تأثير الإنترنت في التفاعل العائلي
(قراءة في توجهات البحوث العلمية)
د/ بركات عبد العزيز محمد
تقديم:
تعتبر الأسرة واحدة من أهم الجماعات التي حظيت بأكثر الدراسات تكثيفاً ضمن بحوث العلوم الإنسانية التي طالما أكدت على تزايد تأثير المستجـدات التكـنولوجـية في الأسرة كنظام اجـتماعي في المجـتمع المعـاصــر (Filippino, 1995). لقد اهتمت الدراسات العلمية بمظاهر هذا التأثير على جوانب أسرية متنوعة مثل وظائف الأسرة، البناء والقيم والمعايير والأدوار والمكانة داخل الأسرة .....الخ . ويعتبر التفاعل الأسري أو العائلي "Family interaction" من أبرز المجالات التي تؤثر فيها التكنولوجيا الحديثة نظراً لما تحدثه هذه التكنولوجيا من تأثير في سلوك الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية. والتفاعل الأسري هو جزء من ضمن مكونات الموقف الاجتماعي، فهناك العناصر المكونة للموقف، ويطلق عليها البناء أو التركيب، وهناك الموضوع أو المحتوى الذي يدور حوله الموقف، وأخيراً التفاعل بمعنى العلاقات القائمة بين العناصر المكونة للموقف الاجتماعي (Taraban, 2004). فالتفاعل الأسري يقصد به العلاقات الأسرية بما فيها تأثيرات متبادلة، وأنماط تواصل و فرص ومشكلات ومتغيرات أسرية تنعكس على تلك العلاقات، بهذا المعنى فإن التفاعل الأسري، أحد مجالات التفاعل الاجتماعي الأخرى التي يعيشها الفرد، ويتصف التفاعل الأسري بأنه يقوم على أسس قوية من العمق والشمول، كما يختلف التفاعل الأسري عن غيره من التفاعلات الاجتماعية بأنه أشد قوة و انكشافاً، وعادة ما يسوده الود والحرية والصراحة خاصة عندما تكون الأسرة متماسكة ومترابطة (Nakanishi, 2004)، وإذا كانت الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع، فإنها أيضاً هي المؤثر الجوهري في تشكيل شخصية وسلوك الفرد، وليس أدل على ذلك من أن تصرفات الفرد-حسنة كانت أم سيئة- تعزى إلى دور التربية الأسرية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. إن كفاءة دور الأسرة في التربية وكذلك في إشباع حاجات أعضائها تتوقف على قوة التفاعل وإيجابيته بين هؤلاء الأعضاء. وإذا كانت الأسرة أساس المجتمع، فإن المجتمع بدوره يؤثر في الأسرة، وينسحب ذلك على خصائص المجتمع من منظور التكنولوجيا المتاحة والتي تستخدم سواء وفق أسس عفوية تلقائية أو وفق أسس مقصودة مخططة، ومازال تأثير التكنولوجيا على الأسرة في المجتمع الإنساني محل اهتمام واسع النطاق من جانب الباحثين في تخصصات مختلفة.
وقد شهد المجتمع المصري تغيرات دراماتيكية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، ومن الطبيعي أن تنعكس تلك التغيرات على الأسرة، وكان للتكنولوجيا الحديثة بوجه عام- بما في ذلك تكنولوجيا الاتصال- تأثير واضح على الأسرة المصرية، خاصة بعد انتشار الراديو ودخول التليفزيون وانتشار القنوات الفضائية ثم الحاسوب والانترنت بما تنطوي عليه من تسهيلات اتصال هائلة واستخدامات عظيمة الشأن في كافة مناحي الحياة، وزاد من تأثير الانترنت تطور البنية التحتية بما في ذلك خطوط الهاتف والكوابل بدرجة أصبحت معها القرى والمدن المصرية تتوافر بها وسائل الارتباط بالإنترنت، وفي العام 2001 أطلقت الحكومة المصرية مشروع الحكومة الالكترونية بهدف تقديم الخدمات للمواطنين والمستثمرين دون الدخول في البيروقراطية المفرطة، كما تم إنشاء القرية الذكية ضمن قطاع تكنولوجيا المعلومات، وفي العام 2002 جاءت مبادرة الإنترنت المجاني والتي تجسدت في مشروع تبنته وزارة الاتصال والمعلومات، وكذلك مبادرة"حاسب لكل بيت" بما أتاح للألوف من المواطنين امتلاك كمبيوتر شخص... لقد أدى ذلك إلى إتاحة الفرصة للأسرة المصرية التواصل عبر الإنترنت بمقابل مادي محدود، وفي العام 2004 أطلقت الحكومة المصرية ما عرف بمبادرة الإنترنت فائق السرعة حسبما أعلن عن ذلك الرئيس حسني مبارك في مؤتمر تليكوم أفريقيا... هذه الأنشطة أدت دون شك إلى تزايد فرص اتصال أفضـل للأسرة المصرية، لدرجة أنه في العام 2006 وصل عدد مشـتركـي الإنترنت في مصر إلى حوالي 5 مليون و 300 ألف مشترك، وذلك حسب المعلومات الواردة في الموقع الرسمي المعنون (بوابة معلومات) مصر /indicators/.e.g.www.disc.got /(http:/ ، وخلال المؤتمر المعنون"حماية وتمكين الشباب في عصر الإنترنت" والذي عقد بالقاهرة في مارس 2008 أعلن وزير الاتصالات المصري أن عدد مشتركي الإنترنت في مصر يقترب من تسعة ملايين مشترك، وأن معدل انتشار خدمة الإنترانت فائق السرعة في مصر من أسرع المعدلات على مستوى المنطقة، حيث تتم إضافة 25 ألف منزل شهرياً (هذه المعلومات صرح بها الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات المصري، ومنشورة بالصفحة التاسعة بجريدة الأهرام في عددها بتاريخ الثلاثاء 25 مارس 2008)
