حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو هيئة التدريس – قسم علم الاجتماع – كلية الآداب جامعة بني سويف – ج.م.ع
التخصص : علم الاجتماع
عدد المساهمات : 44
نقاط : 94
تاريخ التسجيل : 04/04/2011
العمر : 54
 | موضوع: في نظرية رأس المال الاجتماعي 5/4  الجمعة فبراير 28, 2014 2:34 pm | |
| في نظرية رأس المال الاجتماعي 5/4
د. حسني إبراهيم عبد العظيم
عضو هيئة التدريس - قسم علم الاجتماع
كلية الآداب - جامعة بني سويف - ج. م. ع 2- رؤية جيمس كوليمان (1926 – 1995)جيمس كوليمان هو أستاذ علم الاجتماع في جامعة شيكاغو، وقد غطت إسهاماته الفكرية مجالات متعددة، مثل المنهج والنظرية، بيد أن أهم إســهاماته كانت نظريـة الفعل الاجتماعي والبناء Structure The theory of social action and و كان من أغزر الباحثين انتاجا من الكتب والمقالات العلمية، وركز في ابحاثه على موضوعات مثل علم الاجتماع الرياضي Mathematical Sociology وعلم اجتماع التربية، والتغير الاجتماعي، وقد نال العديد من الجوائز من أبرزها جائزة النشر السوسيولوجي الأمريكي المميز The American Distinguished Sociological Publication Award في عام 1992 عن كتابه الشهير أسس النظرية الاجتماعية Foundations of Social Theory الذي صدر عام 1990، وتضمن بعض إسهاماته في نظرية رأس المال الاجتماعي. (Turner 2006:74)
ويعد "كوليمان" المؤسس الثاني لنظرية رأس المال الاجتماعي بعد بورديو، وقد جاءت إسهاماته عبر ثلاثة أعمال رئيسية الأول مقال نشر في مجلة الباحث التربويEducational Researcher عام 1987بعنوان عائلات ومدارس Families and schools الثاني مقال بعنوان دور رأس المال الاجتماعي في خلق رأس المال البشري Social Capital in the Creation of Human Capital تم نشـــــره في المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع في عام 1988،والعمل الثالث وهو كتاب أســــس النظرية الاجتماعية التي صــــدرت طبعتـــه الأولى في عام 1990.
ومن الجدير بالذكر أن "كوليمان" قد تأثر في صياغة وتحليل رأس المال الاجتماعي تأثرا واضحا ببورديو، وإن كان ذلك لا ينفي تأثره بطبيعة الحال بالعديد من العلماء الآخرين، فقد أعرب في سياق تحليلاته المختلفة للمفهوم عن تقديره لإسهامات كل من عالم الاقتصاد بن بورات Ben Porath وعلماء الاجتماع لوري Loury ومارك جرانوفيتر M. Granovetter ونان لين، وغيرهم. (Portes 1998:6)
وقد جاءت رؤية كوليمان لرأس المال الاجتماعي في سياق نظرية الاختيار الرشيد Rational choice حيث يرى أن الاعتماد الاجتماعي المتبادل يتم بين الأفراد؛ لأنهم منشغلون بالأحداث والموارد التي يتحكم فيها الآخرون لتعظيم استفادتهم منها من خلال الاختيار الرشيد لأفضل الحلول الملائمة، وإذا استقرت العلاقات الاجتماعية الدائمة كعلاقات السلطة وعلاقات الثقة، ستزداد أفعال التبادل. (Hauberer 2011:37)
قدم "كوليمان" تعريفا مبدئيا لرأس المال الاجتماعي في مقاله عائلات ومدارس عام 1987 على أنه المعايير والشبكات الاجتماعية والعلاقات بين البالغين والأطفال التي هي ذات قيمة بالنسبة للطفل الناشئ. وقد حاول "كوليمان" أن يثبت صحة رؤيته في هذا المقال والتي تتلخص في أن الأسر الأمريكية في مختلف المستويات الاقتصادية تزداد سوءا بالنسبة لتجهيزات المدارس التي صممت لاستيعاب زيادة أعداد الجيل القادم، ويرى أن سبب ذلك السوء يرجع إلى أن هناك عناصر مفقودة في المنزل والمجتمع مثل رأس المال الاجتماعي الذي يحتاجه الأطفال والشباب، وأكد أن هناك حاجة لزيادة رأس المال الاجتماعي المتاح للجيل القادم داخل الأسرة وخارجها، بعبارة أخرى يؤكد كوليمان على ارتباط رأس المال الاجتماعي بالتعليم وتأثيره على الأجيال القادمة، فالتعليم بالنسبة لكوليمان يمثل أقوى تعبير عن الموارد التي تولد من العلاقات والقيم والثقة التي تشكل رأس المال الاجتماعي. (أبو زاهر 5:2010)
