ثورة 25 يناير و ثقافة الإستبعاد الإجتماعى
محمد صلاح غازي
عندما ارتفعت دعوات الإصلاح بشكل حاد فى عصر الديكتاتور المخلوع مبارك فإن ذلك يعنى أن النظام الذى كان يقودة ذلك الطاغية وصل بالفعل إلى درجة كبيرة من العجز عن أداء وظائفة الأساسية ، ولم يعد قادراً على حل التناقضات الداخلية و التحديات الخارجية التى تواجهة . و مظاهر هذا العجز وكعلامة من علامات الأفول ، أن فقد الخطاب المعبرعن نظام الديكتاتور المخلوع مبارك كل مصداقيتة و قدرتة على التأثير حتى بين الشرائح الإجتماعية التى أرتبطت مصالحها بسيادة هذا الخطاب و إستمرارية الأوضاع على ما هى علية .
و عندما أنتشرت أنواع حادة من الباثولوجيا الإجتماعية فى المجتمع المصرى ، و على رأسها إنتشار الفساد ، الذى ضرب النسق الإجتماعى من رأس السلطة إلى أدنى مستوى إدارى فى أجهزة الدولة ، و مع إستمرار الخلل عن أداء الوظائف الرئيسية للنظام الإجتماعى للمجتمع المصرى بأسرة ، هنا أصبح وجود و أستمرارية المجتمع المصرى فى خطر شديد .
و من هنا أشتعلت ثورة 25يناير المجيدة ، حتي إن الرأي العام أصابته الصدمة من هول الفساد وحجم المفسدين, خاصة في قمة النظام.. فاستحق عن جدارة لقب النظام الفاسد. وتشير الإحصاءات إلي تلقي النيابة العامة أكثر من سبعة آلاف بلاغ رسمي حول الفساد عقب قيام ثورة25 يناير, هذه البلاغات قام المكتب الفني للمستشارللنائب العام بإحالتها إلي نيابات أمن الدولة العليا والأموال العامة العليا والشئون المالية والتجارية والضرائب لفحصها والتحقيق في البلاغات المؤيدة بالمستندات في الوقت نفسه تلقت الإدارة العامة لمباحث الأموال أكثر من 1000 بلاغ عن وقائع فساد و أستغلال نفوذ و أستغلال الموقع الوظيفى و الإضرار بالمال العام و إهدارة .
وعندما زادت حدة الوهج الثورى لم يدرك العقل الأستبدادى للديكتاتور السابق مبارك ، أنة فى مثل هذا المناخ الراديكالى لا يفيدة ضجيج البيروقراط ، و لا حذاقة التكنوقراط و لا انتهازية كتبة النظام ، فى مثل تلك الظروف يستحيل تحقيق أى حل للتناقضات ، و لايمكن مواجهة التحديات بمجرد أجراء تعديلات شكلية هنا أو هناك من قبيل ما قام بة الديكتاتور مبارك بتعيين الفريق أحمد شفيق رئيسا للحكومة أو تعيين عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية ، أن عقلية الأستبداد لم تدرك أن الشعب يريد إجراء تغييرات بنيوية جذرية ، ولابد من تغيير آليات أداء النظام الإجتماعى السياسى جذرياً ، وذلك بإسقاط النظام ذاتة من أجل الحفاظ على أستمرارية و بقاء المجتمع المصرى .
وعندما خرج المصريون العام الماضى بثورتهم المجيدة التى أدهشت العالم ، من أجل أسقاط نظام الظلم الإجتماعى و الأستغلال الأقتصادى و الأستبداد السياسى و التظليل الإعلامى ومعة كل السياسات القائمة على ثقافة الأستبعاد الإجتماعى و التحامل على الفقراء . من أجل التحرر من قيود الجوع و الخوف .