مشكلة الدراسة الحالية:
إذا كانت شبكة الإنترنت قد أصبحت أحد أبرز مظاهر تكنولوجيا الاتصال انتشاراً في دول العالم المتقدم، فإنها انتشارها في بقية دول العالم في تزايد مطرد، وتعتبر جمهورية مصر العربية ضمن الدول المصنفة لانتشار ثقافة الحاسوب بوجه عام بما في ذلك استخدام الإنترنت، وتكشف المؤشرات الكمية عن تزايد معدلات استخدام الإنترنت في المجتمع المصري، ومع التسليم بأن طبيعة تأثير تكنولوجيا الاتصال تتوقف على كفاءة استخدامها وفق معايير الاستفادة أو الضرر، فإن الدراسة الحالية تبحث تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري، بمعنى العلاقات الأسرية بما فيها تأثيرات متبادلة، وأنماط تواصل و فرص ومشكلات ومتغيرات أسرية تنعكس على تلك العلاقات، أي أن مشكلة الدراسة تتلخص في تساؤل أساسي هو: ما تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري؟
منهج الدراسة:
اعتمدت هذه الدراسة على منهج التقارير السردية، والذي يتمثل في رصد النتائج المتراكمة عن البحوث التي أجريت عن موضوع معين ثم تسجيل الاستنتاجات وصياغتها في صورة تقرير علمي ذي طبيعة كيفية، وهذا هو النوع الشائع في مقالات المراجعات المعتادة، حيث يعتمد البحث السردي - أو الوثائقي- على الدراسات التي تناولت موضوع الاهتمام، وبعد الحصول على تلك الدراسات يقوم الباحث بعرض تلك الدراسات عرضاً وصفياً أو تحليلها تحليلاً نقدياً ومن ثم يصيغ تقريراً علمياً يتضمن العناصر التي تجيب على التساؤلات المطروحة. وقد تم تطبيق تلك الطريقة في الدراسة الحالية، حيث تم الحصول على الدراسات العلمية المعنية بتأثير الإنترنت في التفاعل الأسري، وتقييم تلك الدراسات وحذف ما هو غير ذي دلالة مباشرة، والإبقاء على الدراسات الهامة والتي تتوافر فيها مواصفات البحوث الأكاديمية الرصينة، ومن ثم عرض موجز لتلك البحوث وما توصلت إليه من نتائج، ثم صياغة استخلاصات أساسية تجيب على التساؤل الذي تسعى الدراسة للإجابة عليه: ما تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري ؟ وتتمثل خطة هذه الورقة في عرض نماذج من تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري من واقع نتائج بحوث عربية وأجنبية، ثم الاستنتاجات الأساسية حول مظاهر هذا التأثير وأبعاده من المنظورين الإيجابي والسلبي، ثم تختتم الورقة ببلورة أهم الأفكار والمقترحات الأساسية.
أولاًً: تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري من واقع نتائج بحوث عربية:
هناك بعض الدراسات العربية التي تناولت شبكة الإنترنت من زوايا متعددة، وإن كان القليل من تلك الدراسات قد تطرق إلى تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري، ومن تلك الدراسات نذكر دراسة قاسم (2000) وهي عن استخدام الكمبيوتر وعلاقته بالتفاعل الاجتماعي لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، هدفت الدراسة إلى التعرف على العلاقة بين استخدام أنشطة الكمبيوتر ودرجة التفاعل الاجتماعي لأطفال ما قبل المدرسة، والكشف عن الفروق بين الأطفال مستخدمي الكمبيوتر والأطفال غير مستخدمي الكمبيوتر في درجة التفاعل الاجتماعي، وكذلك الكشف عن الفروق بين أثر استخدام أنشطة الكمبيوتر وأنشطة الروضة على درجات التفاعل الاجتماعي لأطفال ما قبل المدرسة و مدى مناسبة استخدام الكمبيوتر مع هذه المرحلة العمرية. استخدمت الدراسة منهج المسح، وأجريت على عينة قوامها (60) مفردة من الأطفال الملتحقين بمدارس اللغات والذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات ونصف إلى ست سنوات وثلاثة أشهر، واعتمدت الدراسة على عدة أدوات لجمع البيانات (اختبار رسم الرجل، ومقياس المستوى الاقتصادي والاجتماعي، واستمارة البيانات الأولية الخاصة بالأطفال مستخدمي الكمبيوتر والأطفال غير المستخدمين له، وقائمة ملاحظة سلوك التفاعل الاجتماعي أثناء استخدام الأطفال للكمبيوتر في الروضة). كشف تحليل البيانات المستمدة من قائمة ملاحظة سلوك التفاعل الاجتماعي للأطفال عن أن كثرة استخدام الكمبيوتر يقل معها التفاعل الاجتماعي، حيث توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الأطفال مستخدمي الكمبيوتر، والأطفال غير المستخدمين له من حيث درجة التفاعل الاجتماعي في المنزل لصالح الأطفال غير المستخدمين للكمبيوتر .
