المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
نظرية مابعد الحداثة Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
كتاب المجتمع والاجتماعية الاجتماع الشباب موريس الاجتماعي الجماعات المجتمعات الخدمة العنف التغير الجريمة الالكترونية العمل اساسيات محمد الجوهري المرحله البحث الاجتماعية التخلف في التنمية التلاميذ تنمية
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
نظرية مابعد الحداثة Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

نظرية مابعد الحداثة ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
نظرية مابعد الحداثة ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
نظرية مابعد الحداثة Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

نظرية مابعد الحداثة …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
نظرية مابعد الحداثة ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
نظرية مابعد الحداثة Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
نظرية مابعد الحداثة Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 نظرية مابعد الحداثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يونيو 12, 2014 4:51 am


نظرية مابعد الحداثة

مقدمة
1 ـ مفــهوم الحداثة
2 ـ مفــهوم ما بعد الحداثة
3 ـ تعريف نظرية ما بعد الحداثة
4 ـ عوامل نشأة ما بعد الحداثة
5 ـ الجذور الفكرية لنظرية ما بعد الحداثة
6 ـ رواد نظرية ما بعد الحداثة
7ـ تقييم نظرية ما بعد الحداثة
خاتمة
الملحق
قائمة المراجع

مقدمة
مقدمة
تعددت النظريات السوسيولوجية المعاصرة واختلفت وتعد نظرية ما بعد الحداثة من هاته النظريات والتي يسعى روادها لحل مشكلات مجتمعنا المعاصر والتي تم الاهتمام بها بعد فشل النظريات السوسيولوجية الكلاسيكية وهذا من خلال الانتقادات الموجهة لتلك النظريات،وهاته النظرية النقدية المعاصرة سيخصها بحثنا هذا بالدراسة حيث سنتكلم عن مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة وإلى أي حد استخدم هذا المفهوم (ما بعد الحداثة)ثم يليه تعريف النظرية وعوامل نشأتها ثم جذورها الفكرية بعد ذلك الرواد وتقييم نظرية ما بعد الحداثة.ولذلك نطرح التساؤلات التالية:
ما المقصود نظرية ما بعد الحداثة؟ وما هي ظروف نشأتها ؟ومن هم أهم روادها


1ـ مفهوم الحداثة:
يرى الكثير من المحللين لنظرية الحداثة،أن هذه النظرية ومفهوماتها يعتبران من المفاهيم الغامضة والمحيرة أو الصعبة التفسير نظرا لتداخلها مع الكثير من المفاهيم الاخرى،لتعدد استخداماتها في الحياة اليومية وللتعرف على هذا المفهوم كما يرى فرو،وفوستر يجب التفرقة بين ثلاثة مفاهيم وهي الحداثة والتحديث وما بعد الحداثة.
فالحداثة هي عبارة عن جملة الممارسات الثقافية التي يكون بعضها معادي للحداثة ذاتها.
التحديث والتي تعتبر عملية إقتصادية في الاساس ولها تطبيقات في مجالات علم الاجتماع الثقافي حيث ارتبطت بمفهوم العقلانية عند ماكس فيبر وعبر عنها في نظريته الاجتماعية والتي تم تطويرها في إتجاه نظري عرف بإسم نظرية التحديث[1] .
فالحداثة كمفهوم استخدم من جانب العديد من المنظرين الاجتماعيين أمثال ماركس وفيبر،ولقد حاولوا جميعا الاشارة إلى هذا المفهوم تاريخيا للفترة اللاحقة للعصور الوسطى أو العصر الاقطاعي.كما يمكن أن نشير ألى الحداثة للاشارة في إطار تحليلنا للمراحل التاريخية اللاحقة لعصر التنوير وما تميزت به أنماط التفكير الانساني وتبنيها للتفسيرات العلمية والعقلانية،واعتبار كل من العلم والعقل مصدرا للتقدم عن طريق المعرفة المنظمة .
وكما يشير مفهوم الحداثة إلى مايعرف بالحداثة الجمالية الفنية والتي ظهرت نتيجة لمقاومة المظاهر الاستاتيكية والثقافية فالحداثة مست جميع جوانب الحياة من فنون وصناعة واقتصاد واستهلاك.
فالحداثة تذهب نحو الفردية والعلمانية والتحول نحو التصنيع والنظام السلعي والتحضر والتحول نحو البيروقراطية والعقلانية والتي جميعها شكلت النظام العالمي الحديث.
2ـ مفهوم مابعد الحداثة:
إن مفهوم ما بعد الحداثة يفهم من خلال تحليلات أنصار هذه النظرية،حيث يروا أن المرحلة المعاصرة التي تشهدها المجتمعات الحديثة تتصف بمرحلة ما بعد الحداثة،وخاصة إن هذه المرحلة الحالية تتميز بأعلى درجات التقدم التكنولوجي والصناعي في المجتمع الذي نعيش فيه وساعدت على إنتاج وإعادة إنتاج وتغير جميع المظاهر الحياتية التي يطلق عليها مجتمع مابعد الحداثة الجديد تلك المرحلة التي تحتاج إلى الكثير من التحليلات حول ما تم إنتاجه سواء من الناحية التاريخية أوالسوسيوثقافية والذي نتج عن إستخدام التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الحاسبات الالكترونية ووسائل الاتصال والاعلام والاشكال الحديثة من المعرفة ،والتغيرات التي حدثت على البناءات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فجميعها شكلت ما بعد الحداثة.
إن تحليل أو مفهوم مابعد الحداثة في مجال النظرية السوسيولوجية يعد دورا أساسا في تشكيل النظرية الثقافية والجمالية حيث توجد تحليلات أخرى تميز بين الحداثة وما بعد الحداثة في مجال الفنون والاداب[2] ويقول هارفي من المؤكد أن الجميع يختلف فيما يقصد باللفظة مابعد الحداثة ماعدا احتمال أن يكون المقصود بها كونها تجسيدا لرد فعل ضد الحداثة أو انزياح عنها وطالما استغلق علينا معنى الحداثة والتبس،فإن رد الفعل هذا والمعروف بإسم ما بعد الحداثة يظل هو الآخر مستغلقا وبكيفية مضاعفة .[3]
3ـ تعريف نظرية ما بعد الحداثة:
يرى الكثير من المحللين لهذه النظرية أنها نظرية معاصرة جاءت لتقييم وإنتقاد النظريات السوسيولوجية الاخرى
فهي بمثابة نظرية سوسيولوجية ذات طابع نقدي،كما تحاول أن تعيد تفسير الواقع الاجتماعي وأنساق الفكر الانساني الذي تركته مجموعة النظريات السوسيولوجية الكبرى وروادها البارزين من أمثال ماركس وفيبر ودوركايم علاوة على تحليل النظريات المعاصرة ومحاولة إنتقادها من خلال معالجة أطرها التصورية والفكرية والقضايا الاساسية التي قامت عليها.
كما تهدف نظرية ما بعد الحداثة إلى البحث عن أسس لتفسر المعرفة الانسانية وإلى حد أصبحت هذه المعرفة ذات طابع عالمي،وقد رفضت هذه النظرية الكثير من الافتراضات والمقولات العامة التي قامت عليها النظريات السسوسيولوجية التقليدية والمعاصرة ،وخاصة تلك التي أيدت فكرة التماسك والتضامن والتوازن الاجتماعي وأيدت عموما النظريات التي تؤيد أفكار حديثة ومتطورة .وتقوم هذه النظرية أيضا على نقد النظريات التي تعتمد على توحيد الموضوعات ومجالاتها الخاصة والتي تعتمد على التصورات المركزية أو الشاملة ،لأنها تحرص على تجزئة الموضوعات وجعلها أفكار لا مركزية وتفسيرها في إطارها الاجتماعي واللغوي.
ويزعم أنصار التصورات ما بعد الحداثية أن المفكرين الاجتماعيين الكلاسيكيين اعتقدوا أن للتاريخ ثمة شكلا محددا ومسارا مستمرا وسيرورة هادفة وأن هذه الافكار الكبرى قد انهارت وآلت إلى الانقراض في التاريخ المعاصر وأصبحت عديمة المعنى ولم يقتصر الامر على أن فكرة التقدم في التاريخ قد غدت عديمة المغزى ولا يمكن الدفاع عنها،بل أن ما بعد الحداثيين يرون أنه ليس من المحتم على المجتمع البشري أن يسلك المسار الاشتراكي كما كان يرى ماركس ،أو أن ينهج النهج العقلاني والبيروقراطي كما توهم فيبر.ويرى بعض المنظرين الحداثيين وما بعد الحداثيين أن ما يتحكم في عالم اليوم هو وسائل الاعلام والاتصال الحديثة .ويضيف هؤلاء أن مجتمع مابعد الحداثة يتسم بدرجة عالية من التعدد والتنوع،ومن هنا فإن العالم الذي نعيشه ونشاهده في وسائل الاعلام والاتصال الحديثة مثل التلفاز والمواقع الالكترونية ذاخر بالافكار والقيم المطروحة للتداول،ولا صلة له بتاريخ المنطقة التي نعيش فيها وكما يقول مجموعة من هؤلاء المنظرين إننا نعيش في عالم تشكل ويعاد تشكيله بإستمرار ... ويعتبر جان بودريار من أبرز المنظرين في إتجاه ما بعد الحداثة حيث يرى أن وسائل الاتصال الالكترونية قد دمرت العلاقة التي تربطنا بماضينا وخلقت حولنا عالما من الخواء والفوضى وكان قد تأثر بالماركسية في مرحلة مبكرة من حياته الفكرية ،غير أن ثورة الاتصالات وانتشارها قد قلبت في رأيه المقولة الماركسية حول تأثير القوى الاقتصادية على شكل المجتمع رأسا على عقب ويرى بودريار أن ما يؤثر في حياتنا الاجتماعية أبلغ التأثير هو الاشارات والصور ويستمد بودريار جانبا من أفكاره في هذا المجال من المدرسة البنيوية وبخاصة الافكار التي طرحها ساسور بأن المعاني والدلالات تشتق من الروابط بين الكلمات لا من الواقع الخارج وفي هاته الايام التي تهيمن فيها وسائل الاعلام . [4]
يركز أصحاب ما بعد الحداثة على نقد المجتمع الرأسمالي والمعرفة التي أنتجها ويظهر هذا واضحا في كتابات جين فرانسو ليوتان وجين بودريلارفي نقد كل منهما لشرعية المعرفة والمجتمع الرأسمالي.[5]
4 ـ عوامل نشأة ما بعد الحداثة :
يذكر اليكس كالنيكوس أن القول بما بعد الحداثة نشأ بناءا على توفر ثلاثة عناصر متمايزة:
1ـ الردة على الحداثة:
وتتمثل في الحركات الفنية المعاصرة وخاصة منها تلك التي اعتنت بمجال المعمار،فلقد ثارت هذه الحركات على المعمار الحداثي الداعي إلى التقشف والعقلانية والتجريد والمستلهم لمثال الآلهة .في حين سعت نزعة ما بعد الحداثة إلى بناء نموذج معماري يستعيض عن التقشف بالتنميق وعن التقليد بالاثارة.ولعل ناطحة السحاب ATXTالتي وضع تصميمها فيليب جونسون خير مثال على عمارة مابعد الحداثة ذلك أنها تنقسم بصورة متناسبة إلى قسم أوسط كلاسيكي مستحدث،وأعمدة رومانية عند مستوى الشارع وقمة واجهة إغريقية مثلثة.
2ـ ظهور تيار اشتهر بإسم ما بعد البنيوية :
وقد كان من رواد هذا التيار ميشيل فوكو،جيل دولوز.وتتلخص أطروحة هذا التيار في رفض شعار التنوير واعتباره مجرد وهم كما تتضمن القول بأن لا يمكن تناول الواقع والفكر إلا باعتبارهما متجزئينوبأن النظريات والافكار ما هي إلا تعبير عن السلطة نحن إذن أمام نزعة فلسفية جديدة تقوم على تشخيص واقع لا يعدو أن يكون مجرد مرآة تعكس انهيار العقل الكلاسيكي بمختلف أشكله سواء تعلق الامر باللاهوت المسيحي أو النسق الهيجلي أو الايديولوجية الماركسية أو النزعة الوضعية
3ـ ظهور نظرية المجتمع مابعد الصناعي والتي عمل على تطويرها علماء اجتماع كثيرون نذكر من بينهم عالم الاجتماع الامريكي دانيال بل والفرنسي ألان تورين،فالبنسبة لدانيال بل العالم اليوم دخل عصرا تاريخيا جديدا أطلق عليه اسم العصر ما بعد الصناعي ويتميز هذا العالم بالاهمية التي صارت تحضى بها المعرفة(الثقافة) في الحياة المعاصرة والتي جعلت منها بدلا من الانتاج المادي(الاقتصاد)القوة الدافعة الرئيسية للتطور،فهو يقول في هذا الصدد:
إن لمن نتائج اندحار الاخلاق الدينية وارتفاع الدخل الفردي ارتفاعا كبيرا ،أن تبوأت الثقافة في نصف القران الاخير المكانة الاولى للاشراف على التغيير داخل المجتمع ،مما جعل الاقتصاد يركن إلى ممارسة دور تابع يتولى من خلاله مهمة إشباع الحاجات الجديدة للثقافة. [6]
5 ـ الجذور الفكرية لنظرية ما بعد الحداثة:
إن عملية تحديد مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة لايمكن فهمه إلا من خلال السياق التاريخي التي ظهرت فيه هذه المفاهيم وأدت إلى بلورة نظرية ما بعد الحداثة فلقد ظهر مفهوم الحداثة من الناحية الاجتماعية في دراسات راد ليف بانفيتز والذي تأثر بالفيلسوف "نيتشه" لوصف انهيار القيم في الثقافة الاوروبية المعاصرة .
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية تطور استخدام مفهوم ما بعد الحداثة ويظهر من تحليلات سمور فيل التي تناولت كتابات المؤرخ البريطاني الشهير "أرنولد توينبي"وخاصة في كتابه دراسة في التاريخ الذي نشر سنة 1947وإن كان كل من "سيمور فيل و توينبي" أرجعا تاريخ ظهور فكرة ما بعد الحداثة إلى ظهور ما يعرف بالمرحلة الرابعة في التاريخ الغربي وبالتحديد عام1875وبعد انهيار عصور الظلام وحاولا أن يصفا مجموعة التغيرات الحديثة التي ظهرت مع نشأة الطبقات البرجوازية الوسطى،وأدت إلى الاستقرار الاجتماعي،وتبني العقلانية.
وخلال عقد الخمسينات ظهرت أفكار سوسيولوجية لفكرة ما بعد الحداثة في الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما ظهر في تحليلات "رونالد روزنبرج" في كتابه الثقافة الجماهيرية عند استخدام مفهوم ما بعد الحداثة ليصف الاحوال الجديدة للحياة في المجتمع الامريكي .كما نجد "بيتر دويكر" قد اهتم بهذا المفهوم عندما نشر مقاله عن علامات الغد وذلك سنة 1957حيث حاول فيه أن يصف تأثير التكنولوجيا وطبيعة القوة التي تحدد المخاطر المتعددة في المجتمع.
ومع آواخر الخمسينات وبداية الستينيات تطور مفهوم ما بعد الحداثة وظهرت البوادر السوسيولوجية والفكرية لنظرية ما بعد الحداثة عامة وهذا ماجاء في تحليلات الكثير من علماء الاجتماع المعاصرين من أمثال "رايت ميلز" وخاصة في تصوراته حول الخيال السوسيولوجي الذي حاول أن يصف مرحلة ما بعد الحداثة بأنها ظهرت مع نهاية العصر الحديث.
ـ وخلال عقدي الستينيات والسبعينيات تطور استخدام مفهوم ما بعد الحداثة لتمتد جذوره الفكرية إلى مجالات أخرى غير علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد،ويظهر في كتابات العديد من العلماء المعاصرين من أمثال "جيفري باراكلوف"،كما ظهر استخدام مفهوم ما بعد الحداثة في الدراسات الادبية والثقافية وعلوم الآثار والفنون والمسرح ولاسيما تلك التحليلات التي امتازت بالاتجاه النقدي .
كما تعتبر اهتمامات بعض علماء الاجتماع الامريكيين البارزين من أمثال "امتاي اتيزيوني"،مصدرا فكريا متميزا لنظرية ما بعد الحداثة ولا سيما ما تناوله في كتابه المجتمع الفعال الذي حاول فيه أن يفسرمجموعة التغيرات التي حدثت في المجتمع الحديث وخاصة في مجال التكنولوجيا والاتصال والتنظيم.
ـ أما خلال الثمانينات والتسعينات فلقد تطورت العوامل الفكرية والثقافية التي أثرت على تحديث أفكار نظرية ما بعد الحداثة ولا سيما تلك الافكار التي ارتبطت بالحداثة وما بعد الحداثة والتي تتطلع جميعها لظهور نظرية نقدية تعالج القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية والادبية من منظور مختلف ومتميز عن النظريات السوسيولوجية والاجتماعية و التقليدية والمعاصرة. [7]
6ـ رواد نظرية ما بعد الحداثة:
لقد جاءت آراء العديد من العلماء لتعبر بوضوح عن حصيلة قيمة من أفكار متعددة طرحت بواسطة نظرية ما بعد الحداثة أمثال ديليز ولاكالين وميوتي وجيوتري ،ولكننا سنخص بالذكر بعض هؤلاء العلماء ليمثلوا هاته النظرية
جان بودريارد:
عالم اجتماع معاصر ذو جنسية فرنسية تعددت اسهاماته كغيره من علماء الاجتماع الفرنسيين المعاصرين ،وإن كانت تحليلاته توصف كثيرا بأنها تبنت الاتجاه النقدي ولاسيما في حملته ضد الماركسية وغيرها من النظريات السوسيولوجية الكبرى له عديد المؤلفات منها كتاب المجتمع الاستهلاكي وكتاب نسق الاشياء ويمكن فيما يلي الاشارة لأهم آرائه بشيء من الايجاز :
أـ التحول من الحداثة إلى ما بعد الحداثة:
وقد جاءت آرائه مرتبطة أولا بتفسيره للحداثة فلقد أشار لتوضيح مفهوم الحداثة،باعتبارها خاصية أو سمة من سمات الحضارة والتي يقصد بها أنها شيئا ضد التقليدية،ولقد حاول بودريارد أن يوضح كيفية اهتمام العلماء بفكرة الحداثة كما جاءت في تصورات أنصار ما بعد البنيوية من أمثال فوكو.وفي إطار تحليلاته لعمليات التحول من الحداثة إلى ما بعد الحداثة سعى إلى دراسة كيفية تحول المجتمعات من مرحلة الرمزية إلى المجتمعات الانتاجية ،عالج كذلك قضايا أخرى مثل العمليات والممارسات الحياة اليومية تلك الثورة على أساليب الحياة ،والخطابات المؤسساتية والاتصال.
وبإيجاز سعى بودريارد لتحليل تصورات وأفكار ما بعد الحداثة عندما اهتم بدراسة المجتمع الاستهلاكي،ومظاهر الاتصال،وتحليله لأنماط الانتاج الرأسمالي ،والثقافي،والتكنولوجي،وأنساق الضبط والسيطرة والثورة المعلوماتية والانماط الترفيهية الاعلامية.
ب ـ استراتيجية الهلاك:
حاول بودريارد في استراتيجية الهلاك أن يصور كيفية تطور المجتمع الحديث نتيجة لعملية تطور محاكاة الاشياء الواقعية كما ظهر ذلك في مرحلة رأسمالية الاستهلاك.وفي الواقع حرص بودريارد على أن يركز على عملية المحاكاة ليتصور أن الناس أفقدوا التصور الحقيقي للعالم الذي يعيشون فيه وإن كانت آراء بودريارد عن نظرية الاستهلاك وحديثه عن ما يعرف بنهاية التاريخ وإختفاء الانتاج الرأسمالي،والوقع الاجتماعي،أو ماحدده بنهاية الواقع الاجتماعي،أو مايعرف بموت علم الاجتماع،وغير ذلك من أفكار لأن الكثير من آراء بودريارد جاءت لتعكس عمليات المحاكاة التقليدية كنوع من مظاهر التحديث أو الحداثة التي تتم بصورة دورية،وتلك الفكرة التي استمدها بودريارد من بعض انصار نظرية ما بعد الحداثة مثل كنتييه الذي تصور أن هناك فترات معينة من تاريخ الجنس البشري تحدد مراحل هذا التاريخ لإعادة ظهور مرحلة تاريخية أخرى أكثر حداثة فالحداثة تعني مرحلة أو عملية من التغير والتطور والابداع وإن كان بودريارد وصف المرحلة الحالية ما بعد الحداثة بأنها تمثل ذلك النوع من نهاية مراحل أو مجتمعات جديدة أخرى.وإن كانت هذه الفكرة(استراتيجية الهلاك)تغلب عليها طابع الغموض والخيال والبعد الميتافيزيقي في تفسير الواقع الاجتماعي.[8]
جون فرانسوا ليوتار:
الفرنسي متخرج من جامعة سربون بفرنسا من أهم المهتمين بمجال سياسات النقابات العمالية تأثر بآراء الفيلسوف كانط ،جاء أول مؤلفاته ليتناول الفينومينولوجية عام 1954أثرت فيه حياته بالجزائر حيث تلقى تعليمه الاساسي لينظم بعد عودته لفرنسا إلى التنظيمات السياسية الاشتراكية تعددت مؤلفاته في مجال مابعد الحداثة وكان من اهتماماته كتابه عن حال ما بعد الحداثة الذي نشر سنة 1984ومجرد لعبة وصدر عام 1985والاختلاف الذي نشر سنة 1988رفض الافكار والنظريات التي تقوم على العمومية كما ان اسهامات ليوتار قد ركزت على إبراز دور نظرية ما بعد الحداثة والتي شملت جميع تحليلاته المتنوعة كما انتقد بشدة العديد من النظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حاولت أن تؤكد وجود نظرية شمولية يمكن بها دراسة جميع أنماط المعرفة.فلقد أخذ حال ما بعد الحداثة برؤية نقدية تحليلية للنظريات الاجتماعية العامة والتي تمثلت في كتابات ماركس وفرويد .
إن معالجات ليوتار على أية حال لحال ما بعد الحداثة تعكس اهتماماته بدراسة أحوال المعرفة التي توجد في المجتمعات المتقدمة الرأسمالية،ولهذا يؤكد بأن استخدامه لمفهوم ما بعد الحداثة .
ولقد سعى ليوتار لظهور علم خاص يرتبط بسوسيولوجيا ما بعد الحداثة وإن كان هذا العلم لا يزال في مرحلته الاولى بحسب تصور أيان كريب ولم تتبلور معالمه بصورة واضحة.كما تعكس آراء ليوتار حول سوسيولوجيا مابعد الحداثة من خلال تركيزه على اللغة والمعرفة والادب،وهذا ما سعى لتحليله بصورة خاصة في اشارته لظاهرة ثورة المعلومات والتي من خلالها يمكن استخدام المعرفة لدراسة البناءات والنظم الاجتماعية.
سكوت لاش:
يرى لاش بإمكانية طرح الافكار والتصورات المرتبطة بالحداثة في إطار نظرية سوسيولوجية معاصرة،ويمكن أن تكون بديلا للنظريات السوسيولوجية التقليدية أو غيرها من النظريات المتعددة الانتماء بين العلوم الاجتماعية ولاسيما الفينمونولوجية أو الاثنوميثودولوجية فلقد حاول أن يعالج في كتابه سوسيولوجيا ما بعد الحداثة كثيرمن القضايا ،وقد سعى لتحديد فيه لتحديد ماهية سوسيولوجيا مابعد الحداثة حيث تخلى عن الكثير من الافكار التي طرحها غيره من رواد مابعد الحداثة والذين ربطوا الحداثة بالفلسفة والسياسة والاقتصاد والادب والفنون وأيضا علم الاجتماع.ويحدد سوسيولوجيا الحداثة باعتبار أن العلم يتكون من ثلاث مقولات أو أفكار أساسية مرتبطة بعضها البعض وهي بإيجاز:
1ـ فكرة التغير الثقافي :وذلك بإعتبار أن عملية التحديث ما هي إلا عملية تعكس التباين والاختلاف الثقافي بينما فكرة ما بعد الحداثة تعتبرالعملية التي تهتم بدراسة التباين أو التمايز الثقافي.
2ـ فكرة النمط الثقافي:
هذا بإعتبار أن الحداثة ما هي إلا حصيلة عملية التكوين الثقافي،أما ما بعد الحداثة فإنها تعالج الجزئيات أو العناصر الداخلية التي تشملها عملية التكوين الثقافي.
3ـ فكرة الحراك أو التنقل الاجتماعي:
بإعتبار أن هذه العملية ما هي إلا المنتج الخاص بعملية الحداثة وذلك لإرتباطها بالافراد أو الجمهور الثقافي،أما ثقافة ما بعد الحداثة فإنها تتميز بخصائص وسمات معينة والتي تتميز بها الطبقات والفئات الاجتماعية التي تنوعت بصورة كبيرة خلال مراحل ما بعد الحداثة.
كما أعطى لاش اهتماما ملحوظا بدراسة ثقافة ما بعد الحداثة وخاصة عندما اهتم بمعالجة النظرية النقدية الكلاسيكية والتي جاءت في أفكار مدرسة فرانكفورت.
نيكوس ميزليس:
أستاذ علم الاجتماع بمدرسة لندن للاقتصاد له عديد المؤلفات مثل النظرية التركيبية السوسيولوجية والذي نشر سنة1990تندرج أهمية تحليلاته تحت نطاق ما بعد الحداثة ولكنها تأخذ منحى آخر عن بقية التحليلات السابقة، فما يتضح من كتابات ميزليس مدى حرصه الشديد على العودة إلى النظرية السوسيولوجية التقليدية والمعاصرة.
سعى ميزليس لتحليل العديد من الافكار البارسونزية وحاول أن يصنف إسهامات ونظريات بارسونز حول مكونات هذه الفكرة بالاضافة إلى آراء ماركس أيضا،كما سعى إلى تحليل العديد من الاسهامات في مجال النظرية الاجتماعية والتي لم تفهم بارسونز بصورة كاملة،كما سعى إلى وضع إطار فكري وتصوري يمكن من خلاله إرشاد وتوجيه أصحاب النظريات الاجتماعية للعودة مرة أخرى وبإيجاز إن محاولة ميزليس تعتبر من المحاولات التي يمكن أن نطلق عليها مابعد الوظيفية أو مايعرف بالوظيفية المحدثة.[9]
7ـ تقييم نظرية ما بعد الحداثة:
لقد جاءت طبيعة ظروف المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والادبية والفنية لتعكس حصيلة اهتمامات رواد ما بعد الحداثة.كما أنها لم تظهر من فراغ بل جاءت اهتمامات العديد من روادها لتعكس عدد من النظريات والنزعات السائدة التي كانت خلال الحرب العالمية الثانية وقد جاءت كرد فعل للنزعات التي ركزت على انهيار القيم الثقافية والجمالية.
جاءت عملية تتطور نظرية ما بعد الحداثة بصورة تاريخية وهذا ما ظهر من خلال استخدامات هذا المفهوم الذي ظهر في تحليلات عدد من المؤرخين البارزين أمثال "سيمور فيل" .إلا أن الاهتمام بأفكار ما بعد الحداثة قد تطورت خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بعد ظهور الدراسات السوسيوتاريخية والسوسيوثقافية وهذا ما ظهر في الولايات المتحدة الامريكية في كتابات "روزنبرج" في كتابه عن الثقافة الجماهيرية وتطورت في تحليلات "دريكر" عن تحليله لمرحلة مجتمع ما بعد الصناعة.
لقد لعبت تحليلات أنصار النظرية النقدية الكلاسيكية والمعاصرة دور بارزا في ظهور ما بعد الحداثة من خلال مدرسة فرانكفورت ورآء "رايت ميلز" عن الخيال السوسيولوجي.[10]
كما تطور استخدام مفهوم ما بعد الحداثة خلال الستينيات والسبعينيات وأصبح موضوع اهتمام الكثير من أنصار هذه النظرية الذين وجدوا في الادب والثقافة وخاصة النقد الادبي موضوعا خاصا لإبراز مرحلة أو مجتمع ما بعد الحداثة.وهذا ماظهر في مجموعة الثقافات المضادة للثقافات السائدة ويعكس عموما مرحلة التمرد الفكري من جانب مجموعة كبيرة من روادها بمحاولة طرح أفكار وأطر تصورية ومرجعية جديدة تختلف كلية عن مرحلة الحداثة.
ان كثير من آراء أصحاب النظرية جاءت لتحليل الواقع الاجتماعي وذلك من خلال إعادة تحليل آراء النظريات السوسيولوجية مثل آراء ماركس الاصلية.كما لاحطنا أن بعض الآراء جاءت من منظور تشاؤمي في تحليلاتها للواقع الاجتماعي وهذا ما جاء في آراء ليوتار وتصوراته حول استراتيجية الهلاك .بالاضافة إلى ذلك جاءت محاولات بعض رواد نظرية ما بعد الحداثة لتعيد الاهتمام بالنظرية السوسيولوجية وهذا ما ظهرعلى سبيل المثال في آراء ميزليس.



خاتمة
وفي خولصة لهذا البحث نكون قد تعرفنا على مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة كما تمكنا من التمييز بين مفهوم الحداثة والتحديث وما بعد الحداثة ، كذلك ما بعد الحداثة كنظرية سوسيولوجية نقدية معاصرة إستمدت أفكارها وتصوراتها من ظروف فكرية محدثة ومن خلال عوامل ساهمت في بلورتها حيث حاولت أو بالأحرى حاول روادها تفسير الواقع الإجتماعي وهـــذا ما جــاء في تنــوع مداخلها التحليلية لدراســة الظواهــر الإقتصاديــة و التكنولوجية والثقافيــة والسياسية والاإجتماعيـــة ، كمـــا تعرفنا على البعض من روادها أمثال ليوتار .وفي الآونة الأخيرة ظهرت كتب كثيرة تبحث في مرحلة ما بعد الحداثة، وأثرها في الحياة العامة وبشكل خاص في الثقافة والآداب والفنون،




المراجع
فايز الصباغ،علم الاجتماع،مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الاولى،بيروت،لبنان،2005.
إبراهيم عيسى عثمان،النظرية المعاصرة في علم الاجتماع،دار الشروق،الطبعة الاولى،عمان،الاردن،2008.
محمد الشيخ وياسر الطائري ،مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة،دار الطليعة،الطبعة الاولى، بيروت،لبنان،1996.
عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزء الثاني، دار المعرفة الجامعية،مصر.


[1]تلك النظرية التي تطورت بعد الحرب العالمية 2نتيجة الاهتمام بالعلم التطبيقي وظهرت بصورة خاصة في تحليلات رواد النظرية النقدية التقليدية خاصة مدرسة فرانكفورت.
[2] عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزءالثاني،دار المعرفة الجامعية،مصر.
[3] محمد الشيخ وياسر الطائري ،مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة،دار الطليعة،الطبعة الاولى، بيروت،لبنان،1996.

[4] فايز الصباغ،علم الاجتماع، مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الاولى،بيروت،لبنان،2005.
[5] إبراهيم عيسى عثمان،النظرية المعاصرة في علم الاجتماع،دار الشروق،الطبعة الاولى،عمان،الاردن،2008.ص203.
[6] محمد الشيخ وياسر الطائري ،مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة،دار الطليعة،الطبعة الاولى، بيروت،لبنان،1996.

[7]عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزءالثاني،دار المعرفة الجامعية،مصر.
[8] عبد الله محمد عبد الرحمن ،مرجع سابق ،ص372.
[9] عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزءالثاني،دار المعرفة الجامعية،مصر.
[10] ودعا ميز في كتابه هذا إلى ضرور الاخذ بالنظرة الشاملة في الدراسة السوسيولوجية بحيث يكون تركيز الباحث على 3مستويات الانسان والمجتمع والتاريخ.من كتاب اتجاهات نظرية في علم الاجتماع،لعبد الباسط عبد المعطي،سلسلة عالم المعرفة،الكويت ،1981.ص152.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يونيو 12, 2014 4:55 am


ما بعد الحداثة : اشكالية المفهوم

محمود فتحى عبدالعال ابودوح


فرضت الأحداث الكبرى التى شهدها القرن العشرون تغيرات فكرية لمقولات كادت ان تكون ثابتة ومطلقة لا تقبل الشك فى الفكر الإنسانى – ولعل أبرز هذه التغيرات انهيار الفكر الشمولى ليؤكد بذلك عجز فكر اليقين والمطلق والكلى ، وكذا بديهيات التيار المادى التاريخى فى تفسير الواقع وتحليله – تشكلت فى أثرها رؤى جديدة تعبر عن حركة ثقافية ظهرت مؤشراتها فى تيار فكرى جديد يشير إلى سقوط النظريات الكبرى ويشكك فيما هو يقين ومطلق ويرفض فكرة الحتمية التاريخية والطبيعية ويجادل فى مسائل التقدم الإنسانى.
يضاف إلى ذلك أن الثورة المعرفية فى مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات قد ساعدت فى نقل الفكر من الحداثة إلى ما بعد الحداثة حيث الانتقال من حالة الإشباع المادى إلى حالة الإشباع المعنوى الأمر الذى دفع ببعض الباحثين إلى الزعم بأن مشروع الحداثة قد وصل إلى نهايته و ما علينا إلا الانتقال إلى مرحلة جديدة وفكر جديد وهى مرحلة ما بعد الحداثة.( 1)
وتكمن الفكرة الأساسية لتيار ما بعد الحداثة فى الاعتقاد بأن أساليب العالم الغربى فى الرؤى والمعرفة والتغير طرأ عليها فى السنوات الأخيرة تغير جذرى نجم فى الأغلب عن التقدم الهائل فى وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الجماهيرى وتطور نظم المعلومات فى العالم ككل مما ترتب عليه حدوث تغيرات فى اقتصاديات العالم الغربى التى تعتمد على التصنيع وازدياد الميل إلى الانصراف عن هذا النمط من الحياة الاقتصادية وظهور مجتمع وثقافة من نوع جديد.( 2)
وعلى الرغم من ان ما بعد الحداثة تشخيص لكل ما يحدث حولنا إلا أنها لم تعطِ حتى الآن تعريفا , وترجع صعوبة وضع تحديد دقيق لكلمة ما بعد الحداثة إلى أنها تتولد عن معانٍ مختلفة تختلف باختلاف الفروع التى تدخل فى نطاقها حيث ان أغلب ما كتب عن ما بعد الحداثة نبع من تواجد اختلاف معرفى عما تدعو إليه ما بعد الحـداثة أو ما تتعـهد به , فمـثلا نجـد أن هذا المصـطلح متطابق إلى حد كبير مع ما بعد البنيوية ونجده متعارضاً معها فى أحيانا أخرى ، كذلك نجد أن المصطلح قد يستخدم فى أحيانا ثالثة بشكل نظرى صارم ليصف المشهد الثقافى المعاصر( 3) , وما هو أسوأ أن مقتنعى ما بعد الحداثة ورموزها الفكريين لم يتفقوا حتى على تعبير ما بعد الحداثة نفسه , فالبعض مثل " ليوتارد " يفضل صيغة اكثر ايجابية وتحديدا لشرط ما بعد الحديث , بينما هناك من يراها منطقا ثقافيا للرأسمالية المتأخرة " كجيمسون " أو عصرا ثقافيا أخيرا فى الغرب , كما يحاول البعض الآخر أن يتجنب مأزق التعرف . ( 4)
وفى ضوء ذلك يمكن القول بان مفهوم ما بعد الحداثة يعد أحد المفاهيم الحديثة التى دخلت فى نطاق علم الاجتماع , ومن ثم يكون من المنطقى أن يدور جدل ونقاش حول تعريف المفهوم شانه فى ذلك شان مفاهيم العلم , ولكن من غير المنطقى أن لا يتفق رموز و مفكرى ما بعد الحداثة على التسمية وتعبير ما بعد الحداثة نفسه الأمر الذى قد يوجد بعض التضارب و التداخل فى فهم ما بعد الحداثة , إلا أن ذلك قد يكون مرده إلى اختلاف المجالات والتخصصات التى يدخل تحت نطاقها هذا المفهوم وما يترتب على ذلك من اختلاف تخصصات رواد ما بعد الحداثة ورموزه الفكريين , وتأكيدا لذلك فإن "مفهوم ما بعد الحداثة قد ساهم فى صياغته مجموعة من المفكرين فى مجالات شتى فى النقد الأدبى والفن و العمارة والفلسفة والسياسية وعلم الاجتماع."( 5)
وقبل الدخول فى تناول مفهوم ما بعد الحداثة من خلال وجهات نظر مختلفة يتراءى للدراسة القاء الضوء على اللازمة أو المقطع "ما بعد" ، حيث تجدر الإشارة إلى أن لفظ "ما بعد" استخدم فى أول الأمر فى الطبيعة ويعود استخدامه إلى أحد أتباع "أرسطو" و الذى وجد ضمن مؤلفاته مجموعة مقالات له تشتمل على ثلاثة مباحث كبرى وهى مبادئ المعرفة و الامور العامة للوجود والألوهية رأس الوجود وهى مباحث تقع بعد علم الطبيعة فأطلق عليها ما بعد الطبيعة.(6)
كما استخدم هذا المقطع " ما بعد " فى العصر الحديث فى أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية باعتبار أن مصطلح ما بعد الحرب كان على كل الألسنه وفى كل الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية ومن هنا تمت استعارته إلى مجال الثقافة.
وفى ضوء ذلك يمكن القول بأن إضافة مقطع "ما بعد" إلى مفهوم الحداثة قد يفيد الترتيب الزمنى كأن تقول ما بعد الكلاسيكية أو ما بعد الرومانسية أى بداية مرحلة زمنية جديدة , وكذلك تفيد الترتيب المكانى بمعنى وضعية شئ يأتى مكانيا بعد شئ أخر ، ويرى البعض أن اللازمة "ما بعد" لا تتوقف عند العلاقة الزمنية بل تشير إلى ترك الإطار السابق عليها والانفصال عنه , إلا أنها فى حقيقة الأمر لابد أن تدل فى ذات الوقت إلى جانب تلك القطيعة إلى نوع من استمرارية ما , أى استمرارية مع الحداثة إلى جانب الانفصال عنها.( 7) ومن ثم فإن المقطع "ما بعد" فى مصطلح ما بعد الحداثة يشير فى آن واحد إلى الانفصال والاستمرار ومن ثم فإن درجة وصفها تتوقف على استخدام هذا الناقد أو ذاك.( 8)
ومعنى ذلك أن إضافة المقطع ما بعد إلى مصطلح الحداثة قد يشير إلى الاستمرارية مع الحداثة ولكنها ليست استمرارية تواصلية – بمعنى أن ما بعد الحداثة استكمال لمشروع الحداثة – بقدر كونها استمرارية من اجل القطيعة , فالاستمرارية مع الحداثة هنا ضرورة نابعة من أن فهم ما بعد الشئ يستوجب معه منطقيا فهم الشئ نفسه لتحديد موقف معين تجاهه , وفى ظل هذه الاستمرارية مع الحداثة تتولد القطيعة والانفصال عنها ,وبالرغم من ذلك كله فإن المقطع "ما بعد" يعد تأكيداً على تمايز ما بعد الحداثة على الحداثة باعتبارها مرحلة فكرية وثقافية جديدة مناهضة لمرحلة الحداثة , وفى ضوء ما سبق يمكن القول بأن المقطع "ما بعد" قد أفاد مصطلح ما بعد الحداثة فى تحديد هويته واتجاهه تجاه تيار الحداثة.
وبناء على ما تقدم يمكن فهم ما بعد الحداثة من خلال وجهات نظر بعض رواده فى محاولة للوقوف على اهم المبادئ التى يرتكز عليها تيار ما بعد الحداثة وذلك
على النحو التالى:
يعتبر" نيتشية" احد المصادر الرئيسية فى القرن التاسع عشر للأفكار التى تميز الوضع ما بعد الحداثى , فالنزعة النسبية الأخلاقية والمعرفية لعالم ما بعد الحداثة ونزعة الريبة (الشك) فى إمكان تمييز الصدق من الكذب الحقيقة من الزيف نجد نموذجها فى فكر" نيتشه" العدمى جذريا( 9) , ويمكن القول أن فكر "نيتشه" هو فكر معادٍ للحداثة ويركز هجومه على فكرة الذات ويستند "نيتشه" فى عدائه للحداثة على مبدأ العدمية وهو يعنى انه لا قيمة للقيم , أى أن ما كُون فى العصور السالفة من مبادئ راسخة ثابتة ومثلا عليا سامية صارت مع مجئ الحداثة عدماً افقد القيم كل معنى أو حقيقة.( 10)
ومن ثم فإن تيار ما بعد الحداثة فى ضوء ذلك يمكن وصفه بأنه عدمى وذلك لأنه ينكر الاحكام التعميمية على نطاق المجتمع ويدعو إلى هجر مصطلحات الحقيقة باعتبار انه لا يمكن الامساك بتلابيبها فى أى مجال وكذلك ترك مصطلح الموضوعية لأن الذاتية هى التى تحكم مختلف المسارات , كما يفقد التاريخ فى ضوء هذا الاتجاه شرعيته لأنه غالبا ليس إلا مجموعة من الكتابات الدعائية وهذا الاتجاه العدمى يدعو إلى الجزئى على حساب الكلى.( 11)
أما "ليوتار" فقد استخدم كلمة ما بعد الحداثة لدراسة وضع المعرفة فى المجتمعات الاكثر تطورا مؤكدا أن وضع المعرفة يتغير بينما تدخل المجتمعات ما يعرف بعصر ما بعد الصناعة والثقافات ما يعرف بالعصر ما بعد الحداثى ( 12).
وفى ضوء ذلك يؤكد "ليوتار" أن ما بعد الحداثة هى "التشكك إزاء الميتا حكاية هذا التشكيك بلا شك ناتج من التقدم فى العلوم" ( 13) , وهذا يعنى أن ما بعد الحداثة عند "ليوتار" تشير إلى نهاية الحكايات الكبرى أى نهاية المشاريع الاجتماعية الطموحة للحداثة والتأكيد على أن خطابات أو نظريات الحداثة المتجسدة فى الليبرالية والماركسية والمستمدة من أفكار عصر التنوير عن العقل والتحرير الشامل للانسان والتقدم الخطى للتاريخ قد فقدت قيمتها التفسيرية , وأن ادعائها القدرة على المعرفة والتنبؤ ليس سوى وهم من أوهام التفكير الوضعى الذى ساد نهاية القرن التاسع عشر .( 14)
أما " فردريك جيمسون" فانه يؤكد أن ما بعد الحداثة هى رد فعل لما قبلها , حيث يرى أن ما بعد الحداثة تتوحد برغم تعدد مجالاتها وأساليبها تحت شعار الرفض لما هو معترف به ومقنن(15 ) , كما أنه يرى أن كلمة ما بعد الحداثة تنطوى على مفهوم التمرحل والذى تكون مهمته منصبة على ربط بروز سمات شكلية جديدة فى الثقافة ببروز سمات جديدة فى الحياة الاجتماعية ونظام اقتصادى جديد بما يعرف غالبا حسب التعابير المطلقه بالمجتمع ما بعد الصناعى أو الاستهلاكى أو بالنظام الرأسمالى متعدد القوميات أو مجتمع وسائل الإعلام(16 ) , ويضيف "جيمسون" أن ما بعد الحداثة لا يمكن أن تفهم إلا فى سياق رأسمالية أيامنا "الرأسمالية المتأخرة" لأنها أنقى شكل من أشكال رأس المال يظهر حتى الآن , حيث التوسع الضخم لرأس المال فى مناطق لم تكن تعرف حتى الآن الاقتصاد السلعى ومن ثم يؤكد "جيمسون" أن ثقافة ما بعد الحداثة تتناسب مع سيطرة النزعة الاستهلاكية والطموح الاستهلاكى. ( 17)
و يرى "سكوت لاش" أن ما بعد الحداثة نمطاً فكرياً يمكن النظر إليه من خلال التركيز على ثلاث قضايا مترابطة ومتكاملة وهى :
• التغير الثقافى: حيث أكد إنه إذا كانت الحداثة تنظر إلى التمايز الثقافى أو الاختلاف بين الثقافات فإن ما بعد الحداثة تتناول بالتحليل عملية تعميق لتلك الاختلافات.
• النمط الثقافى: حيث يرى ان من خصائص ما بعد الحداثة خلق نظام جديد من الرموز الثقافية المتصلة بالجانب الفكرى أكثر من اتصالها بالجانب الحسى.
• التدرج الاجتماعى: حيث يرى أن ما بعد الحداثة تؤسس انحطاطاً واضحاً ومفاجئاً للطبقات وكسر لها ولحواجزها( 18) .
ويؤكد "لاش" أن حركة ما بعد الحداثة ترى على انها ثقافة المجتمع الرأسمالى ما بعد الصناعى حيث يتحدث "لاش" عن علاقة التوافق والتجاوب الإنتقائى بين ثقافة ما بعد الحداثة والمجتمع الرأسمالى المعاصر ، حيث يشخص "لاش" الرأسمالية المعاصرة على أنها غير منظمة مقارنة بالرأسمالية المنظمة فى أواخر قرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، ويؤكد "لاش" أن الرأسمالية غير المنظمة تتضمن معظم ملامح حركة ما بعد فورد ، مشيراً إلى أنه فى ظل الرأسمالية تتفتت ثقافات ومجتمعات الطبقة العاملة ولا مركزية المدن والحركات الاجتماعية , فضلا عن أنها تساعد على ظهور بورجوازية ما بعد صناعية جديدة بأسسها المتواجدة فى وسائل الإعلام والتعليم العالى والتمويل والإعلان ، فمثلما كانت الحداثة هى ثقافة الرأسمالية المنظمة وطبقتها البورجوازية الحاكمة , فإن حركة ما بعد الحداثة هى ثقافة الرأسمالية غير المنظمة والطبقات الوسطى ما بعد الصناعية.( 19)
و يؤكد "جان بودريار" أن تيار ما بعد الحداثة هو عبارة عن تيار اجتماعى متكامل مختلف بكل مبادئه وتنظيماته عن الحداثة , مشيراً إلى نهاية فترة الحداثة التى كان يحكمها الانتاج والرأسمالية وظهور ما يسمى بفترة ما بعد الحداثة البعد صناعية والمتمثلة فى أشكال بديلة للتكنولوجيا والثقافة , حيث يوضح بأن هناك أشكالاً جديدة من التقنية والمعلومات كونت مراكزاً للفترة البينية والتحول من نظام منتج إلى نظام مستهلك , فعلى عكس المجتمع الحداثى الصناعى الذى كان الإنتاج فيه يمثل حجر الزاوية يتضح لنا أن "الزيف" يركب ويتحكم فى الشئون الاجتماعية حيث أصبحت الصور الزائفة صور الافعال والأحداث – فى المجتمع ما بعد الصناعى _ تمثل الحقيقة.( 20)
وبناء على ما سبق يمكن القول بان تيار ما بعد الحداثة يستند إلى مجموعة من المبادئ التى ينطلق منها فى معالجته لمختلف القضايا وهى على النحو التالى :
1- العدمية : وتعنى انعدام قيمة القيم فى ظل الحداثة ومنجزاتها ونقد الذات وإنكار الحقيقة والموضوعية والتاريخ , ويمثل هذا المبدأ المنطق الداخلى لتيار ما بعد الحداثة.
2- التعامل مع مختلف القضايا من خلال اللغة , حيث تتركز تحليلات ما بعد الحداثة على الخطاب وهذا يعنى أن تحليل النصوص أو تفكيكها قد أصبح يحظى بالمكانة الأولى فى الجهد النظرى لمفكرى ما بعد الحداثة.(21 ) ومن ثم يمكن القول بأن اتخاذ الخطاب كوحدة للتحليل قد يظهر معه انصراف مفكرى ما بعد الحداثة عن تحليل الواقع أو المضامين الملموسة للحقائق , وذلك نظراً لأن الخطاب قد لا يعطى صورة حقيقية عن الواقع.
3- سعت حركة ما بعد الحداثة إلى تحطيم الأنساق الفكرية الكبرى المغلقة والتى عادة ما تأخذ شكل الايديولوجيات , على أساس زعمها تقديم تفسير كلي للظواهر , كما أنها انطلقت من حتمية وهمية لا أساس لها. ( 22)
4- ترفض حركة ما بعد الحداثة كل عمليات التمثيل سواء أخذت شكل الإنابة بمعنى أن شخصا يمثل الآخرين أو التشابه وذلك حين يزعم المصور أنه يحاكى فى لوحته ما يراه فى الواقع.(23 )
انطلاقا مما سبق يمكن النظر إلى ما بعد الحداثة باعتبارها "حالة حضارية تهدف إلى خلق نمط ثقافى و معرفى يتعارض مع الحداثة، له سمات وخصائص تمجد عدم التحديد واللامعنى والتعددية والاختلاف والنسبية فى النظر إلى الواقع ويعلى من قيمة الثقافة والمعرفة فى توجية المجتمع الانسانى" وهذا يعنى أنها مرحلة من مراحل تطور المجتمعات تلي الحداثة وتهدف إلى "خلق نمط ثقافى و معرفى" بمعنى أنها تهدف - فى ضوء منطق التحولات الذى افرزها- إلى إعادة هيكلة البنية الموجودة داخل مستويات الوجود الانسانى ، كما أن هذا النمط يرفض الأطر النظرية والمنهجية للحداثة ومدلولاتها الواقعية ، ويتسم بسمات مغايرة للنمط الحداثى تجسد رؤيته عن الواقع ، وتخلق له رؤية تتماشى مع تأثير المعطيات الواقعية الجديدة على الحياة الاجتماعية والمتجسدة فى الاعتماد على التكنولوجيا وطغيان وسائل الإعلام و الاتصال على الواقع.

