وزارة التعليم العالي والبحث العلمى
جامعة الجزائر
كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التيسير
الملتقى الدولي الثالث
حول
واقع التنمية البشرية في اقتصاديات البلدان الإسلامية
26-27 نوفمبر 2007
التعليم العالي والبحث العلمى
الأزمة وسبل تجاوزها
الأستاذ الدكتور / مهدي محمد القصاص
أستاذ علم الاجتماع المساعد
كلية الآداب – جامعة المنصورة
جمهورية مصر العربية
مقدمه
تتطلب منا الحياة في القرن الحادي و العشرين ( عصر العولمة / المعرفة) أن نفهم خصائصه ، وأن نتمكن من أدوات التعامل معه ، إذا أردنا أن نكون من عناصره الفاعلة المؤثرة ، وألا نعيش علي هامشه ، بل وألا نضيع في رحابه فاقدين هويتنا واستقلالنا و السبيل إلي تحقيق ذلك يتمثل في العلم والبحث العلمي .
فالتعليم لصيق الصلة بكل جوانب الحياة وأن الجودة النوعية في التعليم هي مفتاح جودة الحياة ذاتها ، بل أن كفاءة الاستثمار في أي قطاع من قطاعات التنمية تعتمد علي كفاءة الاستثمار في قطاع التعليم ، و المعرفة هي مضمون المؤسسة التعليمية تكتشفها من خلال البحث العلمي ، وتثريها من خلال التدريس ، وتوظفها من خلال التطبيق والإستخدام . ولأننا نعيش اليوم في إطار تحديات ومتغيرات قومية وعالمية مما يتطلب أفراد قادرين علي عملية البحث العلمي ومن هنا جاءت فكرة وأهمية هذه الورقة
ومع التسليم بان البحث العلمي ينطبع بالخصائص البنائية العامة للمجتمع في المرحلة التاريخية التي يمر بها إلا أننا نُسلم أيضا بأن لبحوث علم الاجتماع – بصفة خاصة – دورا هاما يمكن أن تلعبه في تجلية صورة الواقع العربي بمختلف جوانبه علي أسس علمية وتقديم فهم موضوعي له يُسهم مع كافة صنوف المعارف الإنسانية الأخرى في تكوين وبلورة وعي اجتماعي بحقيقة التحديات الأولية والجوهرية التي يواجهها المجتمع وأنسب أساليب هذه المواجهة وأكثرها فعالية وبناء علي ذلك فان هذه الدراسة تحاول استشراف مستقبل البحوث الاجتماعية هذا المستقبل الذي لا ينفصل عن استشراف مستقبل المجتمع المصري ككل ، بل والوطن العربي بأسرة بهدف أن يكون لبحوث علم الاجتماع دور فعال في تحقيق التنمية المستدامة. من أجل تحقيق إنسانية الإنسان العربي بكل مضامينها وتقديم تصورات للبدائل التي يمكن إتباعها لبلوغ هذا الهدف انطلاقا من الواقع وما يتوفر به من امكانات يجب حشدها وتنظيمها واستغلالها .
فكرة الدراسة :
تحددت فكرة الدراسة في أهمية ودور العلم و البحث العلمي في اعداد رأس المال البشري أساس عملية الإنتاج و التنمية . وذلك من خلال تساؤل رئيس هو :
- ما حال التعليم و البحث العلمي الإجتماعي في مصر؟ والتحديات التي تواجهه ؟
ونحاول عند تناولنا هذه الأشكالية معالجتها من خلال عرض المحاور التالية
أولاً : التعليم وتكوين رأس المال البشرى .
ثانياً : من التعليم بالتفكير إلى التعليم للتفكير والبحث .
ثالثاً : محاولة فى التطوير لتجاوز الأزمة .
رابعاً : استراتيجيات البحث العلمى .
خامساً : حال البحث العلمى وموضوعاته .
سادساً : مستقبل البحث العلمى : سبل تجاوز الأزمة .
وفيما يلى نعرض لهذه المحاور
أولاً : التعليم وتكوين رأس المال البشرى
فى ظل المتطلبات العالمية الجديدة ، ينظر إلى التعليم كواحد من أهم أعمدة النهضة والتقدم . وعليه فقد تم إحراز إنجازات ملموسة فى الخدمات التعليمية فى السنوات الأخيرة ، ويتم بذل هذه الجهود على أوجه متعددة ، فالنظام الذاتى المعاصر يشتمل على دور التعليم ، المعلم ، المنهج التعليمى ، طرق التدريس ودمج التكنولوجيا فى العملية التعليمية (1) .
ولقد أدى الالتفات إلى الأهمية البالغة لمفهوم " رأس المال البشرى " وتراكمه فى نهضة المجتمع وتقدمه إلى إعطاء أولوية متقدمة للتنمية البشرية ، كما وكيفاً وعمقاً (2) . وفى ظل التقدم التكنولوجي الذي يقلل من قيمة الوظائف التى لا تحتاج لمهارات عالية ، ويخلق فى مقابل ذلك وظائف جديدة ترتكز على المعرفة ، وتعمل على تغيير الأهمية النسبية لعوامل الإنتاج يتطلب ذلك تنمية رأس المال البشرى من حيث الكم والكيف (3).
لذا فهناك اتفاق على أن التحديات التى يحملها العصر الجديد لن يتصدى لها إلا رأس مال بشرى دائم الترقى ، دائب النمو ، سواء على المستوى الفردى أو على صعيد المجتمعات حتى يمكن للجميع المشاركة فى العالم الجديد من موقع الاقتدار ، وفى ظل سياق تنافسى بالغ الحدة .
وهناك اتفاق على أن الارتقاء بالثروة البشرية لن يحققه إلا تعليم تتوافر فيه شروط الجودة الكلية فى كافة مراحله ومستوياته ، وذلك من خلال استحداث المنظومة التى توفر له ذلك فى جميع مراحله ، ابتداء من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى التعليم الجامعى والعالى . ويبقى للتعليم الجامعى والعالى خصوصيته ، اذ يلعب دوراً أساسياً فى حياة الأمم من خلال تلبية احتياجاتها من القوى البشرية التى تصنع حاضرها . وترسى قواعد مستقبل التنمية فيها ، وفيه تتبلور القيادة العلمية والعملية للمجتمع . وهو المسئول عن الحفاظ على التراث الثقافى وتنميته وتطويره ، ولن يتحقق ذلك إلا بالارتقاء بمستوى خريجى هذا التعليم (4) .