وقد ارتكزت دراسة حنفي (2003) على تحليل أثر استخدام أجهزة الحاسب الشخصي كوسيلة للاتصال عبر شبكة الانترنت على التفاعل الاجتماعي وأنماط الاتصال في الأسرة المصرية، وكذلك معرفة ما إذا كان هذا الاستخدام يؤدي إلى زيادة عزلة الأفراد عن الواقع الاجتماعي. وقد استخدمت الدراسة منهج المسح، وأجريت على عينة قوامها 400 أسرة تتوزع بين 250 أسرة يستخدم أحد أفرادها الانترنت مقابل 150 أسرة لا يستخدم أي من أفرادها الانترنت. ومن أهم نتائج الدراسة ما يلي:
- إن 58.4% من مستخدمي الانترنت يستخدمونها من أجل المشاركة في المناقشات ومساعدة الآخرين في اتخاذ القرارات.
- إن ما يتراوح بين 6.8% إلى 65.3% من مستخدمي الانترنت أفادوا بوجود أنماط من الاتصال داخل الأسرة ترتبط باستخدام الانترنت، كما أن 51.6% من الآباء عبروا عن رأي محايد بشأن تأثير الانترنت، مقابل 14% عبروا عن رأي مؤيد، أما الذين عارضوا استخدام الانترنت فيشكلون 34.4%. تبين من الدراسة أيضاً أن الأسر متوسطة المستوى الاقتصادي الاجتماعي هي الأكثر استخداماً للانترنت، وهناك فروق دالة إحصائية بين مستخدمي الانترنت وغير مستخدميها فيما يتعلق بنمط الاتصال داخل الأسرة، غير أنه لم يثبت أن استخدام الأبناء الانترنت يعمل على توجيه الاتصال داخل الأسرة نحو نمط معين (توافقي، محايد، نقاشي)، كما أن إدراك المفحوصين لسمات الانترنت كوسيلة اتصال (إيجابية، سلبية، محايدة)، وكذلك رأي الآباء يرتبطان بأنماط الاتصال في الأسرة المصرية.
وتعتبر دراسة السمري (2003) من الدراسات القيمة التي اهتمت ببحث كيفية تأثير الانترنت على العـلاقة التفاعلية بين الآباء والأبناء، وما إذا كان للانتـرنت تأثير في العلاقات التفاعلية داخل الأسرة، بالإضافة إلى جوانب إرشادية تدور حول التعرف على أنسب أساليب التعامل مع جيل الانترنت، وكيفية متابعة استخدام الأبناء لها. استخدمت الدراسة منهج المسح، وأجريت على عينة قوامها 105 مفردات من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 9 سنوات إلى 18 سنة وكذلك آباء هؤلاء الأطفال، أي أن هناك 105 من الأطفال والمراهقين، وكذلك 105 من الآباء. استخدمت الدراسة صحيفة الاستقصاء والتي تم تطبيقها على المفحوصين بالمقابلة الفردية.
تتلخص أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة فيما يلي:
- إن الأبناء يتفوقون على الأبناء فيما يتعلق بمعرفة الانترنت.
- أفاد 73.3 % من الأطفال بأنهم يستخدمون الانترنت في المنزل، كما أن حوالي 88.6% منهم يستخدمونها في المدرسة، حوالي 62% يستخدمونها في النوادي الرياضية، 52.4 % يستخدمونها في مقاهي الانترنت.
- إن حوالي ثلثي عينة الآباء يرون أن استخدام الانترنت لم يؤثر على مشاهدة أبنائهم للتليفزيون.
- تتفق دوافع الأبناء في استخدام الانترنت مع دوافع آبائهم بشأن هذا الاستخدام، و هناك فروق دالة إحصائياً بين توقعات كل من الآباء والأبناء حول مستقبل استخدام الأطفال للانترنت، وحسب الآباء والأبناء فإن الانترنت لها فوائدها في المعلومات والتسلية والاتصال، لكن الجانبين عبرا عن عدم رضا عن الانترنت بسبب نشر معلومات مضللة، وجود مواقع الجنس والعنف، عمليات إغواء الأطفال، الاحتيال ونشر دعاية مستترة للتأثير على الأطفال.
- ليس هناك علاقة بين زيادة استخدام الأطفال والمراهقين للانترنت وزيادة اعتماد الآباء عليها كأسلوب للجزاء أو العقاب، كما لا توجد علاقة بين انخفاض استخدام الأبناء للمواقع المحظورة وزيادة أساليب حماية الآباء لأبنائهم .
