العوامل المؤثرة في الوعي السياسي
العوامل المؤثرة في الوعي السياسي
طرق اكتساب الوعي السياسي
إن الوعي هو محصل عمليات ذهنية وشعورية معقدة، فالتفكير وحده لا يتفرد بتشكيل الوعي، فهناك الحدس والخيال والأحاسيس والمشاعر والإرادة والضمير، وهناك المبادئ والقيم ومرتكزات الفطرة وحوادث الحياة والنظم الاجتماعية، والظروف التي تكتنف حياة المرء، وهذا الخليط الهائل من مكونات الوعي يعمل على نحو معقد جداً لاكتساب الوعي السياسي حول كل ما يدور في البيئة الانسانية من أحداث وظروف سياسية متسارعة وديناميكية من وقت لآخر.
(ان تراكم مادة كبيرة في دراسة الأساطير والرموز والطقوس الدينية هي الأخرى عملت كمكونات لاكتساب نوع معين من الوعي 0بالتطورات اللاواعية واتاح مستوى النتائج العملية إمكانية استخدامها في دراسة المجتمعات القديمة وفي دراسة العمليات السياسية في الجوانب المتعلقة بقدسية وغيبية الظواهر الاجتماعية وبتأثير وسائل الأعلام على الوعي السياسي) ([1]).
وان أهم السبل والوسائل الكفيلة باكتساب وعي سياسي عقلاني بحيث يكون لديها القابلية على تحليل الأحداث تحليلاً موضوعياً وأكاديميا تتمثل في مؤسسات التنشئة السياسية والطبيعية السوسيولجية للمجتمعات البشرية، ومن اجل التعرف على طرق اكتساب الوعي السياسي نوضح دور نوعين من مؤسسات التنشئة السياسية – الأولية منها، والأساسية ونبدأ بالمؤسسات الأولية.
- المؤسسات الأولية: ونركز على المؤسسات الأولية التي لها الدور البارز في التوعية السياسية للإفراد. ونقسمه كالتالي:
أ- العائلة:
العائلة (الأسرة) تعد النواة الأولى في تلقي البيئة السياسية حيث يبدأ الطفل باكتساب الوعي بنفسه ككائن حي له مقومات الذاتية وكذلك اكتساب الوعي السياسي بالوسط الاجتماعي الذي يحيط به([2]).
والتنشئة السياسية في مرحلة الأسرة هي في الحقيقة محاولة لإدخال في ذهن الطفل للتعرف على الواقع السياسي بشكل بدائي وبسيط من خلال التعرف على رموز السلطة وبعض الأمور المتعلقة بالسياسة، من دون ان يكون لذلك الطفل أي تحفظات مما يجده في الواقع من الأمور السياسية والأحداث والظروف.
فقد أكد عالم الاجتماع الفرنسي (دوركايم) على دور الوالدين والأسرة في تنشئة الطفل السياسية، وذلك لان جميع المكوناتالثقافية الأولى تكون من الأسرة والوالدين، فالعائلة هي البداية الأساسية والأولى للبنية السياسية للطفل وهذا يتضح في علم النفس السياسي لدى الأطفال وهناك أربعة مراحل ضرورية في حياة الطفل السياسية يشير إليها (دايفيد ايستن) ([3]).
1- مرحلة التسيس – (Politisation) :- حينما يشعر الطفل بوجود عالم سياسي ومواقع سياسية في محيطه الاجتماعي.
2- مرحلة الشخصية – (Prrsonnalisation):- حيث يدرك الطفل من خلال تعرفه على بعض الوجوه السياسية و التي تكون بمثابة نقاط اتصال مع النظام، ونرى هذه المرحلة بصورة واضحة وجلية في منطقة الشرق الأوسط حيث يولد الطفل وحين ينشأويدرك يرى الزعيم على السلطة وقد يصل الطفل إلى سن العشرين أوأكثر من عمره وهو مع نفس الزعيم ونفس الأسلوب في تلك السلطة.
3- مرحلة تصوير وتكوين قيم محددة (Idealistion):- عندها ينظر الطفل للسلطة من خلال بعض وجهات النظر التي كونها عنها كأن تكون مقبولة لديه أو يرفضها شعورياً وتملكه بردود فعل معينة مرضية أو غير مرغوبة فيها.