ويشير تقرير التنمية الإنسانية العربية إلى ان التحدى الأهم فى مجال التعليم يكمن فى مشكلة تردى نوعية التعليم المتاح ، بحيث يفقد التعليم هدفه التنموى والإنسانى من أجل تحسين نوعية الحياة وتنمية قدرات الإنسان الخلاقة . ومن المنطقى أن تؤدى قلة الموارد المخصصة للتعليم إلى تدهور جودته ، إلا أن هناك عناصر أخرى تؤثر بشكل حيوى فى تحديد نوعية التعليم ، ومن أهمها سياسات التعليم ، ووضع المعلمين والمناهج وأساليب التعليم (5) .
يؤكد على ذلك نتائج البحوث التى توصلت إلى ضرورة إعادة النظر فى عناصر العملية التعليمية . بجملتها سواء المحتوى الدراسى أو طرائق التدريس أو الوسائل أو التقنيات التعليمية أو التقويم أو أدوار المعلم الجامعى أو الإمكانات المتاحة (6) .
وهذا يفرض علينا التعرف على طبيعة التعليم وواقعه .
ثانياً : من التعليم بالتفكير إلى التعليم للتفكير والبحث
لابد من إعادة النظر فى واقع التعليم الحالى : فالتعليم الذى عهدناه هو القبول غير المشروط للمعرفة ، نحن الطلبة والمعلمين على حد سواء أساتذة فى الاستذكار والاستظهار ، وعليه فدورنا سلبى فى العملية التعليمية – حيث أننا نقف خاضعين أمام معلمينا غير محدودى المعرفة المنوطين بالمهمة الشاقة لملأ عقولنا الفارغة – فنحن نتعلم ما هو حقيقى ومعروف لكن من غير المصرح لنا أن نسأل عن شيء جديد فكل ما نحن مطالبين به هو ملأ عقولنا بالمعلومات حتى يأتى يوم الامتحان فنفرغ فى الورقة ما نحتفظ به فى عقولنا حتى نحصل على الشهادة ، يؤكد ذلك ما قامت به جامعة ديلاوير ، Delaware من دراسة حاولت أن تبرهن فيها على أن التعليم ليس مجرد عملية التذكر والقاء المحاضرات ، ثم قىء المعلومات فى الامتحان . ولكنه يتضمن التفكير الخلاق والمبدع وتنمية روح البحث العلمى والعمل الجماعى حيث يتم التعامل مع الطلاب على أنهم متساوين وأن يتحدثوا معهم أكثر مما يتحدثوا إليهم (7)
كما يعزز التعليم بشكله الحالى من عزله التلميذ وسعيه وراء اهتماماته الخاصة فالتلاميذ لا يتم تعليمهم لمساعدة بعضهم البعض ، ولا لمساعدة من يحتاج لمعرفته شيئاً ، ولكن يتم تعليمهم أن لا يفكروا فى شييء بخلاف تقدمهم هم أنفسهم ، وليفكروا بشكل فردى فى الحصول على الجوائز فى المسابقات التى تتم مع زملائهم ، وتلك النزعات الذاتية يكتسبها عقلهم كخبرات نفسية يتعاملوا بها بعد ذلك مع العالم الذى يعيشون فيه جنباً إلى جنب – مثل ذرات الرمال فى الصحراء – حيث يكون كل فرد منعزلاً عن جاره . وبالتالى تكون حياتهم مجدبة . فإن جاءت العاصفة تكتسح ما تقابله من هذه الرمال البشرية المفتقدة لمضمون روحانى يمدها بالحياة وإلى هذه الدوامة القاتلة (8) وهذا ما انعكس على أسلوب وطريقة البحث عن فرص العمل .
والمعلم فى النظام الحديث يتميز بالتواضع والكفاءة والقدرة على التفاعل لأنه لا يتحدث لتلميذ واحد بل عادة ما ينظم الفصل الكبير على هيئة حلقات صغيرة ، وهذا يتطلب إدراكه بكيفية إدارة النقاش ، وقدرته على إثارة حماس ودافعية التلاميذ للموضوع محل الدراسة . كما يوجه الأسئلة الصعبة ويتحدى التلاميذ ليجعلهم يفكروا فى الإجابة ويعطى التلاميذ الوقت الكافى لقراءة الأوراق وكتابة التعليقات والآراء النقدية وهو بذلك يفتح نوافذ جديدة لإدراك التلاميذ مما يجعلهم يروا العالم من منظور حيوى جديد ، وهو بذلك يوفر للتلاميذ هدفاً يقْدُموا من أجله للفصل المدرسى - وبالتالي تقل نسبة التسرب .
والتعليم لا يكمن فى كتاب أو محاضرة أو حتى أستاذ ، لكن فيما بين هذه الوسائل لأن التعليم ينظر إليه كعملية وليس كينونة ، والمعلم مسهل للتعليم ، أما المدرسين الحقيقين فهم نحن أنفسنا ، بمعنى أن التعليم رحلة حياة من الإكتشافات العلمية التى لا تنتهى بعمل بحث أو دبلومة معينة ، بل تبدأ باليقين بـأن التعليم هو بالأحرى السعى وراء الأسئلة الصحيحة أكثر من معرفة كل الأجوبة ، فالتعليم بشكله هذا يقوم على التفاعل النشط أكثر من القبول السلبى ، ويهتم بالحوار والبحث أكثر من الإملاء والحفظ (9) .
وفى هذا الصدد يجب علينا التفرقة فى العملية التعليمية بين البحث العلمى كمهارة تعليمية موضوعة فى نهاية سلم المهارات ، وبين البحث العلمى كمحور للمهارات ، بمعنى آخر : ما العمل لكى يكون البحث العلمى التطبيقى هو المدخل إلى التعليم (10) .