ثانياً: تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري من واقع نتائج بحوث أجنبية
لاقى تأثير الإنترنت في التفاعل الأسري اهتماماً كثيفاً من البحوث الأجنبية خاصة تلك التي أجريت في أوروبا والولايات المتحدة ودول جنوب شرق آسيا، ونظراً لأهمية تلك الدراسات ودلالتها لموضوع البحث الحالي، فسوف نستعرض نماذج منها بما يوضح التأثيرات الأساسية للإنترنت في التفاعل الأسري:
1- تأتي دراسة كل من ديسانتس ويونس (Desantis & Youniss, 1995) باعتبارها من الدراسات الرائدة التي تناولت العلاقة بين أفراد الأسرة في عصر التكنولوجيا الحديثة مع التركيز على تأثير الأسرة في اتجاهات الأبناء نحو هذه التكنولوجيا ممثلة في الكمبيوتر والإنترنت وما يتعلق بهما من استخدامات متعددة كالألعاب والتواصل والمعلومات. استخدمت الدراسة منهج المسح، وأجريت على مرحلتين، في المرحلة الأولى شمل البحث (1852) من المراهقين، واستخدمت استبانة لقياس التفضيلات، حيث كان المطلوب منهم ترتيب تفضيلاتهم عن التكنولوجيا الحديثة ودور الأسرة في هذه التفضيلات . أما في المرحلة الثانية، فقد أجريت مقابلات متعمقة (باستخدام دليل المقابلة) مع (158) من أمهات هؤلاء المراهقين الذين تمت مقابلتهم في المرحلة الأولى، وكان المطلوب من الأمهات أن يحددن ما إذا كن يتفاعلن مع أبنائهن المراهقين من خلال تقديم المساعدة الفنية، وحدود هذه المساعدة إن وجدت. بمعالجة بيانات البحث في المرحلتين تبين أن المراهقين الذكور والمراهقين الأكبر سناً هم الأكثر تفضيلاً للتكنولوجيا الحديثة مقارنة بالمراهقات الإناث والمراهقين الأصغر سناً، كما تبين أن اتجاهات المراهقين بشأن التكنولوجيا الحديثة تتأثر بمستوى تعليم الأمهات، بصرف النظر عما إذا كان هؤلاء الأمهات يساعدن أبنائهن المراهقين على تنمية مهاراتهم التكنولوجية أم لا، فكلما ارتفع المستوى التعليمي للأمهات، كان لدى الأبناء اتجاهات أكثر تفضيلاً للتكنولوجيا الحديثة. وعلى مستوى الأمهات الأقل تعليماً (الأقل من الجامعي) تبين من البحث أن اتجاهات أبنائهن المراهقين تعكس تفضيلاً أكبر للتكنولوجيا الحديثة عندما تقدم الأمهات مساعدات للأبناء بما يحسن مهاراتهم التكنولوجية، أما على مستوى الأمهات الأعلى تعليماً (جامعي أو أعلى) فإن درجة تفضيل التكنولوجيا الحديثة من جانب المراهقين لا تتأثر بما إذا كانت الأمهات يساعدن الأبناء المراهقين أم لا .وبصرف النظر عن درجة التفضيل، أو المستوى التعليمي، فإن تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت تخلق اهتمامات مشتركة بين الأبناء داخل الأسرة، كما تدعم العلاقة بين جيل الأبناء وجيل الآباء إذا كانت استخدامات الأبناء لهذه التكنولوجيا تتفق وطموحات الأسرة، لكن العلاقة هذه العلاقة قد تتحول من التوافق إلى الصراع إذا لجأت الأمهات إلى أسلوب العقاب في سياق تدخلهن لتنظيم علاقة الأبناء بالتكنولوجيا الحديثة.
2- أما دراسة هيللر وآخرين (Heller etal, 1998) فقد استهدفت التعرف على دور الآباء مقارنة بدور الأقران في التأثير على اتجاهات ومحتوي الإنجازات لدى المراهقين الذين التحقوا ببرنامج تدريبي عن تكنولوجيا الاتصال الحديثة. استخدمت الدراسة المنهج الوصفي المقارن، وأجريت على عينة قوامها 47 مفردة من المراهقين، واعتمدت في جمع البيانات على استبانة لقياس مهارات التعامل مع الكمبيوتر وكذلك التفضيلات في الاستخدام . تتمثل نتائج الدراسة في أن الأبناء يكتسبون مهارات أفضل في التعامل مع الكمبيوتر إذا اندمجوا مع الآباء في برامج لتعليم تلك المهارات، لقد استفاد هؤلاء بدرجة أكبر مقارنة بالأبناء الذين يتلقون تلك البرامج مع أقرانهم، غير أن ذلك لم يكن بسبب المساعدة الفنية التي يقدمها الآباء للأبناء، وإنما لأن التفاعل بين الآباء والأبناء خلق مواقف مشتركة نحو التكنولوجيا واستخداماتها، أما من حيث الاتجاه التفضيلي بشأن تكنولوجيا الكمبيوتر فلم يكن لأي من الآباء أو الأقران تأثير يذكر، بمعنى أن تفاعل الآباء مع الأبناء لم يقترن بتفضيل هؤلاء الأبناء لتكنولوجيا معينة، أو استخدام معين لهذه التكنولوجيا دون سواه، المنطق نفسه فيما يخص علاقة الأبناء بأقرانهم في سياق التعامل مع تكنولوجيا الاتصال الحديثة.
