استخدام الأرض في مدينة إدفو – دراسة جغرافية *
نشر هذا البحث في مجلة الجمعية الجغرافية المصرية ، الجزء الثاني عام 2005م
مقدمة
هذه هي الدراسة الثانية التي يعدها الباحث عن مدينة إدفو ، حيث تناولت الدراسة الأولى بعض خصائص العمران بالمدينة ، وفى الحقيقة هناك ارتباط واضح بين موضوعات الدراسة الأولى وموضوعات الدراسة التي بين أيدينا الآن . ذلك لأن خريطة استخدام الأرض في المدينة تمثل وسيلة رئيسة يلجأ إليها الجغرافيون أحياناً عند دراستهم للتركيب الوظيفي للمدينة ( )، ومن الطبيعي أن تتشكل هذه الخريطة وتتحدد الاستخدامات عليها وفق العديد من العوامل التي تؤثر في عمران المدينة ، ويختص بعضها بالوظيفة والآخر بالموضع والموقع وأيضاً السياسات الإقليمية أو القومية ( )، هذا بالإضافة إلي الخلفية التاريخية للمدينة ومجموعة عوامل أخرى ( ) ويختلف التنظيم المكاني لاستخدامات الأرض من منطقة لأخرى داخل المدينة الواحدة ، كما يختلف من مدينة لأخرى ( )، وقد أسهم العديد من الجغرافيين في دراسة هذا الموضوع حتى أصبحت خريطة استخدام الأرض علامة مميزة من علامات الإضافة في البحث الجغرافي في ميدان جغرافية المدن ( ) . وتتباين استخدامات الأرض تبعاً لأنواع الوظائف التي تتم في وحدات بنائية تشغل مساحات متفاوتة داخل المناطق الحضرية ، ولا يمكن تحليل توطن أي نوع من استخدامات الأرض وتوزيعه مثل الاستخدام الصناعي أو التجاري أو السكني علي حدة إلا في حالة فحص هذه الاستخدامات في مجملها ، لأن الصراع علي أشده بين الأنماط المختلفة من الاستخدامات الوظيفية علي شغل هذا المكان في المدينة بالإيجار أو بالملكية ( ) ، ومن خلال دراسة استخدام الأرض فقد شرح (HERD) تنافس الاستخدامات في احتلال الأماكن الأفضل في المدينة ، وخلص من شرحه بأن قيمة الأرض بالمدينة تعتمد علي القرب من القلب التجاري ، وأن كان ذلك أمراً نسبياً كما يذكر (كارتر) ، فيجب أن يدرس ذلك القرب في رأيه مع الأخذ في الاعتبار نمو المدينة وتركيبها الداخلي( ) . ولذلك فقد ظهرت العديد من النظريات التي تفسر هذا التركيب ( ) .
ولا تقتصر أهمية دراسة خريطة استخدام الأرض علي هذه الاختلافات الإقليمية بين مدينة وأخرى وداخل المدينة نفسها ( ) بل إنها تتعدى ذلك إلي الواقع العملي حيث تمثل هذه الخريطة حجر الزاوية والأساس الذي يبني عليه تخطيط المدينة لأن أي خطة ناجحة لابد وأن تقوم علي توفير المعلومات الأساسية عن أنماط وأنواع الاستخدام السائد ، كما تعكس الكثير من النسق الاجتماعي والاقتصادي لمجتمع المدينة بما تشغله الأرض من الأنشطة المختلفة ، وفي هذا الإطار تنوعت تقسيمات التركيب الوظيفي للمدينة وأساليب معالجة هذا التركيب وتحليله ( ) .