وبعد هذه المراحل أو في المراحل اللاحقة يحقق الفرد نوعاً من الاستقلال في آرائه حول الأفكار والمعتقدات الموجودة في محيطه الاجتماعي والسياسيإلا أن المجتمعات النامية غالبا ما تشهد السلطة الأبوية المطلقة وذلك بفرض رب الأسرة نوعا معينا من المعتقدات في ذهنية الطفل، أي إن الأب كيف يفكر يجب إن يفكر الولد مثله وهذا الامر يعد أحد الإفرازات السلبية للاستبداد السياسي في المنطقة وهذا مايجعل الأب متحفظا حول المعتقدات السياسية لإفراد اسرته، ومن خلال تقدمه في العمر أي الوصول إلى عمر المدرسة وعندها تبدأ المرحلة الثانية من التوعية السياسية للطفل.
ب- المدرسة:
تعد المدرسة عاملاً آخر من عوامل التنشئة السياسية التي تساهم في اكتساب الوعي السياسي ضمن المؤسسة الأولية للتنشئة السياسية، وللمدرسة دور هام في تنشئة السلوك السياسي للفرد بعد (العائلة) حيث تمثل دور المدرسة في صياغة الأفكار والاتجاهات الموجودة في المجتمع من خلال وسائلهاوأدواتها المعروفة.
وقد أكد عالم السياسة الأمريكي (ماريام) على دور المدرسة باعتبار المدرسة النظام التربوي الرسمي التي تقوم بعمليات التدريب المدني، وان التلاميذ يكتسبون أولى عمليات التنشئة من خلال المدرسة.
(فالمدرسة هي التي تعمق من شعور الأفراد للانتماء إلى المجتمع وتساهم في بناء شخصية الطفل وتثقيفه عن طريق فهم العادات والتقاليد وتجعله عضواً مشاركاً في المجتمع) ([4]).
وللمناهج الدراسية والكادر العلمي والطلبة أثرهم على اكتساب الوعي السياسي، وإننا نشهد أزمة تخلف المناهج الدراسية فضلا عن تخلف الكادر العلمي تخلفاً فكرياً وثقافياً. ويتطلب لجعل المدرسة منبرا لتعليم الفرد المفاهيم المدنية جهود مشتركة من قبل الكادر العلمي من المدرسين وكذلك السلطة السياسية التي ترغب في الانفتاح السياسي.
جـ- الجامعة:
إن الجامعة هي أهم مؤسسة لإنتاج الكوادر والافكار وتطوريهما وكذلك توليدهما وللجامعة دور حيوي وبارز في حياة المجتمعات البشرية وقد قامت الجامعات بهذا الدور الفعال في البلدان المتقدمة من خلال مشاركة الجامعات في صنع القرار السياسي للمجتمع، وعادة ما كانت الجامعات بمثابة قوة ضغط على الحكومة من خلال تقييد بعض ممارستها السياسية، وتمارس الجامعة دورها الايجابي اذا ما تم الربط بين المعرفة والإنتاج، أي: ربط الجامعة بهموم ومشاكل المجتمع والعمل على تثقيف المواطنين ووضع الخطط والبرامج التنموية والعملية ومراكز الأبحاث التي تعمل على زيادة الوعي السياسي ونشره بين الطلبة والمجتمع، ويظهر دور الجامعة في اكتساب الوعي السياسي من خلال اهتمامات الجامعة بالإحداث والظروف السياسية التي يمر بهما المجتمع، وخاصة في العلوم الإنسانية. وهناك أمثلة في واقعنا الشرق أوسطي على دور الجامعة في التوعية السياسية والعمل السياسي، منها على سبيل المثال مشاركة طلاب جامعة السودان في تغيير الحكومة، فضلا عن مشاركة الطلاب الجامعيين في الثورة الإسلامية في إيران. وان الجامعة يجب أن لاتنفصل عن المجتمع وإنما يجب عليها أن تنسجم مع المجتمع وتتعرف على المشاكل التي تحدث في الواقع وتحاول جاهدة إيجاد الحلول الكفيلة لها وفقا لواقع الناس وهمومهم الحياتية.
هذه بالنسبة للمؤسسات الأولية من حيث دورها في اكتساب الوعي السياسي، وهناك مؤسسات أخرى أساسية لها الدور على اكتساب الوعي والتوعية السياسية للإفراد ومنها: (الأحزاب السياسية -جماعات الضغط- وسائل الاعلام).