ثالثاً : محاولة فى التطوير وتجاوز الأزمة
تأتى الحاجة للتطوير برسم الحدود الفاصلة كما جاء فى مؤتمر Bristol حيث يفرق Hallak بين مختلف مجالات النشاط التعليمى التى يجب إصلاحها بالقدر الذى يجعلها تواجه المتغيرات القائمة فى ظل الإتجاه نحو العولمة ، وتكيف النظم التعليمية والبحثية لتتماشى مع متطلبات التدريب الجديدة من خلال ثلاث نقاط :
1- تحديد دور المعلم من متحدث لمرشد
حتى يمكن تدريب افراد لهم القدرة على اقتفاء أثر المعلومات وإجراء العمليات عليها وتفسيرها ، ولابد للمعلمين من مراجعة طرقهم التدريسية والانتقال من دور المتحدث إلى دور المرشد ولتحقيق ذلك يتم تدريبهم على تكنولوجيا المعلومات والبحث العلمى وامكانية تكييف التدريس لحاجات الأفراد ، وأن يتم تحديد رواتبهم وفقاً لمعايير الأداء وعلى أساس التقييمات المضادة .
2- إعادة النظر فى إجراءات الحصول على الشهادة
لابد من تعديل إجراءات الحصول على شهادة التخرج حتى تظهر قدرات الأفراد على التكيف مع التغيرات الحديثة والسريعة فى سوق العمل . ولابد أن يقوم المعيار على أساس المهارات غير المعرفية ( مثل موهبة العمل الجماعى ) والخبرات المكتسبة بالإضافة إلى معايير يمكن تطبيقها على نحو واسع حتى تسهل حراك الطلاب والعمال .
3- إعادة التفكير فى أهداف كل مستوى من مستويات التعليم
ويتضمن تحديث النظم التعليمية إعادة توزيع المسئوليات على المستويات المختلفة للتعليم:
أ- أهمية التعليم الأساسى لكل الأفراد لبناء مجتمع منتجين ومسئولين وقادرين على رد الفعل والتفكير المستقل .
ب- تنمية المهارات البحثية لدى خريجى التعليم العالى من مهندسين وفنيين ومديرين قادرين على التعامل مع المتغيرات والمشكلات .
ج – أهمية التعليم الثانوى : وهل يمكن التخلى عن هذا المستوى كى يصبح جزءاً من التعليم الأساسى (11) .
وقد قدم " حامد عمار " رؤية جديدة مضمونها أن مفهوم السلم التعليمى – بدرجاته وشروطه وحدوده – أمسى غير مستوعب لآفاق الثورة الجديدة فى مجال التعليم واستبداله بمفهوم " الشجرة التعليمية " الذى يلتقى مع التصور الجديد لطبيعة التعليم وآفاق تطوره مع تطور أهداف التنمية البشرية ويتميز هذا المفهوم بأنه يتيح للراغب فى التعليم الدخول فى أى مستوى تسمح له به استعداداته ويسمح له الإنتقال من شعبة إلى أخرى ومن تخصص إلى آخر ، والعودة إلى التمدرس والبحث بعد مغادرة المؤسسة والإنشغال فى عمل (12) .
نحو تعريف جديد للمعايير التعليمية
يقوم تعريف التعليم " على أنه المكون الرئيسى لكل مراحل وأشكال التعليم الحديث وخاصة متعدد المعارف والذى يهدف إلى تحقيق التطور الشامل للشخصية فى كل مشاهدها المعرفية والأخلاقية والوجدانية والجمالية ، كما تقوم بتوفير الهيكل الأساسى والخطوط الإرشادية ، وهذا التعريف للتعليم يفضى إلى التفاهم الدولى " (13).
إلا أن هناك جماعات مثل الإتحاد العام للطلاب بأوربا ( ESIB ) وتجمعات مؤسسات التعليم العالى فى أوربا وكندا والولايات المتحدة والتى ألفت ما يطلق عليه GATS ( الإعلان المفصل للتعليم العالى ) الذى تم إلحاقه مؤخراً بالإتحاد الدولى للجامعات . وتتفهم هذه الجماعات الفائدة المرجوة من دولنة ( جعله دولى ) التعليم العالى على أنه خدمة تجارية إلا أنهم يؤمنوا بأن التعليم – بتخطيه الحدود – سيظل ينمو ويتطور ولكن فى ظل هيئات غير GATS ، WTO . فمثلاُ منظمة اليونسكو – كما يرون والهياكل التعليمية الأخرى لها دور هام فى وضع السياسات لحركة التعليم عبر الحدود ، حيث لا تكون سياسات تجارية أو صناعية ، بل جزء لا يتجزأ من الهيكل الإكاديمى القوى الذى يعمل على تبادل وتطوير التعاون ، وعلى النقيض من ذلك نجد جماعات أخرى تشير إلى فوائد التجارة فى التعليم العالى ، فهم يرون أن زيادة المنافسة فى السوق تعتبر حافزاً قوياً للمؤسسات التقليدية أن تبتكر وتؤسس شبكات عمل محترفة . ولقد صار هذا النقاش الدائر حول العولمة ودور السوق فى التعليم العالى مثار اهتمام الدول النامية والدول التى فى مسارها للتحول فقد أصبحت أسواق غير قانونية فى ظل عدم الإستقرار السياسى وان تقليل دعم الحكومة للتعليم العالى سيتناقص أكثر وسيصبح الطلاب تحت رحمة موفرى التعليم الذين سيفضلوا بالطبع الطالب الغنى عن الطالب الفقير ، ويبقى الموضوع الرئيسى هو ضرورة توفير الكفاءة التعليمية وتوفير الحماية للمستهلك (14)
وهذا يؤكد اهمال قيمة التعليم العالى من قبل الإقتصاديين التقليديين ، حيث يركزون اهتماماتهم على معرفة سعر كل شيء وعدم معرفة قيمة اى شيء كل ذلك قادنا لحالة من التأكيد على الإستثمار فى التعليم العالى والبحث العلمى (15).
وحتى يمكن تحسين التعليم لابد من التأكيد على الآتى :
1- إلغاء البرامج والنشاطات التى تتبع فلسفة من المدرسة وإلى العمل بشكل شامل من التعليم الإبتدائى والثانوى .
2- التطوير والمساهمة فى المعايير الأكاديمية التعليمية والتى تركز على المقاييس العلمية أكثر من كفاءة مكان التعليم .