المراجع
1) أحمد مجدى حجازى، النظرية الاجتماعية فى مرحلة ما بعد الحداثة، قضايا فكرية، اكتوبر/1999، مرجع سابق ، صـ295.
2) أحمد زايد ، البحث عن ما بعد الحداثة ، مجلة العربى ، العدد506 ، صـ18.
3) Paul Cilliers, complexity and postmodernism : Understanding complex systems , London and New York, Routledge p.113.
4) مى غضوب، ما بعد الحداثة: العرب فى لقطة فيديو ، الساقى ، 1992 ، صـ20 .
5) أحمد مجدى حجازى، النظرية الاجتماعية فى مرحلة ما بعد الحداثة ، مرجع سابق ، صـ295.
6) مراد وهبه، ما بعد الحداثة والأصولية ، ابداع العد 11 ، 1992 ، صـ35.
7) مجدى عبد الحافظ ، بين الحداثة وما بعدها ، قضايا فكرية ، اكتوبر/1999،مرجع سابق، صـ270.
8) عصام عبد الله ، اليوتوبيا وما بعد الحداثة ، قضايا فكرية ، اكتوبر/1999، مرجع سابق ، صـ355.
9) ديفيد هوكس ، الإيديولوجية ، ترجمة: إبراهيم فتحى ، المجلس الأعلى للثقافة ، العدد159، 2000، صـ 127.
10) محمد الشيخ وياسر الطائر، مقاربات بين الحداثة وما بعد الحداثة ، مرجع سابق ، صـ14.
11) السيد ياسين ، مختارات :حوار الحضارات تفاعل الغرب الكونى مع الشرق المنفرد ، مرجع سابق ، صـ67.
12) جان فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثى : تقرير عن حالة المعرفة ، ترجمة : أحمد حسان ، القاهرة، دار شرقيات ،1994 ، صـ40.
13) Paul Cilliers , op ,cit ,p116.
14) كامل شياع ، فى ثقافة ما بعد الحداثة وسياستها ، قضايا فكرية ، اكتوبر/1999، مرجع سابق ، صـ319.
15 ) فردريك جيمسون ، ما بعد الحداثة الاستطيقا والسياسة، ترجمة: ماجى عوض الله ، إبداع ، العدد 11/نوفمبر 1992، صـ44.
16 ) فردريك جيمسون ، ما بعد الحداثة ومجتمع الاستهلاك ، ترجمة :عابد إسماعيل، نقلاً عن http://www.nizwa.com/volume41/p78_84.htm-58k
17 ) اليكس كالينكوس ، رسم الخط الفاصل: قراءة فى كتاب فردريك جيمسون ما بعد الحداثة ، ترجمة : بشير السباعى، إبداع ، العدد 11/ نوفمبر، 1992 ، صـ50 .
18 ) Scott. Lash , sociology of postmodernism , London and New York, Routledge,1990. px1.
19 ) Krishan. Kumar, from post-industrial to post-modern society : new theories of the contemporary world, London and New York, Black-well ,1995 ,p138.
20 ) Jahn. Hassard, Sociology and organization Theory : positivism, paradigms and postmodernism , Cambridge , university press, p127.
21 ) يوسف سلامة ، نقد ما بعد الحداثة :الحضارة بين الحوار والصراع فى عصر ما بعد الحداثة ، الآداب ، العدد 3/4 ، 2000، صـ18.
22 ) السيد ياسين. الحداثة وما بعد الحداثة فى محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالى ، نصوص مختارة :الحداثة ، الدار البيضاء ، دار توبقال ، 1996م ، صـ120.
23 ) المصدر نفسه ، صـ123.
لمزيد من التفاصيل حول فكرما بعد الحاثة فى علم الاجتماع راجع : محمود فتحى عبدالعال ، الاسس النظرية والمنهجية لتيار ما بعد الحداثة فى علم الاجتماع : تحليل نقدى ، رسالة ماجستير ، كلية الاداب قسم الاجتماع ، جامعة عين شمس 2006
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يونيو 12, 2014 4:58 am

ما بعد الحداثة والتربية
ورقة عمل مقدمة إلى
المؤتمر العلمى الاول لقسم اصول التربية
"التربية فى مجتمع ما بعد الحداثة"
كلية التربية - جامعة بنها
الفترة من 21-22يوليو 2010
إعداد
ا د/ جمال على الدهشان
أستاذ أصول التربية
ووكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث
كلية التربية - جامعة المنوفية


مقدمة:
نعيش الآن على أبواب عصر أو عالم جديد، بدا يتخلق منذ سنوات في خفية من الأعين ولم تتضح معالمه الا منذ عقود قليلة ، وهو يعبر عن روح جديدة للعصر القادم في القرن الحادي والعشرين ، هذا العصر أطلقت عليه مسميات عديدة ، عصر العولمة ، وما بعد الحداثة ، عصر المعرفة واللايقين ، عصر العلم والنسبوية ، عصر الترابط الكوني وصدام الحضارات ، عصر الاعتراف بالآخر وإذابة هويته ، عصر التحرر والهيمنة، إنه "عصر المتناقضات")1( ، هذا العصر يرفع شعار نهاية عصر الحداثة الغربي، الذي بدا مع عصر التنوير واستمر حتى القرن العشرين ، والذي قام على أساس الفردية والعقلانية والاعتماد على العلم والتكنولوجيا)2( ، ويفتح الباب لظهور حقبة او عصر ما بعد الحداثة والذى ستحكمه مبادىء مغايرة ، من اهمها نهاية عهد الكيانات الكبرى ، وسقوط الحتمية فى التاريخ والمجتمع ، وانفتاح كل الخيارات امام الانسان فى اطار من التعددية الفكرية الطليقة التى لايحدها اى حد ، وسقوط اليات العمل الساسى التقليدية وظهور اليات جديدة تتبناها الجماهير وتتحدى بها هيمنة وسيطرة النخب السياسية، وظهور اشكال جديدة فى العمارة والفن والادب والمسرح والسينما وتكون تعبيرا عن روح العصر الجديد. )3(
فلقد فرضت الأحداث الكبرى التي شهدها القرن العشرين تغيرات فكرية لمقولات كادت أن تكون ثابتة ومطلقة لا تقبل الشك في الفكر الإنساني ، تشكلت في أثرها رؤى جديدة تعبر عن حركة ثقافية ظهرت مؤشراتها في تيار فكرى جديد يشير إلى سقوط النظريات الكبرى ويشكك فيما هو يقين ومطلق ويرفض فكرة الحتمية التاريخية والطبيعية ويجادل في مسائل التقدم الإنساني.)4(
يضاف إلى ذلك أن الثورة المعرفية في مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات قد ساعدت في نقل الفكر من الحداثة إلى ما بعد الحداثة ، حيث الانتقال من حالة الإشباع المادي إلى حالة الإشباع المعنوي ،الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى الزعم بأن مشروع الحداثة قد وصل إلى نهايته ، وما علينا إلا الانتقال إلى مرحلة جديدة وفكر جديد وهى مرحلة ما بعد الحداثة)5(.
وفى رأى بعض الباحثين ان ما بعد الحداثة لا تعبر فقط عن المشروع الحضاري الجديد الذي يتشكل داخل الحضارة الغربية ، وإنما هى وصف للمجتمعات الغربية الراهنة ، التي توصف بأنها مجتمعات ما بعد حداثية، تقوم أساسا على تفكيك مؤسسات المجتمع الجماهيري ، وتقليص دور الدولة، وإتاحة الفرصة كاملة للفرد لكي يمارس بحرية اختياراته الوجودية والحياتية والمهنية والاجتماعية، وهى مجتمعات تقوم على إحياء المجتمعات المحلية، وإتاحة الفرصة الكاملة لها للمشاركة في اتخاذ القرار، وهى بالإضافة إلى ذلك مجتمعات بدأت تتخلق فيها مؤسسات مدنية تحاول تحدى هيمنة النخبة السياسية الحاكمة على عملية اتخاذ القرار، في إطار نقد عنيف لمقولة التمثيل ، وهى أساس الديموقراطية البرلمانية الغربية حيث يمثل مجموعة من النواب المنتخبين مجموع الشعب، بكل ما يحيط بهذه العملية من قصور واضح يتضح في نقص المشاركة السياسية ، وقلة الإقبال على الانتخابات ، مما يشكك في صلاحية هذا النظام برمته )6( .
فما بعد الحداثة حركة فكرية تقوم علي نقد‏,‏ ورفض كثير من الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الحضارة الغربية الحديثة‏,‏ فهي تري ان الزمن قد تغير‏,‏ وأن الظروف العامة قد تجاوزت كل الانجازات نتيجة لتقدم أساليب الإعلام والاتصال‏,‏ أي ظهرت حالة جديدة من التاريخ تتطلب قيام نظريات ومفاهيم تتلاءم مع الأنماط المعرفية الجديدة والتطورات التي طرأت علي النظام الرأسمالي نفسه خصوصا بعد ازدياد الاتجاه نحو العولمة ‏)7(.‏
وانطلاقا من ذلك يشكل مفهوم ما بعد الحداثة فى الوقت الراهن واحدا من أكثر القضايا إلحاحا‏,‏ حيث يثار حوله جدل واسع في الغرب والشرق‏,‏ فبينما المفكرون العرب لايزالون منشغلين في النقاش حول الحداثة‏,‏ يفاجئهم بعض المفكرين الغربيين بصياغة تيار فكري آخر يطلق عليه ما بعد الحداثة‏ ,‏هذا التيار يقوم علي أساس شن هجوم علي قيم الحداثة الغربية ومفاهيمها‏ ، وهو ليس بالطبع مجرد نوع من الغلطات النظرية‏,‏ فهو من بين أشياء أخري يمثل أيديولوجية الفترة التاريخية الراهنة للحضارة الأنجلو ـ أمريكية والأوروبية‏,‏ ويرتبط بقدر من العلاقات الثقافية المتغيرة ‏‏)8(.‏
فما بعد الحداثة مثلها مثل الحداثة ليست مذهبا فكريا اواتجاها فلسفيا ، بل حالة او مرحلة دخلت اليها البشرية فى سعيها لتاسيس عالم جديد ذى شروط معرفية جديدة تختلف عما كان سائدا من قبل ، وكما قامت الحداثة على نقد المرحلة او المراحل السابقة عليها لتؤسس عالما جديدا وفق قواعد العقلانية الفنية التى بسطت سلطانها فكرا وتطبيقا على شتى الحياة ومن بينها التربية بطبيعةالحال ، فان ما بعد الحداثة قامت على نقد الحداثة وتحطيم القواعد التى ارتكزت عليها)9( ، ويمكن ان تبسط سلطانها – كذلك - فكرا وتطبيقا على شتى مناحى الحياة ومن بينها التربية .
والورقة الحالية تسعى الى القاء الضوء على حركة اوتيار او فكر مابعد الحداثة الذي يتم الترويج له اليوم في الساحة العربية من خلال مجموعة الكتاب والباحثين ، من خلال استعراض العوامل التى ادت الى ظهوره ، واهم مرتكزاته وخصائصه ، وأبرز ملامح فلسفته ، وموقفه من التربية ، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:

1- متى نشا تيار ما بعد الحداثة ؟ وما العوامل التى ادت الى ظهوره؟
2- ماالمقصود بمفهوم ما بعد الحداثة ؟ وما اهم مرتكزاته وخصائصه؟
3- ما ملامح فلسفة ما بعد الحداثة ؟ وما موقفها من الوجود والمعرفة ؟
4- ما ملامح النظام التربوى فى ظل فلسفة ما بعد الحداثة؟
اولا : ما بعد الحداثة نشاتها ، وعوامل ظهورها:
على الرغم من ان مفهوم ما بعد الحداثة قد ظهر بشكل واضح في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، في كتاب الفيلسوف الفرنسي ليوتارد، (علم ما بعد الحداثة) وعنى بها التعددية الثقافية وتعدد أنماط الحياة )10 ( ، الا ان كثير من الباحثين يرجع أصول هذا المذهب الأولية إلى الفيلسوف الألماني الملحد نيتشه، الذي نادى بموت الإله، بمعنى موت الاعتقاد بالإله ، والإله بالنسبة لنيتشه هو العالم المتسامي او عالم الأفكار والمثاليات والمطلقات والكليات والثوابت والقيم الأخلاقية ، إنه التحرر الكامل للإنسان من أي سيطرة لقيم أو ثوابت أو مرجعيات عقلية)11(.
فلقد كان نيتشه شكاكا بدرجة مفرطة، فلم يكتف فقط بأن أنكر أن يكون ما لدينا من معلومات صحيحا، بل أنكر أن يكون هناك طريقة للوصول للحقيقة أصلا. فهو لا يشكك فيما لدينا من وسائل للمعرفة بل ينكر أن يكون هناك أمكانية للوصول لحقائق الأمور بتاتا، وقد حمل نيتشه على (المطلق) ونادى بأن كل العلوم إنما هي اعتقادات ونظرات خاصة ينشؤها كل لنفسه. والمسألة لا تعدو أن تكون منظورات (وجهات نظر) مختلفة، وليس لأحد الحق، والحالة هذه، بأن يقرر أن رأيا أصوب من الآخر. فالحياة إذن عبث ، وقد انتهى به الحال إلى الانهيار العقلي )12 (.
حيث يعتبر" نيتشية" احد المصادر الرئيسية فى القرن التاسع عشر للأفكار التى تميز الوضع ما بعد الحداثى , فالنزعة النسبية الأخلاقية والمعرفية لعالم ما بعد الحداثة ونزعة الريبة (الشك) فى إمكان تمييز الصدق من الكذب الحقيقة من الزيف نجد نموذجها فى فكر" نيتشه" العدمى جذريا، ففكر "نيتشه" فى مجمله فكر معادٍ للحداثة ويركز هجومه على فكرة الذات )13 (.
وقد سار على خطى نيتشه متأثرا به الفيلسوف الفرنسي مابعد الحداثي ميشيل فوكو، الذي يعتبر من أعمق المفكرين المعاصرين أثرا في الفكر ما بعد الحداثي، والذي نادى بموت الإنسان، واتخذ موقفا معاديا للحداثة، من خلال نقد أحادي النظرة يغفل الجوانب الإيجابية. وسعى لبناء منظور جديد للمجتمع والمعرفة والخطاب والسلطة والعلاقة بينها، مما جعله مصدرا أساسيا للفكر ما بعد الحداثي، فقد بحث فوكو العلاقة بين السلطة والحقيقة والمعرفة، وقال بأن المعرفة أثر من آثار السلطة وتتكون بتفاعل اللغة السلطة والمعنى )14 (.
وقد ظهر مصطلح ما بعد الحداثة وبعد الحداثة فى الاربعينات والخمسينات، وشاع استخدامها فى الستينات كمصطلحين نقديين لرصد ادق التغييرات الطارئة على المعايير الثقافية، ومن اهم رموزها فريدرك جيمسون ،وجان فرانسوا ليوتار ، يورجن هابرماس، واندرياس هوبسن ، وتشارلز جنكس،وجاك دريدا ، والمصرى ايهاب حسن.
اما فيما يتعلق بأسباب وعوامل ظهور تيار ما بعد الحداثة:
فان من الامور المسلم به أن التحولات التاريخية الكبرى، خاصة الفكرية، لا يمكن أن تكون نتيجة لسبب واحد بل عادة ما تحدث بسبب عوامل متعددة ومتداخلة، لكن يكون من بينها غالبا عوامل أساسية وبارزة التأثير، حيث يذكر كثير من الباحثين سببين رئيسين لظهور هذا التيار.
السبب الاول :تطور العلم
فقد أثبتت البحوث العلمية ـ التي كانت سلاح الحداثة الأكبر ـ بكشوفاتها الهائلة يوما بعد يوم ضآلة ما يعرفه العقل البشري بالنسبة لما لا يعرفه ، وأكدت تلك الاكتشافات بشكل غير مباشر محدودية عقل الإنسان، وأنه ليس كما كان يتصور الحداثيون أنه هو "الإله"، بل أكدت على أنه مخلوق صغير رغم كل قدراته الهائلة، بل إنه يعتريه الضعف والنقص كغيره من المخلوقات، إلى درجة قد لا يوثق فيها بحكمه في بعض الأحيان، فالاكتشافات العلمية، خصوصا بعد اكتشاف مبدأ اللا يقين والفيزيا الكمية، بينت بطلان الأوهام التي حيكت عن قدرة العقل والعلم ، وفندت حتميات القرنين التاسع عشر والعشرين، وكشفت النقاب عن كون غامض مقدر لجزء منه أن يبقى غامضا، كما وقذفنا بأحجيات لا يستطيع العلم حل ألغازها داخل أعمق أعماق الحقيقة. وهكذا أصبح العلماء أكثر تواضعا. وأخذوا يتحدثون عن الكون الغامض بدلا من حديثهم عن التقدم نحو المعرفة الكاملة"، ولذا ترى ما بعد الحداثة أن العلم محدود وأنه تسبب في شقاء البشرية وأن "العلمية" وظفت آيديولوجيا لسيطرة الثقافة الغربية على الثقافات الأخرى، وهذا قد يكون صحيحا لكن لا يعني هذا أن يبخس العلم حقه فالعلم شيء وسوء تطبيقة أو أدلجته شيء آخر )15 (.
هذا بالإضافة إلى ما لطخ به العلم من أوضار السياسة وتوجيهات السلطة، فينفي هابرماس وجود حياد أو صفاء علمي، فالعلم في سياق العقلانية التقنية الحداثية تحايثه حسابات السياسة أي إرادة السلطة، بالمفهوم النيتشوي، وهو ما يتطلب نقد الوضعية والتيارات المعجبة بالعلم والنزعة التقنية، فهذه كلها تعبيرات متنوعة للآيديولوجيا المكونة للحداثة التقنية )16 (.
فالعلم ـ كما يقول بعض أنصار "ما بعد الحداثة" ـ الذي هو عماد الحداثة، هو الذي هدم الحداثة و قاد إلى "ما بعد الحداثة". ففقد الثقة بالعلم قاد إلى ردة فعل تجاه الفلسفة التي كانت قائمة عليه. ومن هذا نشأ تيار "ما بعد الحداثة".
السبب الثانى : فقد الثقة بقضية التقدم
مر الغرب بأزمات في القرن والعشرين وحروب بينت بطلان ما كانت تبشر به الحداثة من المستقبل الزاهر والتقدم الموعود ، فبعد الحرب العالمية الأولى خرج الغرب محطما ومتهالكا، وفاقدا الثقة بعقيدة التقدم ، يقول وليم إنج "لقد كان الإيمان بالتقدم هو القوة المحركة للغرب طوال ما يقارب المائة والخمسين عاما، ولقد انتهى الغرب أخيرا إلى إدراك عبثية ذلك الإيمان وعقمه"، على النقيض من نظرة الحداثة المتفائلة بمستقبل البشرية، تنظر ما بعد الحداثة بكثير من التشاؤم إلى المستقبل الذي تسير إليه البشرية في ظل النظرة الحداثية، فترى أنها جرت عليها من الويلات أكثر مما أفادتها )17 (.
وقد وصف جارودي الوضع الذي آل إليه وهم التقدم الحداثي بقوله: " لقد تهاوت أوهام كثيرة، وهم رخاء الرأسماليه الذى لا حدود له، وهم الديموقراطية التي كان يتصورها الناس على أنها (جمهوريه الذوات الواعية ) وتصوروا وجودها يسمو على صالح الأفراد والجماعات، ... وأوهام فلسفيه اخرى تقابل تلك الأوهام التاريخية: وهم المثالية الطيبة التي تصور العالم على انه عالم شفاف ينعم بوجود عقل خالق ومنظم له، هذه النزعات التلفيقية ذات النغمة الطيبه في عالم وجدت جميع المشاكل فيه حلا لها من خلال التأليفات الروحيه واجهت فجأة امتحانا قاسيا في قلب الحياة نفسها وبتأثير الأفكار التي إنبعثت من هذه الحياة وشاهدنا في بحر سنوات معدودات ان الفلسفات التي كان قد كتبت لها السياده الكامله حتى ذلك الحين – على الأقل في الجامعات – قد جرفها الطوفان وانقلبت الليبراليه العقليه إلى إتجاه عدمي فاشى وتحول المذهب التفاؤلي الى وجوديه مأساويه" )18(.
ثانيا المقصود بما بعد الحداثة وخصائصه:
على الرغم من ان مفهوم «مابعد الحداثة» من العبارات الرائجة في الساحة الفكرية العربية في هذه الأيام فهو يستخدم على نطاق واسع في الدراسات الفكرية والأدبية والنقدية، وتستند إليه اتجاهات فلسفية متزايدة الحضور والحظوة، كما أن بعض الأوساط والمؤسسات الثقافية تضطلع بدور المنبر لهذا الاتجاه الجديد، ومنها بعض الهيئات والمنتديات الفاعلة التي تصدر منشورات وأدبيات رائجة ، وعلى الرغم من أن ما بعد الحداثة تشخيص لكل ما يحدث حولنا ، إلا أنها لم تعطِ حتى الآن تعريفا ، بل أن هذا المفهوم نادراً ماخضع للتمحيص والتدقيق ، وغالباً ما يستخدم بغموض وارتجال للتعبير عن دلالات متباينة متغايرة )19( ، حيث تتسم وجهات النظر حول هذا المفهوم بالكثير من التنوع والتدرج والاختلاف بشكل يصعب معها إيجاد تعريف واضح ومحدد له ، وهو مادفع كثير من المفكرين الى عدم إعطاء تعريف لـ "ما بعد الحداثة" لصعوبة ذلك، وتقديم بدلا من ذلك توصيف لاهم الاسس التى يقوم عليها وذلك بمقارنته بنقيضة "الحداثة".
والواقع ان صعوبة وضع تعريف لهذا المصطلح الى عدة عوامل نجملها فيما يلى:
1- ان هذا المصطلح ظهر أو تجلى في دراسات أومجالات دراسية أكاديمية كثيرة ومتنوعة شملت , الفن , هندسة العمارة , الموسيقى , السينما, الأدب , السوسيولوجيا, الاقتصاد , الأزياء, التكنولوجيا...وغيرها , لذلك من الصعوبة بمكان تحديد موقع مفهوم ما بعد الحداثة , او تحديد بداية ظهوره ، هل هو معاصر ؟ , أم تاريخي؟ , فتداخله وتشعبه فى التخصصات المعرفية المختلفة يجعل من الصعوبة وضع تحديد دقيق للمقصود به )20( ، فصعوبة وضع تعريف لهذا المصطلح قد يكون مرده إلى اختلاف المجالات والتخصصات التي يدخل تحت نطاقها هذا المفهوم وما يترتب على ذلك من اختلاف تخصصات رواد ما بعد الحداثة ورموزه الفكريين , وتأكيدا لذلك فإن "مفهوم ما بعد الحداثة قد ساهم فى صياغته مجموعة من المفكرين فى مجالات شتى فى النقد الأدبي والفن و العمارة والفلسفة والسياسية وعلم الاجتماع" )21(.
2- ان عالم او تيار ما بعد الحداثة لايزال فى طور التشكيل، ومن ثم فليس هناك تعريف واضح له اللهم ببيان جذوره الممتدة فى فترة الحداثة او توضيح الخلافات معها، بالتالى فان تعريف ما بعد الحداثة يتم بالرجوع الى سابقتها الحداثة وليس باعتبارها حركة منفصلة وحرة مستقلة بذاتها، او باعتبارها مجموعة من الافكار والصور التى يجمعها اسم يميزما )22( ، فالاسس التى تستند عليها حركة ما بعد الحدثة لازالت محل جدل ونقاش.
3- ان مصطلح ما بعد الحداثة لايزال موضوعا لمقاربات ايديولوجية مختلفة فضلا عن خضوعه لتفسيرات ورؤى متعددة ، ومن هنا فان ما بعد الحداثة من المنظور الفلسفى لاتنتظمها وجهة نظر واحدة ، فهناك من انصار ما بعد الحداثة التقدميون والمحافظون ، وهناك من انصار المقاومة و انصار رد الفعل، واذا كانت هناك اسماء بعينها ترتبط الان بحركة ما بعد الحداثة مثل ليوتار Lyotard ، ودريدا Derrida ، وفوكوFoucault ، ورورتىRorty ،فان المقاربات النظرية عادة ما تعتبر النفكيكية وما بعد التحليلية والبراجماتية الجديدة ضمن مدارس ما بعد الحداثة،بل ان المدرسة النقدية التى اخذت موقفا معاديا لحركة ما بعد الحداثة لم تسلم هى الاخرى من تاثيرها)23(.
4- أن هذا المفهوم نادراً ماخضع للتمحيص والتدقيق، بل غالباً ما يستخدم بغموض وارتجال للتعبير عن دلالات متباينة متغايرة بحيث يكون تعبير «مابعد الحداثة» مرادفاً أحياناً لفكر الاختلاف (في الأدبيات الفلسفية) أو مرادفاً لظاهرة العولمة، أو تجسيداً لأفق وحضارة مختلفة عن العصر الصناعي (كما تفيد بعض الدراسات المستقبلية). وقد تذهب بعض المقاربات التي استخدم المقولة تبيانا ًلإفلاس الحضارة الغربية ودليلاً على قرب انهيارها وتقوض أركانها (بعض الكتابات الإسلامية الذائعة) )24(.
5- ان ما بعد الحداثة مفهوم فضفاض وغامض )25( ، فهناك صور متعددة من ما بعد الحداثة، فهي تتدرج من الموقف الرافض للغلو العقلاني الوضعي ورفض الاضطهاد الذي تمارسه الثقافة الغربية بآيديولوجيتها العلمية ، إلى أن تصل إلى ما بعد الحداثة المتطرفة الثورية العدمية العبثية التي تدعو للثورة على العقل والعقلانية من أساسهما وتصل إلى التشكيك حتى في البدهيات ، مما حدا بأنصارها إلى الكف عن توضيح ما هي "مابعد الحداثة" والإنصراف بدلا من ذلك إلى توضيح ما ترفضه ما بعد الحداثة )26(.
6- الاختلاف حول استخدام مقطع "ما بعد" : فإضافة مقطع "ما بعد" إلى مفهوم الحداثة قد يفيد الترتيب الزمني كأن تقول ما بعد الكلاسيكية أو ما بعد الرومانسية أي بداية مرحلة زمنية جديدة , وكذلك تفيد الترتيب المكاني بمعنى وضعية شئ يأتي مكانيا بعد شئ أخر ، ويرى البعض أن اللازمة "ما بعد" لا تتوقف عند العلاقة الزمنية بل تشير إلى ترك الإطار السابق عليها والانفصال عنه )27(, فهى تشير الى ان العالم دخل مرحلة جديدة مختلفة عن سابقتها ولم تتحدد بعد ملامحها )28 ( ، إلا أنها فى حقيقة الأمر لابد أن تدل فى ذات الوقت إلى جانب تلك القطيعة إلى نوع من استمرارية ما , أى استمرارية مع الحداثة إلى جانب الانفصال عنها، فمن ناحية لغوية كلمة ما بعد (post) لها دلالة أكثر على استمرار أمر ما، وما بعد الحداثة لا تعني نهاية الحداثة، بل تعني نقدها واستمرارها أيضاً )29 (، ومن ثم فإن المقطع "ما بعد" فى مصطلح ما بعد الحداثة يشير فى آن واحد إلى الانفصال والاستمرار ومن ثم فإن درجة وصفها تتوقف على استخدام هذا الناقد أو ذاك . ومعنى ذلك أن إضافة المقطع ما بعد إلى مصطلح الحداثة قد يشير إلى الاستمرارية مع الحداثة ولكنها ليست استمرارية تواصلية – بمعنى أن ما بعد الحداثة استكمال لمشروع الحداثة – بقدر كونها استمرارية من اجل القطيعة , فالاستمرارية مع الحداثة هنا ضرورة نابعة من أن فهم ما بعد الشئ يستوجب معه منطقيا فهم الشئ نفسه لتحديد موقف معين تجاهه , وفى ظل هذه الاستمرارية مع الحداثة تتولد القطيعة والانفصال عنها ,وبالرغم من ذلك كله فإن المقطع "ما بعد" يعد تأكيداً على تمايز ما بعد الحداثة على الحداثة باعتبارها مرحلة فكرية وثقافية جديدة مناهضة لمرحلة الحداثة , وفى ضوء ما سبق يمكن القول بأن المقطع "ما بعد" قد أفاد مصطلح ما بعد الحداثة فى تحديد هويته واتجاهه تجاه تيار الحداثة )30(.
والواقع ان هذه الصعوبة لم تمنع المفكرين والفلاسفة من تقديم تصوراتهم عن هذا المفهوم ما يتضمنه من معانى ودلالات ما بعد الحداثة خاصة رواد ذلك التيار وفيما يلى عرض لبعض هذه التصورات:
حيث يرى " نيتشه" انه لا قيمة للقيم ، وأن ما تكون فى العصور السالفة من مبادئ راسخة ثابتة ومثلا عليا سامية صارت مع مجئ الحداثة عدماً افقد القيم كل معنى أو حقيقة، فهو ينكر الأحكام التعميمية على نطاق المجتمع ويدعو إلى هجر مصطلحات الحقيقة باعتبار انه لا يمكن الإمساك بتلابيبها فى أي مجال وكذلك ترك مصطلح الموضوعية لأن الذاتية هي التي تحكم مختلف المسارات , كما يفقد التاريخ فى ضوء هذا الاتجاه شرعيته لأنه غالبا ليس إلا مجموعة من الكتابات الدعائية وهذا الاتجاه العدمى يدعو إلى الجزئى على حساب الكلى )31(.
اما"ليوتار" فيعرف ما بعد الحداثة بانها "حالة المعرفة السائدة فى اكثر الدول تقدما، وانها هى التى تصف الحالة التى وصلت اليها ثقافتنا فى اعقاب التحولات الكبرى، التى غيرت قواعد اللعبة بالنسبة للعلم والادب والفنون منذ نهاية القرن التاسع عشر")32(، هذه التحولات الكبرى التى لم يقتصر تاثيرها على العلم والادب والفنون فقط ، بل امتد تاثيرها الى التربية فكرا وممارسة ومؤسسات باعتبارها هى المسئولة عن نشرها وانتاجها ، فما بعد الحداثة عند "ليوتار" تشير إلى نهاية الحكايات الكبرى أي نهاية المشاريع الاجتماعية الطموحة للحداثة والتأكيد على أن خطابات أو نظريات الحداثة المتجسدة فى الليبرالية والماركسية والمستمدة من أفكار عصر التنوير عن العقل والتحرير الشامل للإنسان والتقدم الخطى للتاريخ قد فقدت قيمتها التفسيرية , وأن ادعائها القدرة على المعرفة والتنبؤ ليس سوى وهم من أوهام التفكير الوضعي الذي ساد نهاية القرن التاسع عشر )33(.
كذلك يؤكد " فرديك جيمسون" على أن ما بعد الحداثة هي رد فعل لما قبلها , حيث يرى أن ما بعد الحداثة تتوحد برغم تعدد مجالاتها وأساليبها تحت شعار الرفض لما هو معترف به ومقنن , كما أنه يرى أن كلمة ما بعد الحداثة تنطوي على مفهوم التمرحل والذي تكون مهمته منصبة على ربط بروز سمات شكلية جديدة فى الثقافة ببروز سمات جديدة فى الحياة الاجتماعية ونظام اقتصادي جديد بما يعرف غالبا حسب التعابير المطلقه بالمجتمع ما بعد الصناعي أو الاستهلاكي أو بالنظام الرأسمالي متعدد القوميات أو مجتمع وسائل الإعلام )34(.
ويعرفها أبو دوح بانها "حالة حضارية تهدف إلى خلق نمط ثقافي ومعرفي يتعارض مع الحداثة، له سمات وخصائص تمجد عدم التحديد واللامعنى والتعددية والاختلاف والنسبية فى النظر إلى الواقع ويعلى من قيمة الثقافة والمعرفة فى توجية المجتمع الانسانى")35(.
ويرى احمد ابوزيد "انه على الرغم من عدم اتفاق المفكرين بعد على تعريف واحد واضح لما بعد الحداثة فان الفكرة الأساسية لتيار ما بعد الحداثة تكمن فى الاعتقاد بأن أساليب العالم الغربي فى الرؤى والمعرفة والتغير طرأ عليها فى السنوات الأخيرة تغير جذري نجم فى الأغلب عن التقدم الهائل فى وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الجماهيري وتطور نظم المعلومات فى العالم ككل مما ترتب عليه حدوث تغيرات فى اقتصاديات العالم الغربي التي تعتمد على التصنيع وازدياد الميل إلى الانصراف عن هذا النمط من الحياة الاقتصادية وظهور مجتمع وثقافة من نوع جديد")36(..
ويؤكد راشــد العبد على ان ما بعد الحداثة تعرف بأنها اتجاه فكري، يضم خليطا من التيارات، يجمعها رفض الأسس الأنتولوجية (أي الخاصة بطبيعة الوجود) والمعرفية والمنهجية التي قامت عليها الحداثة أو على الأقل يجعلها محل شك )37(.
اما طلعت عبد الحميد فيرى ان ما بعد الحداثة "هى نمط من الحياة ينتظم نظما اجتماعية متداخلة تقوم على التعقد والاحتمالية والديالكتيكية واللايقين واللاحتمية واللاتحدد وضبابية الظواهر والجوع المعرفى" )38(.
وضوء كل ما سبق يمكن تعريف ما بعد الحداثة على انها مذهبا واتجاها فكريا غير واضح المعالم او محدد القسمات يضم خليطا الافكار والتيارات التى ظهرت وتشكلت فى رحم الحداثة ثم ثارت عليها ، وتناولت بالنقد والرفض الاسس والمرتكزات التى قامت عليها الحداثة محاولة تاسيس معالم مشروع جديد يتفاعل مع عصر جديد مختلف فى طبيعته وظروفه وسماته عن عصر الحداثة.
وفى ضوء ذلك عرض بعض المفكرين مجموعة من المبادئ يستند اليها تيار ما بعد الحداثة فى معالجته لمختلف القضايا والتى تعكس بدورها أبرز ملامح فكر ما بعد الحداثة وتتمثل تلك المبادىء فيما يلى: )39(
1- الترويج للنسبية الأخلاقية والقيمية ، فلاوجود لنظرية مطلقة في مجال الأخلاق والقيم ، بمعنى العدمية او انعدام قيمة القيم فى ظل الحداثة ومنجزاتها ونقد الذات وإنكار الحقيقة والموضوعية والتاريخ , والاعتراف بالمذهب النسبي (Relatirism)، ويمثل هذا المبدأ المنطق الداخلي لتيار ما بعد الحداثة، فهى تسعى لتحطيم الانساق الفكرية الكبرى المغلقة ، والتى عادة ما تاخذ شكل الايديولوجيات، على اساس انها فى زعمها تقدما تفسيرا كليا للظواهر، وانها الغت حقيقة التنوع الانسانى وانطلقت من حتمية وهمية لااساس لها، فلاتوجد حقائق اوافكار سامية اومتعالية، بل ان الوصول الى حقيقة عالمية ثابتة ضرب من المستحيل.
وبناء على ان الأخلاق والقيم نسبية، وان ما يعتبر خلقا فاضلا في ثقافة قد يكون ظلما في ثقافة أخرى، والعكس صحيح ايضا، فما بعد الحداثة تسوغ الشذوذ الجنسي ـ مثلا ـ وترى أنه يجب أن يحترم رأي أصحابه، وترى أن النظر إليه على أنه خطيئة أوشذوذ، إنما هو من صنع الثقافات الجائرة التي تريد أن تفرض "حقائقها" على أنها حقائق مطلقة.
2- التعامل مع مختلف القضايا من خلال اللغة , حيث تتركز تحليلات ما بعد الحداثة على الخطاب وهذا يعنى أن تحليل النصوص أو تفكيكها قد أصبح يحظى بالمكانة الأولى فى الجهد النظري لمفكري ما بعد الحداثة، ومن ثم يمكن القول بأن اتخاذ الخطاب كوحدة للتحليل قد يظهر معه انصراف مفكري ما بعد الحداثة عن تحليل الواقع أو المضامين الملموسة للحقائق , وذلك نظراً لأن الخطاب قد لا يعطى صورة حقيقية عن الواقع ، فتيار ما بعد الحداثة يركز على إعطاء أهمية استثنائية للمعنى ، وإضفاء معنى على العالم ، وجعل المعنى خاصّاً وشخصياً. فمذهب ما بعد الحداثة يعتمد كثيرا على اللغة في طرحه لأفكاره، فمادامت اللغة غير قادرة على أداء المعنى، وما دام النص يمكن تفسيره بعدة تفسيرات وليس هناك مرجع معتمد لترجيح معنى على لآخر، وحتى لو حاولنا هذا الترجيح فسيكون عن طريق اللغة نفسها. وما دامت الحقيقة هي ما تؤديه هذه اللغة، واللغة يبنيها المجتمع، فليس هناك إذن حقيقة مطلقة، فما بعد الحداثة تتركنا غرقى في الشك، محاصرين بما أسموه "سجن اللغة". فالواقع ـ بالنسبة لهم ـ تبنيه أو تعرفه الثقافة واللغة ولا يكتشف بالعقل والملاحظة.
3- التشكيك بقدرات العقل الانسانى، ورفض العقلانية ، فأنصار وأتباع ما بعد الحداثة يوجهون كثيراً من الانتقادات إلى إنجازات عصر الحداثة وموقف (الحداثة) من الفكر والفن والسياسة والحياة ، ذلك الموقف الذى يعلّي من شأن العقل ويرى فيه مصدر كل تقدم في المعرفة وفي المجتمع وأنه وحده هو مصدر الصدق وأساس المعرفة المنهجية، وأنه وحده هو القادر على اكتشاف المعايير النظرية والعملية التي يهتدي بها الفكر والفعل على السواء، فهم يرو أن الزمن قد تغير، وأن الظروف العامة قد تجاوزت كل هذه الإنجازات نتيجة لتقدم أساليب الإعلام والاتصال بوجه خاص، وما أدى إليه من ظهور (حالة) جديدة من التاريخ تتطلب قيام نظريات ومفاهيم تتلاءم مع الأنماط المعرفية الجديدة والتطورات التي طرأت على النظام الرأسمالي نفسه بعد ازدياد الاتجاه نحو العولمة، وتعقد التجارب والخبرات الإنسانية، وتعدد الاتجاهات الثقافية وتنوع المواقف الفكرية.
4- رفض كل عمليات التمثيل سواء أخذت شكل الإنابة بمعنى أن شخصا يمثل الآخرين أو التشابه وذلك حين يزعم المصور أنه يحاكى فى لوحته ما يراه فى الواقع ، وهو ما يتطلب الغاء الأنظمة الحزبية وأنشطتها السياسية بوصفها منافذ حصرية وتصوّرات جمعية، ونفى الدولة بوصفها أنموذجاً للهوية الوطنية.
5- ان جميع الافكارهى بنى تركيبية ثقافية اواجتماعية ، فليس هناك حقيقة مطلقة، بل المعارف بنى اجتماعية يبنيها الإنسان، وهي حقيقة بالنسبة له، فالإنسان أسير ثقافته، وهي التي تحدد له "حقائقه"، ولذلك ففرض تلك "الحقائق" على ثقافات أخرى تسلط وظلم، مهما قيل عن وجود دليل "عقلي" يسندها، فلا بد من قبول التفسيرات المتغايرة، والمتناقضة أحيانا، للحقيقة، فالتعددية وتنوع التفسير والتصور أمر مقبول بل مرغب فيه في التوجه ما بعد الحداثي، وهو ما يتطلب ضرورة إخضاع كافّة الرؤى والأفكار التي تحظى بقبول المجتمع للتساؤل والاستفهام، ولعل فى ذلك ما يفسر معارضة تيار ما بعد الحداثة بشدة للدعوة الى إلغاء الثقافات المتعدّدة لصالح ثقافة مهيمنة ، ومعارضة النمو الاقتصادي المؤدي إلى تلويث البيئة ، والمراقبة البيروقراطية للصناعة والإنتاج ، ويدعو الى رفض ومخالفة اصحاب النـزعات العرقية.
ثالثا : فلسفة ما بعد الحداثة ، وموقفها من الوجود والمعرفة:
تعتبر فلسفة ما بعد الحداثة فلسفة نقدية لمجمل مرحلة الحداثة وفلسفاتها التي سيطرت على الحضارة الغربية بعد عصر النهضة والثورة الصناعية فى محاولة للبحث عن خيارات جديدة ، ويمكن استعراض الملامح العامة لتلك الفلسفة فيما يلى)40(:
1- أن الاعتبارات الدينية والغيبية لا مكان لها في فلسفة ما بعد الحداثة ، وذلك أن الحداثة المادية – قبلها - قد همشت دور الدين و ما وراء المادة ، وحُسم الأمر من عهد التنوير المبكر، لذلك تتجه فلسفة ما بعد الحداثة إلى القضاء على دور العقل ومركزية الإنسان والطبيعة ؛ كفلسفة قامت في عهد نهضة الحداثة الغربية، وهي - أي فكرة ما بعد الحداثة - تفترض أن العالم مادة ، في حالة حركة دائمة ، ولا قصد لها ولا أصل , ومجرد استخدام كلمات مثل: حق ويقين وذات ودوافع مثالية هي سقوط في الميتافيزيقا الماورائية ، فليس هناك نظام مركزي بل هي نظم صغيرة مغلقة يدور كل منها حول نفسه ، ولها معناها الخاص الذي لا يرتبط بأي مدلولات أخرى ، فهى تهدم كل ما هو حقيقة، أو أساس مستقر، أو قانون مطلق، أو فكر شامل،
2- ليس هناك حقيقة مسلمة في فكر ما بعد الحداثة بل هي حقائق متعددة ، يصوغها الإنسان نفسه ، ويختار ما يريده من قناعات ، حتى لو كانت في منتهى الشذوذ ، فهي القبول البرجماتي للوضع القائم مهما كان دون تغييره بل التكييف معه والإذعان له ، وكان المدخل لهذه العدمية؛ من خلال الفلسفة التفكيكية للمعاني ، فـ(جاك دريدا) يطرح مفهوم (أبوريا aporia)، وهي كلمة يونانية تعني "الهوة التي لا قرار لها"، فمعنى النص مبعثر ومنتشر وذلك أن لِلّغة قوة لا يمكن التحكم فيها ، فالمعنى أكبر من مدلول الكلمة ، وكل قارئ يفهم معناه الخاص من الكلمة ، فتصبح المعاني بعدد القراء، وبالتالي إلى حالة من السيولة تختفي فيها الحقائق، وتتعدد فيها المعاني الفردية ، وهذا ما جعل النصوص المقدسة في العهد القديم والجديد فضلاً عن النظريات والقيم والمبادئ كلها صور هلامية يفهمها كل شخص على حسب مراده، وبالتالي سقوطها في فخاخ ما بعد البنيوية.
3- النظام الأخلاقي في فلسفة ما بعد الحداثة لا يخضع إلى اعتبارات قيمية مطلقة أو أي معايير ثابتة أخذت اعتبارها من توافقات الشعوب بثقافاتها ودياناتها على احترامها ووثوقية مبادئها؛ بل الأخلاق تنطلق من اتفاقيات محدودة الشرعية تمليها مصالح الفرد أو المؤسسات المهيمنة على المجتمع سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو إعلامية ، فالصدق والعدل والأمانة قد لا تُحمل على معانيها المعروفة والمتوارثة بين الناس، ولكن قد يُحتاج لها من خلال منظور برجماتي مؤقت ومؤطّر في حدود النفعية البحتة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يونيو 12, 2014 4:59 am