أ- الأحزاب السياسية:
لاشك في ان للأحزاب السياسية درواً هام في ا لاتجاهات السياسية لدى الأفراد، وبطبيعة الحال فان دور الأحزاب مثل المؤسسات الأخرى (كالجماعات الضاغطة- ووسائل الأعلام.. ) يختلف باختلاف المجتمعات ففي المجتمعات المتخلفة يرتبط حياة الأفراد الحزبية إلى حد الاعتماد الكامل، وهذا ما لا نراه في المجتمعات الأخرى، ففي المجتمع الأمريكي على سبيل المثال نرى الولاء الحزبي مرنا وذلك على وفق مستوى الوعي االسياسي لدى الفرد الأمريكي (فلا تتعجب إذا ما تحول خلال فترة وجيزة احد الجمهوريين إلى الديمقراطيين أو بالعكس، وذلك التحول لا يؤدي إلى التصفيات الجسدية كما نرى ذلك في المجتمعات المتخلفة) ([5]).
وغالباً ما تكون الأحزاب السياسية أدوات للتوعية السياسية في الفترات الأولى من التنمية السياسية، ففي المجتمعات المتقدمة يكون دور الأحزاب ضيئلاً بالنسبة للتوعية السياسية وغالباً ما تكون الاتجاهات التي تغرسها الأحزاب في الدول المتقدمة منسجمة مع القيم التي تغرسها العائلة والمدرسة، إما في البلدان المتخلفة فتسعى الأحزاب إلى غرس قيم غالباً ما تكون مختلفة عن القيم التي تلقاها البالغون في طفولتهم حيث يقتصر التغيير والتطور على الأحزاب فقط في تلك المجتمعات.
(ففي النظم المتقدمة حيث تقوم مؤسسات أخرى بدور التوعية فالحزب يضطلع بمسؤولية عقد الاجتماعات وتنظيم أعياد الاستقلال وأعياد الميلاد وللقادة القوميين) ([6]).
والأحزاب في منطقة الشرق الأوسط تساهم بدور بارز في صياغة األمفاهيم والأحداث السياسية، وذلك لان هذه المجتمعات تعد مجتمعات نخبوية أي ان هناك نخبة حاكمة تقود المجتمع نحو فهم معين وأسلوب معين من السلطة. وتحليل معين للقضايا السياسية التي تحدث في المحيط المحلي والدولي، لذا يعد هذا الدور للأحزاب دوراً سلبياً إلى درجة ما وذلك لان هذه الحالة تتيح الاستغلال واحتكار الأفكار في المجتمع.
على أية حال ان للأحزاب الدور البارز وفي بعض الأحيان الدور المساعد على اكتساب الوعي السياسي تبعاً لاختلاف الأحزاب واختلاف المجتمعات التي تعمل بها تلك الأحزاب السياسية.
ب- جماعات الضغط"
والمؤسسة الأخرى التي تساهم في اكتساب الوعي السياسيتجاه األقضايا التي يمر بها المحيط أو البيئة الاجتماعية للإنسان تمثل في جماعات االضغط ووعي هذه الجماعات حول قضية معينة واتجاه معين غالباً ما تنسجم القضية أو الاتجاه مع مصالح الأفراد الذين يشكلون جماعات االضغط (اللوبي).
وظاهرة جماعات الضغط ظاهره قديمة، غير أنها لم تبرز بشكلها األمميز في الحياة السياسية إلا قبل بضعة عقود من السنين في الولايات االمتحدة الأمريكية ومنها عرف هذا الاصطلاح وشاع في البلدان االأخرى([7]).
وجماعات الضغط عبارة عن مجموعة من الأشخاص تربطهم روابط وعلاقات خاصة ذات صفة دائمة ومتواترة بحيث تفرض على أعضائها نمطاً معيناً من السلوك الجماعي وطريقة التأثير لجماعات الضغط على اكتساب الوعي السياسي تظهر من خلال الوظيفة التي تقوم بها األجماعات الضاغطة ألا وهي التأثير المباشر والتأثير غير المباشر في االحكومات وذلك يؤدي إلى فرض نوع من السلوك والوعي السياسي على االأفراد الذين ينتمون إلى تلك الجماعات، والتأثير المباشر لجماعات االضغط تتضمن المواقف التي تتخذها تلك الجماعات إزاء القضايا االسياسية المطروحة على مختلف المستويات وذلك بإرسال وفد إلى االحكومة، وأيضا يجري عمل تلك الجماعات في الخفاء حيث تمول االحملات الانتخابية لصالح جماعات الضغط، وذلك بدفع تمويل االانتخابات من اجل وصول احد المؤيدين لمصالح جماعات الضغط إلى دفة (كرسي) الحكم.