3- إلغاء التعليم النص واستبداله بمناهج دراسية معدله تقوم على التعلم الذاتى والبحث العلمى .
4- التشديد على كل الموضوعات ذات الصلة بحياة الطلاب وربطهم ببيئتهم المحلية .
5- تسهيل مساهمة الطلبة فى المشروعات الاستثمارية لقوة العمل .
6- حماية مرحلة رياض الأطفال ومنهجها ومعاييرها من تأثير العمل .
7- إعادة بناء نظام مهنى حساس وواعى للتحول إلى العمل والمهن للطلبة غير الجامعيين .(16) .
ولا شك أن تعليما يكرس الحفظ و التلقين ينتج متعلمين يتقيدون بما تعلموة و المحافظة علي ما ألفوه واحترام وتقديس ما قدم إليهم كحقائق لا يجوز التشكيك فيها ولا يساعد تعليم يستند إلي هذا النوع من التعامل مع المعرفة المتلقين علي تطوير قدرات التفكير المستقل الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام التغيير و التطوير والسير قدما إلي الأمام ويرتبط بهذه الخاصية امتلاك المقدرة علي النقد التي تساعد ممتلكها علي توجيه أسئلة في كل اتجاه و الشك في كل قضية تم التوصل إليها عن طريق البحث و التفكير وهذا حال التعليم !!
رابعاً : استراتيجيات البحث العلمى
يعتبر المشتغلون بالعلوم الاجتماعية جزء من المجتمع ومشكلاتهم جزء من مشكلات المجتمع عامة (17) . وإذا كان المنتج البحثى للعلوم الاجتماعية يمر بأزمة فهو نتاج مباشر لواقع اجتماعي لا يخرج عن إطار تبعية المجتمع للنظام الرأسمالي . حيث تخلق أزمة المجتمع أزمة الفكر (18) يذكيها عوامل مجتمعية تأتي في مقدمتها خصائص السلطة والقوي والحركات الاجتماعية والسياسية المهيمنة وهي خصائص تتجمع لتصنع وعيا وممارسات مناهضة، لتطوير الإنتاج السوسيولوجي وتحريك الطلب علية وتوظيفه فهي تكرس ممارسات وقيم تحاصر الإبداع بالتحريم ويحاصرة الحريات بما في ذلك الحريات الأكاديمية وحق الحصول علي البيانات من المصادر المختلفة الرسمية والميدانية وتكبل العقل وترهبه بالتعصب والقبلية الايديولوجيه والفكرية (19)
كما أن اغلب المشتغلين بالعلوم الاجتماعية وبخاصة علم الاجتماع يتجهون إلي العمل فيه علي نحو يخدمون به – بقصد أوبدون قصد – مصالح فئات أو جماعات لا تمثل جماهير الشعب أو الطبقة العاملة والفلاحين والشرائح الدنيا من الفئات الوسطي ، ولأن الكثيرين ينتمون أيديولوجيا إلي الاتجاهات المثالية المحافظة - هي تميل إلي مقاومة محاولات تغيير الوضع القائم تغييرا جذريا - فهى لا تفيد كثيرا في محاولة تقديم تحليل اجتماعي ناقد (20) لذا فالعلوم الاجتماعية يغلب عليها التقصير في أداء دورها التنموي (21) . يدعم ذلك الافتقار إلي سياسة عامة للبحث العلمي فالجامعات ومراكز البحوث بشكل عام لا تلتزم ببرامج أو سياسات جماعية محددة سلفا أو أسلوب محدد للنشر أو تبادل نتائج ما تقوم به من أبحاث (22)
كما تضع المراكز البحثية التي تنتمي إلي ميدان العلوم الاجتماعية أمام الباحثين إطارا تقليديا لاختيار الموضوعات باستثناء حالات لا يمكن القياس عليها (23) ، فمعظم مؤسسات البحث الاجتماعي تنشأ بدون هدف عام واضح وتنظم بأساليب بدائية عاجزة ، لذا فهي لم تنجح في تناول القضايا الحيوية في المجتمع العربي بالتحليل، بل ولم توفق في دراسة ما عرضت له من موضوعات(24) مما دعا البعض إلي القول بأن معظم مراكز ومؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي قد تحولت الي مراكز توظيف أكاديمي حيث تركز أساسا علي العمل الأكاديمي بدلا من تركيزها على البحث العلمي (25)
ويلاحظ علي المشتغلين بالبحث العلمي الآتي :
ضآلة نسبه الملتحقين بالتعليم العالي في العالم العربي حيث بلغت نسبة ( 14.9%) مقارنا بالدول المتقدمة بنسبة (61.1%) فعلى سبيل المثال مصر (18.1%) واسرئيل (41.1%) وهذا يثير القلق حول قدرة الدول العربية علي الحياة والمنافسة في عالم يعتبر العلم والمعرفة أهم مصادر القوة والثروة (26)
ولايقتصر الأمر علي قلة نسب الملتحقين بالتعليم العالي فقط بل إن التعليم في مرحلتى الليسانس او البكالوريوس والدراسات العليا لا يهتم بنوعية الطلبه ولا ما يقدم لهم من برامج وما يوفر لهم من فرص الإعداد والتنشئة ولهذا – وبسبب التركيز علي التلقين من (كتاب مدرسى ) ونتيجة للعمل من موقف التعالي علي الواقع الحي، أو الانفصال عنة علي الأقل، ينهي الدارسون تعليمهم وهم ناقصوا الإعداد ، غير ملمين بالواقع وعاجزون عن التعامل معه (27) وتشير الدراسات إلي أن الدول النامية إذا أرادت اللحاق بركب التقدم في ظل العولمة فان التعليم العالي قد يكون وسيلتها الفعاله في الإسراع بهذه العملية (28)
ويقدر إجمالي عدد الأفراد المشتغلين بأنشطة العلم والتكنولوجيا في مصر بحوالي 120 ألف فرد منهم 50 ألف من العلماء والمهندسين يعملون في 318 مؤسسة في شكل أقسام ومعامل أو مراكز متعددة التخصصات، ويضم العلماء والمهندسين فيما بينهم شخصيات علمية متميزة وكفاءات نادره في أنشطة العلم والتكنولوجيا وهي موزعة بين قطاعات الأداء كالأتي: قطاع التعليم العالي 71.3% - قطاع الإنتاج 16.2% - قطاع الخدمات العامة 12.5% ومؤهلاتهم الأكاديمية علي النحو التالي: دكتوراه فلسفة 31.7% - ماجستير 18.7% - بكالوريوس 23.9% - دبلومات فنية 25.7% ، أما وفق مجالات التخصص فهي العلوم الطبيعية 22.8% - العلوم الطبية 22.8% - العلوم الهندسية والتكنولوجى 15.7% - العلوم الزراعية 14.7% - العلوم الاجتماعية 24.0% (29) وعلى الرغم من أن العلوم الاجتماعية تأتى في المقدمة بنسبه (24.0%) إلا أن هذا لا يتناسب وقلة المنتج البحثى وتناوله للقضايا الجوهرية.