3- دراسة كورت وزملائه (Kaurt et al, 1998)، والتي تناولت الانترنت من منظور التأثير الاجتماعي وباعتبارها تمثل التناقض الظاهري: فهي تكنولوجيا اجتماعية رغم أنها تقلل من الاندماج الاجتماعي والوجود السيكولوجي الأفضل. اعتمدت الدراسة على منهج المسح، وارتكزت على خلفية نظرية قوية توضح التباين في النتائج التي توصلت إليها البحوث بشأن الانترنت بصفتها قضية معروضة للبحث مثلها مثل الهاتف والراديو والتليفزيون وغير ذلك من تكنولوجيا الاتصال الحديثة. بحثت الدراسة الآثار النفسية والاجتماعية للانترنت على عينة قوامها 169 مفردة من 73 أسرة جميعهم من مستخدمي الإنترنت خلال العامين الأول والثاني من استخدامهم لهذه الوسيلة الحديثة. واعتمدت الدراسة في جمع البيانات على عدة مقاييس، أولها مقياس للتعرف على استخدام الإنترنت معدلاته وأنماطه بما في ذلك عدد الاتصالات والوقت المنقضي بالتقريب في كل اتصال عبر البريد الإلكتروني، كما استخدمت ثلاثة مقاييس لقياس الاندماج الاجتماعي (التواصل الاجتماعي، شبكة الاتصالات المدنية)، شبكة الاتصالات الخارجية، الدعم الاجتماعي، وكذلك ثلاثة مقاييس أخرى للتعرف على الوضع السيكولوجي وهي مقاييس العزلة، الضغوط، الاكتئاب. كشفت الدراسة عن أن الانترنت تستخدم في الاتصال بدرجة مكثفة، حيث تتفوق على غيرها من الوسائل، كما أن كثرة استخدام الانترنت يقلل من دائرة العلاقات الاجتماعية سواء في إطار الأسرة، أو في إطار العلاقات مع الآخرين بنفس المدينة، أو بالمدن والمناطق الأخرى . كشفت الدراسة أيضاً عن أن كثرة استخدام الانترنت يزيد الاكتئاب والعزلة لدى المستخدمين، الأمر الذي ينعكس بدوره سلبياً على تفاعلهم الاجتماعي مع أفراد الأسرة، وتتمثل السلبية في ضعف الحوار أو انقطاعه، وقلة الحديث في الموضوعات ذات الدلالة للحياة الأسرية .
4- وقد فحصت إحدى الدراسات الحديثة نسبياً (Carlson et al, 1999) أثر التكنولوجيا الحديثة على الأسرة في دول شرق أسيا (تايوان، سنغافورة، هونج كونج، اليابان). كان هدف الدراسة استخلاص المعلومات التي توضـح أثر التكـنولوجـيا على الأسـرة. اتبعـت الدراسـة منهـج التقارير السردية، فهي ذات طابع توثيقي كيفي، واعتمدت على مصـادر متنـوعـة تشمل الإحصاءات والتقارير الرسمية، والدراسات الاجتماعية والأسرية. توضح نتـائج الدراسـة أن الأسرة في مجتمعـات آسيا الحديثة قد تغيرت دراماتيكياً بسـبب التكنولوجيا الحـديثة، فقد حلت قيم الحداثة والمعاصرة Modernization محل القيم التقـلـيدية المنغـلقة، وطالت التغيرات الأبنية والنظم الاجتماعية بما في ذلك البناء والنظام الأسري، ليس فقط من حيث استقلالية الأفراد واختلاط الأدوار وتغير الكثير من قيم التنشئة، ولكن أيضاً من حيث التفاعل الاجتماعي بين الأبناء والآباء. وعلى مستوى كل مجتمع آسيوي على حدة، تفيد الدراسة أنه في المجتمع التايواني، كان للتكنولوجيا آثار إيجابية من حيث تقليل الروابط السطحية وتوسيع العلاقات الاجتماعية في الأسرة الممتدة. أما في مجتمع سنغافورة، فإن الآثار الإيجابية للتكنولوجيا الحديثة تمثلت بصفة أساسية في المردود الاقتصادي على الأسرة، لقد أصبحت الأسرة في مجتمع سنغافورة تعتمد على التكـنولوجـيا بشكل مكثف في أداء الأعمال لتوفير الوقت وزيادة الكسـب بما يتفق ومتطلبات الرفاهية وقضاء وقت أطول في أنشطـة ترفيهــية مشتركة. وفي مجتمعـات هونج كونـج كان للتكـنولوجيـا الحـديثـة آثار إيجابية من منظـور استدماج قيم وسلوكيات الحداثة في النسيج الاجتماعي، لكن كان هناك أيضاً جوانب سلبية ممثلة في استدماج سلوكيات غريبة أنهكت الطابع المحافظ للعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة .وعلى الرغم من أن المجتمع الياباني هو صانع التكنولوجيا الحديثة وتمكن من تكييفها لمتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية حسبما تذكر الدراسة، إلا أن مدى وطبيعة مساهمة هذه التكنولوجيا في تحسين نوعية الحياة المرتفعة مازالت بحاجة إلى المزيد من البحوث، صحيح أن الأسرة اليابانية تعيش حياة حديثة بكل المعايير (من المنظور الاقتصادي والتقني)، وعلى الرغم من ذلك، فما زالت التقاليد المحافظة هي الغالبة على الحياة الأسرية.