وبطبيعة الحال يختلف دور وتأثير جماعات الضغط على تكوين الوعي السياسي باختلاف المجتمعات البشرية كما هو الحال في الأحزاب السياسية، فمثلاً نرى ان الدور الذي تقوم بها جماعات الضغط في ا لبلدان الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية غالبا ما تكون ادوار مدنية عن طريق فرض بعض الالتزامات الاقتصادية والاجتماعية أو السياسية على الحكومات عن طريق الشركات ومؤسسات الأعلام والنقابات، أما في بلدان الشرق الأوسط فلا تزال دور جماعات الضغط غير واضحة وان وجدت تلك الجماعات فأنها غير فعالة وتقليدية فنرى ان جماعات الضغط تقتصر على رؤساء العشائر أو ما يسمى بالشيوخ، والحالة العراقية اكبر دليل على ذلك حيث تلى سقوط بغداد والنظام البعثي ظهور دور اكبر لرؤساء العشائر في العملية السياسية في العراق وبدأوايمارسون الضغط على الحكومة الجديدة والنظام الجديد، فضلا عن محاولة تلك العشائر إلى الانسجام مع المفاهيم العصرية كالديمقراطية وحقوق الإنسان لغرض الحصول على النفوذ في السلطة السياسية. وان دور جماعات الضغط من حيث تاثيرها في على الوعي السياسي يرتبط بالدور الذي تلعبه هذه الجماعات من خلال تأثيرها على العمليات الانتخابية وصنع القرار السياسي في هذه البلدان وتعد الولايات المتحدة النموذج الحي على ذلك وان هذه الجماعات لاتسعى للوصول إلى السلطة وإنما فقط التأثير في شخوص السلطة بما يخدم مصالح تلك الجماعات المرحلية والبعيدة.
جـ- وسائل الأعلام:
ان وسائل الاتصال في عصر الفضائيات وشبكات المعلوماتية قد غزت العالم ببرامجها وعروضها حتى تحول العالم إلى قرية كونية، بحيث يطلع أهالي الجنوب على أخبار أهالي الشمال بنفس الوقت وبسرعة هائلة فاقت التصورات البشرية في بداية القرن الحالي فتدفق الصور والرموز الثقافية على هذا النحو العجيب اتاح للناس مقارنات ثقافية غير مسبوقة، فقد صار في العالم كل واحد يستطيع تلمس موقعه موقع بلده بين أمم االأرض، مما أدى بالتالي إلى تداخل ثقافي بين شعوب المعمورة، وهذا ما يساعد على الإطلاع الواسع والسريع على الأحداث السياسية والظروف االدولية وتكون بذلك نوع من الوعي السياسي العالي للإحداث المثيرة على الساحة الدولية، فضلا عن الوعي السياسي لكل شعب من شعوب المنطقة بالإحداث والأمور الداخلية المتعلقة بسياسات حكوماتهم.
وان وسائل الأعلام باعتبارها طرق لاكتساب الوعي السياسي تختلف باختلاف أنواعها ومصدر تلك الوسائل، ففي داخل الأنظمة االشمولية تكونت كل وسائل الأعلام بيد الحزب الحاكم أو السلطة المنفردة بحيث يفرض إرادته على أفكار العامة، على عكس ما نراه في المجتمعات الديمقراطية حيث تفرض وسائل الأعلام أراءهاه وإرادتها على الحكومات وسياساتها.
و يشير (تود جتلن – Todd Gitlin- إلى مزايا وسائل الأعلام ومضارها بالنسبة لحركات الاحتجاج الاجتماعية التي تنادي بالتغيير السياسي الجذري([8]).