وهذه الفلسفة لما نزعت اعتبارية العقل ومركزية الفكر الإنساني المادي جعلت اهتمامها في تقديس اللذة والرغبات الجسدية، خصوصاً ما كان منها في جانبه الجنسي، وإطلاق الرغبات المكبوتة دون قيود أو سلطات مانعة، فالسعار الجنسي يعتبر انعتاقاً من طوباويات عبودية غير الذات، ولذلك وجدت الشركات الإعلامية والأزياء وأماكن الترفيه والملهيات بغيتها في هذه الفلسفة ، ويُلاحظ هذا الأمر من هبوط قيم الملابس الحديثة وعريها بشكل فاضح وتعميم موضاتها في جميع العالم، كما يُلحظ التجانس القوي وإلغاء الفروقات بين لباس الرجل والمرأة كتسوية بين الأجناس والمخلوقات ، وليست مساواة بالمعنى العادل ، وبالتالي شيوع العائلات المكونة من زوجين من الرجال، أو زوجين من الإناث، أو زوج وأطفال، أو زوجة وأطفال، وهذا نذير بانهيار حاد لمفهوم الأسرة الطبيعية ، نحو تمرد عبثي لا يعرف سوى اللذة الجنسية الغارقة في الشذوذ، وفي هذا يصرح (فوكو) وهو من رواد فلسفة ما بعد الحداثة أنه شاذ جنسيا ويمارس السادية، ويرى أنه إذا سافر لعاصمة الشذوذ الجنسي في العالم (سان فرنسسكو) ومارس الشذوذ السادي أنها لحظة الانعتاق الوحيدة التي يشعر بها لأنه يزيل –كما يقول – آثار الميتافيزيقا نهائياً وظلال الإله.
4- موقف ما بعد الحداثة من الدين يختلف عن موقف الحداثة منه ، ففي حين أن الحداثة تنظر إلى الدين على أنه أمر غير علمي، حيث أنه قائم على افتراض وجود كائنات غيبية (ميتافيزيقية) لا تدخل تحت ما يمكن التحقق منه بالحواس وإدخاله تحت نطاق التجربة ، أما مذهب ما بعد الحداثة فيرى صحة جميع الأديان، لا من حيث أنه يعترف بالوحي أو بوجود الإله، بل من حيث أنها جميعا بنى ثقافية، ولا أحد يملك أن يحكم عليها بأنها خطأ، فكل أصحاب دين يعتبر دينهم حق بالنسبة لهم، لذلك لا تحارب ما بعد الحداثة الأديان بل تشجعها، بأي شكل كانت، وتدعوا للتعايش بين الأديان جميعها دون استثناء ، وترى أنها سواسية ، إذ أنها ترى أنه ليس لدى أحد معيار مطلق يمكن أن يقاس به الدين الحق من الباطل.
5- تؤكد سياسة ما بعد الحداثة ، وهنا استخدم لفظة سياسة وليست فلسفة، لدخول هذا المؤشر إلى حيز الشريك الفلسفي والسياسي للنظام العالمي الجديد، والذي وجد في فكرة الهيمنة العسكرية خسائر وإذكاء لجذوة المقاومة في الدول المستعمَرة ، فتحوّلت مشروعاته الاستعمارية نحو الاستعمار الناعم بالتركيز على ضرب الخصوصيات القومية وأنظمتها المرعية لضبط مصالح شعوبها؛ من أجل فتح الحدود للشركات العابرة والمنتجات الاستهلاكية ، وتحويل النخب السياسية في تلك الدول إلى شركاء في الاستثمار، وتحويل الشعوب إلى أدوات استهلاكية، فالهوية الدينية والثقافية والخصوصيات القومية لا مكان لها في السوق العالمية الحالية ، وإغواء المجتمعات يسير بشكل قوي ومنحدر نحو التخدير الإعلامي والإعلاني للوقوع في قبضة سكرة الاستهلاك والمديونيات الطويلة، ولا يقل حجم التأثير الهوليودي قوة عن غيره في تعزيز بقاء الإنسان آلة للعب والإلهاء، والشعور بالتبعية القسرية للنظام العالمي الغربي الشمالي الأبيض، من خلال أفلام البطولات المنقذة للأرض ، أو من خطر العصابات الروسية أو الإرهابيين أو الملونين عموماً، أو الوقوع تحت التنويم العقلي لأسْر الثراء والنظام واللذة ؛ وذلك بالمحاكاة التامة لتلك المجتمعات الغربية البيضاء من خلال البرامج والأفلام الغربية ، وفي الآونة الأخيرة زادت قنوات الأفلام في القنوات العربية، وربما في العالم أيضاً وبشكل كبير وسريع ، وأغلبها يصدر من هوليود، ومن خلال تأثير واضح لفلسفة ما بعد الحداثة وفوضويتها العابثة لقيم العالم.
موقف ما بعد الحداثة من الوجود:
يتمثل موقف ما بعد الحداثة من طببيعة الوجود فى النقاط التالية)41(:
- لاتوجد فى الوجود حقيقة مطلقة، أي حقيقة صادقة في ذاتها، بل إن الحقائق يصنعها المجتمع بجوانبه الثقافية المتعددة لأفراده ، وليس هناك حقيقة واقعية في خارج ذهن الإنسان، توجد بذاتها سواء آمنا بها أم لم نؤمن بها، وإنما كل إنسان تنبني داخله الحقائق بفعل ثقافته ولغته، ويحكم على ما يراه أو يقرأه بطريقة تفكيكية بحيث لا يكون لرأي الكاتب أي أثر على المعاني التي يراها أمامه. فالحقيقة عندهم بنية ثقافية. والإنسان لا يمكن له أن يتخلص من ذاتيته وليس لديه أصلا القدرة على الحكم الموضوعي بسبب ارتباط فكره بلغته.
- أن زمن بناء التصورات العامة حول العالم أو السرديات الكبرى meta-narratives قد انتهى وأن عصر إنشاء النظريات الكلية وبناء الأنساق الجامعة قد تولى، خاصة بعد أن ظهر الطابع التسلطي الهيمني لهذه النظريات وتبدت "إراد القوة" التي تسيرها.
- فالإنسان أسير ثقافته، وهي التي تحدد له "حقائقه"، ولذلك ففرض تلك "الحقائق" على ثقافات أخرى تسلط وظلم، مهما قيل عن وجود دليل "عقلي" يسندها.
- ليس هناك ذاتا أو حقيقة للفرد يبقى ملتزما بها وصادقا لها، بل هوية الفرد دائمة التبدل والتشكل وتغير توجهها تبعا للتغير الدائم لعلاقاته.
موقف ما بعد الحداثة من نظرية المعرفة:
يتمثل موقف ما بعد الحداثة فيما يتعلق بطبيعة المعرفة، أو العلاقة بين الشيء المعروف وبين العارف أو الباحث فيما يلى )42(:
- استحالة الفصل بين الملاحِظ والشيء الملاحَظ ، أو بين الباحث والمبحوث، فالحقيقة إنما هي تصورنا أو إدراكنا للحقيقة في سياق ذاتي واجتماعي محدد، فالناس يرون الشيء نفسه بطريقة مختلفة، ويرجعون هذا الاختلاف إلى الثقافة بمفهومها العام ، فليست هناك ذات مستقلة عن حقيقتنا الاجتماعية، فالثقافة والمجتمع يصنعان (وبتعبير ما بعد الحداثيين: يخلقان) الأفراد كما يخلقان أفكارهم واتجاهاتهم، ومن طرق صياغة المجتمع للأفراد اللغة.
- أن الإنسان يتفاعل دائما مع الحقيقة من خلال اللغة، فكل النشاطات العقلية، كما يزعمون، قائمة على اللغة، فنحن نفكر من خلال الكلمات ونتواصل من خلال الكلمات، والناس مرتبطون بالحقيقة من خلال الأسماء التي يعطونها لإدراكاتهم وأفكارهم. وهذه الأسماء، التي هي عبارة عن كلمات، تطلق بشكل عشوائي (أو اتفاقي) من المجتمع، وكلما ازداد أفكارنا تجريدا، وغالبا ازدادت أهمية، كلما ازددنا اعتمادا على الكلمات لإعطاء المعاني. فإذا كانت اللغة هي طريقة الناس للارتباط بالواقع فلابد إذن أن نفهم طبيعة اللغة.
- فالمعرفة فى مجتمع ما بعد الحداثة لم تعد تكتسب من أجل المعرفة نفسها ، بل أصبحت عملية بحت, فأنت تتعلم أشياء ليس من أجل معرفتها, بل لتحويل هذه المعرفة إلى وسيلة أو مهارة. فتعليم السياسة للفرد مثلا , يؤكد على المهارات والتدريبات بدلا من تأكيده على تعلم قيم ومثل إنسانية وإبداعية لم تكن معروفة له من قبل, وهذا ما ينطبق عليه المثل القائل لحملة الشهادات العلمية ( ماذا سوف تعمل بشهادتك العلمية ؟) .
- ان أحد خطابات النمط المعرفي الما بعد حداثي كما حددها ليوتار هو تحويل المعلومات الي سلعة للاستهلاك والربح‏,‏ ومثل هذا الخطاب يهدف الي تأسيس سلطة اقتصادية مكونة من رجال الاعمال والمديرين المتحكمين في المعرفة والمعلومات وسبل احتكارها وتسويقها كسلعة‏,‏ وهو ما تمثله الدولة الرأسمالية ومديرو المنظمات الكبري من جهة والشركات المتعددة القوميات من جهة اخري‏.‏
- إن المعرفة في مجتمعات ما بعد الحداثة لم تتميز بفائدتها ( كمعرفة عملية ), وإنما تميزت بمسائل توزيعها وتخزينها وتنظيمها بشكل مختلف عما هي عليه في المجتمعات الحديثة , فوجود تكنولوجيا الاليكترونيات والكمبيوتر في مجتمعات ما بعد الحداثة قد أوجد ثورة في نماذج إنتاج المعرفة وتوزيعها واستهلاكها ، فالمعرفة ستكتسب الشكل الذي اتخذته علاقة منتجي ومستهلكي السلع بالسلع التي ينتجونها ويستهلكونها أي شكل القيمة‏,‏ فالمعرفة تنتج وسوف تنتج لكي تباع وتستهلك‏,‏ وسوف تستهلك لكي يجري تقييمها في انتاج جديد‏,‏ وفي كلتا الحالتين‏,‏ فان الهدف هو التبادل.
– المعرفة فى مجتمع ما بعد الحداثة لم تعد تبحث من خلال المحسوسات كما هو الحال فى مجتمع الحداثة ، بل الاهتمام بالتجريد ، وبدلا من الاقتصار على معرفة الخبراء والمتخصصين يتم افساح المجال لخبرات ومعارف الجماهير مع الاهتمام بالخبرات الذاتية، والتوجه نحو ماهو مستقبلى ومتخيل يتم استشرافه ومحاكاته كومبيوتريا، واثارة التساؤلات والتشكيك والتفكيك لما هو قائم من معارف.
رابعا :التربية فى مجتمع ما بعد الحداثة:
بالرغم من النقد الكثير الذي وجهته التيارات ما بعد الحداثية للحداثة في مجال التعليم، إلا أنها لم تطرح فلسفة تربوية شاملة إلى الآن، فأثر ما بعد الحداثة على التعليم كبير ، وإن كان غير واضح المعالم )43( ، ويمكن تناول موقف تيار ما بعد الحداثة من التربية من خلال استعراض موقفها من كل جوانب العملية التعليمية على النحو التالى:
1- بالنسبة لاهداف التربية:
تتمثل اهداف التربية فى مجتمع ما بعد الحداثة كما حددها المفكر الفرنسى فرانسوا ليوتار فى كتابه الوضع ما بعد الحداثى بان هدف التعليم – باعتباره منظومة فرعية فى المنظومة المجتمعية- هو خلق المهارات التى لاغنى عنها لتلك المنظومة، وهذه المهارات على نوعين: مهارات النوع الاول وتتمثل فى المهارات التى تستهدف بشكل نوعى التعامل مع المنافسة العالمية، وتتنوع حسب التخصصات التى تستطيع الدولة او المؤسسات التعليمية الكبرى بيعها فى السوق العالمية،ومن المرجح ان ينال الاولوية فى التعليم الذى يتواجد فى تخصصات يطلق عليها التليماطيقا ويشرحها علماء الحاسوب والسيبرناطيقا، وعلماء اللغة والرياضيات والمنطق ، اما مهارات النوع الثانى فتتعلق بالمهارات التى تلبى احتياجات المجتمع نفسه، ولن يكون ذلك بربط التعليم بمثل عليا وغايات انسانية، بل ستكون اهداف التعليم وظيفية نفعية عملية، من خلال السعى الى امداد النظام القتصادى بلاعبين قادرين على القيام بادوارهم بشكل مقبول فى مواقع العمل بالمؤسسات)44(.
وفى ضوء تلك الاهداف سوف تتحول الجامعة - بالاضافة الى وظيفتها المهنية- الى لعب دور جديد هودورالتأهيل والتعليم المستمر ، ولن يتعلم الطلاب المعرفة او التخصص مرة واحدة والى الامد خلال اعدادهم المهنى الجامعى، بل ستقدم لهم حسب الحاجة بغرض تحسين مهاراتهم وفرص ترقيتهم ، وكذلك مساعدتهم على اكتساب المعلومات واللقاءات التى تتيح لهم تهذيب خبرتهم التقنية والاخلاقية )45(.
2- بالنسبة للمعلم:
لم تبلور حركة ما بعد الحداثة – بحكم طبيعتها – موقفا واحدا من المعلم ، ومن ثم تعددت صور المعلم فيها، ولكن يمكن القول بان هناك ثلاثة مواقف رئيسة لحركة ما بعد الحداثة تتراوح بين الرادكالية التى يمثلها ليوتار والتى ينفى فيها دور المعلم بحيث يرى ان شرط ما بعد الحداثة يعنى موت المعلم**Death of the professor – بمعنى تراجع سلطته المعرفية- وبين الوسطية التى يمثلها رورتى الذى يرى ان شرط ما بعد الحداثة يضفى اهمية خاصة على دور المعلم ،والموقف النقدى الذى يمثله هابرماس والذى يعلى من اهمية المعلم)46(.
كما ترى حركة ما بعد الحداثة أن مهمة المعلم ليست ـ بل وليس من حقه ـ أن يقوم بنقل الحقائق كما يراها هو إلى ذهن الطالب، بل يساعده في بناء حقائقه الخاصة التي يشكلها مجتمعه وثقافته)47(،وذلك من خلال)48(:
أ‌- مساعدة طلابه على ادراك انهم اعضاء فى مجتمعات معرفية متعددة وذلك من خلال تعميق وعيهم الذاتى بثقافاتهم وثقافات الاخرين.
ب‌- مساعدة الطلاب على اكتشاف معتقداتهم وآرائهم وآراء الاخرين من زملائهم والوقوف على الكيفية التى يتم بها تبرير ، وابداء آرائهم حول ما يمر بهم من احداث.
ت‌- مساعدة الطلاب على استكشاف طبيعة المعرفة من الناحيتين التاريخية والاجتماعية اللغوية.
ث‌- ان يشيع بين طلابه فضيلة الاعتراف بنقص معارفنا او جهلنا ، ففى ظل ثورة المعلومات لايستطيع احد ان يدعى انه يملك الحقبقة، واننا بقد ما نعرف بقدر ما نجهل ، وان ما نعرفه الان هو ثابت ثبوتا نسبيا مؤقتا وهو قابل للتغير.
ولعل قيام المعلم بتلك الادوار والمهام يتطلب ضرورة توافر مجموعة من المطالب فى برامج اعداده وتنميته مهنيا وتتمثل تلك المطالب فيما يلى)49(:
أ‌- تنمية القدرة على التصرف فى المواقف المختلفة، وذلك من خلال مناهج دراسية واطر تربوية تجعل من المتعلم مركز اهتمامها ،وتنظر اليهباعتباره غاية ، من خلال ما يسمى بالتعليم الليبرالى الذى يهدف الى جعل الانسان انسان قبل اى شىء اخر.
ب‌- تنمية مهارات التفكير الناقد، من خلال مساعدة الطلاب وتدريبهم على استخدام مهارات البحث العلمى فى دراسة ومناقشة المشكلات التى تصادف المعلمين . وتدريبهم على تدبر بعض الممارسات التى يقوم بها بعض المعلمين ،وتوضيح وجهة نظرهم فيها، كما يمكن ان يتم ذلك من خلال تنمية مهارات التركيز وجمع البيانات والتنظيم والتحليل والانتاج والتكامل والتقويم اثناء عرض المحتوى الدراسى.
ت‌- تنمية اطار مقبول من المهارات تمكنه من التعامل والعيش مع الاخرين باعتبار انسان كوكبى عالمى وليس مواطن يعيش فى مجتمع محلى ، من خلال تدريبه من خلال التعلم عن بعد ، على الاستفادة من امكانات شبكة المعلومات الدولية فى التعرف على كل ما يحدث فى العالم من حوله.
ث‌- ان تشتمل تلك البرامج على انشطة ومقررات تتعلق باسترتيجيات تدعيم عمليات ماوراء المعرفة )التفكير فى التفكير(، والتفكير التاملى، والدراسات المستقبلية ، والمخل المنظومى ، وان تتم دراسة المفاهيم او الموضوعات التى تتمضمنه تلك المقررات من خلال منظومة متكاملة تتضح فيها كافة العلاقات بين اى مفهوم او موضوع وغيره من المفاهيم والموضوعات الاخرى.
3- بالنسبة للمتعلم :
تؤكد تيارما بعد الحداثة تؤكد على أن المتعلم يجب أن يتعلم أن لا يعتمد على الموضوعية التي تزعمها الحداثة، أن الإنسان يبني كل المعارف داخل ذهنه، وليس هناك شيء منفصل عن المتعلم، فالتعلم يحدث عندما يقوم المتعلم ببناء آليات التعلم الخاصة به بالإضافة إلى نسخته الخاصة من المعارف، متأثرا في ذلك بخبراته ومهاراته وخلفيته الاجتماعية، وهو ما يتطلب ضرورة ان تتغير طبيعة العلاقة بين الطالب والمعلم ، فلم يعد ينظر للمعلم على أنه الخبير الذي يزود الطالب بالمعلومات، صار هناك تركيز على التفاعل الفردي بين الطالب و"المعلم" والاستكشاف المشترك )50( ، حيث يقوم المعلم بوضع المتعلم امام مشكلات تدفعه الى التفكير واكتشاف المعرفة، وتتم ادارة هذا الموقف من خلال مناقشة موجهة من خلال مجموعة من الاسئلة المعدة سلفا اعدادا محكما.
كذلك يرى تيار ما بعد الحداثة أن المتعلم يقوم ببناء المعرفة داخل ذهنه، وهذا البناء يتم في سياق اجتماعي ليس له صفة الإطلاق ، فالمتعلم يبني بنفسه فهمه الخاص عن العالم من حوله بدلا من أخذ هذا الفهم عن الآخرين)51(.
4- بالنسبة للمنهج :
ترى حركة ما بعد الحداثة أن المنهج يجب يتكيف مع الطلاب، بحيث يتناسب المحتوى والمهارات مع الطلاب وحاجاتهم ، فهدف المنهج أن يكون تحويليا Transformative، بحيث يمكن الطالب أن يتفحص ويدرك العالم من حوله أولا ثم يفهم نفسه بشكل أكبر، ولذا فالأنشطة التعليمية ليست مخططا لها مسبقا، إنما تتقرر بناء على رغبات الطلاب وعلى الطرائق التي يتم بها الفهم في أذهان الطلاب )52(.
فالمنهج من وجهة نظر ما بعد الحداثية يجب ان يهتم بالطريقة التي يبني بها الطلاب المعرفة من منظورات مختلفة، بأساليب تعلمية متنوعة وذكاءات متعددة، لا تعتمد فقط على الذكاء التقليدي الرياضي المنطقي، كما يجب ان يبتعد عن النظرة الحداثية للمنهج التي تنحو المنحى التراكمي في تقديم المحتوى، إلى المنهج التحويلي، الذي يسعى لإحداث تحويل في فهم الطالب لما حوله ومن ثم فهمه لنفسه)53(، فيجب أن لا يحتوي المنهج على حقائق يراد نقلها إلى الطالب ، ولا بد أن يحتوي على القليل من التجريد والتنظير، وبدلا من ذلك يركز على الاهتمامات الفردية للطلاب وعلى التطبيقات العملية )54(.
كذلك يرى انصار ما بعد الحداثة ان المنهج الدراسى يجب الا يرفض الغيبيات أو يقلل من قيمتها كما تفعل الحداثة، بل يعترف بها وربما يشجعها، لكن ليس على أنها حق ، أو حقائق مطلقة، بل على أنها ثقافة شكلتها منظومة اجتماعية خاصة ، ويجب أن لا تتعدى إطار تلك المنظومة، فالمنهج عليه أن يؤصل في أذهان الطلاب أنه ليس هناك حقائق خارج الذهن، وأن الحقائق تبنى عن طريق اللغة وداخل الثقافة. ولذا فليس هناك حقائق مطلقة، بل هي حقائق نسبية)55(.
5- بالنسبة لطرق التدريس:
ولا تمدنا أدبيات ما بعد الحداثة بأمثلة محددة يمكن أن تكون مكونات لنظرية تدريس متماسكة ، تربط بين النظرية والتطبيق، بل يرى بعض الباحثين أن التدريس من المنظور مابعد الحداثي يحتاج إلى اعتقاد بأن التعلم يحدث في وسط ما يشبه الفوضى أو اللانظام chaos ، حيث يحتاج المعلم أن يتصور وينظم أوضاع التعلم على شكل تيار غير منتظم وغير مؤقت من الاكتشافات والتناقضات وإعادة الاكتشاف والمساءلة ، ويعزو بعض الباحثين ذلك إلى أن ما بعد الحداثة لا تركز كثيرا على إيجاد الحلول بقدر ما تركز على البحث عن التعقيد والاحتمالات الحاضرة في المشكلة، فالإرباك وإيجاد عدم سكون وتنظيم الذات هي خصائص طرق التدريس ما بعد الحداثية، إذ وجود قدر كاف من الاختلال وعدم السكون يقود إلى تغيير نظام القناعات والمسلمات )56(.
كما يرى بعض الباحثين أن بحوث المنهج من وجهة النظر ما بعد الحداثية ليس لها تطبيقات مباشرة في المواد الدراسية أو الممارسات المدرسية، ويعلل هذا بأن ما بعد الحداثة تساهم، بدلا من ذلك، في إصلاح المدرسة بإعادة تصور وفهم القضية من أساسها وتمكين التربويين من تحدي القناعات والمسلمات واستشراف الإمكانات البديلة للتغيير، والتطبيقات الصفية المباشرة تظهر من خلال السياقات الخاصة، بدلا من فرض مبادئ عامة )57(.
ونظرا لان تصور ما بعد الحداثي للتعلم مبني على الاعتقاد بأن كل فرد يصنع المعنى من مصادر مختلفة ، بدلا من استقبالها جاهزة من خبير، فان فهناك تركيز تام في طرق التدريس على الحوار والاستكشاف، مع التقليل من دور المعلم بوصفه مصدرا للمعلومات، وبينما انتهجت بعض الاتجاهات التي لا تنتمي إلى تيار ما بعد الحداثة منهج الاسكتشاف، فإن ما بعد الحداثة تنتهج هذا الأسلوب لا على أنه سبيل لاكتشاف الحقيقة بل على أنه جواب مؤقت إلى حين يتم اكتشاف غيره )58(.
الخلاصة
فى ضوء ما تم عرضه من افكار عن فكر وحركة ما بعد الحداثة يتضح لنا الاتى:
1- ان ما بعد الحداثة اتجاه فكري، نشأ في الأصل وفي كثير من جوانبه ردة فعل لـ "الحداثة" وهو يضم خليطا من التيارات، يجمعها رفض الأسس التي قامت عليها الحداثة أو على الأقل يجعلها محل شك .
2- ان حركة ما بعد الحداثة قد لاتعنينا كثيرا فى العالم العربى على اعتبار اننا لم ننخرط فى بعد فى عمق الحداثة.
3- أن فكر مابعد الحداثة الذي يتم الترويج له اليوم في الساحة العربية لا يمثل اتجاهاً فكرياً رصيناً ومنسجما ً، ولايخرج في غالب الأحيان عن ترجمة واستنساخ مقولات واصطلاحات ونظريات متداولة منذ عقود في الثقافة الغربية السائدة وخصوصاً الفرنسية منها، فهى أفكار برزت في سياقات وأرضيات مغايرة عن واقعنا العربى.
4- ان فى اطار التبعية الثقافية والانبهار بكل ماهو غربى، فإن المتابع لأحوال الثقافة والفكر في العالم العربي يصاب بالذهول والحيرة،نتيجة الانبهاراللا معقول ، للعقل العربي ،بالثقافة والحضارة الغربيتين ، والترديد الببغائي لبعض الافكاروالفلسفات التى تختلف بل وتتعارض مع ثوابث ثقافتنا العربية والاسلامية ، وهذا ما نقرؤه من محاولات تفكيكك النص القرآني وتفسيره، وفق ميول ورغبات القرّاء، والدعوة الى الغاء السنة بحجة أنها لامركزية لها؛ كونها جاءت من بشر لا يختلف عن غيره من الناس، والظروف النبوية اختلفت تماماً عن واقعنا المعاصر الذي يحتاج إلى أدوات جديدة للفهم والاستنباط، وأحياناً يأتي النقد إلى نبذ الهوية القومية، والمطالبات بالإصلاحات السياسية وفق المشاريع الشرق أوسطية المشتركة، كذلك تهميش القيم الخلقية والسلوكية وغيرها من مسلّمات الدين، خصوصاً والمعطيات العقلية الأخرى، وهو طرح كثير من الليبراليين الجدد من العرب المستغربين.
5- لم تقدم حركة ما بعد الحداثة فلسفة واضحة ومترابطة عن التربية وانما هى افكار متناثرة لايوجد بينها وحدة عضوية تتسق فيها نظرتها للاهداف التربوية مع نظرتها الى الطبيعة الانسانية ، ومع تصوراتها عن طرق التعليم التدريس والممارسات التعليمية.
6- ان كثيرا من الافكار الى طرحها مفكرو تيار ما بعد الحداثة عن التربية والمعلم ليست جديدة او قاصرة عليهم ، وانما هى افكار تم طرحا مسبقا من خلال بعض الفلاسفى والمربين فى عصور سابق وان كانت هذه الافكار قد تم عرضها بصورة متناثرة.
المراجع
1- سامى محمد نصار :قضايا تربوية فى عصر العولمة وما بعد الحداثة- الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 2005.ص19
2- السيد ياسين:الكونية وما قبل الحداثة- في كتاب:الكونية والأصولية ومابعد الحداثة-المكتب الأكاديمية – القاهرة – 1996.ص192
3- ______: ازمة استشراف المستقبل في كتاب:الكونية والأصولية ومابعد الحداثة-المكتب الأكاديمية – القاهرة – 1996.ص119- 120
4- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: ما بعد الحداثة : إشكالية المفهوم- متاح على http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=189625
5- أحمد مجدي حجازي، النظرية الاجتماعية فى مرحلة ما بعد الحداثة، قضايا فكرية، أكتوبر/1999. صـ95.
6- السيد ياسين:الكونية وما قبل الحداثة- مرجع سابق.ص192- 193
7- حازم محفوظ : مستقبل المعرفة في عصر ما بعد الحداثة- جريدة الاهرام - السنة135- العدد44989 - الاثنين 8 فبراير 2010 .
8- نفس المرجع السابق.
9- ستوارت باركر: التربية فى عالم ما بعد الحداثة- ترجمة:سامى محمد نصار- الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 2007.ص31.
10- عبيد الله العمري ، عبد القادر العرابي: إشكالية المنهج في العلوم الاجتماعية العربية المعاصرة- الرياض – 1422ه- ص 99.
11- محمود فتحي عبد العال أبو دوح:مرجع سابق.
12- المرجع السابق.
13- راشــد بن حسين العبد الكريم: أثر "ما بعد الحداثة" في التعليم ، نظرة عامة - ورقة مقدمة للقاء الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) ،اللقاء السنوي، الرياض، 1421ه . متاح على http://faculty.ksu.edu.sa/dr.rashid/DocLib3/%D9%85%D8%A7%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9.doc
14- Best, S. & Kellner, D.: . Postmodern Theory: Critical Interrogation, (1991). p. 34
نقلا عن المرجع السابق.
15 - راشــد بن حسين العبد الكريم:مرجع سابق.
16- سالم يقوت: المناحي الجديدة للفكر الفلسفي - دار الطليقة- بيروت- 1999. ص 91.
17- راشــد بن حسين العبد الكريم:مرجع سابق.
18- روجيه جارودي: نظرات حول الإنسان- ترجمة يحيى هويدي. المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة- 1983 ص 17.
19- السيد ولد أباه: فكر مابعد الحداثة.. مصطلح فارغ لمضمون مغاير- متاح على http://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=5989
Mary klages: Postmodernism, From Continuum Press, January 2007 20-
ترجمة : عنان عويّد متاح على
21- أحمد مجدي حجازي: مرجع سابق.ص 295.
22- سامى محمد نصار: مرجع سابق.ص77.
23- Beck, Clive:" Postmodernism pedagogy and pholsophy", Pholsophy of Education Society,2000 ERIC AE.
24– السيد ولد أباه: مرجع سابق.
25- محمد الشيخ ، ياسر الطائري: مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة- دار الطليعة – بيروت- 1996.
26- Doll, W. (1993). Post-Modern Perspectives on Curriculum. New York: teachers College Press. p. 4
27- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع سابق.
28- ستوارت باركر: مرجع سابق.ص31.
29- رضا دلاوري: الحداثة وما بعد الحداثة التعريف، الميزات، الخصائص- ترجمة: ترجمة: حيدر حب الله متاح على http://www.nosos.net/main/pages/news.php?nid=182
30- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع سابق.
31- المرجع السابق.
32-Lyotard,Jean Francois, The Post-Modern condition:A report on knowledge, Transated by Geoff Bennington and Brian Maddumi,Minneapolis, University of Minnesota Press, 1984.
نقلا عن : سامى محمد نصار: مرجع سابق.ص115.
33- كامل شياع ، فى ثقافة ما بعد الحداثة وسياستها - قضايا فكرية- اكتوبر- 1999. ص 319.
34- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع سابق.
35- المرجع السابق.
36- احمد ابو زيد:البحث عن ما بعد الحداثة- مجلة العربى – العدد 506- يناير- 2001.
37- راشــد بن حسين العبد الكريم:مرجع سابق.
38- طلعت عبد الحميد واخرون: الحداثة وما بعد الحداثة، دراسات فى الاصول الفلسفية للتربية- مكتبة الانجلو المصرية- القاهرة – 2003. ص 160.
39- تم التوصل الى هذه المبادىء من خلال الاطلاع على المصادر التالية:
- امانى ابو رحمة:حصاد ما بعد الحداثة،ارهاصات عهد جديد- صحيفة المتوسط- عدد ابريل 2010.متاح على:
http://www.mutawassetonline.com/culter/3150-2010-04-22-07-14-07.html
- رضا دلاوري: الحداثة وما بعد الحداثة التعريف، الميزات، الخصائص- ترجمة: حيدر حب الله- مجلة نصوص معاصرة – العدد الأول. متاح على http://www.nosos.net/main/pages/news.php?nid=182
- محمد الحوراني : الحداثة وما بعد الحداثة في سجالات المفكرين العرب- متاح على http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=33496648020061121103524
- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع سابق.
- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
40- سفر بن علي القحطاني : العقل المسلم وتحدّيات (ما بعد الحداثة)- نوافذ- الأربعاء 23 شعبان 1428 الموافق 05 سبتمبر 2007 متاح على http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-40-10005.htm
41- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
42- حازم محفوظ : مرجع سابق.
انظر كذلك :
- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
- طلعت عبد الحميد واخرون: مرجع سابق.ص 173.
Doll, W.: op.cit. p: - 43
44- جان فرانسوا ليوتار: الوضع ما بعد الحداثى- ترجمة احمد حسان – دار شرقيات- القاهرة- 1994. نقلا عن: طلعت عبد الحميد واخرون: مرجع سابق.ص 146.
45- طلعت عبد الحميد واخرون: مرجع سابق.ص 147.
**بنى ليوتار موقفه القائل بموت المعلم على اساس فكرة موت المؤلف التى نادى بها رولاند بارت وهى تعنى انه لاينبغى اعتبار المؤلف وحده هو صاحب الحق فى تحديد معنى النص.
46- سامى محمد نصار: مرجع سابق.ص120.
47- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
48- سامى محمد نصار: مرجع سابق.ص130.
49- عبد المجيد عبد التواب شيحه: نحو صيغة جديدة لاعداد المعلم – بحث مقدم مؤتمر التربية العملية واعداد المعلم- كلية التربية ببنها – جامعة الزقازيق- 1984.ص 9- 11.
انظر كذلك: طلعت عبد الحميد واخرون: مرجع سابق.ص 183-198.
50 - طلعت عبد الحميد واخرون: مرجع سابق.ص196.
51- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
52- المرجع السابق.
53- Denig, S. (Postmodernism and its effect on the teaching of values in public schools. (1999). Paper presented at the annual meeting of the American Educational research Association. Montreal. Quebec. Eric: ED 436497
54- Armstrong, D. et al. (2001). Teaching Today: An Introduction to education. Upper Saddle: Merrill Printice Hall. P. 347.نقلا عن : راشد بن حسين العبد الكريم :مرجع سابق
55- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
56- المرجع السابق.
57- المرجع السابق.
58- المرجع السابق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يونيو 12, 2014 5:00 am

رجع مصطلح الحداثة في اللغة العربية الى الجذر "حدث" ويقابله في اللغات الغربية الجذر Mode” " ولهذا فأن الحداثة تكون مقابل لـ “Modernity” و الحداثية لـ “ Modernism” و الحديث مقابل لـ “ Modern” أ و “Modernistic” و التحديث مقابل لـ “Modernization”

يمكن أن نضيف الى مصطلح الحداثة مرادفات او مصطلحات اخرى التي اصبح من المعتاد استعمالها في الخطاب السياسي ، والفلكلوري، و الاقتصادي ، يمكن الذكر منها على سبيل المثال:
عصر الكومبيتر، ثورة الالكترونيات، انفجار المعلومات، ثورة المعلومات، ثورة العلم والتكنولوجيا، ثورة الاتصالات، و عصر اقتصاد المعرفة. وهناك محاولات عديدة من قبل الفلاسفة و مؤرخي التكنولوجيا و علماء الاجتماع لابراز السمة الرئيسية لمجتمع الغد من خلال ايجاد مصطلحات ملا ئمة لتطور المجتمع في تلك المرحلة ، ومن اكثر هذه المصطلحات شيوعا هي: مجتمع ما بعد الصناعة Post industry ، و مجتمع ما بعد الحداثة Post modernism ، و مجتمع المعلومات Information society .


الحداثة

نشأت الحداثة في اوروبا منذ اللحظة التي تفككت فيها الثقافة الدينية و ظهرت الثقافة العلماني القائمة على الاسس العقلانية(Rationalization)، مناهضة جميع مبادىء الميثولوجيا التي قام عليها الدين، اي مع ولادة النظام الرأسمالي في اوروبا اي المجتمع الصناعي ” Industry society . و هكذا خرجت الحداثة من رحم الاقطاع وكان عنوانها الاساسي في الفكر هو ”التنوير ” و في الحكم او السلطة هو ”العلمانية” ( اي فصل الدين عن الدولة). وأذا نظرنا الى الحداثة من الناحية التأريخية، استنادا الى اطار واسع انطلاقا من التجربة الاوروبية مذ نهاية القرن الخامس عشر وحتى قرن العشرين، نجد انها تمثل كيانا عاما متكاملا ذا خصائص متميزة بوضوح. وتبرز من هذه الزاوية ثلاث خصائص:

1- الحداثة بوصفها بنية كلية.
2- الحداثة بوصفها سياقا شاملا.
3- الحداثة بوصفها وعيا نوعيا.

ويمكن القول هنا ان مفهوم الحداثة Modernity يقابل الخاصية الاولى المتعلقة بالبنية، وان مفهوم التحديث Modernization يقابل الخاصية الثانية المتعلقة بالسياق، وان المفهوم الاخير اي النزعة الحداثية Modernism يقابل الخاصية الثالثة المتعلقة بالوعي.

وهكذا فان الحداثة و النزعة الحداثية، اي بنية المجتمع الحديث و وعيه لذاته، ترتكزان على عملية التحديث، اي على جدلية التغير و التحول. فالحداثة كالتحديث اي تمرد دائم على كل ما يحجر أدوات انتاج المجتمع و علاقاته في قيود التي تعني التخلف، والتحديث كالحداثة تطلع دائم الى المستقبل الذي يعد التقدم اللانهائي. لذا من الممكن القول بانه لا حداثة بدون تحديث، فان العلاقة بينهما علاقة تلازم بالضرورة، بمعنى ان التحديث المادي لايمكن ان يتم دون ان يفضي الى حداثة فكرية.

اذن الحداثة هي الوجه الذي ينصرف الى الانشاء والابتداء على المستوى الفكر والابداع، بينما التحديث هو الوجه الذي ينصرف الى تغير أدوات الانتاج المادية في المجتمع الذي هو سياق التحول الاقتصادي والتكنولوجي كما جرى تأريخيا لاول مرة في أوروبا، اذن التحديث يمثل ظاهرة أوروبية. لذلك فقد اصبح التحديث مرادفا للانماء الاقتصادي والتطور الصناعي وانتشار نموذج التصنيع الغربي. أن فكرة التحديث الحضاري ترتبط في نظر اغلب علماء الغرب بفكرة الصياغة الغربية Westernization للمجتمعات التقليدية.

ان سيادة علاقات دولية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع حصول بلدان أسيا وأفريقيا على اسقلالها السياسي، كانت دافع قوي لتداول مفهوم "التحديث" و توظيفه في العلوم الاجتماعية والعلوم الساسية .

حيث لم يكن ظهور مفهوم "التحديث" وتداوله في عقدي الخمسينيات والستينيات الا تجاوزا لمفهوم "التغريب" الذي لقي معارضة شديدة. لكن مفهوم "التحديث" و بعد بروز و وضوح مضمونه الايديولوجي، اصبح دالا على سيرورة تصنيعية احادية البعد، تتمثل في "نقل التكنولوجية" .

وقد ادى هذا النقل الى فشل البلدان التي حاولت تحقيق "التحديث" ولم يؤد الى تطويرها، و تجربة رومانيا خير دليل على ذلك عندما حاول تشاوشيسكو انشاء المصانع و القيام بطفرة نحو الدخول في مرحلة متقدمة من التطور الاقتصادي و الصناعي دون المرور في المراحل الطبيعية للتطور الاجتماعي والثقافي للمجتمع و بدون اعطاء الاهمية للحداثة والابداع على المستوى الفكري.

حيث ان عملية التحديث عملية تركب بين كل العناصر الاقتصادية و السياسية والثقافية وتتجاوز البعد "التصنيعي" كبعد وحيد في عملية التنمية. ان الاساس الفلسفي لعملية التنمية مستمد من نظرية التطور المعتمدة على التحليلات الماكرو- سوسيولوجية الكبرى لكل من اميل دوركايم و ماكس فيبر، التي تميز بين مجتمعات حديثة واخرى تقليدية. لذا فان نقل نموذج التحديث الى بلدان غير غربية ، سواء على المستوى التحليل او على مستوى التطبيق ، ارتبط بالتفكير في مسالة التنمية التي تمت مقاربتها انطلاقا من مدخل استاتيكي. يعبر سمير ايوب عن هذا المدخل الاستاتيكي في دراسة التنمية في علاقتها بالتحديث " هذا المدخل الالي الاستاتيكي لدراسة التنمية من منظور التخلف، قد عبر عن المزاج المحافظ لفترة الستينات، وهو الذي يعتبر التخلف بمنزلة موقف اجتماعي اقتصادي يفتقد العناصر و الخصائص الضرورية للموقف المتقدم، او لموقف الجتمعات المتقدمة ، تلك الخصائص التي تتمثل في التصنيع و تكوين راس المال والتكنولوجيا المتقدمة والمهارات الفنية وما الى ذلك. وقد كان طبيعيا ان ينبثق الحل المقترح لمشكلة التخلف من طريقة النظر الى المشكلة ذاتها".

ما بعد الحداثة

ان مفهوم ما بعد – الحداثة ظهر لاول مرة عند المؤرخ البريطاني توين بي (1959)، الذي جعل المفهوم ليدل على ثلاث امارات ميزت الفكر والمجتمع الغربيين بعد منتصف هذا القرن، وهي اللاعقلانية والفوضوية والتشوش. ان هذا المفهوم نقل ايظا الى مجالات عديدة اخرى منها المجال الادبي في الستينات على يد الناقد الاديب ليسلي فيلدر Leslie Fielder والناقد المصري الامريكي ايهاب حسن – وهو من ابرز المختصين في ابحاث ما بعد الحداثة و صاحب الفكرة التي تقول باستحالة التحديد ، فاكتسب المصطلح تداولا خلال السبعينات وشمل العمارة اولا، ثم اكتسح بالتدريج مجالات الرقص والمسرح والتصوير والسينما والموسيقى. لكن ذلك كله ترك السؤال حول عصر ظهور ما بعد- الحداثة واماراتها متعلقا، حيث هناك من عارض القول بمجيء عصر ما بعد- الحداثة منهم الفيلسوف والناقد الاجتماعي هابرماس حيث يعد التنظير لعصر ما بعد- الحداثة ردة فعل محافظة ويائسة ضد التنوير، و هناك من قال بتحققه على مسرح التاريخ المعاصر منهم جون فرنسوا ليوتار الذي اعتبر هذا العصر نهاية لـ "الحكايات الكبرى" ، اي موت المذاهب الكبرى التي حاولت تفسير الواقع تفسيرا شموليا. فهذا عالم الاقتصاد هيرمان كاهن Herman Kahn الذي يصف عصر ما بعد- الحداثة بانه عصر " مجتمع ما بعد- الاقتصاد"، وهذا عالم الاجتماع الامريكي دانييل بل Daniel Bell يصفه بانه العصر " ما بعد- الصناعي"، وهذا الناقد الفني أميتاي اتزيوني Amitai Etzioni يصفه بعصر "ما بعد- الحديث" و هناك من اوصفه بعصر " ما بعد عهد- التكنولوجيا والالكترونيك" و تعددت الاوصاف.

فحقبة "الراسمالية المتاخرة"، أو ما بعد الحداثة، تاتي متوافقة مع المجتمع المعلوماتي والتي يمكن ان نطلق عليها الحقبة المدفوعية بالمعلوماتية Informationalization اي المدفوعة بالتقانة العليا و بالبنى الثقافية الهجينة (المتحركة) والعمل اللامادي Lobor Immaterial الذي ينتج خدمات والذي يتعامل مع الرموز (الاوامر بواسطة اللغة كما في استعمال الحاسبات) و الترقيم Digitization الذي يولد اوهاما واقعية Virtualities .

ومع ان حقبة المعلوماتية شملت العالم كله من دون تمييز، فان هناك اعادة للنظر في النماذج التنموية المعتادة تحت ضغوط العولمة: فهناك المعلوماتية المتطرفة كما في حالة الولايات التحدة، وهناك المعلوماتية التي تعمل بالتنسيق مع قطاع الصناعة كما في حالة اليابان والمانيا. وهناك ايضا المعلوماتية التي تختلط بالاقتصاد الصناعي وقطاع واسع في الزراعة غير المصنعة في دول العالم الثالث. فالمعلوماتية تخترق تدريجيا جميع قطاعات العمل والعملية الانتاجية، لتصبح القطاع المهيمن في الاقتصاد وفي الحياة الاجتماعية اليومية.

اذا كانت الحداثة تعرف بصفتها تطبيقا عقلانيا للعلم على الطبيعة ، فان ما- بعد الحداثة تعتبر نتيجة من النتائج الثقافية للتكنولوجيا الثقافية الجديدة و دانيال بل هو ابرز من يذهب في هذا الاتجاه. ولهذا فان الحداثة و ما- بعد الحداثة يمثلان فترتيين زمنيتيين او ظرفين اجتماعيين و سياسيين و ثقافيين ومن علائمهما الاساسية هو الايمان بالعلم وبالتخطيط وبالتقدم وبالعلمانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت يونيو 14, 2014 3:56 am

عبد الإله فرح : الحداثة مفهومها وتجلياتها


يعد مفهوم الحداثة من المفاهيم التي ما زالت ملتبسة، فعند محاولتنا لتعريف هذا المفهوم نجد أنفسنا أمام كم هائل من التعريفات يحيط بها نوع من الغموض والاختلاف، وهذا أمر طبيعي كونها تقترب من عقول مختلفة، مما يتبادر لنا السؤال التالي: ماذا نعني بمفهوم الحداثة؟ وأين نشأتها؟ وما هي تجلياتها؟
إن كلمة حداثة نقيد القديم وهو مصطلح أوربي المنشأ نعني بها المعاصرة والعصرنة. ويعرف جون بروديار الحداثة : >.

يمكننا من هذا التعريف القول بأن الحداثة هي محاولة للتجديد والإبداع وتجاوز التقليد والتخلف كما أنها تعكس بأكملها التحول الهائل الذي غزا مجال الفكر والتقنية والمعرفة بصفة عامة. إذا ما هي العوامل التي ساهمت في ظهور الحداثة في أوربا؟

بالنسبة لظهور الحداثة يطرح العديد من الإشكالات، حيث اختلف العديد من المفكرين في تحديد إرهاصاتها الأولية فالبعض يرى بأن الحداثة ظهرت بفكر ديكارت في القرن 17م، والبعض الآخر يربطها بعصر الأنوار في القرن 18م، والبعض يربطها بالثورة الأمريكية سنة 1776م والثورة الفرنسية 1789م.

ومن هنا يدل على الغموض والاضطراب الذي يكتنف دراسة وتحليل الحداثة. لكن يمكن أن نقول بأن العامل الأساسي في ظهور الحداثة في أوربا هو الاطلاع هذا الأخير على الفكر العربي عن طريق الترجمة والاحتكاك بالعرب عبر مجموعة من القنوات كالحروب الصليبية والتجارة، وهذا العامل هو الذي مهد وساهم في تسريع وتيرتها، وقد تجسدت في الاكتشافات الجغرافيا واختراع المطبعة وتطور الثورة الصناعية، وظهور الدولة الحديثة وحقوق الإنسان، وانتشار الفكر الليبرالي والرأسمالية....
وقد آلت الحداثة بالغرب إلى نهج سياسة إمبريالية قائمة على الغزو والتوسع في معظم أرجاء العالم قصد نشر الحضارة الغربية الجديدة مقابل استهلاك الشعوب الضعيفة واستنزاف ثرواتها لصالح شعوبها، حيث كان الأوربي في إفريقيا على سبيل المثال يقدم للأفارقة الصليب والإنجيل وكان يأخذ منهم ثرواتهم وأرزاقهم.

ومن أهم تجليات الحداثة فنربطها عادة بالتقدم التكنولوجي والصناعي إلا أن التغيرات الفكرية كانت الأكثر تأثيرا، وتجسدت في الصراع والخصام الأدبي بين الأنصار التجديد وأنصار القديم.

أما في المجال السياسي فقد تمثلت في الديمقراطية وتعبير عن حرية الفرد والمجتمع في اتخاذ قراراته كونها تعتبره واعيا ومسؤولا عن أفكاره وأفعاله، بالإضافة إلى ظهور منظمات وأحزاب ونقابات...

أما في المجال الاقتصادي فقد اتخذت الشكل الرأسمالي المتمثل في الربح السريع والذي يهدف إلى التخلص من الرقابة الأخلاقية والاجتماعية عبر فتح مجموعة من الأسواق لتصرف المنتوجات الصناعية والفلاحية بهدف الربح.

أما الجانب الاجتماعي فقد تجسدت في خوصصة المدارس والمستشفيات، ظهور أنماط الاستهلاك ، كما نجد هناك نوع من التغير في التقاليد والعادات، ثم الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، إلى جانب ذلك خروج المرأة إلى العمل.

ومن هنا يمكن القول أن الحديث عن مفهوم الحداثة هو حديث طويل ما زال حتى الآن يناقش بالجامعات العربية، حيث لم يستطيعوا أن يحددوا مساره التاريخي، وهل هو فعلا مرتبط بالعالم الغربي كما يزعمون الأوربيون أم أن العالم الإسلامي أو العالم العربي بالخصوص كان سباقا لمفهوم الحداثة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت يونيو 14, 2014 3:58 am

محمد سبيلا : التحولات الفكرية الكبرى للحداثة. مساراتـها الإبستيمولوجية ودلالتها الفلسفية


يشكو العديد من الدارسين من غموض معنى الحداثة، ومن تعدد وعدم تحدد مدلولاتـها. وإذا كان هذا الغموض والالتباس يرجع في جزء منه إما إلى غموض ذهني، أو إلى غياب العناء الفكري اللازم أحيانـا، أو إلى سوء نية مسبق ضد الحداثة، فإن أحد أسباب هذا الغموض هو كون هذا المفهوم حضاريا شموليا يطال كافة مستويات الوجود الإنساني حيث يشمل الحداثة التقنية والحداثة الاقتصادية، وأخرى سياسية، وإدارية واجتماعية، وثقافية، وفلسفية الخ...

مفهوم الحداثة هذا أقرب ما يكون إلى مفهوم مجرد أو مثال فكري يلم شتات كل هذه المستويات، ويحدد القاسم المشترك الأكبر بينها جميعا. وبمجرد انتهاج طريق هذا النموذج الفكري المثالي، فإن الدارس يشعر مباشرة بوجود قدر من التعارض بين الحداثة والتحديث. فالمفهوم الأول، يتخذ طابع بنية فكرية جامعة للقسمات المشتركة بين المستويات المذكـورة، منظورا إليها من خلال منظور أقرب ما يكون إلى المنظور البنيوي، بينما يكتسي مفهوم التحديث مدلولا جدليا وتاريخيا منذ البداية من حيث إنه لا يشير إلى القسمات المشتركة بقدر مـا يشير إلى الدينامية التي تقتحم هذه المستويات، وإلى طابعها التحولي.

وعندما يختار المرء الدخول إلى هذا الموضوع من الزاوية الأولى، زاوية الحداثة، فإنه يجد نفسه محكوما بضرورة الاهتمام بالثوابت والقواسم والسمات المشتركة، مهملا الخصوصيات ومظاهر التباين، كما يجد نفسـه مدفوعا إلى عدم التركيز على الوقائع والأحداث والتواريخ والفواصل، موليا الاهتمام الأكبر للمنحنيات العامة في كل مستوى.

في هذه المحاولة سأحاول، قدر الإمكان، التركيز على التحولات الفكرية العامة للحداثة على كافة هذه المستويات، محاولا الجمع بين المنظـور البنيوي الذي يحاول تتبع السمات الأساسية للحداثة، والمنظور التاريخي الذي يحاول متابعة التحولات التدريجية والانفصالية أحيانا، التي تطال هذه السمات نفسها.

كما سأحاول أيضا، من خلال تتبع التحولات الفكرية الكبرى المصاحبة للحداثة، التمييز قدر الإمكان بين مستويين في هذه التحولات الفكرية : المستوى الإبستيمولوجي والمستوى الفلسفي، وذلك على الرغم من تداخل هذين المستويين وتشابكهما إلى حدود كبيرة.

1 ـ في المعرفة

تتميز الحداثة بتطوير طرق وأساليب جديدة في المعرفة قوامها الانتقال التدريجي من "المعرفة" التأملية إلى المعرفة التقنية. فالمعرفة التقليدية تتسم بكونـها معرفة كيفية، ذاتية وانطباعية وقيمية ـ فهي أقرب أشكـال المعرفة إلى النمط الشعري ـ الأسطوري القائم على تملي جماليات الأشياء وتقابلاتـها ومظاهر التناسق الأزلي القائم فيها.

أما المعرفة التقنية فهي نمط من المعرفة قائم على إعمال العقل بمعناه الحسابي، أي معرفة عمادها الملاحظة والتجريب والصياغة الرياضية والتكميم. النموذج الأمثل لـهذه المعرفة هو العلم أو المعرفة العلمية التي أصبحت نموذج كل معرفة. هذا النمط من المعرفة تقني في أساسه، من حيث إن المعرفة العلمية استجابة للتقنية وخضوع لمتطلباتـها. فالتقنية كما أوضح هيدجر ذلك ليست مجرد تطبيق للعلم عبر إرادة الإنسان، بل هي ما يحدد للعلم نمط معرفته المطلوب. فالعلم الحديث علم تقني في جوهره أي خاضع لما تقتضيه التقنية بالدرجة الأولى، أي التكميم منهجا وطريقة والتحكم والسيطرة غاية. ضمن هذا المنظور للمعرفة تكتسب مسألة المنهـج أهمية قصوى. فالمنهج، من حيث هو تنظيم وتحقيب لعملية المعرفـة، وطريقة في التناول تؤدي إلى تحقيق التقدم في المعرفة، وتقود إلى اكتساب القدرة على تملك الأشياء، يقود بالضرورة إلى إضفاء طابع تقني على المعرفة العلمية1.

إن المعرفة الحداثية معرفة علمية بمعنى أنـها معرفة تقنية، أي في خدمة التقنية، وبالتالي فهي معرفة حسابية وكمية وأداتية همها النجاعة والفعالية وغايتها السيطرة، الداخلية والخارجية، على الإنسان وعلى الطبيعـة، أو بعبارة أدق إنها سيطرة على الطبيعة عبر السيطرة على الإنسان. وارتباط المعرفة بالسيطرة والقوة لا يطال الطبيعة والعلوم الطبيعية وحدها، بل يطال الإنسان والعلوم الإنسانية ذاتـها حين يختلط هم المعـرفة والتحرر بـهمِّ السيطرة والتحكم.

عقل الحداثة عقل أداتي والمعرفة الحداثية معرفة تقنية بمعنى أنـها إضفاء للطابع التقني على العلم، لكنها بنفس الوقت ومن حيث هي إضفاء للطابع العلمي على العلوم الإنسانية والاجتماعية على وجه الخصوص، فهـي إضفاء للطابع التقني على الثقافة ككل. في هذا السياق تصبح أشكال المعرفة غير المنطبعة بالطابع العلمي، أي بالطابع التقني، أشكالا دنيا من المعرفة، ومن ثمة الـهجومات المختلفة، ذات النفس الوضعي، التقني، على الفلسفة مثلا، باعتبارها معرفة متجاوزة. فالمعرفة الحقة هي المعرفة العملية الاختبارية لا النظرية التأملية إذ أن الممارسة تحوز الأولوية القيمية والإبستمولوجية على النظرية2.وهذه المعرفة العلمية ـ التقنية لا تكتفي بالحط من قيمة الأنماط المعرفية الأخرى، بل تطال الفضاء الثقافي كله، وتتحول إلى ثقافة وإيديولوجيا بل إلى ميتافيزيقا أيضا. يصبح العلم ـ التقني ثقافة تحل محل الثقافة التقليدية وتكيفها بالتدريج، مؤطرة المجتمع العصري، مزودة إياه بمشاعر الـهوية والانتماء وبمعرفة وأخلاق. كما يتخذ العلم التقني مصدرا للشرعية السياسية أي نواة لإيديولوجيا سياسية. ولعل الديموقراطية، كتكنولوجيا سياسية، هي في أحد أوجهها تعبير عن هذا النوع الجديد، الدنيوي، من المشروعية القائمة على العلم كتقنية. بل إن هذا المركب المعرفي الجديد ينتزع بالتدريج صورة ميتافيزيقا أي تبشيرا بالأمل, ووعدا بالخلاص، ومصدرا واهبا للمعنى.

2 ـ في الطبيعة

الحدث الفكري الأساسي في تاريخ الفكر الغربي الحديث، هو نشوء ما اصطلح على تسميته بالعصر العلمي ـ التقني ابتداء من القرن السابع عشر الميلادي. ويشكل منشأ هذا العصر الجديد تحولا أساسيا في النظر إلى الطبيعة. وقد كانت هذه الأخيرة في العصور الوسطى نظاما متكاملا يتسم بنوع من التناسق الأزلي الذي يعكس الحكمة العلويـة المبثوثة في كافة أرجاء الكون والمحققة لمظاهر كمالاته الروحية.

هذا التحول المفصلي في تاريخ علم الطبيعة تمثل في الانتقال من مركزية الأرض إلى مركزية الشمس مفتتحا الانتقال الحديث من العالم المغلق إلى الكون اللانـهائي. لكن النقطة الجوهرية في هذا التحول هي النظـر إلى الطبيعة كامتداد كمي هندسي وحسابي، وهو التحول الذي حدث مع غاليلو.

لقد أصبحت الطبيعة امتدادا Rex extensa متجانس العناصر لا فرق ولا تميز بين مكوناتها ولا تخضع لتراتب انطولوجي كما كان الأمر في الفكر القديم والفكر الوسطوي. فالمكان عبارة عن وحدات أو نقط متجانسة، والزمان بدوره آنات متجانسة، مما مهد لقبول التصور الرياضي الميكانيكي للطبيعة، وهو التصور الذي يفرغ الطبيعة من أسرارها لينظر إليها ككم هندسي ممتد قابل للحساب وخاضع لقوانين الرياضة. فنـزع الطابـع الإحيائي السحري عن الطبيعة هو الوجه الآخر في النظر إليها من خلال مفاهيم رياضية تعتبر الطبيعة ـ كما قال غاليلو ـ كتابا مفتوحا بلغة المثلثات والمربعات والأشكال الهندسية.

والعلاقة القائمة بين عناصر الطبيعة هي علاقات ميكانيكية وديناميكية خاضعة لقانون العلية. ويشكل هذا القانون نقلة نوعية في فهم العلاقة بين الظواهر لأنه ينتقل بـها من مستوى التفاعلات العضوية المحملـة بالأسرار والألغاز إلى تفاعلات القوى والكميات القابلة للرصد والحساب، أي من التصور العضوي والغائي إلى التصور الميكانيكي والديناميكي العلّي. والطريف في الأمر هو أن ليبنتس الذي صاغ وطور مبـدأ العلة (مبدأ العقل Principe de raison)، قد طور في نفس الوقت تصورا ديناميا غائيا للمادة والكون حين اعتبر أن طبيعة الأجسام ليسـت هي الامتداد بل القوة أي النـزوع والقدرة على الفعل ورد الفعل، كما ساهم في إرساء التصور الرياضي للطبيعة عندما اعتبر أن الله، وهو يمارس الحساب، يخلق أفضل العوالم الممكنة.

وهكذا حول العلم الحديث الطبيعة إلى معادلات رياضية وأشكال هندسية أي إلى هياكل عظيمة فارغة كما يقول برتراند راسل3،أو إلى مجـرد مخزن للطاقة منذور لأن يتحول إلى موضوعات قابلة للاستهلاك، كما يقـول هيدجر4.

وقد أبدى العلم الحديث منذ البداية تواضعا معرفيا جما إذ رسم لنفسه حدودا في فهمه للطبيعة. فهو لم يدع أبدا أنه يسعى إلى فهم الجواهـر والأشياء في ذاتـها، بل قصر مسعاه منذ البداية على محاولة فهـم الظواهر مركزا على ما هو قابل منها للرصد وللتعبير الكمي. ومن ثمة طغت روح النسبية على أحكامه ونظرياته، بل إن البحث العلمي اتسم في الأغلب الأعم بنـزعة مواضعاتية (conventionnaliste) واضحة.

فالخطوات والاحتياطات المنهجية التي يلجأ إليها العالم هي نوع من الاختيار القبلي للموضوع، اختيار للمجال الذي يجب أن يظهر فيه الموجود، ولزاوية النظر إليه. فالموجود هنا –بلغة هيدجر- لا يظهر من تلقاء ذاته بل يرغم على الظهور وفق الخطاطات والتصميمات المسبقة وشبكات التأويل التي تخضعه لـها وتدرجه في سياقها5.

3 ـ في الزمن والتاريخ

إذا كان المسار الطويل الذي تدرجت فيه الحداثة في تصورها للطبيعة هو تبين أن كينونة الطبيعة تتمثل في الدينامية والآلية بدل الغائية، فقد وازى هذا التطور، فيما يخص تصور الزمن والتاريخ، تحول فكري قاد إلى إظهار أن كينونة التاريخ تتمثل في الصيرورة، أو بعبارة أخرى فإن تحول الكينونة إلى فعل وصيرورة ابتدأ في الطبيعة ثم سرى إلى التاريخ. فقد أصبـح التاريخ سيرورة Processus وصيرورة Devenir أي مسارا حتميا تحكمه وتحدده وتفسره عوامل ملموسة كالمناخ والحاجات الاقتصادية للناس، أو حروبـهم وصراعاتـهم من أجل الكسب، وكالصراع العرقـي، أو القبلي، أو المذهبي أو غيره. وبعبارة أخرى فإن غائية التاريخ بدأت تختفي وتتضاءللصالح الميكانيزمات الداخلية والحتميات المختلفـة التي تتدخل في تحديده تحديدا لا تعرف وجهته إلا من خلال مقارنة العوامل الفاعلة فيه. وبعبارة ليوستروس فقد أصبح التاريخ توسطا بين الواقع6والمثال، عبر حركة تطورية مستقيمة الاتجاه. فمثلما نـزع العلم عن الطبيعة طابعها السحري والإحيائي، فقد نـزعت المعرفة والممارسة الطابع الأسطوري عن التاريخ بنفي طابعه الغائي والنظر إليه باعتباره مجرد حركة تطورية مستقيمة تتحكم فيها عوامل داخلية قد تكون هي المحددات الاقتصادية (ماركس) أو التقنية أو السيكولوجية (فرويد) أو غيرها.

وقد قاد ربط تطور التاريخ بعوامل تاريخية محددة وملموسة إلى تطور نـزعة تاريخانية ترجع كل شيء للتاريخ وتشرطه به لدرجة أنه تم وسم الحداثة بكونـها عبادة للتاريخ 7(Idolatrie de l'histoire)الذي أصبح هو المصدر أو المنتج الأساسي للمعنى.

وقد واكب التحول في مفهوم التاريخ تحول آخر طال مفهوم الزمن. فقد تمثلت الحداثة للوعي الفلسفي في القرن الثامن عشر مع هيجل كفترة جديدة جدة راديكالية بالقياس إلى ما سبقها من عصور، وخاصة ابتداء من القرن الخامس عشر والأحداث الثلاث الكبرى التي راوحت حواليه : اكتشاف العالم الجديد، النهضة الأوربية والإصلاح الديني. وقد كان هيجل هو أول من طرح قطيعة الحداثة مع الإلـهامات المعيارية للماضي، التي هي غريبة عنها، طرحا فلسفيا8.

يتميز زمن الحداثة بأنه زمن كثيف، ضاغط، ومتسارع الأحداث، فهو يعاش كمادة فريدة 9 (denrée rare) تتمركز حول حاضر مشرئب إلى الآتي. فالحاضر هو اللحظة التي يتم فيها انتظار الانتقال المتسارع لمستقـبل مختلف كلي. وهذا الحاضر، الذي تمثله في نظر هيجل الأنوار والثورة الفرنسية، يمثل "البـزوغ الرائع للشمس" الذي يقطع مع العالم القديم وينشئ عاملا جديدا كليا.

يبدو إذن أن زمن الحداثة زمن متجه نحو المستقبل الذي يكتسب بالتدريج دلالات يوتوبية عبر تجربة تتنامى فيها بالتدريج المسافة بين الحاضر والمنتظر ، وتطغى على قاموسها مصطلحات التطور، والتقدم والتحرر والأزمة10.

عصر الحداثة هو العصر الذي يختل فيه التوازن بين الماضي والمستقبل، فهو العصر الذي يحيا بدلالة المستقبل، وينفتح على الجديد الآتي، وبالتالي لم يعد يستمد قيمته ومعياريته من عصور ماضية، بل يستمد معياريته من ذاته11،وذلك عبر تحقيق قطيعة جذرية مع التراث والتقليد.

إذا كان الزمن التقليدي متمحورا على الماضي فإنه حتى عندما يشرئب إلى المستقبل، فهو ينظر إليه باعتباره استعادة إسقاطية للماضي في المستقبل، إذ أن الزمن في المنظور التقليدي يتميز بالحضور الكثيف للماضـي وبقدرته على تكييف كل الآنات الأخرى. أما زمن الحداثة فيتسم بالفاصل المتزايد بين "فضاء التجربة" و"أفق الانتظار"، وهو الفاصل الذي لا يني يتزايد باستمرار لدرجة تجعل البعد اليوتوبي مطالبا للمفهوم الحداثي للزمن. لكن الانتظارات والآمال التي يحملها زمن الحداثة تحمل بشائر المستقبل المنتظر حدوثه داخل خط الزمان نفسه عبر نقلات كميـة أو نوعية لا تقع خارج أفقه، وبذلك يمارس الوعي التاريخي الحداثي استدماجا مستمرا للانتظارات الكبرى البعيدة المدى، إما عبر التقنية أو من خلال الإيديولوجيات المحملة بالطوبي. ومن ثمة مجاسدة مفهوم التقدم للمفهوم الحداثي للزمن مجاسدة كمية وكيفية في نفس الآن. مما يكسب مفهومي التاريخ والزمن من جديد بعدا غائيا وإن كان تاريخانيا هذه المرة.

يمكن أن نطلق على التصور الجديد للتاريخ والزمن اسم النـزعة التاريخانية وهي النـزعة التي بدأت تطال ـ بموازاة تبلور وتغلغل روح الحداثة ـ كافة مجالات الحياة الإنسانية، وعلى رأسها المجال السياسي الـذي تنطلق داخله دينامية تمايز واستقلال تدريجي عن المجال الديني، وتتبلور فيه شرعية جديدة قوامها استمداد السلطة لشرعيتها من الشعب، وتتطور فيه آليات جديدة للحكم قائمة على فكرة التعاقد، والانتخاب، والمراقبة، وفصل السلط، والمشاركة الواسعة في إدارة الشأن السياسي.

4 ـ في الإنسان

تميز فكر الحداثة، وثقافة الحداثة بإيلاء الإنسان قيمة مركزية نظرية وعملية. ففي مجال المعرفة أصبحت ذاتية العقل الإنساني هي المؤسسة لموضوعية الموضوعات12. وتم إرجاع كل معرفة إلى الذات المفكرة أو الشيء المفكر Res Cogitaus أو الكوجيتو13.

المفارقة الكبرى في تصور فكر الحداثة للإنسان هي أنه عندما يجعل الإنسان مركزا مرجعيا للنظر والعمل، وينسب إليه العقل الشفاف، والإرادة الحرة، والفاعلية في المعرفة وفي التاريخ، فهو بنفس الوقت يكشف بجلاء عن مكوناته التحتية، ومحدداته العضوية الغريزية والسيكولوجية ودوافعه الأولية (الجنس، العدوان، البحث عن الربح، التغذية…)14.

وهكذا تلتقي النظرة الحداثية للإنسان، من حيث هي إضفاء صبغة طبيعة على الإنسان، بإضفاء صبغة تاريخية على الطبيعة، وإضفاء صبغة طبيعية على التاريخ. والفلسفة ومعظم العلوم الطبيعية والاجتماعية تنخرط في هذه الحركة ابتداء من الفيزياء الفلكية إلى الأنتروبولوجيا الإحيائية إلى الماركسية إلى التحليل النفسي إلى العلوم السلوكية المعاصرة.

