و بنفس القدر يوضح حقيقة مؤكدة و هو أن مصر و معظم الدول العربية بل و الغالبية العظمي من دول الجنوب تسير أمورها الداخلية بتمويل خارجي تتلقاه الحكومات،و هذا التمويل الحكومي بالتأكيد أشد أثرا و أكثر أتساعا في عملية الاختراق إذا صحة هذه المقولة.و لكن أصحاب هذا الرأي يتناسون ذلك دائما بل و يتناسون كذلك و جود قيم إنسانية عامة يمكن أن يتعاون البشر علي تحقيقها مثل حقوق الإنسان و حقوق المرأة …الخ.و لكن علي المنظمات الأهلية أن تتعامل بحذر مع هذه القضية فهناك بالتأكيد مصادر مشبوهة للتمويل لا يجب الاكتفاء بالامتناع عن التعامل معها بل يجب كشفها و الوقوف في وجه تعامل الآخرين معها.
كما يمكن للحكومات وضع تشريعا يعطيها الحق في منع هذه المعونات مع توضيح كافة الأسباب بشكل علني و صريح ،أو أن يترك هذا الأمر للجنة مشكلة بشكل ديمقراطي من المنظمات الأهلية ذاتها يكون لقراراته صفة الإلزامية أو من خلال آلية مشتركة بين الاثنين.و علي المنظمات الأهلية كذلك احترام القيم التي تعمل في إطارها و عدم إفراغ القضايا من محتواه لصالح مشكلات تعاني منها مجتمعات أخري فوجود مشكلات للمرأة في الوطن العربي لا يعني العمل و المشركة مع الغرب في قضايا الشذوذ ،وجود تنوع عرقي و اختلافات داخلية في مصر لا يعني الانخراط التام في العمل علي مكافحة التميز العنصري في مصر.فهذه القضايا غير موجودة في مجتمعاتنا و إنما هي وليدة اغتراب فئة قليلة في المجتمع تعيش بذهنية غربية و تتلبس ليس فقط سلوكياته و قيمه الفكرية إنما حتى مشكلاته.كما أن هناك وسائل عديدة تحمي المنظمات الأهلية من الاستغلال الخارجي مثل أن تصر هذه المنظمات في اتفاقياتها مع الجهات الممولة علي جعل القضاء المصري هو الحكم في كافة ما يطرأ من منازعات.و هناك بديهية يجب الإشارة إليها هي أن اجندة المنظمات الأهلية يجب أن تكون اجندة داخلية وألا تكون مفروضة من جهات خارجية حتى لو كانت هذه الأخيرة هي صاحبة المبادرة و قبول التعديلات عليها يكون في إطار التطوير و ليس فرض رأي طرف على الأخر. البعد الاجتماعي و الثقافي: إن البعد الاجتماعي يعد الشاغل الرئيسي لمعظم المنظمات الأهلية، و العمل الاجتماعي يعد السمة المشتركة بين النشطات المختلفة لهذه الجمعيات.و تمتلك هذه المنظمات قدرات هائلة علي التغلغل وسط قطاعات المجتمع المختلفة عن طريق إشراك أفراد من نفس القطاع في المشاريع القائمة و فتح المجال لمشاركة الأفراد في عمليات تنمية ذاتية قد تعجز الحكومات عن قيام بمثل هذه المهمة فيما يسمي في علم التنمية السياسية بأزمة التغلغل.و قد تكون هذه المنظمات هي الطريقة المثلي للتغلب علي هذه الأزمة.