5- وتطرقت دراسة أورافيك (Oravec, 2000) إلى أثر الكمبيوتر والانترنت على التفاعل داخل الأسرة وذلك ضمن الاهتمام بمجالات تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في الإرشاد الأسري. اعتمدت الدراسة على المدخل الكيفي (التقارير السردية)، وعلى الرغم من الطابع النظري لهذه الدراسة، إلا أنها ترتكز على تحليل متعمق، مع رؤية تحليلية ناقدة للأدبيات المعنية، وقد توصلت الدراسة إلى أن الأسرة المعاصرة يتزايد فيها استخدام تكنولوجيا الكمبيوتر مما جعله مؤثرا في أنشطة الأسرة اليومية وتوسيع نطاق المؤثرات الخارجية عليها. وعلى مستوى الكثير من الأسر أصبحت "فكرة البيت" تتحرك بصورة واسعة نحو التغيرات الثقافية والاقتصادية ذات الصلة بعصر المعلومات وأصبح أفراد الأسرة يقضون وقتاً أطول مع الانترنت متفاعلين مع تكنولوجيا أصبحت بمثابة "ستارة المسرح الخلفية" "Backdrop" للكثير من المشكلات الأسرية الحرجة والتي أدت إلى مشكلات عديدة كشفها المرشدون النفسيون "Counselors" في سياق تعاملهم مع أفراد الأسر. من هذه المشكلات إدمان الكمبيوتر، ووصول الأطفال للمواقع التي تعرض الصور الإباحية، وتؤكد الدراسة أن هذه المشكلات تنعكس سلبيا على الدور الوالدي كما تنعكس سلبياًَ على الحوار داخل الأسرة، وكثيراً ما ينتج عنها مشكلات اجتماعية ونفسية وتربوية تتطلب التدخل الإرشادي المتخصص الهادف إلى تمكين أفراد الأسرة من التعاطي الصحيح مع تكنولوجيا الاتصال الحديثة بما يدعم التفاعل المشبع فيما بينهم.
6- أما دراسة جيفس Jeffs, 2000)) فقد بحثت الخصائص والتفاعلات والاتجاهات الوالدية بشأن استخدام التكنولوجيا المساعدة في محو الأمية باستخدام الانترنت، وركزت الدراسة أهدافها في تعريف وتحديد المواصفات الخاصة بالآباء والأبناء العاملين معاً في تطوير مهارات القراءة والكتابة، ووصف التفاعلات بين الآباء والأبناء في هذا السياق والتحقق من تأثير تكنولوجيا الانترنت والتكنولوجيا المساعدة على المشاركين في عملية التعلم واقتراح الدعم المطلوب لتسهيل هذه العملية. اعتمدت الدراسة على المدخل الكيفي Qualitative واستخدمت دليل المقابلة المتعمقة في وصف مشاعر وانفعالات الأطراف المشاركة في العملية التعليمية والانطباعات عن استخدام التكنولوجيا مع الآباء وأطفالهم الذين يجهلون والقراءة الكتابة. وتتلخص نتائج الدراسة في أن الآباء والأبناء يستخدمون تشكيلة من التكنولوجيات تقابل حاجات تعليمية خاصة بهم كأفراد، هذا الاستخدام أصبحت معه مهمة التعليم تعرض على المستفيدين من خلال تكنولوجيا متطورة (الإنترنت) تعزز فرص الارتباط والتفاعل بين الآباء والأبناء وتخلق أنماطاً من المشاركة ليس فقط حول موضوعات التعلم وإنما عن موضوعات أخرى ضمن التفاعل الاجتماعي.
7- وفي الدورية العلمية القيمة والمعنوية: مستقبل الأطفال "Future of children" نشرت دراسة تتناول أثر استخدام الكمبيوتر المنزلي على أنشطة الأطفال ونموهم (Subrah etal, 2000)، كما أن الدراسة منشورة أيضاً عبر الإنترنت (http://www.packard.org). اعتمدت الدراسة على المدخل الكيفي من خلال عرض تحليلي لأهم الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، وتقديم رؤية ناقدة لتلك الدراسات. وتتمثل نتائج الدراسة في أن البحوث التي أجريت عن أثر الكمبيوتر المنزلي على الأطفال كانت في البداية سطحية وغامضة، لكن المؤشرات الأولية التي تدل على أن الآثار الإيجابية والآثار السلبية للكمبيوتر المنزلي على الأطفال بدأت تظهر بوضوح، خاصة مع تزايد الوقت الذي يقضيه الطفل مع جهاز الكمبيوتر، وتأثير هذا الجهاز على الأنشطة الأخرى الحيوية بالنسبة للطفل. من هذا المنظور خلصت الدراسة إلى أن الكمبيوتر يؤثر على الطفل من عدة جوانب أساسية بما ينعكس على شخصيته وتفاعله مع الأسرة وغيرها من الجماعات، وتتلخص تلك الجوانب في:
الجانب الأول: يتمثل في الصحة الجسدية، يكون للكمبيوتر تأثير سلبي على الصحة البدنية للطفل إذا قضى وقتا طويلا أمام شاشة الكمبيوتر، أو إذا اعتاد على مطالعة المواقع الإباحية.