وهكذا فان التغطية الإعلامية تؤثر فيالأفراد ويكون لديهم توجهات وآراء حول مختلف المفاهيم والأحداث السياسية، وما دمنا نعيش اليوم عصر المعلوماتية فان هذا الدور معرض للتطور والتوسع وهكذا نجد في عالم اليوم تعدد وتنوع طرق اكتساب الوعي السياسي واتساع المؤثرات التي تسهم في تنمية الوعي السياسي على المستوى الكوني (العالمي) والمحلي. أما كيفية تحقق ذلك وإبعاده سلباً وإيجابا فهذا أمر أخر. فالبعد السلبي في تشكيل الوعي السياسي غالبا مانرا ه في الأنظمة الشمولية التي تعتقل فيها الكلمة وينعدم فيها الراي وان الإعلام موجه لدرجة توثر في عقول الافراد وتوجههم نحو نوع معين من الأفكار والمعتقدات وذلك من خلال الوسائل التي تمارس من خلالها الحرب النفسية والدعائية الموجة وتستغل وسائل الإعلام المرئية والمسموعه لذلك الغرض لذا فان أي تظاهرات من قبيل الوعي السياسي يكون مزيفااو موجها.
وان الإعلام في الوقت الراهن يمارس دورا اكبر من حيث تعدد الوسائل كالشبكة العنكبوتية وتحويل العالم إلى قرية صغيرة لذا أصبح بإمكان الإفراد الذين يعيشون تحت نير الاستبداد من التعرف على العالم الواسع واقتناء الأفكار الحرة من خلال الانترنيت والأقمار الاصطناعية. وهنا لابد من الفرق بين الأثر الذي يجلبه الإعلام العالمي في اكتساب نوع من الوعي السياسي، فالإعلام العالمي اليوم يؤثر بصورة واضحة في تفكير الشعوب نظرا لسرعة التنقل في المعلومات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ويتجلى هذا الأثر بقوة في المجتمعات النامية والمغلقة وذلك لكون الافراد في هذه المجتمعات تقيم الأحداث السياسية من زواية ردود الأفعال الآنية والمرحلية دون التفكير في العواقب والآثار التي تفرزها الظروف السياسية المتنوعة لذا نرى بان الظواهر التي تعبر عن الوعي السياسي كالمظاهرات والمطالبة بالتغيير غالبا ما تكون مرحلية ويتلاشى في الوقت الذي رسمته الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، واما الإعلام المحلي فان أثره ليس بالمستوى المطلوب وان مساهمته في توعية الافراد توعية سياسية يكون مقتصرا على المفاهيم التي تريد السلطة إيصالها إلى الشارع أو بشكل آخر ادلجة ( فرض فكرة معينة على) الشارع وفق مصالح النخبة الحاكمة ولكي يمارس الإعلام المحلي دوره لابد من تفاعله مع هموم المواطن وتعبيره عما يتجة إليه الشارع أو الراي العام الشعبي.
معوقات اكتساب الوعي السياسي
ان الكثير من جانب الموروث الثقافي والسياسي فضلا عن الحالة غير الصحية التي نراها في الفترة الراهنة في مجتمعات الشرق الأوسط قد أسهمت إلى درجة كبيرة على اعائقة اكتساب الوعي السياسي الموضوعي والعلمي حول الأحداث السياسية التي تحدث في المحيط الداخلي وفي البيئة الدولية فهناك حالة أللاستقرار السياسي والركود الاقتصادي والاستبداد السياسي والتخلف المعرفي والفكري وضعف الإنتاج القومي وانعدام خطط التنمية والتحديث والعيش في مجتمعات مغلقة حتى بات كمعتقلات كبيرة على شعوب المنطقة، وفي هذا المضمار نحاول ان نشير إلى ضعف أو عدم توفير المؤسسات التي تساهم في اكتساب الوعي السياسي في الشرق الأوسط، إضافة إلى وجود نوع من المقارنة بين بلدان تلك المنطقة.
فالمؤسسات الأولية – في التوعية والتنشئة السياسية المتمثلة في (الأسرة والمدرسة والجامعة) في هذه المنطقة لا تقوم بذلك الدور الذييساعد على اكتساب الوعي السياسي.
-العائلة: فالعائلة التي تعد النواة الأولى في بناء شخصية الأفراد لكي تنسجم مع الواقع الذي نعيشهنرى فيها نوعا من الاستبداد فالأب والأخ الكبير يمارسان السلطة المطلقة على حساب الأفراد الآخرين فالشرق الأوسط يعاني من سلطة الأبوية حيث فرص الاوامر وإلزام تطبيقها في جو لا يتصف بحرية الرأي.