أما علي الصعيد الثقافي فقضية الوعي المجتمعي يجب أن تحتل مساحة أكثر أتساعا من القائمة حاليا في ذهن القائمين علي المنظمات الأهلية ،و هي بالتأكيد قضية غير غائبة إلا أن الحيز الذي تشغله أقل كثيرا من الواجب.و الوعي يجب أن يركز في المرحلة الحالية علي تعريف المجتمع بالمنظمات الأهلية و دورها و عدم تركه للآراء التي تحاول تشويه دور هذه المنظمات، و أشعارهم بفاعليتها من خلال نشاطات تثقيفية مصاحبة للمشاريع التي تقوم بها هذه المنظمات،و الأولي بمثل هذه التوعية بالطبع العاملين و المشركين في أنشطة و مشاريع المنظمات الأهلية.كما أن قضية توعية المجتمعي بالعديد من القضايا التنموية مهمة ضرورية لتغير البنية الفكرية المعوقة لعملية التنمية مثل مفهوم المشاركة و حقوق الإنسان، و توعية قطاعات مجتمعية بحقوقها مثل العمال و المرأة يجب أن تختص بعض المنظمات الأهلية بالعمل فيها و جعلها محور نشاطها الأساسي. المنظمات الأهلية و التنمية : التنمية تعبر في الأساس عن عمل إرادي يعباء حوله المجتمع بكل ما يملك لتحسين أحوال المواطن ليزيد عطاؤه، فهي سلسلة من المعارك المتتابعة عبر فترة زمنية طويلة نسبيا يخوضها المجتمع بأسره .و هو ما يطرح قضية الدافعيةmotivation .و تمثل طبيعة المنظمات الأهلية أحد أهم مصادر هذه الدافعية بما تملكه من قدرات- سبق الإشارة إليها-علي التغلغل في المجتمع و خلق قاعدة شعبية عريضة تشارك في عملية التنمية.و دفع قطاعات الشباب علي العمل في أطرها مما يعطي عملية التنمية طابعا نشطا.كما أنها تمثل مجال خصب يمكن للمثقفين من خلاله المشاركة في عملية التنمية حيث يغيب دور المثقف الحقيقي في المجتمع العربي إذ تستبعده السلطة لصالح أنصاف المثقفين الموالين لها ، وتحاصره السلطة من جانب بالخط الأحمر الذي تضعه علي تحركاته و الخط الأحمر الذي يضعه المجتمع نتيجة عوامل التخلف الذي يعاني منها،و عليه يمكن للمنظمات الأهلية أن تمثل موقع الانطلاق للإبداع الثقافي في مجال التنمية بعيدا عن قيود السلطة للعمل علي تثوير الفكر الشعبي للتخلص من أغلال التخلف. إلا أن عمل المنظمات الأهلية ذو الطبيعة القطاعية التي تركز في الأساس علي قطاع اجتماعي بعينه(المرأة –الطفل…)أو اقتصادي(العمال-المستهلك…)…الخ تحتاج لتتناسب مع مفهوم التنمية الحقيقية و حتى تستطيع هذه المنظمات تحقيق غاياتها و أن تشكل آلية للتنسيق و التخطيط المشترك يمكن من خلالها تحقيق البعد الشمولي لمفهوم التنمية و إلا سيظل عمل هذه المنظمات جهدا ضائعا قد ينفع أفراد محدودين العدد و لكن لن يأتي أبدا بثماره علي المستوي المجتمعي، فالتنمية إن جاز تجزئتها في مرحلة التنفيذ فأن ذلك غير جائز علي مستوي التخطيط .