الجانب الثاني: يتمثل في تأثير الكمبيوتر على البناء المعرفي في شخصية الطفل ومهاراته في التحصيل الدراسي، تخلص الدراسة إلى أن ذلك يعتمد على هدف الطفل، والمواد التي يطالعها، والدور التوجيهي للقائمين على التربية (الوالدين، أو من يقوم مقامهما)، حيث يكون تأثير الكمبيوتر إيجابياً على البناء المعرفي للطفل، عندما يكون هدف الطفل اكتساب معلومات عن موضوع يتفق ومتطلبات النمو النفسي بأبعاده المختلفة، ويطالع المواد التي تتفق وهذا الهدف، ويجد التفاعل المشجع من القائمين على التربية والتنشئة.
الجانب الثالث: النمو الاجتماعي والعلاقات مع الآخرين، يمكن للطفل أن يكتسب مهارات التفاعل مع الآخرين، ويحصل على أفكار ومعرفة تفيده في الحياة الاجتماعية والتحصيل الدراسي إذا كان تعامله مع الكمبيوتر هادفاً وتحت إشراف وتوجيه تربوي.
الجانب الرابع: إدراك الواقع، يتأثر إدراك الواقع"Perception of reality" بما يطالعه الطفل عبر شاشة الكمبيوتر، وعلى الرغم من أن استخدام الكمبيوتر يزيد من فرصة الطفل لتكوين رؤية أكثر شمولاً، إلا أن هذه الرؤية قد تكون مشوهة، أو متناقضة، فإذا لم يتم حسم هذا التناقض أو التشويه في إدراك الواقع يمكن أن يتم حسمه من خلال المواد المشوهة للحقيقة، الأمر الذي يؤكد ضرورة تكامل مؤسسات التربية والتنشئة
8- وفي بحث عن دور الكمبيوتر في تشكيل هوية الأبناء والعلاقات الأسرية، اعتمدت دراسة ريباك (Ribak, 2001) على طريقة الملاحظة، مصحوبة بدليل تفصيلي لتسجيل سلوك أفراد ثلاث أسر . كانت الدراسة تسعى إلى اكتشاف طبيعة العلاقة بين مكونات ما أسمته المثلث: (الأب، الابن، الكمبيوتر) وذلك بهدف تسليط الأضواء الكاشفة على دور التكنولوجيا الحديثة في تشكيل هوية الأبناء الذكور على وجه الخصوص والعلاقات الأسرية بوجه عام . وتستعرض الدراسة إطاراً نظريا متعمقا عن استخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة من جانب أفراد الأسرة، موضحة أن هذه التكنولوجيا تؤثر في سلوك هؤلاء الأفراد بأبعاده الثلاثة (الأفعال، التفكير، الانفعالات) وبالتالي على علاقاتهم الداخلية (فيما بينهم) وعلاقاتهم الخارجية (مع المجتمع). وتستنتج الدراسة أن بحث تركيب الهوية "Identity construction" من خلال الوسائط التكنولوجية الحديثة ممثلة في الكمبيوتر لابد أن يكون مصحوباً بدراسة متعمقة للعلاقات المحيطة بهذه الوسيلة، وأن الرجال والأبناء الذكور في حاجة إلى الاندماج أو إعادة الاندماج "Need to be reincorporated" في الأسرة بالطريقة التي تقلل من التأثير السلبي المرتبط بإشكالية "الإنسان – الآلة". تبين من الدراسة أيضاً أن الخبرة بالكمبيوتر وحاسة الاعتمادية هما المفتاح الأساسي لبناء الرجولة الحقيقية (المسؤولية كرجل المنزل)، بما يدعم مكانة الآباء ودورهم التربوي في المنزل لمواجهة الدور المتنامي للتكنولوجيا في حياة أبنائهم الذكور، فكلما كان الآباء ذوي خبرة بالحاسوب، وازداد اعتماد الأبناء عليهم في الاستفادة من هذا الجهاز متنامي القوة، تزداد قدرة هؤلاء الآباء على تشكيل هوية أبنائهم. كما توصلت الدراسة إلى أن تفاعل الآباء مع الكمبيوتر وإجادة لغته يضمن عدم إقصائهم عن دورهم الوالدي. وعلى الرغم من أن الدراسة المذكورة استمدت بياناتها من ثلاث أسر فقط، إلا أن المنحى التربوي الذي انتهجته، وتأكيدها على حيوية دور الآباء لضبط وإثراء العلاقات داخل الأسرة يجعلها ذات قيمة علمية عالية.