(فالعلاقات الديمقراطية. وإذا ما كانت العلاقة الأساسية للأبوية هي الخضوع فانها هنا المساواة في الأسرة، والاستقلال الاقتصادي هو الأساس لنشوء الديمقراطية في الأسرة) ([9]).
فالنظام الأسري يعاني من (الشخصية الاستبدادية) التي توجد بين الأفراد غير الواثقين من أنفسهم، والذين لم يفلحوا في تكوين شخصيتهم فنرى ان تحليل الأمور يكون إما بالسلب المطلق، أو بالإيجاب المطلق دون ان يكون هناك حد وسط في تحليل الأوضاع فالطاعة العمياء للسلطة والقيم والتقاليد الموجودة داخل تلك المجتمعات قد انعكست كلهن على مؤسسة الأسرة.
أما المدرسة: فهي الأخرى تعيش تحت تراكم المجتمعات ومخلفاتها السلبية، فالفرد الذي عاش في جو عائلي استبدادي ينقل معه تلك القيم إلى داخل المدرسة ومن ثم تؤثر في الأفراد الآخرين، فضلا عن ذلك عدم وجود تخطيط علمي منهجي يحدد أهداف المدارس واستراتيجياتها في المنطقة، والأمزجة السياسية التي تكونت في المدرسة تختلف من شخص إلى آخر، فضلا عن اختلاف تلك الأمزجة أيضاً.
(وقد وضعت (ايزل) وحصر فيه الأمزجة السياسية بين محورين الأول – محور القسوة - اللين، والمحور الثاني هو اليمين – اليسار([10]).
إلا ان هذه المعايير الأربعة قد تختلف حسب الطبقات الاجتماعية والأدوار التي يقوم به الأفراد داخل المجتمع.
والجامعة في الفترة الراهنة هي الأخرى تعاني من الانقطاع مع المجتمع ولا يوجد هناك ربط بين المعرفة والإنتاج، ولا تساهم الجامعات بذلك الدور في التوعية السياسية بالنسبة للطبقات العامة والتي تشكل الأغلبية في مجتمعات الشرق الأوسط وألان نرى ان المجتمع في واد والجامعة في واد آخر، فضلا عن قلة المتطلبات والوسائل العلمية الحديثة بحيث تساعد الجامعات على اكتساب المعرفة الجديدة، فاغلب جامعات المنطقة تعاني من قلة استخداماتها لمجال الانترنيت، فهي الأخرى بدلاً من ان تكون عامل جذب واستقطاب تحول في أحيان كثيرة إلى عامل إعاقة تحت توجه السلطات الحاكمة وتوجيهها وإشرافها.
أما يخص المؤسسات الأساسية كالأحزاب وجماعات الضغط ووسائل الأعلام من حيث اساهمها في الوعي السياسي فهي تواجة في منطقة الشرق الأوسط معوقات بحيث تؤدي إلى عدم فعاليتها في توعية المجتمع والمساهمة في رسم ملامحه وتتحول في أحيان غير قليلة وبفعل صراعاتها إلى عائق لاكتساب الوعي.
(ففكرة القبول بوجود الآخر، وهي فكرة غير متجذرة في الممارسة السياسية العربية، فنحن خلال الرجوع إلى تاريخ العمل الحزبي في المنطقة العربية يتبين لنا ان الأحزاب قد ارتبطت في نشأتها بفترة الخضوع للاستعمار([11]).
فضلا عن ارتباط واستمرار الحزب في هذه المنطقة بشخص المؤسسة أو ما يمكن تسميته بشخصية الأحزاب العربية.
فالأحزاب هي الأخرى لم تقم بذلك الدور الفاعل في توعية الجماهير توعية سياسية بحيث يكون ذات تأثير على صناع القرار والأوضاع السياسية، وخاصة أحزاب المعارضة التي تقتصر على وظيفة نشر الوعي السياسي بين أفراد الشعب.
وجماعات الضغط – هي الأخرى تتمثل في فئة الجيش أو العشيرة التي تعيش واقعاً متخلفاً بذاته ولا يمكن انتظار الدور من تلك الجماعات النفعية والمصلحية في المساعدة على نشر الوعي السياسي، على عكس جماعات الضغط الموجودة في الغرب وتوجه سياسات الحكومات فيها.