تأخذ عملية التنمية في ظل العولمة أبعادا جديدة ،فالعولمة كما يعرفها أنطوني جيدنز هي "تكثيف العلاقات الاجتماعية العالمية التي تربط ما بين الوقائع البعيدة بواسطة أحداث تقع علي بعد أميال كثيرة،و العكس بالعكس" بينما يراها د.سمير أمين ستارا للهجوم الرأسمالي،يسعا إلي استغلال ظروف التوازن الاجتماعي الجديد في صالحه من أجل إلغاء المكاسب التاريخية للطبقة العاملة و الشعوب .و أهم أدوات الرأسمالية لتحقيق أهدافها ما يطلق عليه د.جون جراي طمس الخصائص المحلية و العبث بالهوايات القائمة في عملية تفكيك و إعادة تركيب للعالم ثقافيا مع ما يحقق أهداف الرأسمالية العالمية و الطريق إلي ذلك هدم قيم مثل الوطنية و القومية للقضاء علي الدولة القومية.المنظمات الأهلية بما تحمله من أمال من أجل تحقيق حماية أكبر لحقوق الإنسان بمختلف أنواعها،قد تكون هي نفسها نتيجة تسارع قوى العولمة.فنمو جماعات حماية المستهلك مثلا و حماية البيئة أو المنظمات التي تستهدف القيام بوظائف كانت تعد من قبل من وظائف الدولة التقليدية، قد يكون نمو كل هذه المنظمات والمؤسسات هو الرد الفعلي الطبيعي و الحتمي لنمو قوي العولمة.
"أن ردود الأفعال هذه من جانب تنظيمات غير حكومية قد تمثل القوي الموازنة الجديدة countervailing power بالمعني قريب من المعني الذي قصده الاقتصادي الأمريكي الشهير جون كينيث غالبيرت منذ خمسين عاما،و لكنها الآن قوي تنمو لموازنة أو للتعويض من الانحسار الذي أصاب دور الدولة" . المنظمات الأهلية و الدولة القومية : أن الدولة القومية هي ضرورة موضوعية للتنمية الشاملة و لإدارة الصراع ضد مخططات الهيمنة الرأسمالية.علي أن الدفاع عنها لا يعني تقديسها و الخضوع لطابعها التسلطي القمعي،و إنما الدفاع عنها بمقدار مقاومة محولات التجزئة و التجهيل و الإفقار،و الفصل بين الدولة ككيان و الحكومة القائمة عليها و معارضة هذه الأخيرة إذا كانت توجهاتها مخالفة لذلك. و القضية هي تقوية الفاعلية العقلانية النقدية الديمقراطية للمجتمع في مواجهة الدولة دفاعا عنها و تغيرا و تطويرا لها.و هنا يبرز دور المنظمات الأهلية في تأسيس مجتمع مدني من مختلف القوى المنتجة و المبدعة و جماعات المصالح الإنتاجية و التصنيعية و الديمقراطية في المجتمع و تشكيل ما يسميه جرامشي بالكتلة الاجتماعية التاريخية القومية في مواجهة سلطة الدولة . بناء علي ما سبق يجب أن تلعب المنظمات الأهلية دورا في ترسيخ الهوية القومية و الدفاع عن الوطنية في مواجهة الرأسمالية العالمية،و تفهم دورها كجزء من نشاط مجتمعي في إطار الدولة القومية و هو ليس كما يعتقد الكثيرون دورا ضد الدولة القومية و هو ما ظهر في قانون الجمعيات الأهلية حيث تعاملت السلطة مع الجمعيات كخطر يحيط بالدولة يجب مواجهته-نظرا لاعتقادها أنها هي ذاتها الدولة،بينما تعاملت معها قطاعات عديدة من العاملين في المنظمات الأهلية علي نفس الأساس فرفضت من الأصل فكرة وجود قانون منظم لعملها. يظل وجود قانون المنظم لعمل المنظمات الأهلية ضرورة ملحة في ظل العولمة و لكن القضية كيف يسن مثل هذا القانون؟و ما هي المبادئ الحاكمة له؟و ما هي المصلحة التي يبغي هذا القانون تحقيقها؟ فالمواطن العربي يعاني من سيطرة الدولة بالفعل و يتوق إلي مجتمع ديمقراطي حر،يتمتع فيه المواطن بكافة حقوقه الطبيعية،إلا أن هذه الدعوة هي حقيقة قد يراد بها باطل إذا كان المقصود منها أضعاف الدولة و أزاحتها عن دورها الطبيعي في الحفاظ علي الأمن القومي،و تحقيق الانسجام الداخلي بين طبقات المجتمع،و التخطيط لصالح الأغلبية و التعبير عن الإجماع الوطني العام،بصرف النظر عن فكر و خطط و تطبيقات الحكومة القائمة بذلك.فالدولة بناء صوري يملؤه النظام السياسي و هو ما يجب أن تحتل فيه المنظمات الأهلية دورها لتمثل التعبير الحر لاختيارات الأفراد و الجماعات.و أن يكون مؤسساته و تنظيماته في إطار القانون الذي ينظمها و تحت إشراف الدولة حتى تتحقق الأهداف و لا تتناقض الاختصاصات مع مؤسسات الدولة . الدولة و المجتمع بهذا المعنى واقعان و ضرورتان.الأولي صورية و الثانية مادية.الأولي من أعلى و الثانية من أدنى،الأولى لتحقيق الوحدة في المجتمع،و الثانية لتحقيق التعددية فيه. سيطرة الدولة على المجتمع تقضي علي الحرية.و سيطرة المجتمع على الدولة تؤدي إلي صراع قوي دون تجسيد لإرادة المجموع .