غير أن هذا التصور العقلاني للإنسان الذي بلوره فكر الحداثة الأوربية سرعان ما تعرض للمراجعة والنقد. فمقابل هذا التصور العقلاني للإنسان كذات مركزية، عاقلة وعارفة، مريدة وفاعلة، بدأ يتبلور خط فكري معاكس قوامه أن الإنسان ذات مشروخة ومشروطة، غير عارفة بذاتـها، وخاضعة لحتمية البنيات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية واللسانية والرمزية التي تحددها معا، ذات يداهمها اللاعقل والوهم والمتخيل من كل جانب. لقد أدت الثورات المعرفية الكبرى التي حصلت منذ نهاية القرن الماضي في الفكر الغربي (الثورة اللغوية، الثورة الإبستمولوجية، الثورة البنيوية، الثورة التاريخية) إلى فصل المعنى عن الوعي، والمعرفة عن اليقين، والمعنى عن التمثل، مبينة أن المعاني لا تصدر عن ذات سيكولوجية أو ترسندنتالية، وإنما تتولد في اللغة ومنظومات القرابة ومختلف المنظومات الرمزية، وأن الذات ليست فاعلا بقدر ما هي حصيلة مفاعيل15.وقد أطلق ريكور على هذا التوجه اسم فلسفة الوجس16.

غير أن هذه المراجعات لم تمس جوهر التصور الحداثي للإنسان بل سعت فقط إلى تلطيف وتنسيب عقلانيته ووعيه بذاته وحريته وفاعليته.

الحداثة والفاعل

يمكن أن نميز، فيما يخص فواعل الحداثة بين الفواعل السوسيولوجية، والفواعل الفكرية. الصنف التفسيري الأول نجده لدى ماكس فيبر وكارل ماركس، والصنف الثاني نجد نموذجه لدى بعض الفلاسفة كهيجل وهيدجر.

التفسير السوسيولوجي يرجع نشأة الحداثة إلى الدور الفاعل للمنشأة الرأسمالية والإدارة البيروقراطية كمؤسستين عقلانيتين، عقلنت أولاهما العملية الاقتصادية، وعقلنت الثانية نظام تسيير المجتمع. يرى ماكس فيبر أن هناك علاقة داخلية حميمية بين العقلانية والحداثة. وإذا كانت العقلنة اتخذت طابعا مؤسسيا منظما في الاقتصاد والإدارة، فإنـها مع ذلك عملية شاملة اكتسحت المجتمع الغربي كله. وقد أدت عملية نزع الطابع السحـري عن العالم إلى تفكيك التصورات التقليدية وتولد ثقافة دهرية من طلب المسيحية نفسها. وفي سياق هذه العملية تطورت العلوم التجريبية، واستقلت الفنون، وتشكلت دوائر الثقافة خاضعة لمعايير داخلية خاصة مرتبطة بالممارسة17. وبعبارة أخرى، وأخذا بتأويلات هابرماس لنظرية الحداثة عند فيبر، فإن العقلنة لم تقتصر على إضفاء طابع دنيوي على الثقافة، بل دفعت أساسا إلى تطور المجتمعات الحديثة. لقد تمايزت البنيات الاجتماعية الجديدة، وتباينت المجالات الثقافية متمحورة حول مركزين ناظمين ومنظمين لنمط الحياة الجديدة وهما النشأة الرأسمالية والجهاز البيروقراطي للدولة، اللذين هما مركزان متنافذان من الناحية الوظيفية. وقد اكتسحت الأنشطة العقلانية بالقياس إلى غاياتـها في مجالي الاقتصاد والإدارة الحياة اليومية، وأشكال الحياة التقليدية، تلك التي كانت متمحورة حول التنظيمات الحرفية، وفككتها بالتدريج كبنيات وكثقافة18.ومن ثمة الأهمية القصوى والحاسمة لكل من الاقتصاد والسياسة في المجتمع الحديث.

يربط ماركس نشأة الحداثة بالرأسمالية كنظام اقتصادي، وبالبورجوازية كقوة بشرية تحديثية. ففي "البيان الشيوعي" يكيل ماركس أعظم المدائح للبورجوازية من حيث أنـها "عندما استولت على السلطة وضعت حدا للعلاقات الإقطاعية والبطركية والعاطفية"، وأدخلت تغيرات ثورية على أدوات وعلاقات الإنتاج، "فهذه الانقلابات الثورية المستمـرة في أساليب الإنتاج، وهذا التزعزع غير المنقطع في النظام الاجتماعي بأسـره، وهذا القلق والاضطراب الدائبان، كل ذلك يميز عصـر البورجوازية عن العصور السالفة كلها". إن سائر العلاقات الاجتماعية المتوارثة، الجامدة المتجلدة، وما تجره وراءها من مواكب الأوهام والأفكار القديمة المبجلة تكنس وتندثر، أما التي تـحل محلها فتشيخ ويتقادم عهدها قبل أن يصلب عودها. فكل ما هو صلب يتبخر، وكل ما هو مقدس، يدنس". بل إن "البورجوازية تجتاح الكرة الأرضية بأسرها، تحثها الحاجة إلى الأسواق الجديدة دائما". لقد أخضعت البورجوازية الريف للمدينة، وخلقت مدنا عظيمة، وزادت بصورة مفرطة سكان المدن على حساب سكان الأرياف وبذلك انتـزعت قسما كبيرا من السكان من بلاهة حياة الحقول.

وقد خلقت البورجوازية قوى منتجة أكثر عددا وأعظم جبروتـا كما خلقت سائر الأجيال مجتمعة. فقد قامت بإخضاع قوى الطبيعة والآلات وتطبيق الكيمياء على الصناعة والزراعة والملاحة بالبخار، والسكك الحديدية، والبرق الكهربائي وعمران قارات كاملة، وحفر القنوات للأنهار. وفي عهدها اتحدت مقاطعات بكاملها بمصالحها وقوانينها وحكوماتـها وتعريفاتـها الجمركية المختلفة واجتمعت في أمة واحدة وفي مصلحة وطنية وطبقية واحدة وراء حبل جمركي واحد19.

وعلى وجه العموم فإن المادية التاريخية ترجع التحولات الاجتماعية إلى التناقض بين علاقات الإنتاج القائمة وقوى الإنتاج الجديدة، إلا أن ماركس في هذا النص من "البيان" يسند إلى البورجوازية، بروحها الثورية الإدارية المغامرة، كل التحولات الكبرى التي شهدتـها أوربا بالانتقال من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي، مما يجعل موقف ماركس في هذه المسألة مراوحا بين إيلاء الأولوية في التغيير للعنصر الإرادي البشري أحيانا وللعوامل البنيوية التقنية والاقتصادية أحيانا أخرى.

هناك نموذج آخر للتفسير مختلف كليا نجده لدى كبار الفلاسفة الذين يرجعون التحولات الكبرى في تاريخ المجتمعات، وفي التاريخ البشـري عامة إلى تحولات فكرية وفلسفية, فهيدجر يرى أن المصادر التاريخية لثقافة ما أو لمجتمع ما يحدده مسبقا فهم كل ما يمكن أن يحصل في العالم20،وهو الفهم الذي يلزم ويوجه كل مجموعة بشرية إلزاما وتوجيها ضمنيا أشبه ما يكون بحتيمية قدرية مضمرة. وهذا الفهم المسبق تتضمنه الميتافيزيقا. فهي التي "تؤسس عصرا وتمنحه من خلال تأويل محدد للموجود، ومفهوم معين عن الحقيقة مبدأ تشكله الأساسي"21.وهذا قانون فلسفي يشمل كل العصور " فكيفما كانت الطريقة التي يتم بـها تأويل الموجـود، سواء كروح بالمعنى الوارد لدى النـزعة الروحية، أو كمادة وقوة بالمعنى الوارد لدى الاتجاه المادي، أو كصيرورة وحياة، أو كتمثـل، أو كإرادة، أو كقوام جوهري (Substance)، أو كذات فاعلة، أو كطاقة، أو كعود أبدى لذات الشيء، فإن الموجود يظهر كموجود على ضوء الوجود"22.وهذه الفكرة نجدها متداولة في الفلسفة الألمانية منذ هيجل الذي كان قد اعتبر تاريخ الفلسفة مفتاحا لفلسفة التاريخ كما أن تاريخ الغرب الحديث حسب هيدجر يجسد أساسه في تاريخ الميتافيزيقا الغربية، التي تشكل "التاريخ المخفي للغرب"23.

وحتى إذا كان من العسير، من خلال المنظور الهيدجري، أن نرجع نشأة الحداثة إلى "فاعل"، لأن الأمر عنده يتعلق بتحولات قدرية في معنى الموجود وتصور الحقيقة، أكثر مما يتعلق بفعل فاعل، فإن ممن الممكن، من باب المجاز، اعتبار ديكارت (وكذا ليبنتس) هو بطل الحداثة ورائدها. علـى الرغم من أن هيدجر يتتبع جذور نشأة العقلانية الحديثة إلى التحول الذي حدث مع أفلاطون، والذي تجسد في الانتقال من الفيزيس إلى الايدوس. ففلسفة ديكارت تجسد هذا التحول الكبير الذي دشن مطلع العصور الحديثة وجعل الذات "مركزا ومرجعا للموجود بما هو كذلك. وذلك لم يكن ممكنا إلا بشروط تحول معنى الوجود كليا (…) إذ أصبح ينظر إلى الموجود في كليته على أنه لا يوجد حقا، ولا يكون موجودا إلا إذا كان محط تمثل وإنتاج (…). وأصبح يُبحث عن وجود الموجود ويعبر عنه في الوجود ـ المتمثل للموجود"24.

يربط هيدجر إذن نشأة الحداثة بالحدث الفلسفي المتمثل في جعل الذات مركزا ومرجعا. لكن مضمون هذه الذات المرجعية هو العقل والإرادة، وهو كونـها عقلا حاسبا وحسابيا بالمعنى اللاتيني لكلمة Ratio. هذا العقل الحسابي ـ الأداتي ـ حسب تسمية رواد مدرسة فرنكفورت، يجد تعبيره في العلم كمنظور حسابي وكمي للأشياء المدركة والقابلة للاستعمال25،وفي التقنية كتحريض للطبيعة وإرغام لـها على أن تسلم طاقتها وتكشف أسرارها.

يبدو من خلال استعراض المواقف المختلفة من مسألة فواعل الحداثة أنه حتى وإن اختلفت الفئات ومن ثمة المؤسسات التي يكل إليها المفكرون دورا مولّدا أو محركا للحداثة (الرأسماليون، الإداريون، المثقفون، الساسة، العسكر…إلخ) فإنه يكاد يكون هناك نوع من الإجماع على تبلور ثقافة عقلانية شكلت الأرضية الفكرية والإيديولوجية الحافزة على انطلاق مخاض الحداثة.

السمات الفلسفية

يربط العديد من الدارسين نشأة الحداثة بمبدأ الذاتية. وهذا المفهوم متعدد الدلالات فهو يشكل مضمون ما سمي بالنـزعة الإنسانية. ومن ثمة فهو يعني مركزية مرجعية الذات الإنسانية وفاعليتها وحريتها وشفافيتها وعقلانيتها. كان هذا المفهوم يحيل لدى هيجل على دلالات أخرى يوجـزها هابرماس في أربع دلالات ملازمة :

1 ـ الفردانية، وتعني أن الفرادة الخاصة جدا هي التي لـها الحق في إعطاء قيمة لادعاءاتـها.

2 ـ الحق في النقد، ويعني أن مبدأ العالم الحديث يتطلب أن على كل فرد أن يتقبل فقط ما يبدو مبررا ومقنعا.

3 ـ استقلالية الفعل، فمن خصائص العصور الحديثة تهيؤها لتقبل ما يفعله الأفراد والاستجابة له.

4 ـ الفلسفة التأملية ذاتـها، فمن خصائص العصور الحديثة كذلك عند هيجل أن الفلسفة تدرك الفكرة التي تجتاز وعيا بذاتـها26.

يرى هيجل أن مبدأ الذاتية هذا بدلالاته المختلفة قد فرضته الأحداث التاريخية الكبرى : الإصلاح الديني، والأنوار، والثورة الفرنسية. فمع الإصلاح البروتستاني لدى لوثر أصبح الإيمان الديني مرتبطا بالتفكير الشخصي، وكأن العالم القدسي قد أصبح واقعا مرتبطا بقرارنا الشخصي. فهذا الإصلاح قام على التأكيد على سيادة الذات، وأبراز قدرتها على التمييز والاختيار باعتباره حقا من حقوقها، في حين كان الإيمان التقليدي قائما على ضرورة الإتباع والخضوع للقوة الآمرة للتراث والتقليد. كما أن الثورة الفرنسية وإعلان مبادئ حقوق الإنسان قد فرضت مبدأ حرية الاختيار، بمقابل الحق التاريخي المفروض، كقاعدة أساسية للدولة27.

هكذا أصبح مبدأ الذاتية محددا في كل مجالات الفعل، ومحددا في كل أشكال الثقافة الحديثة. فالحق والأخلاق أصبحا قائمين على الإرادة الحالية الحاضرة للإنسان في حين أنـها كانت من قبل مدونة ومملاة على الفرد. كما أصبحت الذاتية أساس المعرفة العلمية التي تكشف أسرار الطبيعة بقدر ما تحرر الذات العارفة، فالطبيعة تصبح جملة قوانين شفافة ومعروفة من طرف الذات. وعلى وجه العموم فإن الحياة الدينية، والدولة، والمجتمع، وكذا العلم والأخلاق والفن تبدو جميعا كتجسيد لمبدأ الذاتية. هذا المبدأ الذي يظهر كذاتية مجردة في الكوجيتو الديكارتي أو الوعي الذاتي المطلق لدى كنط28.

ومن زاوية أخرى فإنه يمكن القول بأن الأنشطة المعرفية في مجال العلم والأخلاق والفن كانت قد تمايزت واستقلت معاييرها الداخلية، كما أن دائرة المعرفة كما يقول هيجل، قد تمايزت عن دائرة الإيمان، وكل هذه الدوائر ظلت بمثابة تعبير عن مبدأ الذاتية29.

السمة الأساسية الملازمة للذاتية هي العقلانية بمعنى إخضاع كل شيء لقدرة العقل التي هي بحث دؤوب عن الأسباب والعلل، ومن ثمة الارتباط الحميم لمبدأ السبب أو العلة بمبدأ العقل (Principe de Raison). وهذا المبدأعبرعنه لأول مرة ليبنتس في الصيغة التي تقول لا شيء بدون علة، وبفضله يصبح كل من الواقع الطبيعي والواقع التاريخي معقولا أو عقلانيا (أو قابلا للتفسير) بالنسبة للذات30.هكذا يصبح كل شيء مفحوصا ومفهوما بل ومحكوما من طرف العقل. وعبره يتحقق الإنسان من سيادته النظرية على العالم الذي يغدو شفافا وخاليا من الأسرار31.

هذه العقلانية الحسابية الصارمة أو الأداتية سواء في مجال المعرفة العلمية والتقنية أو في مجال الإدارة والتسيير هي شكل من أشكال السيطرة والقوة، ومن ثمة ارتباط العقلانية بالسيطرة سواء تعلق الأمر بالسيطرة الكوكبية للتقنية المنفلتة من عقالها أو بالنـزعة الكليانية السياسية. إن العقلانية الأداتية سيطرت على الطبيعة عبر السيطرة على الإنسان، وسيطرت على هذا الأخير عبر السيطرة على الطبيعة بواسطة التقنية، فالحداثة في عمقها مشروع تندغم فيه بصورة رفيعة إرادة الهيمنة بإدارة التحرر.

ترتبط بالعقلانية الأداتية وما ينتج عنها من سيطرة، سمة فلسفية أخرى أساسية تسم العصور الحديثة وهي غياب المعنى32،وانتفاء المقاصد الغائية الكبرى التي كانت تشد وتزين العالم التقليدي. فنتيجة اكتساح ثقافة الحداثة لكل القطاعات الاجتماعية، وعقلنتها لكل مستويات الوجود الاجتماعي هي خسوف المعاني الكبرى، أوبتعبير ماكس فيبر افتقاد العالم لسحره (Ent zauberung). ورغم أن هيدجر يستعمل مصطلحا آخر (Ent Gotterung) للتعبير عن نفس الفكرة فإنه يجمل في النهاية هذه السمة في لفظ العدمية، ويعني بـها افتقاد القيم العليا لقيمتها، وغياب الأهداف الكبرى، وانعدام الجواب عن السؤال البسيط: لماذا؟33والعدم المعني هنا حركة تاريخية أصيلة وليست رأيا لهذا الفرد أو ذاك وليس حتى ظاهرة تاريخية بين ظواهر أخرى، بل هو بالأحرى، في جوهره، الحركة الأساسية في تاريخ الغرب الحديث34.وغياب المعنى، الملازم للعصور الحديثة، ليس سمة منعزلـة، بل هو الوجه الآخر لانتصاب الذاتية معيارا، ولظفر العقلانية الأداتية التي تشكل "عالما مروضا"، ولانفلات العلم التقني، وتحوله إلى أداة سيطرة على الطبيعة والإنسان، لدرجة يبدو معها أن "غياب المعنى ناتج عـن الطابع النهائي الحاسم لبداية الميتافيزيقا الحديثة"35.

ولعل النعوت التي تطلق على عصرنا هذا عصر الموضة، عصر الفراغ، عصر التفاهة والهشاشة (la médiocrité, l'ephemère) تعكس صدى هذه السمات المتحدث عنها، والتي وازت في نشأتـها تبلور مفهوم الحداثـة نفسه كما نجد ذلك لدى الشاعر الفرنسي بودلير الذي يعرف "الحداثة بأنها ما هو عابر، وفرار fugitif وعارض contingent.." (بودلير: رسام الحياة الحديثة). إلا أن هذا الفراغ الناتج عن غياب المعـاني الكبرى غالبا ما " يتم ملؤه باستكشاف تاريخي وسيكولوجي للأساطير"36،وباستثمار أقانيم جديدة كالإيديولوجيات اليوتوبية الكبرى الواعدة بالسعادة والحرية والمساواة، والأبطال الجماهيريين لهذا العصر في مختلف المجالات كأبطال الرياضة والسياسة والسينما والغناء والموضة.

الحداثة ومفعولاتـها

تتميز الحداثة بأنها تحول جذري على كافة المستويات: في المعرفة، في فهم الإنسان، في تصور الطبيعة، وفي التاريخ. إنها بنية فكرية كلية. وهذه البنية عندما تلامس بنية اجتماعية تقليدية فإنـها تصدمها وتكتسحها بالتدريج ممارسة عليها ضربا من التفكيك ورفع القدسية.

تستخدم الحداثة أساليب رهيبة في الانتشار والاكتساح. فهي تنتقل كالجائحة في الفضاءات الثقافية الأخرى إما بالإغراء والإغواء عبر النماذج، والموضة والإعلام، أو عبر الانتقال المباشر من خلال التوسع الاقتصادي أو الاحتلال الاستعماري أو الغزو الإعلامي بمختلـف أشكـاله إلى غير ذلك من القنوات والوسائل.

وعندما تصطدم الحداثة بمنظومة تقليدية فإنـها تولد تمزقات وتخلق تشوهات ذهنية ومعرفية وسلوكية ومؤسسية كبيرة، وتخلق حالة فصام وجداني ومعرفي ووجودي معمم. وذلك بسبب اختلاف وصلابة المنظومتين معا. فللتقليد صلابته، وأساليبه في المقاومة والصمود أمام الانتشار الكاسح للحداثة، وطرائقه في التكيف معها ومحاولة احتوائها ؛ كما أن للحداثة قدراتـها الخاصة على اكتساح وتفكيك المنظومات التقليدية، وأساليبها في ترويض التقليد، ومحاولة احتوائه أو استدماجه أو إفراغه من محتواه. فالصراع بين المنظومتين صراع معقد وشرس بل قاتل. وقد سبـق لي أن تحدثت في مكان آخر عن العلاقة الاستعارية بين التقليد والحداثة. فكثيرا ما يتلبس التقليد لبوس الحداثة ليتمكن من التكيف والاستمرار بينمـا تتلبس الحداثة بالتقليد أحيانا لتتمكن من أن تنفذ وتفرض نفسها. وهذا التزاوج نشهده في كافة مستويات الكل الاجتماعي، نشهده في التلاقح بين منظومتي القيم،وفي المستوى الإدراكي،والسلوك الفردي،في المعرفة،في الاقتصاد وفي السياسة. ففي المجال السياسي مثلا يحصل تمازج بين مصدرين للشرعية السياسية: الشرعية التقليدية المستمدة من الماضي،والتراث والأجداد، وشرعية المؤسسة العصرية القائمة على أن الشعب هـو مصدر السلط. وهذا التمازج والاختلاط يطال الخطاب السياسي والإيديولوجي، والسلوكات السياسية، ويطبع المؤسسات السياسية، والثقافـة السياسية برمتها. وهو على الرغم من كل مظاهر التعايـش تمازج صراعي في عمقه.

هذه الحالة البينية هي حالة طويلة الأمد إذ أنها لا تحسم بتحويل إرادي للمؤسسات أو للمنظومات القانونية بل عبر تحولات بعيدة المدى. وانتقال منظومة ثقافية تقليدية إلى الحداثة هو في الغالب انتقال عسير مليء بالصدمات الكوسمولوجية، والجراح البيولوجية أو الخدوش السيكولوجية للإنسان، وكذا بالتمزقات العقدية لأنه يمر عبر "قناة النار"، أي عبر مطهر العقل الحديث والنقد الحديث.

وكل ثقافة لم تتجشم مثل هذه المعاناة المرة تظل تراوح مكانها على عتبة الحداثة، وفي عدم قدرة على الحكم على نفسها بسبب عدم قدرتها على رؤية ذاتـها من الخارج، وهذه القدرة لا يمكن اكتسابـها إلا بموضعة الذات وإخضاع المسلمات لمحك العقل والنقد، والحد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالسبت يونيو 14, 2014 3:59 am

نجيب العوفي : آفاق ما بعد الحداثة، أم ما قبل الحداثة ؟!
[تعقيب على مداخلة للدكتور عبدالله الغذامي].*


الدكتور عبدالله محمد الغذامي، صاحب هذه المداخلة الشائقة والشائكة في آن، صوت طليعي ومتمرس، حملته إلينا ريح الصبا من قلب البلاد العربية، فيما يشبه المفاجأة السارة، ليشد أسماعنا إلى شدوه الأدبي والنقدي، واجتهاده النظري والمنهجي في مجال تشريح النصوص وفقهها، منذ كتابه المتميز (الخطيئة والتكفير) إلى كتابه الأخير لا الآخـر (ثقافة الأسئلة)، مرورا بجملة تآليفه الأخر ودراساته الدورية المبثوثة هنا وهناك. هو صوت يجمع بين الثقافة العربية الأصيلة التي نـهل من معينها القراح دون أن ينكفئ عليها، والثقافة الغربية الحديثة التي خاض غمارها دون أن ينجرف في تيارهـا أو يقع في إسارها. أي يجمع بين حد الأصالة وحد المعاصرة في توليفة سوية وبـهية، مجسدا بذلك نموذج المثقف العربي المتفتح الذي يشرع نوافذه للرياح اللواقح، دون أن يقتلع من مكانه أو يغيب عن زمانه، حسـب المقولة الغاندية الأثيرة لدى الباحث.

هذه شهادة تقديرية وأولية لا مناص من الإفضاء بـها في حق الرجل، دون محاباة أو مَـيْن، وضعا للحق في نصابه واعترافا بالجميل لأصحابه.
ومداخلة الدكتور الغذامي الـمُـمَحْورة على (آفاق ما بعد الحداثة)، تبدو حافلة بالنقاط الخلافية والبؤر الحساسة والساخنة. وهذا دليل على جراءتـها وخصوبتها وعمـق أسئلتها. وما إِخَالُ الدكتور الغذامي إلا فاسحا صدره للرأي الآخر و"النص المضاد"[1]، وهو الحداثي بامتياز، والمدافع عن "ثقافة الأسئلة"[2] بمَنْأى من أي تزمت أو تعنت. وفي الاختلاف رحمة كما قيل. كما أن الاختلاف في الرأي، لا يفسد للود قضية، كما قيل أيضا.

والباحث يفتتح مداخلته قائلا :

"ولسوف تكون ورقتي هذه بمثابة الأسئلة حول عنوان الورقة المقترحة، وربما أقول إنني أكتب ضد الورقة وفي مواجهة العنوان".

وبدوري ستكون ورقتي التعقيبية هذه، بمثابة الأسئلة المركبة على الأسئلة أو المرتبة عنها. ولربما قلت أنا أيضا، إنني أكتب ضد الورقة المضادة. فنحن إذن عازفان على الوتر التساؤلي ذاته، معزوفتين مختلفتين، إلى هذا الحد أو ذاك. وليس كالتساؤل والـمُـساءلة، واقْتِداح أَزْنِدَتهما، مدخلا إلى معرفة والإحاطة بالصفة. ولا يشفي غليل السؤال إلا السؤال.

وستكون أسئلتي متدرجة وفق الوتيرة التي سارت عليها أسئلة المداخلة وتنامت عبرها، وذلك من باب حذْو النعل بالنعل أولا، وحفاظا على الخيط المنهجي الناظم ثانيا.

1 ـ انطلاقا من استراتيجية التشريح والتفكيك التي يتبناها الباحث في معظم تحاليله وقراءاته، يعمد بادئ ذي بدء، إلى تفكيك العنـوان المقترح (آفاق النقد الأدبي في دول مجلس التعاون) ومجابـهة سلطته الاصطلاحية والمفهومية . وهو تفكيك يذهب إلى فك الارتباط بين حدي هذا العنوان وفصم العروة النحوية والدلالية التي تشدهما . يقول في هذا الصدد :
"إن أول ما سأفعله بهذا العنوان هو استبعاد كلمات (في دول مجلس التعاون) ذلك لأنـها شبه جملة وليست جملة، وكأنما هي شبه حقيقة وليست حقيقة (…) ولذا فإنني سأخلص العنوان من قيد فكري وإيديولوجي ليس له من معنى سوى كونه سلطة اصطلاحية تفرض نفسها في لحظة غياب الأسئلة".
وهو إذ يخلص العنوان من هذا القيد الفكري والإيديولوجي، حسب تعبيره، يجهز على المرتكز الجغرافي والتاريخي لأشغال هذا الملتقى بضربة لازب، من حيث أريد له أن يتحدد ويتحيز في الزمان والمكان واللسان، أي (في دول مجلس التعاون) ويقوم ، بدل ذلك، بتعويم وتـهويم آفاق النقد الأدبي في عراء الزمان والمكان واللسان . هذا من جهة. ومن جهة ثانية وتالية، فإن الباحث إذ يخلص العنوان من قيده الفكري والإيديولوجي يقع، من حيث يحتسب أولا يحتسب، في قيد فكري وإيديولوجي آخر ومضمر. لأن نفي "الإيديولوجي" في التحليل الأخير، هو ضرب من الإيديولوجيا، مموه وملـفَّح. وقراءته لمنطوق ومفهوم العنوان، لذلك، ليست "بريئة" أو محايدة، إن لم نقل إنـها "آثمة" و"ماكرة"، بالمعنى الإيديولوجي تحديدا. ومن جهة ثالثة، فإن شبه الجملة التي أسقطها البـاحث من الاعتبار، (في دول مجلس التعاون)، توقع العبارة الأولى (آفاق النقد الأدبي) في المحذور ذاته، وتناوح بـها عند حدود شبه الجملة. ولا يكتمل العنوان ويستقيم أوده، إلا بالتئام حديه والتحام شقيه، كما هو منصوص عليه في الورقة المقترحة.
2 ـ بعد مواجهة العنوان وقص أحد جناحيه للاستفراد بالأول (آفاق النقد الأدبي)، يعقد الباحث مواجهة ثانية مع مصطلح (الأدبي) ليحرره من القيود الذهبية التي ارتسف فيها عبر العصور، وينضو عنه تلك الأقماط السميكة التي حاكتها له المؤسسة الثقافية الرسمية، ويطلقه من عنان، ليحاذي ضفافا وهوامش رحيبة وخصيبة كانت تعتبر بعيدة عن الشرعية الأدبية، وكان ينظر إليها، لذلك، بتعال واستخفاف. في حين أن الـهامشي والثانوي أكثر حيوية وفاعلية من المركزي والرسمي. يقول الباحث في هذا الصدد :
"إننا نجنح إلى جعل الأدبي في الجليل والمعلن والمقبول تقليديا، وننسى الحقير والمستور والمهمش وقد يكون ذلك مقبولا لو أنه الجليل هو وحده الفاعل والمؤثر في الناس، ولكن الأمر يصبح خطـيرا إذا ما اكتشفـنا أن المحتقر لدى المؤسسة الثقافية الرسمية هو الفاعل والمؤثر في جماهير الناس".
ولا مراء في أن الباحث يصدر في هذا الحكم، عن مفهوم حداثي وديمقراطي للأدب، ينفي التفرقة بين الرفيع والوضعي ويلغي الحواجز الجمركية بين أشكال التعبير وأنماطه، ويهتدي ضمنيا بـهَدْي وطروحات الرومانسية الألمانية والشكلانية الروسية من جهة، وتنظيرات ومقاربات البنيوية والسيميولوجيا من جهة ثانية. وهي اتجاهات ومنازع عملت سوية على تـهوية وتفضية مفهوم الأدب Littérature والأدبية Littérarité وجعل الأدب، كما قال موريس بلانشو "لا يقبل التفرقة بين الأنواع، ويرمي إلى تحطيم الحدود".[3]
إلى هنا، نحن متفقون من حيث المبدأ، مع باحثنا الألمعي على أن مفهوم الأدب لم يعد مقصورا وحكرا على الجليل والسامي والرسمي، وأن خارطة نفوذه قد تراحبت واغتنت باللغات والأشكال والأنواع، وانفتحـت على الضفاف والحواف. أي أن مفهوم حديثا للأدب بدأ يسد مسد المفهوم الكلاسيكي ويفيض عنه.
بيد أن الباحث الكريم، إذ هو يعيد الاعتبار للهامشي وينزع عنه وصمة الصغار والدونية، كان يعلي من شأنه ويرفع من وزنه على حساب الأدب الذي سماه رسميا ونخبويا ومتعاليا. يقول في سياق حجاجه وسجاله :
"… وسيكون الأدبي عندنا اجترارا نخبويا معزولا ومتعاليا تعاليا ادعائيا واهما.
وإن كان للعرب من ديوان في السابق، فلا بد أن صفحات هذا الديوان قد تبدلت وجرى طمس الشعر فيها لتحل محله فنون أخرى مازلنا غافلين عنها، ومنها الأغنية والنكتة، ومنها ممارسات المجتمع في عاداته وأعرافه وحكاياته وطرائق معاشه في اللباس والتبادلات السلوكية، ومنها وجوه المتعة والتنفيس الجماهيري في الألعاب، خاصة ما هو طاغ منها ومهيمن مثل كرة القدم."
هنا يضعنا الباحث تجاه أحكام قيمة وصفات قادحة تغمز من قناة الأدب الرسمي ـ المكتوب، من قبيل الاجترار النخبوي المعزول والمتعالي تعاليا ادعائيا واهما. وهنا يضعنا أيضا، تجاه مفهوم فضفاض جدا وزَلِق جـدا للأدب، ينفتح به على "امبراطورية العلامات" الشاسعة، حسب تعبير رولان بارت، بما في ذلك معارض الأزياء، وموائد الطعام، وملاعب الكرة..
والأخطر من هذا، هو أن تكتسح هذه المظاهر السلوكية وهذه الفنون الشعبية المشهد الثقافي العربي، فتزيح الشعر عن سدته وهو ديوان العرب والذروة والسنام من إبداعهم الأدبي. لماذا ؟! لأن "صفحات هذا الديوان قد تبدلت وجرى طمس الشعر فيها لتحل محله فنون أخرى مازلنا غافلين عنها".
ولقد تبدلت صفحات هذا الديوان لا محالة، بفعل تعاقب الليل والنهار، لكن جذوة الشعر فيها ما تزال متوهجة ومتجددة، لا يخبو لـها ضرام. ولاشك في أن مفهوما فضفاضا وزلقا للأدب، كالذي يطرحه الباحث، لا بد من أن يفضي إلى ضرب من الخلط والالتباس بين الأدب "الرسمي" والأدب الشعبي، وبين الأدب بمفهومه العام والأدب بمفهومه الخاص.
وفي ثقافات كل الشعوب، القارئة والكاتبة، ثمة حدود مائزة بين الأدبين، وإلا اختلط الحابل بالنابل، واستوى الطالع والنازل. وكأننا بذلك، نستبدل سلطة بأخرى، نزولا عند الشعار المعروف (الجمهور عاوز كده !).
3 ـ تأسيسا على ما سبق وتتويجا له، يعقد الباحث مواجهة ثالثة مع مصطلح (النقد)، في مساق مواجهته التفكيكية للثوابت واليقينيات، لأن "تحرير مصطلح (الأدبي) من شرط الرسمي والجليل والبليغ، سوف يحرر مصطلح النقد أيضا من هذه الشروط القسرية والتقليدية". كيف ذلك ؟!
يقول الباحث "يجب تحرير النقد من الشرط البلاغي الذي يعلي من شأن المكتوب ويقلل من شأن الملفوظ ويقصر الفنيـة على الرسمي ويتعالى على الشعبي، ويكبر من الفردي ويهمل الجماعي".
ويستطرد شارحا وخالصا إلى النتيجة المبتغاة : "فإذا ما تحررت مادة النقد من جهة وأداته من جهة ثانية، فإن ذلك سوف يكسر الجدود المفروضة ويفتح آفاق النقد على المدى الثقافي والمعرفي، ويضع النقد في حوار متفاعل مع المؤثرات القائمة فعلا في الوجود البشري".
هنا أيضا، يخضع مفهوم (النقد) لعملية تعويم إبيستمولوجية، تفيض به عن تخوم تخصصه وحقله، لينداح طليقا عبر المدى الثقـافي والمعرفي الرحب، حيث تتكسر الحدود والأسْيِجة المفروضة وتتفاعل المؤثرات المختلفة في الوجود البشري. ويبحر النقد، من ثم، في أرخبيل متعدد الجزر والاتجاهات.
وإذ يتحرر الأدبي من شرط الرسمي والجليل والبليغ، يتحرر معه النقدي أيضا وبالنتيجة، من الشرط البلاغي الذي يعلي من شأنه المكتوب. والشرط البلاغي بالضبط، هو الذي يخصص ويميز اللغة الأدبية عما سواها من اللغات، سواء بمقاييس البلاغة القديمة أم الجديدة، أي علم الأسلـوب أو الأسلوبية. واللغة الأدبية الفصيحة أو "الرسمية" حد تعبير الباحث، كانـت وما تزال هي موضوع النقد الأدبي ومادة اشتغاله كخطاب واصف أو قول على قول، وإلا لما علقت ولصفت به صفة "الأدبي" بحال. والتحـرر من الشرط البلاغي والشرط الكتابي في وضع حساس وفسيفسائي كوضعنا، هو في آخر المطاف، تحرر من شرط اللغة العربية ذاتـها التي من أخص خصائصها البلاغة والشعرية، تجريان منها مجرى النُّـسغ. وهذه اللغة هي مساك الـهوية العربية، وهي طوق نجاتنا المتبقى في خضم هذا اليم الكوني اللُّـجّى الفاغر أشداقه للابتلاع والاقتلاع.
وليس هذا النفث صادرا عن تلك النـزعة المتحجرة الأرثوذوكسية أو الإيديولوجية التي يشجبها الباحث على امتداد كتاباته، بقدر ما هو صادر عن جدل التحدي والاستجـابة، والالتحام والانقسـام، والبقاء والفناء. وهذا من قبيل البدهيات والمسلمات، والثوابت واليقينيات، التي لا يختلف فيها، فيما أظن، اثنان عربيان، ولا يصح في الأفهام شيء، إذا احتاج النهـار إلى دليل.
4 ـ نأتي هذا إلى بيت قصيد المداخلة و"مربط الفرس" فيها، وهي الحداثة وآفاق ما بعد الحداثة، وفق صيغة العنوان.
والدكتور الغذامي، للتذكير، هو أحد فرسان الحداثة البواسل والقلائل، الذين حملوها هما وسؤالا أكثر مما حـملوها يافطـة وشعارا، على امتداد رحلته الأدبية الدؤوب. ومداخلته هذه تنصب في صميم همومـه وشواغله، وتزودنا بجديد من عنده، حول مسالة الحداثة وما بعدها. يقول في هذا الصدد :
"نحن في مرحلة (الـما بعد) : ما بعد الحداثة، ما بعد البنيوية، ما بعد الكولونيالية، ما بعد العصر الصناعي.
وهي مرحلة تكشف عن حالة الانكسار المعرفي، ومن ثم هي (حالة) انتقال وبحث عن إجابات جديدة لأسئلة جديدة وقديمة لم تعد الحداثة كافية للإجابة عنها".
وما سأقوم به هنا بالضبط وبإيجاز، هو (مواجهة طغيان المصطلح)، مصطلح الحداثة، (وذلك بتشريح هذا المتسلط وإغراقه بالأسئلة)، حسب تعبير ومسلك الباحث نفسه.
وأول ما يستدعي التشريح والمساءلة في الفقرة الآنفة، هو هذا الضمير النحوي الجمعي (نحن في مرحلة ما بعد الحداثة). ترى على من يعود وينسحب على وجه التحديد؟
نحن هنا إزاء احتمالين :
فإذا كان الباحث يتحدث من موقع المركزية الغربية بقطبيها الأوروبي والأمريكي، والأمر ليس كذلك، فإن ما قاله صحيح تماما. لأن هذه المركزية تعيش فعلا وقولا، ما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية، وما بعد الكولونيالية (!)، وما بعد العصر الصناعي. وهي مرحلة تكشف عن حالة الانكسار المعرفي. وخطاب الغرب وواقعه شاهدان على ذلك.
وإذا كان الباحث يتحدث من موقع المحيط العربي الغارق في مشاكل الـهوية والمصير، والأمر كذلك، فإن قول الباحث يبدو مجانفا للواقع، أو على الأقل يحمل هذا الواقع، ما لا يحتمل، ويرى فيه ما لا يمتلك. لأن هذا الواقع، ببساطة، ما يزال يتحسس خطاه نحو عالم الحداثة ويَشْـرَئِبُّ صوْبـَها، من خلال تجربة النهوض والسقوط، والإقدام والإحجام.
ولقد أتى علينا حين من الدهر ليس بقصير، كانت فيه مقولة (الحداثة) هي المعزوفة الأثيرة والجهيرة التي تتردد على الألسن والأقلام وما تكف عن الترداد، من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج.. ولكن للأسف، خرجنا من المزاد بلا زاد. وفي ظني أن الجدل الذي ثار نقعه حول إشكالية الحداثة والاشتجار الفكري والنقدي والإبداعي حول أسئلتها، في سياقنا العربي، هما على حد تعبير لويس بورخيس "كالعراك الذي يجري بين أصلعين من أجل مشط !".
لماذا ؟!
لأن (الحداثة)، كانت واحدة من المقولات التي ارتحلت إلينا من الشط الآخر، دون أن نقوم بتكييفها وتمثلها وتبْـيِـئتها، حد تعبير إدوار سعيد ولأن التربة لم تكن مهيأة لغراسها والبـُنى التحتية لم تكن ملائمة لاستقبالـها. أي أننا، وخلافا لما ذهب إليه الباحث، لم نجز بعد العصر الصناعي، ولم نتخط لحظة البنيوية ولا الحداثة، ولم نتخلص من ربقة الكولونيالية، ولم نصل إلى حالة الانكسار المعرفي. أي أننا، بعبارة، لم نجد بعد أجوبة شافية لأسئلتنا القديمة المزمنة. الشيء الذي يجعل حداثتنا في نـهاية التحليل، حداثة لُـوغوسية، نظرية وفوقية، أكثر مما هي حداثة أميريقية وقاعدية. والشيء الذي يدعونا تاليا، إلى التفرقة والتمييز بين الحداثة Modernité والعصرية Modernisme وفق مقاربة هنري لفيقر.
ذلك أن العصرية "هي الوعي الذي تكونه عن نفسها العصور والحقب والأجيال المتتالية. فالعصرية بذلك تتمثل في ظاهرات الوعي وفي العصور وإسقاطات الذات، وفي التمجيدات المصنوعة من أوهام كثيرة ونفاذ محدود إلى لب الأمور".
أما الحداثة فهي "تفكير بادئ وتخطيط أولي تتفاوت جذريته، للنقد والنقد الذاتي. إنـها محاولة للمعرفة… إننا ندرك الحداثة داخل مجموعة من النصوص والوثائق تحمل بصمة عصرها، ولكنها مع ذلك، تتعدى الدعوة إلى الموضة والجديد".[4]
ونحن، كعرب، نعيش العصرية Modernisme باعتبارنا أبناء لـهذا العصر، نتنفس هواءه ونساوق تياره وأنواءه. ونعيش الحداثة Modernité كمقولة ثقافية تطوف بالذهن وأشواق حرَّى تخالج الوجدان. أي نعيشها كمناخ للوقت L’air de temps حسب التعبير الفرنسي، ليس إلا.
ومن ثم، فإن السؤال الأساس الذي يواجهنا ويبادهنا في تصوري، ليس هو سؤال (ما بعد الحداثة)، بل هو سؤال (الحداثة) ذاتـها.
هل ثمة حداثة عربية فعلا، وسط طوفان الحداثة الغربية الكاسح؟!
إن السؤال بصيغته هذه، يتضمن قلقه ومأزقه، كما يتضمن إحساسا ضاغطا بضرورة إعادة النظر في مقولة الحداثة، والتشريح النقدي لحقائقها وأوهامها، والرصد اليقظ لأسئلة ما بعد الحداثة، كما تتجلى أساسا عند الآخر، في الغرب، مع الإصغاء العميق لخوالج الذات ومواجعهـا، وذلك لأجل الخروج العربي من أفق ما قبل الحداثة، والدخول الفعلي في أفق الحداثة، بعد استكمال العدة والعتاد وتـهيئ التربة للغرس والحصاد، كيـلا تتحول الحداثة، كما قال جان بودريار، إلى مجرد بلاغة "تنتشر وسط التباس تام داخل مجتمعات العالم الثالث، لتعوض عن التأخر الحقيقي وعن غياب التنمية".[5]
والحداثة، كما نعلم، هي قرينة وثمرة العلم الحديث في أعلى مستوياته وآخر ابتكاراته. وفي عرض بولين ماري روزيفو، الذي استنـد إليه الباحث لرصد ونقد حالة الانكسار المعرفي الذي تسبب في النقلة من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، تشكل مقولة (العلم الحديث) اللازمة المتكررة في النقاط الخمس التي تعرضها الباحثة كمفاصل لنقد الحداثة ومداخل لما بعد الحداثة. والعلم الحديث بالضبط، في عالمنا العربي، هو ذلك المفقود المنشـود. هو ذلك الذي يأتي ولا يأتي.
فكيف تُـرى، تكون حداثة بدون علم حديث ؟! لكن للسؤال، عند باحثنا الكريم الدكتور الغذامي، صيغة أخرى. يقول في ختام مداخلتـه: "والسؤال الآن :
هل نستسلم للغرب في نقلاته السريعة… أم نتوقف عند الحداثة لنشبع نـهمنا منها أولا ثم ندخل ـ بعد ذلك ـ في حفلة الترف الفكـري الغربي ؟!".
ويأتي الجواب من عنده، حاسما كالتالي :
"إننا نحن اليوم في غمار عصر (ما بعد الحداثة). إننا فيه، في داخله وفي روحه وفي لغته، ولا معنى لطرح أسئلة زائفة لا تقوى على تقرير شـيء. والأجدر بنا هو أن نحث الخطى في مجاراة مخلصة للعصر وأن نزيـد من خطانا ونضاعف منها، فلعل ذلك يساعدنا على الوصول إلى الصفـوف الأولى في سباق الفكر والمعرفة".
وأعتقد أن مسلكا كهذا، سيجعلنا دوما في الصفوف الخلفية، من حيث نريد الـهروب إلى الأمام. لأن "المجاراة" غير "المباراة". والمباراة هنا وإن تمت، غير متكافئة وغير عادلة. ولأننا ببساطة جارحة لنرجسيـة الذات، نعيش على هامش الحداثة، لا في غمارها وداخلها وروحها ولغتهـا. ولا يخفف من هذا الواقع المر قـول الباحث، بعدئذ، إننا "نستطيع أن نستغل ظروف التغيير لصالحنا"، فهو من قبيل الطموح النبيل والتمني الجميل.
وما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ونستطرد مع المتنبي العظيم، فنقول بلسانه الحكيم :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس.
والسؤال مرة أخرى وأخيرة، هو كيف ننقل سفينة حداثتنا من اليبس إلى الماء، وكيف نقيها خطر الأمواج والأنواء ؟!
وتحية شكر وتقدير للباحث المقتدر الدكتور عبدالله محمد الغذامي، الذي استثار لدينا هذه الشجون الفكرية، وأغرانا بهذا الشغب النقدي، مستحضرين، كمسك ختام، تلك القولة المأثورة لابن تيمية في تعقيبه على ابن حزم "وأبو محمد كبير عندنا، ولكن الحق أكبر منه".

________________________________________
* مداخلة ساهم بـها الغذامي في ملتقي خاص بالنقد الأدبي في الخليج.
1 ـ عنوان كتاب للدكتور الغذامي.
2 ـ عنوان كتاب آخر له.
3 ـ عن، الأدب والغرابة، لعبدالفتاح كيليطو، ط. 1 ـ 1982، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت. ص 19.
4 ـ اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة، لمحمد برادة، مجلة فصولـ المجلد الرابع ـ العدد الثالث، 1984. وملاحظة هنري لوفيقر، مستقاة من كتابه السجالي / مدخل إلى الحداثة.
Introduction a la modernité, p. 169.
5 ـ المصدر السابق، ص 16.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالأحد يونيو 15, 2014 4:52 am

التفاعلية التلفزيونية .. بين تجليات ما بعد الحداثة .. وتمظهرات بعد ما بعد الحداثة ..

