الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة:
طريق المدرسة نحو إعداد مواطنين لا رعايا
إعداد:
الدكتور: سيف بن ناصر بن علي المعمري
أكاديمي عماني-جامعة جلاسجو
Saifalmamari77@yahoo.co.ukدراسة نشرت في مجلة الجمعية التربوية للدراسات الاجتماعية، جامعة عين شمس، العدد (6)، 98-135.
أولا: مقدمة الدراسة وأهميتها:
1- مقدمة الدراسة
تشهد الساحة التربوية العالمية حركة نشطة في مجال تربية المواطنة، تلك الحركة جاءت مدفوعة بمخاوف الحفاظ على جوهر الديمقراطية في البلدان الغربية، أما الدافع وراءها في الدول النامية فيكمن في إعداد جيلا من المواطنين يدعم التغيرات والإصلاحات السياسية التي تشهدها تلك الدول. في هذا السياق أشار أوون (Owen, 2004). أن موضوع إعداد المواطن الصالح شغل ليس التربويين بل أيضا الفلاسفة، وعلماء الاجتماع، والسياسيين لقرون. ولكن عقد التسعينيات من القرن العشرين يعتبر نقطة تحول في تاريخ تربية المواطنة؛ ولذلك أطلق عليه رالف دارندروف (Ralf Dahrendorf) بأنه عقد المواطنة، ويعود ذلك إلى التحولات التي شهدها ذلك العقد من مثل، أزمة دولة الرفاه، والعولمة الإقتصادية، وعدم اليقين حول قيم الحداثة هذا في العالم الغربي، أما في الدول النامية فقد يكون عقد التسعينات هو فترة التوجس مما تحمله العولمة من أخطار سياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية، بل أبعد من ذلك التوجس يبرز انعكاس التحولات في العالم الغربي على الدول النامية. ويؤكد تلك الرؤية تورني بورتا وستشول وآمادو (Torney-Purta, Schwille , Amadeo, 1992, p:12):
" جميع المجتمعات عندها اهتمام مستمر بأسلوب إعداد شبابها للمواطنة، وتعليمهم كيف يقمون بدورهم في الشؤون العامة، في عقد التسعينات أصبح ذلك موضوعا متزايد الأهمية ليس فقط في المجتمعات التي تناضل لتأسيس أو إعادة تأسيس حكومة ديمقراطية، ولكن في المجتمعات ذات التقاليد الديمقراطية المستمرة والمؤسسة منذ فترة طويلة". (اقتباس في Tibbitts, Torney-Purta, 1999).
ومما يزيد من الاتجاه نحو تعزيز تربية المواطنة نمو انتشار الديمقراطية في العالم، ففي عام 2002م، اعتبرت 121 دولة من ضمن 192 دولة مستقلة، دول ديمقراطية حسب المعايير العالمية الدنيا للديمقراطية الانتخابية (Patrick, 2003)، وذلك يتطلب تربية مواطنة تدعم المفاهيم الديمقراطية، وترفع من درجة وعي الأجيال الجديدة بأساليب الممارسة الديمقراطية، يتضح مما سبق أن موضوع تربية المواطنة موضوعا ساخنا في الأوساط السياسية والتربوية على حد سواء، ليس في دولة واحدة بل في العالم ككل، وليس على مستوى الدولة القومية بل على مستوى التكتلات الإقليمية، ليس محليا بل عالميا، ومن مظاهر ذلك الإهتمام:
• على صعيد الإتحاد الأوروبي: أطلق مجلس أوروبا في 1997م برنامج التربية من أجل المواطنة بهدف تنمية نماذج وموديولات جديدة لتربية المواطنة (Starkey, Osler, 2002)، وأعتبر المجلس الأوروبي المنعقد في برشلونة في مارس من عام 2000م، تربية المواطنة من الأهداف الإستراتيجية التي يسعها لتحقيقها مع حلول عام 2010م، إلى جانب أهداف اقتصادية مثل بناء اقتصاد منافس، وقائم على المعرفة الديناميكية، اقتصاد يتسم بالنمو المستمر، وتوفير فرص عمل كبيرة وأهداف اجتماعية في مقدمتها الحفاظ على التماسك الاجتماعي.