ويمثل استخدام الأرض بمدينة إدفو أحد الخصائص والملامح العمرانية المميزة لهذه المدينة ، مما يكمل صورة تفردها العمراني بين مجموعة مراكز العمران في محافظة أسوان ، وعلي الرغم من أن مدن مصر بصفة عامة تتسم في نموها الحديث بتداخل أو اختلاط استخدامات الأراضي فيها ، مما جعل من الصعب تحديد نمط مميز في تراتب هذه الاستخدامات مكانياً ( ) . فإن إدفو باعتبارها مدينة ذات مرحلة نمو سريع ، اكتسبت أهمية خاصة في بداية الثمانينيات ونهاية التسعينيات بممارستها للوظيفة الخدمية علي مدى أكبر. وكل ذلك ساعد بالضرورة علي وجود عدد غير محدود من الاستخدامات الوظيفية والتي وضحت من خلال الدراسة الميدانية والتي كان من أهم نتائجها وضع خريطة حديثة لاستخدام الأرض بالمدينة لعام 2003م
بيانات البحث وأهدافه
اعتمدت الدراسة على العمل الميداني من خلال استيفاء نموذج استبيان بإجمالي 1900 صحيفة ملحق (1) استوفي منها 1800 صحيفة غطت 9.2% من إجمالي مباني المدينة والبالغ عددها 19500 مبنى عام 1996( ) ، وركزت أسئلتها على استخدامات الأرض وعلاقتها بالقاعدة الاقتصادية للمدينة كما يتضح من الملحق (2) وقد تم استيفائها خلال شهر فبراير2003 ( ) ودعمت بزيارات ميدانية متكررة خلال شهر أغسطس جمعت خلالها ملاحظات عن صور الاستخدامات الموجودة بالمدينة ، واستكملت البيانات الحقلية السابقة ببيانات أخرى منشورة وغير منشورة عن السكن والصناعة والسياحة والزراعة والمرافق العامة، إضافة لمجموعة من الخرائط والصور الجوية للمدينة بمقاييس رسم مختلفة .
وترمى هذه الدراسة إلى :
1- تحديد استخدامات الأرض بالمدينة ومدى انعكاس الوظائف التي تؤديها علي هذه الاستخدامات ، فنحن أمام مدينة ذات حجم سكاني متوسط تستند علي الأنشطة الخدمية في قيامها وبقائها واحتمالات نموها مستقبلاً ؟ فهل يمكن أن تستثمر المتاح لديها لمزيد من النمو السكاني والعمراني ؟ ثم ما هي المناطق الممكن توجيه فائض الاستخدامات بالمدينة نحوها ؟ .
2- تأكيد دور الجغرافي وقدرته علي دراسة مشكلات المدن نتيجة نموها العمراني المتزايد ، إذ تعد دراسة استخدام الأرض بمنطقة ما جزءاً لا يتجزأ من دراسة التركيب الحضري المكاني ، كما أن لها أهمية خاصة في المجالات التخطيطية ، لما تقدمه من عمليات مسح وتحليل لأنماط استخدام الأرض والأنشطة المرتبطة بها ، ووضع حلول للمشكلات التي تعاني منها ومن ثم يتحقق الجانب التطبيقي أو النفعي للدراسة ( ) .
3- دراسة خصائص السكن في المدينة من حيث نشأته ومساحته ومواد البناء المستخدمة والارتفاعات وأعداد الغرف والتزاحم فيها وعلاقته بالسكان المقيمين .