عمار ابراهيم الياسري
الاثنين، 10 حزيران، 2013
تمثل ما بعد الحداثة حركة فكرية تقوم على رفض الأسس التي ترتكز عليها الحضارة الحديثة، كما ترفض المسلمات التي تقوم عليها ، أو على الأقل ترى أن الزمن قد تجاوزها وتخطاها، ويذهب الكثير من مفكري ما بعد الحداثة إلى اعتبارها حركة أعلى من الرأسمالية التي تعتبر هي الطابع الأساسي المميز لهذا العصر، وأن ما بعد الحداثة تهيئ لقيام مجتمع جديد يرتكز على أسس جديدة تماماً غير تلك التي عرفها المجتمع العالمي الحديث، ويبدو أن مفكري ما بعد الحداثة قد تأثروا في ذلك بأفكار بعض الفلاسفة الألمان مثل هايدجر الذي كان قد أثار فكرة إمكان قيام أسس جديدة حول الإنسان المعاصر.
والسؤال المهم الذي يتبادر إلى الأذهان إلى وقت قريب هو، هل هذه التغيرات تعني أن عصر الحداثة قد ولى إلى غير رجعة؟ والعالم أمام حضارة وثقافة أخرى جديدة هي حضارة وثقافة ما بعد الحداثة ؟
إن أنصار وأتباع ما بعد الحداثة يوجهون كثيراً من الانتقادات إلى إنجازات عصر الحداثة وموقفها من الفكر والفن والسياسة والحياة، وهو موقف يرفع من شأن العقل ويرى فيه مصدر كل تقدم في المعرفة وفي المجتمع وأنه وحده هو مصدر الصدق وأساس المعرفة العلمية وهو القادر على اكتشاف المعايير النظرية والعملية التي يهتدي بها الفكر والفعل على السواء،كما نرى ذلك في طروحات الشكلانية الروسية أو البنيوية وغيرها ومع ذلك، فإن ما بعد الحداثة ترى أن الزمن قد تغير، وأن الظروف العامة قد تجاوزت كل هذه الإنجازات نتيجة لتقدم أساليب الإعلام والاتصال بوجه خاص، وظهور اشكال جديدة من النصوص تتطلب قيام نظريات ومفاهيم تتلاءم مع الأنماط المعرفية الجديدة بعد ازدياد الاتجاه نحو العولمة، مع تعدد الاتجاهات الثقافية المواقف الفكرية، "وظهور اتجاهات جديدة في السرديات اشتغلت على (ما وراء اللغة) و(ما وراء السرد) والنص المفتوح ،وكذلك في الفن حيث تجاوزت المدارس الحديثة مثل الانطباعية والتعبيرية والسريالية وما إليها"(1)، وتحررت من كل القيود التقليدية وبخاصة في العمارة حيث يمكن الجمع بين عناصر غير متجانسة تخرج تماماً عن المألوف، وامتداد ذلك إلى بقية الفنون التعبيرية مثل الرقص والباليه بل والموسيقى والأفلام السينمائية.
وقد يرى بعض المنظرين أن الاختلافات بين الحداثة وما بعدها ليست اختلافات شاسعة، حيث يزعمون "أن ما بعد الحداثة ليست سوى نوع من الألعاب اللغوية في بنية النصوص" (2)، وإنهم استحدثوا كثيراً من المصطلحات التي لم يستقر بعضها في شكله النهائي مثل اللغة الطفيلية و(ما وراء اللغة) و(ما وراء السرد) وغير ذلك، وعليه إذا كانت ما بعد الحداثة لعبة لغوية كما يدعون، فإنها استطاعت توجيه الانتباه إلى أبعاد الحقيقة الإنسانية ، ولكن الأمر لم يتوقف في حدود اللغة كما بينا بل تداخل في كل تمفصلات الحياة المختلفة.
ومن تمظهرات ما بعد الحداثة مفهوم التفاعلية في الأدب والفن عموما الذي انفتح على المتلقي الشعبي (خلاف النخبوي) بوصفه ذاتا فاعلة مؤثرة ومغيرة في بنية النص المقدس والمنغلق على صاحبه سابقا والذي ظهر مع العديد من المقاربات التي اهتمت بمفردات التحليل مثل الفرد والمجموعة والعلاقات الذاتية في التجارب اليومية، وترسخت بوصفها ردة فعل على النظريات البنيوية-الوظيفية التي هيمنت ولفترة طويلة على السوسيولوجيا. وقد أحيت هذه المقاربات والتي وصفها المنظرين أرمان وميشال ماتلار ب"عودة اليومي"(3) .
شهدت فترة السبعينيات من القرن المنصرم ازدهاراً كبيراً لفن الصورة المتحركة وأصبح المتلقي يبحث عن الصورة المرئية التي تثير الجمال والمتعة فيه ، وهذا بطبيعة الحال جعله يبحث عن قنوات تلفزيونية متعددة تلبية لرغباته ، مما حدا بكثير من شركات الاتصال في أمريكا وغيرها من الدول المتقدمة من القيام بدوائر اتصالية تتيح للمتلقي الحصول على اكبر عدد من القنوات التلفزيونية التي يفضلها ، وكان الكابل المشترك هو الحل الذي جعل المتلقي ينفتح على فضاءات أخرى وان كانت محدودة ، وتبقى العين البشرية تبحث عن كل ما هو جديد محاولة كسر الملل الذي سببته لها التجربة السابقة .
وقد شكلت فترة منتصف الثمانينيات تحولا اتصاليا تكنولوجيا هائلا اقترن بالمديات الواسعة للبث الفضائي للقنوات التلفزيونية ، وأصبحت الأقمار الصناعية تغطي العالم بأسرة وأنشئت المئات من القنوات الفضائية والتي أصبحت بمتناول المتلقي يختار منها ما يشاء ويترك ، وبدأ المتلقي ينفتح على الأخر مطلعا على حضاراته وآدابه وفنونه ، كل هذه الأسباب وغيرها فتحت الباب على مصراعيه أمام الحرب المعلوماتية الجديدة 0
أما فترة التسعينات فقد شهدت تنامي محاولات من نوع أخر ، محاولات دعاة الحداثة الذين نظروا إلى جلب المتلقي إلى داخل النص بوصفه ذاتا مؤثرة داخل النص لا متلقيا سلبيا فقط ، بل يستطيع إن يغير في بنية النص من خلال وجودة ، سواء كان مشاركا أو منظما أو مصوتا ، وهذه الدعوة لقيت رواجا في الأدب منذ السبعينات من خلال تنظيرات الناقد ألتفكيكي جاك دريدا ، أما في الفن التلفزيوني فلم نشهدها إلا في منتصف التسعينات ، اي جعل المتلقي جزءا من البرنامج التلفزيوني ، "وهي نقطة انطلاق التفاعلية التلفزيونية حيث نرى النجاح الجماهيري لأول شكل تفاعلي تلفزيوني - خط التاريخ Data line – فقد بدأ العرض في تموز – يوليو1999" (4)، وحث العرض المشاهدين الدخول إلى الانترنت من اجل التصويت- مجرم أو بريء- استجابة لتغطية التلفزيون لمحاكمة مجرم ، إن هذا البرنامج الذي قدمته قناة Nbc)) الأمريكية يعد البداية الأولى للبث التفاعلي التلفزيوني ، والذي جعل من المتلقي جزءاً لا يتجزأ من بنية العرض ، وهنا يركز الباحث على نقطة مهمة هي ، إن بداية التفاعلية التلفزيونية بالتأكيد هي في هذا التاريخ ومع برامج تلفزيون الواقع ، بالرغم من إن برامج تلفزيون الواقع سبقتها بعدة سنين اي مطلع التسعينات ، ولكن التسمية المتكاملة لبرامج تلفزيون الواقع اكتسبت كمالها مع انطلاق البث التفاعلي ، مما حدا بأحد منظري تلفزيون الواقع ومنتج البرنامج الواقعي(الأخ الأكبر)(Big Brather )الذي قدمته القناة الهولندية الأولى عام 1991 ثم قدم بأشكال متعددة في العشرات من الدول العالمية (غاري كارتر) أن يقول "يجب على العرض حتى ينطبق عليه تلفزيون الواقع أن يتضمن عنصر تفاعل الجمهور"(5) ، حتى عدت البرامج التفاعلية هي الحاضنة الأولى والأخيرة لبرامج تلفزيون الواقع ، ثم توالت البرامج التفاعلية مثل برامج المسابقات والتي ركزت على تصويت المتلقي من خلال البريد الالكتروني أو الهاتف ولكنها لم تأخذ كينونتها المتكاملة مثل برامج تلفزيون الواقع وبالنتيجة انصهرت في برامج تلفزيون الواقع ، ثم تطورت تفاعلية المتلقي في برامج تلفزيون الواقع ليخرج المتلقي من كونه مصوتا فقط إلى مغيرا للنتيجة كما في برنامج (المهمة المستحيلة ) والذي قدمته قناة FOX الأمريكية عام 1996 ، ثم شهد القرن الحادي والعشرون مرحلة أكثر أهمية للتفاعلية من خلال التصويت على اختيار النهايات والتحكم بالبنية الدرامية ، والحقيقة أن البرامج التفاعلية تنصهر في برامج تلفزيون الواقع وأن البحث في تحديد ماهية البرامج التفاعلية وأشكالها فضلا عن التراكيب الدرامية والدلالية العاملة فيها هو البحث في برامج تلفزيون الواقع والتي تعد مادتها المعروضة هي البرامج التفاعلية التلفزيونية ، فلا توجد برامج تفاعلية لها شكلها الخاص عدا برامج تلفزيون الواقع وبعض برامج المسابقات التي انصهرت مع برامج تلفزيون الواقع ، وهنا نجد سؤالا يطرح نفسه هو ، ما الداعي لذكر البرامج التفاعلية في عنوان الدراسة مادامت تصب في تلفزيون الواقع ، والإجابة هنا أن ذكر البرامج التفاعلية جاء لكون البرامج التفاعلية هي الحاضنة الرئيسية لبرامج تلفزيون الواقع والتي لا يمكن دراستها دون ذكر الحاضنة الأم التي هي البرامج التفاعلية ، فضلا عن سبب أخر مهم ألا وهو فك الاشتباك والخلط الكبير لدى المختصين بين البرامج التفاعلية وبرامج تلفزيون الواقع.
إن النوع الذي تم ذكره سابقا هو النوع الفني والجمالي للعرض التلفزيوني التفاعلي ، وهنالك نوع تقني أخر من التفاعلية التلفزيونية وقد تمظهر من خلال التلفزيون عالي التقنية( ITV ) والذي ينتج عنه التلفزيون التفاعلي ، والتفاعلية التلفزيونية التقنية توفر للمتلقي ومن خلال جهاز التحكم اليدوي للتلفزيون اختيار القنوات التي يريدها ، أو تأجيل مشاهدة برنامج ومشاهدته في إي وقت والطريقة لا تتطلب منك سوى استعراض قائمة الخيارات في التلفزيون التفاعلي ( (ITV لتختار أخبار المساء ، إلا انك لا تريد مشاهدة الإخبار أولا ، بل تريد إن تعرف ما إذا كان الجو المكفهر سيتحسن أم لا فما عليك إلا أن تنقر على خيار الطقس في القائمة ، وهذا الجانب التقني يبتعد كل البعد عن ماهية البحث المعنية بالبرامج التفاعلية التلفزيونية والبرامج المتماهية معها مثل برامج تلفزيون الواقع وتحديد تصنيفاتها وأبنيتها الدرامية والدلالية وجماليات الشكل الفني فيها 0
ولا تقتصر التفاعلية على هذه الأنواع المهمة التي بينها البحث بل انفتحت على كل مجالات الانفوميديا فتداخلت مع الألعاب الالكترونية التي نشاهدها على الحواسيب مع شبكة المعلومات الدولية وكذلك انفتحت التفاعلية على العلوم المختلفة وطرق دراستها 0
وقد شهد العقدين المنصرمين دعوات مناهضة لما تم طرحة .. تشتغل في تنظيرات بعد ما بعد الحداثة التي يدعي منظريها أنها أنهت حقبة ما بعد الحداثة الى غير رجعة ، ومن منظري هذه الطروحات الناقد الثقافي الانكليزي الن كيربي و الناقد والمفكر الأمريكي راؤول ايشلمان والأمريكي روبرت صاموئيل المحاضر في جامعة كاليفورنيا وآخرين في دول مختلفة ومن النقاد العرب العراقي الدكتور معن الطائي والفلسطينية الدكتورة أماني أبو رحمه في كتابهما المشترك الفضاءات القادمة الذي صدر عام 2011 عن دار أروقة للدراسات والنشر في القاهرة .
ويورد الدكتور معن الطائي وزميلته أماني أبو رحمة في كتابهما فصل بعنوان الآلية الزائفة وهو عبارة عن دراسة لطروحات السيد الن كيربي في التفاعلية التلفزيونية التي بينها في مقالته المنشورة في العدد) 58) من مجلة الفلسفة البريطانية بعنوان (ما وراء موت ما بعد الحداثية) عام 2006، يرى السيد ألن كيربي ، إن الحداثة التفاعلية حداثة زائفة لأنها " جعلت من فعل الفرد شرطاً ضرورياً للإنتاج الثقافي"(6) ، وهل جذب المتلقي إلى بنية الحدث يعد حداثة زائفة ، انه مسيرة سنين من التنظير الذي دعا إليه التفكيكي جاك دريدا وتنظيرات ما بعد الحداثة ونظريات التلقي بمختلف رجالاتها والتي توصلت بعد سنين من العمل الدؤوب وتسخير التكنولوجيا إلى إيجاد فسحة تفاعلية للمتلقي في بنية النص وكسر قدسية النص المنغلقة على ذات المؤلف سابقا والتي تجعل المتلقي ذاتا متأثرة فقط سواء بالتطهير الأرسطي أو غيره ، وكذلك يقول السيد كيربي "أما الأخ الكبير(ويقصد به برنامج الأخ الأكبر (Big Brather )الذي قدمته القناة الهولندية الأولى عام 1991 ) فهو نموذج مثالي لنصوص الحداثة الزائفة. فهو مثلا، لن يخرج إلى حيز الوجود إذا لم يتصل أحد من الجمهور للتصويت، وتبعا لذلك يصبح التصويت جزءاً من النصية المادية للبرنامج، بمعنى أن المتصلين من المشاهدين والمستمعين هم جزء من النصية المادية للبرنامج. وبالتأكيد فإن برنامج الأخ الكبير لن يكون إذا لم يتصل أحد بالبرنامج")7)، ومن الحداثة الزائفة في عمل يجعل من الجمهور جزءا منه فهم هنا جزءا مهيمنا وسائدا في بنية الصورة رغم عدم ظهورهم احيانا وهي مغايرة للمألوف التي تسعى لها ماوراء الحداثة ، ثم يعود السيد كيربي في كتابه ليقول " أن مصطلح التفاعلي (interactivity) غير مناسب هنا على الإطلاق لأنه لا يوجد تبادلية. كل ما هنالك هو أن المشاهد أو المستمع يدخل، ويكتب مقطعا من البرنامج، ثم يغادر عائدا إلى وضعه السلبي السابق "(8) ، وهذا الرأي للسيد كيربي يجافي الحقيقة لان المتلقي المشارك في بنية الحدث ايجابيا في فترة معينة يبقى متفاعلا حتى في فترة خروجه ، متفاعلا في التلقي فهو يتابع ماذا أضافت مشاركته ،هل غيرت في الأحداث هل غيرت في مستويات المشاركين ، ثم يبدأ بنسج مشاركة أخرى تتماهى مع التغيرات الجديدة ليدخل مرة أخرى مشاركا متفاعلا مؤثرا ومغيرا لسير الأحداث ، وهنا التفاعل يبقى ايجابيا على عكس الطرح السلبي للسيد كيربي .
وشهد العام 2009 تغيرات معرفية مهولة في أراء منظري بعد ما بعد الحداثة ، وعودة إلى السيد كيربي فقد نشر كتابه (الحداثية الرقمية: كيف فككت التكنولوجيا الجديدة ما بعد الحداثة وأعادت تشكيل الثقافة) والذي صدر عن دار كونتم للنشر ، فقد جاءت تصريحات مغايرة لما بينه في دراسته السابقة ، حيث نشر في كتابه مصطلح هو الحداثة الرقمية أو الحداثة الديجيتالية (digimodernism ) وقال عنها " أنها بالمحصلة تأثير حوسبة(رقمنة) كل أشكال الفن، والثقافة، والنصية، إنها أيضا حقل القوة الثقافية المهيمن منذ أوائل القرن الحادي والعشرين"(9) ، وهنا نلاحظ تغيرا كبيرا عن آراءه السابقة وبقراءة جديدة بأنها من تجليات بعد ما بعد الحداثة ، جيل الرقمنة والدجيتال وال (السي جي آي) في السينما ، وهذا الكلام ينافي كلام السيد كيربي السابق ،فضلا عن انه من تنظيرات ما بعد الحداثة منذ سبعينيات القرن المنصرم التي شهدت طروحات جاك دريدا ومن ثم فترة الثمانينيات التي شهدت تنظيرات الانكليزي بوبي رابيد في الرواية التفاعلية بعد إن نشر روايته على الفضاء الافتراضي وجعل للجمهور دورا في إعادة تشكيل معماريتها وصولا إلى فترة التسعينات الذي شهد التفاعلية التلفزيونية في بنية شكل تلفزيونية مغايرة لكل ما هو مألوف سابقا .
الحقيقة إن الموضوعة شائكة وتبادل الطروحات قائم على قدم وساق من اجل إيجاد تنظيرات تؤسس لحقبة قادمة لها مخرجاتها الأدبية والفنية تمتلك فرادتها على مستوى الشكل والسرد واللغة بمختلف تنوعاتها إلا وهي نظرية بعد ما بعد الحداثة وتمضهراتها الحياتية المختلفة.
المصادر:
1- صموئيل باري ، الطريق إلى ما بعد الحداثة ،ترجمة : ريفان السويسي ، القاهرة ، ، مجلة مرايا الثقافية ، 2007، العدد 4 ،ص 22.
2-صموئيل باري ، المصدر نفسه ،،ص 29.
3-مارك اندريجيفيك ، تلفزيون الواقع ، تر: أديب خضور ، دمشق ، المكتبة الإعلامية ، 2008، ص82 .
4-مارك اندريجيفيك ، المصدر نفسه ، ص26 .
5- أماني أبو رحمة ، معن الطائي ، الفضاءات القادمة : الطريق إلى بعد ما بعد الحداثة ، القاهرة ، مؤسسة أروقة والترجمة والنشر ، 2011.
6- أماني أبو رحمة ، معن الطائي ، الفضاءات القادمة : الطريق إلى بعد ما بعد الحداثة ، القاهرة ، مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر ، 2011 ، ص308.
7- أماني أبو رحمة ، معن الطائي ، المصدر نفسه ، ص ، ص308.
8- أماني أبو رحمة ، معن الطائي ، المصدر نفسه ، ص 309 .
9- أماني أبو رحمة ، معن الطائي ، المصدر نفسه ، ص 314 .
*الكلية التربوية المفتوحة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالأحد يونيو 15, 2014 4:58 am

مفهوم ما بعد الحداثة عند جون فرانسوا ليوتار

فرضت الأحداث الكبرى التى شهدها القرن العشرون تغيرات فكرية لمقولات كادت ان تكون ثابتة ومطلقة لا تقبل الشك في الفكر الإنساني – ولعل أبرز هذه التغيرات انهيار الفكر الشمولي ليؤكد بذلك عجز فكر اليقين والمطلق والكلي، وكذا بديهيات التيار المادي التاريخي في تفسير الواقع وتحليله – تشكلت في أثرها رؤى جديدة تعبر عن حركة ثقافية ظهرت مؤشراتها في تيار فكري جديد يشير إلى سقوط النظريات الكبرى ويشكك فيما هو يقين ومطلق ويرفض فكرة الحتمية التاريخية والطبيعية ويجادل في مسائل التقدم الإنساني.يضاف إلى ذلك أن الثورة المعرفية في مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات قد ساعدت في نقل الفكر من الحداثة إلى ما بعد الحداثة حيث الانتقال من حالة الإشباع المادي إلى حالة الإشباع المعنوي الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى الزعم بأن مشروع الحداثة قد وصل إلى نهايته و ما علينا إلا الانتقال إلى مرحلة جديدة وفكر جديد وهى مرحلة ما بعد الحداثة.” 1″

وتكمن الفكرة الأساسية لتيار ما بعد الحداثة فى الاعتقاد بأن أساليب العالم الغربي في الرؤى والمعرفة والتغير طرأ عليها في السنوات الأخيرة تغير جذري نجم في الأغلب عن التقدم الهائل في وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الجماهيري وتطور نظم المعلومات في العالم ككل مما ترتب عليه حدوث تغيرات في اقتصاديات العالم الغربي التي تعتمد على التصنيع وازدياد الميل إلى الانصراف عن هذا النمط من الحياة الاقتصادية وظهور مجتمع وثقافة من نوع جديد.” 2″

وعلى الرغم من ان ما بعد الحداثة تشخيص لكل ما يحدث حولنا إلا أنها لم تعطِ حتى الآن تعريفا، وترجع صعوبة وضع تحديد دقيق لكلمة ما بعد الحداثة إلى أنها تتولد عن معانٍ مختلفة تختلف باختلاف الفروع التي تدخل في نطاقها حيث ان أغلب ما كتب عن ما بعد الحداثة نبع من تواجد اختلاف معرفي عما تدعو إليه ما بعد الحـداثة أو ما تتعـهد به، فمـثلا نجـد أن هذا المصـطلح متطابق إلى حد كبير مع ما بعد البنيوية ونجده متعارضاً معها في أحيانا أخرى.

كذلك نجد أن المصطلح قد يستخدم فى أحيانا ثالثة بشكل نظري صارم ليصف المشهد الثقافي المعاصر” 3″ ، وما هو أسوأ أن مقتنعي ما بعد الحداثة ورموزها الفكريين لم يتفقوا حتى على تعبير ما بعد الحداثة نفسه، فالبعض مثل ” ليوتارد ” يفضل صيغة اكثر ايجابية وتحديدا لشرط ما بعد الحديث، بينما هناك من يراها منطقا ثقافيا للرأسمالية المتأخرة ” كجيمسون ” أو عصرا ثقافيا أخيرا في الغرب، كما يحاول البعض الآخر أن يتجنب مأزق التعرف. ” 4″

وفي ضوء ذلك يمكن القول بان مفهوم ما بعد الحداثة يعد أحد المفاهيم الحديثة التي دخلت في نطاق علم الاجتماع، ومن ثم يكون من المنطقي أن يدور جدل ونقاش حول تعريف المفهوم شانه في ذلك شان مفاهيم العلم، ولكن من غير المنطقى أن لا يتفق رموز و مفكري ما بعد الحداثة على التسمية وتعبير ما بعد الحداثة نفسه الأمر الذي قد يوجد بعض التضارب و التداخل في فهم ما بعد الحداثة.

إلا أن ذلك قد يكون مرده إلى اختلاف المجالات والتخصصات التي يدخل تحت نطاقها هذا المفهوم وما يترتب على ذلك من اختلاف تخصصات رواد ما بعد الحداثة ورموزه الفكريين، وتأكيدا لذلك فإن “مفهوم ما بعد الحداثة قد ساهم في صياغته مجموعة من المفكرين في مجالات شتى في النقد الأدبي والفن و العمارة والفلسفة والسياسية وعلم الاجتماع.”" 5″

وقبل الدخول في تناول مفهوم ما بعد الحداثة من خلال وجهات نظر مختلفة يتراءى للدراسة إلقاء الضوء على اللازمة أو المقطع “ما بعد” ، حيث تجدر الإشارة إلى أن لفظ “ما بعد” استخدم في أول الأمر فى الطبيعة ويعود استخدامه إلى أحد أتباع “أرسطو” و الذى وجد ضمن مؤلفاته مجموعة مقالات له تشتمل على ثلاثة مباحث كبرى وهي مبادئ المعرفة و الامور العامة للوجود والألوهية رأس الوجود وهي مباحث تقع بعد علم الطبيعة فأطلق عليها ما بعد الطبيعة.”6″

كما استخدم هذا المقطع ” ما بعد ” في العصر الحديث في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية باعتبار أن مصطلح ما بعد الحرب كان على كل الألسنه وفي كل الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية ومن هنا تمت استعارته إلى مجال الثقافة.

وفى ضوء ذلك يمكن القول بأن إضافة مقطع “ما بعد” إلى مفهوم الحداثة قد يفيد الترتيب الزمني كأن تقول ما بعد الكلاسيكية أو ما بعد الرومانسية أي بداية مرحلة زمنية جديدة، وكذلك تفيد الترتيب المكاني بمعنى وضعية شيء يأتي مكانيا بعد شيء آخر، ويرى البعض أن اللازمة “ما بعد” لا تتوقف عند العلاقة الزمنية بل تشير إلى ترك الإطار السابق عليها والانفصال عنه.

إلا أنها في حقيقة الأمر لابد أن تدل في ذات الوقت إلى جانب تلك القطيعة إلى نوع من استمرارية ما، أي استمرارية مع الحداثة إلى جانب الانفصال عنها.” 7″ ومن ثم فإن المقطع “ما بعد” في مصطلح ما بعد الحداثة يشير في آن واحد إلى الانفصال والاستمرار ومن ثم فإن درجة وصفها تتوقف على استخدام هذا الناقد أو ذاك.” 8″

ومعنى ذلك أن إضافة المقطع ما بعد إلى مصطلح الحداثة قد يشير إلى الاستمرارية مع الحداثة ولكنها ليست استمرارية تواصلية – بمعنى أن ما بعد الحداثة استكمال لمشروع الحداثة – بقدر كونها استمرارية من اجل القطيعة، فالاستمرارية مع الحداثة هنا ضرورة نابعة من أن فهم ما بعد الشيء يستوجب معه منطقيا فهم الشيء نفسه لتحديد موقف معين تجاهه.

وفي ظل هذه الاستمرارية مع الحداثة تتولد القطيعة والانفصال عنها، وبالرغم من ذلك كله فإن المقطع “ما بعد” يعد تأكيداً على تمايز ما بعد الحداثة على الحداثة باعتبارها مرحلة فكرية وثقافية جديدة مناهضة لمرحلة الحداثة، وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن المقطع “ما بعد” قد أفاد مصطلح ما بعد الحداثة في تحديد هويته واتجاهه تجاه تيار الحداثة.

وبناء على ما تقدم يمكن فهم ما بعد الحداثة من خلال وجهات نظر بعض رواده في محاولة للوقوف على اهم المبادئ التي يرتكز عليها تيار ما بعد الحداثة وذلك
على النحو التالى:
يعتبر” نيتشية” احد المصادر الرئيسية فى القرن التاسع عشر للأفكار التي تميز الوضع ما بعد الحداثي، فالنزعة النسبية الأخلاقية والمعرفية لعالم ما بعد الحداثة ونزعة الريبة “الشك” فى إمكان تمييز الصدق من الكذب الحقيقة من الزيف نجد نموذجها في فكر” نيتشه” العدمى جذريا” 9″ .

ويمكن القول أن فكر “نيتشه” هو فكر معادٍ للحداثة ويركز هجومه على فكرة الذات ويستند “نيتشه” في عدائه للحداثة على مبدأ العدمية وهو يعني انه لا قيمة للقيم، أي أن ما كُون فى العصور السالفة من مبادئ راسخة ثابتة ومثلا عليا سامية صارت مع مجئ الحداثة عدماً افقد القيم كل معنى أو حقيقة.” 10″

ومن ثم فإن تيار ما بعد الحداثة في ضوء ذلك يمكن وصفه بأنه عدمي وذلك لأنه ينكر الاحكام التعميمية على نطاق المجتمع ويدعو إلى هجر مصطلحات الحقيقة باعتبار انه لا يمكن الامساك بتلابيبها في أي مجال وكذلك ترك مصطلح الموضوعية لأن الذاتية هي التي تحكم مختلف المسارات، كما يفقد التاريخ في ضوء هذا الاتجاه شرعيته لأنه غالبا ليس إلا مجموعة من الكتابات الدعائية وهذا الاتجاه العدمي يدعو إلى الجزئي على حساب الكلي.” 11″

أما “ليوتار” فقد استخدم كلمة ما بعد الحداثة لدراسة وضع المعرفة في المجتمعات الاكثر تطورا مؤكدا أن وضع المعرفة يتغير بينما تدخل المجتمعات ما يعرف بعصر ما بعد الصناعة والثقافات ما يعرف بالعصر ما بعد الحداثي ” 12″.

وفي ضوء ذلك يؤكد “ليوتار” أن ما بعد الحداثة هي “التشكك إزاء الميتا حكاية هذا التشكيك بلا شك ناتج من التقدم في العلوم” ” 13″ ، وهذا يعني أن ما بعد الحداثة عند “ليوتار” تشير إلى نهاية الحكايات الكبرى أي نهاية المشاريع الاجتماعية الطموحة للحداثة والتأكيد على أن خطابات أو نظريات الحداثة المتجسدة في الليبرالية والماركسية والمستمدة من أفكار عصر التنوير عن العقل والتحرير الشامل للانسان والتقدم الخطى للتاريخ قد فقدت قيمتها التفسيرية، وأن ادعائها القدرة على المعرفة والتنبؤ ليس سوى وهم من أوهام التفكير الوضعي الذي ساد نهاية القرن التاسع عشر.” 14″

أما ” فردريك جيمسون” فانه يؤكد أن ما بعد الحداثة هي رد فعل لما قبلها، حيث يرى أن ما بعد الحداثة تتوحد برغم تعدد مجالاتها وأساليبها تحت شعار الرفض لما هو معترف به ومقنن”15 “.

كما أنه يرى أن كلمة ما بعد الحداثة تنطوي على مفهوم التمرحل والذي تكون مهمته منصبة على ربط بروز سمات شكلية جديدة في الثقافة ببروز سمات جديدة في الحياة الاجتماعية ونظام اقتصادي جديد بما يعرف غالبا حسب التعابير المطلقه بالمجتمع ما بعد الصناعي أو الاستهلاكي أو بالنظام الرأسمالي متعدد القوميات أو مجتمع وسائل الإعلام”16 “.

ويضيف “جيمسون” أن ما بعد الحداثة لا يمكن أن تفهم إلا في سياق رأسمالية أيامنا “الرأسمالية المتأخرة” لأنها أنقى شكل من أشكال رأس المال يظهر حتى الآن، حيث التوسع الضخم لرأس المال في مناطق لم تكن تعرف حتى الآن الاقتصاد السلعى ومن ثم يؤكد “جيمسون” أن ثقافة ما بعد الحداثة تتناسب مع سيطرة النزعة الاستهلاكية والطموح الاستهلاكى. ” 17″

و يرى “سكوت لاش” أن ما بعد الحداثة نمطاً فكرياً يمكن النظر إليه من خلال التركيز على ثلاث قضايا مترابطة ومتكاملة وهي:
• التغير الثقافي: حيث أكد إنه إذا كانت الحداثة تنظر إلى التمايز الثقافي أو الاختلاف بين الثقافات فإن ما بعد الحداثة تتناول بالتحليل عملية تعميق لتلك الاختلافات.

• النمط الثقافى: حيث يرى ان من خصائص ما بعد الحداثة خلق نظام جديد من الرموز الثقافية المتصلة بالجانب الفكري أكثر من اتصالها بالجانب الحسي.

• التدرج الاجتماعي: حيث يرى أن ما بعد الحداثة تؤسس انحطاطاً واضحاً ومفاجئاً للطبقات وكسر لها ولحواجزها” 18″ .

ويؤكد “لاش” أن حركة ما بعد الحداثة ترى على انها ثقافة المجتمع الرأسمالي ما بعد الصناعي حيث يتحدث “لاش” عن علاقة التوافق والتجاوب الإنتقائي بين ثقافة ما بعد الحداثة والمجتمع الرأسمالي المعاصر، حيث يشخص “لاش” الرأسمالية المعاصرة على أنها غير منظمة مقارنة بالرأسمالية المنظمة في أواخر قرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

ويؤكد “لاش” أن الرأسمالية غير المنظمة تتضمن معظم ملامح حركة ما بعد فورد، مشيراً إلى أنه فى ظل الرأسمالية تتفتت ثقافات ومجتمعات الطبقة العاملة ولا مركزية المدن والحركات الاجتماعية، فضلا عن أنها تساعد على ظهور بورجوازية ما بعد صناعية جديدة بأسسها المتواجدة في وسائل الإعلام والتعليم العالي والتمويل والإعلان، فمثلما كانت الحداثة هي ثقافة الرأسمالية المنظمة وطبقتها البورجوازية الحاكمة، فإن حركة ما بعد الحداثة هي ثقافة الرأسمالية غير المنظمة والطبقات الوسطى ما بعد الصناعية.” 19″

و يؤكد “جان بودريار” أن تيار ما بعد الحداثة هو عبارة عن تيار اجتماعي متكامل مختلف بكل مبادئه وتنظيماته عن الحداثة، مشيراً إلى نهاية فترة الحداثة التي كان يحكمها الانتاج والرأسمالية وظهور ما يسمى بفترة ما بعد الحداثة البعد صناعية والمتمثلة في أشكال بديلة للتكنولوجيا والثقافة.

حيث يوضح بأن هناك أشكالاً جديدة من التقنية والمعلومات كونت مراكزاً للفترة البينية والتحول من نظام منتج إلى نظام مستهلك، فعلى عكس المجتمع الحداثي الصناعي الذي كان الإنتاج فيه يمثل حجر الزاوية يتضح لنا أن “الزيف” يركب ويتحكم في الشئون الاجتماعية حيث أصبحت الصور الزائفة صور الافعال والأحداث – في المجتمع ما بعد الصناعي _ تمثل الحقيقة.” 20″

وبناء على ما سبق يمكن القول بان تيار ما بعد الحداثة يستند إلى مجموعة من المبادئ التي ينطلق منها في معالجته لمختلف القضايا وهي على النحو التالي:
1- العدمية: وتعني انعدام قيمة القيم في ظل الحداثة ومنجزاتها ونقد الذات وإنكار الحقيقة والموضوعية والتاريخ، ويمثل هذا المبدأ المنطق الداخلي لتيار ما بعد الحداثة.

2- التعامل مع مختلف القضايا من خلال اللغة، حيث تتركز تحليلات ما بعد الحداثة على الخطاب وهذا يعني أن تحليل النصوص أو تفكيكها قد أصبح يحظى بالمكانة الأولى في الجهد النظري لمفكري ما بعد الحداثة.”21 ” ومن ثم يمكن القول بأن اتخاذ الخطاب كوحدة للتحليل قد يظهر معه انصراف مفكري ما بعد الحداثة عن تحليل الواقع أو المضامين الملموسة للحقائق، وذلك نظراً لأن الخطاب قد لا يعطي صورة حقيقية عن الواقع.

3- سعت حركة ما بعد الحداثة إلى تحطيم الأنساق الفكرية الكبرى المغلقة والتي عادة ما تأخذ شكل الايديولوجيات، على أساس زعمها تقديم تفسير كلي للظواهر، كما أنها انطلقت من حتمية وهمية لا أساس لها. ” 22″

4- ترفض حركة ما بعد الحداثة كل عمليات التمثيل سواء أخذت شكل الإنابة بمعنى أن شخصا يمثل الآخرين أو التشابه وذلك حين يزعم المصور أنه يحاكي في لوحته ما يراه في الواقع.”23 ”

انطلاقا مما سبق يمكن النظر إلى ما بعد الحداثة باعتبارها “حالة حضارية تهدف إلى خلق نمط ثقافي ومعرفي يتعارض مع الحداثة، له سمات وخصائص تمجد عدم التحديد واللامعنى والتعددية والاختلاف والنسبية فى النظر إلى الواقع ويعلي من قيمة الثقافة والمعرفة في توجية المجتمع الانساني” وهذا يعني أنها مرحلة من مراحل تطور المجتمعات تلي الحداثة وتهدف إلى “خلق نمط ثقافي و معرفي” بمعنى أنها تهدف – في ضوء منطق التحولات الذي افرزها- إلى إعادة هيكلة البنية الموجودة داخل مستويات الوجود الانساني.

كما أن هذا النمط يرفض الأطر النظرية والمنهجية للحداثة ومدلولاتها الواقعية، ويتسم بسمات مغايرة للنمط الحداثي تجسد رؤيته عن الواقع، وتخلق له رؤية تتماشى مع تأثير المعطيات الواقعية الجديدة على الحياة الاجتماعية والمتجسدة في الاعتماد على التكنولوجيا وطغيان وسائل الإعلام و الاتصال على الواقع.

_______________________

المراجع
1″ أحمد مجدي حجازي، النظرية الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحداثة، قضايا فكرية، اكتوبر/1999، مرجع سابق ، صـ295.
2″ أحمد زايد، البحث عن ما بعد الحداثة ، مجلة العربي ، العدد506 ، صـ18.
3″ Paul Cilliers، complexity and postmodernism : Understanding complex systems ، London and New York، Routledge p.113.
4″ مي غضوب، ما بعد الحداثة: العرب في لقطة فيديو ، الساقي ، 1992 ، صـ20 .
5″ أحمد مجدي حجازي، النظرية الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحداثة، مرجع سابق ، صـ295.
6″ مراد وهبه، ما بعد الحداثة والأصولية، ابداع العد 11 ، 1992 ، صـ35.
7″ مجدي عبد الحافظ، بين الحداثة وما بعدها، قضايا فكرية، اكتوبر/1999،مرجع سابق، صـ270.
8″ عصام عبد الله، اليوتوبيا وما بعد الحداثة، قضايا فكرية ، اكتوبر/1999، مرجع سابق ، صـ355.
9″ ديفيد هوكس، الإيديولوجية، ترجمة: إبراهيم فتحي، المجلس الأعلى للثقافة، العدد159، 2000، صـ 127.
10″ محمد الشيخ وياسر الطائر، مقاربات بين الحداثة وما بعد الحداثة ، مرجع سابق ، صـ14.
11″ السيد ياسين، مختارات:حوار الحضارات تفاعل الغرب الكوني مع الشرق المنفرد، مرجع سابق ، صـ67.
12″ جان فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثى: تقرير عن حالة المعرفة ، ترجمة: أحمد حسان ، القاهرة، دار شرقيات ،1994 ، صـ40.
13″ Paul Cilliers ، op ،cit ،p116.
14″ كامل شياع، فى ثقافة ما بعد الحداثة وسياستها ، قضايا فكرية ، اكتوبر/1999، مرجع سابق ، صـ319.
15 ” فردريك جيمسون، ما بعد الحداثة الاستطيقا والسياسة، ترجمة: ماجي عوض الله ، إبداع، العدد 11/نوفمبر 1992، صـ44.
16 ” فردريك جيمسوني، ما بعد الحداثة ومجتمع الاستهلاك ، ترجمة :عابد إسماعيل، نقلاً عن http://www.nizwa.com/volume41/p78_84.htm-58k
17 ” اليكس كالينكوسي، رسم الخط الفاصل: قراءة فى كتاب فردريك جيمسون ما بعد الحداثة ، ترجمة : بشير السباعى، إبداع ، العدد 11/ نوفمبر، 1992 ، صـ50 .
18 ” Scott. Lash ، sociology of postmodernism ، London and New York، Routledge،1990. px1.
19 ” Krishan. Kumar، from post-industrial to post-modern society : new theories of the contemporary world، London and New York، Black-well ،1995 ،p138.
20 ” Jahn. Hassard، Sociology and organization Theory : positivism، paradigms and postmodernism ، Cambridge ، university press، p127.
21 ” يوسف سلامة، نقد ما بعد الحداثة :الحضارة بين الحوار والصراع في عصر ما بعد الحداثة، الآداب ، العدد 3/4 ، 2000، صـ18.
22 ” السيد ياسين. الحداثة وما بعد الحداثة في محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالى، نصوص مختارة :الحداثة ، الدار البيضاء ، دار توبقال ، 1996م ، صـ120.
23 ” المصدر نفسه، صـ123.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس يونيو 19, 2014 2:05 pm


أثر "ما بعد الحداثة" في التعليم
نظرة عامة

ورقة مقدمة للقاء الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)
اللقاء السنوي 1424
الرياض

د. راشــد بن حسين العبد الكريم
وزارة المعارف

أثر "ما بعد الحداثة" في التعليم
د. راشد بن حسين العبد الكريم
ملخص
تهدف هذه الورقة إلى التعرف على القواعد الأساسية التي قام عليها توجه ما بعد الحداثة، حيث تعرضت إلى قضيتين أساسيتين قام عليهما التوجه ما بعد الحداثي. الأولى نفي الحقيقة المطلقة على المستوى الأنتولوجي، والثانية نفي الموضوعية والعقلانية على المستوى الإبستيمولوجي. هاتان القاعدتان ـ وما تفرع عنهما من قواعد ـ كان لهما أثر كبير على عناصر العملية التعليمية وعلى نظرية التعلم، حيث تغير دور المعلم من ناقل للمعلومات ومصدر لها إلى مهيئ لبيئة التعلم، وتحول دور الطالب من متلق إلى منتج وصانع للمعرفة. كذلك تغيرت طريقة التدريس من طريقة مباشرة تتمحور حول المعلم إلى طريقة الحوار والاستكشاف الذي يكون فيه للطالب الدور الأساس، محاولا فهم ما حوله ثم فهم نفسه. أيضا ازداد الاهتمام بالدور الاجتماعي في صنع المعرفة، مما أعطى الحقيقة بعدا نسبيا.

تمهيد
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والحمد لله الذي أضاء بنور الوحي عقولنا، فصارت بهداه نورا يضيء لنا الطريق، ويهدينا إلى خالقنا، ويزيدنا خضوعا له وعبودية نشرف بها على كثير من خلقه. وصلى الله وسلم على نبيه محمد الذي بلغ رسالة ربه رحمة للعالمين وهداية للمتقين.
منذ أن بدأ الإنسان الإعراض عن دين الله وهو يتخبط في دروب الفكر لاهثا في البحث عن حياة سعيدة، حياة ينشد فيها الكمال، كما يراه هو. فعقله، بطبعه، تواق إلى اكتشاف الغامض وارتياد المجهول ونزاع إلى البحث والربط بين الظواهر والبحث عن الأسباب والإبداع والابتكار. هذه خصائص وضعها الله في العقل الإنساني لتستمر وتزدهر و لتنموا الحياة على هذه الأرض، ولتقود المؤمنين للتفكر في ملكوت الله.
وذلك العقل في الوقت نفسه فتنة! فتنة بما فيه من قدرات ورغبة في الانطلاق. فبعض العقول تتصور أنها قادرة على الانطلاق بلا حدود، بل يجب أن لا يكون هناك حدود. ولم يكتشف العقل تلك الحقيقة البدهية وهي أنه على سعيه وكدحه فإنه يعود من حيث بدأ. فهو كلما اكتشف شيئا وظن أنه قارب النهاية، تبين له أن ما اكتشفه إنما هو دليل آخر على محدوديته وأنه ما أوتي من العلم إلا قليلا. لكن هل هذا يجعله يتواضع ويستسلم؟ طبيعة العقل تأبى ذلك! إلا إذا خالطها خضوع الإيمان الذي يلطف من حدة ثورانها. عند ذلك تسكن إلى ربها وخالقها وتسبحه شاهدة بعظمته.. التي من آياتها عجز هذا العقل، رغم ثورته، وانقلابه إلى صاحبه حسيرا حينا بعد حين.
وهذه الورقة سوف تتعرض لاتجاه فلسفي كان له أثر في مناح شتى من الحياة، وهو الاتجاه ما بعد الحداثي. وسوف تقتصر هذه الورقة على عرض مجمل لأصول هذا الاتجاه، وبيان أثر تلك الأصول على العناصر الأساسية للتربية. وسوف تكتفي هذه الورقة بالوصف دون الدخول في مناقشة تلك الأصول أو ما تبعها من آثار.

ما بعد الحداثة: نظرة عامة
ما بعد الحداثة تيار فكري نشأ في الأصل وفي كثير من جوانبه ردة فعل لـ "الحداثة". وما بعد الحداثة من التنوع والتدرج بحيث يصعب إيجاد تعريف دقيق لها . وتكاد تجمع المراجع على عدم إعطاء تعريف لـ "ما بعد الحداثة" لصعوبة تعريفها ، وبدلا من ذلك تقوم بتوصيف هذا المذهب ، وذلك بمقارنته بنقيضة "الحداثة". فلكي يتضح مفهوم ما بعد الحداثة فلا بد من مقارنته بمفهوم الحداثة.
والسبب في ذلك أن ما بعد الحداثة مفهوم فضفاض وغامض ، فهناك صور متعددة من ما بعد الحداثة. فهي تتدرج من الموقف الرافض للغلو العقلاني الوضعي ورفض الاضطهاد الذي تمارسه الثقافة الغربية بآيديولوجيتها العلمية إلى أن تصل إلى ما بعد الحداثة المتطرفة الثورية العدمية العبثية التي تدعو للثورة على العقل والعقلانية من أساسهما وتصل إلى التشكيك حتى في البدهيات. مما حدا بأنصارها إلى الكف عن توضيح ما هي "مابعد الحداثة" والإنصراف بدلا من ذلك إلى توضيح ما ترفضه ما بعد الحداثة .
ولكن باختصار يمكن أن تعرف الحداثة بأنها اتجاه فكري، يضم خليطا من التيارات، يجمعها رفض الأسس الأنتولوجية (أي الخاصة بطبيعة الوجود) والمعرفية والمنهجية التي قامت عليها الحداثة أو على الأقل يجعلها محل شك.
ظهر مفهوم ما بعد الحداثة بشكل واضح في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، في كتاب الفيلسوف الفرنسي ليوتارد، (علم ما بعد الحداثة) وعنى بها التعددية الثقافية وتعدد أنماط الحياة .
أسباب ظهور ما بعد الحداثة
من المسلم به أن التحولات التاريخية الكبرى، خاصة الفكرية، لا يمكن أن تكون نتيجة لسبب واحد بل عادة ما تحدث بسبب عوامل متعددة ومتداخلة، لكن يكون من بينها غالبا عوامل أساسية وبارزة التأثير.
ويرجع كثير من الباحثين أصول هذا المذهب الأولية إلى الفيلسوف الألماني الملحد نيتشه ، الذي نادى بموت الإله ، بمعنى موت الاعتقاد بالإله . وكان شكاكا بدرجة مفرطة، فلم يكتف فقط بأن أنكر أن يكون ما لدينا من معلومات صحيحا، بل أنكر أن يكون هناك طريقة للوصول للحقيقة أصلا. فهو لا يشكك فيما لدينا من وسائل للمعرفة بل ينكر أن يكون هناك أمكانية للوصول لحقائق الأمور بتاتا. وقد حمل نيتشه على (المطلق) ونادى بأن كل العلوم إنما هي اعتقادات ونظرات خاصة ينشؤها كل لنفسه. والمسألة لا تعدو أن تكون منظورات (وجهات نظر) مختلفة، وليس لأحد الحق، والحالة هذه، بأن يقرر أن رأيا أصوب من الآخر. فالحياة إذن عبث . وقد انتهى به الحال إلى الانهيار العقلي.
وقد سار على خطى نيتشه متأثرا به الفيلسوف الفرنسي مابعد الحداثي ميشيل فوكو، الذي يعتبر من أعمق المفكرين المعاصرين أثرا في الفكر ما بعد الحداثي، والذي نادى بموت الإنسان ، واتخذ موقفا معاديا للحداثة، من خلال نقد أحادي النظرة يغفل الجوانب الإيجابية. وسعى لبناء منظور جديد للمجتمع والمعرفة والخطاب والسلطة والعلاقة بينها، مما جعله مصدرا أساسيا للفكر ما بعد الحداثي . فقد بحث فوكو العلاقة بين السلطة والحقيقة والمعرفة، وقال بأن المعرفة أثر من آثار السلطة وتتكون بتفاعل اللغة السلطة والمعنى. (سلاتري، 1995).
ويذكر كثير من الباحثين سببين رئيسين لظهور هذا التيار.
تطور العلم
قد أثبتت البحوث العلمية ـ التي كانت سلاح الحداثة الأكبر ـ بكشوفاتها الهائلة يوما بعد يوم ضآلة ما يعرفه العقل البشري بالنسبة لما لا يعرفه. وأكدت تلك الاكتشافات بشكل غير مباشر محدودية عقل الإنسان، وأنه ليس كما كان يتصور الحداثيون أنه هو "الإله"، بل أكدت على أنه مخلوق صغير رغم كل قدراته الهائلة. بل إنه يعتريه الضعف والنقص كغيره من المخلوقات، إلى درجة قد لا يوثق فيها بحكمه في بعض الأحيان. فاختلت النظرة إلى قدرة العقل الذي هو مصدر المعرفة المطلق لدى التيار الحداثي، أو كما قال بعض الباحثين، قامت الحداثة على العقل لكنها هي التي دمرت العقل . فالاكتشافات العلمية، خصوصا بعد اكتشاف مبدأ اللا يقين والفيزيا الكمية، بينت بطلان الأوهام التي حيكت عن قدرة العقل والعلم وفندت حتميات القرنين التاسع عشر والعشرين .
"نجم عن تدمير الصورة النيوتونية [الميكانيكية] للعالم شيء من التواضع [العقلي] وانتعشت الميتافيزيقيا وازداد الاهتمام باللامعقول ولم يعد العلم بسيطا … وقد كشف النقاب عن كون غامض مقدر لجزء منه أن يبقى غامضا، كما وقذفنا بأحجيات لا يستطيع العلم حل ألغازها داخل أعمق أعماق الحقيقة. وهكذا أصبح العلماء أكثر تواضعا. وأخذوا يتحدثون عن الكون الغامض بدلا من حديثهم عن التقدم نحو المعرفة الكاملة" .
ولذا ترى ما بعد الحداثة أن العلم محدود وأنه تسبب في شقاء البشرية وأن "العلمية" وظفت آيديولوجيا لسيطرة الثقافة الغربية على الثقافات الأخرى. وهذا قد يكون صحيحا لكن لا يعني هذا أن يبخس العلم حقه فالعلم شيء وسوء تطبيقة أو أدلجته شيء آخر.
هذا بالإضافة إلى ما لطخ به العلم من أوضار السياسة وتوجيهات السلطة، فينفي هابرماس وجود حياد أو صفاء علمي، فالعلم في سياق العقلانية التقنية الحداثية تحايثه حسابات السياسة أي إرادة السلطة، بالمفهوم النيتشوي، وهو ما يتطلب نقد الوضعية والتيارات المعجبة بالعلم والنزعة التقنية، فهذه كلها تعبيرات متنوعة للآيديولوجيا المكونة للحداثة التقنية .
ومن هذا نشأ تيار "ما بعد الحداثة". فالعلم ـ كما يقول بعض أنصار "ما بعد الحداثة" ـ الذي هو عماد الحداثة، هو الذي هدم الحداثة و قاد إلى "ما بعد الحداثة". ففقد الثقة بالعلم قاد إلى ردة فعل تجاه الفلسفة التي كانت قائمة عليه.
فقد الثقة بقضية التقدم
مر الغرب بأزمات في القرن والعشرين وحروب بينت بطلان ما كانت تبشر به الحداثة من المستقبل الزاهر والتقدم الموعود. فبعد الحرب العالمية الأولى خرج الغرب محطما ومتهالكا، وفاقدا الثقة بعقيدة التقدم ، يقول وليم إنج "لقد كان الإيمان بالتقدم هو القوة المحركة للغرب طوال ما يقارب المائة والخمسين عاما، ولقد انتهى الغرب أخيرا إلى إدراك عبثية ذلك الإيمان وعقمه" . على النقيض من نظرة الحداثة المتفائلة بمستقبل البشرية، تنظر ما بعد الحداثة بكثير من التشاؤم إلى المستقبل الذي تسير إليه البشرية في ظل النظرة الحداثية، فترى أنها جرت عليها من الويلات أكثر مما أفادتها.
يقول جارودي واصفا الوضع الذي آل إليه وهم التقدم الحداثي:
وتهاوت أوهام كثيرة، وهم رخاء الرأسماليه الذى لا حدود له، وهم الديموقراطية التي كان يتصورها الناس على أنها (جمهوريه الذوات الواعية ) وتصوروا وجودها يسمو على صالح الأفراد والجماعات، ... وأوهام فلسفيه اخرى تقابل تلك الأوهام التاريخية: وهم المثالية الطيبة التي تصور العالم على انه عالم شفاف ينعم بوجود عقل خالق ومنظم له . هذه النزعات التلفيقية ذات النغمة الطيبه في عالم وجدت جميع المشاكل فيه حلا لها من خلال التأليفات الروحيه واجهت فجأة امتحانا قاسيا في قلب الحياة نفسها وبتأثير الأفكار التي إنبعثت من هذه الحياة وشاهدنا في بحر سنوات معدودات ان الفلسفات التي كان قد كتبت لها السياده الكامله حتى ذلك الحين – على الأقل في الجامعات – قد جرفها الطوفان وانقلبت الليبراليه العقليه إلى إتجاه عدمي فاشى وتحول المذهب التفاؤلي الى وجوديه مأساويه .
تقوم ما بعد الحداثة على قضيتين أساسيتين. الأولى على المستوى الأنتولوجي (أي ما يتعلق بطبيعة الوجود)، والثانية ابستمولوجية (أي نظرية المعرفة).
والقضية الأولى والأساسية التي تقوم عليها " ما بعد لحداثة" هي أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، أي حقيقة صادقة في ذاتها، بل إن الحقائق يصنعها المجتمع بجوانبه الثقافية المتعددة لأفراده. فليس هناك "حقيقة" يجب أن يقر بها الجميع، وليس هناك حق مطلق، بل الحقيقة تصنع عن طريق اللغة وفي داخل ذهن الإنسان لوحده. وبالتالي فما يقال عن التقدم أو التطور الذي رافق "الحداثة" أو الذي تدعو إليه ليس إلا خرافة، وما يقال عن قدرة العقل على "اكتشاف" الحقيقة إنما هو وهم. فالحقيقة لا تكتشف، لأنه ما ثم حقيقة أصلا، وإنما الحقيقة "تخلق" ولا تكتشف، فالإنسان هو الذي يخلق حقائقه. "فأفكارنا ليست انعكاسا للواقع بل قراءة له، وهي قراءة تتخذ صيغا أسطورية وإيديولوجية ودينية ونظرية، وكل منظومة معتقدية تعتقد أنها تمتلك الحقيقة وتميل إلى اعتبار كل ما يناقضها ويخالف حقيقتها أكذوبة أو خطأ. إن فكرة الحقيقة هي المنبع الأكبر للخطأ، والخطأ الأساسي يقوم في التملك الوحيد الجانب للحقيقة ". ولذلك كان من السمات الرئيسة لما بعد الحداثة التأكيد على أن زمن بناء التصورات العامة حول العالم أو السرديات الكبرى meta-narratives قد انتهى وأن عصر إنشاء النظريات الكلية وبناء الأنساق الجامعة قد تولى، خاصة بعد أن ظهر الطابع التسلطي الهيمني لهذه النظريات وتبدت "إراد القوة" التي تسيرها .
فليس هناك حقيقة مطلقة، بل المعارف بنى اجتماعية يبنيها الإنسان، وهي حقيقة بالنسبة له. فالإنسان أسير ثقافته، وهي التي تحدد له "حقائقه"، ولذلك ففرض تلك "الحقائق" على ثقافات أخرى تسلط وظلم، مهما قيل عن وجود دليل "عقلي" يسندها.
ففي النظرة ما بعد الحداثية ليس هناك ذاتا أو حقيقة للفرد يبقى ملتزما بها وصادقا لها، بل هوية الفرد دائمة التبدل والتشكل وتغير توجهها تبعا للتغير الدائم لعلاقاته .
وتفرع عن هذا أصل آخر وهو التعددية multiplicity ، فما دام أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، بل الكل حقائق نسبية، فلا بد من قبول التفسيرات المتغايرة، والمتناقضة أحيانا، للحقيقة. فالتعددية وتنوع التفسير والتصور أمر مقبول بل مرغب فيه في التوجه ما بعد الحداثي.
القضية الأساسية الثانية التي تقوم عليها مابعد الحداثة قضية إبستمولوجية (أي تتعلق بطبيعة المعرفة، أو العلاقة بين الشيء المعروف وبين العارف أو الباحث)، وهي أنه ليس من الممكن الفصل بين الملاحِظ والشيء الملاحَظ، أو بين الباحث والمبحوث. فالحقيقة إنما هي تصورنا أو إدراكنا للحقيقة في سياق ذاتي واجتماعي محدد.
يتساءل ما بعد الحداثيين: كيف نعرف أن الصورة التي في أذهاننا مطابقة للواقع الخارجي؟ لا يمكن هذا، على ما يرون، إلا بأن يقف الإنسان خارج نفسه ويقارن بين ما في ذهنه وما في الواقع الخارجي. وحيث أن هذا غير ممكن فليس لدينا طريقة لتأكد من أن هذه المطابقة دقيقة. فليس لدينا إلا الشك.
فالنظرية ما بعد الحداثية ترفض المعادلة الحداثية القائلة بالعقل والحرية، وتسعى إلى بيان الإشكالية في الصيغ الحداثية للعقلانية بوصفها عامل اختزال وإلغاء وقهر . وحيث تميل الحداثة إلى النظر للمعرفة والحقيقة على أنهما محايدتان وموضوعياتان وتأخذان صبغة العالمية والعموم وهما وسيلة للتقدم والتحرر يحللهما فلاسفة ما بعد الحداثة على أنهما عناصر متداخلة للسلطة والهيمنة .
هذا هو أحد الأسباب التي دعت مابعد الحداثة إلى القول بأن الموضوعية التجريبية العلمية غير موجودة. فطرحوا موضوع الإدراك، كيف ندرك الواقع، وهل إحساسنا وإدراكنا يعكس الواقع الخارجي أم لا؟ ما بعد الحداثيين يزعمون أنه لا يعكس، ويستدلون بأن الناس يرون الشيء نفسه بطريقة مختلفة. ويرجعون هذا الاختلاف إلى الثقافة بمفهومها العام .
ويطيل ما بعد الحداثيون الكلام حول اللغة وأثرها على تفكير الإنسان. ويرون أن الدراسات تؤيد انتقاداتهم لنظرة الحداثة للعقل والحرية. وكثير من فرضيات ما بعد الحداثة تصدر من حقل علم اللغة (اللغويات) الذي يبدو غامضا في كثير من الأحيان.
يرى ما بعد الحداثيون أنه ليس هناك ذات مستقلة عن حقيقتنا الاجتماعية. فالثقافة والمجتمع يصنعان (وبتعبير ما بعد الحداثيين: يخلقان) الأفراد كما يخلقان أفكارهم واتجاهاتهم. ومن طرق صياغة المجتمع للأفراد اللغة.
يشير ما بعد الحداثيين إلى أن الإنسان يتفاعل دائما مع الحقيقة من خلال اللغة. فكل النشاطات العقلية، كما يزعمون، قائمة على اللغة، فنحن نفكر من خلال الكلمات ونتواصل من خلال الكلمات. والناس مرتبطون بالحقيقة من خلال الأسماء التي يعطونها لإدراكاتهم وأفكارهم. وهذه الأسماء، التي هي عبارة عن كلمات، تطلق بشكل عشوائي (أو اتفاقي) من المجتمع. وكلما ازداد أفكارنا تجريدا، وغالبا ازدادت أهمية، كلما ازددنا اعتمادا على الكلمات لإعطاء المعاني. فإذا كانت اللغة هي طريقة الناس للارتباط بالواقع فلابد إذن أن نفهم طبيعة اللغة.
وليست المشكلة فقط في الاختلاف بين الثقافات، بل إن المشكلة في داخل الثقافة الواحدة: في اللغة نفسها. إننا نفهم الطبيعة أو ما حولنا من خلال إطار اللغة التي نتحدثها. وحيث أن للغة منطق قائم على أسلوب التركيب فليس لدينا طريقة لمعرفة إلى أي مدى تؤثر لغتنا في إدراكنا. فنحن نسمي أشياء نراها في الطبيعة (أسبابا) ونسمي أخرى (نتائج) لكن من أين لنا أن نتحقق من أن تلك الأشياء أسباب أو نتائج، أم أننا فقط أطلقنا تلك الكلمات بطريقة اتفاقية (عشوائية) على أشياء يمكن أن ينظر لها بطريقة مختلفة. فيزعم أنصار ما بعد الحداثة أنه ليس هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت قوانين اللغة هي نفس القوانين التي تحكم الواقع.
وفي الجملة، فمذهب ما بعد الحداثة يعتمد كثيرا على اللغة في طرحه لأفكاره، فمادامت اللغة غير قادرة على أداء المعنى، وما دام النص يمكن تفسيره بعدة تفسيرات وليس هناك مرجع معتمد لترجيح معنى على لآخر، وحتى لو حاولنا هذا الترجيح فسيكون عن طريق اللغة نفسها. وما دامت الحقيقة هي ما تؤديه هذه اللغة، واللغة يبنيها المجتمع، فليس هناك إذن حقيقة مطلقة. فما بعد الحداثة تتركنا غرقى في الشك، محاصرين بما أسموه "سجن اللغة". فالواقع ـ بالنسبة لهم ـ تبنيه أو تعرفه الثقافة واللغة ولا يكتشف بالعقل والملاحظة.
فا"لإنسان" بالنسبة لهم لا يولد، بل يحدد ويعرّف بواسطة مجتمعه وثقافته. والإجماع الثقافي يحدد ويعرف الواقع. والإنسان يذوب في البنى الاجتماعية التي تحتم كل شيء .
هذه هي الملامح الأساسية لما بعد الحداثة، تداخلت في تكوينها تيارات فكرية متنوعة، لكنها تلتقي عند إعادة النظر في مفهوم العقلانية والموضوعية.
فما بعد الحداثة تقوم على الذاتية مقابل الموضوعية، والتعددية مقابل الوحدة، وتنحو منحى التشاؤم والانكفاء على الذات والذوبان في المجتمع، مقابل التفاؤل والفردية وتحقيق الذات.
وكما تغلغلت الحداثة في شتى مناحي الفكر والحياة فكذلك فعلت ما بعد الحداثة، حيث صار لها أثر في الأدب والفكر والفن والاجتماع وفي فلسفة العلم ذاته.
إذن، فمذهب ما بعد الحداثة يقوم في الجملة على فرضية أساسية، وهي أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، أي ليس هناك حقيقة واقعية في خارج ذهن الإنسان، توجد بذاتها سواء آمنا بها أم لم نؤمن بها، وإنما كل إنسان تنبني داخله الحقائق بفعل ثقافته ولغته، ويحكم على ما يراه أو يقرأه بطريقة تفكيكية بحيث لا يكون لرأي الكاتب أي أثر على المعاني التي يراها أمامه. فالحقيقة عندهم بنية ثقافية. والإنسان لا يمكن له أن يتخلص من ذاتيته وليس لديه أصلا القدرة على الحكم الموضوعي بسبب ارتباط فكره بلغته.
وبناء على هذا فكل الحقائق التي تتكون لدى الناس متساوية، وليس من حق أي إنسان أن ينتقد حقائق ثقافة أخرى، وليس من حقه أن يقول إن ما لدي هو الحق وما سواه باطل.
ما بعد الحداثة والتعليم
بالرغم من النقد الكثير الذي وجهته التيارات ما بعد الحداثية للحداثة في مجال التعليم، إلا أنها لم تطرح فلسفة تربوية شاملة إلى الآن . فأثر ما بعد الحداثة على التعليم كبير وإن كان غير واضح المعالم .
انتقدت ما بعد الحداثة مبالغة الحداثة في تقدير العقل وتمجيده، كما انتقدت التركيز على العلم والمواد العلمية والمنهج العلمي. وأنكرت أن يكون هناك حقيقة مطلقه قائمة خارج الذهن، وشككت في أن يكون العقل قادرا على الحكم الموضوعي. وإنما العقل يبني الحقيقة، ولا يكتشفها، كما تقول الحداثة، والعقل نفسه تبنيه الثقافة السائدة في المجتمع.
هذه النظرة إلى الحقيقة انعكست على النظر إلى المعرفة، فالمعرفة في المنظور المابعد حداثي تبنى في سياق ثقافي، ومهمة التدريس النقدي critical pedagogy هي أن تجعل الطلاب يتفحصون القيم والفرضيات والآيديولوجيات والمصالح المنعكسة في المعرفة، ليقوموا بإنتاج المعرفة بدلا من بقائهم مستقبلين غير ناقدين . وهذا يتم فيما يسميه التربوي النقدي بول فريري بتربية إثارة الأسئلة، مقابل ما أسماه تربية الإيداع banking education ، التي تعتمد على ترحيل المعلومات.
النظرة ما بعد الحداثية أثرت على عناصر العملية التربوية كافة. المعلم، والمنهج، وطرق التدريس والطالب.
المعلم
ما بعد الحداثة ترى أن مهمة المعلم ليست ـ بل وليس من حقه ـ أن يقوم بنقل الحقائق كما يراها هو إلى ذهن الطالب، بل يساعده في بناء حقائقه الخاصة التي يشكلها مجتمعه وثقافته.
الطالب
ما بعد الحداثة تؤكد على أن الطالب يجب أن يتعلم أن لا يعتمد على الموضوعية التي تزعمها الحداثة . وقد كان لما بعد الحداثة أثر على طبيعة العلاقة بين الطالب والمعلم، فحيث لم يعد ينظر للمعلم على أنه الخبير الذي يزود الطالب بالمعلومات، صار هناك تركيز على التفاعل الفردي بين الطالب و"المعلم" والاستكشاف المشترك .
المنهج
في النظرة ما بعد الحداثية يجب أن يتكيف المنهج مع الطلاب، بحيث يتناسب المحتوى والمهارات مع الطلاب وحاجاتهم. فهدف المنهج أن يكون تحويليا Transformative، بحيث يمكن الطالب أن يتفحص ويدرك العالم من حوله أولا ثم يفهم نفسه بشكل أكبر. ولذا فالأنشطة التعلمية ليست مخططا لها مسبقا، إنما تتقرر بناء على رغبات الطلاب وعلى الطرائق التي يتم بها الفهم في أذهان الطلاب. فالمنهج في النظرة ما بعد الحداثية يهتم بالطريقة التي يبني بها الطلاب المعرفة من منظورات مختلفة، بأساليب تعلمية متنوعة وذكاءات متعددة، لا تعتمد فقط على الذكاء التقليدي الرياضي المنطقي .
ويبتعد المنهج ما بعد الحداثي عن النظرة الحداثية للمنهج التي تنحو المنحى التراكمي في تقديم المحتوى، إلى المنهج التحويلي، الذي يسعى لإحداث تحويل في فهم الطالب لما حوله ومن ثم فهمه لنفسه . فيجب أن لا يحتوي المنهج على حقائق يراد نقلها إلى الطالب، ولا بد أن يحتوي على القليل من التجريد والتنظير، وبدلا من ذلك يركز على الاهتمامات الفردية للطلاب وعلى التطبيقات العملية .
ومن المعلوم أن من الأشياء الأساسية التي يقدمها المنهج هي طبيعة الموجودات أو الحقائق، فعلى النظرة مابعد الحداثية يجب أن يؤصل في أذهان الطلاب أنه ليس هناك حقائق خارج الذهن، وأن الحقائق تبنى عن طريق اللغة وداخل الثقافة. ولذا فليس هناك حقائق مطلقة، بل هي حقائق نسبية.
والمنهج ما بعد الحداثي لا يرفض الغيبيات أو يقلل من قيمتها كما تفعل الحداثة، بل يعترف بها وربما يشجعها، لكن ليس على أنها حق، أو حقائق مطلقة، بل على أنها ثقافة شكلتها منظومة اجتماعية خاصة. ويجب أن لا تتعدى إطار تلك المنظومة.
فموقفهم من الدين يختلف عن موقف الحداثة. ففي حين أن الحداثة تنظر إلى الدين على أنه أمر غير علمي، حيث أنه قائم على افتراض وجود كائنات غيبية (ميتافيزيقية) لا تدخل تحت ما يمكن التحقق منه بالحواس وإدخاله تحت نطاق التجربة. فصار في حس الحداثيين أن الدين خرافة بمعنى أنه مناقض للعلم. أما مذهب ما بعد الحداثة فيرى صحة جميع الأديان. لا من حيث أنه يعترف بالوحي أو بوجود الإله، بل من حيث أنها جميعا بنى ثقافية، ولا أحد يملك أن يحكم عليها بأنها خطأ. فكل أصحاب دين يعتبر دينهم حق بالنسبة لهم. لذلك لا تحارب ما بعد الحداثة الأديان بل تشجعها، بأي شكل كانت، وتدعوا للتعايش بين الأديان جميعها دون استثناء، وترى أنها سواسية، إذ أنها ترى أنه ليس لدى أحد معيار مطلق يمكن أن يقاس به الدين الحق من الباطل.
وبناء على ذلك، فالأخلاق والقيم أيضا نسبية، وما يعتبر خلقا فاضلا في ثقافة قد يكون ظلما في ثقافة أخرى، والعكس صحيح ايضا، فما بعد الحداثة تسوغ الشذوذ الجنسي ـ مثلا ـ وترى أنه يجب أن يحترم رأي أصحابه. وترى أن النظر إليه على أنه خطيئة أوشذوذ، إنما هو من صنع الثقافات الجائرة التي تريد أن تفرض "حقائقها" على أنها حقائق مطلقة.
ولا يفتأ ما بعد الحداثيين أن يؤكدوا على أن منظومة القيم التي يراد، بناء على المنهج الحداثي فرضها، إنما هي من إفرازات للعلاقة بين العلم والسلطة، وأن السلطة هي التي توجه العلم وتجعله مؤدلجا، وتستغله لفرض رأي الأغلبية.
طرق التدريس
ولا تمدنا أدبيات ما بعد الحداثة بأمثلة محددة يمكن أن تكون مكونات لنظرية تدريس متماسكة، تربط بين النظرية والتطبيق. بل يرى بعض الباحثين أن التدريس من المنظور مابعد الحداثي يحتاج إلى اعتقاد بأن التعلم يحدث في وسط ما يشبه الفوضى أو اللانظام chaos ، حيث يحتاج المعلم أن يتصور وينظم أوضاع التعلم على شكل تيار غير منتظم وغير مؤقت من الاكتشافات والتناقضات وإعادة الاكتشاف والمساءلة . ويعزو بعض الباحثين ذلك إلى أن ما بعد الحداثة لا تركز كثيرا على إيجاد الحلول بقدر ما تركز على البحث عن التعقيد والاحتمالات الحاضرة في المشكلة .
ويرى بعض الباحثين أن بحوث المنهج من وجهة النظر ما بعد الحداثية ليس لها تطبيقات مباشرة في المواد الدراسية أو الممارسات المدرسية، ويعلل هذا بأن ما بعد الحداثة تساهم، بدلا من ذلك، في إصلاح المدرسة بإعادة تصور وفهم القضية من أساسها وتمكين التربويين من تحدي القناعات والمسلمات واستشراف الإمكانات البديلة للتغيير، والتطبيقات الصفية المباشرة تظهر من خلال السياقات الخاصة، بدلا من فرض مبادئ عامة .
ويؤكد بعض الباحثين أن الإرباك وإيجاد عدم سكون وتنظيم الذات هي خصائص طرق التدريس ما بعد الحداثية، إذ وجود قدر كاف من الاختلال وعدم السكون يقود إلى تغيير نظام القناعات والمسلمات .
فالتصور ما بعد الحداثي للتعلم مبني على الاعتقاد بأن كل فرد يصنع المعنى من مصادر مختلفة، بدلا من استقبالها جاهزة من خبير . ولذلك فهناك تركيز تام في طرق التدريس على الحوار والاستكشاف، مع التقليل من دور المعلم بوصفه مصدرا للمعلومات. وبينما انتهجت بعض الاتجاهات التي لا تنتمي إلى تيار ما بعد الحداثة منهج الاسكتشاف، فإن ما بعد الحداثة تنتهج هذا الأسلوب لا على أنه سبيل لاكتشاف الحقيقة بل على أنه جواب مؤقت إلى حين يتم اكتشاف غيره .