والملاحظ أن الدول العربية لم تتمكن حتى الآن من انتهاج سياسة عربية موحدة في مجال البحث العلمي مما جعلة مهمشا في نشاطات الدولة واهتماماتها وغالبا ما تقوم الدول باستيراد التقنية الغربية التي قد لا تصلح في كثير من الأحيان وتتكلف كثيرا، هذا بالإضافة إلي تأثر هذه المجتمعات بمستحدثات سلوك الغرب مما شوه كثيرا من الحضارة العربية. وقد استتبع ذلك هجرة العقول العربية إلي الخارج هذا بالإضافة إلي عدم تكامل البحث العلمي العربي وترجع كل هذه السلبيات إلي عدم العناية بأهمية البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وضعف الاعتمادات ونقص المعلومات ، فلو أخذنا مثلا مؤشر نشر الأبحاث نجد أن العلماء العرب قد نشروا 7077 مقالا وبحثا في عام 1995 في المجلات الدولية مقابل 166829 مقالا للولايات المتحدة، 43891 مقالا لليابان 1118 لإسرائيل 36233 لألمانيا، 1108 مقالا لمصر وذلك خلال عام 1997 وفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2002 حول مؤشرات التنمية في العالم (30)
ومع هذا فلا تزال نسب الإنفاق علي البحث العلمي الي الدخل العام ضئيلة ففي عام 2000 بلغت (0.6%) بالمقارنة بعدد من الدول ( 2- 3.5%). ويتطلع مجتمع البحث العلمي في مصر إلي أن تحدد الدولة أهدافا قوميه تتجه جميع أنشطة البحث العلمي صوبها ، ومع اعادة هيكلة المؤسسات العلمية والبحثية بما يضمن تحقيق هذة الاهداف في زمن محدد وبرامج يمكن متابعتها وقياس مدىكفاءة آدائها (31) .
وعلى الرغم من ذلك فإن واقع البحث العلمى فى مصر ، يعانى قصوراً فى تلبية الاحتياجات الماسة والعاجلة وما زال دون المستوى المطلوب من أجل تحقيق تنمية شاملة ، وذلك نظراً لوجود العديد من المشاكل تتمثل أساساً فى ضعف مستوى إعداد الباحثين وعدم توفر المناخ المناسب للعمل والإفتقار إلى المعلومات وصعوبه الحصول عليها وانخفاض نسبه ما تخصصه الدولة من ميزانيتها للإنفاق على البحث العلمى والتكنولوجيا بالرغم من الزيادة السنوية فى الإعتمادات المخصصة لهذا القطاع ( 32 ) .
خامساً : حال البحث العلمى وموضوعاته
يختار الباحثون موضوعاتهم حسب اهتماماتهم الشخصية ، وتغيب القضايا الاجتماعية الكبرى وفى هذا الصدد تؤكد الأبحاث أن تجزئة القضايا الاجتماعية ودراستها كمشكلات فى حد ذاتها بوصفها أمراضاً فردية أو شرور اجتماعية أو ما سمى بعلم الاجتماع العلاجى ، الذى يتحسس موضع المرض فقط وتفريغها من محتواها السياسى الفعلى جعل الباحثين يدرسونها على نفس نمط " ميرتون " ، ضمن وظيفة محافظة تعرف وتصنف وتفسر الظواهر الإجتماعية وأنماط السلوك بالدور الذى تلعبه فى حفظ النظام العام (33) . يدعم ذلك نمط البحوث السائد .كما ذهبت دراسة أخرى إلى أن هناك من عاشوا على البحث العلمى وتعاملوا معه بضاعة جدواها العائد المالى حتى لو كان مصدره استغلال الآخرين (34)
وتؤكد نتائج بعض الأبحاث إلى أن عدم التخطيط الجيد وعدم تهيئة المناخ المناسب لإجراء البحث العلمي هو لب المشكلة يلى ذلك إعداد الباحثين فالإدارة والتمويل 000 إلخ (35) وأشار بحث آخر إلى غياب إستراتيجية أو خطه تسترشد بها مؤسسات بحوث علم الإجتماع علي المستويين القومي والقطري وترتبط بإستراتيجيات أو خطط عامة للتنمية الإجتماعية الشاملة لذا أصبح النشاط والمنتج البحثي يتسم بطابع العشوائية والتبعثر بل وبانعدام الهدف المجتمعي له وأصبح الذي يحكم اختيار مشكلات البحوث ومجالاتها عوامل فردية خاصة بالباحثين ( مثل إهتماماته الشخصية أوميدان عمله أو سهولة جمع المادة أو نوع التدريب الذي حصل عليه أو تأثره بنمط البحوث الذي يجري بالبلد الأجنبي الذي تلقي هو أو أساتذته تعليمه فيه) وحصيلة ذلك كله غياب القضايا القومية الكبرى التى يفترض أن تكون لها الأولوية في البحث (36)
كما تشير نتائج البحوث الى أن الأزمة لا تكمن فى نقص علمية العلم وإنما فى اختيار مداخل منهجية قاصرة ، واستعمال أساليب بحث وأدوات جمع معلومات معيبه بطريقه غير سليمة ، وارتكاب اخطاء كثيرة فى ممارسة البحث ، والتفريط فى الوظيفة التنظيرية للعلم ، بالاضافة الى سوء الفهم والخلط (37)
والملاحظ أن بعض الباحثين قد يكتسب مهارات منهجية وخبرات ميدانية لابأس بها خاصة وهم يعدون أطروحتى الماجستير والدكتوراه ولكن بمجرد الحصول على الدكتوراه فان معظمهم ينصرف إلى التدريس وتأليف الكتب الدراسية ، وكأن الحصول على الدكتوراه يعنى " فض الاشتباك " نهائيا أو القطيعة مع العمل الميدانى ، الذى هو أساس لا غنى عنه لفهم الواقع وهذا هو مايفسر جزئيا على الاقل هزال المعرفة السوسيولوجية رغم التضخم المؤسسى ( 38 ).