إن تحول معارضة المنظمات الأهلية للحكومة و ممارستها إلي معارضة للدولة و مفاهيم القومية و الوطنية هو تحويل لنشاط هذه المؤسسات إلي أداة للتنمية الحقيقية إلي أداة للقهر العولمي. وفي المقابل يجب أن تتخلى الحكومة عن مفهوم لويس الرابع عشر "أنا الدولة و الدولة أنا" و أن تتفاهم ضرورات وجود المنظمات الأهلية و تدعم نشاطاتها دون فرض وصاية عليها و تستفيد من نتائج عملها في طريق التنمية الشاملة.فالقضية إذن ليست قضية استبعاد طرف لأخر و إنما قضية تكاملهما.و هذا التكامل يمكن تحقيقه من خلال إنشاء مجالس قومية في مختلف المجالات تشمل ممثلين من المنظمات الأهلية و المتخصصين، لتقوم بدور التخطيط العام للمنظمات العاملة في نفس القطاع و المنظمات الأهلية بشكل عام لربط قطاعات و مستويات التنمية المختلفة و لتصبح أداة للتغذية الراجعة للسلطة من خلال أنشطة المجتمع المدني و مصدر للمعلومات الضرورية للتخطيط التنموي. كما أنه يجب ربط عمل المنظمات الأهلية على مستوى الوطن العربي لترتبط نشاطاتها بالواقع التنموي العام و لتكون مصدرا لدعم الهوية و مجالا للتعاون العربي. كما أن تفعيل الدور الإقليمي يكسبها أهمية و مركز و قوة علي المستوى الداخلي و العالمي.و تصبح مصدرا للتنمية و الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية، مثلما تشكل محور هام للتواصل الإنساني.
المراجع: 1-د.رمزي زكي،الليبرالية المتوحشة،القاهرة:دار المستقبل العربي،1993،ص 88. 2- د.إسماعيل صبري عبد الله،وحدة الأمة العربية المصير و المسيرة،مركز الأهرام للترجمة و النشر،1995،ص49-51. 3- P64., 1990, Antonie Gidens, The Sequences of Modernity, Cambridge: Polity Press, 4- د.سمير أمين، في مواجهة أزمة عصرنا،القاهرة:سينا للنشر،1997،ص98. 5-John Gray, The False Dawn, The elusions of Global Capitalism, London.: Granta Books,1998,p.97 . 6-د.جلال أمين،العولمة و التنمية العربية-من حاملة نابليون إلي جولة أورغواي،بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية،1999،ص129 7-محمود أمين العالم،الفكر العربي بين الخصوصية و الكونية،القاهرة:دار المستقبل العربي،1996،ص72. 8-د.حسن حنفي، الدين و الثقافة و السياسة في الوطن العربي، دار قباء للطباعة و النشر و التوزيع،1998،ص 240.