9- أما دراسة هوغز وهانس (Hughes & Hans, 2001) فقد تناولت تكنولوجيا الكمبيوتر والانترنت بهدف التعرف على الدور الذي تلعبه هذه التكنولوجيا في حياة الأسرة بوجه عام، الدراسة من النوع الكيفي (Qualitative)، فقد اعتمدت على منهج التقارير السردية، من خلال تحليل الأدبيات المعنية بهذه المسألة بهدف تحقيق فهم أفضل لما تحدثه التكنولوجيا الحديثة من تأثير في حياة الأسرة، من خلال الإجابة على أربعة تساؤلات أساسية هي:-
- كيف تستخدم الأسرة الكمبيوتر والانترنت؟
- كيف أدى استخدام الكمبيوتر والانترنت إلى تنشيط الحياة الأسرية؟
- كيف أدى استخدام الكمبيوتر والانترنت إلى تنشيط الظروف الاجتماعية والثقافية؟
- كيف ستشكل التكنولوجيا الحديثة حياة الأسرة خلال السنوات القادمة؟
تتمثل نتائج الدراسة في أن الأسرة تستخدم الكمبيوتر والانترنت لتحقيق تواصل أفضل مع الآخرين من الأقارب والأصدقاء، والحصول على معلومات جديدة سواء عن السلع والأفكار، أو الخدمات المتاحة، كما أن الكمبيوتر والانترنت قد فتحا مجالات أوسع أمام الأسرة المعاصرة للانفتاح على العالم وأتيحت لأفراد الأسرة موضوعات حيوية متجددة للحديث وتحقيق المزيد من الاتصال مع أطراف أخرى لم يكن الاتصال بها موجوداً، وبالتالي اتسعت دائرة العلاقات الاجتماعية للأسرة، ليس على مستوى العلاقات الوثيقة غالباً، ولكن من منظور الاتصالات الوقتية. ومن منظور الثقافة Culture فإن الكمبيوتر والانترنت أتاحا تقديم عناصر ثقافية، سواء كانت طبيعية أو مصنعة، ومن خلال مواقع الانترنت هائلة العدد، أتيحت الفرصة لظهور ثقافات وعناصر ثقافية كانت مجهولة أو مشوهة. وتخلص الدراسة إلى أن الكمبيوتر والانترنت يلعبان دوراً هاماً في حياة الأسرة المعاصرة، وسوف يتزايد هذا الدور مستقبلاً، لكن الجدوى المتحصلة تتوقف على طبيعة استخدام هاتين التقنيتين من جانب أفراد الأسرة والإشباع المتحقق. وفي مقارنة بين الكمبيوتر والإنترنت من جهة، ووسائل الإتصال الأخرى من جهة ثانية، ترى الدراسة أن الهاتف يستخدم غالباً لأمور تتعلق بالعمل أو تبادل المعلومات عن موضوع ما، أما التلفزيون فيستخدم أساساً للترفية دون أن يقلل ذلك من أهميته كوسيلة إخبارية ومعلوماتية، في حين يستخدم الراديو لمعرفة الأخبار وسماع الموسيقى. وعلى الرغم من الحالة الذهنية الأقرب إلى العزلة أثناء حدوث التعرض لهذه الوسائل، إلا أنها تتيح الفرصة أحياناً لنقاشات مشتركة خاصة عندما تتعلق المعلومات بموضوعات ذات اهتمام عام، أو بموضوعات ذات دلالة لمصلحة مباشرة أو شخصية. على الرغم من اعتماد الدراسة على الأدبيات المتاحة، وعلى الرغم من العمق في التحليل الكيفي للإحصاءات، إلا اعتمدت على الاستنتاجات الشخصية إلى حد ما.
10- أما دراسة أوبلانسكي (Opalinski, 2001) فقد كان هدفها التعرف على تأثير التكنولوجيا الحديثة على الكبار من منظور التفضيلات والتفاعل الاجتماعي على مستوى الأسرة والمجتمع .استخدمت الدراسة منهج المسح، وأجريت على عينة قوامها (110) من المفحوصين ذوي الأعمار من 60 إلى 90 سنة فأكثر. واعتمدت الدراسة في جمع البيانات على استبانة تستقصي الاستخدام الشخصي للكمبيوتر، فرص التعليم التي يتيحها الكمبيوتر، الروابط الاجتماعية، التفضيلات التكنولوجية والعقبات التي تحد من الاستفادة منها. تتمثل نتائج الدراسة في أن الحاسوب يأتي باعتباره الوسيلة ذات الاستخدام الأوسع كوسيلة اتصال وتواصل من جانب المفحوصين، وأكد جميع المفحوصين على أهمية التكنولوجيات الحديثة كأداة لإثراء التواصل والدعم الاجتماعي داخل الأسرة . وعلى الرغم من أهمية الحاسوب كما قرر المفحوصون، إلا أنه يصعب استخدامه في الاتصال بعدد كبير من الأسر التي توجد في مناطق شاسعة وعلى مسافات بعيدة، وذلك بسبب أنه ليس كل الأسر تتعامل مع الحاسوب بالدرجة نفسها التي يتعامل بها المفحوصون. كما تبين من الدراسة أيضاً، أن الحاسوب أتاح لهؤلاء المفحوصين فرص إقامة علاقات اجتماعية جديدة وتدعيم علاقات قائمة والاحتفاظ بها، وجذب أفراد الأسرة والأقارب إلى هذه العلاقات. ومن خلال الحاسوب يحقق المفحوصون إشباعات تنعكس على توافقهم الذاتي والاجتماعي، مثل الاستمتاع، التغلب على الألم والمشاعر السلبية، الصداقة، الحصول على المعلومات، كما تبين من الدراسة أيضاً أن ما يقرب من نصف العينة يرى في الحاسوب وسيلة تعليمية هامة.