ويطرح "كوليمان" تعريفه الأساسي لرأس المال الاجتماعي في مقاله دور رأس المال الاجتماعي في خلق رأس المال البشري (Coleman 1988:S98) فيقول: يعرف رأس المال الاجتماعي بوظيفته، إنه ليس كيانا واحدا، ولكنه مجموعة من الكيانات المختلفة، تنضوي في إطار عنصرين مشتركين: الأول أن كل تلك الكيانات تتكون من بعض جوانب البناء الاجتماعي، والثاني أنها تيسر أفعالا معينة للفاعلين – سواء أكانوا أشخاصا أو هيئات داخل البناء. ومثله كمثل الأشكال الأخرى لرأس المال، فرأس المال الاجتماعي يتم انتاجه، ويحقق أهدافا معينة لا يمكن تحقيقها في غيابه، ومثله أيضا كمثل رأس المال الطبيعي ورأس المال البشري ليس تبادليا تماما، ولكنه قد يكون محددا بأنشطة معينة. إن شكلا من رأس المال الاجتماعي يكون مهما في تيسير أفعال معينة، قد يكون عديم الفائدة أو ضارا في أنشطة أخرى.
يكشف التعريف السابق أن "كوليمان" ينظر لرأس المال الاجتماعي باعتباره جزءا من البناء الاجتماعي، يقوم بتسهيل أفعال معينة للفاعلين وهم بدورهم جزء من هذا البناء، وبذلك فإنه يمثل موردا خاصا لهم., (Hauberer 2011:38)ويرى "كوليمان" أن اعتبار علاقة ما رأس مال يعتمد على ما إذا كانت تؤدي وظيفة لأفراد معينين منخرطين في أنشطة محددة، فرأس المال الاجتماعي يمثل موارد واقعية أو محتملة تجنى من العلاقات الاجتماعية.(Lin 2003:23)
تبدو النزعة البنائية الوظيفية جلية في تحليل "كوليمان" لرأس المال الاجتماعي، حيث يعرفه استنادا لوظيفته من ناحية، و يجعله جزءا من البناء الاجتماعي من ناحية أخرى. كما أن مفردات القاموس الوظيفي المعتادة، كالبناء والوظيفة والفاعل واضحة جلية في عباراته، وأشار ضمنا لفكرة المعوقات الوظيفية في حديثه عن انعدام فائدة رأس المال الاجتماعي وضرره.
وفي كتاب أسس النظرية الاجتماعية أكمل "كوليمان" إطاره التصوري لرأس المال الاجتماعي، حيث أكد على تعريفه السابق، ووسع من الأمثلة التي دلل بها على رؤاه، وأوضح العلاقة بين رأس المال الطبيعي Physical رأس المال البشري Human ورأس المال الاجتماعي، فيقول إن مفهوم رأس المال الطبيعي الذي يتجسد في الأدوات والآلات وغيرهما من معدات الإنتاج يمكن أن يتسع ليشمل رأس المال البشري أيضا، وإذا كان رأس المال الطبيعي يتم خلقه بإحداث تغييرات في المادة لصناعة أدوات تسهل عملية الإنتاج، فإن رأس المال البشري يتم انتاجه بتغيير سمات الأشخاص من خلال تطوير مهاراتهم وقدراتهم التي تجعلهم يتصرفون على نحو مختلف. ورأس المال الاجتماعي بدوره يتم انتاجه عندما تعمل العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص على تغيير وتيسير الفعل الاجتماعي. إن رأس المال الطبيعي مادي وملموس كاملا، ورأس المال البشري أقل وضوحا ماديا حيث يتجسد في المهارات والمعارف التي يكتسبها الفرد، ورأس المال الاجتماعي أقلهما ملموسية حيث يتجلى في العلاقات بين الأشخاص. يعمل رأس المال البشري وراس المال الطبيعي على تيسير النشاط الإنتاجي، ويعمل رأس المال الاجتماعي على تدعيم ذلك، فعلى سبيل المثال الجماعة التي يظهر أعضائها الإخلاص والثقة العميقة فيما بينهم ستكون أكثر قدرة على الإنجاز من جماعة أخرى تفتقد هذه السمات. ويمكن توضيح العلاقة بين رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي بشكل مثلث يمثل العلاقة بين ثلاثة أشخاص أ ، ب ،ج حيث تشير الزوايا لرأس المال البشري، بينما تشير الخطوط التي تربط النقاط لرأس المال الاجتماعي. فكلا النمطين من رأس المال متكاملان، حيث يؤثر كل منهما على الآخر. Coleman1990:304-305))