وكذلك يوجد عدد من التحديات تفرضها ممارسات الجماعة العلمية نفسها فهى تكرس الفردية والنرجسية والتعصب العلمي ، واقصاء الاخر العلمى ، والعبث بأخلاقيات الممارسة العلمية ، والاستسهال ، وما الى ذلك من ممارسات وقيم قد يطول المقام بالافاضة فيها وتفسيرها ورصد نتائجها المعوقة لمسارات البحث السوسيولوجى ( 39 ) .
كما أن المناخ العام يدفع بالباحثين الاجتماعين إلى الاستغراق فى حالة من التأمل النظرى المكتبى والتعامل مع مفاهيم معقدة لا صلة بينها وبين الواقع المجتمعى وقضاياه أو ما يعرف " بالحرفية " بمعنى أن تصبح المهمة الأساسية للباحث هى استنباط وتطوير أدوات البحث مبتعداً عن الواقع الاجتماعي ومشكلاته . ( 40 )
يضاف إلى ذلك أن ممارسة النقد خاصة بين كبار الأساتذة المتخصصين ما زال ضعيفاً وانعكس ذلك على مستوى الرسائل العلمية ( للماجستير ، والدكتوراة ) أو على مستوى أبحاث أعضاء هيئة التدريس بأقسام الاجتماع والانثروبولوجيا ، وبالتالى فلابد أن نبدأ بلوم أنفسنا أولا ( 41 ) يعزز كل ما سبق أن جانباً كبيرا من البحث والدراسة والكتابه فى علم الاجتماع فى بلادنا يوجه لمستهلكين عاجزين عن رفضه – هم طلبه الجامعات والمعاهد العليا أو لا يوجه إلى احد قادر على ان يرفضه – مثل معظم أعمال مراكز البحث . ولهذا يفتقر إلى كثير من الجدية و الدقة فضلا عن الإحساس بالمسئولية الوطنية والقومية ( 42 )
وتشير معظم الأبحاث إلى أن الميزانية المخصصة للبحث العلمى تلعب دوراً أساسيا فى جودة البحث العلمى وان العلاقة بينهما طردية .
كما توضح نتائج البحوث الميدانية إلى أن أهم معوقات التعليم والبحث العلمى - فى مصر بوجه عام وبالتطبيق على جامعه قناة السويس - ترجع إلى قلة الامكانيات المادية ، النواحى العلمية و الادارية والاجتماعية (التى تتعلق بنظرة المجتمع للبحث العلمى) والسياسية من خلال علاقة الجامعه بالدولة . ( 43 ) إلا أن هناك دراسة أخرى تختلف مع ما سبق من أن الميزانية لا تعد معوقاً أساسيا وتذهب إلى أن معوقات البحث العلمى لا تكمن فى الميزانية المادية وعدم توفر مستلزماته كما يُعتقد ولكن يكون التعبير الاكثر ملاءمة اذا قلنا أن عدم تهيئة المناخ المناسب والتخطيط الجيد لإجراء البحث العلمى هو لب المشكلة ( 44 )
سادساً : مستقبل البحث العلمى : سبل تجاوز الأزمة
يواجه البحث العلمي في الوطن العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة بقوى وتحديات داخلية وخارجية ، تستهدف الحفاظ علية في حالته الراهنة ، بوصفه نشاطا يهدر الامكانات العربية المادية والعقلية أكثر منه نشاطا لاستثمارها والاستفادة منها، والحفاظ علي مؤسساته البحثية المختلفة في حالتها الراهنة ككيانات منفصلة عن الواقع الاجتماعي والتنموي العربي عاجزة عن الاستفادة من معطياته وعاجزة أيضا عن الوفاء بمتطلبات ذلك الواقع العلمية والتنموية وإذا أخذنا مؤشر التمويل علي سبيل المثال فوفقا لإصدار 1998 من تقرير" العلم في العالم " يعد تمويل البحث في العالم العربي من أكثر المستويات انخفاضا في العالم، فقد بلغ معدل الإنفاق العلمي نسبه إلي الناتج المحلي الإجمالي 0.14% فقط في العالم العربي عام 1996 ، مقابل 2.53% عام 1994 لاسرائيل، 2.9% لليابان و 1.62 لكوبا (45) وهذا يمثل أزمة ويجب العمل علىمحاولة تجاوزها على أسس علمية تمثل البداية الحقيقية لحدوث ( الثورة العلمية ) أو إحلال نماذج جديدة كما أشار " توماس كون " (46) ولكن ليس على طريقة ( رعاة البقر ) التى أشار اليها " فوكوياما " (47)
لذا يجب ان نخرج من إطار ردود الفعل إلى صناعه الفعل ، وهذا يتطلب استراتيجية قومية واقعية ، تُعرض بشفافية بحيث يلتف حولها الجميع ويلزم ذلك أن يكون هناك قناعه وإيمان لدى صانعى القرار بأن البحث العلمى ضرورى وهام وأنه وراء كل تقدم فى العالم وهناك خطوات ايجابية إلا أننا نحتاج المزيد فقد قامت الدولة بوضع سياسة تعليمية مدروسة جيداً فى ظل سياق ديمقراطى ضمن أسس الإصلاح الشامل للتعليم ( 48 ) وفى هذا السياق تأتى مدنية مبارك التعليمية ومركز سوزان مبارك للاكتشاف العلمى (49 ) .
