بقلم : د. هاني جرجس عياد ..
تداول الفكر الإنساني على مدى العصورالقديمة ثم العلم الإنساني والاجتماعي في العصور الحديثة قيمة (المساواة) وأهميتها حيث حلمت الشعوب بالعدل الاجتماعي.
وأدخلت ذلك في مذاهبها ورؤاها الطوباوية ثم في فلسفاتها ونظمها الدينية والأخلاقية والقانونية. وما زالت المساواة وما زال العدل بعيدين عن الواقع وعن الناس.
ولكن العلم الاجتماعي المعاصر وضع أيدينا على معنى ملموس للعدل ومؤشر صادق للمساواة: فالمساواة هي اندماج الناس في مجتمعهم على أصعدة: الإنتاج، والاستهلاك، والعمل السياسي، والتفاعل الاجتماعي، أما اللا مساواة فتعني الاستبعاد أو الحرمان أو الإقصاء عن هذه المشاركة.
وقد شغلت قضية الاستبعاد الاجتماعي بال كثير من علماء الاجتماع وذلك لأنها تعد سببا مباشرا في تقسيم المجتمعات، وظهور بؤر التوتر والانقسام فيها، فالاستبعاد الاجتماعي يعمل في تضاد تام مع عملية الاندماج التي تقوم عليها المجتمعات.
ويعتبر مفهوم الاستبعاد الاجتماعي من المفاهيم التي بدأت في الانتشار منذ تسعينيات القرن العشرين، ويعرف بأنه إبعاد لبعض فئات المجتمع وعدم القدرة على المشاركة بفاعلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا يعني أن هناك شكلين من أشكال الاستبعاد الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة، الأول هو الاستبعاد اللاإرادي لأولئك القابعين في القاع والمعزولين عن التيار الرئيسي للفرص التي يتيحها المجتمع، أما الشكل الثاني فهو الاستبعاد الإرادي، حيث تنسحب الجماعات الثرية من النظم العامة وأحيانا من القسط الأكبر من ممارسات الحياة اليومية فيما يطلق عليه ثورة جماعات الصفوة، وتعيش هذه الجماعات داخل مجتمعات محاطة بالأسوار بمعزل عن بقية أفراد المجتمع، وتنسحب من نظم الصحة العامة والتعليم العام والخدمات الأخرى المتاحة في المجتمع الكبير.
إن موضوع الاستبعاد الاجتماعي، الذي هو نقيض الاندماج أو الاستيعاب، موضوع حيوي وكاشف لطبيعة البنية الاجتماعية في أي مجتمع، فالاستبعاد ليس أمرا شخصيا، ولا راجعا إلى تدني القدرات الفردية فقط بقدر ما هو حصاد بنية اجتماعية معينة ورؤى محددة ومؤشر على أداء هذه البنية لوظائفها.
وهو ليس موقفا سياسيا، أو طبقيا، أو اقتصاديا فقط، ولكنه كل ذلك، وهو ليس شأن الفقراء وحدهم، ولا هم الأغنياء وحدهم، وإنما هو مشكلة الجميع، وليس أمامهم سوى تقليل الاستبعاد وتعظيم الاندماج لتحقيق الاستيعاب أي المواطنة الحقة.