أما وسائل الأعلام:فعلى الرغم من الدور الذي تلعبه تلك الوسائل في المجتمعات المتحضرة من حيث الإسهام في اكتساب الوعي السياسي الشعبي ومعرفة الأفراد بمجريات الأمور السياسية بموضوعية دون التفات إلى مراقبة أو إرضاء الحكام، و الاعلام في الشرق الأوسط محتكر بيد النخبة الحاكمة وبذلك يكون أعلاما موجهاً لا يؤدي الدور الايجابي المرجو منه، وهي الأخرى تعيش في أزمة السيطرة السلطوية والترويج للسلطة الحاكمة.
إلا ان هناك معوقات يلاحظها الباحث من خلال دراسة الواقع السياسي الذي يعيشه الشرق الأوسط، وتلك المعوقات هي التي تعيق سبل الوصول إلى الوعي السياسي ألاكاديمي والعلمي، و يمكن تقسيم ابرز تلك المعوقات الى:-
1- المعوق الفكري:
ويرتبط هذا المعوق بانقسام هذه المجتمعات إلى معسكرين فكريين متضادين، حيث ترتبط كل طائفة بالنوع الخاص من التفكير الذي ينسجم مع رأيه وفكرته دون النظر إلى نقاط الالتقاء والتفكير بمشاريع النهضة، فقد كانت هذه المنطقة بمثابة ساحة للنزاع بين الأيدلوجيات المختلفة امتداداً من زمن الاستعمار وانتهاءاً بزمن الزعامات والأطراف السياسية التي تلت الاستعمار واحتكرت شرعية الثورة للسيطرة على المجتمعات.
(صورة الصراع الحاد بين دعاة الحداثة والتحديث، ودعاة الأصالة والعودة إلى الجذور، ويكاد النقاش ان تشق المجتمع العربي إلى طريقين لالقاء بينهما، بل ان يشق الوعي العربي أداته على نفسه في صراع ذاتي دائم يمنعه من أية حركة ايجابية ويغلق عليه التغير) ([12]).
وهنا كان لابد على القوى التي حكمت المنطقة من جعل الممارسة السياسية ممارسة تداولية بين جميع الحركات والأفكار التي دخلت الساحة بعد فترة التحرير، وذلك للتعرف على التطبيقات المختلفة لتلك الأفكار وبالشكل الذي يخدم المصلحة العامة، ولكن ذلك لم يحدث وإنما عملت الأطراف التي وصلت إلى دفة الحكم على حماية كراسي الحكم واحتكارها لأنفسهم عن طريق قانون القوة وليست بقوة القانون. وكذلك مارست الانغلاق الاقتصادي وقصر الموارد بيد السلطة الأمر الذي جعل من المجتمع مجتمعا استهلاكياً يقر كل ما تقرره السلطة الحاكمة.
2- المعوق السياسي (وهم الاستبداد السياسي):
أما النقطة الأخرى من معوقات اكتساب الوعي السياسي، فهو الفهم الخاطئ لمصطلح السياسة وكل ما يرتبط بهذا المفهوم من معان وممارسات. حيث هناك خلل في الفهم والتخوف من السياسة وعدم الاهتمام بها نظراً للواقع السيئ الذي خلقته السلطات السياسية التي حكمت المنطقة بالنار والحديد خلال العقود التي مضت وما تزال الأوضاع تسير على نفس الوتيرة من حيث التخلف بالسياسة والاستبداد السياسي.
(ان الشباب والمراهقين لم يعودوا يهتمون بالسياسة وإنما بنجوم الغناء العالمية ونجوم كرة القدم ولا يعرفون شيئاً تقريباً عن تاريخ بلدهم ومؤسساته) ([13]).
فالاهتمام اليوم غير موجه نحو الأمور السياسية والتنموية الفكرية وإنما هي مركزة على الأمور السطحية واليومية دون ان يكون هناك أية مشاريع في سبيل تخلص المجتمع من هذا القوقع وخاصة جيل الشباب باعتبارهم سواعد المجتمع وقوته الفعلية.
3- الجمود وعدم التفكير بالتغيير الايجابي :
والنقطة الأخرى البارزة في مسألة المعوقات التي تواجه الوعي السياسي هي الاتكالية، وعدم التفكير بالتغيير، وإهمال العوامل الذاتية التي أدت إلى هذا الجمود، ووضع الوم على الأطراف الخارجية والاستعمار على انتاج هذا الواقع المتردي. صحيح ان لهذا الواقع امتداداً لبعض الخطط والممارسات الشنيعة للاستعمار إلا ان هذا لا يعني الاستسلام و عدم التغيير وتطوير الذات.