نظرية التعلم
تتسق الرؤى ما بعد الحداثية للتعلم مع النظرة البنائية التي ترى أن المتعلم يبني المعرفة في ذهنه . تبنت ما بعد الحداثة ـ بشيء من التطرف أحيانا ـ النظرة البنائية الاجتماعية للتعلم ( social constructivism) التي تقول إن الطالب يقوم ببناء المعرفة داخل ذهنه، وهذا البناء يتم في سياق اجتماعي ليس له صفة الإطلاق.
وبالرغم من تبني ما بعد الحداثة للنظرية البنائية الاجتماعية والتأكيد على جانبها الفلسفي، فإن بعض الباحثين يؤكد على هذه النظرية إنما هي نظرية تعلم وليست نظرية في التدريس ، مما قاد إلى اختلاف كبير ـ وربما سوء فهم ـ في تطبيقات تلك النظرية في الصف الدراسي .
البنائية Constructivism
تعود أصول هذه النظرية إلى افكار كثير من التربويين وعلماء النفس، من أشهرهم: جون ديوي وبياجيه وفايجوتسكي وبرونر. ويرى برونر أن فرضية البنائية الأساسية هي أن المعرفة إنما تكون صوابا أو خطأ من المنظور الذي ننظر لها من خلاله. وهذا الحكم مهما اجتهدنا في التحقق منه لا يصل إلى درجة الحقيقة المطلقة أو الخطأ المطلق. فأفضل ما يمكن أن نحصل عليه، إذن، هو أن ندرك منظورنا ومنظور الآخرين عندما نحكم بالصواب أو بالخطأ .
كسبت البنائية مزيدا من الاهتمام في السنوات الأخيرة. فهي نظرية عن المعرفة والتعلم، إذا تقدم تصورا عن المعرفة وعن الطريقة التي يحدث بها العلم. وهي ترى أن المعرفة مؤقته (غير دائمة) نامية، وغير موضوعية وتبنى داخليا وتتأثر بالثقافة والمجتمع (Fosnot, p. ix).
في حين ترى المدرسة السلوكية أن المعرفة لها وجود حقيقي منفصل عن المتعلم وأن مهمة المعلم نقل هذه الحقائق إلى ذهن المتعلم، ترى البنائية أن الإنسان يبني كل المعارف داخل ذهنه، وليس هناك شيء منفصل عن المتعلم. فالتعلم يحدث عندما يقوم المتعلم ببناء آليات التعلم الخاصة به بالإضافة إلى نسخته الخاصة من المعارف، متأثرا في ذلك بخبراته ومهاراته وخلفيته الاجتماعية. (Roblyer, 1997, p. 56).
ترى النظرية البنائية أن المتعلم يبني بنفسه فهمه الخاص عن العالم من حوله بدلا من أخذ هذا الفهم عن الآخرين. فالبنائية تضع المتعلم في مركز عملية التعلم. (Eggen & Kauchak, 1996)
تحاول الاستراتيجيات البنائية أن تفسر وتعالج النقص الذي في النظرية السلوكية ونظرية معالجة المعلومات. فيحاول البنائيون لفت نظر المتعلمين لرؤية العلاقة بين ما يدرسونه وبين حياتهم اليومية وتسهيل استخدام المهارات التي سبق تعلمها لتعلم مهارات ومعارف جديدة. Roblyer, 1997, p. 65
القضية الأساسية في البنائية هي أن المعرفة تبنى ولا تنقل، وأن المتعلم يبني المعرفة في ذهنه. وهذا ما يسمى بالبنائية المعرفية. وهناك فرع آخر يسمى البنائية الاجتماعية يؤكد على دور المجتمع وتفاعل الفرد معه على تكوين هذه المعرفة. " فالبنائية المعرفية تتفحص الطريقة التي يبني بها الفرد فهمه للأشياء من حوله من خلال عملية حل المشكلات. وفي المقابل تركز البنائية الاجتماعية على أثر السياق الاجتماعي على بناء المعرفة" Reynolds, et al, 1996 عن Jensen, 1998) . وهذا ما جعل التوجهات ما بعد الحداثية تتبنى هذه النظرية.



المراجع
مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة. محمد الشيخ و ياسر الطائري. 1996 دار الطليعة بيروت
إشكالية المنهج في العلوم الاجتماعية العربية المعاصرة. عبيد الله العمري، و عبد القادر العرابي. كتاب الرياض 99، 1422
أقلمة المفاهيم (2002) عمر كوش. المركز الثقافي العربي. تاريخ الفكر الأوربي الحديث.
ما بعد الحداثة والعقل والدين.(2001). أرنست غيلنز. ترجمة معين الإمام. دمشق: المدى.
المناحي الجديدة للفكر الفلسفي. (1999) سالم يفوت. دار الطليقة: بيروت.
نظرات حول الإنسان.( 1983). روجيه جارودي. ترجمة يحيى هويدي. المجلس الأعلى للثقافة
Armstrong, D. et al. (2001). Teaching Today: An Introduction to education. Upper Saddle: Merrill Printice Hall. P. 347.
Best, S. & Kellner, D. (1991).Postmodern Theory: Critical Interrogation
Bruner, J. (1990). Acts of Meaning. Cambridge: Harvard University Press.
Caine, R. & Cane, G. (1997). Education on the Edge of Possibility. Alexandria (VA): ASCD.
Carol Nicholson. Postmodernism, Feminism, and Education. The Need for solidarity. Postmodernism. Glenn Ward. (1997). NTC Publishing Group. (p. 4, 13).
Denig, S. (1999) Postmodernism and its effect on the teaching of values in public schools.. Paper presented at the annual meeting of the American Educational research Association. Montreal. Quebec. Eric: ED 436497.
Doll, W. (1993). A Post-Modern Perspectives on Curriculum. New York: teachers College Press. p. 3.
Freire, P. (1999). Pedagogy of the Oppressed. New York: Continuum.
From Socrates to Sartre: The Philosophic Quest. (1989) T.Z. Lavin.
Fundamentals of Philosophy, (1996). David Stewart and H. Gene Blocker. p. 247.
Good, T. & Brophy, J. (2000). Looking in classrooms. P. 452. New York: Longman.
Haushildt, P & Wesson, L. (1999). When postmodernism thinking becomes pedagogical practice. In Teaching Education. 10,2,123-129.
Leistyana, p. (1999). Presence of Mind: Education and the politics of deception. Westview Press.
Reagan, T. (1999). Constructivist epistemology and second/ foreign language pedagogy. Foreign language Annal, 32, No 4.
Philosophy and Philosophers, (1993). John Shand.
Philosophy of Education: An encyclopedia. 1996,
Slattery, P. (2000). Postmodernism as a challenge to dominant representations of curriculum. In Jeffrey Glanz & Linda Behar-Horeensein (Ed). Paradigm debate in curriculum and supervision. Westport: Bergin & Garvey.
Supervision from Six theoretical frameworks.
The Death of Truth, (1996), Dennis McCallum (edit)
Tarnas, R. (1991). The Passion of the Western Mind.
Gergen, K. (1991). The Saturated Self.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 9:36 am

ما بعد الحداثة والمنهج المدرسي مدخل إلى عولمة التربية

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف إلى أثر تيار ما بعد الحداثة على المنهج المدرسي الحديث، وكيف يسهم هذا الأثر إلى تشكيل العولمة التربوية. سعت الدراسة من خلال تتبع البحوث التي كتبت في الموضوع للتعرف إلى أهم سمات ما بعد الحداثة، وهي نفي الحقائق المطلقة ونفي الموضوعية، التي هي من ركائز الحداثة. كما بينت الدراسة كيف أثّرت هذه الرؤية الجديدة في أسس المنهج وعناصره.


التفاصيل

:



ما بعد الحداثة والمنهج المدرسي مدخل إلى عولمة التربية

د. راشد بن حسين العبد الكريم

جامعة الملك سعود - الرياض



ملخـص

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف إلى أثر تيار ما بعد الحداثة على المنهج المدرسي الحديث، وكيف يسهم هذا الأثر إلى تشكيل العولمة التربوية. سعت الدراسة من خلال تتبع البحوث التي كتبت في الموضوع للتعرف إلى أهم سمات ما بعد الحداثة، وهي نفي الحقائق المطلقة ونفي الموضوعية، التي هي من ركائز الحداثة. كما بينت الدراسة كيف أثّرت هذه الرؤية الجديدة في أسس المنهج وعناصره. بحيث برزت أهداف تحويلية نقدية جديدة للمنهج، تختلف عن الأهداف التقريرية للمنهج الحداثي، وتغير دور المعلم من ناقل للمعلومات ومصدر لها إلى مهيئ لبيئة التعلم وميسر له، وتحول دور الطالب من متلق إلى منتج وصانع للمعرفة. مما غير طريقة التدريس من طريقة مباشرة تتمحور حول المعلم إلى طريقة الحوار والاستكشاف الذي يكون فيه للطالب الدور الأساس، محاولاً فهم ما حوله ثم فهم نفسه. أيضا ازداد الاهتمام بالدور الاجتماعي في صنع المعرفة، ممّا أعطى الحقيقة بعداً نسبياً، وفعّل دور الطالب في بنائها. وخلصت الدراسة إلى أن التوجه ما بعد الحداثي قدم رؤية جديدة تخالف الرؤية الحداثية في النظر للمنهج أثرت على كل عمليات بناء المنهج، وأعطت مساحة واسعة للتعددية والتنوّع الفكري والثقافي، بدلاً من المعيارية وأحادية البعد. والفكرة التي تنطلق منها هذه الورقة هي أن ما بعد الحداثة عمال فاعل في إنتاج العولمة.



ما بعد الحداثة: نظرة عامة

تعدّ العولمة اليوم بأبعادها المختلفة والمتداخلة ظاهرة غير مسبوقة أثّرت في مختلف جوانب الحياة، ومنها التعليم. وعلى الرغم من أن عوامل كثيرة ومتداخلة أسهمت في نشوء العولمة إلا أن الانقلاب التصوري paradigm shiftالذي أنتجه تيار ما بعد الحداثة يعدّ عاملاً رئيساً في نشوئها. بحيث يمكن القول بأن العولمة ظاهرة ما بعد حداثية (Petrov. 2003، وطفة، 2007).

وقد ظهرت العولمة بصور شتى متداخلة ومنفصلة أحياناً، حيث يذكر سكلير (Sklair, 1999) توجهات أربعة للعولمة، منها العولمة الثقافية. وهي التي تعطي الأولوية للبعد الثقافي لدى الأمم. ومع أن العولمة الاقتصادية والتقنية أسهمت في نشوء العولمة الثقافية، إلا أن توجه ما بعد الحداثة وما يحمله من انقلاب تصوري ينزع نحو التعددية وقبول التنوّع يعدّ عاملاً مهماً في تشكل الوجه التربوي للعولمة.

وما بعد الحداثة postmodernismتيار فكري نشأ في الأصل وفي كثير من جوانبه ردة فعل لـ "الحداثة". وقد اشتمل على طيف من التيارات الفكرية التي تلتقي عند القطيعة مع الحداثة ورفض السرديات الكبرى meta-narratives. وكسلفه، تيار الحداثة، كان لتيار ما بعد الحداثة أثر كبير وعميق على جوانب فكرية وعملية كثيرة في الحياة، ومنها الجانب التربوي. وقد كان لهذا التيار حضور جارف في المؤسسات التربوية وطبع كثير من عناصر العلمية التربوية بطابعه، بحيث شهد الميدان التربوي في العقدين الأخيرين تحولات كبرى وربما انقلابات في التصور paradigm shiftفي كثير من المفاهيم، مما يستدعي دراسة هذا التيار واستكشاف جوانب تأثيره على عنصر مهم من عناصر العملية التعليمية، وهو المنهج الدراسي.



مشكلة الدراسة

تعرض المنهج لتغيرات كبيرة على مرّ العصور، متأثراً في ذلك بالفكر التربوي الذي يكتنفه. وقد سيطرت النظرة الحداثية على بناء المناهج في القرن العشرين الميلادي، وكان لها أثر عميق في كثير من جوانبه. إلى أن ظهر تيار مابعد الحداثة فقام بالتصدي لكثير من المسلمات الحداثية ومحاولة نقضها، فكان له أثر كبير في مفهوم المنهج وبنائه.

وعلى الرغم من النقد الكثير الذي وجهته التيارات ما بعد الحداثية للحداثة في مجال التعليم، إلا أنها لم تطرح فلسفة تربوية شاملة إلى الآن (Chambliss, 1996, 403). فأثر ما بعد الحداثة في التعليم كبير، من ناحية استهدافه للأسس التي قام عليها تيار الحداثة، وإن كان غير واضح المعالم(Doll, 1993, p. 3)، لأن أنصاره ينقدون أكثر ممّا ينشئون. وبعبارة أخرى، كما يقول أحد الباحثين، إن أنصار ما بعد الحداثة (Ozmon & Craver, 1999, p. 371) يشعرون بما يرفضون أكثر من شعورهم بما يقدمون. More conscious of what they oppose than what they promote""

ومشكلة هذا البحث هي التعرف إلى التغيرات التي أحدثها تيار مابعد الحداثة في مفهوم المنهج الدراسي ومكوناته وتطبيقه. وكيف قاد هذا التغيير إلى عولمة التربية أو المتعلم العولمي.

سوف تحاول هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية:

1. ما مفهوم مابعد الحداثة، وما جذورها؟

2. ما خصائص ما بعد الحداثة؟

3. ما نظرية المنهج التي يتبناها توجه ما بعد الحداثة، وما آثارها على مكوناته؟

4. كيف أدّت المفاهيم ما بعد الحداثية إلى تشكّل صورة المتعلم العولمي؟



أهمية الدراسة

تكمن أهمية الدراسة من ناحية كونها تبحث توجهاً فكرياً عاماً له أثره في كثير من جوانب الحياة بما فيها التربية، ويعد الآن عاملاً مؤثراً في فلسفة التربية بشكل عام ونظرية المنهج بشكل خاص. كما تفيد أيضاً في تزويد التربويين برؤية جديدة للمنهج الدراسي، وكيف يتفاعل مع متطلبات العولمة.



منهج الدراسة

لأن موضوع ما بعد الحداثة وتأثيره على المنهج موضوع فلسفي نظري، على الأقل على المستوى الذي تقع فيه هذه الدراسة، سلكت هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي النظري، وذلك من خلال تتبع وتحليل ما كتب عن ما بعد الحداثة والمنهج، سواء من أنصاره أو من خصومه، والمقارنة بينه والخلوص بنتائج من ذلك.



النتائـج

الإجابة عن سؤال الدراسة الأول:

1. ما مفهوم مابعد الحداثة وما جذورها؟

سوف تكون الإجابة عن هذا السؤال في ثلاث نقاط: مفهوم ما بعد الحداثة، جذور ما بعد الحداثة، أسباب ظهور ما بعد الحداثة.

مفهوم ما بعد الحداثة

ما بعد الحداثة من التنوّع والتدرج بحيث يصعب إيجاد تعريف دقيق لها (Nicholson, 1989, Bloland, 2005). وتكاد تجمع المراجع على عدم إعطاء تعريف لـ "ما بعد الحداثة" لصعوبة تعريفها (Ward, 1997, Ornstein & Hunkins, 2004)، وبدلاً من ذلك تقوم بتوصيف هذا المذهب، وذلك بمقارنته بنقيضة "الحداثة". فلكي يتضح مفهوم ما بعد الحداثة لا بدّ من مقارنته بمفهوم الحداثة.

والسبب في ذلك أن ما بعد الحداثة مفهوم فضفاض وغامض (الشيخ والطايري، 1996)، فهناك صور متعدّدة من ما بعد الحداثة. فهي تتدرج من الموقف الرافض للغلو العقلاني الوضعي ورفض الاضطهاد الذي تمارسه الثقافة الغربية بأيديولوجيتها العلمية إلى أن تصل إلى ما بعد الحداثة المتطرفة الثورية العبثية التي تدعو للثورة على العقل والعقلانية من أساسهما وتصل إلى التشكيك حتى في البدهيات. مما حدا بأنصارها إلى الكفّ عن توضيح ما هي "مابعد الحداثة" والانصراف بدلاً من ذلك إلى توضيح ما ترفضه ما بعد الحداثة (Doll, 1993, p4).

ولكن باختصار يمكن أن تعرف "ما بعد الحداثة" بأنها اتجاه فكري، يضم تدرجاً من التيارات، يجمعها رفض الأسس الأنطولوجية (أي الخاصة بطبيعة الوجود) والمعرفية والمنهجية التي قامت عليها الحداثة أو على الأقل يجعلها محل شك.



جذور ما بعد الحداثة

ظهر مفهوم ما بعد الحداثة بشكل واضح في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، في كتاب الفيلسوف الفرنسي ليوتارد، (علم ما بعد الحداثة) وعنى بها التعددية الثقافية وتعدد أنماط الحياة (العمري والعرابي، 1422).

ويرجع كثير من الباحثين أصول "ما بعد الحداثة" الأولية إلى الفيلسوف الألماني نيتشه (Tamas, 1991)، الذي نادى بموت الإله، بمعنى موت الاعتقاد بالإله(Lavin,1989). وأنكر أن يكون ما لدينا من معلومات صحيحاً، بل أنكر أن يكون هناك طريقة للوصول للحقيقة أصلاً. فهو لا يشكك في ما لدينا من وسائل للمعرفة بل ينكر أن يكون هناك إمكانية للوصول لحقائق الأمور بتاتاً. وقد حمل نيتشه على (المطلق) ونادى بأن كلّ العلوم إنما هي اعتقادات ونظرات خاصة ينشؤها كلّ لنفسه على شكل منظورات (وجهات نظر) مختلفة، وليس لأحد الحق، والحالة هذه، بأن يقرر أن رأياً أصوب من الآخر. فالحياة إذاً عبث (Shand, 1993).

وقد سار على خطى نيتشه متأثراً به الفيلسوف الفرنسي مابعد الحداثي ميشيل فوكو Foucault، الذي يعتبر من أعمق المفكرين المعاصرين أثراً في الفكر ما بعد الحداثي، والذي نادى بموت الإنسان، واتخذ موقفاً ناقداً للحداثة، (Best & Kellner, 1991). و بحث فوكو العلاقة بين السلطة والحقيقة والمعرفة، وقال بأن المعرفة أثر من آثار السلطة وتتكون بتفاعل اللغة والسلطة والمعنى (Slattry, 1995).



عوامل نشوء ما بعد الحداثة

من المسلم به أن التحولات التاريخية الكبرى، بخاصة الفكرية، لا يمكن أن تكون نتيجة لسبب واحد بل عادة ما تحدث بسبب عوامل متعددة ومتداخلة، لكن يكون من بينها غالباً عوامل أساسية وبارزة التأثير.

يذكر كثير من الباحثين سببين رئيسين لظهور هذا التيار.



السبب الأول: تطوّر العلم

أثبتت البحوث العلمية، التي كانت سلاح الحداثة الأكبر، بكشوفاتها الهائلة يوماً بعد يوم ضآلة ما يعرفه العقل البشري بالنسبة لما لا يعرفه. وأكدت تلك الاكتشافات بشكل غير مباشر محدودية عقل الإنسان، على الرغم من كل قدراته الهائلة. بل إنه يعتريه الضعف والنقص كغيره من المخلوقات، إلى درجة قد لا يوثق فيها بحكمه في بعض الأحيان. فاختلفت النظرة إلى قدرة العقل الذي هو مصدر المعرفة المطلق لدى التيار الحداثي، أو كما قال بعض الباحثين، قامت الحداثة على العقل لكنها هي التي دمرت العقل (العمري والعرابي، 1422). فالاكتشافات العلمية، خصوصاً بعد اكتشاف مبدأ اللايقين والفيزياء الكمية، بيّنت بطلان الأوهام التي حيكت عن قدرة العقل والعلم وفندت حتميات القرنين التاسع عشر والعشرين (كوش، 2002، ص 25).

"نجم عن تدمير الصورة النيوتونية [الميكانيكية] للعالم شيء من التواضع [العقلي] وانتعشت الميتافيزيقيا وازداد الاهتمام باللامعقول ولم يعد العلم بسيطاً … وقد كشف النقاب عن كون غامض مقدر لجزء منه أن يبقى غامضاً، كما قذفنا بأحجيات لا يستطيع العلم حلّ ألغازها داخل أعمق أعماق الحقيقة. وهكذا أصبح العلماء أكثر تواضعاً. وأخذوا يتحدثون عن الكون الغامض بدلاً من حديثهم عن التقدم نحو المعرفة الكاملة" (سترومبرج، 1994، ص 514)[1].

فالعلم، بحسب الرؤية ما بعد الحداثية محدود تسبب في شقاء البشرية، و"العلمية" وُظفت أيديولوجياً لسيطرة الثقافة الغربية على الثقافات الأخرى.

هذا بالإضافة إلى ما أصيب به العلم من تأثير السياسة وتوجيهات السلطة، إذ ينفي هابرماس وجود حياد أو صفاء علمي، فالعلم في سياق العقلانية التقنية الحداثية تحايثه حسابات السياسة أي إرادة السلطة، بالمفهوم النيتشوي، وهو ما يتطلب نقد الوضعية والتيارات المعجبة بالعلم والنزعة التقنية، فهذه كلها تعبيرات متنوعة للأيديولوجيا المكونة للحداثة التقنية (يفوت، 1999، ص 91).

ومن هذا نشأ تيار "ما بعد الحداثة". فالعلم ـ كما يقول بعض أنصار "ما بعد الحداثة" ـ الذي هو عماد الحداثة، هو الذي هدم الحداثة و قاد إلى "ما بعد الحداثة". ففقدان الثقة بالعلم قاد إلى ردّة فعل تجاه الفلسفة التي كانت قائمة عليه.



السبب الثاني: فقدان الثقة بقضية التقدم

التقدم عقيدة مسلمة في التيار الحداثي. فالعالم ـ بحسب النظرة الحداثية، ومن خلال العلم والبحث العلمي يتقدّم ويتطوّر إلى الأفضل، حتماً. يقول وليم إنج "لقد كان الإيمان بالتقدم هو القوة المحركة للغرب طوال ما يقارب المائة والخمسين عاماً، ولقد انتهى الغرب أخيراً إلى إدراك عبثية ذلك الإيمان وعقمه" (سترومبرج، 1994، ص 562)[2].

مرّ الغرب بأزمات في القرن العشرين وحروب وانتشار أوبئة بيّنت بطلان ما كانت تبشر به الحداثة من المستقبل الزاهر والتقدم الموعود. فبعد الحرب العالمية الأولى خرج الغرب محطماً ومتهالكاً، وفاقداً الثقة بعقيدة التقدم(Lavin, 1989, p. 326). فعلى النقيض من نظرة الحداثة المتفائلة بمستقبل البشرية، تنظر ما بعد الحداثة بكثير من التشاؤم إلى المستقبل الذي تسير إليه البشرية في ظل النظرة الحداثية، فترى أنها جرت عليها من الويلات أكثر مما أفادتها.

فالتقدم الذي كان شعار الحداثة، لدرجة دعتها للمبالغة في القطيعة مع كلّ قديم، بدأ يتلاشى سريعاً، وقد سارع في بيان زيفه العلم الذي كان هو العنصر ذاته الذي كان يروّج الحداثيون بأنه سيقود للتقدم.

يقول جارودي واصفاً الوضع الذي آل إليه وهم التقدم الحداثي:

وتهاوت أوهام كثيرة، وهم رخاء الرأسمالية الذي لا حدود له، وهم الديموقراطية التي كان يتصورها الناس على أنها (جمهوريه الذوات الواعية ) وتصوروا وجودها يسمو على صالح الأفراد والجماعات،... وأوهام فلسفية أخرى تقابل تلك الأوهام التاريخية: وهم المثالية الطيبة التي تصور العالم على أنه عالم شفاف ينعم بوجود عقل خالق ومنظم له. هذه النزعات التلفيقية ذات النغمة الطيبة في عالم وجدت جميع المشكلات فيه حلاً لها من خلال التأليفات الروحية واجهت فجأة امتحاناً قاسياً في قلب الحياة نفسها وبتأثير الأفكار التي انبعثت من هذه الحياة وشاهدنا في بحر سنوات معدودات أن الفلسفات التي كان قد كتبت لها السيادة الكاملة حتى ذلك الحين – على الأقل في الجامعات – قد جرفها الطوفان وانقلبت الليبرالية العقلية إلى اتجاه عدمي فاشي وتحوّل المذهب التفاؤلي إلى وجودية مأساوية (جارودي، 1983).

فهذان سببان رئيسان لظهور ما بعد الحداثة، فقد الثقة بالعلم، الذي هو أساس الحداثة، وتحطم وهم التقدم الذي هو غايتها.

الإجابة عن السؤال الثاني:



2. ما خصائص ما بعد الحداثة؟

تقوم ما بعد الحداثة على قضيتين أساسيتين. الأولى على المستوى الأنطولوجي (أي ما يتعلق بطبيعة الوجود)، والثانية إبستمولوجية (أي نظرية المعرفة).

والقضية الأولى والأساسية التي تقوم عليها " ما بعد الحداثة" هي أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، أي حقيقة صادقة في ذاتها، بل إن الحقائق يصنعها المجتمع بجوانبه الثقافية المتعددة لأفراده. فعلى عكس النظرة الحداثية التي تسعى لتوحيد الرؤى من خلال البحث العلمي ووضع مبادئ عامة، فبحسب رؤية ما بعد الحداثة ليس هناك "حقيقة" يجب أن يقر بها الجميع، وليس هناك حق مطلق، بل الحقيقة تصنع عن طريق اللغة وفي داخل ذهن الإنسان لوحده. وبالتالي فما يقال عن التقدم أو التطور الذي رافق "الحداثة" أو الذي تدعو إليه ليس إلا خرافة، وما يقال عن قدرة العقل على "اكتشاف" الحقيقة إنما هو وهم. فالحقيقة لا تكتشف، إما لأنه ما من حقيقة أصلاً، أو لأنه لا يمكن الوصول لها. وإنما الحقيقة "تخلق" ولا تكتشف، فالإنسان هو الذي يخلق حقائقه. "فأفكارنا ليست انعكاساً للواقع بل قراءة له، وهي قراءة تتخذ صيغاً أسطورية وأيديولوجية ودينية ونظرية، وكلّ منظومة معتقدية تعتقد أنها تمتلك الحقيقة وتميل إلى اعتبار كلّ ما يناقضها ويخالف حقيقتها أكذوبة أو خطأ. إن فكرة الحقيقة هي المنبع الأكبر للخطأ، والخطأ الأساسي يقوم في التملك الوحيد الجانب للحقيقة" (يفوت، 1999). ولذلك كان من السمات الرئيسة لما بعد الحداثة التأكيد على أن زمن بناء التصورات العامة حول العالم أو السرديات الكبرى meta-narrativesقد انتهى وأن عصر إنشاء النظريات الكلية وبناء الأنساق الجامعة قد ولّى، بخاصة بعد أن ظهر الطابع التسلطي الهيمني لهذه النظريات وتبدت "إراد القوة" التي تسيرها (الشيخ والطايري، 1996).

فليس هناك حقيقة مطلقة، بل المعارف بنى اجتماعية يبنيها الإنسان، وهي حقيقة بالنسبة إليه. فالإنسان أسير ثقافته، وهي التي تحدّد له "حقائقه"، ولذلك ففرض تلك "الحقائق" على ثقافات أخرى تسلط وظلم، مهما قيل عن وجود دليل "عقلي" يسندها.

ففي النظرة ما بعد الحداثية ليس هناك من ذات أو حقيقة للفرد يبقى ملتزماً بها وصادقاً لها، بل هوية الفرد دائمة التبدل والتشكل وتغيّر توجهها تبعاً للتغيّر الدائم لعلاقاته (Gergens, 1991).

وتفرّع عن هذا أصل آخر وهو التعددية multiplicity، فما دام أنه ليس هناك حقيقة مطلقة، بل الكل حقائق نسبية، فلا بدّ من قبول التفسيرات المتغايرة، والمتناقضة أحياناً، للحقيقة. فالتعددية وتنوع التفسير والتصور أمر مقبول بل مرغب فيه في التوجه ما بعد الحداثي.

القضية الأساسية الثانية التي تقوم عليها مابعد الحداثة قضية إبستمولوجية (أي تتعلق بطبيعة المعرفة، أو العلاقة بين الشيء المعروف وبين العارف أو الباحث)، وهي الذاتية في مقابل الموضوعية. فعلى عكس ما تنادي به الحداثة وتؤكد عليه، ليس من الممكن، بحسب الرؤية ما بعد الحداثية، الفصل بين الملاحِظ والشيء الملاحَظ، أو بين الباحث والمبحوث. فالحقيقة إنما هي تصورنا أو إدراكنا للحقيقة في سياق ذاتي واجتماعي محدّد.

يرى ما بعد الحداثيين أنه لا يمكن أن نعرف أن الصورة التي في أذهاننا مطابقة للواقع الخارجي إلا بأن يقف الإنسان خارج نفسه ويقارن بين ما في ذهنه وما في الواقع الخارجي. وحيث إن هذا غير ممكن فليس لدينا طريقة للتأكد من أن هذه المطابقة دقيقة. فليس لدينا إلا الشك، وكل علم نصل إليه ليس موضوعياً.

فالرؤية ما بعد الحداثية ترفض المعادلة الحداثية القائلة بالعقل والحرية، وتسعى إلى بيان الإشكالية في الصيغ الحداثية للعقلانية بوصفها عامل اختزال وإلغاء وقهر (Best & kellner, 1991, p. 34). وحيث تميل الحداثة إلى النظر للمعرفة والحقيقة على أنهما محايدتان وموضوعياتان وتأخذان صبغة العالمية والعموم وهما وسيلة للتقدم والتحرر يحللهما فلاسفة ما بعد الحداثة على أنهما عناصر متداخلة للسلطة والهيمنة (Best & kellner, 1991, p. 50).

هذه هي الخصائص الأساسية لما بعد الحداثة، تداخلت في تكوينها تيارات فكرية متنوعة، لكنها تلتقي عند إعادة النظر في مفهوم العقلانية والموضوعية.



الإجابة عن السؤال الثالث:

3. ما نظرية المنهج المدرسي التي يتبناها توجه ما بعد الحداثة، وما آثارها على عناصره ؟

للإجابة عن هذا السؤال سوف يتمّ بحث ثلاث نقاط رئيسة: أهداف المنهج، ومحتواه، ودور المعلم و الطالب.

من خلال الإجابة عن السؤال الثاني تبيّن أن المعرفة في التيار ما بعد الحداثي ليست مطلقة بل نسبية. فما بعد الحداثة في مجملها لا تنكر وجود حقيقة لكنها ترى أن الوصول لها غير ممكن، وأن ما نمتلكه هو تصورنا للحقيقة، نصنعه من خلال اللغة ومن خلال التفاعل مع المجتمع.

هذه النظرة إلى الحقيقة انعكست على النظر إلى المعرفة، فالمعرفة في المنظور المابعد حداثي تُبنى في سياق ثقافي، (Leistyan, 1999). فالمعرفة بنية ثقافية، وليست، كما في الرؤية الحداثية، حقيقة قائمة بذاتها.

بحسب التيار ما بعد الحداثي فإنه ليس هناك نظرية واحدة للمنهج. وذلك من مبدأ رفض التفسيرات العامة أو السرديات الكبرى. ولذلك فالتنظير ما بعد الحداثي للمنهج ينصبّ على ما يجب أن لا يكون، وليس على ما يجب أن يكون.

وتوافقاً مع هذا، يبرز لتمثيل التيار الحداثي في ما يتعلق بالمنهج توجهان: التوجه النقدي، والتوجه البنائي.

التوجه النقدي يرى أن مهمة المنهج هي مساعدة الطالب على نقد واقعه وعلى بيان صور التحكم والاضطهاد الذي تمارسه العناصر القوية والمسيطرة، سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية، على العناصر الأضعف في المجتمع. ويرتبط بهذا التوجه الاعتقاد بأن المعرفة بشكل عام، وعلى مرّ التاريخ، وبخاصة في التوجه الحداثي، معرفة مسيسة، بناها الأقوياء والمسيطرون، وأنها جزء من نظام الهيمنة التي يجب أن يكون للمنهج، وللتربية بشكل عام، دور في تخليص الطالب منه. فالأحداث التاريخية يمكن أن تروى بصور متعددة، من وجه نظر المنتصر، أو المستفيد من الانتصار، أو المهزوم أو المتأثر بالهزيمة. وكل يضيف من المعاني ما يناسبه أو يخدمه. والمنهج ما بعد الحداثي يجب أن لا يخدم القوي، بل يساعد المهمش والضعيف على كشف جوانب الاضطهاد التي يمارسها الأقوياء والمسيطرون من خلال تقديم الأحداث من وجهة نظر الحقيقة كما يراها هو. ولذلك يتركز بحث النقديين على قضايا العرق والجنس والطبقة بوصفها مواطن التمييز والاضطهاد السياسي والاجتماعي على مر العصور(Ornstien & Hunkins, 2004, p. 187). كما أن من سمات المنهج ما بعد الحداثي في هذا التوجه القول بأنه ليس هناك رؤية واحدة قادرة على تغيير العالم، وأنه يجب التحقق من كلّ دعوى بامتلاك الحقيقة (Janesick, 2003).



التوجه البنائي

التوجه الثاني الرئيس داخل التيار ما بعد الحداثي هو التوجه البنائي. والتوجه البنائي يخالف النظرة الحداثية التي ترى أن المعرفة تنقل، ويرى أن المعرفة تبنى داخل عقل المتعلم. وأن كل متعلم يبني نسخته الخاصة به من المعرفة. وهو لا يهتم كثيراً كما تفعل النظرية النقدية بتتبع مراكز السيطرة أو الهيمنة، بل يهتم بتشجيع بناء المعاني الذاتية، ومساعدة الطالب على تطوير عمليات التفكير لديه ليكتمل المعنى الذي يبنيه ويكون ناضجاً وغير مبتسر.

فالتوجه البنائي قد يصل إلى ما يسعى له التوجه النقدي، لكنه أكثر تفاؤلاً وإيجابية منه وأوسع أفقاً.



أهداف المنهج:

هدف المنهج في التوجه ما بعد الحداثي أن يكون تحويلياً Transformative، بمعنى أنه يحوّل الطالب والمجتمع من حال التسليم والخنوع بما يقدم إليه إلى حالة التحدي والمساءلة لما يقدم له، ومن حالة الاكتشاف له إلى فهمه، بحيث يمكن للطالب أن يتفحص ويدرك العالم من حوله أولاً ثم يفهم نفسه بشكل أكبر، بما يساعده على تحمل مسؤولية ذاتية واجتماعية عن مستقبله. ولذا فالأنشطة التعلمية غير مخطّط لها مسبقاً، بشكل صارم، إنما تتقرر بناء على رغبات الطلاب وعلى الطرائق التي يتم بها الفهم في أذهان الطلاب. فالمنهج في النظرة ما بعد الحداثية يهتم بالطريقة التي يبني بها الطلاب المعرفة من منظورات مختلفة، بأساليب تعلمية متنوعة وذكاءات متعددة، لا تعتمد فقط على الذكاء التقليدي الرياضي المنطقي ( Caine & Cane, 1997).

فمن الأهداف الأساسية للمنهج مساعدة الطلاب ليكونوا مقتدرين على الاتصال ومتحققين من المعرفة التي يستقبلونها، قادرين على التفكير في المشكلات الاجتماعية والثقافية التي تشكّل الأزمات التي يواجهونها (Ozmon & Craver, 1999).

وبشكل عام يرى أنصار ما بعد الحداثة أنه يجب أن لا ينظر إلى المنهج على أنه مواد منفصلة ومعلومات تكتسب، لكن يجب أن يحتوي على موضوعات السلطة والتأريخ والهويات الفردية والجماعية والنقد الاجتماعي التي تقود إلى العمل الجماعي، وتساعد على الفهم وبناء الوعي. فالمنهج ينجح عندما يمكّن الناس empower people ويحوّل المجتمع إلى حالة أفضل (Ozmon & Craver, 1999). فهدف المنهج أن يحرّر المتعلّم من التصورات العامة (السرديات الكبرى metanarratives)، التي يسعى المنهج الحداثي لتأصيلها في عقول الطلاب، من خلال الإقرار بالتعددية وتقدير التنوّع، من خلال رفض قبول ثمثيل موحد أو مظهر واحد للعالم(Orstien & Hunkins, 2004,p. 189). وهذا ما مهّد بشكل كبير لظهور الطالب العولمي، فالغاية هي مساعدة الإنسان على التحرر بغض النظر عن موطنه.



محتوى المنهج:

في المنهج الحداثي هناك تركيز على الحقائق والمفاهيم والمبادئ. ومن الأشياء الأساسية التي يقدمها المنهج طبيعة الموجودات أو الحقائق. وبحسب النظرة مابعد الحداثية يجب أن يؤصل في أذهان الطلاب أنه ليس هناك حقائق خارج الذهن، وأن الحقائق تبنى عن طريق اللغة وداخل الثقافة. ولذا فليس هناك من حقائق مطلقة، بل هي حقائق نسبية. يجب أن لا يحتوي المنهج على حقائق يراد نقلها إلى الطالب، ولا بدّ أن يحتوي على القليل من التجريد والتنظير، وبدلاً من ذلك يركّز على الاهتمامات الفردية للطلاب وعلى التطبيقات العملية (Armstron, et al., 2001).

في المنهج الحداثي يغلب النظر للعلوم على أنها مجالات منفصلة مختلفة discipline، بينما في التوجه ما بعد الحداثي ليس هناك من هيكل ثابت لهذه المجالات، فالمجالات متداخلة (Ornstien & Hunkins, 2004, p. 187).

ويبتعد المنهج ما بعد الحداثي عن النظرة الحداثية للمنهج التي تنحو المنحى التراكمي في تقديم المحتوى، إلى المنهج التحويلي، الذي يسعى لإحداث تحويل في فهم الطالب لما حوله ومن ثم فهمه لنفسه (Denig, 1999).

والمنهج ما بعد الحداثي لا يرفض الغيبيات أو يقلّل من قيمتها كما تفعل الحداثة، بل يعترف بها، وربما يشجعها، لكن ليس على أنها حقائق مطلقة، بل على أنها ثقافة شكلتها منظومة اجتماعية خاصة. ويجب أن لا تتعدّى إطار تلك المنظومة.

والأخلاق والقيم أيضاً نسبية، وما يعتبر خلقاً فاضلاً في ثقافة قد يكون ظلماً في ثقافة أخرى، وفرض قيم معيّنة من صنع الثقافات الجائرة التي تريد أن تفرض "حقائقها" على أنها حقائق مطلقة.

ويرى أنصار ما بعد الحداثة أن منظومة القيم التي يريد، المنهج الحداثي فرضها، إنما هي من إفرازات للعلاقة بين العلم والسلطة، وأن السلطة هي التي توجه العلم وتجعله مؤدلجاً، وتستغله لفرض وجهة نظر معيّنة.



دور المعلم والطالب

يميل المنهج في التوجه الحداثي لأن يكون متمركزاً حول المعلم، بحيث يكون المعلم ناقل المعلومة ومصدرها الرئيس.

ما بعد الحداثة ترى أن مهمة المعلم ليست أن يقوم بنقل الحقائق كما يراها هو إلى ذهن الطالب، بل أن يساعده في بناء حقائقه الخاصة التي يشكلها مجتمعه وثقافته.

ومن وجهة النظر النقدية من التيار ما بعد الحداثي فدور المعلمين أن يكونوا مفكرين، وبعبارتهم، "عمالا ثقافيين" cultural workersينتجون المزيد من الآيديولوجيات والممارسات المناسبة للمجتمع. فمهمة المعلمين ليست تدريس المعارف ونقلها لأذهان الطلاب، كما في المنهج الحداثي، بل مساعدة الطلاب لرؤية المصالح الأيديولوجية والسياسية التي قد يخدمها المنهج بطرق مختلفة، وذلك ليس فقط عن طريق بيان كيف أن المعرفة يمكن أن تستخدم لإيجاد فهم شمولي وإظهار الأشياء على أنها موضوعية totalize and objectify، بل لبيان أنه يمكن أن تستخدم المعرفة لتحرير الطلاب ليكونوا نقديين وأعضاء مسؤولين في نظام ديموقراطي (Ozmon & Craver, 1999). فمهمة المعلم أن يكون ميسراً للتعلم، وليس مصدراً للحقيقة. وبهذا ينتهي دور المعلم كمصدر للمعلومة، وحاكم عليها، بحيث يكون دوره تسهيل عملية التعلم وتنظيمها، ولذا لم يعد حضوره الحسي الدائم أحد شروط التعلم، بل أصبح من الممكن أن يتمّ التعلم بدونه أو بإشراف من فقط. فبرز دور التعلم التعاوني وتعلم الأقران حيث يتمّ تعلم الزملاء بعضهم من بعض.

ما بعد الحداثة تؤكد على أن الطالب يجب أن يتعلم أن لا يعتمد على الموضوعية التي تزعمها الحداثة ( Chambliss, 1996, p. 403). وقد كان لما بعد الحداثة أثر على طبيعة العلاقة بين الطالب والمعلم، فحيث لم يعد ينظر للمعلم على أنه الخبير الذي يزود الطالب بالمعلومات، صار هناك تركيز على التفاعل الفردي بين الطالب و"المعلم" والاستكشاف المشترك (Doll, 1993). وأصبح من الممكن أن يتم التعلم على شكل مجموعات دراسة.

فالتصور ما بعد الحداثي للتعلم مبنيّ على الاعتقاد بأن كلّ فرد يصنع المعنى من مصادر مختلفة، بدلاً من استقبالها جاهزة من خبير (Caine & Cane, 1997). ولذلك فهناك تركيز تام في طرق التدريس على الحوار والاستكشاف، مع التقليل من دور المعلم بوصفه مصدراً للمعلومات. وبينما انتهجت بعض الاتجاهات التي لا تنتمي إلى تيار ما بعد الحداثة منهج الاسكتشاف، فإن ما بعد الحداثة تنتهج هذا الأسلوب لا على أنه سبيل لاكتشاف الحقيقة، بل على أنه جواب مؤقت إلى حين يتمّ اكتشاف غيره(Haushildt & Wesson, 1999).