4- التعرف علي أنماط استخدامات الأرض في المدينة وتقسيم رقعتها الداخلية لمناطق وظيفية متمايزة ويمكن تحقيق ذلك من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة يأتي في مقدمتها ما يلي :
• كيف تتوزع استخدامات الأرض في قلب المدينة لتؤدي وظائف معينة ؟ وما هي المتغيرات المؤثرة في هذا التوزيع ؟
• كيف يمكن النظر مستقبلاً لاستخدامات الأرض في منطقة القلب التجاري لتجنب المشكلات التي تعانيها مدن جنوب الصعيد ؟ وما هي أهم مشكلات التنمية العمرانية بالمدينة ؟
• كيف تكون صورة التوزيع الجغرافي لاستخدام الأرض في المدينة ؟ وما مقدار تغيرها وطبيعته وأسبابه ؟ وما هي طبيعة العلاقة بين خصائص المباني واستخدامات الأرض المختلفة ؟
• ما هي أبعاد الصورة العامة لعمليات التفاعل السائدة بمنطقة الأعمال المركزية وحدودها ؟ وما هي العوامل التي أثرت في نشأتها ونموها ومحاور اتجاهات هذا النمو ؟ وما هي طبيعة العلاقة بين كل من : مؤشر ارتفاع كثافة الأنشطة المركزية وأسعار الأراضي وحركة الاستخدامات المركزية ؟
وتقع مدينة إدفو التي نحن بصدد الحديث عنها عند التقاء دائرة العرض 59َ 24ْ شمالاً وخط الطول 52َ 32ْ شرقاً إلى الشمال من مدينة أسوان بحوالي 100كم ، وقدر عدد سكانها بنحو 61028 نسمة عام 2002 في منطقة مبنية تبلغ مساحتها 16.5كم2 بكثافة تقدر بـ 3699 نسمة ، وتتألف إدارياً من أربع مناطق رئيسة تضم كل منطقة مجموعة من المناطق الفرعية وهي : المنطقة الشمالية ، والمنطقة الجنوبية، والمنطقة الوسطي(غرب)، والمنطقة الوسطي(شرق) كما هو موضح من دراسة الشكل(1) ( ) وقد اعتمد الباحث في إتمام هذه الدراسة علي المنهجين الأصولي والإقليمي بالإضافة إلي الأسلوب الكمي والإحصائي لتفسير صور استخدامات الأرض وتحليلها وتقييمها وظيفياً ومكانياً ، وتحليل عمليات التفاعل السائدة بينها .
--------------------
* دكتور / عمر محمد علي محمد مدرس بقسم الجغرافيا كلية الآداب – جامعة حلوان .
( ) عبد الفتاح إمام حزين (1989) " استخدامات الأراضي بمدينة أبها بالمملكة العربية السعودية " ، مجلة دراسات جغرافية ، جامعة المنيا ، العدد 14 ، ص 1 .
( ) Northam , R.M. , (1979) “ Urban Geography “ , John Wiley , New York , P. 217
( ) Clark , D., (1982) : “ Urban Geography ” , Croom Helm , London , p.p 22- 33 .
( )Kirby , A. & Others , (1999) : “ Public Service Provision and Urban Development “ , Croom Helm , London , p.p 22- 29 .
( )Hall , P., (1992) : “ Urban and Regional Planning “ , Routledge , London ,p.p 18- 26
( ) فتحي محمد أبو عيانة (1989) " دراسات في الجغرافية البشرية " ، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ص.ص 549 - 550
( ) محمد مدحت جابر عبد الجليل (1978) " مركز المنيا – دراسة في جغرافية العمران " ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الآداب ، جامعة الإسكندرية ، ص120 .
( ) أهم هذه النظريات هي : نظرية القطاعات ، ونظرية النوايات المتعددة ، نظرية الحلقات الدائرية ، وأخيراً نظرية العلاقات المركزية .
( ) Toyne ,P.& Newby ,P.,(1984) : “Techniques in Human Geography “ , Hong Kong , p.p 11- 19 .
( )Rhind , D. & Hudson , R., (1980) : “ Landuse “ , New York , p.p 33 - 39
( ) عيسي علي إبراهيم (2001) " استخدامات الأراضي في وسط مدينة مرسي مطروح " ، مجلة الإنسانيات ، كلية الآداب بدمنهور ، جامعة الإسكندرية ، العدد السابع ، ص245 .
( ) المصدر : الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء " التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت – النتائج النهائية للظروف السكنية "، محافظة أسوان، مرجع رقم 1103/ 1998،أبريل 1999، ص3 .
( ) أجريت الدراسة الميدانية بمنطقة البحث علي مرحلتين المرحلة الأولي من 1 / 2 / 2003 – 5 / 2 / 2003 ، المرحلة الثانية من 8 / 2 / 2003 – 12 / 2 / 2003 .
( ) محمد إبراهيم رمضان ، ومحمد إبراهيم حسن شرف (2004) " الاتجاهات الحديثة في الجغرافية التطبيقية " ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، ص122 .
( )هناك دراسة للباحث تحت النشر بعنوان " بعض خصائص العمران في مدينة إدفو "، مجلة الجمعية الجغرافية المصرية.