• انجلترا: شكلت حكومة توني بلير لجنة استشارية برئاسة البروفيسور المشهور في التربية السياسية برنارد كريك (Bernard Crick) لتقديم تصور لتدريس تربية المواطنة في بريطانيا، وظهر التقرير بعنوان " التربية للمواطنة وتدريس الديمقراطية في المدارس Education For Citizenship and the Teaching of democracy in Schools"، تضمن هذا التقرير جوانب كثيرة تتعلق بتعريف المواطنة وتربيتها، وأهدافها، ومبررات إعادة الاهتمام بها في انجلترا، والأبعاد الرئيسية لها، والمحتوى الذي يمكن التركيز عليه من أجل تنمية المواطنة، وكذلك المحاذير والمشكلات التي يمكن أن تواجه تربية المواطنة في المدارس الإنجليزية. (Qualifications and curriculum Authority, 1998)
• في سكوتلاند: شكل المجلس الإستشاري للتعلم والتدريس في سكوتلاند The Advisory Council of learning and Teaching in Scotland)) في 1999 لجنة للمراجعة الوطنية للتربية في سكوتلند برئاسة البرفسور باميلا ِمن((Pamela Munn) أسفر عنها وثيقة هامة عرفت " التربية من أجل المواطنة في سكوتلند: ورقة للمناقشة والتطوير" (Education For Citizenship: A Paper for Discussion and Development)، تضمنت هذه الوثيقة عدة عناصر مهمة في تربية المواطنة: مفهوم المواطنة، وأهميتها، والعناصر الأساسية لها، ودور كلا من المعلم، والمنهج، والمدرسة في تنمية المواطنة (Learning and Teaching Scotland, 2002).
• أما في الولايات المتحدة: فيوجد اهتماما كبيرا بتربية المواطنة التي يستخدم مصطلح التربية المدنية (Civic Education) للدلالة عليها، وهناك مراكز تضع تصور للبرامج ومعايير تقويم كفايات المواطنة، في مقدمتها يأتي مركز التربية المدنية (The Center of Civic Education)، أما على صعيد التربويين يبرز اسم جون باترك (John Patrick) –بروفيسور في جامعة إنديانا- وهو من أشهر المنظرين في العالم لتربية المواطنة، له العديد من الإسهامات في تصميم برامج المواطنة داخل أمريكا وخارجها.
• في قارة آسيا هناك اهتماما متنام بموضوع تربية المواطنة والدليل على ذلك عقد وإجراء عدد كبيرمن الندوات والمؤتمرات والدراسات عبر القارة حول موضوع المواطنة والتربية المدنية مثل، عمان (المعمري، 2002) ، النيبال (Hannan, 2003)، تركيا ،(Kepenekci, 2005)، ماليزيا (Brown, 2005; Barone, 2002)، فيتنام (Doan, 2005)، سنغافورا (Sim, 2005; Sim, Print, Merritt, 2004)، اندونيسيا (Kalidjernih, 2005)، باكستان (Dean, 2005)، الصين (Guohau, 1998).
• القارة الأفريقية تشهد إتجاها قويا نحو تربية المواطنة في عدة دول مثل ، جنوب أفريقيا (Fakir, 2003; Finkel, Stumbras, 2000)، زامبيا (Abdi, Ellis, Shizha, 2005)، غانا (Bond, 2001)، بتسوانا (Preece, 2005;
• دول شرق ووسط أوروبا : أوكرانيا (Shevel, 2004)، رومانيا (Vitanos, 2005)، سلوفينيا (Šimenc, 2003)، صربيا Smith, Fountain, McLean, 2002; ). (، جمهورية التشيك (Torney-Purta, 1999; Kalous, 1996; Bishop, 1999; Mauch, 1995)، لاتفيا (Sarma, 1998).
إذن هناك إجماع عالمي على أهمية تربية المواطنة، وعلى ضرورة دراستها من أجل الوصول إلى أنسب المناهج، والإستراتجيات، وأساليب التقويم لتنميتها، وبناء على تلك الأهمية ومن أجل فهم معنى طبيعة تربية المواطنة وأهميتها، والاتجاهات العالمية المعاصرة في تنميتها جاءت هذه الدراسة المسحية للأدب التربوي في تربية المواطنة.