وفي هذا الكتاب أيضا يشرح أشكال أو مظاهر رأس المال الاجتماعي فيحصرها في ثلاثة مظاهر،وهي:
1- الالتزامات والتوقعات Obligations and Expectations حيث يمثل هذان العنصران قسيمة الائتمان Credit Slip في العلاقات الاجتماعية، فإذا فعل الشخص (أ) شيئا ما للشخص (ب) ويثق أنه سيرد بمثله في المستقبل، فهذا يمثل توقعا من (أ) والتزاما من (ب) وإذا حصل (أ) على عدد كبير من قسائم الائتمان تلك من الأشخاص الذين تربطه بهم علاقات، فقياسا على رأس المال النقدي تشكل كيانا كبيرا من الرصيد الاجتماعي.
2. إمكانية الحصول على المعلومات Information Potential أحد أهم مظاهر رأس المال الاجتماعي إمكانية الوصول للمعلومات المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية؛ لأن المعلومات مهمة في وضع أساس الفعل الاجتماعي، بيد أن اكتساب المعلومات عملية مكلفة، يستلزم الحد الأدنى منها الانتباه الجيد، إن أحد أهم الوسائل في الحصول على المعلومات هو استخدام العلاقات الاجتماعية والتي يتم الاحتفاظ بها لأهداف أخرى.
3. المعايير والجزاءات الفعالة Norms and effective sanctions يشكل وجود معايير فعالة شكلا قويا لرأس المال الاجتماعي، فالمعايير الفعالة التي تمنع الجريمة في المدينة يجعل المرأة تتحرك بحرية ليلا، وكبار السن يتركون منازلهم بلا خوف، كما أن المعايير التي تدعم وتمنح المكافآت الفعالة للإنجاز المرتفع في المدرسة سييسر بشكل كبير أداء المدرسة لدورها. إن المعايير التوجيهية التي تشكل صورة هامة لرأس المال الاجتماعي هي التي تجعل الفرد يتخلى عن مصالحه الخاصة لحساب مصلحة المجتمع، والمعايير من هذا النوع التي يتم ترسيخها بالدعم الاجتماعي والمكانة والشرف وغيرها من المكافآت. هي رأس المال الاجتماعي الذي يبني الأمم الشابة، ويقوي الأسر ويجعل أعضائها يؤثرون مصالحها على مصالحهم، وييسر تطور الحركات الاجتماعية الناشئة المكونة من جماعة صغيرة من الأشخاص المتفانين والمتكاتفين، الذين يعملون من أجل الصالح العام. ((Coleman 1990 :306-311
يتضح مما سبق أن "كوليمان" قد سار على خطى "بورديو" من حيث تأكيده على كيفية استخدام الأفراد العلاقات الاجتماعية من أجل الحصول على منافع أفضل، وبالإضافة لذلك فقد اهتم بالطبيعة المجتمعية لرأس المال الاجتماعي بتركيزه على مفاهيم الثقة والمعايير والتبادلية والجزاءات باعتبارها من صور رأس المال الاجتماعي– خلافا لبورديو الذي ركز بشكل أكبر على الطبيعة الفردية، وقد بدا الاتجاه الوظيفي واضحا في تحليل كوليمان لرأس المال الاجتماعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)هذا المقال جزء من دراسة سابقة للباحث في المصدر التالي: حسني إبراهيم عبد العظيم(بالاشتراك) دور العمل التطوعي في تنمية رأس المال الاجتماعي للمرأة: دراسة ميدانية على عينة من المشاركات في العمل الاجتماعي بمحافظة بني سويف، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي التاسع لكلية الآداب جامعة بني سويف بعنوان العلوم الإنسانية وتفعيل دور مؤسسات العمل التطوعي المنعقد في الفترة من 9-10/4/2013 بجامعة بني سويف بجمهورية مصر العربية.
| |
|