ولقد عرف عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر الاستبعاد الاجتماعى بوصفة أحد أشكال الأنغلاق الإجتماعى . فقد كان يرى أن الإنغلاق الإستبعادى بمنزلة المحاولة التى تقوم بها جماعة لتؤمن لنفسها مركزاً متميزاً على حساب جماعة أخرى من خلال عملية إخضاعها . و اكد على الفكرة القائلة بأن الأستبعاد الإجتماعى سمة حتمية و متأصلة فى الطبيعة الجائرة لرأسمالية ما بعد الصناعة ، التى تقوم على سوق العمل المرن ، و التى نتج عنها كل تلك السياسات التى أنتجت جيش هائل من العاطلين عن العمل ، وجيش آخر من العمالة ذات الأوضاع المتدنية و منخفضة الأجور ، و أتباع آليات أطعام الفقراء بالقطارة ، وتلك الأعداد الهائلة من البلطجية ، وتجار ومدمنى المخدرات و و يكفى أن نتأمل فى الأحصائيات التى اشار اليها التقرير الصادر عن مصلحة الأمن العام و التى نشرتها جريدة الأهرام بأن ارتفاع نسبة الجريمة بصورة غير مسبوقة خلال عام 2011 ، حيث سجلت جرائم القتل أعلي معدل قياسي لها وهي2774 حادث قتل جنائي علي مستوي الجمهورية استطاعت أجهزة الأمن كشف غموض1360 حادثا من هذه الجرائم وكانت أعلي المحافظات التي ازدادت فيها الجريمة بصورة كبيرة هي أسيوط تليها القاهرة ثم الجيزة ثم القليوبية وكانت أعلي معدلات الجريمة شهر أغسطس حيث بلغت220 جريمة قتل وكان معظمها بسبب الخلافات المالية والمعاملات التجارية.أما حوادث السرقة بالاكراه فسجلت أعلي نسبة وهي3312 حادثا استطاعت أجهزة الأمن ضبط944 متهما شاركوا في تلك الحوادث وكانت أعلي معدلاتها في محافظ الغربية تليها الجيزة ثم القاهرة ثم القليوبية وكانت أعلي معدلاتها في شهر سبتمبر وبلغت297 حادث سرقة بالاكراه.
أما جرائم الخطف فبلغت2229 حادثا وكانت أعلي معدلاتها في محافظات القاهرة والجيزة والغربية والقليوبية ومعظمها كانت بسبب خلافات مالية أو الخطف لطلب فدية أو معاملات تجارية.أما سرقة السيارات فقد بلغت أعلي معدل لها في تاريخ مصر حيث سجلت17800 حادث سرقة سيارة علي مستوي المحافظات وكانت أعلي معدلات السرقة في محافظة القاهرة وخاصة المدن الجديدة والقليوبية والأسكندرية والجيزة وكانت عمليات السرقة ليلا ونهارا علي الرغم من الجهود المبذولة من قبل رجال الأمن لمطاردة تلك العصابات.
أما حوادث السطو المسلح علي الشركات والسيارات المحملة بالبضائع علي الطرق فبلغت495 حادثا استطاعت أجهزة الأمن ضبط221 حادثا منها وكان أغلبها بالطرق الصحراوية والزراعية بالأسكندرية و القاهرة والقليوبية والجيزة. أن أولئك المصريون الذين ارتكبوا تلك الجرائم التى يعاقب عليها القانون الجنائى من القتل و السرقة بالأكراة و التى تتناقض مع طبيعة الشخصية المصرية التى تعرف بالتسامح ، هم فى الأصل ضحايا سياسات الأستبعاد الإجتماعى . لقد أكدت تلك الظواهر الإجتماعية السلبية ، على الصلة الوثيقة بين عدم المساواة و الأستبعاد الإجتماعى فى أى مجتمع فى العالم يتم فية توزيع القدر الأعظم من السلع و الخدمات من خلال السوق ؟ و يسمح فية بالحصول على السلع و الخدمات التى توفرها الدولة من القطاع الخاص .
ان مرور أكثر من عام على ثورة 25يناير المجيدة و سقوط نظام الديكتاتور المخلوع مبارك لا يعنى بأى حال من الأحوال ، أننا على مقربة من إقامة نسق العدل الإجتماعى فى المجتمع المصرى ، بل فى أعتقادى أننا سنشهد صراعاً طويلاً و متنوع المظاهر من أجل أرساء قواعد معينة – لا أقول من نظام الرفاة الإجتماعى – بل من دولة الرعاية الإجتماعية .