وهذا يتطلب الاهتمام بجودة رأس المال البشرى وتوفير نماذج لاختيار المشكلات الاجتماعية وتحديد الحلول المناسبة وكذلك الإطار الذى من خلاله يمكن لثقافة وقيم المجتمع أن تُدرس وتتطور (50) . وتبقى سلامة جهودنا البحثية وجدواها بل ومشروعيتها لا تقاس بقيمتها العلمية ( النظرية والمنهجية ) فقط ولكن أيضاً بقدرتها على الإسهام فى تحقيق تقدم على طريق حل مشكلاتنا. وتبدو الحاجة ماسة كما يدعو " التقرير الاقتصادي العربي الموحد " (51). أكثر من أى وقت مضى لاعتماد سياسات فاعلة للتنسيق بين التنمية والبحث العلمى والتطوير والابتكار ، ويتطلب ذلك ، من بين أمور أخرى ، إعادة بناء ودعم مؤسسات البحث العلمى بما فيها مواقع البحث فى الجامعات ضمن أفق أوسع مع ربط هذه المؤسسات بمواقع الإنتاج العامة والخاصة. والتى يتعين بلورة وإيجاد مفهوم عام ومقبول بدورها فى تطوير المجتمع ضمن وظائفها الاجتماعية .
يؤكد ما سبق أن الإعداد النوعى لرأس المال البشرى يعد أحد الرهانات التنموية فى سباق التنافسية العالمية . فهو الذى يمنح المجتمع قوته الإنتاجية ، التى تسهم فى الإنتاج الإقتصادى وفى المعرفة وفى المعلومات وفى مجالات الابداع الأخرى . ولهذا يرى خبراء التنمية أن التعليم والبحث العلمى هو القاطرة التى تدفع المجتمع نحو استدامة التنمية ولقد بُذلت جهود مصرية خلال العقد الأخير من القرن العشرين ، لتطوير التعليم ، تعكسه اهتمامات القيادة السياسية ، التى رأت أن التعليم مشروع قومى وتنموى كما هو أمنى.
كما ركزت الورقة الحالية على التعليم والبحث العلمى الإجتماعى وأهم مخرجاتهم لتحديد الإنجازات واستطلاع المعوقات لتفسيرها وبها يُهيء لتطوير التعليم والبحث العلمى خاصة أساليبه فى اعداد المتعلم والمعلم معاً وليكونا سويا أكثر قدرة على التعلم الذاتى المتجدد المبنى على روح البحث . ولعل الفكرة الأساسية التى نود تأكيدها فى هذا السياق هى أنه كما يكون المجتمع – بنية وعلاقات – يكون التعليم والبحث العلمى والعكس يكاد يكون صحيحاً ولهذ تتطلع التنمية فى مصر لإعداد رأس المال البشرى وتمكينه كى يكون فاعلاً تنموياً فى مجتمعه ، بل والوطن العربى بأثره بهدف أن يكون لبحوث علم الإجتماع دور فعال فى تحقيق التنمية المستدامة . من أجل تحقيق إنسانية الإنسان العربى بكل مضامينها وتقديم تصورات للبدائل التى يمكن اتباعها لبلوغ هذا الهدف انطلاقا من الواقع وما يتوفر به من امكانات يجب تنظيمها واستغلالها . عبر إقامة مجتمع المعرفة فى البلدان العربية حتى نملك من أسباب العزة والمنعة المعرفية ما يمكننا من الوجود باقتدار فى مجتمع المعرفة العالمى الآخذ فى التشكل بلا هوادة ولن نمل من تكرار أن فرصة أى بلد عربى ، أى كان فى الفوز منفرداً فى حرب المعرفة هذه تكاد تكون منعدمة وإنما يمر درب الفوز عبر تعاون عربى متين يستهدف الوحدة على صورة " منطقة مواطنة عربية حرة " كما دعا تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول . هذا ويمكن الخروج ببعض التوصيات من أهمها :
1- الاهتمام بالإعداد الجيد للباحثين .
2- اختيار الموضوعات البحثية ذات الصلة باحتياجات وقضايا المجتمع وسبل مواجهتها .
3- التعاون والتنسيق بين الجامعات ومراكز البحوث ووزارة البحث العلمى والمستثمرين .
المراجع
1. Ministry of information , state Information service , Arab Republic Of Egypt , year book ,2002,p.159.
2. حامد عمار ، من السلم التعليمى إلى الشجرة التعليمية ، المجلة الإجتماعية القومية ، عدد خاص " عن التعليم " ، المركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية ، القاهرة ، سبتمبر ، 1998 ، ص6 .
3. United Nations , Globalization and labour Markets in the ESCWA Region , New York , 2001, p. 19.
4. المجالس القومية المتخصصة ، الإرتقاء بمستوى خريج التعليم الجامعى والعالى فى اطار مفهوم الجودة الكلية لمواجهة تحديات المستقبل ، المؤتمر القومى للتعليم العالى ، 13-14 فبراير ، مركز القاهرة الدولى للمؤتمرات ، 2000 ، ص1 .
5. تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 ، نحو اقامة مجتمع المعرفة ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ، المكتب الإقليمى للدول العربية ، ص 52 .
6. فتحى درويش عشيبه ، الإدارة الجامعية فى مصر بين التفاعل مع التحديات المعاصرة ومشكلات الواقع ،المؤتمر العلمى الرابع " التربية ومستقبل التنمية البشرية فى الوطن العربى على ضوء تحديات القرن الحادى والعشرين " ، 21-22 اكتوبر ، كلية التربية ، جامعة القاهرة ، فرع الفيوم ، 2002 ، ص ص 71- 103 .
7. White , Anna, universities’ definition of education must be rethought, the review , april 22, 1997, thelorax @ udel.edu.
8. Montessori, Maria , Broadening the concept of education for international understanding , unesco international Network of textbook research institutes, 2003 .
9. White, Anna, Op,cit.p.2.
10. مراد وهبة ، ملاك الحقيقة المطلقة ، مكتبة الأسرة ، 1999 ، ص254.
11. Education and Globalization, the llep Newsletter , is available :
http:// www.education.unesco.org / educprog/llep/news// st.htm,1998. Pp 1-3 .
12. حامد عمار ، مرجع سابق ، ص ص 1-20 .