(ابراز دور العوامل التآمرية الدولية، أو الانحرافات التسلطية للهيئات ألحاكمة) ([14]).
فقد تعودت مجتمعات المنطقة برمتها على الحديث عن العوامل الموضوعية والمكايد الغربية والشرقية. والادعاء ان كل ما يتعرض له الإنسان الشرق أوسطي هي من افرازات الاستعمار والقوى الخارجية، ونسوا ذاتهم ولم يقوموا بتدريس جميع جوانب حياتهم خاصة المعوقات الذاتية أمام تطور الإنسان وإمام النهوض الموضوعي والأكاديمي.
كل هذه العوامل وغيرها تشكل عوائق دون اكتساب الوعي السياسي الذي يسهم بدوره في عملية البناء والتقدم والتنمية والاستقرار وأدت هذه المعوقات إلى عرقلة التحولات الاجتماعية والسياسية، فضلا عن ثقافة الشكوى التي أصبحت تجتاح المجتمعات النامية فالكل يصف لك المشكلة من كل أبعادها ولكن قلما تجد فئة مهتمة بحل تلك المشاكل أو أسباب التخلف والجمود، وتظهر هذه الحالة نتيجة عدم التخصص وادعاء الافراد بالمعرفة المطلقة والتدخل في الشؤون التي لا تدخل ضمن اختصاصاتهم، وهنا لابد من العمل على القضاء على البعد التشاؤمي من ثقافتنا فبدلا من انتظار الآخر كي ياتي ليرسم معطيات الحياة لنا لابد من التحرك الذاتي والإرادة الذاتية ومخاطبة الذات وتعويدهما على المفاهيم المدنية والثقافية، وبدأت اليوم عمليات التنمية البشرية في بعض المجتمعات وهذه العمليات يعد ضرورة ملحة في الوقت الراهن.
ونجد إن الوعي السياسي الوصفي منتشر بصورة سلبية بين النخبة المثقفة حيث يصفون لك الاحداث والمعطيات السياسية من باب الوصف فقط وهذا لا يمت إلى الوعي التحليلي بأية صلة فالتحليل والموضوعية يغيران من مجرى الامور السلبية وليس الوصف والمشاهدة السطحية
([1]) من الانترنيت –
www.google.com، اندرية نيقولا نيفش – ميثولوجيا السياسة – 6/2/2005م.
([2]) د. صادق الأسود – علم الاجتماع السياسي – بغداد – ط1 – 1990 ص 438.
([3]) د. إحسان محمد شفيق العاني – الملامح العامة لعلم الاجتماع السياسي- مطبعة جامعة بغداد 0 1968 – ص 127.
([4]) د. أحمد جمال ظاهر – دراسات الفلسفة السياسية – دار الكندي – أردن – الطبعة الأولى – 1988 – ص 412.
([5])زيرفان سليمان – مقال بعنوان (الانتخابات الأمريكية - وعقدة العراق) المنشورة في جريدة الأفق العدد (60) – 2004م _
www. Kurdiu. org.
([6]) د. إسامة ا لغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث – عالم المعرفة – مطابع الرسالة – كويت – ص 182- سلسلة (117).
([7]) د. صادق الأسود – مصدر سبق ذكره – ص 276.
([8]) دوريس اية جربير – سلطة وسائط الأعلام في السياسة – ترجمة د. اسعد أبو ليده – دار البشير للنشر والتوزيع – عمان – ط2 – 200 – ص 277..
([9]) د. هشام شيرابي – النظام الأبوي وإشكالية المجتمع الغربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – الطبعة الثانية 1993 – ص 50.
([10]) صادق الأسود – علم الاجتماع السياسي – مصدر سبق ذكره – ص 305.
([11]) د. هشام شرابي – مصدر سبق ذكره – ص 176.
([12]) د. برهان غليون 0 اغتيال العقل – بيروت – مكتبة مدبولي – ط1 – 1987 – ص 31.
([13]) هشام جعيط – أزمة الثقافة الإسلامية – مصدر سبق ذكره ص 40.
([14]) د. محمد جابر الأنصاري – العرب والسياسة أين الخلل – مصدر سبق ذكره ص 68.