هذا التصوّر الما بعد حداثي للتعلم والتعليم أسهم، مع عوامل اقتصادية وتقنية وثقافية أخرى، في تهيئة مناخ مناسب لإيجاد عولمة تربوية، وأضفى صبغة عولمية على التعليم.

إن الظروف التي تضعنا فيها ما بعد الحداثة تجعل حقل التربية بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص أمام تحديات كثيرة. فنسبية الحقيقة في كثير من جوانبها على الأقل، وتقدير التعددية والتنوع واحترام عدم التجانس مهّد لبروز التوجه العولمي في التربية أو كان من إرهاصاته.



الإجابة عن السؤال الرابع: كيف أدّت المفاهيم ما بعد الحداثية إلى تشكّل صورة المتعلم العولمي؟



تعريف العولمة

يمكن تعريف العولمة في سياقات اقتصادية وتكنولوجية واجتماعية (Waks, 2006). فهي في السياق الاقتصادي تعني انتشار الأسواق وتوسعها عبر الحدود في أقطار الأرض، بحيث تجعل الاقتصاد العالمي الموحد نقطة تركيزها. وهي في السياق التكنولوجي تركز على النمو المتسارع وغير المسبوق في تقنية الاتصال والمعلومات، بحيث أصبح العالم بلا حدود. وهي في السياق الاجتماعي والثقافي تركز على قيام علاقات اجتماعية وثقافية عابرة للحدود الوطنية للدولة الواحدة، منشئة درجة من التجانس الثقافي مع وعي متزايد بالمجتمع الإنساني الواحد، مع نشوء صيغة من عدم التجانس والتمازج بين المحلية والعالمية.

ويشير (غليون و الزين، 2000، ص 16) إلى أن العولمة تتجسد في نشوء شبكات اتصال عالمية فعلاً تربط جميع الاقتصادات والبلدان والمجتمعات وتخضعها لحركة واحدة... بحيث صار العالم يرتبط بثلاث منظومات عامة: المنظومة المالية، حيث صرنا نعيش في إطار سوق مالية واحدة، ومنظومة إعلامية اتصالية، حيث يمكن الارتباط الإعلامي من أماكن شتى في العالم من خلال البثّ الفضائي، والمنظومة المعلوماتية، والتي تجسدها بشكل واضح شبكة المعلومات العالمية الإنترنت.

ويمكن تعريف العولمة بأنها حالة من التواصل السريع والتواصل القوي والتأثير والتأثر المتبادل بين شعوب العالم، تزيد من مساحة وعمق المشترك بين أفراده.

وعلى الرغم من توجس الكثيرين من العولمة، إلا أنه من الملاحظ أنها وإن صاحب جوانب كثيرة منها أخطار وشرور إلا أنها أيضاً جلبت معها وسائل وأساليب للوقاية من تلك الأخطار والشرور أو لزيادة الجوانب الإيجابية فيها.

ويشير تقرير الشباب 2007 الذي تصدره الأمم المتحد إلى أن العولمة قد حسنت من فرصة حصول كثير من الشباب في آسيا على تعليم جيد.حيث يستطيع الآن عدد كبير من الشباب الاستفادة من خيارات تربوية كثيرة بما فيها خيارات خارج البلد الذي يعيشون فيه، من خلال التعليم عن بعد.

كما يشير التقرير إلى أن زيادة الطلب، على مستوى العالم، على تخصصات العلوم والهندسة جعل الأنظمة التربوية الآسيوية تستجيب لذلك لتغطية هذه الحاجة العالمية (United nations, 2007). (ويمكن أن يقال الشيء ذاته عن تخصص تدريس اللغة الإنجليزية، الذي يواجه أيضاً طلباً متزايداً على المستوى العالمي).



مظاهر العولمة التربوية

هذا التوجه ما بعد الحداثي مع ما واكبه من ثورة في عالم الاتصالات مهّد الطريق إلى ظهور عولمة تربوية تعليمية، لم يسبق لها مثيل في التاريخ. ومع أنه من العسير القطع بأن العولمة بوجهها الاقتصادي، الذي هو الأكثر وضوحاً، مظهر من مظاهر ما بعد الحداثة، إلا أن العولمة بوجهها التربوي خصوصاً كان متأثراً بالرؤى ما بعد الحداثية.



موضوعات عالمية

للمنهج أساس اجتماعي تتفرع منه عوامل اقتصادية وبيئية. ونتيجة للعولمة الاقتصادية والتكنولوجية، امتد اهتمام المنهج ليشمل موضوعات خارج حدود كلّ بلد، فقد ظهرت موضوعات تمثل اهتماماً مشتركاً بين الشعوب على مستويات مختلفة، وذلك مثل قضايا التلوث البيئي بأنواعه، وقضايا مخاطر وسائل الاتصال على القيم، وقضايا الإرهاب العالمي، فهذه الأمور فرضت نفسها في جوانب من مناهج كلّ بلدان العالم تقريباً، وإن تفاوتت نسبة الاهتمام، بسبب أنها قضايا عالمية تهمّ الجميع. حتى أصبح التوجه في تدريس المواطنة ينحى إلى إيجاد المواطن العالمي global citizen(النصار والعبد الكريم، 1426). وصارت المناهج في كثير من البلدان تحوي موضوعات مثل حقوق الإنسان، والتعددية الثقافية والحوار بين الثقافات والحضارات، ونحوها.



التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد

زالت الحدود بين الدول في ما يتعلق ببيئات التعلم التقليدية، فقد أصبح من الممكن نقل الدروس إلى أماكن مختلفة من العالم، بحيث يدرس الطالب وهو في بلده في جامعات بعيدة عنه، إما لنيل شهادة رسمية أو تعليماً غير رسمي. وظهر ما يسمّى بالفصول الافتراضية Live Virtual Classroom التي تمكن الطلاب من الدراسة في فصل واحد افتراضي وهم في أقطار شتى.

الشراكة المدرسية school partnership

لم يعد دور المدرسة الاقتصار على تشجيع التفاعل والتعاون بين الطلاب داخل أسوارها، بل تعدّى ذلك للتفاعل والتشارك مع طلاب من أنحاء العالم، حيث تقوم بعض المدارس في مناطق مختلفة من العالم بتنظيم برامج لطلابها للعمل مع طلاب من بلدان أخرى على مشروعات صغيرة، من خلال الاتصال بالإنترنت. وعادة ما تكون موضوعات النقاش من موضوعات الاهتمام المشترك بين أبناء البلدين، أو موضوعات عالمية مثل موضوعات البيئة.



البرامج الدراسية العالمية

فقد تبنت بعض المؤسسات التربوية طرح برامج دراسية عالمية الصبغة، يمكن أن تدرس في أي مكان، وتكون مقبولة عالمياً، وتسمى (البكالوريا العالمية) IP، وتركز على العلوم والرياضيات واللغة الأجنبية. بحيث يمكن أن يغرس في أي نظام تربوي، أو يهجن معه (http://www.ibo.org/diploma/). ويلقى البرنامج قبولاً متزايداً على مستوى العالم.



الإنترنت كمصدر للمعلومات الأكاديمية

أسهمت الإنترنت والثورة المعلوماتية بشكل عام على تغيير مفهوم التدريس. فقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في استخدام الإنترنت مصدراً من مصادر التعلم، وذلك من خلال الكم الكبير من قواعد بيانات البحوث، والمجلات العلمية الإلكترونية، والموسوعات المجانية (مثل الويكيبيديا، وموقع المكتبة الشاملة الذي يحوي أكثر من ستة آلاف كتاب، متاحة بالمجان). كذلك عمدت بعض الجامعات إلى نشر مقرراتها مجاناً على الإنترنت، كما فعلت جامعة MIT.



التركيز على مهارات الطالب العولمي

في ظل هذه العولمة التربوية، تنادت دعوات التربويين لتزويد الطالب بمهارات التعايش مع هذا الوضع مثل مهارات التفكير الناقد والاستخدام الفاعل لمصادر المعلومات، كما بدأ الاهتمام بالتربية الإعلامية Media Literacy(العبد الكريم 1428) ليكون الطالب قادراً على التعامل مع مصادر المعلومات العالمية برؤية انتقائية نقدية، بدلاً من التلقي السلبي.

ممّا لا شك فيه أن للعولمة آثاراً سلبية على التربية، لكنها ليست بالصورة القامة التي يظهرها بها بعض الباحثين (وطفة، 2007)، بل إن الخطر الأعظم هو المبالغة في تصويرها على أنها خطر داهم وطوفان جارف مع الغفلة عن الفرص الكثيرة التي تقدمها العولمة للتربية بشكل عام وللتربية العربية بشكل خاص. وهذا ما يؤكد مسؤولية التربويين والمفكرين العرب عن تفكيك العولمة والولوج إلى داخلها بثقة واطمئنان، متسلحين بالثوابت والنظرة الناقدة والطرح العقلاني.

المراجع

- أرنست غيلنز، ترجمة معين الإمام ما بعد الحداثة والعقل والدين،(2001)، دمشق، المدى.

- روجيه جارودي، ترجمة يحيى هويدي نظرات حول الإنسان،( 1983)، المجلس الأعلى للثقافة.

- رونالد سترونبرج،(1994)، ترجمة أحمد الشيباني، تأريخ الفكر الأوربي الحديث، دار القارئ العربي، القاهرة.

- سالم يفوت المناحي الجديدة للفكر الفلسفي، (1999)، دار الطليعة، بيروت.

- العبد الكريم، راشد، (1428هـ)، المناهج الدراسية وتنمية ملكات النقد لوسائل الإعلام، ورقة عمل قدمت لمؤتمر التربية الإعلامية الأول في الرياض، صفر 1428 هـ.

- عبيد الله العمري، و عبد القادر العرابي إشكالية المنهج في العلوم الاجتماعية العربية المعاصرة، كتاب الرياض 99، 1422.

- عمر كوش(2002) أقلمة المفاهيم، المركز الثقافي العربي، تاريخ الفكر الأوربي الحديث.

- غليون، برهان، والزين، سمير، (2000) ثقافة العلومة وعولمة الثقافة، دار الفكر، دمشق.

- محمد الشيخ و ياسر الطائري، 1996 مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، دار الطليعة بيروت.

- النصار، صالح. و العبد الكريم، راشد. (1426 ه) مقارنة بين منهجي التربية الوطنية في المملكة العربية السعودية وبريطانيا، بحث مقدّم للقاء القيادات التربوية في وزارة التربية.

- وطفة، علي أسعد، التربية العربية والعولمة: بنية التحديات وتقاطع الإشكالات، مجلة عالم الفكر، مجلد 36، عدد 2، أكتوبر/ ديسمبر 2008.



- Armstrong, D. et al. (2001). Teaching Today: An Introduction to education. Upper Saddle: Merrill Printice Hall. P. 347.

- Best, S. & Kellner, D. (1991).Postmodern Theory: Critical Interrogation

- Bloland, H. (2005). Whatever happened to postmodernism in higher education? The Journal of Higher Education. Vol. 76, No. 2, March April.

- Caine, R. & Cane, G. (1997). Education on the Edge of Possibility. Alexandria (VA): ASCD.

- Carol Nicholson. Postmodernism, Feminism, and Education. The Need for solidarity.

- Chambliss, J. (1996). Philosophy of Education: An encyclopedia.

- Denig, S. (1999) Postmodernism and its effect on the teaching of values in public schools.. Paper presented at the annual meeting of the American Educational research Association. Montreal. Quebec. Eric: ED 436497.

- Doll, W. (1993). A Post-Modern Perspectives on Curriculum. New York: teachers College Press. p. 3.

- Gergen, K. (1991). The Saturated Self.

- Haushildt, P & Wesson, L. (1999). When postmodernism thinking becomes pedagogical practice. In Teaching Education. 10,2,123-129.

- Janesick, V.( 2003). Curriculum Trends: A Reference handbook. ABC-Celio.

- .John Shand. (1993). Philosophy and Philosophers,

- Lavin, T. (1989). From Socrates to Sartre: The Philosophic Quest.

- Leistyana, p. (1999). Presence of Mind: Education and the politics of deception. Westview Press.

- Nicholson, C. Postmodernism, Feminism, and Education. The Need for solidarity. Educational Theory. Summer, 1989. Vol. No. 3 p. 197.

- Ornstien, A & Hunkins, F. (2004)Curriculum: Foundation, principles, and issues. Allyn and Bacon. Boston.

- Ozmon, H. & Craver, S. (1999), Philosophical Foundations of Education. P. 367.

- Petrov, I. (2003). Globalization as a Postmodern Phenomenon. International Affaairs. A Russian Journal of World politics. Vol. 49, 6.

- Sklair, L. (1999). Globalization: A New approach to social change. In S. Taylor (Ed) Sociology: Issues and debate. London: Macmillan.

- Slattery, P. (2000). Postmodernism as a challenge to dominant representations of curriculum. In Jeffrey Glanz & Linda Behar-Horeensein (Ed). Paradigm debate in curriculum and supervision. Westport: Bergin & Garvey.

- United Nations. (2007). Youth report. Young People Transition to Adulthood.

- Waks, L. (2006). Globalization, state transformation, and educational re-structuring: why postmodern diversity will prevail over standardization.

- Ward, W. (1997). Postmodernism. NTC Publishing Group. (p. 4, 13).

[1]. تاريخ الفكر الأوربي الحديث. ص 514

[2]. عن تاريخ الفكر الأوربي الحديث ص 562
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس مارس 19, 2015 4:22 am


النظرية الاجتماعية من المرحلة الكلاسيكية إلي ما بعد الحداثة - شحاتة صيام
الناشر: كصر العربية للنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة: 2009
302 صفحة

اهتم علم الاجتماع منذ نشأته بالواقع الذي بحياة الإنسان باعتباره الفاعل الرئيسي في إقامة المجتمعات الإنسانية فعلم الاجتماع يهتم بدراسة المجتمع كله وقد جاءت نشأة العلم كرد فعل للأزمات الهيكلية والثورات الاجتماعية والفكرية والسياسية التي اعتبرت المجتمع الأوروبي الذي كان قائمًا أتذاك والسبب في قيامه في الأساس هذان الحدثان الكبيران المهمان في أوروبا والعالم.

محاور الكتاب:
الفصل1- تشظي النظرية الاجتماعية: التعدد والانقسام.
الفصل2- النظرية البنائية الوظيفية من الرؤية العضوية إلى النسق الاجتماعي.
الفصل3- النظرية الماركسية: المادية التاريخية والجدلية.
الفصل4- سوسيولوجيا الحياة اليومية: الانقلاب على النظريات الكبرى.
الفصل5- التأويل وسوسيولوجيا ما بعد الحداثة: العودة إلى الفلسفة.
الفصل6- ما بعد السوسيولوجيا: التركيب من التفكيك إلى التوليف.
الفصل7- نحو نظرية اجتماعية جديدة: نظرية الفهم الانعكاسي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس مارس 19, 2015 4:23 am

يسعى كتاب «الحداثة اللامتناهية الشبكية.. آفاق بعـد ما بعد الحداثة.. أزمنة النص ميديا»، للباحث والشاعر اليمني هاني الصلوي إلى بلورة نظرية جديدة ضمن إطار ما يعرف بنظريات بعـد ما بعد الحداثة، تنطلق مما تسميه بـ«لامتناهيات شبكية» تقوم بمناقشة وبالاشتباك مع الكل المحيط معتبرة ما بعد الحداثة مرحلة جديرة بأن يبدأ منها التاريخ بصفتها المرحلة الأخيرة من الكتابية..

وتقوم ضمن ما تقوم عليه من «اللامسلمات» على نسف فكرة موت الإنسان والجغرافية ونهاية التاريخ، مدشنة مرحلة جديدة تعلن موت فكرة الموت ذاتها.

يرى الباحث أن مراحل جديدة انبثقت مع ما بعد الألفية هي أزمنة النص ميديا أو اللاتناهي الشبكي، وهي مراحل دعاها بما بعد الكتابية، حيث انتهت الأزمنة الأسبق لها بحقب ما بعد الحداثة التي يعدها نهاية فاعلة لمرحلة الكتابية غير ان ذلك لا يعني زوال الحقبة الكتابية تماماً.

إذ بقيت وستبقى لانهائيات من رؤاها الفاعلة كما أن وجود أجيال شديدة الحماس للكتابية داخل متواليات الأجد اللامتناهي، أبقى ظلالاً وحيثيات لما قبل بعد ما بعد الحداثة بوصفها لاتناهياً شبكياً الأمر الذي اضطر معه المؤلف إلى تقسيم اللامجتمعات اللامتناهية «والصيغة له» إلى قسمين، أحدهما ما أطلق عليه: المجتمع المعتمد «المجتمع المعتمد على الكتابية وما قبل اللامتناهية»، والآخر: اللامجتمع الافتراضي المحض أو مجتمع المآل.

يجعل الباحث من فترة يسميها «العصر الفائق» القنطرة التي عبرت عليها البشرية إلى الحداثات اللامتناهية الشبكية، وهي فترة تمتد من نهايات الثمانينيات من القرن الماضي..

وتمضي مع سنين قليلة في العقد الأول مما بعد الألفية، وتضم أعلاماً من مثل دوجلاس كلنر وليبوفتسكي وبعض من اهتموا بالمعلوماتية والرقمية إلى جانب جان بودريار الأكثر ارتباكاً وإدراكاً لما يخص ماجد على مستوى انتهاء ما بعد الحداثة ما جعل المؤلف يسم تشظي الفكر الفائق بصدمة بودريار إلى جانب ليندا هتشيون وإيهاب حسن قبلها. ويفرق الكتاب على مستوى سؤال التكنولوجيا ما بين العصر التكنولوجي بما هو سمة لما بعد الحداثة، وما بعد التكنولوجيا بأبعادها اللامتناهية الشبكية.

يشير الباحث إلى أن «الحتمية اللامتناهية الشبكية تشير إلى عدم وجود مفهومين منفصلين ينعت أحدهما بالغـاية والآخر بالوسيلة » الأداة ـ والهدف«..

فالفضاءات التي تمارس فيها الكائنات حيواتها لا تبرز مثل ذلك. ولتجريب هذا الفوهـة يرجع جزء كبير من الالتباس في تحديد مفاهيم الفكر والأدب الرقمي إلى العجز عن إدراك هذه المتماوجة إذ ظلت فكرة الوسيلة/ الأداة والغاية / الهدف ـ عند جماعات ـ مهيمنة على تفكيرها، فالكمبيوتر ـ الكائن البسيط ـ للتشبيه فقط ـ هو أداة كتابة الأدب الرقمي وهو مكان عرضه، إنه وسيلة إذن.

ما يعني أنه كيان محايد ومنطقي والأدب في حقيقته ضد المنطق والسببية، إنها فكرة الوسيط بشحمها ولحمها ودمها. إن الأدب الإلكتروني أو الرقمي وفق ذلك هو ذلك الأدب الذي يكتب بالكمبيوتر ـ الأداة ـ وعبره ويتم عرضه بواسطته، ومن هنا أطلق على عصر ما بعد الحداثة بعصر الإعلام والوسائط.

ويضيف المؤلف: ألحقت اللامتناهية الشبكية الإذلال الأكبر بكبرياء البشرية ـ إذا ما استخدمنا مصطلح سيجموند فرويد في حديثه عن نظريته ـ حيث سحقت كل المفاهيم السابقة والنظريات بحيث يمكن تشبيه الماضي معها بعالم صغير منظور إليه من الأعلى الرحب بسخرية يتخللها الكثير من الشفقة وتقدير مسيرة البشرية والكون.

كل هذا التدمير الذي قامت به هذه الأعاصير اللامتناهية ـ إن جاز لنا ـ أوقع التصنيف »حداثة ـ ما بعد حداثة ـ بعد ما بعد الحداثة« في كثير من الزيف، حيث لا مسلمات يمكن أن تسوغ لنا فعل ذلك ـ وإن كان من المهم دراسة الظاهرة وفق ذلك التصنيف أكاديمياً حتى لا تضيع الفواصل، على الأقل في هذه المرحلة العصيبة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس مارس 19, 2015 4:25 am

جدل الحداثة وما بعد الحداثة: الخصائص والحوار والصراع والاستراتيجيات
11-22-2014 02:41 PM

مدخل

الحداثة وما بعد الحداثة, مصطلحان ظلا يثيران الكثير من الجدل والالتباس, خاصة في المنطقة العربية, التي بقدر حاجتها للأفكار واللغة والاصطلاحات الجديدة, تعاني من سوء النقل وسوء الفهم للكثير من هذه الأفكار والاصطلاحات. ما هي خصائص كل من الحداثة وما بعد الحداثة؟ وكيف نفرق بينهما؟ وأين يلتقيان وأين يفترقان؟. وكيف يمكن أن نتعامل مع المفهومين في منطقتنا وفي بلادنا ؟. الحوار التالي يحاول مناقشة هذه الأسئلة, ومن خلالها يضيء بعض الإشكالات المتصلة بالمفهومين الجدليين الحداثة وما بعد الحداثة. وهو حوارٌ أجراه معنا الكاتب الروائي والأستاذ الصحفي عيسى الحلو(الرأي العام). نورده هاهنا, مع تحريرٍ وتعديلٍ طفيف, وإضافات هنا وهناك, ضمن هذا الباب الذي يعرض للجدل المتصل بالحداثة وما بعدها في تجلياتهما الثقافية والاجتماعية والأدبية والجمالية المختلفة.


قصيدة النثر هي أبرز تجلي لما بعد الحداثة




الناقد الأدبي الدكتور عبد الماجد عبد الرحمن ناقد متخصص في اللسانيات وتحليل النص والخطاب، وهو يشتغل على أساس أفق النقد الحديث، إذ يقف كثيراً عند المصطلح لتحديده قبل استخداماته كأداة من أدوات تفكيك النص أو تحليله. وبما أن هذه الإجراءات في الدراسات النقدية العربية ذات جدة.. رأينا أن نحاور الناقد الدكتور عبد الماجد حول كل هذه الأمور علنا نقف أمام عتبات هذا النقد متأملين الأدوات والمصطلحات.
(الأستاذ عيسى الحلو)




أرجو تحديد مصطلح الحداثة وما بعد الحداثة؟!


المصطلحان معقدان وبينهما تداخل وتقاطع, ولا وجود لتعريف «جامع مانع» لهما وسط الدارسين. بل إن ما بعد الحداثة ( Postmodernism/Postmodernity) لا تعترف أصلاً بإمكانية وجود مثل هذا التعريف, بسبب أن التعريف مهما كان دقيقاً يميل إلى التقيد والتأطير, وهي رافضة لفكرة "التأطير". وذلك يأتي ضمن رفضها للنظريات الكبيرة والأفكار الشاملة التي تدعى القدرة على تفسير الإنسان والكون والتاريخ.. وهذا ما يطلق عليه ليتوارد Jean-Francois Lyotard مصطلح "القصص الكبيرة" ( Grand Narratives)، كما سيأتي لاحقاً.

بما أن المصطلحين متداخلان ومتقاطعان، سيكون عرضنا لهما هنا متداخلاً ومتقاطعاً، أيضاً.
يمكن تحديد المصطلحين من خلال ثلاثة محاور:

1- المحور الاجتماعي والاقتصادي.
2- المحور الفلسفي.
3- المحور الجمالي والفني.

في المحور الأول يحاول جيمسون Jameson)) الربط بين الحداثة وما بعد الحداثة بمراحل تطور الرأسمالية العالمية. وضمن هذا الرصد الاقتصادي تأتي الحداثة ملتصقة بالرأسمالية الاحتكارية، بينما ترتبط ما بعد الحداثة بالرأسمالية الاستهلاكية أو رأسمالية المستهلك Consumer capitalism)).. ويمكن إضافة أن ما بعد الحداثة متجلية اقتصادياً في الرأسمالية المعولمة وهي, عند بعض المنظّرين, آخر مراحل النمو الرأسمالي الآن. فكما لا وجود لحدود جمركية لانتقال البضائع، لا تعترف ما بعد الحداثة في تجليها الجمالي بحدود للنصوص والأجناس الأدبية، حيث ينتقل النثر بسهولة إلى الشعر والشعر إلى الرواية والقصة وهكذا دواليك. فالربط هنا جدلي ديالكتيكي وليس ميكانيكياً.

والمحور الفلسفي يعنى أساساً بمنظومة الأفكار والنظريات والمفهومات التي توجهت إلى الإنسان باعتباره فاعلاً مهماً وجاداً ومسئولاً. وهي منظومة الأفكار التي أدت لاحقاً إلى الثورة الفرنسية «صرخة ديكارت» «أنا أفكر، إنا إذاً موجود», وهذا يعرف بالفكر الإنساني أو (الإنسانوي), إن شئت لإزالة بعض الالتباس, للتفريق بين هذا المعنى والمعنى الذي يرد عند الكلام عن المنظمات والجمعيات الخيرية ( Humanitarian/Charity) , وهنا تبرز معايير الموضوعية والعقلانية العلمية المرتبطة بالحداثة.. وهناك من الدارسين من يحبذ المصطلح الإنجليزي(Modernity) لاختصاص مصطلح ( Modernism) بالبعد الجمالي. في المقابل، ما بعد الحداثة شككت في مسلمات الفكر الإنساني ورفضت شمولية المعايير العلمية الموضوعية والفلسفة العقلانية وهذا ما يجعل التجسيد الجمالي للفكر ما بعد الحداثوي بارزاً في مفاهيم اللانظام ( Disorganisation) والتشظي ( Fragmentation) والبتر Discontinuity)) وغيرها (وهذا يتجلى الآن بشكل خاص في قصيدة النثر وبعض السرود الجديدة وفي "كتابة الفلاش" أو "الومض"). وهذه الخصائص والاستراتيجيات الجديدة يمكن قرائتها في إطار توسعة المنظومة الحداثوية- العقلانية نفسها, كما يرى بعض المفكرين مثل هابرماس, صاحب مدرسة فرانكفورت الشهيرة. وتشترك هنا الحداثة وما بعد الحداثة في ظاهرة التشظي وعدم الاكتمال، ولكن بينما تقدم الحداثة ذلك بطريقة رومانسية مأساوية حزينة، ما بعد الحداثة تحتفي بهذه الخصائص احتفاءً كبيراً باعتبار أن اللا نظام - الذي لا يعني بالضرورة الفوضى السلبية - هو قيمة جمالية ومعرفية في حد ذاته. في مقالة في عام (2007م) قالت ميري كلافس إن الحداثة كان مفهومها أن «الفن يصنع ما عجزت عنه مؤسسات المجتمع الأخرى». وهي تعني بذلك المعنى والتماسك المفتقدين في العالم المادي. ولكن الفن ما بعد الحداثوي لا يدعي لنفسه ذلك، بل يصنع واقعه الافتراضي ويروح يرقص حوله محتفياً به لذاته. وفي نظري تعتبر قصيدة النثر، هي الشكل الأدبي الذي تتجلى فيه ما بعد الحداثة بالطريقة الأبرز. يجدر بنا أن نشير إلى أن كلمة بعد، لا تعني (بعد) الزمنية "الكرونولوجية" المرتبطة بالتسلسل الزمني, بقدر ما تعني «بعد» الفكرية الجدلية المرتبطة برفض أفكار ورؤى محددة والعمل على تجاوزها إلى الأفضل.

فلسفة "الهويات" أيضاً تختلف في ما بعد الحداثة, عنها في الحداثة. فالهويات ( Identities), سواء الفردية أو الجماعية, تميل في الحداثة إلى الشمول والسكون والثبات والتحديد القطعي. بيد أن ما بعد الحداثة هزت مفهوم "الهوية" هزاً. فهويات ما بعد الحداثة متعددة ومتحركة ومتنوعة ودينامكية ومتعددة الزوايا والطبقات ومتغيرة على الدوام, وهي هويات ذات حساسية عالية تجاه السياق الاجتماعي اليومي. لا توجد هوية واحدة حتى على المستوى الفرد الواحد , دعك عن الجماعة, فالفرد الواحد, في منظور ما بعد الحداثة, هو كشكول هويات متحركة. والهويات نفسها يمكن أن تتم صناعتها وتركيبها وتسويقها اجتماعياً أو فردياً, وهذا ما يسمى بظاهرة التركيب الاجتماعي للهوية ( Socially-constructed identity).

في المحور الجمالي، ترتبط الحداثة بطاقم النظريات والأساليب والتيارات والأفكار التي نشأت في أوروبا وأمريكا بين نهايات القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الثانية في نحو أواسط القرن العشرين. وهناك الفترة بين (1945) بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى منتصف الثمانينات وهي الفترة التمهيدية لنشوء ما بعد الحداثة التي نشطت بعد ذلك التاريخ وحتى زماننا هذا. وهناك صعوبة كبيرة وعدم اتفاق بين الباحثين والمهتمين حول رصد الحداثة وما بعدها زمنياً ومسح تطورها التاريخي.

اختصارا, سنعرض هنا للخصائص والمفاهيم والاستراتيجيات الجمالية التي تميز الحداثة وما بعد الحداثة - حيث التداخل والتقاطع في طائفة من هذه الملامح والخصائص:

1- تعمية الفواصل وتعويم الحدود بين الأجناس الأدبية.

2- التركيز على «النص» إذ لا وجود لشئ خارجه، حسب دريدا. فالخارج موجود ومتحرك هناك داخل مكونات النص, بطريقة أو بأخرى.
ولكن هذا لا يتعارض - كما يبدو - مع مقولات النقد الثقافي. فالإنسان في فكر ما بعد الحداثة هو كائنٌ ثقافي، أيضاً.

3- الاشتغال الجمالي على اللا نظام والبتر والتناقض وعدم التماسك وعدم الانسجام بوصفها ملامح جمالية في حد ذاتها.

4- استخدام التعدد الصوتي في السرد واختفاء آحادية ضمير الغائب.. فالسرد ما بعد الحداثوي هو سرد منفتح ومتغيّر وتعددي - ولا وجود لرؤية واحدة مهيمنة نرى من خلالها الأحداث والشخصيات والمواقف وكل شيء.

5- فيما يوجد ارتباط شبه عضوي بين الحداثة والبنيوية, تتصل ما بعد الحداثة بما بعد البنيوية بشكل كبير وعضوي- ومرة أخرى نذكر بالمعنى الفكري- الجدلي لكلمة «بعد» وليس المعنى الزمني-التسلسلي الكرونولوجي.

6- النقد ليس مساعداً فحسب لاستيعاب النصوص الأدبية وفهمها(كما هي الرؤية التقليدية)، ولكنه قيمة معرفية وفكرية وجمالية في حد ذاته، وهذا ما يجعل النقاد الجدد يركزون أحياناً على النظرية أكثر من النص الأدبي (راجع كتاب ديفيد لودج المسمى "النقد الحديث والنظرية Modern Criticism and Theory", وراجع كذلك مقالة "حركة النص: نحو نقد جديد متجدد", في موضعها في هذا الكتاب).

7- عكس الحداثة، المنشغلة بالقصص الكبيرة، حسب ليتوارد, أي إدعاء معرفة الكون والإنسان وتفسيرهما تفسيراً جامعاً مانعاً، فإن ما بعد الحداثة تنشغل أكثر من الحداثة بالنظريات المحدودة والقصص الصغيرة، ومن هنا، ينشأ تجسيد الهامشي واليومي والمحلي والتافه والصغير في الأدب ما بعد الحداثوي, عموماً (لكن ثمة تداخل هنا أيضاً بين المنظومتين).

8- تعلو في الحداثة مفاهيم (الإستقلالية) و(الأصالة) (Originality)، بينما في ما بعد الحداثة تعلو مفاهيم التناص ودائرية النصوص وتشابكاتها (راجع باب حوار النص والتناص).

9. على المستوى المعماري ( Architecture), مباني الحداثة تحاول الانسجام مع الطبيعة (من وجهة نظر قائمة على أن الطبيعة واحدة ومنظّمة وكاملة ومنطقية ومتسقة ومثالية), في حين تقوم الجمالية المعمارية في ما بعد الحداثة, على هندسة مخالفة للمعتاد من نظام الطبيعة ( يمكن أن يكون المبنى –كما نرى هذه الأيام كثيراً- على شكل هرم مقلوب رأسه إلى أسفل وقاعدته تحتضن السماء, أو مبنى يتموج ويتلوى من أعلى وينبعج من جوانبه),وهذا يأتي من فلسفة أن الطبيعة ليست بهذا الاتساق والانسجام وهذه المنطقية كما تتصورها الحداثة. كما أن الجمالية المعمارية في ما بعد الحداثة تنهض على الاحتفاء بالاختلاف والتنوع والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة. وقد كانت لكتابات وأعمال المهندس المعماري والمصمم البارع الأمريكي-الاسكتلندي تشارلس جينكز (Charles Jencks), دوراً رائداً في هذه الفلسفة المعمارية الجديدة منذ السبعينات وله مؤلفات عديدة ومتنوعة في عمارة ما بعد الحداثة.

10. موسيقى ما بعد الحداثة تنشأ فلسفتها على التنوع واللامركزية النغمية ( Atonality), وتستخدم تكانيك مثل التهجين والجمع بين أساليب موسيقية من ثقافات متباينة ( Blending) و فيها التشظي (تنوع المواد أو الآلات المستخدمة يسمى أيضا بال Bricolage), ولا تعتمد كثيراً على الوحدة التركيبية النغمية والانسجام, وتميل إلى جعل المقطوعة متعددة المعاني والإشارات والإيحاءات, لأنها تعطى أهمية أكبر "للمستمع" ( Listener subject), باعتباره طرفاً رئيساً في صناعة "المعنى" الموسيقي. كما أن موسيقى ما بعد الحداثة قد تستخدم الارتجال الحر Improvisation)). كما أن هناك تكثيف أكثر للتكنولوجيا في موسيقى في ما بعد الحداثة عنه في الحداثة.

الأدب السوداني هل يمكن تبويبه عبر هذين المصطلحين؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال ويحتاج لمستخلصات أبحاث ودراسات كثيرة عن الأدب السوداني لم تتوفر بعد. ولكن ما يمكنني قوله الآن هو أن قصيدة النثر هي أبرز تجلي جمالي لمفاهيم ما بعد الحداثة. وذلك لأنني ألحظ فيها بشكل خاص رؤية ما بعد الحداثة المتعلقة بالتعدد و«باللا نظام» بوصفه مادة خصبة للإبداع. وطبعاً هذا سيغضب البعض ممن لا يفهمون ولا استعداد لهم لاستيعاب فكرة (اللا نظام), الذي لا يعني بالضرورة الفوضى السلبية في فلسفة ما بعد الحداثة. والتجلي الآخر يتوفر في بعض السرود الجديدة التي قد يكتبها كتاب من أجيال مختلفة وليس بالضرورة الجيل الجديد فحسب, وخاصة تلك التي تنزع نحو تعددية الأصوات والتشظي مما أشرنا له سابقاً, وبشكل خاص يتجلي في الكتابات النادرة التي لا تحاول فقط تمثيل الواقع ( representation) ولكن خلق واقع افتراضي جديد متحدي وأكثر غناءً وتنوعاً. وتتجلى ما بعد الحداثة في بعض تمظهرات النقد السوداني الجديد الذي بدأ يطل منذ بدايات الألفية الجديدة.


الأدب السوداني وتأثيرات الأدب العالمي الحديث؟

الأدب السوداني لم يكن معزولاً عن العالم ولا ينبغي له - خاصة في هذا العصر المتغيّر والمعولم. ولكن هناك نقصاً في الدراسات الأكاديمية الجادة للأدب السوداني وفي أوعية النقد الرصين, وأوعية الثقافة , بشكل أعم. ومع إفراد الجامعات السودانية الآن المساحة لحقل الدراسات السودانية, وإجراء دراسات نوعية حول الأدب السوداني من المتوقع أن يشهد هذا الحقل انتعاشاً مهماً. وبعض الأكاديميين ممن لم يكن يعير الأدب السوداني اهتماماً كبيراً عاد فابدي قدراً من الاهتمام. ولكن, بشكل عام , توجد فجوة بين الأكاديميا والمؤسسة الثقافية في تجليها العام , ينبغي ردمها وتجسيرها, لتتكامل المؤسستان في خدمة الثقافة والأدب.
ربما كان الأثر النقدي أكبر من الأثر على مستوى الكتابة الإبداعية (دخول مفاهيم البنيوية وما بعدها وبعض معالم النقد الجديد منذ الثمانينات). ولكن في رأيي أن المغاربيين الآن أفضل دارسي العرب والمنطقة إفادة من الرؤى النقدية الجديدة (مثلاً - الباحث الجزائري أحمد يوسف)، وطبعاً توجد مجموعة من الإشكالات ضمن الكيفية التي يمكن لنا أن نتأثر بها (أو نتناص) إيجابياً مع تيارات الفكر العالمي, مما لا مجال للاستطراد فيه الآن.

كيف يمكن تأسيس أدب سوداني له بعده الكوني؟

شعار ما بعد الحداثة هو (فكر كونياً، وأعمل محلياً). بتطبيق هذا الشعار يمكن لأدبنا أن يكون ذاته وجزءاً من العالم في الآن معاً.. وطبعاً هنالك إشكالية نظرية فيما يتعلق بالكونية، إذ أن الفكر الحداثوي يعتقد أن الكوني فقط هو الأفكار الكبيرة والنظريات والأيدولوجيات الضخمة، أو القصص الكبيرة أو السرديات العظمى بتعبير ليوتارد - ويعني بها, كما أشرنا, كل منظومة الأفكار والأيديولوجيات الكبرى التي تحاول تفسير الكون والإنسان والتاريخ عبر قوانين وقواعد وأطر محددة لا تحيد عنها قيد أنملة. في المقابل، تيارات الفكر ما بعد الحداثوي تركز على "القصص الصغيرة" والأفكار الصغيرة وتتميز بالحساسية العالية للسياق الاجتماعي, وتنطلق من هنا إلى العالمي والكوني وليس العكس.

تأثيرات الأدب الأجنبي على قصيدة النثر سودانياً؟

التأثير موجود على مستوى الرؤى الشعرية والتكنيكات التي تستخدمها قصيدة النثر عربياً وعالمياً. وتحتاج لترجمات لقصائد نثر أوروبية وغير أوروبية (من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) حتى يكون التفاعل أخصب وأشمل. قصيدة النثر أصلا هي أكثر الأشكال التي تتجلى فيها التفاعلات مع رياح التغييرات العالمية المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم في تجليها الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ أقصد أنها الوعاء الذي في مكنته استيعاب هذه الثورات الجديدة المتلاحقة, أكثر من غيرها من الأشكال الإبداعية.

الأدوات الإبداعية الجديدة المستمدة من مدارس جمالية غربية كيف لها أن تستخدم داخل نصوص سودانية؟

إنك تسأل أسئلة علمية إشكالية وشديدة التعقيد. بمعنى أن الإجابة عليها تحتاج النظر في دراسات وأبحاث لم تتوافر بعد. قصيدة النثر وبعض السرود الجديدة نجحت بامتياز في استخدام بعض هذه الآليات (خاصة تلك المتعلقة بالصورة من كولجة ومَنتًجة وتشكيل الوقائع والحيويات الافتراضية), إضافة إلى اللعب على اللا نظام واللا وحدة والبتر - كما ورد سابقاً.
إجابتي المختصرة هي مرة أخرى «فكر كونياً وأعمل محلياً».

الآراء والنظريات اللغوية الجديدة التي لها تأثير حيوي في مجال النقد الأدبي؟

أصلاً، جل إن لم نقل كل التطور الذي طرأ على النقد الأدبي منذ مدرسة براغ والشكلانيين الروس والبنيوية، كان متولداً في الأساس عن التطور الكبير الذي شهدته وتشهده النظرية اللغوية واللسانيات (من دون تضخيم لدور هذا الحقل الإنساني المهم, ولا تهميش للحقول الإنسانية الأخرى). وما البنيوية وما بعد البنيوية والتفكيكية ونقد الخطاب وتحليل الخطاب النقدي والتناص إلا, في الواقع, نظريات لغوية في الأساس ذات تداعيات وتطبيقات عملية على النقد الأدبي والنقد الاجتماعي. وفكرة الفصل بين الدال والمدلول وتحرير الدوال من مداليها الجامدة - التي تشتغل عليها قصيدة النثر والسرود الجديدة الآن، هي في الأساس من كشوف النظرية اللغوية منذ دوسيوسيور الذي كشف عن اعتباطية العلاقة بين الكلمات ومعانيها، وفيلسوف اللغة فيقنشتاين الذي يرى إن المعنى أصلاً هو «لعبة لغوية» (وإن كان ثمة نظريات مستحدثة ترى أن العلاقة بين الدال والمدلول ليست بتلك اللامنطقية التي تصورها دوسوسيور).

ومن النظريات اللغوية التي سيكون لها تأثير كبير على النقد الأدبي وتحليل النص بشكل عام، نظرية السيميوسز(Semiosis) أو نظرية الدلالات المفتوحة ويشتغل عليها عالمياً البريطاني فيركلف وعربياً الجزائري أحمد يوسف. وهناك أيضاً (اللاسيمائية Desemiotics ), وهي عكس السيمائية التقليدية ( Semiotics). هذا, مع العلم أن الاتجاه الآن هو تفعيل رؤية الدرس البيني المتداخل ( Interdisciplinary), الذي يشتغل دائما بين الحقول المعرفية المختلفة وعبرها , ويحاول التقريب المعرفي والمنهجي بينها, قصد إنتاج منظومة معرفية جديدة أكثر ثراءً وإحاطةً بالظواهر الأدبية والفنية.


*سوف يأتي هذا الحوار ضمن كتاب يصدر قريباً عن دار مدارات بالخرطوم (النص والخطاب: جدل القراءة والمعنى).

abdelmagid777@yahoo.com
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس مارس 19, 2015 4:26 am


عولمة ما بعد الحداثة: الإمكانيات التفسيرية للنظرية النقدية
awlama.jpg66

‘WORLDING’ POSTMODERNISM: INTERPRETIVE POSSIBILITIES OF CRITICAL THEORY
Publisher: ROMAN Books
يجادل حيدر عيد في هذه الدراسة الشيقة من أجل إعادة بناء نظرية نقدية تحافظ على مفاهيم شمولية (totality) معادية للسلطوية ((anti-authoritarianismمن أجل مناهضة منطق نظريات “الما بعد”. (postal- theories) وهي تسعى نحو إعادة بناء مفهوم من الشمولية تملك أهدافا منظمة وواضحة. بالإضافة لذلك ،فإن النظرية الأدبية التي تنادي بها هذه الدراسة العميقة مدعمة بنظريات العقلانية والسببية والمعرفة ,دون السقوط فيما يمكن تسميتهبالجوهرانية(essentialism) والمعرفة الاستدلالية (apriori epistemology). لذلك ، يجادل الكاتب أن “الأيديولوجيا غير المسئولة” لبعض نظريات “الما بعد” في تجاهلها لظواهر اجتماعية وسياسية واسعة هو بالضرورة انعكاس لاختراق رأس المال العالمي لغالبية المجالات في الحياة، وتفسخ الفضاء الليبرالي العام. لكن ، ما يطمح هذا الكتاب إلى تحقيقه في النهاية هو نظرية نقدية جدلية تجمع بين نظريات (ما بعد) الحداثة والتحليل الجزئي والكلي التقليدي (traditional’ micro-and macro analysis(
في حركتها الجدلية بين النظريةو التطبيق، وباللجوءللنهج الجدليالتاريخي، تستكشف الدراسة حداثة(modernity) و ما بعد-حداثة (post-modernity) راويةصورة الفنان كشابA Portrait of the Artist as a Young Man للروائي الإيرلندي جيمس جويس وروايةالضوضاء البيضاء للكاتب الأمريكي دون دليلو في علاقتهما بالاقتصاد السياسي للعالم/ين الذي/ن أنتج(ا)هما. و يكشف الكتاب كيف أن النصين – كون أحدهما حداثيا و الآخر ما-بعد-حداثي– أظهرا بوضوح من خلالتأملاتهما و كونهما انعكاسا للرأسمالية كظاهرة،نظرية طوباوية لعالم/عوالم بديل/ة ما-بعد-رأسمالية. وقد تحقق ذلكمن خلال وعي اجتماعي تاريخي يصل الى عملية نقدًية للمنظمات والأدوات الأيدولوجية للاحتكار والرأسمالية المتأخرة.
و مما قاله بعض الكتاب قي مديح هذا الكتاب المتميز في مجال النقد الأدبي و الدراسات الثقافية النقدية:
“يتميزبالدقة النقديةوالرسوخ النظريً. إن قدرة حيدرعيد على جمع العديد من المفكرين الأعلام وإسهاماتهم الأساسية في سردية الفكر المعاصر المتمثلة في الرواية هوفيحدذاته, و عن جدارة, مقالة، ، في التجديد المحرض لواجبات المادية التاريخية,سياسياً وثقافياُ.”
–باربرا هارلو ، جامعة تكساس أوستن، مؤلفة كتاب أدب المقاومة.
” تغامر دراسة حيدر عيد بنجاح خارج نطاق الأشكال النموذجية للنقد الأدبي.. إنه كتاب غير إعتيادي في مجال النقد الأدبي. إن مكتوب بقناعة راسخة و عميق، لذا أعتبره مغادرة محمودة من اللااحترافية التي – لسوء الحظ – وسمت معظم مشروع النقد الأدبي خلال العشرين سنة الأخيرة.”
–مايك ماريس، جامعة رودز، مؤلف كتاب وزير اللامرئي:فكرة الكرم في رواية ج. م. كوتزي.
“بصيرة لامعة وتحررية تضع نظرية ما بعد- الحداثة في سياقها الجدلي المناسب من “تقدم” و”تراجع,” وتقدم استشرافًا إيجابيًا لإمكانية إعادة بناء وإعادة تشكيل القدرة البشرية على التغيير.”
–سماح السبعاوي، كاتبة ومسرحية ومحللة فلسطينية، مؤلفة مسرحية حكايات مدينة على البحر.
عن الكاتب حيدرعيد: ناقد بارز وأستاذ مشارك لأدب ما بعد الاستعمار وما بعد الحداثة في جامعة الأقصى بغزة –فلسطين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين أكتوبر 26, 2015 2:22 am

المثقفون العرب وفلسفة ما بعد الحداثة
المصدر: هاشم صالح
التاريخ: 20 يوليو 2007

inShare

على هامش إحدى الندوات الفكرية جرت مشادة ودية بيني وبين أحد الإخوان المغاربة حول مسألة ما بعد الحداثة. وكان رأيي أنه لا معنى للاهتمام بفلسفة ما بعد الحداثة إذا لم يستوعب القارئ العربي أولاً فلسفة الحداثة ذاتها. ففهم السابق ضروري لفهم اللاحق.

وكان هذا الموقف يبدو لي منطقيا جداً، بل ومن العيب إضاعة الوقت فيه. فمصطلح ما بعد الحداثة post modernity جاء بعد مصطلح الحداثة modernity مباشرة، إما لنفيه وإما لمواصلته واستمراريته بعد تصحيح أخطائه. كلا المعنيين وارد.

ومعلوم أن مصطلح ما بعد الحداثة كان قد ظهر لأول مرة في اللغة الإنجليزية لدى ناقد أميركي يدعى تشارلز جيكينس حوالي عام 1975. وقد طبقه على فن العمارة أولاً قبل أن ينتقل إلى الفلسفة و الميادين الأخرى لاحقاً ويشهد كل هذه الشهرة والانتشار.

ولكن المصطلح لم يأخذ كل أبعاده الفلسفية إلا عندما أصدر المفكر الفرنسي جان فرانسوا ليوتار كتابه المعروف: «شرط ما بعد الحداثة» عام 1979. وعندئذ أصبحت كلمة ما بعد الحداثة تعني كره الحداثة ومحاولة الخروج منها بأي شكل أو الانقلاب عليها بحجة أنها فشلت في تحقيق وعودها.

ففي رأي هذا الفيلسوف ان الإيديولوجيات الكبرى التي سيطرت علينا طيلة القرنين الماضيين كالليبرالية، والاشتراكية، والماركسية، لم تستطع ان تحقق للبشر السعادة على هذه الأرض. ولذلك فهو يدعوها بالحكايات الطوباوية او الأساطير الكبرى..

وبالتالي فينبغي التخلي عنها ومحاولة البحث عن إيديولوجيا بديلة: وهي ما يدعوه بما بعد الحداثة. بل يحمل الفيلسوف المذكور حملة شعواء على فلسفة التنوير التي أوهمتنا بفكرة التقدم وقالت لنا إن الإنسان سائر لا محالة نحو الأفضل باستمرار.

إذا ما اتبع منهجية العقل وتخلى عن الخرافات والعقلية الغيبية التي سيطرت إبان العصور الوسطى المسيحية. وفي رأيه أن هذه المقولة سقطت بعد المرور بتجربة الفاشية والنازية والمحرقة اليهودية، ولم يعد بالإمكان أن نعطي ثقتنا لأيديولوجيا التقدم والتنوير والحداثة كما كنا نفعل سابقاً.

نلاحظ انه، كمعظم مفكري الغرب، لا يتحدث عن المحرقة الفلسطينية الناتجة مباشرة عن محرقة اليهود. وبالتالي فالغرب مسؤول عن محرقتين لا محرقة واحدة. متى يعترف فلاسفة الغرب بهذه الحقيقة البسيطة والبديهية؟ في الواقع ان بعضهم يعترف كالفيلسوف الماركسي ايتيان باليبار مثلا وله الشكر. وكذلك مكسيم رودنسون يعترف بالحقيقة الموضوعية في فلسطين وبعض الآخرين.

وقد وصل الأمر بجان فرانسوا ليوتار إلى حد نعت هذه الأيديولوجيا الحداثية بالحكاية الطوباوية التي لا معنى لها.. وقال: آن الأوان لكي نخرج من هذه الحكايات الوهمية الكبرى التي خيَّبت آمالنا: أي من العقلانية التنويرية، وفكرة التقدم، والأيديولوجيا الليبرالية، وكذلك الأيديولوجيا الاشتراكية، فهي ليست يقينيات علمية وإنما مجرد طوباويات تحرك الجماهير وتوهمها بالتحرير والخلاص، ولكن بلا جدوى.

ولكن نخرج إلى أين؟ هذا ما لم يوضحه لنا جان فرانسوا ليوتار بشكل جيد. وهكذا بقي مصطلح ما بعد الحداثة غامضاً، ملتبساً، لا أحد يعرف ماذا يعني بالضبط. فالبعض يعني به العودة إلى ما قبل الحداثة وبخاصة في مجال العمارة، والبعض الآخر يعني به القفز على التاريخ أو الهروب إلى الأمام بطريقة مراهقة ولا مسؤولة.

فهؤلاء ينطلقون من فكرة أن الحداثة استنفدت كل إمكانياتها وأعطت كل ما يمكن أن تعطيه ووصلت إلى الباب المسدود. وبالتالي فلم يعد أمامنا إلا أن نقفز عليها لكي نتوصل إلى مرحلة جديدة كلياً، مرحلة لا أحد يعرف سماتها ولا ملامحها لأنها لم تتحقق على أرض الواقع بعد: هي ما يدعونه بمرحلة ما بعد الحداثة. إنها مرحلة مترجرجة، غسقية، لم يستبن فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد... وذلك ككل المراحل الجديدة في التاريخ.

وككل شيء جديد انتشر المصطلح وأغرى الناس باستخدامه وإتباعه باعتبار أن الحداثة أصبحت قديمة، بالية، عفا عليها الزمن !! وهكذا انقلب مصطلح الحداثة إلى عكسه. ولكن لا أحد يتوقف لكي يطرح السؤال: ما الذي حقق كل هذا التقدم الصناعي، والتكنولوجي، والطبي، والعلمي، والسياسي، والاقتصادي للبشرية طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين؟

إنا الحداثة التنويرية ولا شيء غيرها. أيحق لنا بعد كل ذلك أن نرميها في مزبلة التاريخ لأنها انحرفت في لحظة ما عن مسارها وأدت إلى الفاشية والنازية والشيوعية الستالينية؟ ولماذا نرمي الطفل مع الغسيل الوسخ كما يقال في المثل الفرنسي؟ ألا ينبغي علينا بالأحرى أن نغربل الحداثة ونفرز الصالح عن الطالح منها فنبقي على الإيجابيات ونطرح السلبيات؟ أليس هذا هو الموقف السليم والعقلاني؟

على أي حال هذا هو موقف عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين الذي خصص للموضوع كتاباً كبيراً مهماً تحت عنوان: نقد الحداثة. ولكنه لم ينقد الحداثة إلا بعد أن استعرض إنجازاتها الايجابية في الفصول الأولى من الكتاب وكيفية تشكلها على مدار القرون الأربعة المنصرمة من عمر الحضارة الغربية.

ولم يطبّل ويزمّر لفلسفة ما بعد الحداثة إذا كانت تعني الانقلاب على الحداثة وتدمير إنجازاتها الرائعة التي ترسخت في المجتمعات المتقدمة حتى أصبحت حقيقة واقعة لا مرجوع عنها. وقال بما معناه: نعم للنقد الإيجابي للحداثة، ولكن لا، وألف لا للنقد السلبي الهدام الذي يطيح بكل شيء.

وقال أن ما بعد الحداثة ليست إلا امتداداً للنقد التدميري للحداثة على يد ماركس ونيتشه وفرويد، فكل واحد من هؤلاء انتقدها من وجهة نظر مختلفة. لقد انتقدوها عندما كانت لا تزال في بدايات صعودها وليس بعد ان وصلت وانتصرت.. وكان نقدهم مشروعاً وغير مشروع في ذات الوقت. ثم سار على خطاهم لاحقاً كل منتقدي الحداثة التنويرية والليبرالية.