13. Montessori, Maria , op. Cit , p. 2.
14. Unesco Education, Higher Education in a Globalized society, 2003, pp. 5-10 .
15. Bloom, David E. , Mastering Globalization : from ideas to Action on Higher education reform, harvard university , 19 september, 2002, pp. 5-6.
16. Miller, Virginia, New Definition of education standrds, education reporter , June 2001.
17. سعد الدين إبراهيم ، علم الاجتماع وقضايا الانسان العربي ، نحو علم اجتماع عربي ،مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1986، ص 199 .
18. أحمد زايد ، علم الاجتماع بين الاتجاهات الكلاسيكية والنقدية ، دار المعارف ، القاهرة ، 1984 ، ص 58 .
19. عبد الباسط عبد المعطى ، إنتاج المعلومات السوسيولوجية : المهام والتحديات ، مؤتمر الأدوار المستقبلية لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا فى مصر ، 13- 14 مايو ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1998 ، ص ص ،1- 5 .
20. محمد عزت حجازى ، الأزمة الراهنة لعلم الإجتماع فى الوطن العربى ، نحو علم اجتماع عربى ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، 1986 ، ص 15 .
21. عبد الباسط عبد المعطى ، الوعى التنموى العربي ، دار الموقف العربي ، القاهرة ، 1983،ص ص 80- 91 .
22. سمير نعيم أحمد ، علم الإجتماع والإلتزام بقضايا الإنسان العربى ، فى كتاب : المنهج العلمى فى البحوث الإجتماعية ، ط5 ، دار سعيد رأفت ، القاهرة ، 1988 ، ص 262 .
23. فريدريك معتوق ، منهجية العلوم الاجتماعية عند العرب وفى الغرب ، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، بيروت ، 1985 ، ص 140.
24. محمد عزت حجازى ، مرجع سابق ، ص 35 .
25. علا الحكيم ، قطاع البحث العلمى والتكنولوجيا وتحدياتة ، المجلة المصرية للتنمية والتخطيط ، معهد التخطيط القومى ، القاهرة،ديسمبر ، 2003 ، ص 214 .
26. محمد نبيل نوفل ، العرب والعلم : كشف حساب التنمية البشرية والتعليم فى العالم العربي فى مطلع القرن الحادى والعشرين ، وحدة البحوث والدراسات السكانية ، جامعه الدول العربية ، فبراير ، 2001 ، ص 117 .
27. محمد عزت حجازى ، مرجع سابق ، ص 35 .
28. Bloom,David E., Mastering Globalization : From Ideas To Action on Higher Education Reform , Harvard University , 19 September , 2002, p . 2 .
29. على على حبيش ، العلم والتكنولوجيا كقضايا حاكمة فى بناء وتنمية القدرات البشرية المصرية ، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية ، معهد التخطيط القومي ، القاهرة ، يوليو ، 2003 ، ص 60
30. علا الحكيم ، مرجع سابق ، ص 215 .
31. على على حبيش ، مرجع سابق ، ص 61 .
32. علا الحكيم ، مرجع سابق ، ص 218 .
33. سالم سارى ، علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية العربية : هموم وإهتمامات ، نحو علم الاجتماع عربي ، مرجع سابق ص ص 58 - 59 .
34. عبد الباسط عبد المعطى ، فى إستشراف مستقبل علم الاجتماع فى الوطن العربي : بيان فى التمرد والالتزام ، نحو علم إجتماع عربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، مرجع سابق ، ص 361 .
35. مبارك بن سعيد حمدان ، كمال الدين محمد هاشم ، معوقات البحث التربوي من وجة نظر أعضاء هيئة التدريس بكلية التربية جامعه الملك خالد بأبها ، مجلة كلية التربية ، العدد 31 ، جامعه طنطا ، يونيو ، 2002 ، ص ص 305 - 321 .
36. سمير نعيم أحمد ، مرجع سابق ، ص 269 .
37. محمد عزت حجازى ، مرجع سابق ، ص 25 .
38. سعد الدين إبراهيم ، تأمل الافاق المستقبلية لعلم الاجتماع فى الوطن العربي : من إثبات الوجود إلى تحقيق الوعود ، نحو علم إجتماع عربي ، مرجع سابق ، ص ص 347- 348 .
39. عبد الباسط عبد المعطي ، إنتاج المعلومات ، مرجع سابق ، ص ص 1- 5.
40. رايت ميلز ، الخيال العلمى الإجتماعى ، ترجمة : عبد الباسط عبد المعطى وعادل الهوارى ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1987 ، ص ص 2 – 4 .
41. محمد الجوهرى ، حاجة الانثروبولوجيا فى مصر الى تيار نقدى جديد ، فى مؤتمر الادوار المستقبلية لعلم الاجتماع ، 13-14 مايو ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1998 ، ص ص 1- 2 .
42. محمد عزت حجازى ، مرجع سابق ، ص 30 .
43. منال رشاد عبد الفتاح ، أهم المعوقات التى تواجة البحث العلمى بجامعه قناة السويس: دراسة حالة ، المؤتمر السنوى الرابع عشر ، كلية التربية جامعه المنصورة ، مرجع سابق ، ص 245
44. مبارك سعد حمدان ، مرجع سابق ،ص 297 .
45. تقرير التنمية الانسانية العربية ، خلق الفرص للأجيال القادمة ، 2002 ص 61 .
46. توماس كون ، بنية الثورات العلمية ، ترجمة : شوقى جلال ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 186، الكويت ، ديسمبر 1992 ، ص 13 .
47. فرانسيس فوكوياما ، نهاية التاريخ ، ترجمة حسين الشيخ ، ط1 ،دار العلوم العربية ، بيروت ، ص ص 11-12.
48. Ministry Of Information , Education And Scientific Research , State Information Service , Arab Republic Of Egypt,Year Book 1995, pp 195- 196 .
49. Ministry of Information , Education And Scientific Research , State Information Service , Arab Republic Of Egypt, Year Book 2002 , pp 161-163 .
50. United Nations,Responding To Globalization : Skill Formation And Unemployment Reduction Policies , New York , 2003 , pp 15 –17.
51. الامانة العامة لجامعة الدول العربية ، التقرير الاقتصادى العربى الموحد ، سبتمبر ، 1999 ، ص 59