وبالتالي فما بعد الحداثة تعني بمعنى من المعاني تدمير العقلانية والقيم التنويرية والتركيز على حق الاختلاف والنسبية الخصوصية إلى حد تدمير أسس الحضارة الكونية. فهل نحن العرب بحاجة إلى فلسفة من هذا النوع؟ هل نحن بحاجة إلى التشكيك بالعقل والعقلانية والنظام والانضباط، وتمجيد النزعات الغرائزية والفوضى والانفلات؟

ألسنا بحاجة إلى عكس ذلك تماماً في العالم العربي والإسلامي؟ إذا كان الغرب يستطيع أن يسمح لنفسه ببعض الانفلات والخروج على العقلانية الصارمة للحداثة بعد أن شبع منها وملّ وبعد أن بنى بلاده ومؤسساته بشكل راسخ ولم يعد يخاف على نفسه، فإننا لا نمتلك مثل هذا الترف فيما يخصنا.

فنحن أحوج ما نكون إلى ترسيخ القيم العقلانية في بلادنا من أجل محاربة الجهل والتعصب والاستبداد في الرأي وكل القيم القروسطية التي لا تزال تسيطر علينا أو على قطاعات واسعة من مجتمعاتنا. نحن بحاجة إلى البناء والعمران، لا إلى الهدم والتدمير لان كل شيء متهدم عندنا أصلا..

نحن بحاجة إلى الحداثة والتحديث في كل المجالات. وهذا ما قاله ادوارد سعيد في آخر مقابلة أدلى بها قبيل موته بأسابيع قليلة. فقد حذر من أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة كجان بودريار الذي مات في باريس قبل فترة قصيرة وكجان فرانسوا ليوتار وسواهما من العدميين الذين يبثون الشؤم واليأس في أوساط المثقفين العرب وغير العرب من أبناء العالم الثالث.

نحن لسنا بحاجة إلى أفكار فلسفة العبث أو اللامعقول أو سوى ذلك من التيارات العدمية التي يفرزها الغرب وموضاته من حين إلى حين. وانه لشيء سوريالي ان نتلهى بمناقشات بيزنطية عن فلسفة ما بعد الحداثة، ونحن لم نتوصل بعد إلى الحداثة ذاتها!

أقصد من كل ذلك التوصل إلى ما يلي: إذا كانت مجتمعاتنا لا تزال غاطسة في مناخ التصورات القروسطية القديمة، فما معنى أن أتحدث للقراء العرب عن فلسفة ما بعد الحداثة؟! ما معنى أن أدعوهم إليها إذا كانوا غارقين من أعلى رأسهم إلى أخمص قدميهم في عقلية ما قبل الحداثة؟

القارئ الأوروبي يستطيع أن يفهم معنى الانتقال من مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة إذا كان لهذا الانتقال من معنى، لأنه يعيش في مناخ الحداثة العلمية والفلسفية والسياسية والتكنولوجية والاستهلاكية منذ مئة سنة على الأقل. لقد جرَّب الحداثة واكتشف خيرها وشرها ورآها متحققة على أرض الواقع بأم عينيه،

وبالتالي فهو يعرف عن أي شيء نتحدث عندما نلفظ كلمات من نوع: حداثة، ما بعد الحداثة، ما قبل الحداثة، نقد الحداثة، او تنوير، ما بعد التنوير الخ.. أما القارئ العربي الذي لم يتح له حتى الآن أن يعيش في مثل هذا المناخ الحداثي المتطور، أي لم يتح له أن ينتقل من مرحلة ما قبل الحداثة إلى مرحلة الحداثة، فأنّى له أن يفهم كل هذه المناقشات العويصة التي تخص واقعاً آخر غير واقعه، وثقافة أخرى غير ثقافته؟

وبالتالي فمن الأفضل للمثقفين العرب أن يشغلوا أنفسهم بمشاكل واقعية محسوسة تخصنا بالفعل: كمشكلة التخلف، والتنمية، والاستبداد السياسي، والتعصب الطائفي والمذهبي الذي يهددنا بحروب أهلية لها أول وليس لها آخر.

إأن المشكلة الملحة المطروحة علينا هي نقد الموروث المتراكم المتحجر والعصبيات القديمة المتأصلة في النفوس، لا نقد الحداثة، على عكس ما هو سائد في الغرب. ونحن بحاجة إلى تنمية العقلانية لا تفكيكها، وإلى ترسيخ الحداثة لا نقدها وتشريحها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالإثنين أكتوبر 26, 2015 2:22 am

المثقفون العرب وفلسفة ما بعد الحداثة
المصدر: هاشم صالح
التاريخ: 20 يوليو 2007

inShare

على هامش إحدى الندوات الفكرية جرت مشادة ودية بيني وبين أحد الإخوان المغاربة حول مسألة ما بعد الحداثة. وكان رأيي أنه لا معنى للاهتمام بفلسفة ما بعد الحداثة إذا لم يستوعب القارئ العربي أولاً فلسفة الحداثة ذاتها. ففهم السابق ضروري لفهم اللاحق.

وكان هذا الموقف يبدو لي منطقيا جداً، بل ومن العيب إضاعة الوقت فيه. فمصطلح ما بعد الحداثة post modernity جاء بعد مصطلح الحداثة modernity مباشرة، إما لنفيه وإما لمواصلته واستمراريته بعد تصحيح أخطائه. كلا المعنيين وارد.

ومعلوم أن مصطلح ما بعد الحداثة كان قد ظهر لأول مرة في اللغة الإنجليزية لدى ناقد أميركي يدعى تشارلز جيكينس حوالي عام 1975. وقد طبقه على فن العمارة أولاً قبل أن ينتقل إلى الفلسفة و الميادين الأخرى لاحقاً ويشهد كل هذه الشهرة والانتشار.

ولكن المصطلح لم يأخذ كل أبعاده الفلسفية إلا عندما أصدر المفكر الفرنسي جان فرانسوا ليوتار كتابه المعروف: «شرط ما بعد الحداثة» عام 1979. وعندئذ أصبحت كلمة ما بعد الحداثة تعني كره الحداثة ومحاولة الخروج منها بأي شكل أو الانقلاب عليها بحجة أنها فشلت في تحقيق وعودها.

ففي رأي هذا الفيلسوف ان الإيديولوجيات الكبرى التي سيطرت علينا طيلة القرنين الماضيين كالليبرالية، والاشتراكية، والماركسية، لم تستطع ان تحقق للبشر السعادة على هذه الأرض. ولذلك فهو يدعوها بالحكايات الطوباوية او الأساطير الكبرى..

وبالتالي فينبغي التخلي عنها ومحاولة البحث عن إيديولوجيا بديلة: وهي ما يدعوه بما بعد الحداثة. بل يحمل الفيلسوف المذكور حملة شعواء على فلسفة التنوير التي أوهمتنا بفكرة التقدم وقالت لنا إن الإنسان سائر لا محالة نحو الأفضل باستمرار.

إذا ما اتبع منهجية العقل وتخلى عن الخرافات والعقلية الغيبية التي سيطرت إبان العصور الوسطى المسيحية. وفي رأيه أن هذه المقولة سقطت بعد المرور بتجربة الفاشية والنازية والمحرقة اليهودية، ولم يعد بالإمكان أن نعطي ثقتنا لأيديولوجيا التقدم والتنوير والحداثة كما كنا نفعل سابقاً.

نلاحظ انه، كمعظم مفكري الغرب، لا يتحدث عن المحرقة الفلسطينية الناتجة مباشرة عن محرقة اليهود. وبالتالي فالغرب مسؤول عن محرقتين لا محرقة واحدة. متى يعترف فلاسفة الغرب بهذه الحقيقة البسيطة والبديهية؟ في الواقع ان بعضهم يعترف كالفيلسوف الماركسي ايتيان باليبار مثلا وله الشكر. وكذلك مكسيم رودنسون يعترف بالحقيقة الموضوعية في فلسطين وبعض الآخرين.

وقد وصل الأمر بجان فرانسوا ليوتار إلى حد نعت هذه الأيديولوجيا الحداثية بالحكاية الطوباوية التي لا معنى لها.. وقال: آن الأوان لكي نخرج من هذه الحكايات الوهمية الكبرى التي خيَّبت آمالنا: أي من العقلانية التنويرية، وفكرة التقدم، والأيديولوجيا الليبرالية، وكذلك الأيديولوجيا الاشتراكية، فهي ليست يقينيات علمية وإنما مجرد طوباويات تحرك الجماهير وتوهمها بالتحرير والخلاص، ولكن بلا جدوى.

ولكن نخرج إلى أين؟ هذا ما لم يوضحه لنا جان فرانسوا ليوتار بشكل جيد. وهكذا بقي مصطلح ما بعد الحداثة غامضاً، ملتبساً، لا أحد يعرف ماذا يعني بالضبط. فالبعض يعني به العودة إلى ما قبل الحداثة وبخاصة في مجال العمارة، والبعض الآخر يعني به القفز على التاريخ أو الهروب إلى الأمام بطريقة مراهقة ولا مسؤولة.

فهؤلاء ينطلقون من فكرة أن الحداثة استنفدت كل إمكانياتها وأعطت كل ما يمكن أن تعطيه ووصلت إلى الباب المسدود. وبالتالي فلم يعد أمامنا إلا أن نقفز عليها لكي نتوصل إلى مرحلة جديدة كلياً، مرحلة لا أحد يعرف سماتها ولا ملامحها لأنها لم تتحقق على أرض الواقع بعد: هي ما يدعونه بمرحلة ما بعد الحداثة. إنها مرحلة مترجرجة، غسقية، لم يستبن فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد... وذلك ككل المراحل الجديدة في التاريخ.

وككل شيء جديد انتشر المصطلح وأغرى الناس باستخدامه وإتباعه باعتبار أن الحداثة أصبحت قديمة، بالية، عفا عليها الزمن !! وهكذا انقلب مصطلح الحداثة إلى عكسه. ولكن لا أحد يتوقف لكي يطرح السؤال: ما الذي حقق كل هذا التقدم الصناعي، والتكنولوجي، والطبي، والعلمي، والسياسي، والاقتصادي للبشرية طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين؟

إنا الحداثة التنويرية ولا شيء غيرها. أيحق لنا بعد كل ذلك أن نرميها في مزبلة التاريخ لأنها انحرفت في لحظة ما عن مسارها وأدت إلى الفاشية والنازية والشيوعية الستالينية؟ ولماذا نرمي الطفل مع الغسيل الوسخ كما يقال في المثل الفرنسي؟ ألا ينبغي علينا بالأحرى أن نغربل الحداثة ونفرز الصالح عن الطالح منها فنبقي على الإيجابيات ونطرح السلبيات؟ أليس هذا هو الموقف السليم والعقلاني؟

على أي حال هذا هو موقف عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين الذي خصص للموضوع كتاباً كبيراً مهماً تحت عنوان: نقد الحداثة. ولكنه لم ينقد الحداثة إلا بعد أن استعرض إنجازاتها الايجابية في الفصول الأولى من الكتاب وكيفية تشكلها على مدار القرون الأربعة المنصرمة من عمر الحضارة الغربية.

ولم يطبّل ويزمّر لفلسفة ما بعد الحداثة إذا كانت تعني الانقلاب على الحداثة وتدمير إنجازاتها الرائعة التي ترسخت في المجتمعات المتقدمة حتى أصبحت حقيقة واقعة لا مرجوع عنها. وقال بما معناه: نعم للنقد الإيجابي للحداثة، ولكن لا، وألف لا للنقد السلبي الهدام الذي يطيح بكل شيء.

وقال أن ما بعد الحداثة ليست إلا امتداداً للنقد التدميري للحداثة على يد ماركس ونيتشه وفرويد، فكل واحد من هؤلاء انتقدها من وجهة نظر مختلفة. لقد انتقدوها عندما كانت لا تزال في بدايات صعودها وليس بعد ان وصلت وانتصرت.. وكان نقدهم مشروعاً وغير مشروع في ذات الوقت. ثم سار على خطاهم لاحقاً كل منتقدي الحداثة التنويرية والليبرالية.

وبالتالي فما بعد الحداثة تعني بمعنى من المعاني تدمير العقلانية والقيم التنويرية والتركيز على حق الاختلاف والنسبية الخصوصية إلى حد تدمير أسس الحضارة الكونية. فهل نحن العرب بحاجة إلى فلسفة من هذا النوع؟ هل نحن بحاجة إلى التشكيك بالعقل والعقلانية والنظام والانضباط، وتمجيد النزعات الغرائزية والفوضى والانفلات؟

ألسنا بحاجة إلى عكس ذلك تماماً في العالم العربي والإسلامي؟ إذا كان الغرب يستطيع أن يسمح لنفسه ببعض الانفلات والخروج على العقلانية الصارمة للحداثة بعد أن شبع منها وملّ وبعد أن بنى بلاده ومؤسساته بشكل راسخ ولم يعد يخاف على نفسه، فإننا لا نمتلك مثل هذا الترف فيما يخصنا.

فنحن أحوج ما نكون إلى ترسيخ القيم العقلانية في بلادنا من أجل محاربة الجهل والتعصب والاستبداد في الرأي وكل القيم القروسطية التي لا تزال تسيطر علينا أو على قطاعات واسعة من مجتمعاتنا. نحن بحاجة إلى البناء والعمران، لا إلى الهدم والتدمير لان كل شيء متهدم عندنا أصلا..

نحن بحاجة إلى الحداثة والتحديث في كل المجالات. وهذا ما قاله ادوارد سعيد في آخر مقابلة أدلى بها قبيل موته بأسابيع قليلة. فقد حذر من أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة كجان بودريار الذي مات في باريس قبل فترة قصيرة وكجان فرانسوا ليوتار وسواهما من العدميين الذين يبثون الشؤم واليأس في أوساط المثقفين العرب وغير العرب من أبناء العالم الثالث.

نحن لسنا بحاجة إلى أفكار فلسفة العبث أو اللامعقول أو سوى ذلك من التيارات العدمية التي يفرزها الغرب وموضاته من حين إلى حين. وانه لشيء سوريالي ان نتلهى بمناقشات بيزنطية عن فلسفة ما بعد الحداثة، ونحن لم نتوصل بعد إلى الحداثة ذاتها!

أقصد من كل ذلك التوصل إلى ما يلي: إذا كانت مجتمعاتنا لا تزال غاطسة في مناخ التصورات القروسطية القديمة، فما معنى أن أتحدث للقراء العرب عن فلسفة ما بعد الحداثة؟! ما معنى أن أدعوهم إليها إذا كانوا غارقين من أعلى رأسهم إلى أخمص قدميهم في عقلية ما قبل الحداثة؟

القارئ الأوروبي يستطيع أن يفهم معنى الانتقال من مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة إذا كان لهذا الانتقال من معنى، لأنه يعيش في مناخ الحداثة العلمية والفلسفية والسياسية والتكنولوجية والاستهلاكية منذ مئة سنة على الأقل. لقد جرَّب الحداثة واكتشف خيرها وشرها ورآها متحققة على أرض الواقع بأم عينيه،

وبالتالي فهو يعرف عن أي شيء نتحدث عندما نلفظ كلمات من نوع: حداثة، ما بعد الحداثة، ما قبل الحداثة، نقد الحداثة، او تنوير، ما بعد التنوير الخ.. أما القارئ العربي الذي لم يتح له حتى الآن أن يعيش في مثل هذا المناخ الحداثي المتطور، أي لم يتح له أن ينتقل من مرحلة ما قبل الحداثة إلى مرحلة الحداثة، فأنّى له أن يفهم كل هذه المناقشات العويصة التي تخص واقعاً آخر غير واقعه، وثقافة أخرى غير ثقافته؟

وبالتالي فمن الأفضل للمثقفين العرب أن يشغلوا أنفسهم بمشاكل واقعية محسوسة تخصنا بالفعل: كمشكلة التخلف، والتنمية، والاستبداد السياسي، والتعصب الطائفي والمذهبي الذي يهددنا بحروب أهلية لها أول وليس لها آخر.

إأن المشكلة الملحة المطروحة علينا هي نقد الموروث المتراكم المتحجر والعصبيات القديمة المتأصلة في النفوس، لا نقد الحداثة، على عكس ما هو سائد في الغرب. ونحن بحاجة إلى تنمية العقلانية لا تفكيكها، وإلى ترسيخ الحداثة لا نقدها وتشريحها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالخميس نوفمبر 12, 2015 1:19 am

الحداثة مشروع إنساني لم يكتمل بعد
موريس أبو ناضر

ما زالت المناظرة الكبرى حول الحداثة، وما بعد الحداثة، تحتلّ حيّزاً كبيراً في كتابات المفكرين الأوروبيين والأميركيين على السواء. فرورتي في أميركا، وفوكو وليوتار ودريدا في فرنسا، يعتبرون أن مشروع الحداثة فشل بعدما جرّب نفسه، وجرّبته الناس طوال مئتي عام. وأنه لم يؤدّ الى تحرير الإنسان كما كان متوقّعاً، بل الى استعباد الإنسان للإنسان وتقييده بأصفاد غير مرئية غالبا، كما انه لم يحقق التقدّم المنتظر، وإنما فقط الحروب والنزاعات التي حطّمت أوروبا ووضعتها في مصاف الدول النامية بالمقارنة بأميركا.

يعترف كثيرون من الدارسين أن الأفكار التي عرفت بها الحداثة هي نتيجة سياق تاريخي، بدأ مع سقوط القسطنطينية عام 1453، واكتشاف أميركا عام 1492، وتتابع مع التفاعل العظيم بين إبداع الأفكار الثورية في الفيزياء والفلك والرياضيات، وطرح المناهج والأنساق المعرفية الجديدة مع ديكارت وكانط وهيغل، وتكرّس وجوده مع تغيّر نظرة المجتمع كلية الى ذاته، وإلى العالم الذي يعيش فيه.

كان للأفكار التي عرفت بها الحداثة أثراً كبيراً في بلورة مفاهيم مركزية وتطويرها، وهي تتجسّد في ثلاثة مفاهيم: الذاتية والعقلانية والعلموية.

يعتبر دارسو الحداثة أن مفهوم الذاتية هو من أوّل المفاهيم التي شكّلت قاعدة الحداثة، فالإنسان أدرك نفسه كذات مستقلّة. ذات تكون علامة على صاحبها، لا تكتفي بأن تعلن عما يميّزها عن الطبيعة، بل تسعى الى ترويض هذا العالم، وجعله بكل كائناته مقاساً بالمقياس الإنساني. وأكّد ذلك ديكارت الذي حضّ الإنسان على أن يستمدّ يقينياته من ذاته، وليس كما كانت الحال في العصور الوسطى حيث كان يسيطر الفكر الديني على كل شؤون الإنسان، ويفرض عليه عقيدته وسلطته.

وقد تمظهر مفهوم الذاتية في شكل واضح في الجرأة على اقتحام كل الميادين، وكل تمظهرات الحياة لمعرفتها على حقيقتها وتبدّى في إرادة التغيير، تغيير الواقع بتغيير معطياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتبيّن في إرادة الهيمنة على مجالات الطبيعة والحياة والسعي الى احتلال بلدان القارات الأخرى.

ويرى دارسو الحداثة أيضاً، أن هذه الأخيرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقلانية، لأنها متماهية مع انتصار العقل. فمنذ أن أعلن ليبنتز أن لكل شيء سبباً معقولاً، أصبح العقل مصدر الصدق، وأساساً للحقيقة والمعرفة المنهجية، ووحده القادر على اكتشاف القوانين التي تسمح للإنسان بالسيطرة على الطبيعة وعلى الإنسان أيضاً. وهذا ما أدّى الى قيام النموذج الرياضي كمقياس أوحد لعلمية التفكير ومنهجيته، وأصبح بالتالي العلم نموذجاً للفلسفة وقدوة لها، ما أدّى الـى الانفــصــــال عن الإيديولوجيا العقائدية. والمقصـــود بـــذلك قراءة «النص» وفهمه عقــــليـــاً وتفسيره من خلال معطيات العصر.

ويرى الباحثون في مفهوم الحداثة ثالثاً الى أن العقلانية ساهمت في تنشيط العلموية التي تشير الى ثقة الإنسان بالعلم الى الحدّ الــذي جعل منه المعيار الأوحد للحقيقة. وهكذا تصبح المعرفة مساوية للعلم، وهو المعرفة الحقة والصحيحة، وقد سيطرت على الإنسان بسبب ذلك قناعة بأن كل ما هو موجود، وكل ما يستجدّ في هذا العالم محكوم بقوانين باستطاعة العلم الإحاطة بها ومعرفتها، كما بإمكان التقنية العلمية السيطرة عليها.

يفيد دارسو الحداثة أخيراً بأن العلموية اتخذت من التقنية ماهية لها حتى اشتركت الإثنتان في دلالة واحدة، لاتكتفي بالحطّ من قيمة الأنماط المعرفية الأخرى، بل تطاول الفضاء الثقافي كله، وتتحوّل إلى ثقافة وإيديولوجيا، بل الى ميتافيزيقيا أيضاً. وهكذا يغدو العلم التقني ثقافة تحلّ محل الثقافة التقليدية وتكيّفها بالتدريج، معلناً أنّ بقدرته السيطرة على العالم، لا بل ذهب الى أبعد من ذلك مدّعياً أن السعادة لا يمكن الحصول عليها إلا من خلاله.

إذا كان رورتي وفوكو ودريدا وليوتار وجماعة ما بعد البنيوية ينتقدون الأفكار التي حملتها الحداثة الى الناس في الغرب، حتى ليصل بهم الأمر أحياناً الى حدّ رفض الحداثة والعقلانية والسقوط في مهاوي العدمية والفوضى، فإنّ الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس الذي يكرّس له علي عبود المحمداوي كتابه «الإشكالية السياسية للحداثة - من فلسفة الذات الى فلسفة التواصل» (منشورات ضفاف) يردّ عليهم منبّهاً الى خطورة أطروحاتهم، داعياً إياهم الى عدم الاكتفاء بذكر السلبيات، وإنما ذكر الإيجابيات، ومنها أن الحداثة أدّت الى ايجاد دولة القانون والحق، وحرية التعبير، والنشر، والتفكير، والتنقّل من بلد الى بلد آخر، كما جلبت التقدم التكنولوجي والطبي الهائل. صحيح كما يقول هابرماس إنّ ظاهرة الاستعمار، ونهب العالم الثالث، ومحاولة السيطرة عليه، وجشع الشركات الرأسمالية الذي لا يرتوي، إضافة إلى ظاهرة الفاشية والنازية، كل ذلك حصل في عهد الحداثة، لكنّ ذلك يدلّ على انحرافات أصابت عقل الحداثة، لا على خلل في الحداثة ذاتها، لأن الحداثة التي حرّرت العقل، حرّرت الإنسان ودفعته الى التقدّم المطرد الى ما لا نهاية، وخفّفت من آلامه إلى أقصى حدّ ممكن وأطالت عمره بفضل تقدّم العلم والطب.

إذا كانـــت الحداثة ساعدت في استغلال الموارد الطبيعية، وتحويلها إلى رؤوس أموال وساهمت في نموّ القوى الإنتاجية، وزيــــادة قدرات العمل، وبنت سلطات السياسة المركزية، وشكّلت الهويات القومية، وعلمنة القيم والمعايير، فإنها لم تنته بعد ولم تنـــجز، على ما يقول هابرماس لأنها تعالــــج مشاكل لم يتمّ حلها بعد، ولأنه يعتقد بأنه من العبث واللاجدوى الوقوف في وجه الحداثة لأن بدائلها ستكون أسوأ منها. ولأن الحــداثة بإنسانيتها وعقلانيتها لم تستطع علاج تلك المشاكل، لذلك يجب الأخذ بالرأي القائل إن الموضوعات التي تعالجها الحداثة لم تبلغ منتهاها، وبمعيّتها فمشروع الحداثة لم ينته بعد.

لم يكتف هبرماس بالدفاع عن الحداثة، وتبيان إيجابياتها، وإنما لجأ الى نقد الحداثة من الداخل، وإعادة بنائها لا كما يفعل الآخرون الذين وجدوا أن الحداثة استنفدت موضوعها وتاريخها، وأنها لا تستطيع أن تكون هي المشروع الإنساني المعاصر، أو قصرها على جانب من دون آخر، وإنما بإيجاد الحلول لإشكالياتها. لذلك تحدّث هابرماس عن التذاوت ( البين ذاتية ) للخروج من أزمة فلسفة الذات أو الوعي أو مبدأ الذاتية، وتحدّث عن العقلانية التواصلية للخروج من أزمة العقل الأداتي ( العقلنة الهادفة والغرضية ) والذي شغل عالم الطبيعة، واقتحم العالم الإنساني، مثلما تحدّث عن ضرورة التخلّص من هيمنة التقنية والعلم اللذين صارا عقيدة الحياة المعاصرة المزيّفة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

نظرية مابعد الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية مابعد الحداثة   نظرية مابعد الحداثة Emptyالأحد ديسمبر 13, 2015 7:45 am

الظاهرة الافتراضية.. السياقات النظرية والاتجاهات العملية

تقديم

تعدّ تكنولوجيات الاتصال الرقمية الحديثة واحدة من أهمّ سمات اللحظة الراهنة، وتعتبر الفضاءات الافتراضية والشبكات الاجتماعية (فايسبوك،my space ،twiter...) من أبرز تجلّياتها. فهناك إقبال كبير على هذه الشبكات، إذ بلغ عدد مرتاديها 700 مليون مشترك نصفهم على الأقلّ مسجّل بموقع فايسبوك الشهير الذي أسّسه الطالب بجامعة هارفرد، مارك زوكربورغ، سنة 2004.

تطرح علينا هذه الظاهرة عدّة أسئلة وإشكاليات حول مدى تأثير هذه الشبكات في وعي الإنسان المعاصر وانعكاسها على حياته، فهل هي ظاهرة تقنية بحتة أم أنّها متمخّضة عن سياقات نظرية ساهمت في ظهورها وانتشارها؟ وهل العالم الافتراضيّ الذي تتيحه هذه الشبكات الاجتماعية يشكّل تعويضا عن الواقع وبديلا عنه؟ إنّ ما يلي هو محاولة في التفكير حول مجمل هذه الأسئلة المطروحة.

السياقات والإشكالات النظرية المتعلقة بالفضاءات الافتراضية

1- إشكالية الواقعيّ والافتراضيّ

تطرح العلاقة بين الواقعيّ والافتراضيّ إشكالية الهروب من الواقع، إذ أنّ العديد من المتابعين للفضاءات الافتراضية لا يخفون مخاوفهم من إمكانية تحوّل هذه الشبكات الاجتماعية إلى وسيلة يستعملها الفرد للبحث عن تحقيق الذات وحاجاتها الوجدانية والتواصلية التي عجز عن تحقيقها على أرض الواقع. فيصبح العالم الافتراضي نتيجة لذلك واقعا كامنا في وجدان الفرد ومخيّلته يبتعد به عن التواصل الفعلي والحقيقيّ، ممّا قد يقيم حاجزا أمام وجوده المجتمعيّ الحيّ والمحسوس.

ولئن بدت هذه المخاوف على قدر مهمّ من الوجاهة، فإنّ هناك من الاتجاهات النظرية التي تؤيّدها دراسات ميدانية ما يؤكّد أنّ الحياة الافتراضية اليوم ليست في تناقض مع حياتنا الطبيعية والواقعية أو بديلا عنها بل هي مكمّلة لها. إذ أنّ المساحة التي تخلقها هذه الفضاءات الافتراضية والتي تطلق العنان للوعي ليتجوّل دون قيود الجسد، توفّر فرصا إضافية للتواصل وللتعارف ولاستثمار القدرات الكامنة في الذات ولتنمية مهاراتها. يعدّ ذلك إضافة حقيقية للوجود الإنساني المعاصر، خاصة أنّ العلاقة بين الافتراضيّ والواقعيّ ليست منفصلة تماما، بل نجد في كثير من الأحيان تداخلا وتقاطعا بينهما من قبيل حالات الزواج في الواقع الناتجة عن تعارف افتراضيّ. ومن ثمّ يضاف إلى وجودنا بعد جديد هو البعد الافتراضي الذي يكمل وجودنا الحقيقي. في هذا السياق استخدم المفكّر الفرنسي جون بودريار في كتابه "النسخ الشبيهة والمحاكاة"(1) مقولة توراتية تقول : "إنّ النسخة الشبيهة لا تخفي الحقيقيّ البتّة، بل إنّ الحقيقيّ هو الذي يخفي واقع عدم وجود شيء حقيقيّ. إنّ النسخة الشبيهة هي حقيقية". ويعتبر بودريار من أوائل من لمحوا تأثيرات الوجود الافتراضيّ على الإنسان، فشرح مفهومه عن "الواقع الفائق" Hyper Reality، الذي يصف العيش الحاضر المتمازج بين الافتراضيّ والحقيقيّ.

2- التواصل والأفق الحداثي الممكن

من أهمّ ما يميّز فكر الحداثة هو انبناؤها تحفّظ على شمول مبدأ النقد بما يوفّره من إمكانية لتصحيح المسار الإنساني عند حدوث عوارض لتراجعات محتملة في الفكر والممارسة.

ولعلّ من أبرز ما وجّه للحداثة من نقد هو ما يتعلّق بإشكالية إرادة الهيمنة والتمركز(2) التي شملت مجالات عديدة سياسية واقتصادية ومعرفية داخل الفضاء الحداثي الغربي وخارجه، ممّا تمخّض عنه احتكار للحقيقة ولوسائل إنتاج المعرفة ولوسائل الإعلام والتواصل..

ويعتبر الفيلسوف الألماني ما بعد الحداثي "يورغن هابرماس" من أبرز المشتغلين على هذه الإشكالية. ففي سياق بحثه عن أفق حداثيّ أفضل يتأسّس على الفعل التواصليّ، بلور هابرماس نقده في إطار نظرية العقلانية التواصلية التي تؤسّس لفهم جديد للحداثة وممارسة جديدة لعقلانية قائمة على الفعل التواصليّ، لا تلغي الآخر ولا تهمّشه، بل تتحاور معه خطابياً، عبر عقل تواصليّ منفتح على الآخر وغير متمركز حول ذاته.

ولقد انطلق هابرماس في تناوله مجال التواصل من الفضاء العامّ وكيفية تشكّل الرأي العامّ، حيث يرى أنّ الفضاء العامّ قد كان مجالاً أو ميداناً للتعبير عن الرأي الفكري والنقدي، ثم جاءت وسائل الإعلام لتحتلّه وتشوّهه، وتسيطر على مضمونه جاعلة منه دعامة للإيديولوجيا والمصالح. فبات من الضروريّ، مع تحوّل العلم والإيديولوجيا إلى أدوات للهيمنة(3)، مساءلة الفضاء العامّ والتفكير من جديد في التواصل، وذلك من خلال تأسيس نظرية اجتماعية وثقافية في التواصل(4) تسمح بالشروع في تفكير عقلي ونقديّ جديد ومستقلّ في قضايا عصرنا، وهو أمر لا يتمّ إلا بواسطة نظرية الفعل التواصليّ حسب هابرماس.

إن تشديد الفلسفة النقدية المعاصرة على أهمية الفعل التواصلي الأفقي "بعيدا عن إرادة مؤسّسات السلطة(5) والهيمنة" يمثّل في تقديري الإطار النظريّ المشجّع الذي امتدّت في ضوئه الفضاءات الافتراضية والشبكات الاجتماعية التي يمكن أن ندرجها ضمن سمات عصر ما بعد الحداثة.

3- العولمة و"انهيار الجغرافيا"(6)

تمثّل العولمة باعتبارها سعيا كونيّا نحو إلغاء الحدود الجغرافية والحواجز السياسية والدينية أرضية خصبة ساهمت في ظهور الفضاءات الافتراضية التي فعّلت ما يسمّى "حوار الحضارات"، من خلال توفير فرص للتحاور بين أفراد ينتمون لثقافات مختلفة معبّرين عن هواجسهم الفردية وقناعاتهم الشخصية ورؤاهم للآخر، وهو ما يؤدّي إلى ترسيخ روح الغيرية وتقبّل الآخر بعد فهمه شيئا فشيئا من خلال الحوار والنقاش المتبادل، بعيدا عن المقولات الإقصائية والمتمركزة حول الذات التي ترعاها وتروّج لها مؤسّسات ذات مصالح، من قبيل المؤسسات الدينية والاثنية والسياسية.

كما أنّ الكثير من المحتويات التي تؤثّث الفضاءات الافتراضية لا تقتصر على الواقع المحلّي للفرد الذي يتعامل معها، بل تشمل ظواهر عالمية تجعل الفرد منفتحا على كلّ ما يجري في العالم الخارجي من أحداث وتطوّرات في شتّى المجالات، ممّا يولد مع الزمن وعيا أو انتماء عالميّا لدى الأفراد، دون أن يحلّ بالضرورة محلّ الانتماء إلى الواقع الاجتماعي المحلي .

4- الاتجاه نحو الديمقراطية

إثر سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، اتجهت أغلب التيارات الأيديولوجية عربيا وعالميا إلى الاقتناع شيئا فشيئا بأهمّية الديمقراطية كنظام للحكم وكثقافة مجتمعية، خاصة بعد اعتماد مناطق عديدة من العالم الديمقراطية نهجا في الحكم، مثل دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. في هذا السياق العالمي المتّجه قدما نحو الديمقراطية، نجد أنّ الفضاءات الافتراضية عنصر متناغم مع هذا الاتجاه، بل يمكن أن نعدّه عاملا لتسريع عملية الانتقال الديمقراطي في عديد المجتمعات والثقافات المتردّدة ديمقراطيا، وذلك بما يوفّره من فرص المساواة والاستقلالية باعتبارها مبادئ مؤسّسة للمجتمع الديمقراطي، وترسيخ لقيم التفاهم والحوار السلمي في ظلّ ظروف الاختلاف الاجتماعي والثقافي.

ولقد أدّى الانتشار الواسع للفضاءات الافتراضية إلى خلق مجال جديد لممارسة الديمقراطية وهي "ديمقراطية الإنترنت" التي لم تكن موجودة في الإنترنت "القديم"، فإنتاج المضامين لم يعد حكرا على أصحاب رؤوس الأموال، بل أصبح متاحا للمستخدم العاديّ بفضل تكنولوجيا الويب. كما نجحت المواقع الافتراضية الجديدة في زحزحة سقف التعبير الضيق الذي وضعته مؤسّسات النظام وثقافة المجتمع التقليدية، فخلقت نوعا من الليبرالية التضامنية التي يقف أصحابها في تماسك وتلاحم قويّ ضدّ الممارسات التي تعمل على تقييد حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهو ما جعل بعض الدول العربية تقوم بحجب بعض المواقع الافتراضية بتعلات أخلاقية وأمنية كما تقول. ومن بين هذه الدول، نذكر سوريا التي حجبت الفايسبوك، وتونس التي حجبته ثم أعادته، والإمارات التي حجبت القسم الخاص بالمواعدة.

الآثار العملية الواعدة للفضاءات الافتراضية

1- الفضاءات الافتراضية ..إعلام جديد أكثر عمومية وديمقراطية

شهدت وسائل الإعلام التقليدية تنافسا بين مختلف القوى والنخب السياسية والثقافية، وذلك لأهمّية هذه الوسائل الإعلامية في صناعة الرأي العام والتأثير في مجريات الأحداث. فعلى سبيل المثال، تمّ إطلاق شبكة CNN(7) الأمريكية في مطلع التسعينات فاحتكرت نقل الخبر خلال حرب الخليج ولعبت دورا كبيرا في التأثير في الرأي العامّ الدولي، ومن ثمّ على مسار الحرب. غير أنّه وبعد الثورة الرقمية التي شهدها العصر الحديث ظهر ما يمكن أن نطلق عليه الإعلام الجديد الذي أحدث ثورة في عملية الاتصال، فنقلها من شكلها التقليدي القائم على احتكار نخبة ما لنقل الخبر وإنتاج المعلومة، نحو نمط أكثر ديمقراطية وجماهيرية في عملية الاتصال، حيث أصبح باستطاعة الفرد أن يرسل ويستقبل ويتفاعل ويعقّب ويستفسر ويعلّق بكلّ حرية وبسرعة فائقة. فالانترنيت، على سبيل المثال، لم تسهّل فقط عملية الوصول إلى المعلومات والأخبار والبيانات، بل أتاحت أيضا الفرصة للمستخدم لإنتاج المضامين والرسائل والبيانات من خلال أشكال تعبيرية مختلفة كمنتديات الحوار والصفحات الشخصية وغرف الدردشة والمدوّنات. وهكذا يصبح مستخدم شبكة الانترنيت يستقبل ويرسل ويتفاعل ويساهم ويشارك في صناعة المعلومة وتبادلها وهو ما يجعل منه طرفا فعالا في العملية التواصلية. إذ أنّنا نجد اليوم "المواطن الإعلامي" يعمد إلى تصوير الأحداث بواسطة جواله أو كاميرته الخاصة ووضع أشرطة الفيديو على الشبكات الاجتماعية، حتى باتت مؤسّسات إعلامية كبرى مثل الـ"سي.أن.أن" والـ "بي.بي.سي. نيوز" تأخذ قدرا كبيرا من المعلومات الموجودة على "التويتر" وعددا من الأشرطة المحمّلة على "اليوتيوب". وهكذا ظهرت مصطلحات جديدة من قبيل الفضاء العامّ الافتراضي والديمقراطية الإلكترونية وديمقراطية وسائل الإعلام، وصحافة المواطن (citizen journalism) وتحوّلت الشبكات الاجتماعية إلى وسائل للإعلام البديل.

2- التاثير السياسي للفضاءات الافتراضية

لم يقتصر دور الشبكات الاجتماعية على الإعلام ونقل الحدث، بل لعبت دورا أساسيا وحاسما في عديد المحطات السياسية الكبرى في العالم، حيث لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبته هذه الشبكات في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال جمع التبرّعات والدعاية الانتخابية. كما ساهم النشاط الإعلامي الشعبي في هذه المواقع خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة في التأثير على الرأي العام الدولي الذي بلغ ارفع مستويات التعاطف مع القضية الفلسطينية، وتزعزعت الصورة التقليدية للكيان الصهيوني لديه وهو ما ظهر جليا من خلال حملات المساندة وحشود الدعم المطالبة بوقف العدوان ووقف الحصار التي شهدتها جلّ عواصم العالم. كما لعبت هذه الشبكات دورا مهمّا في الأحداث الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وذلك عبر استعمالها في التنسيق بين عديد المعارضين في الانتخابات الإيرانية، وفي تحديد أماكن التظاهرات، وجمع وتبادل المعلومات، ممّا دفع الخارجية الأمريكية إلى تقديم طلب لإدارة موقع تويتر بتأجيل أعمال الصيانة المزمع إنجازها خلال الأيام التالية للإعلان عن نتائج الانتخابات والتي كانت ستعطّل خدمات الموقع خلالها. ولقد انتبه الحزب الوطني الحاكم في مصر على سبيل المثال إلى أهمّية الفايسبوك فسعى إلى استخدامه للترويج لسياساته ورموزه وعلى رأسهم جمال مبارك رئيس لجنة السياسات في الحزب، وللتصدّي لنشاط المعارضة الالكتروني إذ أصبح الانترنت في الآونة الأخيرة إحدى البؤر المقلقة للحكومة خاصة وأنّه قد كان المجال الذي انطلقت منه شرارة الإضراب الناجح لسنة 2008 وظهرت فيه ما يسمّى بحركة 6 ابريل والعديد من الحملات المندّدة بالتوريث والمعارضة لسياسة الحكم.

كل ذلك يجعلنا نتساءل حول دور ممكن لهذه الشبكات في تغيير الأنظمة وتحديد شكل العالم الجديد، ونذكر في هذا السياق قول رئيس الوزراء البريطاني "غوردن براون" أنّ السياسة الخارجية ستتغيّر بفضل الإنترنت، واصفا حقبة الإنترنت بأنها أكثر صخبا من أيّ ثورة اقتصادية أو اجتماعية، معتبرا أنّ الإنترنت أو ثورة المعلوماتية كانت ستمنع الإبادة الجماعية لأنّ أيّ معلومة كانت ستخرج إلى العلن بسرعة والرأي العامّ سيتحرك.

3- الفضاءات الافتراضية.. فضاء للأعمال والإشهار

تلعب الفضاءات الافتراضية دورا هامّا في مجال الأعمال، حيث أصبحت الشركات تعوّل عليها في عمليات التسويق للمنتوجات وعمليات انتداب للشغل، إذ يتمّ اليوم التعرّف على الأشخاص المؤهّلين لخطة عمل معيّنة عبر الشبكات الاجتماعية مثل الفايسبوك، وكذلك في عمليات الإشهار نظرا لتمتّعها بخاصية الومضات الإشهارية الانتقائية من خلال التوجّه بالمنتوج مباشرة لمن يحتاجه، وذلك بالتعرف على ميولات الشخص وحالته الاجتماعية ومستواه التعليمي والبلد الذي ينتمي إليه.

4- الأثر الثقافي والاجتماعي للفضاءات الافتراضية

إنّ للفضاءات الافتراضية تأثيرا كبيرا على المستويين الاجتماعي والثقافي للأفراد وذلك عبر:

* تأثير الزمن الافتراضي على الزمن الاجتماعي والثقافي(8)

يفرض الزمن الافتراضي وتيرة أسرع من تلك التي يقوم عليها التحوّل الاجتماعي، فما كان يتعرّض له الفرد خلال فترة طويلة من التنشئة الاجتماعية أصبح يواجهه في لحظات معدودة على الزمن الافتراضي، وما كان يقدّم للفرد من مفردات وسلوكيات وأفكار تدريجيا في الزمن الاجتماعي -عبر تجارب ممتدّة في الزمن - أصبح من الممكن تقديمه تزامنيا في لحظة واحدة، إذ أنّ الزمن الافتراضي يخرق جلّ هذه الحدود ويقفز فوق هذه المراحل، وهو ما يساعد الفرد على النظر إلى الذات وإلى المجتمع من زاوية نقدية خارجية نظرا لمعايشته لعوالم متعددة.

* احتواء التطرّف وعقلنة الخطاب

لئن بدت النقاشات التي تدار على صفحات الفضاءات الافتراضية متشنّجة ومحمّلة أحيانا بخطاب الأقليات والأصوليات "خاصة في المجتمعات ذات الهامش الضيّق من منابر الحوار والتدافع المدني"، فإنّ من المرتقب على المدى البعيد أن تتحوّل تدريجيا إلى نوع من الخطاب أكثر عقلانية وبرهانية، بما توفّره من نقاش وحوار وتفاعل تشكّل جميعها حقلا للاستعمال العمومي للعقل والبرهنة اللذين يعدّان شرطين من شروط التنوير والتحرّر(9).

* المرأة والفضاءات الافتراضية

أما عن علاقة المرأة بالفضاءات الافتراضية، فإننا نلاحظ حضورا بارزا لها في هذه الفضاءات(10). وفي تقديري، يساهم هذا النشاط المطّرد والنوعيّ للمرأة التي تناقش وتحاور وتقرّر وتشكّل علاقاتها بكلّ استقلالية، في جعلها أكثر مشاركة وحضورا وذات صدى مختلف عن الصورة النمطية السابقة للمرأة العربية، ممّا قد يسرع ويسهل تقبّل نشاطها المجتمعي والمدني كمواطنة فاعلة خاصة في البلدان الأكثر محافظة.

ومن المفارقات المدهشة في مشاركة النساء العربيات في الفيس بوك مثلا، أنّ الكثير منهنّ يفضّلن عدم وضع صورهنّ على صفحاتهن، والاستعاضة عنها بزهرة أو رسم أو تركها خالية وهو ما يبدو غير متناغم مع فلسفة الموقع المخصّص أصلا للتعارف والتواصل. وربما يعود ذلك إلى الثقافة المحافظة التي تعترض على نشر صور النساء، أو بسبب مخاوف من أن يساء استخدام الصور بطرق قد تمسّ السمعة، أو أن تستغلّ تجاريا في دعايات وإشهار أو ما شابه ذلك.

* تنمية الحسّ المدنيّ والتربية على المواطنة

للاحتكاك بالتنوع الثقافي والمعرفي الذي يوفّره الوسط الحضري أثرٌ على الذهنية الحضرية، إذ أنّنا نلاحظ أنّ الوعي الوطني الشامل لدى سكّان المدن أعلى من نسبته لدى سكان الأرياف الذين غالبا ما يبقون حبيسي اهتماماتهم المحلية(11). في هذا السياق، يمكن أن نستشرف أفقا أوسع لوعي مدنيّ يتأسّس على الثراء والتنوّع الثقافيّ الموجود داخل الأطر الافتراضية، لتصبح بذلك هذه الشبكات الاجتماعية مجالا لتقوية الحسّ التضامنيّ من خلال تنظيم عديد الحملات التضامنية عبر العالم وجمع التبرّعات والتعريف بالمنظمات الخيرية والقضايا الإنسانية.

* الفضاءات الافتراضية مجال لتوسيع الدائرة العمومية والفضاء العامّ

تتيح الفضاءات الافتراضية فرصة واسعة للمشاركة في قضايا الشأن العامّ والانخراط في المداولات والنقاشات العامّة من خلال ما توفّره لمستعمليها من مجال لعقد نقاشات عامّة ونشر مقالات رأي والانتماء إلى مجموعات عمل "Groupes " ذات اهتمامات مشتركة (12).

فبينما كان الرأي العام يصاغ في اليونان القديمة في ما يعرف بالاغورا "AGORA"، وهي الساحة التي تعقد فيها المجالس البلدية في اليونان القديمة، ثمّ تطوّر المجال مع عصر الأنوار الأوروبية وظهور الدولة البرجوازية ليشمل الفضاءات العمومية كالبرلمان والبلديات والصحافة(13)، فإنّ مجال العمومية قد توسّع ليشمل الفضاءات الاجتماعية الالكترونية في عصر ما بعد الحداثة، ممثّلا بذلك فرصة لمراجعة مفهوم الرأي العامّ وطريقة تشكّله، خاصة وأنّ المؤسّسات الليبرالية التقليدية، كالبرلمان والصحافة، غالبا ما تحوّلت عن وظيفتها النقدية والتداولية إلى وظيفة التزييف والمغالطة وتشويه الحقيقة، فأنتجت بذلك وعيا مستلبا ووهميا لدى الجماهير .(14)

مواقف متحفّظة على الفضاءات الافتراضية

تعود بعض المواقف المتحفّظة على الفضاءات الافتراضية واستعمالها إلى أسباب عديدة من أهمّها الأسباب الأخلاقية، إذ يبدي بعض الناس مخاوف من بناء المراهقين لعلاقات وغير ذلك بعيدا عن رقابة الآباء. والأسباب المؤامرتية حيث يحجم العديد من المستخدمين العرب عن استعمال الفيس بوك بسبب الدعوات التي انتشرت عن عدم خصوصية معلومات المستخدمين وسيطرة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على هذا الموقع الاجتماعي !!! كما يبدي الكثير من الناس مخاوفهم من انتهاك حياتهم الخاصة عبر هذه الفضاءات من خلال انتشار الصور والأخبار الشخصية التي تكون أحيانا حميمية، رغم أنّ هذه المخاوف تبدو في نظري غير ذات قيمة في الواقع العربي، حيث لا يحمل مفهوم الخصوصية الأهمية ذاتها التي يحملها في العالم الغربي، نظرا إلى أنّ الشباب العربي عموما يشعر بأن خصوصيته يقع أصلا انتهاكها يوميا من قبل الأسرة والمجتمع والحكومات. فيظلّ السبب الأبرز في تقديري هو ضعف العلاقة بوسائل الاتصال الحديثة، إذ لا تزال المجتمعات العربية بعيدة عن الثقافة الرقمية نظرا لارتفاع نسب الأمّية وضعف البنية التحتية والإمكانات المادية الضرورية لانتشار استعمال الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة.

* الفضاءات الافتراضية وجدل الفتوى

أثارت الفضاءات الافتراضية في العالم الإسلامي جدلا فقهيا وتضاربا في الفتوى، فبينما ذكرت صحيفة الراية القطرية أنّ لجنة الفتوى في الأزهر قد أصدرت فتوى شرعية تحرّم الدخول إلى ''الفيس بوك'' واعتبرت زائريه آثمين شرعاً(15)، أكّد الشيخ سلمان بن فهد العودة (المشرف العامّ على مؤسّسة "الإسلام اليوم") أنّ موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيس بوك" عالم مليء بالمدوَّنات، وأنه يجب تحفيز الناس على المشاركة الإيجابية فيه وليس تحريم دخوله، وذلك في تعليقه على فتوى الأزهر التي حرَّمت دخول "الفيس بوك" مؤخرًا.

ختاما

في الختام، نخلص إلى أنّ الفضاءات الاجتماعية الافتراضية توفّر فرصة للتثاقف والتواصل وترسيخ ايتيقا الحوار في جميع الاتجاهات ومن قبل مختلف الفعاليات، وتمثّل بذلك أملا في أفق بناء أسس صلبة لفضاء عامّ يشكّل لبنة أساسية في تنمية المواطنة، حيث يتكثّف النقاش والحوار والنقد وتبادل الآراء والأفكار، بما يؤثّر في صنع القرار وخدمة المصلحة العامّة لبلداننا من ناحية، وترسيخ قيم التعارف والإنسانية المشتركة من ناحية أخرى.


الهوامش:




1- voir : Baudriallard(Jean) ,Simulacres et simulation ,Galilée , Collection Debats (Paris, France), 1981

2- انظر عبد اللطيف كمال ,نقدالمركزية الثقافية الغربية,مجلة العربي,العدد 499

3- 1999 انظر هابرماس ( يورغن) ,التقنية و العلم كأيديولوجيا ,ترجمة الياس حاجوج,دمشق,

4- تأسيس علاقات تواصلية متحررة من كل أنواع القيود و الرقابة والسيطرة

5- مؤسسات السلطة الرمزية كالكنائس و وسائل الإعلام و الجامعات .....

6-" ابتدعه الفين توفلر في كتابه صدمة المستقبل demise of geography" مصطلح انهيار الجغرافيا

Alvin toffler ,Future shok, Bantham Books 1990 ,p91

7- 139-141 الإعلام و تفكك البنيات القيمية في المنطقة العربية ,ص انظر

8- وتيرة حركة الإنسان في مجتمع ما

9- انظر Habermas ,l’espace public, ص114 "ان المنظورية الانوارية هي أن نفكر بأنفسنا وان نفكر بصوت عال "

10- 60% من المشاركين في الفيس بوك هن نساء حسب بعض الإحصائيات

11- و يبدو ذلك جليا في ضعف المشاركة السياسية و المدنية بالأرياف مقارنة بالمدينة

12- شبيهة بالجمعيات ومجموعات الإعلام و الضغط الاجتماعي

13-اثر نشوء الصحافة في انكلترا في ترسيخ الديمقراطية على عكس فرنسا التي تأخرت فيها التقاليد الديمقراطية ’انظر في هذا الصدد "الفضاء العمومي ومطلب حقوق الإنسان هابرماس نموذجا" ,عبد السلام حيدوري,ص170

14- يقول هابرماس "لكن ماحدث في القرن الثامن عشر في انقلترا وفرنسا وامريكا هو تحول الصحافة النقدية إلى صحافة موجهة نحو الاستهلاك اليومي مما أدى الى إفراغ الدائرة العمومية من وظائفها السياسية النقدية وتحولها إلى دائرة لترويج الإنتاج و الاستهلاك"

Habermas ,l’espace public , , p 177

15- و غالبا ما تصدر مثل هذه المواقف عن منظومات متحفظة و متخوفة إزاء كل ما تنتجه الحداثة , كالمواقف المتحفظة إلى وقت قريب من الفاكس و الفضائيات وغالبا ما تكون نابعة من اتجاهات وهابية يغلب عليها الثقافة البدوية و القبلية ....






مراجع البحث

1- المراجع باللغة العربية

* حيدوري، عبد السلام. الفضاء العمومي ومطلب حقوق الإنسان هابرماس نموذجا. مكتبة علاء الدين صفاقس،الطبعة الأولى لسنة 2009
* عزي، عبد الرحمن. الإعلام وتفكك البنيات القيمية في المنطقة العربية "قراءة معرفية في الرواسب الثقافية".الدار المتوسطية للنشر ،الطبعة الأولى لسنة 2009
* هابرماس، يورغن. القول الفلسفي للحداثة. ترجمة فاطمة الجيوشي، دمشق سوريا، 1995
* اسون، بول بوران. مدرسة فرانكفورت.ترجمة سعاد حرب، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، ط1، 1990 ،ص 7_9
* نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة نموذج هابرماس.افريقيا

الشرق، 1998 ، ط 2 ، ص 8


2- المراجع باللغة الفرنسية

o Baudriallard ،Jean ،Simulacres et simulation ،Galilée ، Collection Debats (Paris، France)، 1981



* HABERMAS ، Jurgen، l’éspace public ، Archeologie de la publicité comme dimention constitutive de la société bourjoise ،tr de l’Allmend par Marc B.De launay ،Payot، Paris ،1978


3- المراجع باللغة الانكليزية

* Toffler، Alvin. Future shock .(Bantham Books،1990) p.91.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظرية مابعد الحداثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نهاية الحداثة الفلسفات العدمية و التقسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة _ جياني فاتيمو .pdf
» الحداثة وما بعد الحداثة.. والقيم السياسية الأخلاقية الإسلامية
» بيتر بروكر - الحداثة وما بعد الحداثة
» مقاربات في الحداثة و ما بعد الحداثة في ألمانيا
» كتب ومقالات عن الحداثة وما بعد الحداثة -- متجدد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: منتدي نشر الابحاث والدراسات-
انتقل الى: